الدكتور أبو اليسر رشيد كهوس
إلى تلك النماذج الكاملة
إلى تلك النماذج الخالدة تشرئب أعناق النساء المؤمنات إلى:
أم عيسى مريم بنت عمران عليهما السلام:
ذكر المسيح عيسى بن مريم عليهما السلام خمسا وعشرين مرة في القرآن الكريم. تسع مرات باسمه المجرد وست عشرة مرة بنسبته إلى أمه مريم عليها السلام... مريم العفيفة مريم الطاهرة مريم الصديقة مريم العذراء مريم البتول مريم المجاهدة العابدة القانتة المحبة المصطفاة المصدقة بكلمات ربها العاملة بشرعه مريم نجية الملائكة.. نزلت سورة في القرآن الكريم الرسالة الخاتمة والخالدة باسمها تتلى إلى يوم القيامة... إنها نموذج للمرأة المجاهدة المقاومة المكافحة المتحررة من كل عبودية إلا عبوديتها لله تعالى.
آسية بنت مزاحم:
امرأة فرعون ربت نبي زمانها. وتعلمت منه الهدى ودين الحق. ووقفت في وجه جبار طاغية يهلك الحرث والنسل.... وضرب الله بها مثلا للنساء المؤمنات كما ضرب مثلا بمريم البتول عليها السلام: { وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (12)} (سورة التحريم).
أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها:
آمنت بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كفر به الناس. وأحبته حبا شديدا. ونصرته حين خذلوه. وأنفقت كل مالها في سبيل نصرته. وحمته. وكانت له خير معين في دعوته. وجاهدت في سبيل نصرة دين الله... روى الإمام البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ . فَإِذَا هِىَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلاَمَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّى . وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ . لاَ صَخَبَ فِيهِ وَلاَ نَصَبَ ) (والقصب: لؤلؤ مجوف واسع كالقصر المنيف).
فيا ترى أيّهما أغلى وأحلى: بيت من قصب عند الله تعالى. أم تحية السلام من رب العالمين!
وكانت أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها أحب الناس إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وولدت له أحب الناس إليه. وأكرمهن عليه. سيدة نساء أهل الجنة فاطمة رضي الله عنها.
جاءتها البشرى بمبعوث خاص من السماء ( إِنَّ هَذَا مَلَكٌ لَمْ يَنْزِلِ الأَرْضَ قَطُّ قَبْلَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَىَّ وَيُبَشِّرَنِي بِأَنَّ فَاطِمَةَ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ) (رواه الإمام الترمذي في سننه عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه).
أم عمار زوج ياسر سمية بنت الخياط رضي الله عنها:
من السابقين الأولين الذين دخلوا في الإسلام وسابع سبعة ممن اعتنقوا الإسلام بمكة المكرمة. ومن المبايعات الصابرات الخيرات اللاتي احتملن الأذى في سبيل الله. وممن بذلوا أرواحهم لإعلاء كلمة الله عز وجل ومحبة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. لاقت من صنوف الأذى والتعذيب على أيدي المشركين الكثير لكنها صبرت واحتملت...وهي أول شهيد استشهد في الإسلام. طعنها عدو الله أبو جهل في مكان عفتها فقتلها.
قاتلت الصحابيات رضي الله عنهن جنبا إلى جنب مع الصحابة رضي الله عنهم. قاتلن ولم يفرض الإسلام القتال عليهن. وكانت أم المؤمنين عائشة بنت الصِّدِّيق رضي الله عنهما وغيرها من الصحابيات قاتلن متطوعات وأبلين البلاء الحسن.
عقد البخاري في كتاب الجهاد من صحيحه خمسة أبواب وفقه البخاري في تبويبه:
"باب غزو النساء وقتالهن مع الرجال" روى فيه عن أنس رضي الله عنه قال: "لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ انْهَزَمَ النَّاسُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: وَلَقَدْ رَأَيْتُ عَائِشَةَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ وَأُمَّ سُلَيْمٍ وَإِنَّهُمَا لَمُشَمِّرَتَانِ أَرَى خَدَمَ سُوقِهِمَا. تَنْقُزَانِ الْقِرَبَ -وَقَالَ غَيْرُهُ تَنْقُلاَنِ الْقِرَبَ- عَلَى مُتُونِهِمَا. ثُمَّ تُفْرِغَانِهِ فِي أَفْوَاهِ الْقَوْمِ. ثُمَّ تَرْجِعَانِ فَتَمْلآنِهَا. ثُمَّ تَجِيئَانِ فَتُفْرِغَانِهَا فِي أَفْوَاهِ الْقَوْمِ".
وبعده: "باب حمل النساء القِرَبَ إلى الناس في الغزو". قَالَ ثَعْلَبَةُ بْنُ أَبِي مَالِكٍ:"إِنَّ عُمَرَ بْن الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَسَمَ مُرُوطًا بَيْنَ نِسَاءٍ مِنْ نِسَاءِ الْمَدِينَةِ . فَبَقِيَ مِرْطٌ جَيِّدٌ فَقَالَ لَهُ بَعْضُ مَنْ عِنْدَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَعْطِ هَذَا ابْنَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الَّتِي عِنْدَكَ . يُرِيدُونَ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عَلِىٍّ. فَقَالَ عُمَرُ: أُمُّ سَلِيطٍ أَحَقُّ . وَأُمُّ سَلِيطٍ مِنْ نِسَاءِ الأَنْصَارِ. مِمَّنْ بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ عُمَرُ: فَإِنَّهَا كَانَتْ تَزْفِرُ لَنَا الْقِرَبَ يَوْمَ أُحُدٍ . قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: تَزْفِرُ تَخِيطُ".
وأورد في "باب مداواة النساء الجرحى في الغزو" و"باب رد النساء الجرحى والقتلى" عن الرُّبَيِّع بنت مُعَوّذٍ قالت: "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم. فنسقي القوم. ونخدمهم. ونرد الجرحى والقتلى إلى المدينة".
وباب غزو المرأة في البحر روى فيه عن أنس رضي الله عنه رضى الله عنه قال: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى ابْنَةِ مِلْحَانَ فَاتَّكَأَ عِنْدَهَا. ثُمَّ ضَحِكَ فَقَالَتْ: لِمَ تَضْحَكُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ «نَاسٌ مِنْ أُمَّتِى يَرْكَبُونَ الْبَحْرَ الأَخْضَرَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ. مَثَلُهُمْ مَثَلُ الْمُلُوكِ عَلَى الأَسِرَّةِ». فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ. ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. قَالَ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا مِنْهُمْ» . ثُمَّ عَادَ فَضَحِكَ. فَقَالَتْ لَهُ مِثْلَ أَوْ مِمَّ ذَلِكَ فَقَالَ لَهَا مِثْلَ ذَلِكَ. فَقَالَتِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ . قَالَ: «أَنْتِ مِنَ الأَوَّلِينَ. وَلَسْتِ مِنَ الآخِرِينَ» . قَالَ: قَالَ أَنَسٌ: فَتَزَوَّجَتْ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ. فَرَكِبَتِ الْبَحْرَ مَعَ بِنْتِ قَرَظَةَ. فَلَمَّا قَفَلَتْ رَكِبَتْ دَابَّتَهَا فَوَقَصَتْ بِهَا. فَسَقَطَتْ عَنْهَا فَمَاتَتْ".
صفية بنت عبد المطلب رضي الله عنها:
عمةُ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم التي شاركت في غزوة أُحُد. وذلك بقتال الأعداء بالرمح. وقد جاءت يوم أحد وقد انهزم الناس وبيدها رمح تضرب في وجوه الناس وتقول: انهزمتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وكان أخوها حمزة بن عبد المطلب قد قتل ومثل به. فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلة قال لابنها الزبير: أرجعها لكي لا ترى أخيها. فذهب إليها الزبير بن العوام وقال: يا أماه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن ترجعي. فقالت صفية بنت عبد المطلب: ولم؟ لقد بلغني أن أخي مات. وذلك في الله. لأصبرن ولأحتسبن إن شاء الله. فلما جاء الزبير رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بقول أمه صفية فقال النبي صلى الله عليه وسلم: خل سبيلها. فأتت صفية فنظرت إلى أخيها حمزة. وقد بقرت بطنه. فاسترجعت واستغفرت له.
وكان لها رضي الله عنها موقف شجاع يوم الخندق أخرج الإمام محمد بن إسحاق أنها لجأت يوم الخندق إلى حصن حسان بن ثابت رضي الله عنه شاعر المسلمين مع النساء والصبيان وحسان. قالت صفية: "فمر بنا رجل من يهود فجعل يُطيف بالحصن وقد حاربت بنو قريظة . وقطعت ما بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس بيننا وبينهم أحد يدفع عنا. ورسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون في نحور عدوهم لا يستطيعون أن ينصرفوا عنهم إلينا إن أتانا آت . قالت فقلت: يا حسان إن هذا اليهودي كما ترى يطيف بالحصن وإني والله ما آمنه أن يدل على عورتنا من وراءنا من يهود وقد شغل عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فانزل إليه فاقتله قال يغفر الله لك يا ابنة عبد المطلب . والله لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا : قالت فلما قال لي ذلك ولم أر عنده شيئا . احتجزت ثم أخذت عمودا . ثم نزلت من الحصن إليه فضربته بالعمود حتى قتلته . قالت فلما فرغت منه رجعت إلى الحصن فقلت : يا حسان انزل إليه فاسلبه فإنه لم يمنعني من سلبه إلا أنه رجل قال ما لي بسلبه من حاجة يا ابنة عبد المطلب".
فكانت أولَ امرأة مؤمنة قتلت عدوا في الإسلام. وبموقفها ذلك منعت ذراري المسلمين ونساءهم فلم يتجرأ اليهود مرة أخرى على الاقتراب من ذلك الحصن وظنوه في حراسة جنود المسلمين.
ويوم حنين إذ انهزم المسلمون ساعة من نهار كانت أم سُلَيم بخنجرها تتحدى الأعداء. جاء زوجها أبو طلحة إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك ويُخبره أن مع أم سليم خِنْجَراً. سألها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قصدها فقالت: "أردتُ إن دنا إليَّ أحد منهم طعنته به!".
وأخرج الإمام الطبراني أن أسماء بنتَ يزيد بنِ السَّكـن رضي الله عنها قتلت يوم اليرمـوك تسعة من الروم بعمود فُسطاط.
أم عمارة نسيبة بنت كعب بن عمرو بن عوف الأنصارية رضي الله عنها :