
لَمَّا كَانَ الْجِهَادُ ذِرْوَةَ سَنَامِ الْإِسْلَامِ وَقُبَّتَهُ ، وَمَنَازِلُ أَهْلِهِ أَعْلَى الْمَنَازِلِ فِي الْجَنَّةِ ، كَمَا لَهُمُ الرِّفْعَةُ فِي الدُّنْيَا ، فَهُمُ الْأَعْلَوْنَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الذِّرْوَةِ الْعُلْيَا مِنْهُ ، وَاسْتَوْلَى عَلَى أَنْوَاعِهِ كُلِّهَا فَجَاهَدَ فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ بِالْقَلْبِ وَالْجِنَانِ وَالدَّعْوَةِ وَالْبَيَانِ وَالسَّيْفِ وَالسِّنَانِ ، وَكَانَتْ سَاعَاتُهُ مَوْقُوفَةً عَلَى الْجِهَادِ بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ وَيَدِهِ . وَلِهَذَا كَانَ أَرْفَعَ الْعَالَمِينَ ذِكْرًا ، وَأَعْظَمَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ قَدْرًا .
وَأَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْجِهَادِ مِنْ حِينِ بَعْثِهِ ،
فَهَذِهِ سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ أَمَرَ فِيهَا بِجِهَادِ الْكُفَّارِ بِالْحُجَّةِ وَالْبَيَانِ وَتَبْلِيغِ الْقُرْآنِ ،
وَهُوَ جِهَادُ خَوَاصِّ الْأُمَّةِ وَوَرَثَةِ الرُّسُلِ ،
وَلَمَّا كَانَ جِهَادُ أَعْدَاءِ اللَّهِ فِي الْخَارِجِ فَرْعًا عَلَى جِهَادِ الْعَبْدِ نَفْسَهُ فِي ذَاتِ اللَّهِ ،
فَهَذَانِ عَدُوَّانِ قَدِ امْتُحِنَ الْعَبْدُ بِجِهَادِهِمَا ، وَبَيْنَهُمَا
فَكَانَ جِهَادُهُ هُوَ الْأَصْلَ لِجِهَادِهِمَا ، وَهُوَ الشَّيْطَانُ ،
فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَعْدَاءٍ ،
فَأَعْطَى عِبَادَهُ الْأَسْمَاعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْعُقُولَ وَالْقُوَى ،
وَأَمَرَهُمْ مِنْ أَمْرِهِ بِمَا هُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْعَوْنِ لَهُمْ عَلَى حَرْبِ عَدُوِّهِمْ ،
فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ مَعَ الْمُتَّقِينَ مِنْهُمْ ، وَمَعَ الْمُحْسِنِينَ وَمَعَ الصَّابِرِينَ وَمَعَ الْمُؤْمِنِينَ ،
وَهَذِهِ الْمُدَافَعَةُ عَنْهُمْ بِحَسْبِ إِيمَانِهِمْ وَعَلَى قَدْرِهِ ،
وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُجَاهِدُوا فِيهِ حَقَّ جِهَادِهِ ،
فَحَقُّ جِهَادِهِ أَنْ يُجَاهِدَ الْعَبْدُ نَفْسَهُ لِيُسْلِمَ قَلْبَهُ وَلِسَانَهُ وَجَوَارِحَهُ لِلَّهِ ،
فَيَنْشَأُ لَهُ مِنْ هَذَيْنِ الْجِهَادَيْنِ قُوَّةٌ وَسُلْطَانٌ ، وَعُدَّةٌ يُجَاهِدُ بِهَا أَعْدَاءَ اللَّهِ فِي الْخَارِجِ بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ وَيَدِهِ وَمَالِهِ ؛ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا .
وَاخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ السَّلَفِ فِي حَقِّ الْجِهَادِ :
فَحَقُّ التَّقْوَى وَحَقُّ الْجِهَادِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْقَادِرِ الْمُتَمَكِّنِ الْعَالِمِ شَيْءٌ ،
وَقَدْ وَسَّعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ غَايَةَ التَّوْسِعَةِ فِي دِينِهِ وَرِزْقِهِ وَعَفْوِهِ وَمَغْفِرَتِهِ ،
فَضْلًا عَمَّا لَا يُطِيقُونَهُ وَلَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ . 

التوقيع لا يظهر للزوار ..




التوقيع لا يظهر للزوار ..
جميع المشاركات تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع