أو

الدخول بواسطة حسابك بمواقع التواصل

#1

افتراضي تفسير الذاريات الشيخ الشعراوى٤٧- ٥٥

وَٱلسَّمَآءَ بَنَيْنَٰهَا بِأَييْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ٤٧ وَٱلأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ ٱلْمَاهِدُونَ ٤٨ وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ٤٩


السماء يُراد بها كلّ مَا علانا { بَنَيْنَٰهَا بِأَييْدٍ .. } [الذاريات: 47] أي بقوة واقتدار وحكمة والبناء يتطلب العملية التي فيها مكين. ثم قال { وَٱلأَرْضَ فَرَشْنَاهَا .. } [الذاريات: 48] أي: مهَّدناها وبسطناها.
فالسماء فيها صفة الثبات، فقال { بَنَيْنَٰهَا .. } [الذاريات: 47] والأرض صفتها التغيير، فالمرتفع منها يصير إلى منخفض والتضاريس عليها يطرأ عليها التغيير، فقال { فَرَشْنَاهَا .. } [الذاريات: 48] وهيأناها على وضع يُريح سكانها كما نُهيء للطفل فراشه، فلا يكون فيه ما يقلقه.
{ فَنِعْمَ ٱلْمَاهِدُونَ } [الذاريات: 48] من كلمة المهد، وهو الفراش المريح، وحتى فراش الطفل دائماً ما ننظفه ونغيره من حين لآخر، فكذلك الأرض من صفتها التغيُّر وعدم الثبات.
وقوله سبحانه { وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } [الذاريات: 49] وفي موضع آخر قال تعالى: { سُبْحَانَ ٱلَّذِي خَلَق ٱلأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ ٱلأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ } [يس: 36] هذه الكلمة { وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ } [يس: 36] جعلتنا ننتظر زوجية لا نعرفها.
ومع تقدم البحث العلمي وجدنا زوجية في الذرة، ووجدنا أن المطر لا يتكوَّن إلا إذا حدث له تلقيح ذري، وعرفنا الزوجية في التيار الكهربائي، ووجدوها حتى في الجمادات.
وما يزال في جُعْبة العلماء الكثير، وكلها مسائل كانت العقول لا تطيقها قبل ذلك، لأن الأمة العربية التي نزل فيها القرآن كانت أمة أمية، ليس عندها شيء من الثقافة، ولو كُشفتْ لهم هذه الأمور ربما ضاقوا بها وانصرفوا بسببها عن أصل الدعوة.
لذلك الحق سبحانه وتعالى يعطيهم برقية موجزة في { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي ٱلآفَاقِ وَفِيۤ أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ .. } [فصلت: 53] ليظلّ الباب مفتوحاً يستوعب كل التطورات ويحتاط لكل جديد.
فالسين دلتْ على المستقبل و(نريهم) مضارع يفيد الاستمرار، فهذه الاكتشافات باقية، ومعينها لا ينضب إلى يوم القيامة.
وإذا كانت عملية التكاثر في الغالب والجمهرة أنها تأتي من ذكر وأنثى، فالحق سبحانه يحتفظ لنفسه بطلاقة القدرة، ويعطينا نماذج من البشر جاءتْ على غير هذه القاعدة.
وكأنه سبحانه يقول لنا: إياكم أنْ تظنوا أنني أقف عند هذه الأسباب بل أخلق ما أشاء، أخلق من زوجين، وأخلق بلا زوجين أصلاً، وأخلق من زوج واحد.
يعني: استوعبت طلاقة القدرة في هذه المسألة كلّ أوجهها، ثم { وَيَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيماً .. } [الشورى: 50] فيتوفر الزواج، لكن لا يأتي التكاثر.
ولأن مسألة خلق الأزواج كلها مسألة عجيبة استهلها الحق سبحانه بقوله: { سُبْحَانَ ٱلَّذِي خَلَق ٱلأَزْوَاجَ كُلَّهَا .. } [يس: 36] يعني: لا تتعجب لأنك أمام قدرة الله، وتنزه سبحانه عن أنْ تقيسه بشىء آخر.


تفسير الذاريات الشيخ الشعراوى٤٧- ٥٥
فَفِرُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ٥٠ وَلاَ تَجْعَلُواْ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ٥١ -الذاريات


هذا أمر بالفرار، والفرار أي الهرب يكون من مخُوف يقبل عليك وأنت تخاف منه، وتريد أنْ تنجو بنفسك منه وتفر إلى مأمن يحميك، وهذه العملية عناصرها فارٌّ، ومفرور منه، ومفرور إليه.
والمخاطبون هنا من الله تعالى هم عباده يقول لهم { فَفِرُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ .. } [الذاريات: 50] من أي شيء يفرون؟
إذا كان الفرار إلى الله، فهم يفرّون من كل ما يناقض الله، ومن كلِّ ما يخالف شرعه، يفرون من إبليس الذي ينازع الله في التكاليف، يفرون من شهوات نفوسهم، يفرون إلى الله من الأهواء والنزوات، يفرون من العذاب إلى النعيم المقيم.
إذن: معنى الفرار هنا الانتقال من شيء مخيف إلى شيء آمن، ولن تجدوا لكم ملجأ أأمن لكم من حضن خالقكم سبحانه، ففيه الأمن والراحة والسعادة والنعيم، حتى العقوبة حينما يُشرِّعها على المخالفة يُشرِّعها من أجل أنْ تعودوا إليه وتفروا إلى ساحته.
فهو سبحانه حريص عليكم لأنكم عباده وصنعته، وكلُّ صانع يحرص على سلامة صنعته وحمايتها مما يتلفها.
ونحن بدورنا نتعلم من ربنا تبارك وتعالى هذا الدرس فنتقن أعمالنا، كما علَّمنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أنْ يُتقنه" .
فإتقان الصَّنعة يزيد النغمة الإيمانية العقدية في الكون، ويكفي أن كل مَنْ يرى صنعتك يقول: الله الله، فتكون أنت سبباً لذكر الله، وهذه النغمة لا يرددها الإنسان فحسب، إنما يرددها الكون كله ويطرب لها، فالإنسان ما هو إلا فرد في هذه المنظومة الذاكرة.
إذن: { فَفِرُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ .. } [الذاريات: 50] تعلقوا بحبله، واستمسكوا بهديه، وكونوا في جانبه، كونوا مع شرعه، سيروا معه حيث سار، كما يقولون عندنا في الفلاحين (اتشعلق في ربنا وحط رجلك زي ما أنت عايز) فما دُمْتَ في جنب الله فلن يضرك شيء، وصدق القائل:

يا رب حُبك في دمي وكياني نورٌ أغر يذوبُ في وجداني
أنا لا أضام وفي رحابك عصمتي أنا لا أخافُ وفي رضاك أماني

وقوله تعالى: { إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } [الذرايات: 50] المتكلم هنا رسول الله فهو النذير من عند الله، وقال { نَذِيرٌ .. } [الذاريات: 50] لأن الفرار يناسبه الإنذار لتفرّ مما يخيفك إلى ما يُؤمِّنك. و{ مُّبِينٌ } [الذاريات: 50] أي: نذارتي لكم واضحة، وحجتي بيِّنة ظاهرة.




{ وَلاَ تَجْعَلُواْ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } [الذاريات: 51] أي: لا تتخذوا إلهاً إلا الله تأتمرون بأمره، ومعلوم أن الذين عبدوا الأصنام أو عبدوا ما دون الله تعالى، عبدوها لأنها لا أوامرَ لها ولا تكاليف ولا منهجَ، لذلك كانت عبادتها باطلة.
أما الله تعالى فهو الإله الحقّ الذي يستحق أنْ يُعبد وأنْ يُطاع في أمره ونهيه، والنهي في { وَلاَ تَجْعَلُواْ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ .. } [الذاريات: 51] متعلق بالأمر في { فَفِرُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ .. } [الذاريات: 50] حيث لا إله غيره، ولا ملجأ لكم إلا هو.
وهذا هو الدين الحق الذي ارتضته الفطْرة السليمة منذ كُنَّا في مرحلة الذر، وأخذ الله علينا هذا العهد { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ .. } [الأعراف: 172].
وما شذَّ الخَلْق عن هذا العهد إلا بسبب الغفلة أو وسوسة الشيطان ونزغات وشهوات النفوس، وما عبد الكفارُ الأصنام إلا لإرضاء فطرة التدين فيهم، عبدوها تديناً بها؛ إرضاء للفطرة، وارتياحاً لعدم التبعة؛ لأنها لا أمر لها، ولا نهي.
وعلى العاقل قبل أنْ يقدم على العمل أنْ يستحضر عواقبه والجزاء عليه، فحينما يُقبل على المعصية يتصوَّر العذاب الذي ينتظره عليها، وحينما يكسل عن الطاعة يتصوَّر النعيم الذي أُعِدّ له، ولو فعل الناسُ ذلك ونظروا في العواقب لفرُّوا من المعصية إلى الطاعة.



تفسير الذاريات الشيخ الشعراوى٤٧- ٥٥


كَذَلِكَ مَآ أَتَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُواْ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ٥٢ أَتَوَاصَوْاْ بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ ٥٣ -الذاريات


قوله تعالى: { كَذَلِكَ .. } [الذاريات: 52] أي: كما حدث لمَنْ تقدم، وحصل لهم ما حصل من نزول العذاب بهم بالصاعقة وبالريح العقيم فانتظر أنْ ينزل بهم مثل هذا، فما هم عنه ببعيد، ولا تحزن فلستَ أول رسول يُكذِّبه قومه { كَذَلِكَ مَآ أَتَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُواْ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ } [الذرايات: 52].
وسبق أن اتهموا رسل الله بالسحر وبالجنون، فاصبر { فَـإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ } [غافر: 77].
يعني: إن لم ينزل بهم العذاب في الدنيا فهو ينتظرهم في الآخرة.
وقد رحم الله هؤلاء المكذِّبين لرسوله رغم كفرهم وعنادهم تقديراً لوجود رسول الله بينهم، وهذا هو معنى قوله تعالى: { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } [الأنفال: 33].
وقد كان سيدنا رسول الله حريصاً على هداية قومه مهما حدث منهم، وكان يناجي ربه دائماً يقول: أمتي أمتي.
وسبق أنْ بيَّنا بطلان هذا الاتهام، فالنبي لا يكون أبداً ساحراً ولا مجنوناً، فهاتان الصفتان أبعد ما تكونان عن وصف النبي، لأنه قدوة في السلوك وما شاهدتم عليه أبداً علامة من علامات السحر أو الجنون.
ولو كان ساحراً لسحركم فآمنتم به كما آمن غيركم، ولو كان مجنوناً لما استطاع ترتيب الأمور على هذه الصورة ولما بلَّغكم رسالة ربه، ثم إن الاتهام بالسحر ينافي الاتهام بالجنون، فكيف جمعتم عليه هاتين الصفتين؟
لذلك يقول تعالى بعدها: { أَتَوَاصَوْاْ بِهِ .. } [الذاريات: 53] كأن الأمم المكذِّبة على مَرِّ التاريخ أوصى بعضهم بعضاً بهذا القول: قولوا للنبي ساحر ومجنون، وكأنه اتفاق مسبق بينهم وإصرار منهم على تكذيب الرسل، والتمادي في اللدد والعناد.
لذلك يُضرب الله عنهم وعن اتهاماتهم، ويقول: { بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ } [الذاريات: 53] أي: دعْكَ من هؤلاء، فهم قوم طاغون. أي: متجاوزون للحدود.



تفسير الذاريات الشيخ الشعراوى٤٧- ٥٥


فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَآ أَنتَ بِمَلُومٍ ٥٤ وَذَكِّرْ فَإِنَّ ٱلذِّكْرَىٰ تَنفَعُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٥٥


معنى: { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ .. } [الذاريات: 54] أعرض عنهم ودَعْك منهم، فأنت غير مطالب بأن تحملهم على الإيمان، وما عليك إلا البلاغ وفقط، وفي أكثر من موضع خاطب الحق سبحانه نبيه بهذا المعنى: { لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } [الشعراء: 3].
أنت ستهلك نفسك من أجلهم وحرصاً على هدايتهم، والهداية ليست مهمتك، مهمتك البلاغ والهداية من الله { إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ } [الشعراء: 4].
يعني: لو شئتُ لجعلتُهم مؤمنين قهراً كإيمان السماء والأرض، لكنني أريد أيمانَ القلب لا إيمانَ القالب.
{ فَمَآ أَنتَ بِمَلُومٍ } [الذاريات: 54] يعني: لا لوم عليك في عدم إيمانهم، وإنْ حدث لوْم لرسول الله فهو لوْم له لا عليه، لوْم لصالحه ورحمة به صلى الله عليه وسلم، كما لامه ربّه في مسألة الأعمى عبد الله بن أم مكتوم فقال تعالى: { عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ * أَن جَآءَهُ ٱلأَعْمَىٰ * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ } [عبس: 1-3] لامه لأنه كلَّف نفسه فوق طاقتها، وأعرض عن هذا المؤمن حِرْصاً منه على هداية صناديد قريش.
وقوله سبحانه: { وَذَكِّرْ .. } [الذاريات: 55] يعني مهمتك أنْ تُذكِّر الناس بالله وبمنهج الله، ذكِّر وفقط، ذكِّر مَنْ جاءك ومَنْ انصرف عنك { فَإِنَّ ٱلذِّكْرَىٰ تَنفَعُ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [الذاريات: 55]، فالمؤمن هو الذي ينتفع بالتذكير ويتمسَّك بالإيمان.



التفاسير العظيمة







قد تكوني مهتمة بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى
قصة قبر الشيخ عبد المتعال الملكة نفرتيتي قصص - حكايات - روايات
نصائح عن العبائات Mariam Wahid اناقة موضة ازياء وملابس
فنادق شرم الشيخ 2025 اسعار فنادق شرم الشيخ 2025 حجز فنادق شرم الشيخ 2025 عروض فنادق ش هوتيل فور ارب عروض السياحه والسفر
نبذه مختصرة عن محمد بن راشد ال مكتوم حفيدة عائشة شخصيات وأحداث تاريخية


الساعة الآن 06:40 AM


جميع المشاركات تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع


التسجيل بواسطة حسابك بمواقع التواصل