أو

الدخول بواسطة حسابك بمواقع التواصل

#1

افتراضي سُورَةُ الطُّورِ ٢١ -٢٨-تفسير الشعراوي

سُورَةُ الطُّورِ ٢١ -٢٨-تفسير الشعراوي


تفسيرالشعراوي سُورَةُ الطُّورِ ٢١ -٢٨


(وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ ٱمْرِىءٍ بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ ٢١ )-الطور


{ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ .. } [الطور: 21] أي: آمنوا بالله وحده لا شريك له، وأنه واحد أحد، واعتقدوا ذلك، واحد أي ليس معه غيره، وأحدٌ أي في ذاته، وأحد ليس له أجزاء { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } [الإخلاص: 1].
والإيمان لا يكون كاملاً إلا إذا صحبه عملٌ بمقتضى هذا الإيمان، عمل بالمنهج الذي وضعه لك مَنْ آمنت به، لذلك قرن في مواضع كثيرة بين الإيمان والعمل الصالح، فقال: { آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ .. } [الطلاق: 11].



وقوله تعالى: {وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ .. } [الطور: 21] فالرجل آمن وعمل صالحاً واتبعتْه في هذا ذريته من بعده، آمن مثله، لكن عمله دون عمل أبيه وأقلّ منه، فالحق سبحانه بكرمه ورحمته بالذرية، وكرامةً للأب المؤمن يرفع إليه ابنه إلى المرتبة الأعلى.


{أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ .. } [الطور: 21] ما نقصناهم شيئاً، زدنا الأبناء ولم ننقص الآباء، لأن شرط الإيمان متوفر في الاثنين، أما العمل فإنْ قَلَّ يُجبر تفضّلاً من الله وتكرّماً.
معنى ذرية هي النسل المتسلسل، فذرية الرجل أولاده وأولاد أولاده، فالأب من الذرية، والابن من الذرية ففيها تسلسل النسب، والذرية قسمان: ذرية قبل التكليف وذرية بعد التكليف. والمراد هنا الذرية المكلَّفة والمطلوب منها الإيمان والعمل الصالح.



وكلمة { وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ .. } [الطور: 21] أي: أيّ شيء مهما كان صغيراً.
وقوله تعالى: { كُلُّ ٱمْرِىءٍ بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ } [الطور: 21] رهين صيغة مبالغة على وزن فعيل، وهذا الوزن يأتي فعيل بمعنى فاعل مثل رحيم أي: راحم. وتأتي فعيل بمعنى مفعول مثل قتيل أي: مقتول.
وهنا رهين بمعنى مرهون من الرهن، والرهن كما تعرفون شيء عيني يجعله المحتاج للمال عند صاحب المال ضماناً له حتى يقضي دَيْنه، فالرهن موقوف على المال حتى يعود إلى صاحبه، كذلك العبد يوم القيامة مرهون بعمله محبوس عليه.
أو نقول: رهين بمعنى راهن فاعل أي: راهن عمله إنْ خيراً وجده خيراً. وإنْ شراً وحده شراً.


سُورَةُ الطُّورِ ٢١ -٢٨-تفسير الشعراوي

(وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ ٢٢ يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْساً لاَّ لَغْوٌ فِيهَا وَلاَ تَأْثِيمٌ ٢٣ )-الطور


قوله تعالى: {وَأَمْدَدْنَاهُم .. } [الطور: 22] يعني: أن هذا عطاء جديد فوق ما سبق وزيادة عليه { يَتَنَازَعُونَ فِيهَا.. } [الطور: 23] أي: في الجنة يتنازعون الكأس أي: يتجاذبونه. وهذا التجاذب ليس عن خلاف أو بغضاء، إنما عن موادعة وملاطفة وأنْس، فكأنهم يشربون في متعة وانسجام وتدلُّل.


{يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْساً .. } [الطور: 23] الكأس هو الوعاء الذي يُشرب فيه الخمر، ولا يسمى كأساً إلا إذا كان ممتلئاً فإنْ كان فارغاً فهو كوب.


ومعنى {لاَّ لَغْوٌ فِيهَا .. } [الطور: 23] اللغو: العمل الذي لا فائة منه، وهو الكلام الساقط الذي لا معنى له لكن لا إثم فيه { وَلاَ تَأْثِيمٌ} [الطور: 23] لا إثم فيه ولا يجرّك إلى محرم.

وهذه ميزة خمر الآخرة، والفرق بينها وبين خمر الدنيا، أن خمر الدنيا تذهب العقل وتحمل شاربها على الهذيان وفقدان العقل، وبالتالي يحدث منه اللغو، ويحدث منه الإثم.
أما خمر الآخرة فمنزّهة عن هذا، لذلك وصفها الحق سبحانه بقوله: { وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ .. } [محمد: 15] إذن: صفَّاها الحق سبحانه من عيوبها، فليس لها من خمر الدنيا إلا الاسم، وإذا رأيتَ الذي يشرب الخمر تراه (يدلقها) في خلقه هكذا مرة واحدة لماذا؟ لأنها كريهة الطعم والرائحة.
أما في الآخرة فيتذوقها ويتمتع بلذتها، فإذا كانت خمر الدنيا بهذه الصفة فلماذا يشربونها؟ حين تسأل يقول لك: لأنسى همومي وأحزاني ومشاكلي.
وهذا عجيب لأن الله تعالى لا يريد منَّا أنْ ننسى الهموم والأحزان ونفر منها، إنما يريد منا أنْ نُعايشها ونعرف أسبابها، ونحاول التغلب عليها. إذن: لا فائدة من نسيانها وسترها.


سُورَةُ الطُّورِ ٢١ -٢٨-تفسير الشعراوي


(وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ ٢٤ )-الطور
أي: يطوف عليهم في الجنة غلمان بكئوس الشراب. والغلمان جمع غلام وهو الولد الصغير جميل الصورة. وفي موضع آخر قال تعالى في وصفهم: { وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ .. } [الإنسان: 19] يعني في سِنٍّ صغيرة ثابتة لا يكبرون عنها، لأن الغلام إذا كبر صار إلى الشيخوخة، أما هؤلاء فيقفون عند هذه السِّن ولا يكبرون.


ومعنى { لَّهُمْ .. } [الطور: 24] أي: مخصصين لخدمتهم، لأن اللام تأتي للملكية وتأتي للاختصاص، تقول: المال لزيد يعني ملكه. واللجام للفرس. أي: يخصه لأن الفرس لا يملك اللجام، وكلمة (لهم) دلَّتْ على أن هذا الساقي يخدمهم دون أجر يأخذه منهم ولا منفعة.


وقوله سبحانه: { كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ } [الطور: 24] يعني: هؤلاء الغلمان في البياض والصفاء أمثال اللؤلؤ، واللؤلؤ مشهور بصفائه وبياضه ولمعانه، فما بالُكَ إذا أضيف إلى ذلك أنه مكنون.
أي: مصُون ومحفوظ في أصدافه، قالوا: لأنه حين يخرج من أصدافه يتعرَّض للغبار وللأتربة التي تشوب صفاءه.

سُورَةُ الطُّورِ ٢١ -٢٨-تفسير الشعراوي



(وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ ٢٥ قَالُوۤاْ إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِيۤ أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ ٢٦ فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ ٱلسَّمُومِ ٢٧ )-الطور


الكلام هنا ما يزال عن أهل الجنة {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ } [الطور: 25] يتسامرون، أو يسأل بعضهم بعضاً {قَالُوۤاْ إِنَّا كُنَّا قَبْلُ .. } [الطور: 26] أي: في الدنيا {فِيۤ أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ } [الطور: 26] الإشفاق الخوف، والخوف يكون بكراهية المخوف منه، ويكون هيبة وتعظيماً لمن تخاف منه.

والمراد هنا خوف الهيبة والتعظيم لأنهم خائفون من الله، لكن لماذا؟ قالوا: يخافون التقصير في عبادة الله، نعم أطاعوا وأدّوا حَقَّ الله لكن ما عبدوا الله حقَّ عبادته، فهو يستحق أكثر من هذا.
إذن: خوفهم فيه رجاء وفيه أمل في الله أنْ يتدارك هذا التقصير، لذلك قال الله تعالى عن الملائكة: { بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ } [الأنبياء: 26] وهم { لاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [التحريم: 6]، ومع ذلك قال عنهم: { يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ .. } [النحل: 50] أي: خوفَ مهابة وتعظيم.



أو يكون المعنى {فِيۤ أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ } [الطور: 26] أي: يخافون الموت أنْ يُفرقهم ويُشتِّت شملهم بعد اجتماع، فإذا بهم في الآخرة أحسن مما كانوا فيه في الدنيا. أو خائفين من عذاب الله في الآخرة.


ومعنى { فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا .. } [الطور: 27] أي: تفضّل علينا وأعطانا فوق ما نستحق فضلاً منه تعالى وتكرُّماً، منَّ علينا منّاً لا يعقبه ضرر، ولا يعقبه عذاب { وَوَقَانَا عَذَابَ ٱلسَّمُومِ } [الطور: 27] السموم والعياذ بالله هي اللهب الخالص، وسُمِّيَ السَّموم لأنه ينفذ من مسامّ الجسم.






سُورَةُ الطُّورِ ٢١ -٢٨-تفسير الشعراوي


(إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ ٱلْبَرُّ ٱلرَّحِيمُ ٢٨ )-الطور


يذكر هنا حيثية دخولهم الجنة ونجاتهم من النار، فالسبب أنهم كانوا كثيري الدعاء، لم يقولوا بأعمالنا، ولكن بدعائنا وتضرُّعنا ورجائنا في الله، ندعوه رباً رحيماً، براً كريماً، ونطمع في رحمته التي سبقت غضبه.


{ إِنَّهُ هُوَ ٱلْبَرُّ ٱلرَّحِيمُ} [الطور: 28] فاستجاب لنا استجابة ظهرتْ آثارها في أننا دخلنا الجنة، وصِرْنا إلى أفضل مما كنا فيه بدون تعب ولا هَمٍّ ولا حزن، صِرْنا إلى نعيم لم يكُنْ يخطر لنا على بال.


و{ ٱلْبَرُّ .. } [الطور: 28] واسع الكرم والإحسان { ٱلرَّحِيمُ } [الطور: 28] كثير الرحمة بخَلْقه تعالى، لأنه ربهم وخالقهم والمتكفِّل بهم، خلقهم من عدم وأمدهم من عدم، ولم يُكلِّفهم إلا بعد البلوغ واستواء العقل إلى غير ذلك من النعم.



التفاسير العظيمة



سُورَةُ الطُّورِ ٢١ -٢٨-تفسير الشعراوي











قد تكوني مهتمة بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى
سُورَةُ الطُّورِ ١٧-٢٠ تفسير الشعراوي امانى يسرى القرآن الكريم
مختارات من تفسير الآيات 2 امانى يسرى القرآن الكريم
مختارات من تفسير الآيات 3 امانى يسرى القرآن الكريم
الشيخ متولي الشعراوي ريموووو شخصيات وأحداث تاريخية


الساعة الآن 12:26 PM


جميع المشاركات تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع


التسجيل بواسطة حسابك بمواقع التواصل