أو

الدخول بواسطة حسابك بمواقع التواصل

#1

افتراضي تفسيرالشعراوي سُورَةُ الطُّورِ ١ -٨

تفسيرالشعراوي سُورَةُ الطُّورِ ١ -٨


تفسيرالشعراوي سُورَةُ الطُّورِ ١ -٨

(وَٱلطُّورِ ١ وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ ٢ فِي رَقٍّ مَّنْشُورٍ ٣ -)الطور

نلاحظ أن مطلع سورة (الطور) يتشابه ومطلع سورة (الذاريات) قبلها، ففي الذاريات يُقسم الحق سبحانه:

{ وَٱلذَّارِيَاتِ ذَرْواً * فَٱلْحَامِلاَتِ وِقْراً * فَٱلْجَارِيَاتِ يُسْراً * فَٱلْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً } [الذاريات: 1-4] وجواب القسم { إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ * وَإِنَّ ٱلدِّينَ لَوَٰقِعٌ } [الذاريات: 5-6].
وهنا يقسم الحق سبحانه: { { وَٱلطُّورِ * وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ * فِي رَقٍّ مَّنْشُورٍ * وَٱلْبَيْتِ ٱلْمَعْمُورِ * وَٱلسَّقْفِ ٱلْمَرْفُوعِ * وَٱلْبَحْرِ ٱلْمَسْجُورِ } [الطور: 1-6] وجواب القسم { إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَّا لَهُ مِن دَافِعٍ } [الطور: 7-8] فكلاهما يقسم على صدق الإخبار بيوم القيامة، وما فيه من العذاب الذي لا يُرد ولا يُدفع.

وحينما نتأمل المقسَم به في الموضعين نجده في سورة الذاريات أقسم بأشياء مادية، أقسم بالرياح والسُّحب التي تحمل الماء الذي يُحيي الأرض.
وفي الطور أقسم بأشياء روحية قيمية، فالمادة تسعدك في الدنيا، والقيم تُسعدك في الدنيا والآخرة، والدنيا مهما طالتْ تنتهي إلى الآخرة الباقية التي لا نفادَ لنعيمها.
لذلك خاطبنا الحق سبحانه بقوله: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ .. } [الأنفال: 24] يخاطبهم وهم أحياء يُرزقون، إذن: يقصد حياة أخرى غير هذه الحياة، يقصد حياة القيم، حياة النعيم الدائم الذي لا يزول.


وهذا معنى قوله تعالى: { وَإِنَّ ٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ لَهِيَ ٱلْحَيَوَانُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } [العنكبوت: 64] الحيوان أي: الحياة الحقيقية التي لا يُهدِّدها فناء.
لكن لماذا أقسم الحق سبحانه هنا بالطور؟ قالوا: لأن الرسل كُلّموا بالوحي، أما موسى عليه السلام فكلَّمه الله مباشرة بالكلام المباشر من على هذا الجبل، ومن هنا كانت لجبل الطور منزلة خاصة.
ذلك لأن بني إسرائيل قوم عندهم لدد وعناد في الخصومة، ويميلون إلى المادية في كل شيء حتى في الدين، لذلك قالوا لموسى: { لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهْرَةً .. } [البقرة: 55] فلو قال لهم: إن الوحي أتاني سِراً ما صدّقوه.


تفسيرالشعراوي سُورَةُ الطُّورِ ١ -٨

قوله تعالى: { وَٱلطُّورِ } [الطور: 1] الواو هنا واو القسم، فالحق سبحانه يقسم بالطور أي جبل الطور، وقلنا: إن الحق سبحانه يقسم بما يشاء من مخلوقاته، والطور وردتْ في القرآن عشر مرات لِعظم هذه المكان عند الله.
ومن على جبل الطور كلم الله سيدنا موسى { وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ } [الطور: 2] كتاب أي مكتوب وهو التوراة وفيها الألواح. ومسطور يعني: كتابة منظمة في سطور (مش منعكش).

وقوله: { فِي رَقٍّ مَّنْشُورٍ } [الطور: 3] الرقّ: كل ما يُكتب فيه من جلد، وهو أول ما كتبوا فيه أو عظم أو غيره { مَّنْشُورٍ } [الطور: 3] مبسوط غير مطوي أو مُغلق، مثل تاجر القماش ينشر لك الثوب ويعرضه عليك، وهذا يعني أنه ثوبٌ جيد لا عيبَ فيه ولو كان فيه عيب ما نشره، وما أعطاك الفرصة لتتفقده.
فالحق سبحانه نشر كتابه وعرضه على الخَلْق ليقرؤوه، وهذا يعني أنه كتاب مُحكم دقيق، لا عيبَ فيه ولا خلل.


تفسيرالشعراوي سُورَةُ الطُّورِ ١ -٨


وَٱلْبَيْتِ ٱلْمَعْمُورِ ٤ وَٱلسَّقْفِ ٱلْمَرْفُوعِ ٥ وَٱلْبَحْرِ ٱلْمَسْجُورِ ٦

معنى { ٱلْبَيْتِ ٱلْمَعْمُورِ } [الطور: 4] قسم بالبيت وهو الكعبة، وهذا دليل على وجود أُناس في هذا الزمن استجابوا لمنهج الله وذهبوا إلى البيت وعَمرُوه. وقالوا: البيت المعمور في السماء وتطوف به الملائكة.
وكأن الله تعالى يقول لهم: "إياكم أنْ تظنوا أني أترجى فيكم لتؤمنوا ولتأتوا إلى عمارة بيتي، فعندي البيت المعمور في السماء السابعة يدخله كلّ يوم سبعون ألف ملك، مَنْ دخله مرة لا يدخله أخرى وهم عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون" .

ومعنى { وَٱلسَّقْفِ ٱلْمَرْفُوعِ} [الطور: 5] أي: السماء سقف مرفوع بلا عمد { وَٱلْبَحْرِ ٱلْمَسْجُورِ } [الطور: 6] كلمة مسجور لها معنيان: مسجور يعني مليء بالماء، والبحر قسمان: مالح وعذب.
والعجيب أن الله تعالى قال عنهما { وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً .. } [فاطر: 12] فلا نأكل الفسيخ من البحر المالح، إنما نأكل منه السمك كالذي نأكله من الماء العَذْب، فملوحة الماء لم تؤثر في طعم السمك.
المعنى الآخر: مسجور يعني مشتعل، نقول: سجره يعني: صيَّره ناراً تشتعل، ومعلوم أن الماء والنار من المتناقضات، فهذه البحار التي تزخر بالماء تأتي يوم القيامة وقد اشتعلتْ ناراً بعد أنْ تبخَّر ما فيها من ماء.
ثم يأتي جواب القسم:


تفسيرالشعراوي سُورَةُ الطُّورِ ١ -٨

(إِنَّ عذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ ٧ مَّا لَهُ مِن دَافِعٍ ٨ -الطور )

أي: عذاب الآخرة واقع أي حادث لا شكَّ فيه، لأن الذي وعد به وأخبر به هو القوي والقادر الأعلى الذي لا يردُّ أحدٌ كلمته، ولا يقف أحدٌ ليمنعه عن إرادته، فالله سبحانه ليس له نِدٌّ وليس له شريك، وليس له نظير ولا معارض.
ما دام الأمر كذلك {
مَّا لَهُ مِن دَافِعٍ } [الطور: 8] أي: لا أحدَ يستطيع أنْ يدفع عذاب الله إنْ وقع، ولا يمنعه إنْ جاء موعده. ومتى موعده؟.







التفاسير العظيمة

تفسيرالشعراوي سُورَةُ الطُّورِ ١ -٨






الساعة الآن 04:46 PM


جميع المشاركات تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع


التسجيل بواسطة حسابك بمواقع التواصل