
"المسيح ليس خالقاً، بل هو مخلوق لله، ونبي عظيم" تلك بعض آراء "أريوس" العالم النصراني المصري، والتي أخافت أسقف الإسكندرية "ألكسندر"، وزاد من مخاوفه أكثر سرعة انتشارها بين رجال الدين أنفسهم . 
ووصلت أصداء هذا الخلاف إلى الإمبراطور الروماني "قسطنطين" - الذي جعل من النصرانية ديناً رسمياً للدولة الرومانية -، فأرسل إلى "الإسكندر" وإلى "أريوس" رسالة ينصحهما فيها أن يتحليا بهدوء الفلاسفة في مناقشة قضاياهم، وألا يشركوا العامة في مجادلاتهم، وقلل الإمبراطور في رسالته من قيمة المسألة المثارة، ورأى أنها غير جديرة بالمناقشة، ولا يثيرها إلا من ليس لديهم عمل يشغلون به أنفسهم!!.
واجتمع المجلس في بهو أحد القصور الإمبراطوريّة تحت رياسة قسطنطين، وافتتح المناقشات بدعوة وجهها إلى الأساقفة يطلب إليهم فيها أن يعيدوا إلى الكنيسة وحدتها. وأكدَّ "أريوس" من جديد رأيه القائل بأن المسيح مخلوق، لا يرقى إلى منزلة الأب، ولكنه "مقدس" وخالفه أثناسيوس Athanasiua، رئيس الشمامسة، الذي رأى أنه إذا لم يكن المسيح والروح القدس كلاهما إلهين، فإن الشرك لابد أن ينتصر!!. ومع تسليم "أثناسيوس" بصعوبة تصور تشكل إله واحد من ثلاثة أشخاص إلا أنه قال: بأن العقل يجب أن يخضع لما فيه الثالوث من خفاء وغموض !!. ووافقه جمع من الأساقفة على قوله شكلوا الأغلبية التي أصدرت بموافقة الإمبراطور الروماني القرار الآتي: " نؤمن بإلهٍ واحد، آبٍ قادر على كل شيء، صانع كل الأشياء المرئيّة واللامرئيّة . وبربٍ واحدٍ يسوع المسيح، ابن الله، مولود الآب الوحيد، أي: من جوهر الآب، إله من إله، نور من نور، إلهٌ حق من إلهٍ حق، مولود غير مخلوق، مساوٍ للآب في الجوهر، الذي بواسطتهِ كل الأشياء وُجِدَت، تلك التي في السماء، وتلك التي في الأرض . الذي من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا نزلَ وتجسَّد، تأنَّس، تألَّم وقام في اليوم الثالث ".
وحكم المجمع على "أريوس" وموافقيه وأتباعه باللعنة والحرمان، ونفاهم الإمبراطور من البلاد. وصدر مرسوم إمبراطوري يأمر بإحراق كتب "أريوس" جميعها، وجعل إخفاء أيّ كتاب منها جريمة يعاقب عليها بالإعدام .
إن الإنجيل مليء بإظهار وإبراز الجوانب الإنسانية للمسيح - عليه السلام – فهو يظهر حياة المسيح حياة عادية يأكل ويشرب ويجوع وينام ويتعب كسائر الناس .
وكان - عليه السلام - حريصاً على إبداء حقيقة نفسه، فصرّح بأنه إنسان يوحى إليه، كما في يوحنا: 8/40: ( وأنا إنسان قد كلّمكم بالحق الذي سمعه من الله )، وصرّح بأنه ابن إنسان في أكثر من ثمانين موضعاً. وأوضح - عليه السلام - أنه رسول الله، فقال: ( من قبلني فليس يقبلني أنا بل الذي أرسلني )(مرقس: 9/37)، وقال كما في يوحنا ( 5/36)
أن الأب قد أرسلني )، وعندما سأله أهل بلده أن يشفي مرضاهم، قال: ( الحق أقول لكم إنه ليس نبي مقبولاً في وطنه ) (لوقا: 4/24) إذا فهو - وفق قوله وشهادته – إنسان كرمه الله بالوحي والنبوة والرسالة .
ولم تكن حقيقة نبوته غائبة عن أهل عصره ممن آمن به وصدقه، فكان بعض المؤمنين به يراه نبياً جديداً (متى: 21/46 )، وكان البعض يراه "إيليا" ( أحد أنبياء بني إسرائيل )، وآخرون يرونه: يوحنا المعمدان – يحيى بن زكريا – الذي سبق مجيئه المسيح ( مرقص: 6/14-16) . أما غير المؤمنين به فكانوا يرونه مجرد إنسان ( يوحنا: 10/23)، إذا فعقيدة ألوهية المسيح لم تكن معروفة أبداً في زمن عيسى لا عند المؤمنين به، ولا عند غيرهم.
وأوضح - عليه السلام - عقيدة التوحيد صافية نقية - عندما سئل عن أول الوصايا فأجاب: ( أن أول كل الوصايا هي: اسمع يا إسرائيل، الرب إلهنا رب واحد )(مرقس: 12/29) .
وأبطل عليه السلام الشرك بأوضح مثل فقال: ( لا يقدر أحد أن يخدم سيدين، لأنه إما أن يبغض الواحد ويحب الآخر، أو يلازم الواحد ويحتقر الآخر ) .
فإذا كانت مظاهر بشرية المسيح، وافتقاره وعبوديته لربه، بهذا الوضوح وهذا الجلاء، فالسؤال الذي يطرح نفسه هو على ماذا استند النصارى في تأليه عيسى ؟ والجواب أنهم استندوا على بعض النصوص المتشابهة، وتركوا تلك النصوص الواضحة والجلية والتي أوردنا بعضها .
فمما استدلوا به إطلاق وصف "ابن الله" عليه، ففي إنجيل ( لوقا: 3/ 22): ( وكان صوت من السماء قائلاً: أنت ابني الحبيب بك سررت )، وهذا الوصف لا دليل فيه إطلاقاً على ألوهية المسيح، لأنه كان يطلق في "العهد القديم" و"العهد الجديد" على الأنبياء والصالحين، ومن أمثلة ذلك وصف المسيح لأهل الجنة بأنهم أبناء الله، كما في (لوقا: 20/36 ): حيث قال: ( لا يستطيعون أن يموتوا أيضاً لأنهم مثل الملائكة وهم أبناء الله )، وأُطلق وصف "ابن الله" على آدم عليه السلام كما في لوقا (3/38)، وكذلك وصف به داود كما في المزامير (2/7) قال الله لداود: ( أنت اليوم ابني )، ولو كان إطلاق وصف "ابن الله" على مخلوق يرفعه لمرتبة الألوهية لكان كل من أطلق عليه هذا الوصف إلهاً، ولما اختص المسيح وحده بذلك .
التوقيع لا يظهر للزوار ..
نكمل جزاكم الله خيرا
10/30)، وهو نص اقتطع من سياقه ففهم على غير وجهه، وبالرجوع إلى سياق النص يتضح معناه جلياً، وذلك أن اليهود أحاطوا بالمسيح – عليه السلام - قائلين له: ( إلى متى تعلق أنفسنا ؟ إن كنت أنت المسيح فقل لنا جهراً ؟ أجابهم يسوع: إني قلت لكم، ولستم تؤمنون . الأعمال التي أنا أعملها باسم أبي هي تشهد لي، ولكنكم لستم تؤمنون، لأنكم لستم من خرافي كما قلت لكم, خرافي تسمع صوتي، وأنا أعرفها فتتبعني، وأنا أعطيها حياة أبدية، ولن تهلك إلى الأبد، ولا يخطفها أحدٌ من يدي، أبي الذي أعطاني إياها هو أعظم من الكل، ولا يقدر أحد أن يخطف من يد أبي، أنا والأب واحد، فتناول اليهود أيضاً حجارة ليرجموه، أجابهم يسوع: أعمالا كثيرة حسنة أريتكم من عند أبي بسبب أي عمل منها ترجمونني ؟ أجابه اليهود قائلين: لسنا نرجمك لأجل عمل حسن، بل لأجل تجديف، فإنك وأنت إنسان تجعل نفسك إلهاً !! أجابهم يسوع: أليس مكتوباً في ناموسكم، أنا قلت: ( إنكم آلهة ) إن قال: آلهة لأولئك الذين صارت إليهم كلمة الله، ولا يمكن أن ينقض المكتوب، فالذي قدسه الأب وأرسله إلى العالم أتقولون له إنك تجدف لأني قلت: إني ابن الله )( يوحنا: 10/24-36)، فالمسيح – عليه السلام - أراد أن يخبر اليهود أن له أتباعاً ( خرافي )، وهو يعرفهم، ويعطيهم – بإذن الله - حياة أبدية ( الخلود في الجنة )، وهؤلاء الأتباع قد كتب الله لهم الهداية والاستقامة، فلن يستطيع أحد أن يضلهم ( يخطفهم ) عن الله، لأن الله أعظم من الكل، وقدره نافذ على الجميع، ولن يستطيع أحد أن يضلهم ( يخطفهم ) عني، لأني والأب واحد، فالدين أدعو إليه هو دين الله، يجعل الإيمان بي جزءا أصيلا فيه، فمن يضل عني يضل عن الله، ومن يضل عن الله يضل عني، فأنا والأب واحد، وهو تعبير مجازي يراد به وحدة الموقف، أو وحدة الغاية والهدف، أو قوة العلاقة، وذلك كقول الرجل لخصمه: إن تعادي صديقي زيد فأنت تعاديني فأنا وزيد واحد، وهو معنى يستعمله الناس قديماً وحديثاً، لكن اليهود لم يفهموا لغة المجاز التي يتحدث بها المسيح، فقد اعتادوا على فهم النصوص بحرفية حادة، فنظروا إلى قول المسيح: ( أنا والأب واحد ) على أنه تجديف على الله أي كفر وإلحاد به، وكانوا يتصيدون له العبارات والمواقف، فبين لهم - عليه السلام - أن قوله هذا لا يحمل كفرا ولا جحودا لحق الله وعظيم مكانته، حيث استشهد لهم من ناموسهم ( كتابهم المقدس ) بأن فيه أن الله خاطب أنبياءه بقوله: ( إنكم آلهة )، وأراد – عليه السلام - باستشهاده هذا أن يقول لهم: إن ما أنكرتم علي من قولي: ( أنا والأب واحد )، أو من قولي في موضع آخر ( إني ابن الله ) لا يصح، لأن في كتابكم ما هو أعظم بالإنكار حيث أطلق على الأنبياء آلهة !! حينئذ سكت عنه اليهود، ولم ينبتوا ببنت شفه، ولو كان قصد المسيح ما فهمه النصارى اليوم من هذه اللفظة لكان في ذلك أعظم الحجة لليهود على قتله والتخلص منه فقد كانوا يتحينون ذلك وينتظرونه .
التوقيع لا يظهر للزوار ..
التوقيع لا يظهر للزوار ..
التوقيع لا يظهر للزوار ..

التوقيع لا يظهر للزوار ..
قد تكوني مهتمة بالمواضيع التالية ايضاً
|
||||
| الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
| مناظراتي .. مع .. قسيسي ورهبان .. كنيسة الزيتون | Marwa El-shazly | منوعات x منوعات - مواضيع مختلفة | 12 | 16-01-2019 07:47 PM |
| إعجاز القرآن الكريم في ذكر ولادة السيد المسيح عليه السلام | ضــي القمــر | الاعجاز العلمي | 13 | 05-01-2019 04:27 PM |
| حقيقة المسيح عليه السلام كما ذكرها القرآن | ЙǑŏƒ | قصص الانبياء والرسل والصحابه | 0 | 07-09-2015 10:26 AM |
جميع المشاركات تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع