[IMG]https://vb.***- /imgcache/***- _1364034050_498.png[/IMG]
كيف تروض نفسك؟
للشيخ محمد صالح المنجد
اسلام ويب
نفوسنا ملك لله تعالى خلقها وسواها (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) [الشمس:7-10] نفسك التي بين جنبيك خلقها الله عز وجل، وهداها ودلها، وأرشدها إلى الخير والشر وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ [البلد:10] هذه النفس إذا زكيتها بطاعة الله أفلحت ونجحت، وإذا دسيتها بمعصية الله خابت وخسرت.
هذه النفس يمكن أن تكون أعدى الأعداء (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) [يوسف:53] ويمكن أن تكون نفساً عزيزة كريمة مطمئنة (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي) [الفجر:27-30].
وإذا كانت تلومك على ما فعلت من الشر فهي نفس طيبة لوامة أقسم الله بها (وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) [القيامة:2] هذه النفس تحتاج إلى ترويض لكي تزكو فتفلح أنت يا صاحبها وتنجح.
قال ابن الجوزي : " والنفس كالمرأة العاصية في المداراة والسياسة، فهي تدارى عند نشوزها بالوعظ، فإذا لم تصلح فبالهجر، فإن لم تصلح فبالضرب، وليس في سياط التأديب أنفع من العزم والمجاهدة والمنع ".
الوسائل التي تروض النفس فتجعلها من الناجين المفلحين كالآتي:
1-الوعظ
فالوعظ أول هذه الوسائل، أن نعظ أنفسنا ونذكرها بالله عز وجل، فنحن محتاجون إلى الوعظ جداً، فنحن نحتاج إلى كتب وعظ نقرأها لنعظ أنفسنا، وأن نذهب إلى من نسمع منه كلاماً يرقق قلوبنا، والموعظة الطيبة قصيرة خفيفة مؤثرة بعيدة عن التعقيب، والواعظ إذا فرغ يقوم، كما أن موسى نبي الله ذكر الناس يوماً حتى إذا رقت القلوب، وفاضت العيون ولى؛ حتى تبقى الموعظة في النفوس.
هنا مسألة: لماذا إذا سمعنا الموعظة تأثرنا، فإذا غاب الواعظ وانقطعت الموعظة، أو خرجنا من خطبة الجمعة زال التأثر؟
أكثر العامة إذا وعظوا تأثروا وتراهم يبكون في رمضان في دعاء القنوت إذا كان مؤثراً، فالمواعظ عندهم كالسياط، والسياط لا تؤلم بعد انقضائها كما تؤلم وقت وقوعها، والموعوظ لا يحضر مجلس الوعظ في الغالب وهو جائع أو به حاجة، ولذلك يكون مقبلاً مستجمعاً نفسه، وإذا أتى المسجد يكون قد تخلى بجسمه وفكره عن أسباب الدنيا، فإذا غادر وعاد إلى الشواغل عادت إليه الغفلة، فكيف يبقى على ما يكون؟
فإذا استمعنا الموعظة ينبغي أن يكون عندنا عزم بلا تردد ولا التفات، ولو أحسسنا نقصاً عادياً فلسنا بملومين، لكن أن نغادر فنعصي أو نترك الواجبات هذه هي المصيبة.
وبعض الناس لا يتأثرون مطلقاً لا في حال الموعظة ولا بعدها، وبعضهم يتأثرون وقت الموعظة وينسى بعدها، وبعض الناس يريد الله بهم خيراً فيتأثرون وقت الموعظة ويستمر هذا التأثر بعد الموعظة.
كيف تعظ نفسك؟
إذا أرادت نفسك أن تنشغل بالدنيا ذكرها بقول الله: إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً [آل عمران:178].
إذا هوت نفسك متاعاً زائلاً عظها بقول الله تعالى: وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ [الزخرف:33-35].
وقل لها: ألم يدخل عمر رضي الله عنه إلى رسول الله وهو يتقلب على رمال الحصير قد أثر في جنبه، وبكى عمر وقال: (كسرى وقيصر في الديباج والحرير وأنت يا رسول الله في هذا ! فقال: ألا ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا).
وذكرها بقول الله، وعظها بسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
لو انشغلت نفسك في الدنيا فقل لها: ألم يقل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لو أن الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء).
فإذا رأيت نفسك تتكبر فروضها بموعظتها وبتذكيرها وبحقارة أصلها، وأنها خلقت من ماء مهين، وتقول لها: هل أنت إلا قطرة من ماء مهين تقتلك شرقة، وتؤلمك بقة (بعوضة) وإذا رأيت تقصيراً من نفسك فعرفها بحق سيدها ومولاها وربها سبحانه وتعالى.
وإن توانت عن العمل في الصلاة وفي غيرها فذكرها بحق سيدها وبقصر الأجل، وجزالة الثواب.
وإن مالت إلى الهوى فخوفها الإثم وعاجل العقوبة كقول الله تعالى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ [الأنعام:46] هذه العقوبات المعنوية، والعقوبات الحسية: سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ [الأعراف:146] هذه العقوبة أن الله لا يمكن بعض الناس من أن يتدبروا في آياته: سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ [الأعراف:146].
ولو أن نفسك تاقت لما عليه بعض أهل الدنيا والمعصية من الزخارف والبهجة والنعيم فذكرها بأنه يزول قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [القصص:79] ماذا قال الذين أوتوا العلم؟ انظروا -أيها الإخوة- ماذا يفعل العلم: وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً [القصص:80] ولكن لا يلقاها إلا الصابرون.
ذكرها أن بسط يد العاصي هو قبض في الحقيقة؛ لأن هذا البسط يوجب له عقاباً، وذكرها أن قبض يد الطائع -لو رأيت مسكيناً عابداً زاهداً متمسكاً بدينه لكنه ضعيف مستضعف مسكين- فذكرها أن قبض يد الطائع يوجب بسطاً في الحقيقة؛ لأن هذا القبض يوجب أجراً جزيلاً.
إن الله عز وجل يبتلي الناس بالممنوعات وبالمحرمات لينظر كيف تعملون؟ هل تمتنعون أو ترتكبون؟ هل ستتركون وتجتنبون أم ستلجون وترتكسون في أوحال هذه المعاصي؟
فماذا قال الشيطان لهما؟ (وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ) [الأعراف:20] مؤكد أن فيها سراً، الشجرة فيها سر. (مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ) [الأعراف:20].
ذكر نفسك أن الجنة حفت بالمكاره وأن النار حفت بالشهوات.
فالنفس تشتهي ما يؤدي إلى النار، وتكره القيود والتكاليف، ولكن من لاح له فجر الأجر هانت عليه مشقة التكليف، وهان عليه الليل؛ لأن الفجر قريب، فذكر نفسك بذلك يا عبد الله إذا دعتك إلى فعل ممنوع .
2-: تسلية النفس بآيات الوعد
(حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح).
يقول ابن الجوزي رحمه الله: مر بي حمالان تحت جذع ثقيل وهما يتجاذبان بإنشاد الشعر، فأحدهما يصغي إلى ما يقوله الآخر ثم يعيده أو يجيبه بمثله والآخر مثل ذلك، فرأيت أنهما لو لم يفعلا هذا زادت مشقة الطريق وثقل الأمر، وكلما فعلا هذا هان الأمر، فتأملت السبب في ذلك فإذا به تعليق فكر كل واحد منهما بما يقوله الآخر، وانشغال فكره في الجواب على صاحبه فينقطع الطريق وينسى ثقل المحمول
نحن كلفنا بأمور صعبة فيها مشقة مثل صلاة الفجر وإسباغ الوضوء، وإخراج المال -الزكاة والصدقة- والصيام فيه مشقة، وكذلك الحج، والصدق، والتعفف عن الحرام، وغض البصر، وعدم سماع الغناء؛ فالنفس تحب الألحان والطرب، ولتقطع الحياة -وهي الزمن والوقت- بتحمل المشاق لا بد أن يكون لك حادٍ، فإن الإبل في طريق السفر إذا كلت وملت ماذا يفعل سائق البعير -الراحلة-؟
ينشد لها، والعرب تسمي هذا النشيد حُداءً، والحادي يحدو بالإبل، فإذا حدا بها نشطت وأسرعت وذهب عنها الكلل والملل، نحن الآن نسير إلى الله، والعمر يمضي وفيه مشاق وتكاليف، وفيه صعوبات، وخاصة في هذا الزمان زمان الفتن، فتن الصور والمجلات وفتن التلفزيون، وفتن الملابس وفتن السوق وغيرها من الفتن الكثيرة.
وأنت تمشي في هذا الطريق عليك صلوات، وعليك صيام، وعليك التزام بالأخلاق الإسلامية والصدق والأمانة .. إلى آخره، والنفس تدعو إلى الروغان والمحرمات والوقوع في الممنوعات والكذب والخيانة، وأخذ المال من أي طريق، وإطلاق البصر، وإطلاق العنان للأذن تسمع ما تشاء.
لكي يمضي العمر وأنت تتحمل مشاق التكليف ماذا ينبغي عليك أن تفعل لتسوس نفسك وتروضها على قطع الطريق؟
تحدو بنفسك في مسيرها بآيات الله وذكره، وأحاديث رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ليست مثل ألحان الإبل، فالإبل لا تعقل ولا تفهم الكلام لكن تأنس بالصوت وتسرع لأجل الصوت، رغم أنها لا تفقه الكلمات.
الله ضرب مثلاً للذين يسمعون ولا يفهمون: (كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً) [البقرة:171] لا يفهم الكلام، لكنه يسمع صوتاً بدون فهم كلام، مثل الدابة ومثل الشاة عندما يدعوها الراعي تستجيب لكن بدون فهم للكلام، فنحن نحدو بأنفسنا في سيرها إلى الله بآيات وأحاديث ترفع الهمة وتنشط العزيمة، وتكبت الحرام، وتثبط الرغبة إليه، وهكذا نندفع في الطاعات ونحجم عن المعاصي، ونحن نسير إلى الله تعالى.
فتسلية النفس بآيات الوعد لتكون هذه الآيات والأحاديث في بيان الأجر والثواب
3-فطم النفس عن المألوفات
والنفس كالطفل إن تهمله شب علـى حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم
ومن وسائل ترويض النفس فطمها عن المألوفات، مهم أن يكون لدينا انقطاع عن المألوفات أحياناً، ونحن لا نحتاج أن نتكلف ذلك؛ لأن عندنا من العبادات ما يفطم نفوسنا عن مألوفاتها.
من أمثلتها:
عبادة تعود النفس على ترك المألوفات: الصيام، وقيام الليل، والحج، إذاً: عندنا في الدين عبادات تساعد النفس على ترك المألوفات فتنفطم النفس وتتقي، وهذا يساعد على ترك الحرام؛ لأنك إذا تركت الحلال المتعود عليه كالنوم والطعام لله وهو حلال، فأحرى أن تترك الحرام.