مَن زار مدينة شنغدو الصينية عاصمة العلم والثقافة وقبلة المستثمرين ، وعرج منها إلى مرتفعات إيمي شان التي تبعد نحو 250 كيلو متراً عنها ، والتي يجثم عليها تمثال ضخم لبوذا مطلي بالذهب .
حيث يصافح الضباب ، ويشرف على قمم جبلية تتسم بالخضرة والجمال ، يراوده الحنين للعودة إليها ثانية لينهل من منابع جمال الطبيعة العلم الكثير والمعرفة المفيدة ، وذلك بزيارة الحديقة الوطنية المشهورة باسم جيوتسايغو ، كما يطلق عليها (( الجنة في الأرض )) لما تحويه من جبال ووديان وغابات خضراء وبحيرات متعددة الألوان التي هي بمثابـة أسطـورة .
جيوتسايغو محمية طبيعية تقع في مقاطعة سيتشوان في جنوب غرب الصين ، تمتد نحو 240 كيلو متراً مربعاً في منطقة جبلية معروفة بمرتفعاتها الشاهقة ، وقد سُميت بوادي القرى التسع نسبة لوجود تسع قرى تبتية محيطة في المكان .
هذه المنطقة تعتبر لؤلؤة الصين الطبيعية حيث تتجاور الجبال الخضر شاهقة الارتفاع مع الوديان السحيقة ، وجميعها تحتضن الشلالات التي تستقبل ماءها من أعالي المرتفعات لتغذي البحيرات الزرقاء مكونة لوحة جمالية تسلب الألباب ، فمَن يشاهدها يحسب أنه تحت تأثير حلم جميل ، ولكنه سرعان ما يعيش الحقيقة والواقع مجسداً ذلك في أجمل الصور التذكارية .
وادي جيوتسايغو هو أول حديقة أنشئت في المنطقة عام 1978 وكان التركيز فيها على مكافحة قطع الأشجار ، ومن بعدها تحولت إلى مزار يؤمه ملايين السياح بأعداد كبيرة من جميع المناطق الصينية .
يفتح الوادي راحتيه لاستقبال الزوار مرحباً بهم مع تباشير كل يوم جديد ، فيشد انتباههم لون الطبيعة الخلاب المتناسق ويوقظ عندهم شغف مشاهدة الجمال الباعث على الهدوء والسكينة والحنان في رومانسية من وحي الطبيعة ، إضافة إلى الوضوح والصفاء .
فسحر الجمال يكافح الإعياء الشديد الذي يصيب عضلات الزوار من جراء السير الطويل في طرقات متشعبة ، يستجمعون طاقة أجسادهم وقواهم ويصعدون سلالم خشبية بممرات ضيقة تصل أطوالهــا إلى أكثر من 70 كيلو متراً تيسيراً لهــم كــي يصلــوا إلى أماكــن غير مرئيــة مــن الطريق بهـدف المشاهـدة والتصويـر .
يمتد الوادي لمسافة 12 كيلو متراً من البوابة الرئيسية وحتى يتفرع إلى فرعين على شكل حرف Y بالإنجليزية بطول 17 كيلو متراً يميناً ، و20 كيلو متراً يساراً ، حيث يبلغ إجمالي طوله نحو 40 كيلو متراً تتنوع بين جبال خضراء ، وأخرى صخرية جرداء وبحيرات زرقاء وكذلك شلالات فضية .
موقع استراتيجي
يقع وادي جيوتسايغو (( الحديقة الوطنية الصينية )) في منطقة طبيعية تكثر فيها الجبال الشاهقة والوديان السحيقة ، ما جعل سبيل الوصول إليها محفوفاً بالمخاطر والصعوبات عبر الطريق البري شديد الانحدار والضيق جداً ، فهو مكون من مسارين فقط في الاتجاهين ذهاباً وإياباً .
لذا أنشأت الحكومة الصينية مطار تشيو شوانغ على قمم المرتفعات المتشحة باللون الأخضر وعلى ارتفاع نحو 2160 متراً عن مستوى سطح البحر ، فهو مخصص لهبوط الطائرات الصغيرة التي تقل ملايين السياح سنوياً من شتى المدن الصينية عبر 7 شركات طيران محلية وطنية تعزززززززززززز السياحة الداخلية وتدعم الاقتصاد الصيني .
ويشهد المطار حركة طيران دؤوبة على مدار الساعة ، حيث يستقبل عشرات الطائرات يومياً ، فمن مدينة شنغدو وحدها يستقبل 23 طائرة يومياً خلال الذروة السياحية الواقعة خلال فترة الصيف ، و15 رحلة خارج نطاق الذروة أي بقية أيام السنة ، فما بالك بعدد الرحلات القادمة من بقية المدن ؟ .
هذا على الصعيد الجوي أما على الصعيد البري ، فهناك مئات المكاتب السياحية المنتشرة في جميع المدن بالتنسيق مع دائرة السياحة تنطلق منها الحافلات الكبيرة والصغيرة والسيارات لخدمة السياح ، ومن باب الحرص على راحتهم أنشئت رحلات سريعة ومريحة أي خدمة الـ Vip مع مرشدين سياحيين لمَن يرغب في ذلك مقابل نسبة زيادة في السعر على الرحلات العادية ، وجميع هذه الخدمات متوافرة على مدار العام وعلى مدى 24 ساعة .
الانطلاقة المنتظرة
ما إن تغادر مبنى مطار تشيو شوانغ حتى يلفحك برد رطب لم تلمسه قبل مغادرة مدينة شنغدو التي تبعد 35 دقيقة طيران ، فالفرق شاسع في درجات الحرارة ، ففي شنغدو درجة الحرارة 32 بينما في مطار تشيو شوانغ والمنطقة المحيطة به أقل من ذلك .
وفور الخروج من المطار تجد طابوراً طويلاً من الحافلات الكبيرة والصغيرة في انتظار القادمين حتى تقلهم إلى وجهتهم المقصودة ، والعاملون عليها يتهافتون لتقديم الخدمات ، وما إن تأخذ مكانك في إحداها وبعد اكتمال العدد تبدأ التحرك نحو طريق ملتوٍ شديد الانحدار ساعتها يتملكك الخوف من خطأ بشري يؤدي إلى الهلاك .
فالطريق محفوف بالمخاطر على مسافة تقارب 150 كيلو متراً ولكن جمال المناظر يدرأ عنك الخوف ويجعلك شغوفاً بالنظر يميناً ويساراً ، فترى أشجاراً أوراقها الملساء تلمع مثل حبات الكريستال بعد غسلها بقطرات الندى نتيجة انعكاس أشعة الشمس الذهبية عليها ، وتجاورها شجيرات تتباين في ألوانها وارتفاعاتها تفترشها نباتات عشبية وزهور متعددة الألوان تزيدها رونقاً وجمالاً .
حمام الغابة
في ركن مرتفع من الوادي هناك الغابات البدائية (( الأولية )) على ارتفاع 2960 متراً فوق مستوى سطح البحر ، تبلغ مساحتها 540 هكتاراً وتسمى تشوزنغ فالي أي حمام الغابة ، سُميت بهذا الاسم نظراً لما تتمتع به من غطاء نباتي مكون من أشجار الفير والسبيروسس التي تتراوح ارتفاعاتها بين 15 و27 متراً وتنمو تحتها نباتات يصل ارتفاعها إلى عشرات السنتيمترات .