ويتنوع استخدام الجسم لمصادر الطاقة تلك، وينتقل بين استخدام هذه المصادر حسب الحاجة الفسيولوجية التي تقتضيها طبيعة النشاط والجهد البدني المبذول وحسب درجة الجوع والإطعام للجسم. وقد قسم العلماء مراحل استخدام الطاقة (أي توليدها واستعمالها) في الجسم إلى ثلاث مراحل تعتمد على درجة ومستوى الجوع والإطعام، وأطلقوا عليها مجتمعة اسم دورة الجوع والإطعام Starve- Fed Cycle.
ويعد هرمون الإنسولين الذي تفرزه خلايا بيتا في جزر لانجرهانز في البنكرياس العامل الحيوي المباشر المسؤول عن مجمل عمليات الأيض والتمثيل للسكر في الجسم. حيث يقوم هذا السكر بتنظيم مستوى سكر الدم ضمن حدوده الطبيعية 60-110 ملغم/ديسيلتر، وذلك من خلال آليتين اثنتين هما: الأولى، المساهمة في إدخال سكر الجلكوز من الدم إلى الخلايا، كيما تقوم الأخيرة بالاستفادة منه في عمليات التنفس الخلوي اللازمة إنتاج الطاقة التي تستخدمها الخلايا في القيام بالعمليات الحيوية المختلفة. الثانية، عملية تحويل الفائض من سكر الدم إلى النشا الحيواني المعروف بالجلايكوجين، وتخزينه في مستودعاته في الكبد والعضلات.
وتتمحور عمليات إنتاج وتوليد الطاقة في الجسم حول مدى قدرة الجسم على المحافظة على مستوى سكر الجلوكوز ضم حدوده ومستوياته الطبيعية في الجسم، وتتم لأجل ذلك العديد من التفاعلات الحيوية التي تنشد تحقيق ذلك الهدف.ففي حالة الصيام أو الجوع، وعندما يحرم الجسم من تناول مصادر الطاقة، يقوم الجسم بتغيير مسارات الايض وإنتاج الطاقة ويلجأ إلى وسائل جديدة تضمن المحافظة على تزويد الجسم بالطاقة وتحديداً الجلوكوز، وتدرء عنه خطر انخفاض مستواه في الدم.
فمن خلال استعراض العمليات الحيوية الأيضية في الجسم، نجدها ترتكز كلها على حقيقة واحدة وهي ضرورة توفير سكر الدم "الجلوكوز" والمحافظة على مستوياته الطبيعية في الدم ودرء انخفاضه عن حدوده الدنيا وعمل ما أمكن من تحليل للبروتينات والدهون في الجسم وتوظيفها في إنتاج الجلوكوز والبحث عن بدائل للطاقة لتوفير جلوكوز الدم؛ كلها تدل دلالة بينة على أهمية هذا السكر ودوره المحوري في صحة الجسم وحيويته.
إن هذا الفهم لدور سكر الجلوكوز في الجسم وأهميته الحيوية يساعدنا في فهم مغزى الحديث الشريف ومرماه (بيت لا تمر فيه جياع أهله). فالتمر يعد غذاءاً مركزاً بالسكريات البسيطة وأهمها الفركتوز، والذي يتحول سريعاً إلى سكر الدم الجلوكوز حالما تم هضمه وامتصاصه. وبالنظر إلى التحليل الكيماوي والتركيب الغذائي لللتمر (جدول 1) تبين لنا دور هذا النبات الحلو الطعم الطيب المذاق في درء حالة الجوع وعوز السكر، حيث تمثل الكربوهيدرات الكلية حوالي 75% من وزن التمر، فإن السكريات البسيطة غير المعقدة وسريعة الهضم والامتصاص تمثل قراية 66% منها، ويمثل سكر الجلوكوز أكثر من نصف تلك السكريات (34%) في حين يمثل سكر الفركتوز البسيط الجزء الآخر (32%) وهو سرعان ما يتحول إلى سكر الجلوكوز في الجسم.
وعند النظر إلى مؤشر منسوب سكر الدم للتمر، أو ما يعرف بـ Glycemic Index (GI)، وهو مؤشر يظهر مدى قدرة المادة الغذائية على رفع مستوى سكر الدم بعد ساعتين من تناولها، ويستخدم من قبل مرضى داء السكر لمساعدتهم في اختيار الأطعمة المناسبة لهم؛ يتبين لنا بشكل أوضح قدرة التمر على رفع مستوى سكر الدم بشكل سريع، وهو ما ينبني عليه حماية الجسم من أضرار انخفاض سكر الدم لدى الأشخاص الطبيعيين. وتشير جداول منسوب السكر إلى أن التمر هو الغذاء الأكثر قدرة على رفع سكر الدم على الإطلاق من بين جميع أنواع الفواكه والأطعمة الحلوة الطبيعية غير المصنعة، وبقيمة 147 (جدول رقم 2). وفي هذا دلالة وأي دلالة على قدرة التمر على رفع مستوى سكر الدم ومن ثم التخلص من كافة الأعراض السلبية الناجمة عن انخفاضه والمرافقة لحالة الجوع والعوز، والتي ذكرت آنفاً.
كما تجدر الإشارة إلى أنه يحتمل وجود مركبات أو عناصر أخرى في التمر، عدا السكر، تسهم في التأثير على عملية الجوع والحد من مسارات الأيض الخاصة بها، إذ يعد التمر مصدراً غنياً جداً بالبوتاسيوم، إضافة إلى احتوائه كميات جيدة من الفيتامينات الذائبة في الماء وخاصة النياسين (ب3) (جدول 1).
وما زال العلم الحديث يكشف عن دور وخصائص المركبات النباتية العضوية Phytochemicals وعن أدوارها ووظائفها الفسيولوجية والحيوية المختلفة، والتي قد تكون ذات تأثير وفعل في عملية الجوع وعلى مسارات الأيض وانتاج الطاقة في الجسم، وهو ما يحتاج إلى البحث العلمي لتأكيده والتحقق منه.
وختاماً، فإن الربط المباشر الوارد في الحديث الشريف بين تناول التمر وحصول الشبع، وهو نقيض الجوع وخلافه، يمثل دلالة علمية واضحة وإشارة بيِّنة على سبق نبوي معجز في تقرير حقيقة علمية مفادها: أن التمر وما يحويه من مكونات ممثلة بالسكر يمثل غذاء موائماً لدرء خطر الجوع وما ينبني عليه من نقص لسكر الدم وما يتبعه من تغيرات سلبية ضارة على صحة الجسم، وهو إن دل فإنما يدل على حكمة العليم الخبير الذي علم نبيه -صلى الله عليه وسلم- وأطلعه على سر من أسرار هذا الكون وما فيه من مخلوقات وآيات أبدعها الله -عز وجل- وأخبرها لنبيه -صلى الله عليه وسلم- تأييداً لدينه وتثبيتاً لأتباعه وتأكيداً على صدق نبوته وثبوت رسالته وسروخ مبدئه، وأنه مرسل من عند الله اللطيف الخبير ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ ﴿الملك: ١٤﴾ ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ.إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ﴾ ﴿النجم: 3-4 ﴾.