

ومن القصص القرآني الذي يندرج تحت هذا المعنى قصة هود عليه السلام، حيث ذُكرت هذه القصة في سور متعددة من سور القرآن الكريم، تارة بصورة فيها بعض التفصيل، كما في سور: الأعراف، هود، المؤمنون، الشعراء، الأحقاف. وتارة بصورة موجزة، كما في سور: فصلت، الذاريات، القمر، الحاقة، الفجر. وقد سميت سورة كاملة بسورة هود، تضمنت قصص عدد من الرسل عليهم السلام، وكان من بينها قصة هود مع قومه. قال ابن كثير: وقد ذكر الله قصتهم في القرآن في غير ما موضع؛ ليعتبر بمصرعهم المؤمنون. 
محصل القصة أن الله سبحانه أرسل رسوله هوداً عليه السلام إلى قومه يدعوهم إلى عبادة الله الواحد الصمد، ويطلب منهم نبذ عبادة غيره من الأوثان والآلهة، فاستخف به قومه، وسخروا منه، واستمروا في طغيانهم يعمهون، فعاقبهم الله على موقفهم، بأن أرسل عليهم ريحاً قوية، استأصلت شأفتهم، وجعلتهم حصيداً، ونجَّا الله هوداً والذين معه من المؤمنين. 
إن الحقيقة الأولى التي واجه بها هود عليه السلام قومه هي تقرير أن المستحق للعبادة هو الله وحده، ولا أحد سواه يستحق العبادة، فها هو ذا يخاطب قومه بقوله: {يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره} (الأعراف:65).
ثم أعلن لهم مبدأ المفاصلة، فبين لهم أن موقفه منهم موقف المتبرئ من شركهم، والمتحدي لطغيانهم، والمعتمد على الله في الانتصار عليهم، وهذا ما عبر عنه بقوله: {إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون * من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون * إني توكلت على الله ربي وربكم} (هود:54-56).
وقد أخبر القرآن الكريم عن العذاب الذي حلَّ بقوم هود بعبارات متنوعة ومعبرة، ونجى الله هوداً والذين آمنوا معه، فقال: {فأنجيناه والذين معه برحمة منا وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا وما كانوا مؤمنين} (الأعراف:72)، وقال: {وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة ألا إن عادا كفروا ربهم ألا بعدا لعاد قوم هود} (هود:60)، وقال: {فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم} (الشعراء:189). وقال: {فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون} (فصلت:16). وقال: {فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم * تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم} (الأحقاف:24-25)، وقال: {وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم} (الذاريات:41): وقال: {وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية} (الحاقة:6). وقال: {فصب عليهم ربك سوط عذاب} (الفجر:13). 
تضمنت قصة هود عليه السلام العديد من العبر والعظات، نذكر منها: 
جاء في بعض مواضع حديث القرآن عن هود عليه السلام قوله تعالى: {ألم تر كيف فعل ربك بعاد * إرم ذات العماد} (الفجر:6-7)، وقد زعم بعض الرواة أن (إرم) اسم مدينة، والصواب أن {إرم} هو إرم بن سام بن نوح. قال ابن كثير: من زعم أن (إرم) مدينة، فإنما أخذ ذلك من الإسرائيليات، وليس لذلك أصل أصيل. ولهذا قال: {التي لم يخلق مثلها في البلاد} (الفجر:8)، أي: لم يخلق مثل هذه القبيلة في قوتهم وشدتهم وجبروتهم، ولو كان المراد بذلك مدينة، لقال: التي لم يُبنَ مثلها في البلاد. ثم قال ابن كثير: وإنما نبهت على ذلك؛ لئلا يغتر بكثير مما ذكره جماعة من المفسرين عند هذه الآية، من ذكر مدينة يقال لها: {إرم ذات العماد} مبنية بلَبِن الذهب والفضة، قصورها ودورها وبساتينها، وإن حصباءها لآلئ وجواهر، وترابها بنادق المسك، وأنهارها سارحة، وثمارها ساقطة، ودورها لا أنيس بها، وسورها وأبوابها تصفر، ليس بها داع ولا مجيب، وأنها تنتقل فتارة تكون بأرض الشام، وتارة باليمن، وتارة بالعراق، وتارة بغير ذلك من البلاد، فإن هذا كله من خرافات الإسرائيليين، من وضع بعض زنادقتهم، ليختبروا بذلك عقول الجهلة من الناس أن تصدقهم في جميع ذلك.
وذكر ابن كثير عن الثعلبي وغيره خبراً، حاصله أن رجلاً من الأعراب في زمن معاوية رضي الله عنه ذهب في طلب بعير له شردت، فبينما هو يتيه في ابتغائها، إذ طلع على مدينة عظيمة لها سور وأبواب، فدخلها فوجد فيها قريباً مما ذكرناه من صفات المدينة الذهبية التي تقدم ذكرها، وأنه رجع فأخبر الناس، فذهبوا معه إلى المكان الذي قال، فلم يروا شيئاً. قال ابن كثير: الحكاية ليس يصح إسنادها، ولو صح إلى ذلك الأعرابي، فقد يكون اختلق ذلك، أو أنه أصابه نوع من الهوس والخبال، فاعتقد أن ذلك له حقيقة في الخارج، وليس كذلك. وهذا مما يقطع بعدم صحته. وهذا قريب مما يخبر به كثير من الجهلة والطامعين والمتحيلين، من وجود مطالب تحت الأرض، فيها قناطير الذهب والفضة، لكن عليها موانع تمنع من الوصول إليها والأخذ منها، فيحتالون على أموال الأغنياء والضعفة والسفهاء، فيأكلونها بالباطل.
وروى ابن كثير عند تفسيره لقوله تعالى: {وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم} (الذاريات:41) عن ابن أبي حاتم عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الريح مسخرة من الثانية -يعني من الأرض الثانية- فلما أراد الله أن يهلك عاداً أمر خازن الريح أن يرسل عليهم ريحاً تهلك عاداً، قال: أي رب! أرسل عليهم من الريح قدر منخر الثور؟ قال له الجبار: لا، إذاً تكفأ الأرض ومن عليها، ولكن أُرسل عليهم بقدر خاتم. فهي التي يقول الله في كتابه: {ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم} (الذاريات:42). قال ابن كثير بعد أن ساق هذه الرواية: هذا الحديث رَفْعُه منكر، والأقرب أن يكون موقوفاً على عبد الله بن عمرو. 

التوقيع لا يظهر للزوار ..
التوقيع لا يظهر للزوار ..

التوقيع لا يظهر للزوار ..
التوقيع لا يظهر للزوار ..
التوقيع لا يظهر للزوار ..
قد تكوني مهتمة بالمواضيع التالية ايضاً
|
||||
| الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
| قصة النبي محمد صلى الله عليه و سلم | قمر قمورة | صور x صور | 8 | 22-07-2019 06:24 PM |
| بنك معلومات (ثقافة عامة) | درة مكنونة | منوعات x منوعات - مواضيع مختلفة | 27 | 05-02-2019 06:57 PM |
| المواعظ الغالية | راجين الهدي | المنتدي الاسلامي العام | 3 | 08-06-2017 07:40 AM |
| رسائل وصور المولد النبوي 1445 صور بمناسبة مولد النبي رسائل بمناسبة مولد النبي محمد | ملآك ولكن.. | رسائل وتوبيكات | 12 | 23-05-2017 08:56 PM |
| قصة : هود عليه السلام | زاهرة الياياسمين | قصص الانبياء والرسل والصحابه | 7 | 15-03-2017 06:47 PM |
جميع المشاركات تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع