

 شرح الحديث :
 ولما كان سياق الحديث يذكر شيئا مما لا تُدركه حواس البشر ولا إمكاناتهم في  ذلك الزمان - مما يتعلق بعلم الأجنة وأطوارها -، اعتبر العلماء هذا الحديث  عَلَما من أعلام نبوته ، ودليلاً على صدق رسالته ؛ لأن هذا الوصف التفصيلي  المذكور هنا ما كان ليُعرف في ذلك الوقت ، وإنما عٌرف في الأزمنة المتأخرة  بعد تطور العلوم وآلاتها ، وهذا الذي جعل ابن مسعود رضي الله عنه يصدّر  حديثه بقوله : " حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق "  فهو الذي ما أخبر بشيء على خلاف الواقع ، وما جُرّب عليه كذب قط ، ولا  يُوحى إليه من ربّه إلا الحق .
 وقد جاء ذكر مراحل تطوّر خلق الإنسان في بطن أمه على مراحل أربعة ، أولها :  ما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم : ( إن أحدكم يُجمع خلقه في بطن أمه  أربعين يوما نطفةً ) ، إنها مرحلة التقاء ماء الرجل بماء المرأة ، ويظل هذا  الماء المهين على حاله ، قبل أن يتحوّل إلى طور آخر ، وهو طور العلقة ،  ويٌقصد بها قطعة الدم الجامدة ، وسُمّيت بذلك لأنها تعلق في جدار الرحم .
 ومع مرور الأيام تزداد تلك العلقة ثخونة وغلظة حتى تتم أربعيناً أخرى ،  لتتحوّل إلى قطعة لحم صغيرة بقدر ما يُمضغ – ومن هنا جاء اسمها - ، وقد ذكر  الله تعالى وصفها في قوله : { مضغة مخلقة وغير مخلقة } ( الحج : 5 ) ،  وتظلّ تلك المضغة تتشكل تدريجياً ، حتى إذا أتمت مائة وعشرين يوما ، عندها  تأتي المرحلة الرابعة : فيرسل الله سبحانه وتعالى الملك الموكّل بالأرحام ،  فينفخ فيها الروح ، فعندها تدب فيها الحركة ، وتصبح كائناً حياً تحس به  الأم .
 ونجد هذه الصورة التفصيلية المذكورة في الحديث مواقفة لكتاب الله ، في مثل  قوله تعالى: { ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ، ثم جعلناه نطفة في  قرار مكين ، ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما  فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين } (  المؤمنون : 12-14 ) ، وقوله تعالى : { يا أيها الناس إن كنتم في ريب من  البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير  مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا } (  الحج : 5 ) .
 ولك أيها القاريء الكريم أن تلتمس الحكمة من خلق الإنسان طورا بعد طور -  وهو القادر سبحانه على أن يقول للشيء كن فيكون -، إنها تربية إيمانية على  التأني في الأمور ، وعدم استعجال النتائج ، كما أنها توضيح للارتباط الوثيق  الذي جعله الله سبحانه وتعالى بين الأسباب والمسبّبات ، والمقدمات  والنتائج ، ومراعاة نواميس الكون في ذلك .
 وبعد هذا الوصف العام لتلك الأطوار ، يحسن بنا أن نسلط الضوء على بعض  القضايا المتعلقة بهذه المراحل ، فنقول وبالله التوفيق : لم يختلف العلماء  على أن نفخ الروح في الجنين إنما يكون بعد مائة وعشرين يوماً ، وهو ما دلت  عليه الأدلة ، وحينئذ فقط تتعلق به الأحكام الفقهية ، فإذا سقط الجنين في  ذلك الوقت صُلّي عليه - كما هو في مذهب الإمام أحمد -، وكذلك تجري عليه  أحكام الإرث ووجوب النفقة وغيرهما ، لحصول الثقة بحركة الجنين في الرحم ،  ولعل هذا يفسّر لنا تحديد عدة المرأة المتوفّى عنها زوجها بأربعة أشهر  وعشرة أيام - حيث تتحقق براءة الرحم من الحمل بتمام هذه المدة - .
 إلا أنه حصل الخلاف في تحديد المرحلة التي يحصل فيها تقدير أمور الرزق  والأجل والشقاء والسعادة ، فظاهر حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن ذلك يكون  بعد الأربعين الثالثة ، ويخالفه حديث حذيفة بن سعيد الغفاري رضي الله عنه ،  عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إذا مر بالنطفة اثنتان وأربعون  ليلة ، بعث الله إليها ملكا ، فصورها وخلق سمعها وبصرها ، وجلدها ولحمها  وعظامها ، ثم قال : يا رب ، أذكر أم أنثى ؟ ، فيقضى ربك ما شاء، ويكتب  الملك ثم يقول : يا رب ، أجله ؟ ، فيقول ربك ما شاء ، ويكتب الملك ثم يقول :  يا رب، رزقه ؟ فيقضى ربك ما شاء ، ويكتب الملك ، ثم يخرج الملك بالصحيفة  في يده ، فلا يزيد على ما أمر ولا ينقص ) رواه مسلم ، فظاهر الحديث أن  تقدير الرزق والأجل يكون في الأربعين الثانية .
 أما بعد ذلك فإنه يصبح من علم الشهادة ، أو ما يُطلق عليه الغيب النسبي ،  إذ بعد الأربعين الثالثة يُطلع الله الملك على جنس المولود ، بل يُطلعه على  شقاوته وسعادته ، فمعرفة الإنسان لجنس المولود في تلك الفترة ما هو إلا  انكشاف لغيب نسبي قد عرفه من قبله الملك ، وليس علما بالغيب الحقيقي الذي  يكون قبل الأربعين الثالثة ، بل قبل كون الإنسان نطفة .
 وإذا عدنا إلى سياق الحديث ، نجد أنه ذكر مراحل الخلق كان تمهيدا لبيان  أهمية الثبات على الدين ، وتوضيحاً لحقيقة أن العبرة بالخواتيم ، فربما  يسلك الإنسان أول أمره طريق الجادة ، ويسير حثيثا نحو الله ، ثم يسبق عليه  الكتاب فيزيغ عن سواء الصراط فيهلك .
 وبالجملة فإن السائر إلى الله ينبغي أن يستصحب معه إيمانه بالقضاء والقدر ، ويكون وسطا بين الخوف والرجاء ، حتى يوافيه الأجل.
 معنى الحديث :
 القسم الأول: هم الذين لهم حق خاص، كالوالدين والأولاد والأقارب والجيران  والأصحاب والعلماء والمحسنين بحسب إحسانهم العام والخاص، فهذا القسم  تنزيلهم منازلهم يكون بالقيام بحقوقهم المعروفة شرعاً وعرفاً من البر  والصلة والإحسان والتوقير والوفاء والمواساة، وجميع ما لهم من الحقوق،  فهؤلاء يميزون عن غيرهم بهذه الحقوق الخاصة.
 ما يشمله التوجيه النبوي :
 وانظر إلى فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي قحافة - قبل أن يُسلم -،  فقد ذكر الإمام ابن حجر في الإصابة أن النبيُّ صلى الله عليه وسلم لما دخل  مكةَ فاتحا، ودخل المسجدَ الحرام، أتى أبو بكر رضي الله عنه بأبيه أبي  قحافة يقوده، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: (هلاّ تركتَ  الشَّيْخَ في بيته حتى آتيه؟) فقال: "يمشي هو إليك يا رسول الله أحق أن  تمشي إليه"، فأجلسه بين يدي رسول الله، فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم  صدره وقال: (أسلم تسلم)، فأسلم، وهنأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر  رضي الله عنه بإسلام أبيه.
 ومن ذلك أيضا: أمر الصغار بالخير، ونهيهم عن الشر بالرفق والترغيب، وبذل ما  يناسب من الدنيا لتنشيطهم وتوجيههم إلى الخير، واجتناب العنف القولي  والفعلي، قال صلّى الله عليه وسلم: (مُروا أولادكم بالصلاة لسبع سنين،  واضربوهم عليها لعشر) رواه أبو داود، وقد سلك رسول الله صلّى الله عليه  وسلم ذلك المسلك مع المؤلفة قلوبهم - من العطاء الدنيوي الكثير - ما يحصل  به التأليف، ويترتب عليه من المصالح، ولم يفعل ذلك مع من هو معروف بالإيمان  الصادق تنزيلاً للناس منازلهم.
 ومن ذلك أيضا: مخاطبة الزوجة والأولاد الصغار بالخطاب اللائق بهم الذي فيه  بسطهم، وإدخال السرور عليهم. ومن تنزيل الناس منازلهم كذلك: أن تُجعل  الوظائف الدينية والدنيوية والممتزجة منهما للأكفاء المتميزين، الذين  يفضُلون غيرهم في ولاية تلك الوظيفة، وكذلك ولاية القضاء: يختار لها الأعلم  بالشرع وبالواقع، الأفضل في دينه وعقله وصفاته الحميدة.
التوقيع لا يظهر للزوار ..
التوقيع لا يظهر للزوار ..
التوقيع لا يظهر للزوار ..
التوقيع لا يظهر للزوار ..
 
 قد تكوني مهتمة بالمواضيع التالية ايضاً
 | 
||||
| الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة | 
| أعمال يتضاعف اجرها اضعافا مضاعفة | nesrine | المنتدي الاسلامي العام | 24 | 18-09-2018 01:27 AM | 
| أحاديث لا تصح .. {عن رمضـآآنـ} | كيوت متل التوت | احاديث ضعيفة او خاطئة | 5 | 16-07-2017 09:40 AM | 
| أحاديث رمضانية مشهورة لكنها ضعيفة أو موضوعة | جنا حبيبة ماما | احاديث ضعيفة او خاطئة | 3 | 24-03-2017 12:23 AM | 
| حصرى احاديث عن النبى الكريم من تصويرى2024 احاديث من كتاب 100 حديث 2025 احاديث حصرى | ام سيف 22 | السنة النبوية الشريفة | 14 | 23-02-2017 01:19 PM | 
| فضل الامانه حديث قدسى عن فضل الامانه وشرح الحديث | هبه شلبي | السنة النبوية الشريفة | 2 | 24-06-2013 05:42 AM | 
جميع المشاركات تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع