
﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1)﴾سورة النحل
تفسير راتب النابلسى
﴿أَتَى﴾تعني أنه أتى، فهل هناك تناقض في هذه الآية ؟
القرآن الكريم من أساليبه البلاغية، أنه يعبر عن المستقبل بالفعل الماضي، تحقيقاً لوقوعه، وكأنه وقع، يعني هذا الذي وعد الله به، كأنه وقع، لذلك لما الله عز وجل يعد المرابي بمحق المال، المحق وقع مع وقف التنفيذ، حينما يعد المؤمن بحياة طيبة، الحياة الطيبة آتية لا محالة، حينما يعد المعرض عن الله عز وجل بمعيشة ضنك، المعيشة الضنك آتية لامحالة، حينما يعدنا ربنا أن نقف بين يديه لنحاسب عن كل أعمالنا، هذا الوقوف وقع لا محالة، فالتعبير عن المستقبل بالفعل الماضي إشارة إلى أنه محقق الوقوع.
لذلك الزمن من خلق الله عز وجل، الله جل جلاله، لا يسأل عنه بما كان، لأنه خالق الزمان، ولا أين هو، لأنه خالق المكان، يعني الذي سيكون يعلمه الله عز وجل، علم ما كان، وعلم ما يكون، وعلم ما سيكون، وعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون
تفسير ابن كثير
يخبر تعالى عن اقتراب الساعة ودنوها معبرا بصيغة الماضي الدال على التحقق والوقوع لا محالة [ كما قال تعالى ] : ( اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة
معرضون ) [ الأنبياء : 1 ] وقال : ( اقتربت الساعة وانشق القمر ) ( القمر :1).وقوله : ( فلا تستعجلوه ) أي : قرب ما تباعد فلا تستعجلوه .
يحتمل أن يعود الضمير على الله ، ويحتمل أن يعود على العذاب ، وكلاهما
متلازم ، كما قال تعالى : ( ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم
العذاب وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون يستعجلونك بالعذاب وإن جهنم ل
محيطة
بالكافرين ) [ العنكبوت : 53 ، 54 ] .
وقد ذهب الضحاك في تفسير هذه الآية إلى قول عجيب ، فقال في قوله : ( أتى أمر الله ) أي : فرائضه وحدوده .وقد رده ابن جرير فقال : لا نعلم أحدا استعجل الفرائض والشرائع قبل وجودها
بخلاف العذاب فإنهم استعجلوه قبل كونه ، استبعادا وتكذيبا .

تفسير البغوى
( أتى ) أي جاء ودنا وقرب ، ( أمر الله ) قال ابن عرفة : تقول العرب: أتاك
الأمر وهو متوقع بعد ، أي : أتى أمر الله وعدا فلا تستعجلوه وقوعا .( أمر الله ) قال الكلبي وغيره : المراد منه القيامة .قال ابن عباس لما نزل قوله تعالى " اقتربت الساعة " ( القمر - 1 ) قال الكفار بعضهم لبعض : إن هذا يزعم أن القيامة قد قربت فأمسكوا عن بعض ماكنتم تعملون حتى تنظروا ما هو كائن ، فلما لم ينزل شيء [ قالوا : ما نرى شيئا فنزل قوله " اقترب للناس حسابهم " ( الأنبياء - 1 ) فأشفقوا ، فلما امتدت الأيام قالوا : يا محمد ما نرى شيئا مما تخوفنا به ] فأنزل الله تعالى : ( أتى أمر الله ) فوثب النبي صلى الله عليه وسلم ورفع الناس رءوسهم وظنوا أنها قد أتت حقيقة فنزلت ( فلا تستعجلوه ) فاطمأنوا .والاستعجال : طلب الشيء قبل حينه .ولما نزلت هذه الآية قال النبي صلى الله عليه وسلم : " بعثت أنا والساعة كهاتين وأشار بأصبعيه ، وإن كادت لتسبقني " .قال ابن عباس : كان بعث النبي صلى الله عليه وسلم من أشراط الساعة ولما مر
جبريل عليه السلام بأهل السموات مبعوثا إلى محمد صلى الله عليه وسلم قالوا: الله أكبر قامت الساعة .وقال قوم : المراد بالأمر هاهنا : عقوبة المكذبين والعذاب بالسيف وذلك أن النضر بن الحارث قال : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارةمن السماء ، فاستعجل العذاب ، فنزلت هذه الآية . وقتل النضر يوم بدر صبرا .
