عدلات

عدلات (https://adlat.net/index.php)
-   المنتدي الاسلامي العام (https://adlat.net/forumdisplay.php?f=4)
-   -   من مواعظ أمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنهما (https://adlat.net/showthread.php?t=363700)

راجين الهدي 16-04-2018 02:18 PM

من مواعظ أمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنهما
 
سم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

من مواعظ أمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنهما

من مواعظ أمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنهما
إنَّها أُّم المؤمنين أمُّ عبد الله، الصِّدِّيقة بنت الصِّدِّيق: عائشة بنت الإمام الصِّدِّيق الأكبر، خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبي بكرٍ عبد الله بن أبي قُحافة عثمان بن عامرٍ القرشيَّة، التَّيميَّة، المكِّيَّة.
عرفت بالذَّكاء الحادِّ، والحفظ الكثير لسنَّة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، امتدَّت بها الحياة حتى احتاج الناس لعلمها، وصارت من علماء الصحابة، بل هي سيِّدة الفقهاء من النساء على الإطلاق، عقد عليها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بمكة، وبنى بها في المدينة، وكانت من أحبِّ نسائه إليه، ووعت عنه علمًا كثيرًا، وجاءت البشارة بالزواج منها في رؤيا رآها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، لُقِّبت بالحُميراء؛ لبياضها وجمالها، ولم يتزوَّج النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بكرًا غيرها، ولا أحبَّ امرأةً حُبَّها.
كانت أمُّ المؤمنين من أكرم أهل زمانها، ولها في السخاء أخبارٌ عجيبةٌ.
قال عطاءٌ رحمه الله: كانت عائشة أفقه الناس، وأعلمهم، وأحسن الناس رأيًا في العامة.
مناقبها جمَّةٌ، وفضائلها كثيرةٌ، ماتت- بعد حياةٍ حافلةٍ بالبذل والسخاء، والعطاء العلميِّ - سنة (57) من الهجرة، رضي الله عنها وأرضاها (1).
* * *
_________
(1) سير أعلام النبلاء، ط. الرسالة (2/ 135).
(1/279)
________________________________________
• ولقد رويت عن أمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها بعض المواعظ؛ منها قولها (1):
«من أسخط النَّاس برضا لله، كفاه النَّاس، ومن أرضى النَّاس بسخط الله، وكله الله إلى النَّاس».
هذه الموعظة رويت مرفوعةً إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - كما عند الترمذيِّ وغيره - أنَّ معاوية - رضي الله عنه - كتب إلى عائشة أمِّ المؤمنين: أن اكتبي إليَّ كتباً توصيني فيه، ولا تكثري عليَّ، فكتبت عائشة إلى معاوية: «سلامٌ عليك أمَّا بعد: فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (من التمس رضاء الله بسخط النَّاس، كفاه الله مؤنة النَّاس، ومن التمس رضاء النَّاس بسخط الله، وكله الله إلى النَّاس)، والسَّلام عليك» (2).
والصحيح وقفه على عائشة كما أشار إليه الترمذيُّ، ورواه الحفَّاظ عنها رضي الله عنها.
والمقصود من هذه الموعظة: أن يتحرَّى العبد مرضاة الله وإن سخط من سخط، خاصة لمن ولَّاه الله تعالى مكانًة أو إدارةً أو رئاسةً؛ فإنَّ دواعي التماس الرِّضا من الخلق كثيرةٌ، ولكنَّها لا تُغني إذا صادمت رضا الله - عز وجل -، وتأمَّل في قوله تعالى: ... {يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 96]، فقد ذمَّ الله هؤلاء المنافقين الذين يحلفون بالله تعالى من أجل كسب رضا النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، مع ما استقرَّ في نفوسهم من الكفر والكبر، فالتمسوا رضا المخلوق في غفلةٍ عن رضا الخالق سبحانه، فلم ينفعهم ذلك.
_________

(1) الزهد؛ لأحمد بن حنبل (ص 135) رقم (190).
(2) سنن الترمذي ح (2414).
(1/280)
________________________________________
تعرض للإنسان في حياته مواقف يتنازعها الصدق والكذب، ويتنازعها رضا مخلوقٍ وغضب الخالق، فهنا يأتي المحكُّ، ويظهر الإيمان، وتبدو آثار المراقبة لله تعالى، والمقطوع به أنَّ من التمس رضا المخلوق في سخط الخالق، عاد حامده من الناس ذامًّا، وحرم التوفيق ولو بعد حينٍ، والعكس صحيحٌ، وتأمَّل ما وقع للثلاثة الذين خلِّفوا، والذين ذكر الله قصتهم في كتابه الكريم خالدةً أبد الدهر!
لقد تخلَّف عن تبوك عشرات الناس، أكثرهم منافقون، لاذوا بالكذب؛ ليرضى عنهم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، ولم يبالوا برضا الله في تلك القضية، بينما ثبت كعب بن مالكٍ وصاحباه، فصدقوا- مع مرارة الصدق التي تجرُّعوها خمسين ليلةً- فكانت العاقبة لهم، بل صاروا أئمةً في الصدق يقتدى بهم، حيث قال الله تعالى مُعقِّبًا على قصتهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119].
وهكذا كلُّ من صدق مع الله، صدقه وأنجاه، ومن التمس رضا الخلق بسخطه، تعسَّرت أموره، وربَّما انقلب عليه أسياده، ومن التمس رضاهم، آذوه بعد أن كانوا له مُكرمين!
وبالجملة، فلنتذكَّر قول عائشة رضي الله عنها جيِّدًا، حينما يعرض لنا من عوارض الدُّنيا ما تتنازع فيه النفس وتتردَّد بين حظِّها وبين حقِّ الله: «من أسخط النَّاس برضا الله، كفاه النَّاس، ومن أرضى النَّاس بسخط الله، وكله الله إلى النَّاس»، ومن وكله الله إلى الناس- مهماكثروا وقويت شوكتهم- وكله الله إلى عجزٍ وضعفٍ.
* * *
(1/281)
________________________________________
• ومن مواعظها رضي الله عنها قولها (1):
«أقلُّوا الذُّنوب؛ فإنَّكم لن تلقوا الله بشيءٍ أفضل من قلَّة الذُّنوب».
سبحان الله! ما أجمل هذه الموعظة!
إنَّ كثيرًا من الناس قد لا ينشط للطَّاعات، ولا يستطيعها، خاصةً في مواسم الطاعات الفاضلة، فمن أحسن الصدقات على النفس في هذه الحال أن يُقِلَّ من الذنوب والمعاصي؛ ولهذا لما ذكر الله تعالى الأشهر الحرم ومكانتها، قال: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: 36]، فتأمَّل كيف عقب سبحانه عليهم بقوله: {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ}؛ وذلك بفعل المعاصي صغارها وكبارها، وهذا لا ريب أنَّه من ظلم النفس.
قد يعجز بعض الناس عن صيام الهواجر، أو قيام الليل، أو الصدقة، أو الحجِّ والعمرة، أو الجهاد في سبيل الله تعالى؛ لأنَّها أفعالٌ تتطلب جهدًا وصبرًا ومصابرةً، ولكنَّ ترك المعاصي غاية ما فيه عدم الفعل، نعم، هو يحتاج إلى مجاهدة النفس على ترك المعصية، لكنَّها أيسر وأسهل على من يسَّرها الله عليه.
ولله درُّ الإمام سفيان الثَّوريِّ حين قيل له: يا أبا عبد الله، لو دعوت بدعواتٍ؟ قال: ترك الذنوب هو الدعاء (2).
وهو يشير بذلك إلى أنَّ من أعظم ما يحقِّق إجابة الدعاء: ترك الذنوب، وفي المقابل: الذنوب سببٌ للخِذلان، والحرمان.
_________
(1) الزهد؛ لوكيع (ص 535) رقم (273).
(2) حلية الأولياء (6/ 393).
(1/282)
________________________________________
إنَّ الإقلال من الذنوب له ثمراتٌ وفوائد كثيرةٌ، لو لم يكن منها - كما قال ابن القيِّم- إلا السلامة من الوحشة التي «يجدها العاصي في قلبه بينه وبين الله، لا توازنها ولا تُقارنها لذَّةٌ أصلًا، ولو اجتمعت له لذَّات الدُّنيا بأسرها، لم تف بتلك الوحشة! وهذا أمرٌ لا يُحُّس به إلا من في قلبه حياةٌ، وما لجرح بميِّتٍ إيلامٌ، فلو لم تترك الذنوب إلا حذرًا من وقوع تلك الوحشة، لكان العاقل حريًّا بتركها.
وشكا رجلٌ إلى بعض العارفين وحشةً يجدها في نفسه، فقال له:
إذا كنت قد أوحشتك الذُّنوب ... فدعها إذا شئت واستأنس

وليس على القلب أمرُّ من وحشة الذنب على الذنب، فالله المستعان! (1).
وقال ابن القيِّم رحمه الله في موضعٍ آخر: «لو لم يكن في ترك الذنوب والمعاصي إلا: إقامة المروءة، وصون العرض، وحفظ الجاه، ومحبة الخلق، وصلاح المعاش، وراحة البدن، وقوة القلب، وطيب النفس، ونعيم القلب، وانشراح الصدر، والأمن من مخاوف الفسَّاق والفجَّار، وقلة الهمِّ والغمِّ والحزن، وعزُّ النفس عن احتمال الذُّلِّ، وصون نور القلب أن تُطفئه ظلمة المعصية، وتيسُّر الرزق عليه من حيث لا يحتسب، وتيسير ما عَسُرَ على أرباب الفسوق والمعاصي، وتسهيل الطاعات عليه، وتيسير العلم، والثناء الحسن في الناس، وسرعة إجابة دعائه، وزوال الوحشة التي بينه وبين الله، وقُرْبُ الملائكة منه، وبُعْدُ شياطين الإنس والجنِّ منه، وتنافس الناس على خدمته وقضاء حوائجه ... إلخ
_________
(1) الجواب الكافي (ص 52).
(1/283)
________________________________________
كلامه رحمه الله» (1)؛ أي: لكفى بذلك داعيًا لترك الذنوب والمعاصي.
نسأل الله أن يرزقنا عزَّ الطاعة، وأن يعيذنا من ذلِّ المعصية، وأن يجعلنا من المنتفعين بهذه المواعظ الربانيَّة، وألَّا يجعل حَّظنا منها مجرد العلم والنقل، والحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله وسلَّم وبارك على نبيِّنا وإمامنا وسيِّدنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
* * *
_________
(1) الفوائد؛ لابن القيم (ص 151) باختصار
مواعظ الصحابة لعمر المقبل





أم أمة الله 16-04-2018 02:32 PM

رد: من مواعظ أمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنهما
 
بارك الله فيكِ ونفع بكِ

Love River 23-04-2018 02:14 PM

رد: من مواعظ أمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنهما
 
ابدعتِ وتألقتِ وتميزتِ جزاكِ الله خيراً


الساعة الآن 12:16 PM