أو

الدخول بواسطة حسابك بمواقع التواصل

#1

افتراضي موسوعة معارك اسلامية(2)

"ليبانتو".. هزيمة وعزيمة

صورة مرسومة للمعركة من قبل أحد المشاركين فيها

كانت الدولة العثمانية عند وفاة السلطان سليمان القانوني قد بلغت أقصى اتساعها وخاضت الحروب في ميادين الشرق والغرب وحققت لها هيبة كبيرة في العالم، وبقدر هذه الهيبة الكبيرة كان لها أعداؤها الأقوياء الذين ينتظرون أي بادرة ضعف حتى ينالوا منها. وعندما جلس سليم الثاني على العرش خلفا لوالده القانوني في ( ربيع 974هـ=سبتمبر 1566م) ظهر بعض التمرد في الدولة، فقامت حركة تمرد في اليمن سنة (975هـ= 1567م) استطاعت حصر العثمانيين في الشريط الساحلي، ولم يستطع العثمانيون إعادة سيطرتهم على اليمن إلا بعد عامين.
وظهرت في تلك الفترة في أروقة الدولة العثمانية كثير من المشاريع الكبيرة التي استهلكت الكثير من الوقت من الدولة دون أن توضع موضع التنفيذ، أو ربما تعرضت للفشل، حيث فكرت الدولة في فتح قناة السويس (بين البحر الأبيض والبحر الأحمر) لإعادة حركة التجارة العالمية من رأس الرجاء الصالح الذي سيطر عليه البرتغال إلى طريق التجارة القديم.
كما شرعت الدولة سنة (977هـ= 1569م) في فتح قناة بين نهري الدون والفولجا وتأمين المرور بين البحر الأسود وبحر الخزر، حيث إن هذه القناة ستربط تركيا بمنطقة تركستان وتحول دون تهديد الروس والإيرانيين لتركستان، ولذا قامت الدولة العثمانية بحملة عسكرية على إمارة "أسترخان" لكن فتح هذه القناة المهمة لم يؤخذ مأخذ الجد نظرا لوجود مصالح لحكام الأقاليم تتعارض مع شق مثل هذه القناة، وأكد ذلك خان القرم بقوله: "عندما تبدأ الجنود العثمانية القدوم إلى الأراضي القبجاقية وشيروان (منطقة أوكرانيا وشمال أذربيجان حاليا) فسوف لا تبقى هناك قيمة للتتر ويحتمل أن تذهب قرم (أوكرانيا) من أيدينا".
كان العثمانيون رغم المشاريع الكبيرة التي أعلنوا عنها في تلك الفترة يركزون اهتمامهم على فتح جزيرة قبرص التي كانت عقبة كبيرة في طريق التجارة المنتعشة بين مصر وإستانبول والتي يسيطر عليها البنادقة ويمارسون من خلالها بعض أعمال القرصنة البحرية، ولذا شرع العثمانيون في فتحها رغم إدراكهم أن فتح هذه الجزيرة سوف يؤدي إلى قيام تحالف مسيحي قوي ضدهم.
"الأرمادا" والعثماني
كانت قبرص تمثل أهمية خاصة للعالم المسيحي في صراعه مع الدولة العثمانية، وعندما علمت أوربا بنوايا العثمانيين تجاه قبرص تحرك البابا "بيوس الخامس" وعقد معاهدة اتفاق ضد الدولة العثمانية في (غرة المحرم 979هـ= 25 من مايو 1571م) مع ملك أسبانيا والبندقية وبعض الدويلات المسيحية، وكان هذا الاتفاق المسيحي هو الاتفاق الثالث عشر الذي تعقده أوربا ضد الدولة العثمانية منذ تأسيسها.
ونص الكتاب الذي أرسله البابا "بيوس" إلى ملك أسبانيا على "أنه لا توجد في العالم المسيحي أية دولة مسيحية يمكنها أن تقف بمفردها في مواجهة الدولة العثمانية ولذا فالواجب على كافة الدول المسيحية أن تتحد لكسر الغرور التركي"، وهكذا بدأ يتشكل الائتلاف المسيحي لحرب الدولة العثمانية.
واستطاعت أجهزة المخابرات العثمانية في البندقية وروما أن ترصد هذا الاتفاق وهو في طور التكوين وأبلغت به إستانبول، وتحرك الأسطول العثماني للبحث عن الأسطول الصليبي وإبادته، وتحرك الوزير العثماني "برتو باشا" قائد الأسطول لتنفيذ تلك المهمة.
كان التحالف المسيحي القوي الذي تغذية مشاعر الكراهية للدولة العثمانية يتمتع بأسطول على قدر كبير من القوة والخبرة في القتال البحري والكثافة في عدد السفن ووجود عدد من كبار قادة البحر، فكان "الأرمادا" (الأسطول) يضم 295 سفينة و30 ألف جندي و16 ألف جداف و208 سفن حربية، وكان القائد العام للأسطول هو "دون جون" وهو ابن غير شرعي للإمبراطور الأسباني "كارلوس الثاني" وهو من كبار قادة البحر.
أما الأسطول العثماني في البحر المتوسط والبالغ حوالي 400 سفينة فقد توزعت سفنه عند حلول فصل الخريف إلى عدد من القواعد، وبقيت حوالي 184 سفينة تحت قيادة "برتو باشا" و"مؤذن باشا" وذهبت هذه السفن إلى ميناء "إينبختي" أو "ليبانتو Lepanto (وكان ميناء عثمانيا في اليونان على خليجي باتراس-كورنثوس).
وعندما حل فصل الشتاء على السفن التي يقودها "برتو باشا" بدأ الضباط في التسرب لقضاء الشتاء بعدما رأوا السفن العثمانية ألقت مراسيها في "إينبختي" ظنا منهم أنه لن يوجد قتال في هذا الموسم، ولم تظهر من "برتو" أو "مؤذن" قدرة على ضبط الأسطول، إضافة إلى أنه كان يوجد عدد من السفن في حاجة إلى إصلاح، كما أن جدافة الأسطول العثماني كانوا من المسيحيين.
وكانت النقطة المهمة في الأمر أن القائدين "برتو باشا" و"مؤذن-زاده علي باشا" لم يكونا من القادة البحريين ولكنهما من قادة الجيش البري وتوليا مهمة قيادة الأسطول منذ فترة وجيزة، وكان يوجد بعض القادة البحريين في الأسطول العثماني مثل "حسن باشا" الذي يبلغ من العمر 71 عاما، و"أولوج باشا" ويبلغ من العمر 64 عاما لكن لم تكن لهما السيطرة على القرار.
معركة فاصلة




عندما اقترب الأسطول الصليبي من ميناء إينبختي الذي يرسو فيه الأسطول العثماني اجتمع "برتو باشا" مع كبار قادة البحر لبحث الموقف، وانفض هذا الاجتماع دون أن يتوصل القادة إلى خطة لمواجهة المعركة القادمة التي لا يفصل بينها وبينهم إلا وقت قصير.
وكانت المؤشرات تؤكد أن هناك ميلا لما يطرحه "برتو باشا" و"مؤذن باشا" لمواجهة الموقف المتأزم على اعتبار أنهما المسئولين أمام الدولة في إستانبول.
وكان رأي القادة البحريين في الأسطول هو عدم الدخول في هذه المعركة -غير المتكافئة- إلا بعد أن تقصف مدافع القلاع العثمانية سفن العدو وتتلفها، وهو ما يعطي فرصة كبيرة لسفن الأسطول العثماني لتتبع ومطاردة الأسطول الصليبي، أو بمعنى آخر إنهاك الأسطول الصليبي قبل بدء المعركة ثم الانقضاض عليه بعد ذلك. ولكن "برتو باشا" و"مؤذن باشا" أعلنا أنهما تسلما أمرا بالهجوم على الأسطول الصليبي.
ولما رأى قادة البحر في الأسطول العثماني ذلك نصحوهما بأن يخرجا إلى القتال في البحار المفتوحة لأن ذلك يعطي الفرصة للسفن العثمانية بأن تقوم بالمناورة وأن تستخدم مدفعيتها القوية بكفاءة عالية ضد الأسطول الصليبي.
إلا أن "برتو" وغيره من القادة لم يستمعوا إلى هذه النصائح من أهل الخبرة في القتال البحري، وأعلن أنه سيقاتل بالقرب من الساحل، وقال: "أي كلب هو ذلك الكافر حتى نخافه؟" ثم قال: "إنني لا أخشى على منصبي ولا على رأسي، إن الأوامر الواردة تشير بالهجوم، لا ضير من نقص خمسة أو عشرة أشخاص من كل سفينة، ألا توجد غيرة على الإسلام؟ ألا يُصان شرف البادشاه؟!".
وكانت هذه المقولة تعبر عن الجهل بالحقائق ولا تعبر عن شجاعة أو حماسة دينية، إذ إنه من غير المعقول أن تدار حرب بحرية على الساحل، ومن ثم فقد كانت النتيجة في تلك المعركة محسومة لصالح الأسطول الصليبي قبل أن تبدأ.
وقائع وخسائر
كانت معركة "ليبانتو" في (17 من جمادى الأولى 979هـ=7 من أكتوبر 1571م) وهي تعد من أكبر الحروب البحرية في التاريخ في ذلك الوقت، واتسمت بالدموية والعنف الشديد، فاستشهد قائد القوة البحرية "مؤذن-علي باشا" وابنه مع بداية المعركة كما أسر ابنه الثاني، وغرقت سفينة القيادة في الأسطول العثماني التي فيها "برتو باشا" وتم سحبها إلى الشاطئ بتضحيات كبيرة.
أما القائد البحري العثماني "أولوج" الذي كان يقود الجناح الأيمن فإنه لم يخسر أيا من سفنه البالغة 42 سفينة واستطاع أن يقضي على الأسطول المالطي بالكامل الذي يتكون من ست سفن واغتنم رايته، وعندما رأى أن الهزيمة تقع بالأسطول العثماني وأن تدخله لإنقاذه هو انتحار مؤكد، رأى أن من الحكمة الابتعاد عن الميدان حفاظا على بقية الأسطول والاستعداد لمعركة قادمة.
كانت الخسائر في تلك المعركة ضخمة للغاية لكلا الطرفين؛ فقد خسر العثمانيون 142 سفينة بين غارقة وجانحة وأسر الصليبيون 60 سفينة عثمانية، واستولوا كذلك على 117 مدفعا كبيرا، و256 مدفعا صغيرا، كما تم تخليص 30 ألف جداف مسيحي كانوا في الأسر، وسقط من العثمانيين حوالي 20 ألف قتيل وأسير، من بينهم 3460 أسيرا، ومن بين الأسرى 3 برتبة لواء بحري، وحاز الصليبيون راية "مؤذن باشا" الحريرية المطرزة بالذهب، وقد أعادها بابا روما إلى تركيا سنة (1385هـ= 1965م) كتعبير عن الصداقة بين الجانبين.
وقتل من الصليبيين حوالي 8 آلاف وسقط 20 ألف جريح، وأصيبت غالبية السفن المسيحية، وكان من بين الأسرى المسيحيين "سيروفانتوس" الذي فقد ذراعه الأيسر وعاش أسيرا في الجزائر وألف روايته المشهورة "دون كيشوت".
والواقع أن خسائر العثمانيين المعنوية كانت أشد فداحة من خسائرهم المادية، حيث كانت تلك المعركة الكبيرة ذات مردود سلبي في علاقة الدولة العثمانية بالأوربيين؛ فزال من نفوس الأوربيين أن الدولة العثمانية دولة لا تقهر، وهو ما شجع التحالفات الأوربية ضدها بعد ذلك، وظهرت المراهنات على هزيمتها.
ورغم هذا الانتصار الباهر للأوربيين في معركة "ليبانتو" البحرية فإن الأوربيين لم يستطيعوا استغلال هذا الانتصار الكبير من الناحية الإستراتيجية، فقد استطاع العثمانيون بعد أقل من عام واحد على هذه الهزيمة بناء أسطول جديد كان أكثر قوة وعددا من الأسطول الذي تحطم في تلك المعركة، وهو ما أثبت أن الدولة العثمانية ما زالت تحتفظ بقوتها وأنها تستطيع في الوقت القليل تعويض الفاقد من قوتها وخسائرها نظرا لما تتمتع به الدولة من موارد وطاقات ضخمة.
هزيمة وعزيمة
ومن المفارقة أنه بينما كانت البندقية وغيرها من الدول التي شاركت في ليبانتو يشربون كئوس الانتصار وينحتون التماثيل تخليدا لذلك الانتصار الكبير، كان العثمانيون يعملون على قدم وساق في بناء أسطولهم الجديد، حتى إن السلطان العثماني نفسه خصص جزءا من حديقته الخاصة لإنشاء مصنع لبناء 8 سفن جديدة، واستطاع العثمانيون خلال الشتاء الذي أعقب "ليبانتو" أن يشيدوا ما يقرب من 153 سفينة حربية.
ولم ينس العثمانيون تقوية الروح المعنوية لشعبهم، وتذكيرهم بأن خسارة معركة لا تعني بحال من الأحوال خسارة الصراع، ولذا قام "أولوج علي باشا" القائد البحري بالدخول إلى إستانبول بعد الهزيمة بحوالي شهرين في أسطول كبير مكون من 87 سفينة وتمت ترقيته إلى قائد القوات البحرية.
ولم يلبث "أولوج علي باشا" أن غادر إستانبول مع 245 سفينة في (صفر 980هـ= يونيو 1572) للدفاع عن قبرص بعدما علم أن الأسطول الصليبي يسعى للاستيلاء عليها، وعندما رأى "دون جون" الأسطول العثماني متجها نحوه أدرك أنه ليس في استطاعته مقاتلته بعدما تمكن العثمانيون من تعويض خسائرهم. أما البابا "بيوس الخامس" فكتب إلى الشاه الصفوي وإلى إمام اليمن يطلب منهما التحالف لقتال الدولة العثمانية.
ولم تنس الدولة العثمانية القصاص لهزيمتها في ليبانتو فعقدت معاهدة مع البندقية في (7 من مارس 1573م) تكونت من سبعة بنود، منها: أن تسدد البندقية إلى الدولة العثمانية 300 ألف ليرة ذهبية كغرامة حرب، وأن تعترف بالسيادة العثمانية على قبرص، وبعد أقل من عام قامت 220 سفينة عثمانية بتدمير سواحل إيطاليا الجنوبية

يتبع



إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#2

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(2)

جالديران.. الطريق إلى المشرق الإسلامي


سليم الأول


كانت معركة "جالديران" من المعارك الفاصلة في تاريخ الدولة العثمانية؛ فقد استطاع السلطان العثماني التاسع "سليم الأول" بانتصاره على "الصفويين" في سهول "جالديران" أن يحقق لدولته الأمان من عدو طالما شكل خطرًا داهمًا على وحدتها واستقرارها. كان السلطان "بايزيد الثاني" والد السلطان "سليم الأول" ميالا إلى البساطة في حياته، محبًا للتأمل والسلام؛ ولذلك فقد أطلق عليه بعض المؤرخين العثمانيين لقب "الصوفي"، وقد تمرد عليه أبناؤه الثلاثة في أواخر حكمه، واستطاع "سليم الأول" بمساعدة الإنكشارية أن يخلع أباه وينفرد بالحكم، ثم بدأ حملة واسعة للتخلص من المعارضين والعمل على استقرار الحكم، وإحكام قبضته على مقاليد الأمور في الدولة.
وقد اتسم السلطان "سليم" بكثير من الصفات التي أهَّلته للقيادة والزعامة؛ فهو –بالإضافة إلى ما يتمتع به من الحيوية الذهنية والجسدية- كان شديد الصرامة، يأخذ نفسه بالقسوة في كثير من الأمور، خاصة فيما يتعلق بأمور الدولة والحكم.
وبرغم ما كان عليه من القسوة والعنف فإنه كان محبًا للعلم، يميل إلى صحبة العلماء والأدباء، وله اهتمام خاص بالتاريخ والشعر الفارسي.
التحول الصفوي
اهتم السلطان "سليم الأول" منذ الوهلة الأولى بتأمين الحدود الشرقية للدولة ضد أخطار الغزو الخارجي الذي يتهددها من قِبل الصفويين -حكام فارس- الذين بدأ نفوذهم يزداد، ويتفاقم خطرهم، وتعدد تحرشهم بالدولة العثمانية.
وقد بدأت الحركة الصفوية كحركة صوفية منذ أواسط القرن الثالث عشر الميلادي، ولكنها انتقلت من التأمل الصوفي إلى العقيدة الشيعية المناضلة منذ أواسط القرن الخامس عشر الميلادي، حتى استطاع الشاه "إسماعيل" -ابن آخر الزعماء الصفويين- أن يستولي على الحكم، ويكوِّن دولته بمساندة قبائل التركمان التي توافدت بالآلاف للانضمام إليه.
وحظي "إسماعيل الصفوي" بكثير من الاحترام والتقدير اللذين يصلان إلى حد التقديس، وكانت له كلمة نافذة على أتباعه، ومن ثَمَّ فقد قرر أن يمد نفوذه إلى الأراضي العثمانية المتاخمة لدولته في شرقي الأناضول.
وبدأ "إسماعيل" خطته بإرسال مئات من الدعاة الصفويين إلى الأناضول، فعملوا على نشر الدعوة الشيعية في أوساط الرعاة التركمان، وحققوا في ذلك نجاحًا كبيرًا.
تصاعد الخطر
وبالرغم من شعور السلطان "سليم" بتوغل المذهب الشيعي واستشعاره الخطر السياسي الذي تحتله تلك الدعوة باعتبارها تمثل تحديًا أساسيًا للمبادئ السُّنِّية التي تقوم عليها الخلافة العثمانية، فإن السلطان لم يبادر بالتصدي لهم إلا بعد أن اطمأنَّ إلى تأمين الجبهة الداخلية لدولته، وقضى تمامًا على كل مصادر القلاقل والفتن التي تهددها.
وبدأ "سليم" يستعد لمواجهة الخطر الخارجي الذي يمثله النفوذ الشيعي؛ فاهتم بزيادة عدد قواته من الانكشارية حتى بلغ عددهم نحو خمسة وثلاثين ألفًا، وزاد في رواتبهم، وعُني بتدريبهم وتسليحهم بالأسلحة النارية المتطورة.
وأراد السلطان "سليم الأول" أن يختبر قواته من الانكشارية، فخاض بها عدة معارك ناجحة ضد "الصفويين" في "الأناضول" و"جورجيا".
سليم يقرع طبول الحرب
وبعد أن اطمأنَّ السلطان "سليم" إلى استعداد قواته للمعركة الفاصلة بدأ يسعى لإيجاد ذريعة للحرب ضد الصفويين، ووجد السلطان بغيته في التغلغل الشيعي الذي انتشر في أطراف الدولة العثمانية، فأمر بحصر أعداد الشيعة المنتشرين في الولايات المتاخمة لبلاد العجم بصورة سرية، ثم أمر بقتلهم جميعًا في مذبحة رهيبة بلغ عدد ضحاياها نحو أربعين ألفًا.
وفي أعقاب تلك المذبحة أعلن السلطان "سليم" الحرب على الصفويين، وتحرك على رأس جيش تبلغ قوته مائة وأربعين ألف مقاتل من مدينة "أدرنه" في [ 22 من المحرم 920هـ= 19 من مارس 1514م] فسار بجيشه حتى وصل "قونية" في [7 من ربيع الآخر 920= 1 من يونيو 1514م] فاستراح لمدة ثلاثة أيام، ثم واصل سيره حتى وصل "آرزنجان" في [أول جمادى الآخرة 920 هـ= 24 من يوليو 1514م]، ثم واصل المسير نحو "أرضوم"، فبلغها في [13 من جمادى الآخرة 920 هـ= 5 من أغسطس 1514].
وسار الجيش العثماني قاصدًا "تبريز" عاصمة الفرس، فلم تقابله في تقدمه واجتياحه بلاد فارس مقاومة تذكر؛ فقد كانت الجيوش الفارسية تتقهقر أمامه، وكانوا يحرقون المحاصيل، ويدمرون الدور التي كانوا يخلفونها من ورائهم بعد انسحابهم، حتى لا يجد جيش العثمانيين من المؤن ما يساعده على التوغل في بلاد فارس وتحقيق المزيد من الانتصارات، وكان الفرس يتقهقرون بشكل منظم حتى يمكنهم الانقضاض على الجيوش العثمانية بعد أن يصيبهم التعب والإنهاك.
واستمر تقدم السلطان "سليم" بقواته داخل الأراضي الفارسية، وكان الشاه "إسماعيل الصفوي" يتجنب لقاء قوات العثمانيين لتفوقها وقوتها، وقد رأى الانسحاب إلى أراضي شمال إيران الجبلية؛ حيث تمكنه طبيعتها الوعرة من الفرار من ملاحقة جيوش العثمانيين.
المواجهة الحاسمة في جالديران
وفي خِضم تلك الأحداث العصيبة فوجئ السلطان "سليم" ببوادر التمرد من جانب بعض الجنود والقادة الذين طالبوا بإنهاء القتال والعودة إلى "القسطنطينية"، فأمر السلطان بقتلهم، وكان لذلك تأثير كبير في إنهاء موجة التردد والسخط التي بدأت بوادرها بين الجنود، فتبددت مع الإطاحة برؤوس أولئك المتمردين.
وتقدم الجيش العثماني بصعوبة شديدة إلى "جالديران" في شرقي "تبريز"، وكان الجيش الصفوي قد وصلها منذ مدة حتى بلغها في [أول ليلة من رجب 920هـ=22 من أغسطس 1514م]، وقرر المجلس العسكري العثماني (ديوان حرب) الذي اجتمع في تلك الليلة القيام بالهجوم فجر يوم [2 من رجب 920هـ= 23 من أغسطس 1514].
كان الفريقان متعادليْن تقريبا في عدد الأفراد، إلا أن الجيش العثماني كان تسليحه أكثر تطورًا، وتجهيزاته أكمل، واستعداده للحرب أشد.
وبدأ الهجوم، وحمل الجنود الانكشارية على الصفويين حملة شديدة، وبالرغم من أن معظم الجنود العثمانيين كانوا عرضة للإرهاق والتعب بعد المسافة الطويلة التي قطعوها وعدم النوم بسبب التوتر والتجهيز لمباغتة العدو فجرًا فإنهم حققوا انتصارًا حاسمًا على الصفويين، وقتلوا منهم الآلاف، كما أَسَروا عددًا كبيرًا من قادتهم.
العثمانيون في تبريز
وتمكن الشاه "إسماعيل الصفوي" من النجاة بصعوبة شديدة بعد إصابته بجرح، ووقع في الأَسْر عدد كبير من قواده، كما أُسرت إحدى زوجاته، ولم يقبل السلطان "سليم" أن يردها إليه، وزوّجها لأحد كتّابه انتقامًا من الشاه.
ودخل العثمانيون "تبريز" في [14 من رجب 920 هـ= 4 من سبتمبر 1514م] فاستولوا على خزائن الشاه، وأمر السلطان "سليم" بإرسالها إلى عاصمة الدولة العثمانية، وفي خِضم انشغاله بأمور الحرب والقتال لم يغفل الجوانب الحضارية والعلمية والتقنية؛ حيث أمر بجمع العمال المهرة والحاذفين من أرباب الحرف والصناعات، وإرسالهم إلى "القسطنطينية"؛ لينقلوا إليها ما بلغوه من الخبرة والمهارة.
وكان السلطان "سليم" يشعر بما نال جنوده من التعب والإعياء بعد المجهود الشاق والخارق الذي بذلوه، فمكث في المدينة ثمانية أيام حتى استردّ جنوده أنفاسهم، ونالوا قسطًا من الراحة استعدادًا لمطاردة فلول الصفويين.
وترك السلطان المدينة، وتحرك بجيوشه مقتفيًا أثر الشاه "إسماعيل" حتى وصل إلى شاطئ نهر "أراس"، ولكن برودة الجو وقلة المؤن جعلتاه يقرر العودة إلى مدينة "أماسيا" بآسيا الصغرى للاستراحة طوال الشتاء، والاستعداد للحرب مع قدوم الربيع بعد أن حقق الهدف الذي خرج من أجله، وقضى على الخطر الذي كان يهدد دولته في المشرق، إلا أنه كان على قناعة بأن عليه أن يواصل الحرب ضد الصفويين، وقد تهيأ له ذلك بعد أن استطاع القضاء على دولة المماليك في الشام أقوى حلفاء الصفويين.

يتبع


إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#3

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(2)

سقوط عكا في يد ريتشارد قلب الأسد


رد: موسوعة معارك اسلامية(2)
صورة متخيلة لصلاح الدين في شبابه

كان الانتصار العظيم الذي حقَّقه صلاح الدين الأيوبي في معركة حطِّين أكبر كارثة حلَّت بالصليبيين منذ أن أقاموا إماراتهم الصليبية في الشام، حيث فقدوا زهرة فرسانهم، وقُتلت منهم أعداد هائلة، ووقع في الأسر مثلها، حتى قيل: إن من شاهد القتلى قال: ما هناك أسير، ومن عاين الأسرى قال: ما هناك قتيل.
وأصبح الصليبيون بعد هزيمتهم في حطِّين في قبضة صلاح الدين وتحت رحمته، يستطيع أن يفعل بهم ما يشاء لو أراد، ويعاملهم بما يستحقون على جرائمهم وخطاياهم، ولكنه كان كريم النفس، رفيع الخلق، ظاهر الرحمة، لم يسلم نفسه للتشفي والانتقام، وارتفع بسلوكه فوق شهوة الثأر، وهو ما جعله موضع الإجلال والتقدير.
الاتجاه إلى عكا
بعد حطِّين لم يتجه صلاح الدين إلى بيت المقدس لتحريره، وكان ذلك أمرًا ميسورًا، بل اتجه إلى عكا أولاً؛ ليحرم الصليبيين من قاعدة بحرية هامة تصلهم بأوروبا، ويقطع عنهم العون الذي يأتيهم منها، وكان في عزمه أن يستولي على المدن الصليبية التي تقع على ساحل البحر المتوسط، حتى يسهل عليه القضاء على الصليبيين في الداخل.
ولم يَكَد صلاح الدين يقترب من عكَّا حتى دَبَّ الفزع والهلع في نفوس الصليبيين، وسارع حاكمها إلى تسليم المدينة في مقابل تأمين أهلها على أرواحهم وممتلكاتهم، ودخل صلاح الدين المدينة في (2 من جمادى الأولى 583هـ = 10 من يوليو 1187م)، وعامل أهلها معاملة كريمة، وغنم المسلمون في عكا غنائم طائلة.
عكا قاعدة حربية
اتخذ "صلاح الدين" من عكَّا قاعدة حربية ومركزًا لعملياته العسكرية لتحرير المدن التي في قبضة الصليبيين، واستدعى أخاه الملك العادل من القاهرة؛ ليعاونه في استكمال الفتح، فقدم عليه ومعه عساكره، وقد نجحت جيوش صلاح الدين في استرداد الناصرة، وصفورية، والفولة في داخل فلسطين، وحيفا، وقيسارية، وأرسوف وهي المواقع التي تقع على الساحل.
ثم توجه صلاح الدين إلى "صيدا" فاستسلمت له دون مقاومة، ثم اتجه إلى بيروت وكانت مدينة حصينة، لكنها لم تُغْنِ عن أهلها شيئًا، وأدركوا عدم الجدوى من الدفاع والصمود، فاستسلمت هي الأخرى، في (29 من جمادى الأولى 583هـ = 6 من أغسطس 1187م)، ثم قصد صلاح الدين "جبيل"، وكان حاكمها "هيو الثالث" أسيرًا في دمشق منذ انتصار حطِّين، فعرض عليه صلاح الدين فكَّ أسره مقابل تسليم جبيل فأجابه إلى ذلك.
وقبل أن يتجه صلاح الدين لتحرير بيت المقدس قرَّر أن يستولي على عسقلان، وكانت مركزًا هامًّا يتخذه الصليبيون قاعدة لتهديد مصر، وقطع المواصلات بينها وبين الشام، واستمات الصليبيون في الدفاع عن عسقلان، ولم تفلح محاولاتهم في دفع الحصار، فطلبوا التسليم مقابل تأمينهم على أرواحهم فكان لهم ما طلبوا.
تحرير بين المقدس
استعدَّ صلاح الدين لاسترداد بيت المقدس، وجهَّز قواته لهذه المهمة الجليلة التي طال انتظار المدينة الأسيرة لها، وكان صلاح يرغب في أن تستسلم المدينة وفق الشروط التي استسلمت لها المدن الصليبية الأخرى من تأمين أهلها على أنفسهم وأموالهم، والسماح لمن شاء منهم بالخروج سالمًا، ولكن العزّة بالإثم أخذت بحاميتها، ورفضوا ما عرضه صلاح الدين عليهم، وظنوا أن حصونهم مانعتهم من ضربات صلاح الدين، ولم تُجْدِ محاولاتهم للصمود والثبات، فطلبوا الأمان وألحُّوا عليه، وكان صلاح الدين قد أقسم ليفتحنَّها بحد السيف بعد رفضهم عرضه العادل الرحيم، ولكن صلاح الدين استجاب لطلبهم بعد مشاورة أصحابه، ووافق على أن يغادر المسيحيون المدينة مقابل فداء قدره 10 دنانير للرجل، وخمسة للمرأة، ودرهم واحد للطفل.
ودخل صلاح الدين مدينة بيت المقدس - ردَّ الله غربتها وأعادها إلى المسلمين قريبًا - في ليلة الإسراء (27 من رجب 583هـ = 12 من أكتوبر 1187م)، وكان في صحبته أخوه الملك العادل، وقد أظهر صلاح الدين تسامحًا كبيرًا مع فقراء الصليبيين الذين عجزوا عن دفع الجزية، ورفض هدم كنيسة القيامة، ومعاملة الصليبيين بمثل ما عاملوا به المسلمين عند استيلائهم على المدينة.
الحملة الصليبية الثالثة
رد: موسوعة معارك اسلامية(2)
حصن المرقب
ثار الغرب الأوربي عندما جاءته الأنباء بفاجعة معركة حطين واسترداد صلاح الدين لبيت المقدس ولكثير من المدن والقلاع الصليبية، ولم يبق في يد الصليبيين سوى بعض المدن والقلاع مثل صور التي عجز صلاح الدين عن فتحها، وطرابلس، وقلعة أنطرسوس، وحصن الأكراد، وإنطاكية، وحصن المرقب، وبعض المدن الصغيرة.
وأسفرت استغاثة الصليبيين في الشرق بالبابوية وملوك الغرب الأوربي عن نتائج إيجابية، وثارت أوربا التي جهزت حملتها المعروفة بالحملة الصليبية الثالثة التي تزعمها "فردريك بربروسا" إمبراطور ألمانيا، و"فيليب أوغسطس" ملك فرنسا، و"ريتشارد قلب الأسد" ملك إنجلترا.
تحركت القوات الألمانية مبكرا في (23 من ربيع الأول 584هـ= 11 من مايو 1189م) قبل القوات الفرنسية والإنجليزية، وسلكت الطريق البري عبر آسيا الصغرى، غير أن الإمبراطور لقي حتفه غرقا أثناء عبوره أحد أنهار آسيا الصغرى، وسرعان ما تبدد جيشه الكبير.
أما القائدان الآخران فقد وصلا بقواتهما إلى صقلية، وإن كان كل منهما قد سلك طريقا غير الآخر، وأمضيا فترة في نزاع حول الأمور الداخلية في صقلية، ثم أبحر القائدان إلى الشام.
فلول الصليبيين تتجه إلى عكا
اتجهت فلول الصليبيين إلى عكا بقيادة "جاي لوزجنان" ملك بيت المقدس الذي أفرج عنه صلاح الدين وكان أسيرا عنده منذ هزيمة الصليبيين في حطين، وتعهد ألا يشهر سيفا في وجه صلاح الدين، غير أنه نكث بوعده، وكان يمكن للمسلمين أن يقضوا على تلك الجموع في أثناء سيرها قبل أن يستفحل خطرها، ولكن صلاح الدين كان مشغولا بمنازلة قلعة الشقيف أرنون، ولم يصدق ما فعله جاي لوزجنان، وظن أن في الأمر خدعة لحمله على ترك القلعة، ولم ينتبه لخطورة الموقف إلا بعد اقتراب الصليبيين من عكا، وحاول علاج الموقف؛ فأرسل حملة لمنع تقدم الصليبيين، ولكنها لم تصل إلا بعد أن احتل الصليبيون مراكزهم في مواجهة عكا.
أقام الملك الصليبي معسكره على مقربة من عكا، ولحق به صلاح الدين على الفور في (15 من رجب 585 هـ= 29 من أغسطس 1189م) وعسكر بجيشه على مقربة منه، وكان موقف الصليبيين حرجا بعد أن أصبحوا محاصرين بين جيوش صلاح الدين وحامية المدينة المسلمة، لكن حدث ما لم يكن في الحسبان؛ فقد وصلت مقدمات الحملة الصليبية الثالثة، وحاصرت المدينة من البحر، وكان لذلك فعل السحر في نفوس الصليبيين الموجودين أمام عكا فارتفعت معنوياتهم وزادت ثقتهم، ثم لم يلبث أن جاءت قوات صليبية من صور التي صمدت أمام ضربات صلاح الدين، وكانت جموع الصليبيين قد احتشدت بها بعد سقوط مدنهم في يد صلاح الدين.
صمود المدينة
لم ينتظر صلاح الدين كثيرا بعد وصوله إلى عكا، وبدأ هجوما ضاريا على الصليبيين وأنزل بهم خسائر فادحة، ولم تنفعهم كثرتهم أمام إصرار صلاح الدين، وكاد الأمر ينتهي بفك حصارهم عن المدينة، ولكن حدث أن انتشرت الأوبئة في المنطقة لكثرة جيف القتلى من الفريقين، فابتعد صلاح الدين بقواته قليلا عن تلك المنطقة الموبوءة؛ فانتهز الصليبيون هذه الفرصة السانحة وأحاطوا المدينة بخندق يفصل بينهم وبين صلاح الدين، وانقطع طريق المسلمين بذلك إلى عكا، وإن كان ذلك لم يمنع صلاح الدين من الاتصال بحامية عكا عبر البحر أو الحمام الزاجل، وكانت الإمدادات تصل إلى المدينة عبر البحر حتى تساعدها على الصبر والثبات.
سقوط المدينة
ظل الوضع على ما هو عليه دون أن يحقق أحد الفريقين نصرا حاسما حتى وصلت قوات فيليب أوغسطس في (ربيع الأول 587 هـ= إبريل 1191م) فجمع شمل الصليبيين تحت زعامته، وكانت الخلافات بدأت تشتعل بينهم، ووحد جهودهم لمحاربة المسلمين، وبدأ على الفور في مهاجمة عكا، وإشعال الحماسة في نفوس الصليبيين، فأخذت آلات الحصار تقذف أسوار المدينة قذفا متصلا، ثم لم يلبث أن وصل ريتشارد قلب الأسد إلى عكا في (ربيع الآخر 587هـ= يونيو 1191م) فازداد به الصليبيون قوة إلى قوة.
وأظهرت الحامية الإسلامية في عكا ضروبا من الشجاعة والصبر والفداء والتضحية في مقاومة الحصار، ودفع هجمات الصليبيين المتوالية برا وبحرا، ولكن ذلك لم يكن كافيا للصمود، بعد أن اجتمعت أكبر قوتين في أوربا للاستيلاء على المدينة، وتوحدت أهدافهما، وأصبح لا مفر من سقوط المدينة المنكوبة، ودارت مفاوضات بين الفريقين لتسليم المدينة، واتفق الطرفان على أن يسمح الصليبيون لحامية عكا بالخروج سالمين، في مقابل فدية قدرها 200 ألف دينار، وأن يحرر المسلمون ألفين وخمسمائة من أسرى الصليبيين.
دخل الصليبيون عكا في (16 من جمادى الآخرة 587 هـ= 11 من يوليو 1191م) بعد أن حاصروها نحو عامين، غير أن ريتشارد قلب الأسد تجاهل بنود الاتفاق عندما دخل عكا، ونقض ما اتّفق عليه؛ حيث قبض على من بداخلها من المسلمين وكانوا نحو 3 آلاف مسلم وقام بقتلهم، ولم يقابل صلاح الدين الإساءة بالإساءة، ورفض أن يقتل من كان بحوزته من أسرى الصليبيين.
وظلت المدينة في قبضة الصليبيين حتى قام القائد المسلم "الأشرف بن قلاوون" بتحرير المدينة بعد أكثر من 100 عام.


يتبع

إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#4

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(2)

موهاكس.. أبادت جيشا وحققت حلما


ظهرت قوة إسبانيا كأعظم ما تكون في عهد السلطان العثماني سليمان القانوني ؛ فهي تملك أقوى الجيوش الأوربية وأكثرها كفاءة وقدرة على القتال، وأصبحت ماردًا يهدد الدولة العثمانية في البحر المتوسط حيث تهدد بلاد المغرب العربي، وفي وسط أوروبا حيث امتد نفوذها إلى ألمانيا بعد أن دخلت تحت تاج ملكها "شارل كوينت" الذي زاد من نفوذه زواج أخواته من ملوك البرتغال وفرنسا والدانمارك والنرويج والسويد والمجر؛ ولذلك أطلق على هذه الفترة من القرن السادس عشر الميلادي عهد شارل كوينت. ولم يبق من ملوك أوربا خارج سيطرته وقبضته سوى إنجلترا، وفرنسا التي عزم ملكها على منازلة خصمه الإمبراطور شارل كوينت مهما كلفه الأمر، لكنه لم يقو على الصمود فخسر معه معركته، وسيق ذليلاً إلى مدريد حيث سجن في أحد قصورها، غير أن أم الملك الأسير "لويز سافوا" أرسلت إلى السلطان سليمان القانوني ترجوه تخليص ابنها من الأسر، فوجد السلطان في ذلك فرصة للانقضاض على شارل كوينت بعد أن صار معه حليف من الغرب الأوروبي، وامتلك مسوغًا للتحرك باسم الملف الفرنسي بصورة شرعية.
وكان ذلك أملاً يراود نفس السلطان لإعادة إسبانيا إلى سابق عهدها دولاً متفرقة لا دولة واحدة تهدد دولته، وكان السلطان قد عهد إلى خير الدين باربروسا بمهمة منازلة إسبانيا في البحر المتوسط ودفع خطرها فكفاه ذلك، وترك لنفسه مهمة منازلة إسبانيا في وسط أوروبا، وكان ينتظر الفرصة المناسبة للقيام بدوره، وما كادت تستنجد به أم الملك الفرنسي حتى استعد لتحقيق ما كان يصبو إليه.
ظروف مناسبة للحملة
ولما أفرج شارل كوينت عن الملك الفرنسي بعد شروط صعبة أجبره على قبولها في معاهدة مدريد في (29 من ربيع الأول 932هـ = 14 من يناير 1526م)، عمد الملك الفرنسي إلى تقوية روابطه مع السلطان العثماني، وألح في طلب العون والمساعدة؛ لأن قواته العسكرية لم تكن كافية لمجابهة الملك الإسباني الذي انفتحت جبهته لملاقاة خصوم أشداء، فكان عليه أن يواجه سليمان القانوني، وخير الدين باربروسا، وفرانسوا الأول ملك فرنسا، ومارتن لوثر الذي تفاقمت دعوته وازداد أتباعه، وانتشر مذهبه البروتستانتي، وتمزقت بسببه الوحدة الكاثوليكية، وعجز الملك الإسباني عن القضاء على دعوته بعد أن دانت أقطار كثيرة بمذهبه، وانفصلت عن نفوذ البابا في روما.
وهكذا تهيأت الظروف للسلطان العثماني للقيام بضربته وتقليص نفوذ الملك الإسباني في المجر، وكانت إسبانيا أكبر كثيرًا مما هي عليه الآن؛ إذ كانت تتكون من اتحاد المجر وتشيكوسلوفاكيا السابقة، بالإضافة إلى الأقطار الشمالية ليوغسلافيا، مثل: سلوفينيا، وترانسلفانيا التي هي الآن تابعة لرومانيا.
حملة سليمان القانوني

رد: موسوعة معارك اسلامية(2)
سليمان القانوني
سار السلطان سليمان من إستانبول في (11 من رجب 932هـ= 23 من إبريل 1526م) على رأس جيشه، الذي كان مؤلفًا من نحو مائة ألف جندي، وثلاثمائة مدفع وثمانمائة سفينة، حتى بلغ "بلجراد"، ثم تمكن من عبور نهر الطونة بسهولة ويسر بفضل الجسور الكبيرة التي تم تشييدها، وبعد أن افتتح الجيش العثماني عدة قلاع حربية على نهر الطونة وصل إلى "وادي موهاكس" بعد 128 يومًا من خروج الحملة، قاطعًا 1000 كيلو من السير، وهذا الوادي يقع الآن جنوبي بلاد المجر على مسافة 185 كم شمال غربي بلجراد، و170 كم جنوبي بودابست. وكان في انتظاره الجيش المجري البالغ نحو مائتي ألف جندي، من بينهم 38000 من الوحدات المساعدة التي جاءت من ألمانيا، ويقود هذه الجموع الجرارة الملك "لايوش الثاني".< /SPAN> اللقاء المرتقب
وفي صباح يوم اللقاء الموافق (21 من ذي القعدة 932هـ= 29 من أغسطس 1526م) دخل السلطان سليمان بين صفوف الجند بعد صلاة الفجر، وخطب فيهم خطبة حماسية بليغة، وحثهم على الصبر والثبات، ثم دخل بين صفوف فيلق الصاعقة وألقى فيهم كلمة حماسية استنهضت الهمم، وشحذت العزائم، وكان مما قاله لهم: "إن روح رسول الله صلى الله عليه وسلم تنظر إليكم"؛ فلم يتمالك الجند دموعهم التي انهمرت تأثرًا مما قاله السلطان.
وفي وقت العصر هجم المجريون على الجيش العثماني الذي اصطف على ثلاثة صفوف، وكان السلطان ومعه مدافعه الجبارة، وجنوده من الإنكشاريين في الصف الثالث، فلما هجم فرسان المجر وكانوا مشهورين بالبسالة والإقدام أمر السلطان صفوفه الأولى بالتقهقر حتى يندفع المجريون إلى الداخل، حتى إذا وصلوا قريبًا من المدافع، أمر السلطان بإطلاق نيرانها عليهم فحصدتهم حصدًا، واستمرت الحرب ساعة ونصف الساعة في نهايتها أصبح الجيش المجري في ذمة التاريخ، بعد أن غرق معظم جنوده في مستنقعات وادي موهاكس، ومعهم الملك لايوش الثاني وسبعة من الأساقفة، وجميع القادة الكبار، ووقع في الأسر خمسة وعشرون ألفًا، في حين كانت خسائر العثمانيين مائة وخمسين شهيدًا، وبضعة آلاف من الجرحى.
نتائج هذه المعركة
كانت معركة موهاكس من المعارك النادرة في التاريخ، حيث هُزم أحد أطرافها على هذا النحو من مصادمَة واحدة وفي وقت قليل لا يتجاوز ساعتين، وترتب عليها ضياع استقلال المجر بعد ضياع جيشها على هذه الصورة في هزيمة مروعة، وبعد اللقاء بيومين في (23 من ذي القعدة 932هـ= 31 من أغسطس 1526م) قام الجيش العثماني بعمل استعراض أمام السلطان سليمان، وقام بأداء التحية له وتهنئته، وقام القادة بدءًا من الصدر الأعظم بتقبيل يد السلطان.
ثم تحرك الجيش نحو الشمال بمحاذاة ساحل الطونة الغربي حتى بلغ بودابست عاصمة المجر، فدخلها في (3 من ذي الحجة 932هـ= 10 من سبتمبر 1526م)، وشاءت الأقدار أن يستقبل في هذه المدينة تهاني عيد الأضحى في سراي الملك، وكان قد احتفل بعيد الفطر في بلجراد في أثناء حملته الظافرة.
مكث السلطان في المدينة ثلاثة عشر يومًا ينظم شئونها، وعين جان "زابولي" أمير ترانسلفانيا ملكًا على المجر التي أصبحت تابعة للدولة العثمانية، وعاد السلطان إلى عاصمة بلاده بعد أن دخلت المجر للدولة العثمانية وتقلص نفوذ الملك الإسباني


يتبع

إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#5

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(2)

معركة طلاس




كان للصين علي مر التاريخ نفوذ كبير في منطقة آسيا الوسطي والتي تضم اليوم جمهوريات (أوزباكستان,تركمنستان,طاجيكستان,قرغيستان) وكانت هذه المناطق مجالا حيويا للصين منذ اقدم العصور كما كانت لها اهميتها لانها تقع علي طريق الحرير,وقد سكنت تلك المناطق قبائل تركية كانت شبه مستقلة لكن كانت تدين بالولاء لامبراطور الصين وكانت تدفع له الجزية.

لكن منذ القرن السابع الميلادي ظهرت تطورات جديدة علي الساحة العالمية,فقد ظهر الاسلام وصاحب ذلك بداية الفتوحات الاسلامية التي لم تهتم بها الصين في أول الامر لعدة اسباب منها, بعد الفتوحات الاسلامية عن الصين ,رغبة حكام الصين في التخلص من ملوك فارس(الساسانيين) المنافس الاكبر لهم في آسيا الوسطي,بل انهم -اي حكام الصين - تجاهلوا استغاثة ملك فارس بهم .

بداية الصراع
لكن البداية الحقيقية بدأت عندما أكمل المسلمون فتح إيران وما تلي ذلك من تطلع المسلمين إلي فتح آسيا الوسطي لتأمين الفتوحات الاسلامية التي حققها المسلمين, ففتحت جيوش الدولة الأموية كابول وهرات وغزنة وكلها تقع الأن في افغانستان,وكان لولاة المسلمين علي اقليم خراسان أثرا بالغ الاهمية في التشجيع علي الفتوحات,فقد كانت لمجهودات المهلب بن ابي صفرة (والي خراسان) اكبر الاثر ففي فتح ما يعرف الأن بافغانستان.
وكذلك الدور الكبير الذي قام به الحجاج بن يوسف عندما حشد الجيوش وقال قولته المشهورة "" أيكما سبق إلى الصين فهو عامل عليها"" ووجد الحجاج في قتيبة بن مسلم الباهلي غايته فقد كان قائدا بارعا, ولاه الحجاج خراسان سنة (85هـ = 704م)، وعهد إليه بمواصلة الفتح وحركة الجهاد؛ فأبلى بلاء حسنا، ونجح في فتح العديد من النواحي والممالك والمدن الحصينة، مثل: بلخ، وبيكند، وبخارى، وشومان، وكش، والطالقان، وخوارزم، وكاشان، وفرغانه، والشاس، وكاشغر الواقعة على حدود الصين المتاخمة لإقليم ما وراء النهر وانتشر الإسلام في هذه المناطق وأصبح كثير من مدنها مراكز هامة للحضارة الإسلامية مثل بخارى وسمرقند.
لم تستطع الصين وقف موجات الفتوحات الاسلامية في آسيا الوسطي عسكريا واكتفت بدعم زعماء القبائل وتحريضهم علي القتال ضد المسلمين دون أن تحقق نجاحا يذكر.
ففي هذه الوقت لم يكن بمقدور الصين مواجهة المسلمين عسكريا نظرا للمشاكل والثورات التي عاشتها الصين في تلك الفترة, بالاضافة الي سمعة الجيش المسلم الذي لا يقهر فقد هزم الفرس وأسقطوا دولتهم كما قلموا أظافر الدولة الرومانية واستولوا علي أكثر أملاكها حتي بلاد الغال البعيدة (فرنسا) لم تسلم من غزوات المسلمين.

معركة طلاس
علي الرغم من استيلاء المسلمين علي معظم مناطق آسيا الوسطي, إلا أن الصين احتفظت ببعض المناطق الهامة الباقية والتي تتمثل في قرغيزيا.
لكن الصين كانت تطمح دائما في استعادة نفوذها المفقود فاستغلت الازمة التي تعيشها الدول الاموية وانشغالها بمقاومة الثورات والمعارضين, وقامت(الصين) بإرسال حملة عسكرية بقيادة القائد (جاو زيانزي) استطاعت تلك الحملة استرجاع بعض المدن الهامة من المسلمين مثل كش والطالقان وتوكماك -وهي تقع الان في جمهورية أوزبكستان- بل وصل الامر الي تهديد مدينة كابول إحدي كبري مدن المسلمين في آسيا الوسطي وذلك في سنة 748 ميلادية 130 هجرية.

الجبهة الاسلامية
أدي وصول العباسيين إلي سدة الخلافة إلي استقرار الدولة الاسلامية وبالتالي التفكير في تأمين حدودها, فأرسل الخليفة أبو جعفر المنصور الي أبو مسلم واليه علي خراسان بالتحضير بحملة لاستعادة هيبة المسلمين في تركستان(اي آسيا الوسطي) فقام ابو مسلم بتجهيز جيشا زحف به إلي مدينة "مرو" وهناك وصلته قوات دعم من اقليم طخارستان -يقع هذا الاقليم في افغانستان- وسار أبو مسلم بهذا الجيش الي سمرقند وانضم بقواته مع قوات زياد بن صالح الوالي السابق للكوفة, وتولي زيادة قيادة الجيش.

الجبهة الاسلامية
حشد الصينيون 30 ألف مقاتل طبقا للمصادر الصينية و100 ألف مقاتل طبقا للمصادر العربية, وكان جاو زيانزي علي رأس الجيش الصيني,
وفي يوليو 751 اشتبكت الجيوش الصينية مع الجيوش الاسلامية بالقرب من مدينة طلاس أو طرار والتي تقع علي نهر الطلاس بجمهورية قرغيزيا.

احداث المعركة
اشتبكت الجيوش الاسلامية مع الجيوش الصينية,وحاصر فرسان المسلمين الجيش الصيني بالكامل وأطبق عليه الخناق مما أدي الي سقوط الآف القتلي من الجانب الصيني, وهرب جاو زيانزي من المعركة بعد أن خسر زهرة جنده, اما عن زياد بن صالح فقد أرسل الاسري وكانوا 20 ألف إلي بغداد وتم بيعهم في سوق الرقيق.

أهمية المعركة
ترجع أهمية المعركة في أنها كانت اول وأخر صدام عسكري حدث بين المسلمين والصينيين,كما انها أنهت نفوذ الصين في آسيا الوسطي -بعد ان سقطت قرغيزيا في ايدي المسلمين- حيث تم صبغ تلك المنطقة (اسيا الوسطي) بصبغة اسلامية بعد أن اسلم أكثر قبائلها وغدت مناطق اشعاع اسلامي وحضاري وانجبت علماء مسلمين عظام كالامام البخاري والترمذي وابا حنيفة وغيرهمكما انها ادت الي وصول الورق الصيني الي دول الشرق الاسلامي بعد ان أسر المسلمين عدد كبير من صناع الورق الصينيين,ونقلهم الي بغداد.


يتبع

إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#6

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(2)

فتح الهند



يعتبر دخول الإسلام إلى بلاد الهند الشاسعة أشبه ما يكون بالملاحم الأسطورية التي سطرها كبار المؤلفين والمؤرخين، والإسلام قد دخل بلاد الهند الضخمة والواسعة منذ القرن الأول الهجري، ولكنه ظل في بلاد السند بوابة الهند الغربية فترة طويلة من الزمان، حتى جاء العهد الذي اقتحم فيه الإسلام تلك البلاد الكبيرة المتشعبة الأفكار والعادات، والمبنية على نظام الطبقات، فاصطدم الإسلام ليس فقط مع القوة المادية والجيوش الحربية ولكنه اصطدم أيضا مع الأفكار الغربية والانحرافات الهائلة و الضلالات المظلمة لذلك فإن معركة الإسلام مع الكفر بأنواعه الكثيرة بالهند ظلت لمئات السنين، ومازالت قائمة حتى وقتنا الحاضر والذي نلمسه جلياً في المذابح والمجازر السنوية والموسمية التي يقوم بها عباد البقر من الهندوس ضد المسلمين، الذين تحولوا من قادة وحكام للبلاد إلى أقلية وذلك رغم ضخامة أعدادهم مقارنة بغيرهم من بلدان العالم .


الإسلام والهند

بلاد الهند قديماً قبل التقسيم الحالي كانت تشمل بجانب الهند كلا من [باكستان ، وأفغانستان، وبورما،] وغيرهم إلى حدود الصين، وكانت منقسمة إلى بلاد الهند وبلاد السند، لذلك فلقد عرفت عند الجغرافيين باسم 'شبه القارة الهندية' لضخامتها، ولقد دخل الإسلام إلى بلاد السند منذ الأيام الأولى للدولة الإسلامية، وبالتحديد سنة 15 هجرية في خلافة 'عمر بن الخطاب'عن طريق الحملات الاستكشافية التي قادها 'الحكم بن العاص' الذي وصل إلى ساحل الهند، وتواصلت الحملات الاستكشافية أيام أمير المؤمنين 'عثمان بن عفان' ولكنه رضي الله عنه رفض إرسال جيوش كبيرة خوفاً على المسلمين لبعد البلاد واتساعها .


ظل الأمر هكذا حتى صدر الدولة الأموية وعندما تولى 'زياد بن أبيه' العراق وما بعدها، فقرر أن يجعل سواحل الهند ولاية منفصلة سميت بالثغر، وتشمل المساحة التي تلي [سجستان وزابلستان وطخارستان 'أفغانستان الآن] وكان أول من تولاها رجل اسمه 'راشد بن عمرو' ومن يومها بدأت الحملات الجهادية القوية للفتح الإسلامي للهند، وبرز رجال في تلك الحملات : أمثال [عباد بن زياد وسعيد بن أسلم ومحمد بن هارون] وكلهم أكرمهم الله بالشهادة في ميادين الجهاد .


كان التحول الكبير في مسيرة الفتح الإسلامي للهند عندما تولى الشاب القائد 'محمد بن القاسم الثقفي' رحمه الله قيادة الحملات الجهادية بناحية السند، وحقق انتصارات هائلة بالقضاء على ملك السند 'داهر البرهمى' وفتح معظم بلاد 'السند' وضمها للدولة الإسلامية، وأزال عنها شعائر الشرك والكفر والبوذية والبرهمية، وذلك سنة 89 هجرية، ولكن 'محمد بن القاسم' ما لبث أن راح ضحية لمؤامرة دنيئة قامت بها 'صيتا ابنة داهر' حيث ادعت وافترت عليه كذباً أنه أغتصبها، وسجن 'ابن القاسم' ومات في سجنه، وحزن عليه أهل 'السند' حزناً شديداً، وبموته توقفت حركة الفتح الإسلامي للهند .


وبعد ذلك انتفض ملوك 'الهند' و'السند' وعادوا إلى عروشهم، فلما تولى الخليفة الراشد 'عمر بن عبد العزيز' كتب إلى ملوك 'السند' يدعوهم إلى الإسلام والطاعة على أن يظل كل ملك منهم مكانه، وله ما للمسلمين وعليه ما عليهم، فأجابوه، ودخلت بلاد 'السند' كلها في الطاعة المسلمين، وأسلم أهلها وملوكها وتسموا بأسماء العرب، وبهذا أصبحت بلاد 'السند' بلاد إسلام، وقد اضطرب أمر 'السند' في أواخر أيام بنى أمية، ولكنها عادت إلى الطاعة والانتظام في أيام 'أبى جعفر المنصور' وفي أيامه افتتحت 'كشمير' ودخلت في دولة الإسلام، ولكن ظلت بلاد 'الهند' الغربية بعيدة عن الإسلام حتى ظهرت عدة دول محلية موالية للخلافة العباسية، ولكنها مستقلة إدارياً وسياسياً ومالياً ، ومن أعظم تلك الدول المحلية التي ساعدت على نشر الإسلام دولة الغزنويين وقائدها الفاتح الكبير 'محمود بن سبكتكين' .


الدولة الغزنوية

اسمها مشتق من اسم عاصمتها وهى مدينة 'غزنة' الموجودة حالياً بأفغانستان وأصل هذه الدولة يرجع إلى القائد 'سبكتكين' الحاجب التركي الذي عمل في خدمة الأمير 'عبد الملك بن نوح السامانى' وترقى في المناصب وارتفعت به الأطوار حتى نال رضا أمراء 'السامانية' فعينوه والياً على 'خراسان' و'غزنة' و'بيشاور'، فكون نواة الدولة 'الغزنوية' وتفرغ لمحاربة أمراء وملوك 'الهند' وخاصة ملوك شمال 'الهند'، وأكبرهم الملك 'جيبال' الذي قاد ملوك وأمراء الشمال الهندي، واصطدم مع المسلمين بقيادة 'سبكتكين' سنة 369هجرية، وكان النصر حليفاً للمسلمين، فرسخ بذلك 'سبكتكين' الوجود الإسلامي وكذا أركان دولته الوليدة ببلاد 'الأفغان' و'طاجيكستان' .


وكل ما قام به 'سبكتكين' كان باسم 'السامانيين' وملوك ما وراء النهر، ولم يعلن استقلاله حتى وقتها، ثم قام بأداء أعظم مهمة لصالح الدولة 'السامانية' عندما قضى على قوة 'البوبهيين' الشيعة بنيسابور' سنة 383 هجرية، فقام الأمير 'نوح بن نصر السامانى' بتعين 'محمود بن سبكتكين' والياً على 'نيسابور'ن وبالتالي غدت الدولة 'الغزنوية' أوسع من الدولة 'السامانية' نفسها، ومات 'سبكتكين' سنة 388 هجرية، وخلفه ابنه 'محمود' لتدخل المنطقة عهداً جديداً من الفتوحات، لم تعرف مثله منذ أيام الخليفة 'الفاروق' .



الفاتح الكبير


لم يكد الأمر يستقر للقائد الجديد 'محمود بن سبكتكين' حتى بدأ نشاطاً جهادياً واسعاً أثبت أنه من أعاظم الفاتحين في تاريخ الإسلام، حتى قال المؤرخون أن فتوحه تعدل في المساحة فتوح الخليفة 'عمر بن الخطاب'، وقد اتبع سياسة جهادية في غاية الحكمة تقوم أساساً على تقوية وتثبيت الجبهة الداخلية عسكرياً وسياسياً وعقائدياً وهو الأهم فعمل على ما يلى :


1- القضاء على كل المذاهب والعقائد الضالة المخالفة لعقيدة أهل السنة والجماعة مثل الاعتزال والتشيع والجمهية والقرامطة والباطنية ، والعمل على نشر عقيدة السلف الصالح بين لبلاد الواقعة تحت حكمه.


2- قضى على الدولة 'البويهية' الشيعية والتي كانت من عوامل التفرق والانحلال في الأمة الإسلامية كلها، حتى بلاغ بها الأمر في التفكير بالعودة للعصر 'الساسانى' الفارسى، واتخاذ ألقاب المجوس مثل 'شاهنشاه' وبالقضاء على تلك الدولة الرافضية قدم السلطان 'محمود' أعظم خدمة للإسلام .

3- أزال الدولة السامانية' التي بلغت حالة شديدة السوء من الضعف والانحلال أثرت بشدة على سير الحملات الجهادية والفتوحات على الجبهة الهندية .

4-أدخل بلاد الغور وسط 'أفغانستان' وهى مناطق صحراوية شاسعة في الإسلام، وأرسل إليهم معلمين ودعاة وقراء، وقضى على دولة 'القرامطة' الصغيرة بالملتان، وكان يقودها رجل اسمه 'أبو الفتوح داود' وأزال عن هذه البلاد العقائد الضالة والفرق المنحرفة مثل الباطنية والإسماعيلية .

5- أعلن خضوع دولته الضخمة وتبعيتها للخلافة العباسية ببغداد وخطب للخليفة العباسي 'القادر بالله' وتصدى لمحاولات وإغراءات الدولة الفاطمية للسيطرة على دولته، وقام بقتل داعية الفاطميين 'التاهرتى' الذي جاء للتبشير بالدعوة الفاطمية ببلاد 'محمود بن سبكتكين'، وأهدى بغلته إلى القاضي 'أبى منصور محمد بن محمد الأزدى' وقال 'كان يركبها رأس الملحدين، فليركبها رأس الموحدين' .

وهكذا ظل السلطان 'محمود بن سبكتكين' يرتب للبيت من الداخل ويقوى القاعدة إيمانياً وعقائدياً وعسكرياً، ويكون صفاً واحداً استعداداً لسلسلة الحملات الجهادية الواسعة لفتح بلاد 'الهند' .


فتوحات الهند الكبرى

بدأ السلطان محمود فتوحاته الكبيرة ببلاد 'الهند' من مركز قوة بعد أن ثبت الجبهة الداخلية لدولته، فقد كان يسيطر على سهول 'البنجاب' فكانت مداخل الجبال وممر خيبر الشهير في يده، وكذلك لم يكن هناك مناؤى أو معارض داخلي للسلطان 'محمود' يعيق حملاته الجهادية، والهضبة الإيرانية كلها تحت حكمه وسيطرته، لذلك البداية في غاية القوة .


بدأت الحملات الجهادية بحملة كبيرة على شمال 'الهند' سنة 392 هجرية، حيث انتصر السلطان 'محمود' على ملك الهند الكبير والعنيد 'جيبال' وجيوشه الجرارة، ووقع 'جيبال' في الأسر، فأطلقه السلطان 'محمود' لحكمه يعلمها الله ثم هو : وهى إذلاله نتيجة حروبه الطويلة ضد المسلمين منذ أيام والده السلطان 'سبكتكين'، وكان من عادة الهنود أنه إذا وقع منهم في أيدي المسلمين أسيراً لا تنعقد له بعدها رياسة، فلما رأى 'جيبال' ذلك حلق رأسه ثم أحرق نفسه بالنار، فاحترق بنار الدنيا قبل الآخرة.


غزا السلطان 'محمود' بعد ذلك أقاليم : 'ويهنده'، و'الملثان'، و'بهاتندة'، ثم حارب 'أناندابال'، وانتصر عليه، وأزال حكمه من شمال 'الهند' تماماً وقضى على سلطانه في 'البنجاب' وبعد ذلك مباشرة عمل على نشر الإسلام الصحيح في كل نواحى 'السند' إلى حوض 'البنجاب' .

تصدى السلطان 'محمود' لمحاولة أمراء شمال 'الهند' استعادة ما أخذ المسلمون، وانتصر عليهم في معركة هائلة سنة 398 هجرية، وفتح أحصن قلاع 'الهند' قلعة 'بيهيمنكر' على جبال 'الهملايا'، وأخضع مدينة 'ناردبين' أحصن وأقوى مدن إقليم 'الملتان' .



وفي سنة 408 هجرية فتح السلطان 'محمود' إقليم 'كشمير'، وحوله لبلد مسلم، وكان لهذا الفتح صدى بعيد نتج عنه دخول العديد من أمراء 'الهند' في الإسلام، وعبر السلطان 'محمود' بجيوشه نهر 'الكنج' أو 'الجانح' وهدم نحو عشرة آلاف معبد هندوسى، ثم هاجم أكبر مراكز 'البراهمة' في 'موجهاوان' وواصل تقدمه وهو يحطم أية قوة هندية تبرز له، ويحول المعابد الهندوسية إلى مساجد يعبد الله فيها وحده، وقد أخذ السلطان 'محمود' على عاتقه نشر الإسلام في بلاد الهند والقضاء على الوثنية فيها، وبلغ في فتوحاته إلى حيث لم تبلغه في الإسلام راية ولم تتل به قط سورة ولا آية .


فتح سومنات
استمر السلطان 'محمود بن سبكتكين' في حملاته وفتوحاته لبلاد 'الهند' وكان كلما فتح بلداً أو هدم صنماً أو حطم معبداً قال الهنود : إن هذه الأصنام والبلاد قد سخط عليها الإله 'سومنات' ولو أنه راض عنها لأهلك من قصدها بسوء، ولم يعر السلطان 'محمود' الأمر اهتمامه حتى كثرت القالة، وأصبحت يقيناً عند الهنود، فسأل عن 'سومنات' هذا فقيل له : إنه أعظم أصنام وآلهة الهنود، ويعتقد الهنود فيه أن الأرواح إذا فارقت الأجساد اجتمعت إليه على عقيدة التناسخ فيعيدها فيمن شاء، وأن المد والجزر الذي عنده إنما هو عبادة البحر له .


يقع 'سومنات' على بعد مائتي فرسخ من مصب نهر 'الجانح' بإقليم 'الكوجرات' في غرب الهند، ولهذا الصنم وقف عشرة آلاف قرية، وعنده ألف كاهن لطقوس العبادة، وثلاثمائة رجل يحلقون رءوس ولحى زواره، وثلاثمائة رجل وخمسمائة امرأة يغنون ويرقصون على باب الصنم، وأما الصنم 'سومنات' نفسه فهو مبنى على ست وخمسين سارية من الصاج المصفح بالرصاص، و'سومنات' من حجر طوله خمسة أذرع، وليس له هيئة أو شكل بل هو ثلاث دوائر وذراعان .


عندما اطلع سلطان الإسلام السلطان 'محمود' على حقيقة الأمر عزم على غزوه وتحطيمهن وفتح معبده : ظناً منه أن 'الهند' إذا فقدوه ورأوا كذب ادعائهم الباطل دخلوا في الإسلام، فالسلطان 'محمود' لا يبغى من جهاده سوى خدمة ونشر الإسلام فاستخار الله عز وجل،وخرج بجيوشه ومن انضم إليه من المتطوعين والمجاهدين وذلك في 10 شعبان سنة 416 هجرية، واخترق صحارى وقفار مهلكة لا ماء فيها ولا ميرة، واصطدم بالعديد من الجيوش الهندية وهو في طريقه إلى 'سومنات'، مع العلم أنه أعلم الجميع بوجهته وهدفه، ليرى الهنود إن كان 'سومنات' سيدفع عن نفسه أو غيره شيئاً .


بلغ السلطان 'محمود' بجيوشه مدينة 'دبولواره' على بعد مرحلتين من 'سومنات'، وقد ثبت أهلها لقتال المسلمين ظناً منهم أن إلههم 'سومنات' يمنعهم ويدفع عنهم، فاستولى عليها المسلمون، وحطموها تماماً، وقتلوا جيشها بأكمله، وساروا حتى وصلوا إلى 'سومنات' يوم الخميس 15 ذي القعدة سنة 416 هجرية، فرأوا حصناً حصيناً على ساحل النهر، وأهله على الأسوار يتفرجون على المسلمين واثقين أن معبدوهم يقطع دابرهم ويهلكهم .


وفي يوم الجمعة 16 ذي القعدة وعند وقت الزوال كما هي عادة المسلمين الفاتحين زحف السلطان 'محمود' ومن معه من أبطال الإسلام، وقاتلوا الهنود بمنتهى الضراوة، بحيث إن الهنود صعقوا من هول الصدمة القتالية بعدما ظنوا أن إلههم الباطل سيمنعهم ويهلك عدوهم، ونصب المسلمون السلالم على أسوار المدينة وصعدوا عليها وأعلنوا كلمة التوحيد والتكبير وانحدروا كالسيل الجارف داخل المدينة، وحينئذ اشتد القتال جداً وتقدم جماعة من الهنود إلى معبدوهم 'سومنات' وعفروا وجوههم وسألوه النصر، واعتنقوه وبكوا، ثم خرجوا للقتال فقتلوا جميعاً وهكذا فريق تلو الآخر يدخل ثم يقتل وسبحانه من أضل هؤلاء حتى صاروا أضل من البهائم السوائم، قاتل الهنود على باب معبد الصنم 'سومنات' أشد ما يكون القتال، حتى راح منهم خمسون ألف قتيل، ولما شعروا أنهم سيفنون بالكلية ركبت البقية منهم مراكب في النهر وحاولوا الهرب، فأدركهم المسلمون فما نجا منهم أحد، وكان يوماً على الكافرين عسيراً، وأمر السلطان 'محمود' بهدم الصنم 'سومنات' وأخذ أحجاره وجعلها عتبة لجامع غزنة الكبير شكراً لله عز وجل .


أعظم مشاهد المعركة

لهذا المشهد نرسله بصورة عاجلة لكل الطاعنين والمشككين في سماحة وعدالة الدين الإسلامي، وحقيقة الجهاد في سبيل الله وأن هذا الجهاد لم يرد به المسلمون أبداً الدنيا وزينتها، بل كان خالصاً لوجه الله، ولنشر دين الإسلام وإزاحة قوى الكفر وانطلاقاً من طريق الدعوة الإسلامية .


أثناء القتال الشرس حول صنم 'سومنات' رأى بعض عقلاء الهنود مدى إصرار المسلمين على هدم 'سومنات' وشراستهم في القتال حتى ولو قتلوا جميعاً عن بكرة أبيهم، فطلبوا الاجتماع مع السلطان 'محمود' ، وعرضوا عليهم أموالاً هائلة، وكنوزاً عظيمة في سبيل ترك 'سومنات' والرحيل عنه، ظناً منهم أن المسلمين ما جاءوا إلا لأجل الأموال والكنوز فجمع السلطان 'محمود' قادته، واستشارهم في ذلك، فأشاروا عليه بقبول الأموال للمجهود الضخم والأموال الطائلة التي أنفقت على تلك الحملة الجهادية، فبات السلطان 'محمود' طول ليلته يفكر ويستخير الله عز وجل، ولما أصبح قرر هدم الصنم 'سونمات'، وعدم قبول الأموال وقال كلمته الشهيرة {وإنى فكرت في الأمر الذي ذكر، فرأيت إذا نوديت يوم القيامة أين 'محمود' الذي كسر الصنم ؟ أحب إلى من أن يقال : الذي ترك الصنم لأجل ما يناله من الدنيا ؟ ! }


وهكذا نرى هذا الطراز العظيم من القادة الربانيين الذين لم تشغلهم الدنيا عن الآخرة، ولا أموال الدنيا وكنوزها عن نشر رسالة الإسلام وخدمة الدعوة إليه، والذين ضربوا لنا أروع الأمثلة في بيان نصاعة وصفاء العقيدة الإسلامية، وأظهروا حقيقة الجهاد في سبيل الله وغاياته النبيلة .


يتبع

إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#7

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(2)

معركة أنقرة


مقدمات المعركة

ررحل تيمورلنك عن بغداد بعد ان دمرها و امعن السلب و النهب فيها وسار حتى نزل قراباغ بعد أن جعلها دكاً خراباً، ثم كتب إلى بايزيد الأول أن يخرج السلطان أحمد بن أويس وقرا يوسف من ممالك الروم وإلا قصده وأنزل به ما نزل بغيره. فرد أبو يزيد جوابه بلفظ خشن إلى الغايةو قص لحية مندوب تيمور و ارسل اليه رساله مهينة و قال انه يعرف ان هذا القول يدفع تيمورلنك إلى مهاجمه بلادة فان لم يفعل تكون زوجاته مطلقات؛مما اثار تيمورلنك بشدة . فسار تيمور إلى نحوه. فحشد بايزيد الأول.جيوشه من المسلمين الترك والنصارى الصرب (مرتزقة) وطوائف التتر في مدينة بورصة عاصمة اسيا الوسطى. فلما تكامل جيشه سار لحربه. فأرسل تيمور جواسيسه قبل وصوله إلى التتار الذين معبايزيد الأول يقول لهم: نحن جنس واحد، وهؤلاء تركمان ندفعهم من بيننا،ويكون لكم الروم عوضهم.فانخدعوا له وواعدوه أنهم عند اللقاء يكونون معه. اذ لابد انهم ادركو ان ولاءهم لابد ان يكون لتيمور وكما انهم عرفوا كيف يكافئ تيمورلنك قادته.

الطريق إلى المعركة

وسار بايزيد الأول بعساكره على أنه يلقى تيمور خارج سيواس تاركا معسكره الحصين بالقرب من أنقره ،يريد ان يرده ـيمورلنك عن عبور أراض دولته.لان بايزيد الأولكان لا يطيق ان يترك تيمور لنك يسير في اراضي دولته و يتركه يعن السلب و النهب في مدنه. كما انه كان يخشى من ثورة الاقاليم المسيحية في البلقان اذا هو اطال الغياب عنها . فسلك تيمورلنك طريقا غير الطريق الذي سلكه بايزيد الأولو اختار الطريق الأطول ، ومشى في أرض غير مسلوكة، ودخل بلاد ابن عثمان، ونزل بمعسكر بايزيد الأول بالقرب من أنقرة و ضرب الحصار حولها. فلم يشعر بايزيد الأول إلا وقد نهبت بلاده، فقامت قيامته وكر راجعاً، وقد بلغ منه ومن عسكره التعب مبلغاً أوهن قواهم، وكلت خيولهم، و هلكو من العطش و الانهاك مما جعل موقف الجيش التركي باعثا على اليأس " لقد خسرو المعركة قيل ان تبدأ".

أعداد الجيشين

مال الكثير من المؤرخين إلى الافراط في أعداد المقاتلين من الجيشين ،فيذكر العالم جروسيه ان حوالي مليون مقاتل اشتركو في المعركة. و يذكر شيتلتبرجر الذى عاصر هزيمة المسيحين في نيقوبوليس و انتقل إلى خدمة الاتراك ان جيش بايزيد الأول كان حوالى مليون و اربعمائة الف مقاتل و ان تيمور لنك كان يفوقه بمائتي الف مقاتل و أكثر الارقام اعتدالا هي حوالي 200 الف لكل من الجانبين و يستند اصحاب هذا الراي إلى ان القوات التي تزيد عن هذة الارقام لا يمكنها التحرك بسهولة عبر الاناضول بالسهولة التي تحرك بها الجيشين

المعركة

التقى الجيشان في شمال شرقي مدينة انقرة في سهل شيبو كاد و لم يجرؤ بايزيد على الإنتظار حتى يأخذ الجيش راحته و الحصول على الماء فاسند قيادة الجناح الايمن إلى صهره الصربي لازاروفك و فرسانه ثقيلي العدة و الجناح الايسر إلى ابنه سليمان على راس قوات من مقدونيا و اسيا الصغرى . اما في القلب فقاد بايزيد الأول بنفسه قواته من الانكشارية و السيباهي .و وضع بايزيد الأول بعض الفرسان في الاحتياط. و في صبيحة يوم 20 يوليو 1402 دقت طبول الجيشين معلنة بداية القتال و استمرت محتدمة إلى الغسق .و كان بجيش تيمورلنك حوالى 30 فيلا من الهند بالصفوف الامامية و استعمل الفريقان النيران الاغريقية.

خيانة التتار

فلما بدأ القتال كان أول بلاء نزل ببايزيد الأول مخامرة التتار بأسرها عليه،و كان أول من غادر ارض المعركة هم الساروخان و الايدين و المنلشيا و الكيرميان . و لو اكتفوا بالهروب من جيش بايزيد الأول لما كانت الخسارة فادحةو لكن الذي زاد من فداحة الامر هو استمرارهم في القتال مع جيش تيمور لنك و هاجمو الجناح الأيسر للجيش العثماني من الخلف الذي كان يقوده سليمان بن بايزيد الأولو كانت جيوش تيمرلنك تسدد الضربات القاسية إلى ذلك الجناح من الامام.

فرار سليمان بن بايزيد الأول

في نفس الوقت تقدم الفرسان الصرب ثقيليى العدة بقيادة لازاروفيك إلى الامام لمواجهة العدو فارسل بايزيد الأول يحذرهم من التقدم خوفا من أن يطوقهم العدو و عندما علم لازاروفيك بحرج موقف سليمان بن بايزيد الأول ارسل اليه فرسانه من اجل تامين انسحاب ابن السلطان الذي رجع عن أبيه عائداً إلى مدينة بورصة بباقي عسكره مهزوما، فلم يبق في القتال الا قلب الجيش التركي بقيادة بايزيد الأول في نحو خمسة آلاف فارس من الانكشارية و السيباهي ، فثبت بهم حتى أحاطت به عساكر تيمورلنك ، وصدمهم صدمة هائلة بالسيوف والأطبار حتى أفنوا من التمرية أضعافهم. وآستمر القتال بينهم من ضحى يوم الأربعاء إلى العصرو عند الغروب ادرك بايزيد الأول عبث المقاومة فاراد الهروب الا ان فرسة اصيب اصابة قاتلة فوقع في الاسر على نحو ميل من مدينة أنقرة، في يوم الأربعاء سابع عشرين ذي الحجة سنة أربع وثمانمائة (27\ذي الحجة\804هـ) بعد أن قتل غالب عسكره بالعطش. فإن الوقت كان في شهر تموز.

بايزيد الأول في الاسر

وصار تيمور يوقف بين يديه في كل يوم ابن عثمان طلباً ويسخر منه وينكيه بالكلام. وجلس تيمور مرة لمعاقرة الخمر مع أصحابه وطلب ابن عثمان طلباً مزعجاً، فحضر وهو يرسف في قيوده وهو يرجف، فأجلسه بين يديه وأخذ يحادثه، ثم وقف تيمور وسقاه من يد جواريه اللاتي أسرهن تيمور، ثم أعاده إلى محبسه. ثم شتا تيمور في معاملة منتشا وعمل الحيلة في قتل التتار الذين أتوه من عسكر ابن عثمان حتى أفناهم عن آخرهم.

مطاردة سليمان

ارسل تيمورلنك قوة لتعقب سليمان الذي فر بجزء من كنوز ابيه و لكن عندما وصل جيش تيمورلنك إلى مدين بورصة كان سليمان قد غادرها لذا اكتفى تيمورلنك باحراق و نهب تلك المدينة التجارية الكبرى و انتشرت قوات تيمورلنك في مناطق الاناضول تمعن فيها السلب و النهب


يتبع

إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#8

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(2)

معركة الاراك




التسمية

وقعت المعركة قرب قلعة الاراك والتي كانت نقطة الحدود بين قشتالة والأندلس في ذلك الوقت ولذا ينسب المسلمون المعركة لهذه القلعة كما ينسب المسيحيون اسم المعركة أيضا لهذه القلعة (Alarcos) ويطلقون عليها كارثة الأرك لعظيم مصابهم فيها.

ما قبل المعركة

قام ملك البرتغال (سانشوالأول) بغزو مدينة شلب المسلمة -تعرف الآن باسم سلفش (faro)- بمساعدة القوات الصليبية وكان ذلك في عام 1191 م. عندما علم السلطان الموحدي يعقوب المنصور بذلك جهز جيشه وعبر البحر لبلاد الأندلس وحاصرها وأخذها وأرسل في ذات الوقت جيشا من الموحدين والعرب فغزا أربع مدن مما بأيدي المسيحيين من البلاد التي كانوا قد أخذوها من المسلمين قبل ذلك بأربعين عاما مما ألقى الرعب في ملوك أيبيريا وخاصة ألفونسو الذي طلب من السلطان الهدنة والصلح فهادنه 5 سنين وعاد إلى مراكش عاصمة بلاد المغرب.
لما انقضت مدة الهدنة أرسل ألفونسو جيشا كثيفا إلى بلاد المسلمين فنهبوا وعاثوا فسادا في أراضيهم وكانت هذه الحملة استفزازية وتخويفية أتبعها ألفونسو بخطاب للسلطان يعقوب المنصور -استهزاء به وسخرية منه- يدعوه فيه إلى مواجهته وقتاله فلما قرأ السلطان المنصور الخطاب كتب على ظهر رقعة منه (ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون الجواب ما ترى لا ما تسمع).واشتد حنق أبي يوسف ، وأمر بالتأهب للحرب في الأندلس ، وأن يذاع الخطاب في جنود الموحدين ليثير غيرتهم ، فثار الناس للجهاد ودوت صيحة الجهاد في جميع أنحاء المغرب ضد النصارى ، وسير قواته إلى الأندلس ، وعبر إلى الجزيرة الخضراء في 20/7/591هـ ، ولم يسترح بها إلا قليلاً ، ثم بادر بالسير إلى قشتالة وانضمت إليه الجيوش الأندلسية فتجمع له جيش ضخم يوصل بعض المؤرخين عدده لـ100 ألف مقاتل فيقولون أنه كانت المسافة بين مقدمة الجيش ومؤخرته مسيرة 3 أيام بينما يذكر آخرون أن العدد بين 60 و80 ألف مقاتل فقط. وانطلق المنصور بجيشه إلى بلاد الأندلس ومكث في إشبيلية مدة قصيرة نظم فيها جيشه وتزود بالمؤن وبادر بالسير إلى طليطلة عاصمة مملكة قشتالة فبلغه أن ألفونسو حشد قواه في مكان بين قلعة رباح وقلعة الأرك فغير مساره إلى هناك وعسكر في مكان يبعد عن موضع جيش ألفونسو مسيرة يومين ومكث يستشير وزرائه وقادة جيشه في خطط المعركة وكان ذلك في الثالث عشر من يونيو عام 1195 الموافق 4 شعبان591 هـ.


كان أبو عبد الله بن صناديد أحد قادة الحرب الأندلسيين الذي كان من أعقل وأخبر زعماء الأندلس بمكائد الحروب فأشار على السلطان المنصور باختيار قائد موحد للجيش كما أشار عليه بتقسيم الجيش إلى أجزاء على النحو التالي:
  • الأندلسيون ويقوده أحد زعماؤهم حتى لا تضعف عزيمتهم عندما يولى عليهم أحد ليس منهم -اختير ابن صناديد لقيادتهم-. ويوضع في ميمنة الجيش.
  • العرب والبربر ويوضعون في الميسرة.
  • الجيش الموحدي النظامي ويوضع في القلب.
  • المتطوعون من عرب وبربر وأندلسيين ويوضعون في مؤخرة الجيش لضعف خبرتهم بالقتال.
  • السلطان المنصور وحرسه وجيشه الخاص وبعض المتوطعين كقوات احتياطية تعسكر وراء التلال على مسافة قريبة من المعركة ، ثم تنقض فجأة على العدو بهجوم مضاد متى لزم الأمر.
استجاب السلطان لإشارة ابن صناديد وعينه قائدا للجيش الاندلسي واختار أحد وزرائه وهو أبو يحيى بن أبي حفص كقائد عام وكان السلطان يمر على أفراد جيشه ويحمسهم ويبث فيهم الشجاعة والثقة بنصر الله.ومما يروى ان السلطان المنصور خطب في الجيش بعد اكتمال الحشد والاستعداد و قال:"اغفروا لي فان هذا موضع غفران وتغافروا في ما بينكم, وطيبوا نفوسكم واخلصو الله نياتكم". فبكى الناس جميعا.


على الجبهة الأخرى حاول ألفونسو الحصول على بعض المدد والمساعدات من بعض منافسيه السياسيين ملوك نافارةوليون فوعدوه بالمدد إلا إنهم تعمدوا الإبطاء فقرر خوض المعركة بما معه من القوات التي لم تكن بالقليلة فقد أوصلها المؤرخون إلى حوالي 60 ألف مقاتل منهم فرسان قلعة رباح وفرسان الداوية.

المعركة

كان الجيش القشتالي يحتل موقعا متميزا مرتفعا يطل على القوات المسلمة وقد كانت قلعة الأرك تحميهم من خلفهم وقد قسموا أنفسهم لمقدمة يقودها الخيالة تحت إمرة لوبيز دي هارو -أحد معاوني ألفونسو- وقلب الجيش ومؤخرته ويضم 10 آلاف مقاتل من خيرة مقاتلي قشتالة ويقودهم ألفونسو بنفسه. واستدعى الفونسو فرسان قلعة رباح ، وفرسان الداوية لينضموا إلى جيشه فبلغ بذلك تعداد مائة ألف 60,000 مقاتل في رواية ، وأكبر عدد ذكرته الروايات ثلاثمائة ألف مقاتل 300,000 ، ومع ذلك طلب مساعدة ملكي ليون ونافار النصرانيين الذين جمعا حشوداً ولكنهما تباطآ في المجيء للمساعدة .
وفي 9 شعبان 591هـ كانت موقعة الأرك الفاصلة وقبيل ذلك بقليل بدأ المتطوعون في الجيش الموحدي في التقدم قليلا لجس النبض ,اتبع القشتاليون نظاما متميزا وذكيا وهو نزول الجيش على دفعات كلما ووجه الجيش بمقاومة عنيفة واستبدال مقدمة الجيش بمقدمة أخرى في كل مرة يقاومون فيها. أرسل القشتاليون في باديء الأمر 7 آلاف فارس وصفهم ابن عذاري في كتابه البيان المُغْرِب في اختصار أخبار ملوك الأندلس والمغرب كبحر هائج تتالت أمواجه وقد رد الموحدون المسلمون هجمة الجيش الأولى فما كان من القشتاليين إلا أن أمروا بإرسال دفعة ثانية وقد قاومها الموحدون مقاومة قوية جدا مما حدا بلوبيز دي هارو بإرسال قوة كبيرة لتفكيك مقدمة الجيش والقضاء عليها.
فلما تبين ذلك للسلطان المنصور نزل بنفسه دون جيشه في شجاعة نادرة, واخذ يمر على كل القبائل والصفوف يقول :" جددوا نياتكم وأحضروا قلوبكم".
رد المسلمون هجمات القشتاليين مرتين ، ولكن العرب والبربر استنفدوا جميع قواهم لرد هذا الهجوم العنيف ، وعززززززززززززت قوات القشتاليين بقوى جديدة وهجموا للمرة الثالثة ، وضاعفوا جهودهم ، واقتحموا صفوف المسلمين وفرقوها ، وقتلوا قسماً منها ، وأرغم الباقون على التراجع ، واستشهد آلاف من المسلمين في تلك الصدمة ، منهم القائد العام أبو يحيى بن أبي حفص ، الذي سقط وهو يقاتل بمنتهى البسالة . واستمرالقشتاليون في هجومهم واخذوا يخترقون الجيش حتى وصلوا إلى قلب الجيش الموحدي.
اعتقد النصارى أن النصر قد لاح لهم وان الدائرة قد دارت على المسلمين بعد أن حطموا قلب جيش الموحدين ،ولكن الأندلسيين بقيادة ابن صناديدوبعض بطون زناته ، وهم الذين يكونون الجناح الأيمن ، هجموا عندئذ على قلب الجيش القشتالي ، فأضعفوا بذلك تقدم الفرسان القشتاليين ، وكان يتولى قيادته ملك قشتالة نفسه ،يحيط به عشرة آلاف من امهر الفرسان ، منهم فرسان الداوية وفرسان قلعة رباح ، فلقي ألفونسو المسلمين بقيادة ابن صناديد دون وجل فاستطاعوا ان يحاصروا القشتالين وفصلوا بين مقدمة جيشهم ومؤخرته. وفي تلك الأثناء خرج السلطان المنصور فتعاون جميع أقسام الجيش الإسلامي على الإطاحة بمن حوصر من القشتاليين -الذين كانوا أغلب الجيش- وقتلوا منهم خلقا كثيرا وفر الباقون.
بعد ذلك بدأ المسلمون بقيادة المنصور يتقدمهم لواء الموحدين الأبيض المكتوب عليه" لا اله ال الله محمد رسول الله ولا غالب ال الله" فتقدم ناحية من تبقى من الجيش المسيحي وهم عدة آلاف فارس الذين التفوا من حول ألفونسو الثامن، أقسموا على أن لا يبرحوا أرض المعركة حتى وإن كانت نهايتهم فيها وقاوم القشتاليين مقاومة عنيفة حتى قتل أغلبهم. وهرب ألفونسو من أرض المعركه إلى طليطله عاصمته.

ما بعد المعركة

قام المسلمون بعد انتهاء المعركة بحصار قلعة الأرك التي كان قد فر إليها لوبيز دي هارو ومعه 5 آلاف من جنده. قاوم المسيحيون قليلا ثم اضطروا للاستسلام وطلبوا الصلح فوافق السلطان المنصور مقابل إخلاء سبيل من أُسر من المسلمين. ويختلف مؤرخو المسلمون في نتائج المعركة فيخبر المقري في كتابه نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب «وكان عدّة من قتل من الفرنج - فيما قيل - مئة ألف وستّة وأربعين ألفاً، وعدّة الأسارى ثلاثين ألفاّ، وعدّة الخيام مائة ألف وستّة وخمسين ألف خيمة، والخيل ثمانين ألفاً، والبغال مائة ألف، والحمير أربع مئة ألف، جاء بها الكفّر لحمل أثقالهم لأنّهم لا إبل لهم، وأمّا الجواهر والأموال فلا تحصى، وبيع الأسير بدرهم، والسيف بنصف درهم، والفرس بخمسة دراهم، والحمار بدرهم، وقسم يعقوب الغنائم بين المسلمين بمقتضى الشرع، ونجا ألفنش (ألفونسو) ملك النصارى إلى طليطلة في أسوأ حال، فحلق رأسه ولحيته، ونكس صليبه، وآلى أن لا ينام على فراش، ولا يقرب النساء، ولا يركب فرساً ولا دابة، حتى يأخذ بالثأر». أما ابن خلدون فيذكر أن عدد القتلى 30 ألفا ويجعلهم ابن الأثير 46 ألفا و13 ألف أسير.
أكمل السلطان المنصور مسيرته في أراضي مملكة قشتالة فاقتحم قلعة رباح واستولى عليها وسقطت مدن تروخلو وبينافينتي ومالاغون وكاراكويل وكوينكا وتالفيرا وكلها تقع بالقرب من طليطلة عاصمة قشتالة ثم اتجه السلطان بجيشه إلى العاصمة وضرب عليها حصارا واستخدم المسلمون المجانيق ولم يبق إلى غزوها ويخبر المقري عن نتائج ذاك الحصار فيقول
«فخرجت إليه [يعني للمنصور] والدة الأذفونش [ألفونسو] وبناته ونساؤه وبكين بين يديه، وسألنه إبقاء البلد عليهن، فرقّ لهن ومنّ عليهن بها، ووهب لهن من الأموال والجواهر ما جلّ، وردهن مكرماتٍ، وعفا بعد القدرة، وعاد إلى قرطبة، فأقام شهراً يقسم الغنائم، وجاءته رسل الفنش [ألفونسو] بطلب الصلح، فصالحه، وأمّن الناس مدّته»
.
أعطت نتيجة المعركة مهابة للموحدين في الأندلس وقد استمروا هناك حتى فاجعة معركة العقاب التي خسر المسلمون بعدها بقية أراضي الأندلس ما عدا غرناطة واشبيلية ما حولهما.
من الناحية العملية لم يحقق هذا الانتصار نتائج ملموسة للموحدين، فالخطر المسيحي لم يزل موجودا ولم يستغل يعقوب أبعاد هذا الانتصار مطلقا. فرغم مقامه الطويل في الأندلس لم يحقق مكسبا واضحا على المستوى المتعلق بالحد من الخطر المسيحي بل نجده يكتفي بالقيام بجولة عسكرية بنواحي طليطلة سنة 592 ثم 593 هجرية. وبالرغم من كون المراكشي يتحدث عن كون يعقوب قد وصل أثناء تجواله العسكري هذا «إلى مواضع لم يصل إليها ملك من ملوك المسلمين قط» رغم ذلك نجد يعقوب يبادر بمجرد أن طلب منه الفونسو الثامن إبرام صلح جديد يبادله بالموافقة، وبمجرد إبرام هذا الصلح نجده يرجع إلى المغرب سنة 594 هجرية. وتعليل هذا الموقف العسكري لا يمكن أن نصل إلى إدراك عمقه إلا من خلال تحديدنا للمشاكل التي كان على يعقوب أن يواجهها وأن مشكل الأندلس ليس إلا جزءا من هذه المشاكل.

يتبع

إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#9

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(2)

معركة ذات السلاسل


الخليفة أبو بكر وأرض العراق
بعد أن انتهى الخليفة 'أبو بكر' من القضاء على حركة الردة التي نجمت بأرض العرب، قرر أن يتفرغ للمهمة الأكبر وهى نشر دين الله بعد أن مهد الجبهة الداخلية، وقضى على هذه الفتنة، وكان 'أبو بكر' يفكر في الجبهة المقترحة لبداية الحملات الجهادية عملاً بقوله عز وجل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [123] سورة التوبة وكانت الدولة الإسلامية تقع بين فكي أقوى دولتين في العالم وقتها، دولة 'الفرس' المجوسية من ناحية الشرق بأرض العراق وإيران، ودولة'الروم' الصليبية من ناحية الشمال بأرض الشام والجزيرة، وكان 'أبو بكر' يفضل الجبهة الشامية على الجبهة العراقية، ولكنه فضل البدء بدولة 'الفرس' لقوتها وشدة بأسها، وأيضاً لكفرها الأصلي، فهي أشد كفراً من دولة 'الروم' الذين هم أهل كتاب، وأخيراً استقر رأى الخليفة على البدء بالجبهة العراقية .


بعد أن انتهى خالد بن الوليد والمسلمين معه من حربه على المرتدين من 'بني حنيفة' أتباع 'مسيلمة الكذاب' جائته الأوامر من الخليفة أبى بكر بالتوجه إلى الأراضي العراقية، مع عدم إكراه أحد من المسلمين على مواصلة السير معه إلى العراق، ومن أحب الرجوع بعد قتال المرتدين فليرجع،فانفض كثير من الجند، وعادوا إلى ديارهم، ليس خوفاً ولا فراراً من لقاء 'الفرس' ولكن تعباً وإرهاقاً من حرب الردة، فلم يبقى مع 'خالد' سوى ألفين من المسلمين .


[وما قام به 'أبو بكر' هو عين الصواب والبصيرة الثاقبة فإنه لن ينصر دين الله إلا من كان عنده الدافع الذاتي، والرغبة التامة في ذلك، مع الاستعداد البدني والنفسي لذلك، فمن تعلق بشواغل الدنيا، أو كان خاطره وقلبه مع بيته وأهله لا يصمد أبداً في القتال، كما أن هذا الجهاد جهاد طلب، وهو فرض كفاية كما قال أهل العلم ] .
العبقرية العسكرية



وضع الخليفة 'أبو بكر' خطة عسكرية هجومية، تجلت فيها عبقرية 'الصديق' الفذة، حيث أمر قائده 'خالد بن الوليد' أن يهجم على العراق من ناحية الجنوب، وفي نفس الوقت أمر قائداً آخر لا يقل خبرة عن 'خالد بن الوليد' وهو 'عياض بن غنم الفهرى' أن يهجم من ناحية الشمال، في شبه كماشة على العدو، ثم قال لهما :{من وصل منكما أولاً إلى 'الحيرة' واحتلها فهو الأمير على كل الجيوش بالعراق، فأوجد بذلك نوعاً من التنافس الشريف والمشروع بين القائدين، يكون الرابح فيه هو الإسلام } .


كانت أول مدينة قصدها 'خالد بن الوليد' هي مدينة 'الأبلة'، وكانت ذات أهمية استراتيجية كبيرة، حيث أنها ميناء 'الفرس' الوحيد على الخليج العربي، ومنها تأتى كل الإمدادات للحاميات الفارسية المنتشرة بالعراق، وكانت هذه المدينة تحت قيادة أمير فارسي كبير الرتبة اسمه 'هرمز'، وقد اشتق من اسمه اسم المضيق القائم حالياً عند الخليج العربي، وكان رجلاً شريراً متكبراً، شديد البغض للإسلام والمسلمين، وللجنس العربي بأسره، وكان العرب بالعراق يكرهونه بشدة، ويضربون به الأمثال فيقولون : {أكفر من هرمز ، اخبث من هرمز}، فلما وصل 'خالد' بالجيوش الإسلامية هناك، وكان تعداد هذه الجيوش قد بلغ ثمانية عشر ألفاً بعد أن طلب الإمدادات من الخليفة، أرسل برسالة للقائد 'هرمز' تبين حقيقة الجهاد الإسلامي، وفيها أصدق وصف لجند الإسلام، حيث جاء في الرسالة :-
    • {أما بعد فأسلم تسلم، أو اعتقد لنفسك ولقومك الذمة، وأقرر بالجزية، وإلا فلا تلومن إلا نفسك، فلقد جئتك بقوم يحبون الموت كما تحبون الحياة}.
[وهذا أصدق وصف لجند الإسلام، وهو الوصف الذي جعل أعداء الإسلام يهابون المسلمين، وهو النفحة الغالية التي خرجت من قلوب المسلمين، وحل محلها 'الوهن' الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سبب تكالب الأمم علينا، وهو كما عرفه الرسول صلى الله عليه وسلم {حب الدنيا وكراهية الموت} ] .



حرب الاستنزاف

'هرمز' يرفض الرسالة الإسلامية التي تدعوه إلى الإسلام أو الجزية، ويختار بيده مصيره المحتوم، ويرسل إلى كسرى يطلب الإمدادات، وبالفعل يرسل كسرى إمدادات كبيرة جداً، ويجتمع عند 'هرمز' جيش جرار عظيم التسليح، ويبنى 'هرمز' خطته على الهجوم على مدينة 'كاظمة' ظناً منه أن المسلمين سوف يعسكرون هناك، ولكنه يصطدم أمام العقلية العسكرية الفذة للقائد 'خالد بن الوليد' .
قام 'خالد بن الوليد' بما يعرف في العلوم العسكرية الحديثة بحرب استنزاف، ومناورات مرهقة للجيش الفارسي، فقام 'خالد' وجيشه بالتوجه إلى منطقة 'الحفير'، وأقبل 'هرمز' إلى 'كاظمة' فوجدها خالية وأخبره الجواسيس أن المسلمين قد توجهوا إلى 'الحفير'، فتوجه 'هرمز' بسرعة كبيرة جداً إلى 'الحفير' حتى يسبق المسلمين، وبالفعل وصل هناك قبل المسلمين، وقام بالاستعداد للقتال، وحفر خنادق، وعبأ جيشه، ولكن البطل 'خالد' يقرر تغير مسار جيشه ويكر راجعاً إلى مدينة 'الكاظمة'، ويعسكر هناك ويستريح الجند قبل القتال .
تصل الأخبار إلى 'هرمز' فيستشيط غضباً، وتتوتر أعصابه جداً، ويتحرك بجيوشه المرهقة المتعبة إلى مدينة 'الكاظمة' ليستعد للصدام مع المسلمين، وكان 'الفرس'أدرى بطبيعة الأرض وجغرافية المكان من المسلمين، فاستطاع 'هرمز' أن يسيطر على منابع الماء بأن جعل نهر الفرات وراء ظهره، حتى يمنع المسلمين منه، وصدق الحق عندما قال { وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ } [216] سورة البقرة فقد كان سبباً لاشتعال حمية المسلمين وحماستهم ضد الكفار، وقال 'خالد بن الوليد' كلمته الشهيرة تحفيزاً بها الجند : 'ألا انزلوا وحطوا رحالكم، فلعمر الله ليصيرن الماء لأصبر الفريقين، وأكرم الجندين' .
وقبل أن يصطدم 'هرمز' قائد الجيوش الفارسية مع جيوش المسلمين أرسل بصورة الوضع إلى كسرى، الذي قام بدوره بإرسال إمدادات كبيرة يقودها 'قارن بن قرباس' يكون دورها الحفاظ على مدينة 'الأبلة' في حالة هزيمة 'هرمز' أمام المسلمين، لأهمية هذه المدينة كما أسلفنا .

سلاسل الموت



كان 'هرمز' رجلاً متكبراً أهوجاً، لا يستمع إلا لصوت نفسه فقط، حيث رفض الاستماع لنصائح قواده، وأصر على أن يربط الجنود 'الفرس' أنفسهم بالسلاسل، حتى لا يفروا من أرض المعركة، كناية عن القتال حتى الموت، لذلك فقد سميت المعركة بذات السلاسل .
    • [والمسلمون أولى بهذا الصبر والثبات لأنهم على الحق والدين، وعدوهم على الباطل والكفر، وشتان بين الفريقين] .
كان أول وقود المعركة وكما هو معتاد وقتها أيام الحروب أن يخرج القواد للمبارزة، كان أول الوقود عندما خرج القائد الفارسي 'هرمز' لمبارزة القائد المسلم 'خالد بن الوليد'، وكان 'هرمز' كما أسلفنا شديد الكفر والخيانة، فاتفق مع مجموعة من فرسانه على أن يهجموا على 'خالد' ويفتكوا به أثناء المبارزة ، وبالفعل خرج المسلم للقاء الكافر، وبدأت المبارزة، ولم يعهد أو يعلم عن 'خالد بن الوليد' أنه هزم قط في مبارزة طوال حياته قبل الإسلام وبعده ، وقبل أن تقوم مجموعة الغدر بجريمتهم الشريرة فطن أحد أبطال المسلمين الكبار لذلك، وهو البطل المغوار القعقاع بن عمرو ، صنو 'خالد' في البطولة والشجاعة، فخرج من بين الصفوف مسرعاً، وانقض كالأسد الضاري على مجموعة الغدر فقتلهم جميعاً، وفي نفس الوقت أجهز 'خالد بن الوليد' على الخائن 'هرمز' وذبحه كالنعاج، وكان لذلك الأمر وقعاً شديداً في نفوس 'الفرس'، حيث انفرط عقدهم، وانحل نظامهم لمقتل قائدهم، وولوا الأدبار، وركب المسلمون أكتافهم، وأخذوا بأقفيتهم، وقتلوا منهم أكثر من ثلاثين ألفاً، وغرق الكثير في نهر الفرات، وقتل المربطون بالسلاسل عن بكرة أبيهم، وكانت هزيمة مدوية على قوى الكفر وعباد النار، وفر باقي الجيش لا يلوى على شيء .



الفزع الكبير

لم تنته فصول المعركة عند هذا الحد، فمدينة 'الأبلة' لم تفتح بعد، وهناك جيوش قوية ترابط بها للدفاع عنها حال هزيمة جيوش 'هرمز' وقد كانت، ووصلت فلول المنهزمين من جيش 'هرمز' وهى في حالة يرثى لها من هول الهزيمة، والقلوب فزعة ووجلة، وانضمت هذه الفلول إلى جيش 'قارن بن قرباس' المكلف بحماية مدينة 'الأبلة'، وأخبروه بصورة الأمر فامتلأ قلبه هو الآخر فزعاً ورعباً من لقاء المسلمين، وأصر على الخروج من المدينة للقاء المسلمين خارجها، وذلك عند منطقة 'المذار'، وإنما اختار تلك المنطقة تحديداً لأنها كانت على ضفاف نهر الفرات، وكان قد أعد أسطولاً من السفن استعداداً للهرب لو كانت الدائرة عليه، وكانت فلول المنهزمين من جيش 'هرمز' ترى أفضلية البقاء داخل المدينة والتحصن بها، وذلك من شدة فزعهم من لقاء المسلمين في الميدان المفتوح .
كان القائد المحنك 'خالد بن الوليد' يعتمد في حروبه دائماً على سلاح الاستطلاع الذي ينقل أخبار العدو أولاً بأول، وقد نقلت له استخباراته أن 'الفرس' معسكرون 'بالمذار'، فأرسل 'خالد' للخليفة 'أبو بكر' يعلمه بأنه سوف يتحرك للمذار لضرب المعسكرات الفارسية هناك ليفتح الطريق إلى الأبلة، ثم انطلق 'خالد' بأقصى سرعة للصدام مع 'الفرس'، وأرسل بين يديه طليعة من خيرة 'الفرسان'، يقودهم أسد العراق 'المثنى بن حارثة'، وبالفعل وصل المسلمون بسرعة لا يتوقعها أحد من أعدائهم . والسلام....

الفطنة العسكرية

عندما وصل المسلمون إلى منطقة المذار أخذ القائد 'خالد بن الوليد' يتفحص المعسكر، وأدرك بخبرته العسكرية، وفطنته الفذة أن الفزع يملأ قلوب 'الفرس'، وذلك عندما رأى السفن راسية على ضفاف النهر، وعندها أمر 'خالد' المسلمين بالصبر والثبات في القتال، والإقدام بلا رجوع، وكان جيش 'الفرس' يقدر بثمانين ألفاً، وجيش المسلمين بثمانية عشر ألفاً، وميزان القوى المادي لصالح 'الفرس' . خرج قائد 'الفرس' 'قارن' وكان شجاعاً بطلاً، وطلب المبارزة من المسلمين فخرج له رجلان 'خالد بن الوليد' وأعرابي من البادية، لا يعلمه أحد، اسمه 'معقل بن الأعشى' الملقب 'بأبيض الركبان' لمبارزته، وسبق الأعرابي 'خالداً'، وانقض كالصاعقة على 'قارن' وقتله في الحال، وخرج بعده العديد من أبطال 'الفرس' وقادته فبارز 'عاصم بن عمرو' القائد 'الأنوشجان' فقتله، وبارز الصحابي 'عدى بن حاتم' القائد 'قباذ' فقتله في الحال، وأصبح الجيش الفارسي بلا قيادة .
كان من الطبيعي أن ينفرط عقد الجيش الفارسي بعد مصرع قادته، ولكن قلوبهم كانت مشحونة بالحقد والغيظ من المسلمين، فاستماتوا في القتال على حنق وحفيظة، وحاولوا بكل قوتهم صد الهجوم الإسلامي ولكنهم فشلوا في النهاية تحت وطأة الهجوم الكاسح، وانتصر المسلمون انتصاراً مبيناً، وفتحوا مدينة 'الأبلة'، وبذلك استقر الجنوب العراقي بأيدي المسلمين، وسيطروا على أهم مواني 'الفرس' على الخليج، وكان هذا الانتصار فاتحة سلسلة طويلة من المعارك الطاحنة بين 'الفرس' والمسلمين على أرض العراق كان النصر فيها حليفاً للمسلمين في جملتها، وانتهت بسقوط مملكة عباد النار



إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#10

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(2)

معركة الجسر



يقدم لنا تاريخ العسكرية الإسلامية كثيراً من الدروس التي تبقى الاستفادة منها واجبة وممكنة في كل وقت، وحتى تلك المعارك التي خسر فيها المسلمون تستدعي التوقف عندها وقراءة الأسباب التي أدت إلى الهزيمة، ولعل أشهر تلك المعارك معركة الجسر التي جرت يوم الثالث والعشرين من شهر شعبان عام 13 هجرية . أجواء الإعداد للمعركة: نتيجة للتطورات العسكرية على الجبهة مع الرومان تم نقل قسم كبير من الجيش إلى الجبهة المواجهة للرومان، عندها ركز الفرس جهدهم على تصفية الوجود الإسلامي في العراق، فارتأى القائد المثنى بن حارثة تجميع الجيش المسلم على حدود العراق، وذهب مسرعاً لعرض الأمر على القائد العام للجيش الخليفة أبي بكر الصديق } فوجده يحتضر، وسرعان ما توفي وتولى الخلافة بعده عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فعرض عليه المثنى الوضع العسكري في العراق . كانت المهام كثيرة أمام عمر بن الخطاب } بعد استلامه الخلافة، ومع ذلك أولى الجهاد ضد الفرس في العراق اهتمامه، فنادى على الناس داعياً إياهم للجهاد ضد الفرس، ولكن الوضع لم يكن واضحاً تماماً بالنسبة للمسلمين في تلك الفترة الانتقالية بين حكم خليفتين، فتردد الناس في تلبية الدعوة، وبعد محاولات متكررة منه استجاب حوالي ألف رجل، فجمعهم وأمَّر عليهم أبا عبيد الثقفي، ووجههم للعراق . وبحسب إجماع المؤرخين، لم يكن أبو عبيد الثقفي مؤهلاً تماماً للقيادة، ولكنه كان معروفاً بشجاعته وإخلاصه وتقواه، حتى إن المثل كان يُضرب بشجاعته بين العرب وقتها، وهو ما كان يدركه عمر ابن الخطاب رضي الله عنه، ولكن في تلك الفترة العصيبة لم يكن أمامه خيار آخر سوى تسليم قيادة الجيش لأبي عبيد، الذي ما إن دخل العراق حتى نظم الصفوف، واستطاع بفضل الله ثم بشجاعته وإقدامه أن يستعيد كل الأراضي التي تخلى عنها المسلمون، وبجيشه الذي لا يزيد عن عشرة آلاف مقاتل استطاع أن ينتصر في ثلاث معارك كبيرة هي النمارق والسقاطية وباقسياثا، وكان الخليفة عمر يتابع باهتمام وبشكل مباشر أخبار أبي عبيد، فاطمأن إلى أهليته في قيادة الجيش بعد الانتصارات التي حققها(1).

الوضع عند الفرس

كان لهذه الانتصارات التي حققها المسلمون بقيادة أبي عبيد أثر مدو على الفرس، فتزعزعت الجبهة الداخلية الفارسية بقوة، حتى إن خصوم رستم ثاروا عليه، واتهموه بالتقصير والتخاذل عن قتال المسلمين، وبدأ الانهيار المعنوي في صفوف الجيش الفارسي، وكان لابد على رستم أن يتحرك لوقف التدهور على الجبهة الداخلية من جهة، وتحقيق أي نصر على جيش المسلمين يرفع من الحالة المعنوية لجيشه، فعقد اجتماعاً على أعلى المستويات القيادية، واستدعى القائد ألجالينوس الذي فر من قتال المسلمين، وغضب عليه بشدة وحكم عليه بالقتل مع وقف التنفيذ، وأنزل رتبته من قائد عام إلى مساعد القائد العام، ثم تشاور مع كبار قادة جيوشه في كيفية تحقيق النصر على المسلمين ولو مرة واحدة في محاولة منه لرفع الحالة المعنوية لجنود الفرس الذين هزموا في كل لقاءاتهم مع المسلمين. وكان رستم داهية، فاختلى بجالينوس، القائد السابق للجيش، وتشاور معه حول نقاط القوة في جيش المسلمين، ونقاط الضعف في جيشه، فشرح له الجالينوس أن كثرة العدد لا تفيد مع جيش المسلمين؛ لأن أسلوبهم القتالي يعتمد على الكر والفر، وانهم يبدعون في قتال الأماكن المنبسطة التي تماثل بيئتهم الصحراوية، وغير ذلك من النقاط التي وضعها رستم في حسبانه واستفاد منها في إعداده للجيش( 2). كانت الخطوة الأولى التي قام بها رستم هي اختيار قائد قوي للجيش، فاختار أمهر القادة الفرس وأدهاهم، وهو(ذو الحاجب بهمن جاذويه)، وكان من أشد قادة الفرس كبراً وحقداً على المسلمين والعرب، وإنما تسمى بذي الحاجب لأنه كان يعصب حاجبيه الكثيفين ليرفعهما عن عينيه تكبراً، فأسند له رستم قيادة الجيش، كما اختار رستم بنفسه أمراء الجند وأبطال الفرسان، وليتغلب على أسلوب المسلمين في قتال الكرّ والفرّ زودالجيش ولأول مرة بسلاح المدرعات الفارسي، وهي الفيلة، وليضفي رستم أهمية خاصة على هذا الجيش المدرع أعطاه راية الفرس العظمى واسمها (دارفن كابيان) ، وكانت مصنوعة من جلد النمور، وكانت هذه الراية لا تخرج إلا مع ملوكهم في معاركهم الحاسمة. وكان أبو عبيد يتابع عبر استخباراته التحركات العسكرية للفرس، فوصلته أخبار الجيش الجرار الذي أعده رستم لمحاربة جيش المسلمين، وكانت المنطقة صالحة للقتال وتلائم الأسلوب القتالي لجيش المسلمين، ، ولكن أبا عبيد رأى أن يعبر الفرات ناحية الحيرة، وعسكر على مقربة من نهر الفرات على أطراف الصحراء، وهذا المكان أفضل مكان للقتال؛ لخبرة المسلمين في قتال الصحراء ولسهولة الكر والفرّ(3).

القرار الخاطئ

نزل الفرس بقيادة بهمن جاذويه على الشاطئ الشرقي لنهر الفرات المقابل، وأرسل برسول من عنده إلى القائد أبي عبيد، وكان هذا الرسول من دهاة الفرس واسمه (مرادتشاه) قائد سلاح الدروع، وكانت فحوى الرسالة (إما أن تعبروا إلينا وندعكم تعبرون وإما أن تدعونا ونعبر إليكم)، فعقد أبو عبيد مؤتمرًا مع قادة جيشه للتشاور في عرض الفرس، فأجمع قادة الجيش على ترك الفرس يعبرون لهم؛ لأن أرض المعركة ستكون أوسع وأسهل لحرب الصاعقة التي يجيدها المسلمون، وحتى يسهل قدوم الإمدادات للمسلمين، وكان الاتفاق تاماً على أن المسلمين لو عبروا للفرس فسوف يحشرونهم في مكان ضيق حيث سيكون من ورائهم حاجز مائي خطير هو نهر الفرات والزاخر بالمياه الهادرة؛ ولكن أبا عبيد القائد العام فاجأ الجميع برفض هذا الرأي، والإصرار على العبور إلى الفرس وتحجججججججججججج بحجة واهية عندما قال "لا يكونون أجرأ منا على الموت بل نصير إليهم" !! لقد صدم قرار أبي عبيد قادته، فهو قرار مبني على الشجاعة فقط دون النظر لباقي المعطيات والظروف المحيطة بالأمر، فناشدوه، ومنهم الصحابي الجليل سليط بن قيس البدري، ألا يعبر لهم لخطورة العبور ولكن أبا عبيد أصر على رأيه وقال لسليط الذي ناقشه: "لا أفعل، قد جبنت يا سليط" فقال له سليط "والله أجرأ منك نفساً وقد أشرنا عليك بالرأي فستعلم"(4). والواقع أن الذي دفع أبا عبيد لذلك الرأي أيضاً مكر ودهاء الفرس الذين استدرجوه لذلك، وعندما قال الرسول الفارسي (مراد تشاه) له: إن أهل الفرس قد عيروكم بالجبن، ازداد أبو عبيد إصراراً على رأيه، فامر بعقد جسر يمر عليه المسلمون للطرف الشرقي من النهر، وكلف بهذه المهمة رجلاً معاهداً في ذمة المسلمين اسمه (ابن صلبان)، فقام ابن صلبان بعقد الجسر ولكن بصورة واهية يجعل من السهل قطعه على مجموعة صغيرة من الرجال، ولعله فعل ذلك عمدًا ليقع المسلمون في الكماشة القاتلة، وبدأ المسلمون في العبور إلى الطرف الآخر وتركهم الفرس حتى تكامل عبورهم فوجد أبو عبيد جيشه محصورًا في ساحة قتال ضيقة حيث نهر الفرات ورافده تحيط بالمسلمين من الخلف واليمين واليسار، والفرس بجيشهم الجرار أمام المسلمين، وسرعان ما ظهرت نتائج هذا القرار الخاطئ (5).


سير المعركة

بمجرد أن تكامل المسلمون على الشاطئ الشرقي هجم الفرس بكل قواتهم، خاصة سلاح الفيلة على المسلمين، ولم تكن خيل المسلمين قد رأت فيلة من قبل فنفرت منها بشدة وهربت في كل مكان، وبذلك تعطلت أقوى أسلحة المسلمين وهو سلاح الفرسان، وقامت الفيلة بتمزيق صفوف المسلمين، وأوقعت خسائر بالغة بهم، وعندها أمر القائد العام أبو عبيد بالتعامل مع الفيلة فنادى في أبطال المسلمين (احتوشوا الفيلة) أي أحيطوا بها واقطعوا أحزمة بطنها ليقع ما عليها من قادة، وكان أبو عبيد كما قلنا من أشجع الناس فكان هو أول من نفذ ما أمر به المسلمين، وبالفعل تم للمسلمين ما أرادوا وقطعوا أحزمة جميع الفيلة . وقد استمر القتال شديداً بين الطرفين، وبرز تأثير الفيلة على مسير المعركة من خلال أعداد المسلمين الذين قتلتهم الفيلة، وعندها قرر أبو عبيد أن يقوم بعمل بطولي نادر لا يجرؤ عليه أحد إلا من كان مثله، فسأل عن نقطة ضعف الفيل التي تؤدي إلى قتله، فقالوا له: خرطومه؛ فاختار فيلاً أبيض اللون كان قائداً للفيلة، و نادى في المسلمين (يا معشر المسلمين إني حامل على هذا المخلوق - يعني الفيل الأبيض - فإن قتلته فأنا أميركم، وإن قتلني فأخي الحكم أميركم، فإن قتل فولدي وهب) ثم عد سبعة من القادة آخرهم المثنى بن حارثة، ثم حمل في بطولة نادرة على الفيل الأبيض والذي كان مدربًا على فنون القتال فاتقى ضربات سيف أبي عبيد وألقاه على الأرض وداسه بأقدامه فاستشهد القائد أبو عبيد، وقاتل المسلمون على جثته حتى لا يأخذها الفرس، ثم تولى أخوه الحكم مكانه ولكنه سرعان ما استشهد، ثم ولده ثم الذي بعده حتى استشهد ستة من الذين عينهم أبو عبيد، فتسلم الراية أسد العراق المثنى بن حارثة الذي حاول تصحيح الوضع حتى حدث ما لم يكن في الحسبان، إذ بينما كان المثنى ينظم صفوف جيشه ويدعو الفارين للثبات سارع رجل متهور من بني ثقيف اسمه (عبد الله بن مرثد الثقفي) إلى الجسر فقطعه، وتعصب مجموعة من بني ثقيف لفعلته، ونادوا في المسلمين (موتوا على ما مات عليه أمراؤكم أو تظفروا)، وفرح الفرس بهذه الفعلة، وركزوا هجومهم على المسلمين ليفنوهم بالكامل، وكان تركيزهم أشد على ناحية الجسر المقطوع حتى لا يصلحه أحد، فوقع الاضطراب الشديد في صفوف المسلمين، وفر الكثير منهم وألقوا بأنفسهم في نهر الفرات، وكان أكثرهم لا يعرف السباحة فغرق منهم ألفان . ولما رأى المثنى هذه الكارثة المروعة التي حلت بالجيش انتخب كتيبة بقيادته و أسرع لاصلاح الجسر المنهار، وكان المتهور عبد الله بن مرثد الثقفي قد وقف عند الجسر ليمنع المسلمين من الفرار، فالقى المثنى القبض عليه وربطه، فاعتذر عبد الله بن مرثد بأنه إنما أراد أن يثير حمية المسلمين للقتال، وأخيراً، وبعد جهد شديد استطاع المثنى ومن معه إصلاح الجسر، وأمر المقاتلين أن يعبروه للجهة الأخرى، وقد بقي المثنى على أول الجسر يشرف على عبور جيشه للطرف الآخر مدافعاً عنهم فاصيب إصابة أدت إلى وفاته بعد ذلك بشهرين (6). وانتهت هذه المعركة باستشهاد أربعة آلاف شهيد منهم الأمراء السبعة، لذلك فإن وقعها كان شديدًا على نفوس المسلمين حتى إن ألفين من الجيش فروا حتى دخلوا البادية فاختفوا فيها خجلاً مما جرى، ولم يبق مع المثنى سوى ثلاثة آلاف هم الذين انتقموا لمصرع إخوانهم في المعارك التالية



إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#11

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(2)

معركة البويب



الوضع السياسي والعسكري قبل المعركة


الفرس قوة عظيمة مجهزة بأحدث وسائل التسليح في ذلك الوقت وقد خاضت قبل ذلك عدة حروب مع المسلمين آخرها معركة الجسر والتي استطاعت أن تحسمها لصالحها مما رفع من روحها المعنوية وأعاد لها الثقة
لكن قائد القوات المسلحة في المنطقة رستم كان يعلم أن ذلك النصر الميداني لن يقدم الكثير على الصعيد السياسي فما زال المسلمون يرغبون في التوسع في الأراضي الفارسية وينشرون دينهم لذا قرر تجهيز قوة عسكرية قادرة على سحق قوات المسلمين وطلب من قيادته مبالغ ضخمة من أجل ذلك.
في المقابل أحدثت نكسة الجسر حالة من الانهزام النفسي والمعنوي لدى قوة المسلمين في العراق فتفرقت وجعلت الخليفة عمر بن الخطاب يعرض عن الحديث عن الفتوح في الجبهة الفارسية ويوقف إرسال الإمدادات. ثم حصلت بعض المناوشات بين المثنى بن حارثة الشيباني والقوة الباقية معه من فلول الجسر وبين قادة من الفرس أشعلت الرغبة لدى المسلمين لرفع راية الجهاد من جديد.

التعبئة



وافق عمر على ضم من يرغب من المرتدين التائبين إلى الجيش الإسلامي واتجهت القوات الإسلامية لتنضوي تحت لواء المثنى بن حارثة وكان ممن نفروا جرير البجلي الصحابي الجليل ومعه قبيلته.
حشد رستم مائة ألف فارس ومعهم خمسون ألفاً من المشاة وفيلة. هناك من يقول بأن تعدادهم سبعون ألفاً غير أن المهم أنهم يتفوقون عدة وعتاداً على خصمهم. عين رستم مهران بن باذان قائداً عاماً للجيش وقد كان يعرف العربية ووالده مسلم قاتل ضد المرتدين.
زحف الجيش الفارسي الجرار من المدائن إلى الحيرة لملاقاة جيش المسلمين. القائد المثنى صقلته حملاته السابقة واحتكاكه بخبرات فذة من المسلمين. أيضاً مجاورته للفرس واشتباكاته معهم كشفت له خريطة التفكير الفارسية وأضاءت له نقاط الضعف والقوة. لذا قرر المثنى أن يغير مكان معسكره إلى البويب وعسكر بجنده غربي الفرات.

الالتحام



لحق الفرس المسلمين وحجزهم النهر. هنا استفاد المثنى من زلة الجسر وطلب من عدوه العبور. حين عبر الفرس وانحشر عسكرهم بين النهر وبين جيش نظمه المثنى بذكاء إلى عدة ألوية يتقدمهم المثنى فاتحاً صدره للشهادة. إن مخالطة المثنى للجند وخطبه الحماسية فجرت لدى المسلمين رغبة النصر لأجل دينهم والتضحية بكل نفيس.
أذن المثنى لجيشه بالالتحام حين يسمع تكبيرته الثالثة. (الله أكبر) المرة الأولى تنطلق مدوية. حينها يزحف الجيش الفارسي وقد التهبت حناجره بالصياح والهتاف وأخذ يضغط على ميمنة المسلمين محاولاً كشفها. تثبت القلة أمام الكثرة المتدفقة بقسوة ومعها سلاح الفيلة. يشتد القتال ويطول ويظل الثبات هو التعليق. تبقى فرقة طوارئ عيّنها المثنى تراقب سير القتال وتؤمن مؤخرة الجيش.
كان المثنى بطل المسلمين يصول ويجول في ساحة القتال يحرض فريقه على الصبر ويبحث عن الثغرات ليسدها. كان يحث المسلمين بقوله :
((لا تفضحوا المسلمين اليوم، انصروا الله ينصركم ))
كان يعلم بأن طول هذا القتال يرجح كفة الكثرة على الشجاعة. لذا ينطلق هو وبصحبته بجيلة وأميرهم جرير ونفر من شجعان المسلمين ليختصر المعركة فيستهدف رأس العدو مهران. ينجح جرير بن عبد الله (وقيل المنذر بن حسان بن ضرار الضبي ) في قطع عنق زعيم المجوس فيتفكك جيشه ويتخلخل وترفرف أعلام الهزيمة على صفحات الوجوه الفارسية. يضغط المسلمون على قلب خصمهم فتنفصل ميمنته عن ميسرته ويلتف المثنى ليقطع جسر العبور ويصطاد رؤوس الهاربين الذين كانوا من قبل يتوقون لسفك دمه ودم رفاقه.



ما بعد المعركة



بعد انهيار القوات الفارسية وتشرذمها يأمر المثنى بملاحقة فلول الفارين والسيطرة على المزيد من الأراضي الفارسية التي كانت أبرمت مع المسلمين عقوداً ثم نقضتها. بلغ عدد الهالكين قتلاً وغرقاً من الفرس حوالي مائة ألف أي ثلثي الجيش تقريباً. أما المسلمون فزهقت منهم 4000 روح.
الجدير بالذكر أن المثنى قام أمام جيشه واعترف بخطئه في التفافه خلف الفرس حيث يرى أنه أرغمهم على التهلكة وهذا ليس من أخلاق المسلمين.


إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#12

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(2)

سقوط بلنسية.. ردة الحاكم والأرض!


قلعة باقية من قلاع بلنسية

تعرضت الأندلس لمحن متوالية في القرن السادس الهجري= الثالث عشر الميلادي، ولم تجد من يمد لها يدا أو يصد عنها عدوانا، وزاد من ألم المحنة أن حكام الأندلس تخاذلوا عن القيام بواجبهم، وتخلوا عن مسئوليتهم التاريخية تجاه أعدائهم النصارى الذين تفتحت شهيتهم لالتهام قواعد الأندلس الكبرى واحدة بعد أخرى.
وبدلا من أن توحد المحنة صفوف حكام البلاد وتشحذ همتهم وهم يرون الخطر المحدق بهم من كل جانب فيهبوا للدفاع عن الأندلس وحمايتها من عدوان النصارى -راحوا يهرولون إلى أعدائهم، يمالئونهم ويصانعونهم على حساب الشرف والكرامة، بل على حساب وطنهم وأمتهم ودينهم.
ردة ملك.. خزي وعار
وكانت بلنسية -وهي من حواضر الأندلس العظيمة التي تقع على البحر المتوسط- قد تعرضت لفتنة هائجة وثورة جامحة في مطلع القرن السابع الهجري، ولم تهدأ إلا بتولي أبي جميل زيان بن مدافع مقاليد الحكم فيها، بعد أن انسحب واليها السابق أبو زيد بن أبي عبد الله محمد من المدينة، وبخروجه انتهى حكم دولة الموحدين في شرق الأندلس.
وبعد خروج أبي زيد من بلنسية سنة (626هـ= 1230م) فعل ما لم يكن يخطر على بال مسلم، وذهب إلى ملك أراجون خايمي الأول، وأعلن دخوله في طاعته، وعقد معه معاهدة دنيئة يتعهد فيها بأن يسلمه جزأ من البلاد والحصون التي يستردها بمعاونته.
ولم يتوقف هذا الحاكم الخائن عند هذا الحد من الخزي، بل ارتد عن الإسلام واعتنق النصرانية، واندمج في القوم الذين لجأ إليهم، وأخذ يصحبهم ويعاونهم في حروبهم ضد المسلمين.
ملك أراجون يتطلع إلى بلنسية
وبعد أن أمسك أبو جميل زيان بزمام الأمور في بلنسية عمل على توطيد سلطانه وتثبيت حكمه وتوسيع أملاكه، والثأر من النصارى الذين خربوا بلاده في حملات متتابعة، وساعده على ذلك أن ملك أراجون كان مشغولا بغزوات أخرى، فانتهز أبو جميل هذه الفرصة وقام بعدة حملات موفقة على أراضي أراجون على شاطئ البحر حتى ثغر طرطوشة، وحقق أهدافه في كل حملة يقوم بها.
ولما انتهى ملك أراجون من حملاته وعاد إلى بلاده بدأ يفكر في الاستيلاء على بلنسية والقضاء على خطرها، وكان تحقيق هذا الهدف يحتاج إلى استعداد عظيم وخطة محكمة، وكان يدرك أن بلنسية لن تقع في يديه إلا بعد أن يعزلها عن جيرانها، ويحرمها من كل وسائل الدعم والعون، حيث إن مواردها المحدودة لن تسمح لها بالاستمرار في المقاومة والدفاع، وكان هذا الملك يعلم أن زعماء المسلمين في شرق الأندلس على خلاف عظيم.
وفي اللحظة المناسبة أخذ ملك أراجون قراره بالغزو بعد أن استعد له، وطلب من البابا أن يبارك حملته، وأن يضفي عليها صفة الصليبية، فاستجاب لطلبه، وهرع إلى مساعدته كثير من الفرسان والسادة.
البداية من بريانة
وفي أواخر سنة (631هـ=1233م) بدأت قوات ملك أراجون وبصحبته والي بلنسية السابق الذي تنصر (أبو زيد) في الزحف إلى أراضي بلنسية الشمالية، وتمكنت من الاستيلاء على بعض المدن والقلاع المهمة في شمال بلنسية، وكانت أول قاعدة مهمة من إقليم بلنسية يقصدها الأراجونيون هي بلدة بريانة الواقعة على البحر المتوسط، وعلى مقربة من شمال بلنسية، وضربوا عليها حصارا شديدا بعد أن خربوا ضياعها وزروعها القريبة.
وعلى الرغم من حصانة بريانة وقوتها فإنها لم تستطع أن تدفع عن نفسها الحصار وتهزم العدو، فسقطت بعد شهرين من الحصار بعد أن نفدت المؤن والأقوات، وذلك في (رمضان 630هـ= يوليو 1233م).
وواصل ملك أراجون حملته ونجح في الاستيلاء على عدد كبير من القلاع المهمة القريبة من بلنسية، ثم عاد إلى بلاده سنة (633هـ=1235م) بعد عامين قضاهما في تنفيذ مخططه، ليتابع شئون دولته الداخلية، وأقام هناك عامين توقفت خلالهما عملياته العسكرية ضد بلنسية، منتظرا الفرصة المناسبة للانقضاض عليها.
وفي الطريق.. أنيشة
ولما عاود ملك أراجون غزواته للاستيلاء على بلنسية تطلع إلى أن يحتل حصن أنيشة المنيع الواقع على سبعة أميال من بلنسية، وكان هذا الحصن يقع على ربوة عالية، ويطل على مزارع بلنسية وحدائقها، ويعد من أهم حصونها الأمامية.
وفطن الأمير زيان إلى أن عدوه يسابق الزمن حتى يضع يده على هذا الحصن المنيع، فقام بهدم الحصن وتسويته بالأرض، غير أن هذا الإجراء لم يثن ملك أراجون عن احتلال الحصن، فاتجه إليه بحشود ضخمة وبصحبته الأمير المرتد، وهاجم أنيشة وهزم المسلمين الذين تصدوا لمقاومته، واحتل المكان وابتنى فوقه حصنا جديدا منيعا، ووضع به حامية قوية، واتخذ منها قاعدة للسلب والإغارة على مختلف نواحي بلنسية.
وشعر الأمير زيان بخطورة القلعة التي أصبحت تهدد سلامة بلاده، فعزم على استعادة هذا الحصن مهما كان الثمن، فجهز جيشا كبيرا تصفه بعض المصادر بأنه بلغ أكثر من 40 ألف مقاتل، وسار نحو تل أنيشة لاسترداده، وهناك نشبت معركة هائلة لم ينجح المسلمون خلالها في تحقيق النصر على الرغم من شجاعتهم وحسن بلائهم، ومنوا بخسارة فادحة، واستشهدت أعداد هائلة من المسلمين.
وكان في مقدمة من استشهدوا في هذه المعركة: أبو الربيع سلميان بن موسى الكلاعي كبير علماء الأندلس ومحدثها يومئذ، وكان إلى جانب علومه وأدبه، وافر الشجاعة كريم الخلق، يشهد المعارك ويتقدم الصفوف ويبث روح الشجاعة والإقدام في نفوس الجند، ويحثهم على الثبات، ويصيح فيهم قائلا: "أعن الجنة تفرون؟!".
لكن كل ذلك لم يكن حائلا دون وقوع الكارثة التي حلت فصولها في (25 من ذي الحجة 634هـ = 14 من أغسطس 1237م)، وكان سقوط هذا الحصن نذيرا بأن مصير بلنسية قد اقترب، وأن نهايتها صارت قاب قوسين أو أدنى لا محالة.
الفصل الأخير
كانت نهاية الفصل الأخير من مأساة بلنسية قد اقتربت، ولاح في الأفق الحزين غروب شمسها، وكان قد سبقها إلى هذا المصير مدينة قرطبة العظيمة التي سقطت في يد فرناندو الثالث ملك قشتالة، وخيم على الناس روح من اليأس والقنوط، وقلت ثقتهم بعد نكبة أنيشة، وتضاءلت مواردهم، وضعف أملهم في نصير يستنجدون به.
وكانت هذه الظروف الحرجة التي تحيط بأهالي بلنسية أسبابا مواتية لملك أراجون تحثه على الإسراع في الإجهاز على فريسته قبل أن تدب فيها روح قوية قد تمنعه من تحقيق حلمه؛ فخرج إلى الجنوب صوب بلنسية، وأثناء سيره كانت تتوالى عليه رسائل من معظم الحصون القريبة من بلنسية تعلن الدخول في طاعته.
وواصل الملك سيره، وكانت الإمدادات تنهال عليه بالرجال والمؤن حتى إذا اقترب من المدينة كان جيشه قد تضخم بما انضم إليه من حشود الحرس الوطني ببرشلونة، والمتطوعين الفرنسيين الذين جاءوا إليها بطريق البحر، وبلغ مجموع هذه الحشود أكثر من 60 ألف جندي، وبدأ الحصار في (5 من رمضان 635هـ = أبريل 1238م) حيث شدد النصارى حصارهم على بلنسية.
أدرك بخيلك خيل الله أندلسا
وأثارت قوات الأرجوانيين حماس أهالي المدينة على الرغم من قلة العدد وضآلة الموارد، فعزموا على الثبات والدفاع عن المدينة حتى آخر رمق. وكان الملك أبو جميل زيان أكثرهم عزما وإصرارا، وبذل محاولات حثيثة لطلب النجدة من البلاد الإسلامية القريبة، لكنها كانت عاجزة عن أداء واجبها؛ فامتد بصره إلى دولة إسلامية فتية تقع في شمال أفريقيا هي دولة الحفصيين، وبعث إليها بسفارة على رأسها وزيره وكاتبه المؤرخ الكبير ابن الأبار القضاعي، يحمل إلى سلطانها أبي زكريا الحفصي بيعته وبيعة أهل بلنسية، ويطلب منه سرعة النجدة والنصرة.
ولما وصل ابن الأبار إلى تونس، ومثل بين يدي سلطانها في حفل مشهود ألقى قصيدته السينية الرائعة التي يستصرخه فيها لنصرة الأندلس، ومطلعها:
أدرك بخيلك خـــيلِ الله أندلــسا ** إنّ السـبيلَ إلى مناجاتها درسـا
وهبْ لها من عزيز النصر ما التمست ** فلم يزل منك عز النصر ملتمسا
وفي بلنــسيةٍ منــها وقرطــبةٍ ** ما ينــسف النفسَ أو ينزف النفسا
مدائــنٌ حلّها الإشــراك مبتـسما ** جــذلانَ وارتحل الإيمانُ مبتئسا
وكان لهذه القصيدة المبكية أثرها في نفس السلطان الحفصي، فبادر إلى نجدة البلدة المحاصرة، وأسرع بتجهيز 12 سفينة حربية محملة بالمؤن والسلاح، وعهد بقيادة هذه النجدة إلى ابن عمه أبي زكريا يحيى بن أبي يحيى الشهيد، وأقلعت هذه السفن على جناح السرعة إلى المحاصرين لنجدتهم، لكنها لم تتمكن من إيصال هذه النجدة إلى أهلها، نظرا للحصار الشديد المفروض على بلنسية من جهة البحر، وانتهى الأمر بأن أفرغت السفن شحنتها في ثغر دانيه الذي يقع بعيدا عن بلنسية المحاصرة، وهكذا فشلت محاولة إنقاذ المدينة وإمدادها بما يقويها على الصمود.
تسليم المدينة.. صلحا
وفي الوقت الذي كان فيه أهالي بلنسية يعانون الضيق والحصار ولا يجدون من يمد لهم يد النجدة كانت تنهال عليهم الضربات من كل جانب، لكنهم كانوا عازمين على المقاومة والدفاع، فكانوا يخرجون لمقاتلة النصارى في شجاعة وبسالة، واستمر الحصار على هذا النحو زهاء 5 أشهر، والبلنسيون يضربون أروع الأمثلة في الثبات والمقاومة، لكن ذلك لم يكن ليستمر بدون إمداد وعون.
وشعر المسلمون في المدينة بحرج موقفهم بعد أن فنيت الأقوات وتأثرت أسوار المدينة وأبراجها، وأدرك الأمير زيان ومن معه من وجهاء المدينة أنه لا مفر من التسليم قبل أن ينجح الأعداء في اقتحام المدينة ويحدث ما لا يحمد عقباه؛ فبعث الأمير زيان ابن أخيه ليفاوض ملك أراجون في شروط التسليم، واتفق الفريقان على أن تسلم المدينة صلحا.
مشهد حزين.. ومتكرر!
وفي يوم الجمعة الموافق (27 من صفر سنة 636هـ= 9 من أكتوبر 1238م) دخل خايمي ملك أراجون بلنسية ومعه زوجه وأكابر الأحبار والأشراف والفرسان، ورفع علم أراجون على المدينة المنكوبة، وحولت المساجد إلى كنائس، وطمست قبور المسلمين، وقضى الملك عدة أيام يقسم دور المدينة وأموالها بين رجاله وقادته ورجال الكنيسة.. وهكذا سقطت بلنسية في أيدي النصارى بعد أن حكمها المسلمون أكثر من 5 قرون


إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#13

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(2)

إشبيلية من الإسلام إلى المسيحية


مئذنة مسجد إشبيلية الأعظم الذي تحول لكنيسة


سقطت قرطبة حاضرة الخلافة الأموية في الأندلس في أيدي ملك قشتالة "فرناندو الثالث" في (23 من شوال 633هـ = 29 من يونيه 1236م)، بعد أن لبثت قرونًا طويلة منارة ساطعة، وحاضرة سامقة، ومثوى للعلوم والآداب. وكان سقوطها نذيرًا بخضوع معظم البلاد والحصون القريبة لسلطان النصارى القشتاليين.
وتابع فرناندو الثالث غزواته في منطقة الأندلس الوسطى، وتوالى سقوط قواعد الأندلس الكبرى التي شملت فيما شملت بلنسية وشاطبة ودانية وبياسة وجيان وغيرها، وتم ذلك في فترة قصيرة لا تتجاوز عقدًا من الزمان، وبدا كيان الأندلس الضخم كمَن نخر السوس في عظامه فانهار من داخله قبل أن يهاجمه أحد.
ولم يبقَ من قواعد الأندلس الشرقية والوسطى سوى إشبيلية المدينة العظمية، وما حولها من المدن والقواعد القريبة منها، ولم تكن إشبيلية بعيدة عن أطماع ملك قشتالة، الذي كان ينتظر الفرصة للانقضاض عليها، ويُمنِّي نفسه بالفوز بها.
أوضاع إشبيلية الداخلية
كانت إشبيلية في ذلك الوقت أعظم حواضر الأندلس، وأمنعها حصونًا، وأكثرها سكانًا، ومركزًا لحكومة الدولة الموحدية في الأندلس. وتوالت عليها حكومات متعددة؛ فتارة تحت طاعة الموحدين، وتارة أخرى تخلع طاعتهم، إلى أن ألقت بمقاليدها عن رضى واختيار إلى الدولة الحفصية، وكانت دولة قوية فتية قامت في تونس، وامتدت إلى المغرب الأوسط، وقلصت نفوذ دولة الموحدين، وبدأت تحل محلهم، وامتاز مؤسسها "أبو زكريا الحفصي" بالقدرة والكفاءة والمروءة والشهامة.
غير أن هذه التبعية الجديدة لم يُكتب لها النجاح؛ فقد قامت ثورة ضد الوالي الجديد ورجاله، وأخرجتهم من إشبيلية، وقتلت الفقيه أبا عمرو بن الجد، زعيم إشبيلية القوي، وصاحب الأمر والنهي فيها.
العلاقة بين إشبيلية وقشتالة
كانت إشبيلية ترتبط بمعاهدة أبرمها أبو عمرو بن الجد مع فرناندو الثالث ملك قشتالة، وكانت معاهدة مخزية تشبه في خذلانها المعاهدة التي عقدها الملك القشتالي مع ابن الأحمر أمير مملكة غرنانطة، وتتلخص بنودها في أن يعترف ابن الجد بطاعة ملك قشتالة، وأن يؤدي له الجزية، وأن يشهد اجتماعات "الكورتيس" باعتباره واحدًا من أتباع الملك القشتالي، وأن يقدم له العون متى طلب إليه ذلك.
ولم تكن هذه المعاهدة مثل المعاهدات تضمن حقًا، أو تدفع ضررًا، أو تجلب أمنًا، أو تحقق سلمًا، لكنها كانت فرصة للملك القشتالي يرتب أوضاعه، ويعد عدته، ويجهز جنده؛ منتظرًا الفرصة المواتية فينتهزها، لا يردعه رادع من خُلق أو وازع من ضمير، أو احترام لعقد، ولكنه ابن المصلحة يدور معها حيثما تدور، وهذا ما كان من أمر الملك القشتالي مع إشبيلية.
رد: موسوعة معارك اسلامية(2)
أسوار قصر إشبيلية والمدخل العام


ولما تولَّى الزعماء الجدد أمر إشبيلية بعد الثورة التي أطاحت بابن الجد أعلنوا بطلان المعاهدة التي عقدها مع النصارى، فغضب الملك فرناندو الثالث لمقتل ابن الجد، وخروج إشبيلية عن طاعته، واتخذ من ذلك ذريعة للتدخل والانتقام، وقد واتته الفرصة للوثوب على إشبيلية للاستيلاء عليها بعد أن أصبحت معزولة، وقطع عنها كل الطرق التي يمكن أن تنجدها وتهب لمساعدتها؛ سواء من جيرانها، أو من دول المغرب الإسلامي.
الاحتشاد لغزو إشبيلية
وكان غزو إشبيلية يحتاج إلى إعداد خاص وتجهيزات كثيرة؛ فلم تكن مدينة صغيرة يسهل فتحها، بل كانت من أكثر مدن الأندلس منعة وحصانة، كثيرة الخصب والنماء، متصلة بالبحر عن طريق نهر الوادي الكبير؛ وهو ما يمكِّنها من تلقِّي الإمدادات والمؤن من المغرب.
اتخذ فرناندو الثالث للأمر أهبته، وعزم على حصار إشبيلية حصارًا شديدًا، برًّا وبحرًّا، وسار في قواته الجرارة صوب إشبيلية سنة (644هـ = 1246م)، وعبر نهر الوادي الكبير تجاه مدينة "قرمونة"؛ ناسفًا ما يقابله من زروع، ومخربًا ما يقع تحت يديه من ضِياع، وعلى مقربة من قرمونة وافاه ابن الأحمر أمير غرناطة في خمسمائة فارس، وسارا معًا جنوبًا نحو قلعة جابر حصن إشبيلية من الجنوب الشرقي، وقام ابن الأحمر بمهمة مخزية، تتنافى مع المروءة والشرف والنجدة والعون، وتتعارض مع ثوابت الشرع من معاضدة الكفار وممالأتهم ومشاركتهم في حرب إخوانه المسلمين؛ فقام بإقناع حامية القلعة المسلمة بضرورة التسليم حقنًا للدماء، وصونًا للأموال والأرزاق، ثم بعث فرناندو الثالث ببعض قواته لتخريب بعض المناطق بإشبيلية، ثم كرَّ راجعًا إلى قرطبة ومنها إلى "جيان"، حيث قضى هناك فترة الشتاء.
عاود فرناندو الثالث حملته مرة أخرى سنة (645هـ = 1247م)، وحاصر قلعة "قرمونة" أمنع حصون إشبيلية الأمامية من ناحية الشمال الشرقي. ولما رأى أهل قرمونة ضخامة الحشود، وأيقنوا بعدم جدوى الدفاع عرضوا تسليم المدينة بعد ستة أشهر إذا لم تصلها خلالها أي نجدة، فقبل ملك قشتالة، وسار في طريقه صوب إشبيلية بحذاء الوادي الكبير، واستولى في طريقه على "لورة" بالأمان، واعترف أهلها بطاعته، ثم اتجه إلى "قنطلانة" الواقعة شمالي إشبيلية على الوادي الكبير، فاقتحمها عَنوة، وأسر منها سبعمائة مسلم، ثم استسلمت له مدينة "غليانة"، وتبعتها "جرينة" القريبة منها، ثم قصد بلدة القلعة التي تطل على نهر الوادي الكبير، فثبتت المدينة، واستبسل أهلها في الدفاع عنها، وأبلوا بلاءً حسنًا في رد النصارى القشتاليين، لكن ذلك لم يُغنِ عنهم شيئًا أمام قوات جرارة تشتد في الحصار، وتخرب الزروع المحيطة بالمدينة، فاتفق أمير المدينة على الانسحاب في جنده –وكانوا ثلاثمائة فارس- إلى إشبيلية، وتسليم المدينة بالأمان. وبسقوط تلك المدينة الحصينة أصبحت سائر الحصون الأمامية لإشبيلية من جهة الشمال والشرق والغرب في أيدي القشتاليين.
حصارالأخ
رد: موسوعة معارك اسلامية(2)
غادر "فرناندو الثالث" مدينة القلعة في قواته الجرارة جنوبًا إلى إشبيلية في (12 من ربيع الآخر 645 هـ = 15 من أغسطس 1247م)، وبدأ في محاصرتها وتطويقها من كل جانب، واحتل الأسطول النصراني مياه مصب الوادي الكبير؛ ليمنع ورود الإمداد والمؤن إلى إشبيلية من طريق البحر، وكان من الأحداث المؤلمة التي تنفطر لها النفس وجود ابن الأحمر بقواته إلى جانب القوات النصرانية المحاصرة، يشترك مع أعداء أمته ودينه في تطويق الحاضرة الإسلامية العريقة، ولذلك لم يكن عجيبًا أن تتساقط مدن الأندلس وقواعدها في أيدي النصارى؛ إذ كان من بين قادة الأندلس وأمرائها مَنْ يطوي نفسًا تخلت عنها أخلاق النجدة والمروءة، وحملت صفات الذل والهوان والضعف والمسكنة، ولم تجد غضاضة في أن تضع يدها في أيدي أعداء أمتها لتصفية إخوانهم المسلمين، وتشريد أهلهم، وإخماد دعوة الإسلام بها.
ومضى على الحصار شهور طويلة، وإشبيلية تزداد إصرارًا على المقاومة والثبات ودفع النصارى وردهم، يخرج من المدينة بعض قواتهم للإيقاع بالنصارى، ثم تعود هذه القوات بعد أن تكون كبَّدتهم بعض الخسائر، وكانت تنشب بين حين وآخر معارك بحرية بين سفن القشتاليين والسفن الإسلامية في نهر الوادي الكبير، وفي الوقت الذي انسالت فيه الإمدادات العسكرية من أنحاء إسبانيا النصرانية كانت المُؤَن والعتاد في إشبيلية يتعرضان للنقص والفناء. وفي الوقت الذي عزززززززززززز فيه النصارى حصارهم بحشود عسكرية، حُرمت إشبيلية من وصول المجاهدين إليها لنجدتها وعونها، ومن المؤن والأقوات لمواصلة الدفاع.
ولم يبق لإشبيلية طريق للاتصال بالعالم الخارجي سوى قلعة طريانة، بعد أن استحكم الحصار واشتدت وطأته، وشعر أهالي إشبيلية بالضيق، وبدأ شبح الجوع يقترب منهم شيئًا فشيئًا، وبدأت صرخات شعراء إشبيلية تتعالى؛ طلبًا للنجدة والغوث، لكنها لم تجد الاستجابة الكافية من حكام المغرب القريبين.
وكان الاستيلاء على قلعة طريانة هو الذي يشغل تفكير النصارى؛ حتى يقطعوا كل منفذ عن إشبيلية، وتنقطع صلتها بمن حولها؛ فتضطر إلى التسليم، وكان المسلمون على بينة مما يدور في ذهن النصارى، فحشدوا الرجال والسلاح والمؤن في القلعة، ورتبوا مجموعة من الرماة المهرة لإصابة فرسان النصارى حين يهاجمون المدينة، فلما هاجمت القوات القشتالية المدينة نجحت حاميتها في الدفاع عنها، وتكررت محاولات الهجوم الفاشلة في اقتحام القلعة، لكن ذلك كان يزيد النصارى إصرارًا على اقتحام المدينة، وعمدوا إلى محاصرة قلعتها برًا وبحرًا، وقدمت سفنهم إلى النهر أسفل القلعة، ونجحت في تحطيم القنطرة القوية التي كانت تربط "طريانة" بإشبيلية عبر نهر الوادي الكبير، وفقدت بذلك كل صلتها بالعالم الخارجي.
السقوط والنهاية الحزينة
استمر الحصار حول إشبيلية وطريانة، وأخذ يشتد يومًا بعد يوم، والمسلمون المحاصرون يعانون ألم الجوع ومتاعب الحصار، ولم تفلح محاولات العلماء في بثّ الروح وإعادة الثقة إلى النفوس الواهنة والأبدان الناحلة التي هدّها الجوع وعضَّها الحرمان، وأنهكها القتال المستمر طوال خمسة عشر شهرًا، دون أن تأخذ قسطًا من الراحة، ولم تتحرك الدول القريبة لنجدة إشبيلية؛ فالدولة الموحِّدية مشغولة بمحاربة بني مرين، والدولة الحفصية لم تُلقِ بالاً إلى صرخات المحاصَرين، ودولة بني الأحمر الأندلسية مغلولة اليد بمعاهدة فخرية مع القشتاليين، ويشترك أميرها في حصار إخوانه المسلمين؛ لكل هذا غاضت الآمال في النفوس، وامتلك اليأس القلوب، وفقدت إشبيلية أي بارقة للإنجاد تخرجها مما هي فيه من ضيق وشدة.
ولم يجد زعماء إشبيلية مفرًا من التسليم، وحاولوا أن يخففوا من وقع المصيبة، فعرضوا تسليم ثلث المدينة فرفض فرناندو الثالث هذا العرض، فحاولوا مرة أخرى بتسليم نصف المدينة، فأبى فرناندو الثالث إلا أن تسلم المدينة كاملة، فكان له ما أراد. وانتهت المفاوضات بين الفريقين على أن تسلم المدينة كاملة سليمة لا يُهدم من صروحها شيء، وأن يغادرها سكانها، مع السماح لهم بأن يحملوا كل أمتعتهم من مال وسلاح، وأن تُسلَّم مع المدينة سائر الأراضي التابعة لها.
ولما وقع الاتفاق بين الفريقين، سُلِّم قصر الوالي ومقر الحكم في إشبيلية إلى ملك قشتالة، فرفع عليه شعاره الملكي فوق برج القصر العالي في (3 من شعبان 646هـ = 21 من نوفمبر 1248م)، وكان ذلك إيذانًا بسقوط إشبيلية في أيدي النصارى القشتاليين.
وقضى المسلمون شهرًا في إخلاء المدينة، وتصفية حاجاتهم، وبيع ممتلكاتهم قبل أن يغادروها، وتقدر بعض الروايات عدد من خرج بنحو 400 ألف مسلم، هاجروا إلى مختلف نواحي المغرب والأندلس المسلمة.
وفي (5 من رمضان 646هـ = 22 من شهر ديسمبر 1248م) دخل فرناندو الثالث ملك قشتالة مدينة إشبيلية مزهوًا بنفسه، مختالاً بقواته، يحوطه موكب ضخم، يتيه اختيالاً بما حقق من ظفر ونصر، واتجه إلى مسجد المدينة الأعظم الذي تحول إلى كنيسة، وقد وُضع به هيكل مؤقت، وأقيم في المسجد قداس الشكر، ثم اتجه إلى قصر إشبيلية، حيث أدار شئون دولته، وقام بتقسيم دور المسلمين وأراضيهم بين جنوده، ومن ذلك التاريخ أصبحت إشبيلية عاصمة مملكة قشتالة النصرانية بدلاً من طليطلة.
وهكذا سقطت إشبيلية حاضرة الأندلس بعد أن ظلت خمسة قرون وثلث القرن تنعم بالحكم الإسلامي منذ أن فتحها موسى بن نصير سنة (94هـ = 712م)، وظلت منذ ذلك الحين مركزًا للحضارة، ومنارة للعلم، ومأوى للعلماء والشعراء والأدباء، ولا تزال آثارها الباقية شاهدة على ما بلغته المدينة من نمو وازدهار.


إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#14

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(2)

معركة الرايدانية




البداية
بعد أن انهى السلطان سليم فتح الشام, والإنتصار الذي حققه سنان باشا على جانبردي الغزالي في خان يونس بدأ التقدم باتجاه مصر.
وقبل التوجه لمصر أرسل السلطان سليم رسولا إلى الزعيم الجديد للمماليك طومان باي يطلب منه الخضوع له والطاعة للدولة العثمانية وذكر إسمه بالخطبة وعرض عليه أن تكون مصر له بدءا من غزة ويكون هو واليا عليها من قبل السلطان العثماني على أن يرسل له الخراج السنوي لمصر وحذره من الوقوع فيما وقع فيه سلفه قانصوه الغوري. لكن طومان باي رفض العرض وقتل الرسل بتأثير من أتباعه الجراكسة مما يعني اعلان الحرب على العثمانيين

التوجه إلى مصر

بعد قتل رسل السلطان سليم الأول قرر التوجه بجيشه صوب مصر بجيش مقداره مئة وخمسون ألفا مقاتل وصحبه كثير من المدافع واجتاز الصحراء مع جيشه ووصل العريش بتاريخ 17 ذي الحجة 922 الموافق 11 يناير 1517 فقطع صحراء فلسطين وقد نزلت الأمطار على أماكن سير الحملة مما يسرت على الجيش العثماني قطع الصحراء الناعمة الرمال وذلك بعد أن جعلتها الأمطار الغزيرة متماسكة مما يسهل اجتيازهاوفي اثناء عبور الجيش العثماني للصحراء تعرض إلى غارات البدو, وكان السلطان المملوكي يحث البدو على القيام بهذا العمل وكان يدفع مقابل كل رأس تركي وزنه ذهبا, وقد اشتدت غارات البدو لدرجة خاف الوزير الأعظم من حدوث معركة كبيرة وقد كادت أن تكلف حياته هو الآخر


المعركة

جمع طومان باي 40 ألف جندي نصفهم من أهالي مصر والنصف الآخر من العسكر المماليك وفي قول آخر كان عدد جيشه 30 ألف مقاتل وقد استقدم 200 مدفع مع مدفعيين من الفرنجة ووضعها في الريدانية والهدف منها هو مباغتة العثمانيين عند مروره والإنقضاض عليه وحفرت الخنادق وأقيمت الدشم لمئة مدفع وكذلك الحواجز المضادة للخيول على غرار ما فعله سليم الأول في معركة مرج دابق ولكن استخبارات العثمانيين تمكنت من اكتشاف خطة الجيش المصري كما فصل ذلك د. فاضل بيات: تمكن والي حلب المملوكي خاير بك والذي دخل بخدمة العثمانيين من تأمين خيانة صديقه القديم جانبردي والذي كان على خلاف مع السلطان طومان باي وهو الذي أشار على السلطان سليم بالإلتفاف على جيش المماليك. وقد علم طومان باي بالخيانة بعد فوات الأوان وتردد بمعاقبته خوفا من أن يدب الخلل في صفوف الجند.
قام السلطان العثماني بعملية تمويهية بعيد اكتشافه للخطة المصرية, بأن أظهر نفسه سائرا نحو العادلية ولكنه التف وبسرعة حول جبل المقطم ورمى بكل ثقله على المماليك بالريدانية وكانت تلك حيلة جانبردي الغزالي الذي أبلغ خاير بك ذلك, فوقعت المواجهة بتاريخ 29 ذي الحجة 922 الموافق22 يناير 1517

ماقاله ابن اياس

يقول ابن اياس بكتابه (بدائع الزهور في وقائع الدهور): وصلت طلائع عسكر ابن عثمان عند بركة (الحاج) بضواحي القاهرة, فاضطربت أحوال العسكر المصرية, وأغلق باب الفتوح وباب النصر وباب الشعرية وباب البحر.. وأغلقت الأسواق, وزعق النفير, وصار السلطان طومان باي راكبا بنفسه وهو يرتب الأمراء على قدر منازلهم, ونادى للعسكر بالخروج للقتال, وأقبل جند ابن عثمان كالجراد المنتشر, فتلاقى الجيشان في أوائل الريدانية, فكان بين الفريقين معركة مهولة وقتل من العثمانية ما لا يحصى عددهم). ويستطرد ابن إياس فيقول: (ثم دبت الحياة في العثمانية, فقتلوا من عسكر مصر ما لا يحصى عددهم). انتهى كلام ابن اياس.
استمرت المعركة الضارية بين العثمانيين والمماليك مابين 7-8 ساعات وانتهت بهزيمة المماليك وفقد العثمانيون خيرة الرجال منهم سنان باشا الخادم وقد قتل بيد طومان باي الذي قاد مجموعة فدائية بنفسه واقتحم معسكر سليم الأول وقبض على وزيره وقتله بيده ظناً منه أنه سليم الأول. وأيضا فقد من القادة العثمانيين وأمراء الجيش بسبب الشجاعة المنقطعة للمماليك ولكنهم لم يستطيعوا مواجهة الجيش العثماني لمدة طويلة فقد خسر المماليك حوالي 25 ألف قتيل, وفر طومان باي من المعركة ودخل العثمانيون العاصمة المصرية وقد استغرق منهم الكثير من الوقت والرجال حتى استكملوا سيطرتهم بالكامل على القاهرة.


أسباب هزيمة المماليك

يرجع الفضل للنصر المؤزر للعثمانيين على المماليك بعقر دارهم مع أن المماليك رجال حرب وشجعان إلى الأسباب التالية:

1-تحول ولاءات بعض القادة المماليك إلى السلطان سليم كخاير بك و جان بردي الغزالي الذي اعطى معلومات مهمة جدا لخطط المماليك للعثمانيين فكوفئ بحكم دمشق.

2-تفوق العثمانيين في الأسلحة الحديثة والمدافع والخطط الحربية المستمدة من الغرب


3- الأتراك اعتمدوا على الأسلحة النارية على عكس المماليك الذين لايزال اعتمادهم على السيفوالرمح, ومن الطريف أن المماليك عرفوا الأسلحة النارية قبل العثمانيين بمقدار ستون عاما ومتأخرين عن أوروبا بأكثر من 40 عاما, ولكنهم لم يستغلوا تلك المعرفة بحكم أن ذلك يتطلب تعديلا جذريا بتنظيم الجيش وأساليبه القتالية, مما يحوله إلى جيش مشاة ويلغي الفروسية والسهم والسيف والخيل.

4- سلاحالمدفعية العثماني يعتمد على مدافع خفيفة يمكن تحريكها بجميع الإتجاهات على عكس المدفعية المملوكية والتي تعتمد على مدافع ضخمة لاتتحرك. وهذا مما حيَد مدافع المماليك عند التفاف العثمانيين عليهم بتلك المعركة.



إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#15

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(2)

معركة أقليش او موقعة الكونتات السبعة


عيب التوقف وعدم المبادرة

هي واحدة من معارك الإسلام الكبرى في الأندلس، ولكنها لم تنل نفس شهرة الزلاقة أو الأرك، وإن كانت لا تقل عنهما روعة، وتبدأ فصولها مع انتشار خبر مرض أمير المسلمين يوسف بن تاشفين وقرب وفاته، وهذا الأمر شجع الإسبان الصليبيين وملكهم العجوز «ألفونسو السادس» على استئناف غاراتهم المخربة ضد أراضي المسلمين، وكان الملك العجوز يضطرم برغبة عارمة للانتقام من هزيمته الثقيلة في الزلاقة قبل عشرين سنة، فهاجم الإسبان أحواز إشبيلية سنة 499هـ، وعاثوا فيها فساداً، واستولوا على كثير من الأسرى والغنائم، وانشغل المسلمون عنهم بوفاة أمير المسلمين بعد ذلك بقليل.

وفاة امير المسلمين
وبعد وفاة الأمير يوسف بن تاشفين سنة 500هـ تولى مكانه ابنه الأمير علي بن يوسف والذي قرر تأديب الإسبان بصورة قوية تردهم عن مثل هذا العدوان السابق، فأصدر أوامره لأخيه الأمير تميم قائد الجيوش المرابطية بالأندلس بالاستعداد لغزو أراضي قشتالة، فصدع الأمير تميم بالأمر، وأعد جيوشاً كبيرة، وضم إليه اثنين من أمهر قادة المرابطين وهما: محمد بن عائشة، ومحمد بن فاطمة، وتم تحديد الهدف الذي سيهاجمه المسلمون وكان مدينة «أقليش» الحصينة، وهي من أمنع معاقل الإسبان في شمال جبال طليطلة، وقد أنشأها في الأصل المسلمون، واستولى عليها الإسبان لما سقطت طليطلة في صفر سنة 478هـ.

التوجه الى اقليش

وتحركت الجيوش المسلمة في أواخر رمضان سنة 501هـ، وتوجهت إلى أقليش لفتحها، وفي نفس الوقت عندما اقتربت هذه الجيوش من المدينة أرسلت حامياتها الإسبانية برسالة استغاثة لألفونسو السادس لنجدتهم، فجهز حملة قوية بقيادة أشهر قادة «ألبرهانس» صاحب التجربة الكبيرة، والخبرة الواسعة في قتال المسلمين، وأرسل معه ولده الوحيد وولي عهده «سانشو»، وكان صبياً في الحادية عشرة وذلك ليثير حفيظة وعزيمة جنوده كنوع من الشحن المعنوي للحملة، وقد أرسل معه سبعة كونتات من أشراف قشتالة لحمايته ومشورته.


فتح اقليش

وصلت القوات المسلمة أولاً قبل الإسبانية إلى أقليش وهاجمتها بمنتهى العنف حتى فتحتها وذلك يوم الخميس 15 شوال 501هـ، وكان في المدينة الكثير من المسلمين المدجّنين «وهم المسلمون الذين ظلوا في المدن التي استولى عليها الإسبان، فبقوا تحت حكم النصارى»، فلما فتحها المسلمون انضم كثير من المدجنين للمعسكر الإسلامي، وشرحوا لإخوانهم المسلمين أوضاع المدينة، وخصوصاً الحامية الإسبانية التي ما زالت موجودة بالقلعة، ومنتظرة وصول نجدة ألفونسو لهم.

التفكير بالتراجع

.
لم تمر سوى ساعات قلائل حتى وصل الجيش الإسباني وكان تعداده أضعاف الجيش الإسلامي، مما جعل قائده الأمير تميم يتردد ويحجم عن الصدام، وربما فكر في الانسحاب، ولكن القائدين الكبيرين محمد بن عائشة ومحمد بن فاطمة نصحوه بالبقاء، وملاقاة العدو، وهونوا عليه الأمر، فقويت عزيمة الأمير تميم، واتفق الجميع على الصدام

المعركة

وفي فجر يوم الجمعة 16 شوال سنة 501هـ اصطدم الجيشان في قتال بالغ العنف حتى اختلفت أعناق الخيول، وصبر كل فريق للآخر صبراً شديداً، ولم تظهر بوادر النصر لأي منهما حتى وقعت حادثة غيرت مجرى القتال، ذلك أن الصبي «سانشو» ولي عهد ألفونسو السادس انفلت من خيمته، ونزل أرض القتال وكان يرتدي زي الفرسان، ووقع وسط ثلة من فرسان المسلمين فقتلوه، وحاول بعض الكونتات إنقاذه فقتل معه، فدب الهرج والمرج في صفوف الإسبان، وانهارت عزائمهم وهم يرون مقتل ولي عهدهم، وقائد جيشهم، فكثر القتل فيهم، وحاول الكونتات السبعة الذين كانوا يؤلفون حاشية الأمير المقتول الفرار لأحد الحصون القريبة فلحق بهم جماعة من المدجنين وقتلوهم جميعاً، وهكذا تمت الهزيمة الساحقة للإسبان، وتوطدت سمعة ومكانة المرابطين في الأندلس، ولقد عرفت هذه المعركة في التاريخ الاسباني باسم «موقعة الكونتات السبعة»، وقد وقع خبر الهزيمة ومقتل الأمير «سانشو» على ألفونسو مثل الصاعقة، حتى أنه استسلم إلى التأوه والنوح بمحضر من حاشيته، ولم يستطع أن يحتمل الصدمة فتوفي مقتولاً بالهم والغم والحزن .


إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#16

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(2)

معركة سومنات 'فتح الهند الأعظم'


يعتبر دخول الإسلام إلى بلاد الهند الشاسعةأشبه ما يكون بالملاحم الأسطورية التي سطرها كبار المؤلفين والمؤرخين، والإسلام قد دخل بلاد الهند الضخمة والواسعة منذ القرن الأول الهجري، ولكنه ظل في بلاد السند بوابة الهند الغربية فترة طويلة من الزمان، حتى جاء العهد الذي اقتحم فيه الإسلام تلك البلاد الكبيرة المتشعبة الأفكار والعادات، والمبنية على نظام الطبقات، فاصطدم الإسلام ليس فقط مع القوة المادية والجيوش الحربية ولكنه اصطدم أيضا مع الأفكار الغربية والانحرافات الهائلة و الضلالات المظلمة لذلك فإن معركة الإسلام مع الكفر بأنواعه الكثيرة بالهند ظلت لمئات السنين، ومازالت قائمة حتى وقتنا الحاضر والذي نلمسه جلياً في المذابح والمجازر السنوية والموسمية التي يقوم بها عباد البقر من الهندوس ضد المسلمين، الذين تحولوا من قادة وحكام للبلاد إلى أقلية وذلك رغم ضخامة أعدادهم مقارنة بغيرهم من بلدان العالم .

الإسلام والهند

بلاد الهند قديماً قبل التقسيم الحالي كانت تشمل بجانب الهند كلا من [باكستان ، وأفغانستان، وبورما،] وغيرهم إلى حدود الصين، وكانت منقسمة إلى بلاد الهند وبلاد السند، لذلك فلقد عرفت عند الجغرافيين باسم 'شبه القارة الهندية' لضخامتها، ولقد دخل الإسلام إلى بلاد السند منذ الأيام الأولى للدولة الإسلامية، وبالتحديد سنة 15 هجرية في خلافة 'عمر بن الخطاب'عن طريق الحملات الاستكشافية التي قادها 'الحكم بن العاص' الذي وصل إلى ساحل الهند، وتواصلت الحملات الاستكشافية أيام أمير المؤمنين 'عثمان بن عفان' ولكنه رضي الله عنه رفض إرسال جيوش كبيرة خوفاً على المسلمين لبعد البلاد واتساعها .

ظل الأمر هكذا حتى صدر الدولة الأموية وعندما تولى 'زياد بن أبيه' العراق وما بعدها، فقرر أن يجعل سواحل الهند ولاية منفصلة سميت بالثغر، وتشمل المساحة التي تلي [سجستان وزابلستان وطخارستان 'أفغانستان الآن] وكان أول من تولاها رجل اسمه 'راشد بن عمرو' ومن يومها بدأت الحملات الجهادية القوية للفتح الإسلامي للهند، وبرز رجال في تلك الحملات : أمثال [عباد بن زياد وسعيد بن أسلم ومحمد بن هارون] وكلهم أكرمهم الله بالشهادة في ميادين الجهاد .

كان التحول الكبير في مسيرة الفتح الإسلامي للهند عندما تولى الشاب القائد 'محمد بن القاسم الثقفي' رحمه الله قيادة الحملات الجهادية بناحية السند، وحقق انتصاراتهائلة بالقضاء على ملك السند 'داهر البرهمى' وفتح معظم بلاد 'السند' وضمها للدولة الإسلامية، وأزال عنها شعائر الشرك والكفر والبوذية والبرهمية، وذلك سنة89 هجرية، ولكن 'محمد بن القاسم' ما لبث أن راح ضحية لمؤامرة دنيئة قامت بها 'صيتا ابنة داهر' حيث ادعت وافترت عليه كذباً أنه أغتصبها، وسجن 'ابن القاسم' ومات في سجنه، وحزن عليه أهل 'السند' حزناً شديداً، وبموته توقفت حركة الفتح الإسلامي للهند .

وبعد ذلك انتفض ملوك 'الهند' و'السند' وعادوا إلى عروشهم، فلما تولى الخليفة الراشد 'عمر بن عبد العزيز' كتب إلى ملوك 'السند' يدعوهم إلى الإسلام والطاعة على أن يظل كل ملك منهم مكانه، وله ما للمسلمين وعليه ما عليهم، فأجابوه، ودخلتبلاد 'السند' كلها في الطاعة المسلمين، وأسلم أهلها وملوكها وتسموا بأسماءالعرب، وبهذا أصبحت بلاد 'السند' بلاد إسلام، وقد اضطرب أمر 'السند' في أواخر أيام بنى أمية، ولكنها عادت إلى الطاعة والانتظام في أيام 'أبى جعفر المنصور' وفي أيامه افتتحت 'كشمير' ودخلت في دولة الإسلام، ولكن ظلت بلاد 'الهند' الغربية بعيدة عن الإسلام حتى ظهرت عدة دول محلية موالية للخلافة العباسية، ولكنها مستقلة إدارياً وسياسياً ومالياً ، ومن أعظم تلك الدول المحلية التي ساعدت على نشر الإسلام دولة الغزنويين وقائدها الفاتح الكبير 'محمود بن سبكتكين' .

الدولة الغزنوية

اسمها مشتق من اسم عاصمتها وهى مدينة 'غزنة' الموجودة حالياً بأفغانستان وأصل هذه الدولة يرجع إلى القائد 'سبكتكين' الحاجب التركي الذي عمل في خدمة الأمير 'عبد الملك بن نوح السامانى' وترقى في المناصب وارتفعت به الأطوار حتى نال رضا أمراء 'السامانية' فعينوه والياً على 'خراسان' و'غزنة' و'بيشاور'، فكون نواة الدولة 'الغزنوية' وتفرغ لمحاربة أمراء وملوك 'الهند' وخاصة ملوك شمال 'الهند'، وأكبرهم الملك 'جيبال' الذي قاد ملوك وأمراء الشمال الهندي، واصطدم مع المسلمين بقيادة 'سبكتكين' سنة 369هجرية، وكان النصر حليفاً للمسلمين، فرسخ بذلك 'سبكتكين' الوجود الإسلامي وكذا أركان دولته الوليدة ببلاد 'الأفغان' و'طاجيكستان' .

وكل ما قام به 'سبكتكين' كان باسم 'السامانيين' وملوك ما وراء النهر، ولم يعلن استقلاله حتى وقتها، ثم قام بأداء أعظم مهمة لصالح الدولة 'السامانية' عندما قضى على قوة 'البوبهيين' الشيعة بنيسابور' سنة 383 هجرية، فقام الأمير 'نوح بن نصر السامانى' بتعين 'محمود بن سبكتكين' والياً على 'نيسابور'ن وبالتالي غدت الدولة 'الغزنوية' أوسع من الدولة 'السامانية' نفسها، ومات 'سبكتكين' سنة 388 هجرية، وخلفه ابنه 'محمود' لتدخل المنطقة عهداً جديداً من الفتوحات، لم تعرف مثله منذ أيام الخليفة 'الفاروق' .

الفاتح الكبير

لم يكد الأمر يستقر للقائد الجديد 'محمود بن سبكتكين' حتى بدأ نشاطاً جهادياً واسعاً أثبت أنه من أعاظم الفاتحين في تاريخ الإسلام، حتى قال المؤرخون أن فتوحه تعدل في المساحة فتوح الخليفة 'عمر بن الخطاب'، وقد اتبع سياسة جهادية في غاية الحكمة تقوم أساساً على تقوية وتثبيت الجبهة الداخلية عسكرياً وسياسياً وعقائدياً وهو الأهم فعمل على ما يلى :

1- القضاء على كل المذاهب والعقائد الضالة المخالفة لعقيدة أهل السنة والجماعةمثل الاعتزال والتشيع والجمهية والقرامطة والباطنية ، والعمل على نشر عقيدة السلف الصالح بين لبلاد الواقعة تحت حكمه.
2- قضى على الدولة 'البويهية' الشيعية والتي كانت من عوامل التفرق والانحلال في الأمة الإسلامية كلها، حتى بلاغ بها الأمر في التفكير بالعودة للعصر 'الساسانى' الفارسى، واتخاذ ألقاب المجوس مثل 'شاهنشاه' وبالقضاء على تلك الدولة الرافضية قدم السلطان 'محمود' أعظم خدمة للإسلام .

3- أزال الدولة السامانية' التي بلغت حالة شديدة السوء من الضعف والانحلالأثرت بشدة على سير الحملات الجهادية والفتوحات على الجبهة الهندية .

4-أدخل بلاد الغور وسط 'أفغانستان' وهى مناطق صحراويةشاسعة في الإسلام، وأرسل إليهم معلمين ودعاة وقراء، وقضى على دولة 'القرامطة' الصغيرة بالملتان، وكان يقودها رجل اسمه 'أبو الفتوح داود' وأزال عن هذه البلاد العقائد الضالة والفرق المنحرفة مثل الباطنية والإسماعيلية .

5- أعلن خضوع دولته الضخمة وتبعيتها للخلافة العباسية ببغداد وخطب للخليفة العباسي 'القادر بالله' وتصدى لمحاولات وإغراءات الدولة الفاطمية للسيطرة على دولته، وقام بقتل داعية الفاطميين 'التاهرتى' الذي جاء للتبشير بالدعوة الفاطمية ببلاد 'محمود بن سبكتكين'، وأهدى بغلته إلى القاضي 'أبى منصور محمد بن محمد الأزدى' وقال 'كان يركبها رأس الملحدين، فليركبها رأس الموحدين' .

وهكذا ظل السلطان 'محمود بن سبكتكين' يرتب للبيت من الداخل ويقوى القاعدة إيمانياً وعقائدياً وعسكرياً، ويكون صفاً واحداً استعداداً لسلسلة الحملات الجهادية الواسعة لفتح بلاد 'الهند' .

فتوحات الهند الكبرى

بدأ السلطان محمود فتوحاته الكبيرة ببلاد 'الهند' من مركز قوة بعد أن ثبت الجبهة الداخلية لدولته، فقد كان يسيطر على سهول 'البنجاب' فكانت مداخل الجبال وممر خيبر الشهير في يده، وكذلك لم يكن هناك مناؤى أو معارض داخلي للسلطان 'محمود' يعيق حملاته الجهادية، والهضبة الإيرانية كلها تحت حكمه وسيطرته، لذلك البداية في غاية القوة .

بدأت الحملات الجهادية بحملة كبيرة على شمال 'الهند' سنة 392 هجرية، حيث انتصر السلطان 'محمود' على ملك الهند الكبير والعنيد 'جيبال' وجيوشه الجرارة، ووقع 'جيبال' في الأسر، فأطلقه السلطان 'محمود' لحكمه يعلمها الله ثم هو : وهى إذلاله نتيجة حروبه الطويلة ضد المسلمين منذ أيام والده السلطان 'سبكتكين'، وكان من عادة الهنود أنه إذا وقع منهم في أيدي المسلمين أسيراً لا تنعقد له بعدها رياسة، فلما رأى 'جيبال' ذلك حلق رأسه ثم أحرق نفسه بالنار، فاحترق بنار الدنيا قبل الآخرة.

غزا السلطان 'محمود' بعد ذلك أقاليم : 'ويهنده'، و'الملثان'، و'بهاتندة'، ثم حارب 'أناندابال'، وانتصر عليه، وأزال حكمه من شمال 'الهند' تماماً وقضى على سلطانه في 'البنجاب' وبعد ذلك مباشرة عمل على نشر الإسلام الصحيح في كل نواحى 'السند' إلى حوض 'البنجاب' .

تصدى السلطان 'محمود' لمحاولة أمراء شمال 'الهند' استعادة ما أخذ المسلمون، وانتصر عليهم في معركة هائلة سنة 398 هجرية، وفتح أحصن قلاع 'الهند' قلعة 'بيهيمنكر' على جبال 'الهملايا'، وأخضع مدينة 'ناردبين' أحصن وأقوى مدن إقليم 'الملتان' .

وفي سنة 408 هجرية فتح السلطان 'محمود' إقليم 'كشمير'، وحوله لبلد مسلم، وكان لهذا الفتح صدى بعيد نتج عنه دخول العديد من أمراء 'الهند' في الإسلام، وعبر السلطان 'محمود' بجيوشه نهر 'الكنج' أو 'الجانح' وهدم نحو عشرة آلاف معبد هندوسى، ثم هاجم أكبر مراكز 'البراهمة' في 'موجهاوان' وواصل تقدمه وهو يحطم أية قوة هندية تبرز له، ويحول المعابد الهندوسية إلى مساجد يعبد الله فيها وحده، وقد أخذ السلطان 'محمود' على عاتقه نشر الإسلام في بلاد الهند والقضاء على الوثنية فيها، وبلغ في فتوحاته إلى حيث لم تبلغه في الإسلام راية ولم تتل به قط سورة ولا آية .

فتح سومنات

استمر السلطان 'محمود بن سبكتكين' في حملاته وفتوحاته لبلاد 'الهند' وكان كلما فتح بلداً أو هدم صنماً أو حطم معبداً قال الهنود : إن هذه الأصنام والبلاد قد سخط عليها الإله 'سومنات' ولو أنه راض عنها لأهلك من قصدها بسوء، ولم يعر السلطان 'محمود' الأمر اهتمامه حتى كثرت القالة، وأصبحت يقيناً عند الهنود، فسأل عن 'سومنات' هذا فقيل له : إنه أعظم أصنام وآلهة الهنود، ويعتقد الهنود فيه أن الأرواح إذا فارقت الأجساد اجتمعت إليه على عقيدة التناسخ فيعيدها فيمن شاء، وأن المد والجزر الذي عنده إنما هو عبادة البحر له .

يقع 'سومنات' على بعد مائتي فرسخ من مصب نهر 'الجانح' بإقليم 'الكوجرات' في غرب الهند، ولهذا الصنم وقف عشرة آلاف قرية، وعنده ألف كاهن لطقوس العبادة، وثلاثمائة رجل يحلقون رءوس ولحى زواره، وثلاثمائة رجل وخمسمائة امرأة يغنون ويرقصون على باب الصنم، وأما الصنم 'سومنات' نفسه فهو مبنى على ست وخمسين سارية من الصاج المصفح بالرصاص، و'سومنات' من حجر طوله خمسة أذرع، وليس له هيئة أو شكل بل هو ثلاث دوائر وذراعان .

عندما اطلع سلطان الإسلام السلطان 'محمود' على حقيقة الأمر عزم على غزوه وتحطيمهن وفتح معبده : ظناً منه أن 'الهند' إذا فقدوه ورأوا كذب ادعائهم الباطل دخلوا في الإسلام، فالسلطان 'محمود' لا يبغى من جهاده سوى خدمة ونشر الإسلام فاستخار الله عز وجل،وخرج بجيوشه ومن انضم إليه من المتطوعين والمجاهدين وذلك في 10 شعبان سنة 416 هجرية، واخترق صحارى وقفار مهلكة لا ماء فيها ولا ميرة، واصطدم بالعديد من الجيوش الهندية وهو في طريقه إلى 'سومنات'، مع العلم أنه أعلم الجميع بوجهته وهدفه، ليرى الهنود إن كان 'سومنات' سيدفع عن نفسه أو غيره شيئاً .

بلغ السلطان 'محمود' بجيوشه مدينة 'دبولواره' على بعد مرحلتين من 'سومنات'، وقد ثبت أهلها لقتال المسلمين ظناً منهم أن إلههم 'سومنات' يمنعهم ويدفع عنهم، فاستولى عليها المسلمون، وحطموها تماماً، وقتلوا جيشها بأكمله، وساروا حتى وصلوا إلى 'سومنات' يوم الخميس 15 ذي القعدة سنة 416 هجرية، فرأوا حصناً حصيناً على ساحل النهر، وأهله على الأسوار يتفرجون على المسلمين واثقين أن معبدوهم يقطع دابرهم ويهلكهم .

وفي يوم الجمعة 16 ذي القعدة وعند وقت الزوال كما هي عادة المسلمين الفاتحين زحف السلطان 'محمود' ومن معه من أبطال الإسلام، وقاتلوا الهنود بمنتهى الضراوة، بحيث إن الهنود صعقوا من هول الصدمة القتالية بعدما ظنوا أن إلههم الباطل سيمنعهم ويهلك عدوهم، ونصب المسلمون السلالم على أسوار المدينة وصعدوا عليها وأعلنوا كلمة التوحيد والتكبير وانحدروا كالسيل الجارف داخل المدينة، وحينئذ اشتد القتال جداً وتقدم جماعة من الهنود إلى معبدوهم 'سومنات' وعفروا وجوههم وسألوه النصر، واعتنقوه وبكوا، ثم خرجوا للقتال فقتلوا جميعاً وهكذا فريق تلو الآخر يدخل ثم يقتل وسبحانه من أضل هؤلاء حتى صاروا أضل من البهائم السوائم، قاتل الهنود على باب معبد الصنم 'سومنات' أشد ما يكون القتال، حتى راح منهم خمسون ألف قتيل، ولما شعروا أنهم سيفنون بالكلية ركبت البقية منهم مراكب في النهر وحاولوا الهرب، فأدركهم المسلمون فما نجا منهم أحد، وكان يوماً على الكافرين عسيراً، وأمر السلطان 'محمود' بهدم الصنم 'سومنات' وأخذ أحجاره وجعلها عتبة لجامع غزنة الكبير شكراً لله عز وجل .

أعظم مشاهد المعركة

لهذا المشهد نرسله بصورة عاجلة لكل الطاعنين والمشككين في سماحة وعدالة الدين الإسلامي، وحقيقة الجهاد في سبيل الله وأن هذا الجهاد لم يرد به المسلمون أبداً الدنيا وزينتها، بل كان خالصاً لوجه الله، ولنشر دين الإسلام وإزاحة قوى الكفر وانطلاقاً من طريق الدعوة الإسلامية .

أثناء القتال الشرس حول صنم 'سومنات' رأى بعض عقلاء الهنود مدى إصرار المسلمين على هدم 'سومنات' وشراستهم في القتال حتى ولو قتلوا جميعاً عن بكرة أبيهم، فطلبوا الاجتماع مع السلطان 'محمود' ، وعرضوا عليهم أموالاً هائلة، وكنوزاً عظيمة في سبيل ترك 'سومنات' والرحيل عنه، ظناً منهم أن المسلمين ما جاءوا إلا لأجل الأموال والكنوز فجمع السلطان 'محمود' قادته، واستشارهم في ذلك، فأشاروا عليه بقبول الأموال للمجهود الضخم والأموال الطائلة التي أنفقت على تلك الحملة الجهادية، فبات السلطان 'محمود' طول ليلته يفكر ويستخير الله عز وجل، ولما أصبح قرر هدم الصنم 'سونمات'، وعدم قبول الأموال وقال كلمته الشهيرة {وإنى فكرت في الأمر الذي ذكر، فرأيت إذا نوديت يوم القيامة أين 'محمود' الذي كسر الصنم ؟ أحب إلى من أن يقال : الذي ترك الصنم لأجل ما يناله من الدنيا ؟ ! }

وهكذا نرى هذا الطراز العظيم من القادة الربانيين الذين لم تشغلهم الدنيا عن الآخرة، ولا أموال الدنيا وكنوزها عن نشر رسالة الإسلام وخدمة الدعوة إليه، والذين ضربوا لنا أروع الأمثلة في بيان نصاعة وصفاء العقيدة الإسلامية، وأظهروا حقيقة الجهاد في سبيل الله وغاياته النبيلة .


إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#17

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(2)

سقوط سرقسطة .... في اول رمضان




رد: موسوعة معارك اسلامية(2)
الأندلس



كانت مدينة سرقسطة من أعظم حواضر الإسلام في الأندلس، فتحها المسلمون مع حركة الفتح الأولى أيام موسى بن نصير وطارق بن زياد، وقد اشتق اسمها العربي من اسمها الروماني «سيرا أوغسطة»، وهي ذات موقع استراتيجي بالغ الخطورة، فهي تقع في شمال شرق الأندلس وما يعرف بالثغر الأعلى على حدود أملاك نصارى إسبانيا، وكانت المدينة شديدة التحصين مما كان يزين لكثير ممن تولى أمرها أن يخرج عن السلطة المركزية بقرطبة، وفي عهد ملوك الطوائف تولت أسرة بني هود حكم سرقسطة قاعدة الثغر الأعلى، وكانت هذه الأسرة تسير على سياسة مهادنة نصارى إسبانيا ودفع الأموال الطائلة لملوكها من أجل رد عدوانهم عن مملكة سرقسطة، وهذه السياسة الخانعة الذليلة هي التي أطمعت النصارى خاصة ملكهم «ألفونسو الأول» الملقب بالمحارب.
كان دخول المرابطين نجدة كبرى لدولة الإسلام بالأندلس، وتأجيلاً لسقوطها المدوي عدة قرون، وكان من سياسة أمير المرابطين «يوسف بن تاشفين» الإبقاء على بني هود في سرقسطة ليقوموا بواجب الدفاع وكحائط صد عن باقي الأندلس، ولكنه لم يكن يعلم يقينًا حقيقة الأوضاع هناك، لذلك قام ولده وخليفته من بعده «علي بن يوسف» بضم سرقسطة سنة 503هـ، وبعدها شعر المرابطون بمدى خطورة موقع سرقسطة وحجم الأخطار التي تهددها، ذلك أن ألفونسو المحارب لما علم بدخول المرابطين إليها شن حربًا خاطفة عليها ولكن القوات المرابطية ردته بشدة، وظلت سرقسطة آمنة من سنة 504هـ حتى سنة 511هـ حيث انشغل ألفونسو المحارب وقتها بحرب داخلية مع جيرانه القشتاليين.
بعد أن انتهى ألفونسو من حروبه الداخلية اتجه إلى حصار سرقسطة لفتحها في صفر سنة 512هـ، وقد أسبغت على هذه الحرب صفة الصليبية التامة، ذلك أن ألفونسو المحارب قد أرسل بسفارة إلى بابا روما يطلب منه إعلان حرب صليبية على المسلمين وإرسال قوات فرنجية أغلبها من فرنسا للاشتراك معه في الاستيلاء على سرقسطة، فجاءت أعداد ضخمة من أوروبا لنصرة نصارى إسبانيا، وكانت أوروبا وقتها تموج بالحماسة الدينية المفرطة بعد نجاح الحملة الصليبية الأولى على الشام.
حاول أهل سرقسطة بقيادة «عبد الله بن مزدلي» فك الحصار المضروب عليهم، ودخلوا في معارك شرسة مع الصليبيين، انتصر فيها المسلمون عدة مرات، وكادوا أن يردوا الصليبيين على أعقابهم، وكان أمير المرابطين «علي بن يوسف» قد أرسل أخاه الأمير «تميم» على رأس قوات مرابطية كبيرة لنجدة المسلمين بسرقسطة، ولكن تسارعت الأحداث والوقائع بشكل مأساوي، إذ توفي والي سرقسطة ورجلها القوي «عبد الله بن مزدلي» بعد مرض سريع، وأصبحت المدينة بلا والٍ، وشدد الصليبيون من حصارهم للمدينة، ثم تردد الأمير تميم وأحجم عن نجدة المدينة لما رآه من ضخامة الجيش الصليبي، و«تميم» نفسه لم يكن أهلاً للقيادة والحروب، ثم أكمل هذه المهزلة بانسحابه إلى «بلنسية» تاركًا المدينة تواجه مصيرها المظلم وحدها، وقيل إن النجدة المرابطية قد وصلت متأخرة بعد سقوط سرقسطة، المهم أن المدينة أصبحت وحدها قبالة عدو صليبي شديد الحقد، عظيم العداوة.
شدد الصليبيون من حصارهم للمدينة التي فنيت أقواتها وعمها اليأس والفزع والاضطراب بعد وفاة واليها، وقام الرهبان والأساقفة بوضع كنوز الكنائس تحت تصرف الحملة الصليبية لشراء السلاح والمؤن، ومع اشتداد الحصار وعصف الجوع والحرمان والمرض بأهل المدينة اضطروا للتسليم نظير الأمن والسلامة لأنفسهم وأموالهم، وبالفعل دخل الصليبيون بقيادة ألفونسو المحارب سرقسطة يوم الأربعاء 3 رمضان سنة 512هـ ـ 18 ديسمبر سنة 1118م، وتم تحويل الجامع الكبير في المدينة إلى كنيسة، وهو التقليد المتبع لإثبات تفوق النصرانية على الإسلام.


إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#18

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(2)


سقوط دولة الاسلام بالهند


رد: موسوعة معارك اسلامية(2)
خريطة الهند





دخل الإسلام إلى شبه الجزيرة الهندية أيام الدولة الأموية، عندما فتح القائد الشاب محمد بن القاسم بلاد السند سنة 92هـ، ومن يومها وطئ الإسلام تلك البلاد والوهاد الشاسعة، وتقلب حكم المسلمين فيها بتقلب وضع الخلافة المركزية، ولكن ظل الإسلام وحكم المسلمين عند بلاد السند ولم يتوغل داخل القلب الهندي، حتى قامت عدة ممالك قوية وعظيمة الشأن بهذا الدور نيابة عن دولة الخلافة التي أصابها الوهن والضعف الشديد، من هذه الدول: الدولة الغزنوية وقائدها الكبير محمود بن سبكتكين الغزنوي، والدولة الغورية وقائدها البطل الشهيد شهاب الدين الغوري، ثم قامت بعد ذلك مملكة دهلي الإسلامية الزاهرة وقامت موازية وتابعة لها عدة ممالك إسلامية أخرى في الغرب والشرق، في حين بقي الجنوب الشرقي بيد الهندوس وكانت منطقة صحراوية قاحلة.
ثم دخلت دولة الإسلام بعد ذلك طورًا جديدًا، انقسم المسلمون فيها على أنفسهم، واقتتلوا فيما بينهم ودخلت دولة الإسلام بالهند، عصر أمراء الطوائف، وهو شديد الشبه مع عصر الطوائف الأندلسي وجاء القائد الغشوم الظلوم «تيمورلنك» فأكمل على المسلمين، ودهم مملكة دهلي سنة 805هـ ودمرها تدميرًا شاملاً، وظل وضع المسلمين بين إقبال وإدبار، حتى جاء السلطان محمد بابر شاه من أفغانستان إلى الهند، فأعاد وحدتها بعد معارك هائلة وطاحنة مع الهندوس ومن وافقهم من المسلمين، وأعلن قيام دولة المغول الإسلامية سنة 933هـ، والتي استمرت قائمة حتى سنة 1274هـ، وتعاقب على حكمها ثمانية عشر سلطانًا بين قوي وضعيف وصالح وفاسد وعالم ومبتدع ضال.
يعتبر السلطان أكبر شاه هو أشهر حكام هذه الأسرة، وأيضًا سبب بلائها ونكبتها، على الرغم من أن الدولة قد بلغت في عهده أقصى اتساعها، ذلك لأنه كان فاسد العقيدة، ضالاً، مبتدعًا، كافرًا بإجماع علماء عصره، في عهده اخترعت ديانة السيخ، التي حاول فيها المزج بين الإسلام والهندوسية وغيرها من ديانات الهند القديمة، ويعتبر أيضًا السلطان محيي الدين عالم كير من أشهر حكام هذه الأسرة وأشدهم تدينًا وصلاحًا، وكان من كبار علماء الفقه الحنفي وله كتاب الفتاوى الهندية وهو مازال يطبع حتى الآن، وقد قام هذا السلطان الصالح بإبطال كل ما اخترعه جده «أكبر شاه» من بدع وضلالات.
بدأت الهند تتعرض للحملات الاستعمارية في مطلع القرن العاشر الهجري، وكان البرتغاليون بقيادة فاسكو دي جاما أول الناس وصولاً لسواحل الهند سنة 904هـ، وبعده أصبح للبرتغاليين مراكز على الساحل الغربي للهند، ولكنهم لم يتوغلوا في الداخل لضخامة السكان وبداية ظهور دولة المغول هناك فظلوا بالساحل من سنة 906هـ حتى سنة 1009هـ على هيئة مراكز تجارية، ولم يستطيعوا البقاء بسبب حقدهم الصليبي الكافح حتى على معاملاتهم التجارية، وأيضًا بسبب منافسة الإنجليز لهم.
جاء الهولنديون ثم الفرنسيون وأخيرًا الإنجليز، كلهم دخل أولاً برسم التجارة وتبادل الثروات والثقافات، ثم مالبثوا أن تحولوا من التجارة إلى الاحتلال الفعلي للبلاد مع الإبقاء على منصب السلطان المغولي كمنصب شرفي ومعنوي للمسلمين، وأخذ الإنجليز في استمالة الهندوس وتقريبهم لضرب المسلمين وأخذوا في بث الشائعات وإثارة الفتن بين حكام الإمارات الإسلامية واستقطاب الخونة والعملاء من المسلمين للعمل ضد القوة الإسلامية بالبلاد.
وللأسف لم تكن جهود المسلمين موحدة ضد الإنجليز، بل كانوا أهواء متفرقة، بسب الأطماع والمناصب وهذا هو أس بلاء المسلمين في كل موطن، وكان أول من أعلن الجهاد ضد الإنجليز حاكم البنغال «سراج الدولة»، الذي استطاع أن ينزل بالإنجليز وحلفائهم الهندوس عدة هزائم، ولكن خيانة أحد قواده واسمه «سير جعفر» وهو في نفس الوقت «ختنه» أدت للقبض على «سراج الدولة» وإعدامه، ثم قام الأمير حيدر على خان بجهاد الإنجليز في مقاطعة ميسور، ومن بعده ولده الأمير «تيبو» الذي خاض معارك كثيرة وطاحنة ضد الإنجليز، وظل صامدًا أمام تحالف الإنجليز والهندوس حتى راح ضحية الخيانة هو الآخر من جانب أحد قواده «مير صادق» وذلك سنة 1214هـ.
وبعد القضاء على ثورة الشيخ أحمد عرفان الشهيد سنة 1246هـ، خفتت حدة الجهاد الإسلامي وأخذ الإنجليز في الكشف على وجههم الصليبي ضد المسلمين، فألغوا المدارس الإسلامية والكتاتيب واستولوا على أملاك المسلمين، وضربوا على الإمارات الإسلامية سياجًا من الفقر والجهل والمرض والتخلف، في حين عملوا على تعليم الهندوس وتقريبهم وإسناد المناصب إليهم، وفتحوا المجال أمام الإرساليات التنصيرية بين المسلمين والهندوس.
ونتيجة الفقر الذي وقع في البلاد فقد انخرطت أعداد من المسلمين والهندوس في الجيش، وكان الضباط الإنجليز يسخرون منهم ويزدرونهم، ثم وقعت حادثة أدت لانفجار التمرد الهندي الكبير وذلك أن الإنجليز أصروا على تشحيم بنادق الجيش بشحم الخنزير، فرفض المسلمون ذلك، فحوكم 85 مسلمًا بسرية الفرسان في بلدة «ميرته» على بعد 40 ميلاً من دهلي رفضوا ذلك الأمر، وحكمت عليهم المحكمة الظالمة بعشر سنوات، فثار مسلمو الهند ومعهم كثير من الهندوس ودخلوا دار آخر سلاطين المسلمين المغول «سراج الدين بهادور شاه» وكان قد جاوز التسعين من العمر، فانضم إليهم ولده «محمد بخت خان» وأصبح زعيم الثورة، وكانت منطقة البنغال هي بؤرة الثورة، وانضم الهندوس في الثورة العارمة، فاضطر الإنجليز للجوء إلى السيخ لقمع الثورة وطلبوا إمدادات من بلادهم وكانت قد خرجت لتوها من حروب القرم وبعد عدة شهور من الحروب الطاحنة، دخل الإنجليز «دهلي» وقبضوا على السلطان «بهادور شاه» وأسرته واعتبروه مسئولاً عن الثورة، وقاموا بمنتهى الوحشية بذبح أبنائه أمام عينيه، وبلغت الهمجية والبربرية بدعاة التحضر لأن يطبخوا من لحوم القتلى طعامًا ويجبروا «بهادور شاه» على الأكل منه، ثم نفوه إلى بورما ويعلنوا في 13 شعبان سنة 1274هـ ـ 30 مارس 1858م، انتهاء حكم دولة سلاطين المغول المسلمين، وضم الهند لمستعمرات الإنجليز والتاج البريطاني.


إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#19

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(2)

دولة الخلافة العثمانية تحرر طرابلس



رد: موسوعة معارك اسلامية(2)

12 شعبان 958هـ ـ 15 أغسطس 1551م


بعد أن نجح السلطان الأشرف خليل بن قلاوون المملوكي في طرد آخر بقايا الصليبيين بالشام سنة 690هـ، وذلك بفتح عكا آخر حصون الصليبيين بالشام، خفت حدة الحملات الصليبية على بلاد الإسلام، وانتهى عصر الحملات الضخمة، وكان الصليبيون الذين غادروا الشام قد توجهوا إلى قبرص ومالطة، وشحنوهما بالعتاد والرجال، لتكون نقاط انطلاق وإغارة على السواحل الإسلامية.
وفي جزيرة مالطة نشأت جماعة دينية صليبية محاربة عرفت باسم فرسان القديس يوحنا الأورشليمي وقد خرجت هذه الجماعة من رحم الجماعة الأم الكبيرة والمشهورة باسم «فرسان المعبد» والتي كان لها صولات وجولات شهيرة أيام الحروب الصليبية، وكان فرسان المعبد أشد الناس عداوة للإسلام والمسلمين، وكذلك كان فرسان مالطة، فلقد كانوا دائمي الإغارة على سواحل المسلمين خاصة سواحل ليبيا وتونس لقربهما من مالطة، ولقد احتل فرسان مالطة منطقة «برقة» سنة 916هـ، غير أن المماليك لم يلبثوا أن أخرجوهم منها، وفي نفس السنة احتلت قوة إسبانية مدينة طرابلس الليبية بقيادة «بترونافار» وقتل خمسة آلاف مسلم، وأسر ستة آلاف، وفر باقي سكان المدينة وظلت طرابلس من سنة 916هـ حتى سنة 936هـ تحت أسر الاحتلال الإسباني.
وفي سنة 936هـ قرر «شارلكان» ملك إسبانيا التنازل عن طرابلس لفرسان مالطة مقابل مساعدتهم للإسبان في حربهم البحرية ضد الدولة العثمانية التي بدأت تتجه بقوة ناحية الشمال الإفريقية، وبالتالي كسب فرسان مالطة موطئ قدم لهم بالسواحل الإسلامية قطعوا به الطريق على الإمدادات العثمانية القادمة من شرق البحر المتوسط.
انشغل العثمانيون وقائدهم الجسور «خير الدين بربروسا» وصنوه «حسن الطوشي» في محاربة الإسبان في الجزائر والمغرب، فترة طويلة من الوقت، جعلت فرسان مالطة يسيطرون على طرابلس، واستمر الحال حتى وفاة المجاهد «بربروسا» وتم تعيين رجل لا يقل عنه كفاءة وهو «طرغود» وتنطق «طرغوت وطرغول» باشا في منصب قبطان الأساطيل العثمانية فوضع خطة محكمة لتحرير طرابلس من فرسان الصليب المالطي، وذلك بالهجوم البري من ناحية الشرق يقوده والي مصر «سنان باشا» وهجوم بحري يقوم به «طرغود» باشا بالأساطيل العثمانية من ناحية الشمال، وبحركة الكماشة المحكمة استطاع المسلمون العثمانيون تحرير طرابلس الليبية في 12 شعبان سنة 958هـ ـ 15 أغسطس 1551م.


إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#20

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(2)

سقوط شلب حامية الغرب الاندلسي


تعتبر مدينة شلب من أهم وأخطر المدن في غرب الأندلس، فلقد كانت تعتبر من أمنع وأحصن قواعد الأندلس وحاضرة الغرب الأندلسي بعد سقوط معظم المدن الكبيرة بيد البرتغاليين، حيث أصبحت معقل المقاومة الإسلامية ناحية الغرب، وازدادت أهمية المدينة منذ عهد الموحدين الذين جعلوها شديدة التحصين وشحنوها بالمقاتلين والسلاح للدفاع وللهجوم أيضًا على المدن البرتغالية، وكان أهل مدينة شلب خبراء في مجال الغزو البحري، حتى أطلق عليهم البرتغاليون «لصوص البحر».
كان ألفونسو هنريكز من أشهر ملوك البرتغال والجزيرة عمومًا، فقد حكم من سنة 522هـ حتى 581هـ وهو الذي استقل بمملكة البرتغال عن إسبانيا النصرانية، وخاض معارك ضارية وكثيرة ضد الإسبان والمسلمين على حد السواء، وقد خلفه ولده «سانشو» الذي جعل كل همه فتح مدينة «شلب» ووقف هجمات المسلمين على مملكته.
في هذه الفترة وقعت أحداث خطيرة على الصعيد الدولي، حيث استطاع صلاح الدين الأيوبي تحرير بيت المقدس سنة 583هـ، وما صاحب ذلك من ضجة كبرى في أوروبا وصيحات بابوية إلى ملوك أوروبا لإرسال قوات صليبية لاسترجاع بيت المقدس، وجاءت التلبية الأوروبية سريعة وقوية، حيث أخذت الأساطيل الأوروبية في الانطلاق من غرب أوروبا متجهة إلى الشام، وكان خط سيرها يقتضي أن تكون البرتغال هي المحطة الأولى في طريق هذه الأساطيل الصليبية، وهنا قرر الملك «سانشو» الاستفادة من هذه الأساطيل للقيام بحملة صليبية على غرب الأندلس والاستيلاء على مدينة «شلب».
بدأ «سانشو» التجهيز لهذه الحملة بالاستيلاء على قلعة ألبور الحصينة والتي كانت تمثل خط الدفاع الأمامي لمدينة شلب وبعد معارك عنيفة استولى البرتغاليون على القلعة وذبحوا كل من فيها من الرجال والنساء والأطفال وعددهم ستة آلاف مسلم، وذلك سنة 585هـ.
وفي شهر جمادى الأولى سنة 585هـ تجمعت أعداد كبيرة من صليبي أوروبا في إنجلترا وأبحروا بأسطول مكون من 53 سفينة، حتى وصلوا إلى ميناء لشبونة، فأسرع سانشو لاستقبالهم والاتفاق معهم على الاستيلاء على مدينة شلب في مقابل أن يحصل الصليبيون على ذخائر المدينة، وكانت خطة الهجوم محاصرتها برًا وبحرًا، وفي يوم 4 جمادى الآخرة 585هـ أطبقت الجيوش الصليبية والبرتغالية برًا وبحرًا على المدينة في حصار محكم.
كانت مدينة شلب كما قلنا شديدة التحصين، عالية الأسوار، أهلها شديدو المراس، فقاوموا العدوان البرتغالي الصليبي مقاومة عنيفة وقوية جعلت اليأس يتسرب إلى قلوب الصليبيين، فالمدينة صامدة رغم الهجمات المتواصلة وقذائف المجانيق التي تقذف من البر ومن البحر، وحاول صليبيو أوروبا حفر أنفاق تحت أسوار المدينة ولكنهم فشلوا بسبب اليقظة الإسلامية لأهل المدينة، وبعد حوالي شهر من الهجوم الشديد والدفاع المستميت قرر «سانشو» تغيير إستراتيجية الهجوم وذلك بقطع إمدادات المياه عن المدينة وذلك بالاستيلاء على مصدر المياه الوحيد لها وهو بئر كبير اسمه «القراجه».
مع ذلك ظل المقاومون في صمود كامل رغم انقطاع إمدادات المياه والغذاء عنهم، ولكن مع انتشار الأوبئة داخل المدينة بسبب كثرة القتلى تحت هجمات وقذائف المنجنيق، قرر أهلها التفاوض على الاستسلام والخروج بأقل خسائر، وأرسلوا وفدًا منهم بهذا العرض على «سانشو» الذي وافق على الفور، ولكن صليبيي أوروبا غضبوا من هذا العرض فأعطاهم سانشو مبلغًا كبيرًا من المال مقابل جهودهم.
وفي يوم 19 رجب 585هـ ـ 3 سبتمبر 1189م، فتحت مدينة شلب أبوابها أمام الصليبيين، ولكن الأوروبين لم يحترموا الاتفاق فعاثوا في الأرض فسادًا ونهبًا وسلبًا وتقتيلاً مدفوعين بحقدهم الصليبي المعروف، فغضب الملك البرتغالي «سانشو» من ذلك وأمر جنوده بطرد الصليبيين من المدينة ومن البرتغال، كلها فرحلوا عنها متوجهين إلى الشام وهم يلعنون البرتغاليين وملكهم.
وكان سقوط شلب ضربة قوية للأندلس عمومًا وغربها خصوصًا لأن بسقوطها وهي عاصمة الغرب الأندلسي سقط عدد كبير من القلاع والحصون المجاورة.



إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#21

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(2)

معركة كابول وطرد الامبراطورية البريطانية



رد: موسوعة معارك اسلامية(2)
خريطة أفغانستان


20 رجب 1297هـ ـ 27 يوليو 1880م

تقع بلاد الأفغان عند الركن الشمالي الشرقي من الهضبة الإيرانية الآسيوية، تحيط بها إيران غربًا وباكستان شرقًا وجنوبًا والجمهوريات الإسلامية الروسية السابقة شمالاً، وبالتالي فهي ذات موقع إستراتيجي بالغ الأهمية للقوى العالمية المسيطرة على العالم القديم.
وأهل أفغانستان يرتبطون بأصول عربية خاصة من قريش، وبأصول تركية وفارسية وهندية ومغولية، لذلك فلقد جمع أهل أفغانستان جميع خصال هذه الأصول والعرقيات محمودها ومذمومها، كما أن الطبيعة الجبلية السائدة لأرض أفغانستان أكسبت أهلها صبرًا وجلدًا أكثر من غيرهم، لذلك فهم يتصفون بعزة وأنفة العربية وشجاعة وإقدام التركي وصبر وعزيمة الفارسي، وهذه الخصال جعلت أرض أفغانستان مقبرة لكل الغزاة الذين حاولوا احتلال هذه البقعة السحرية من العالم.
بعد أن أصاب الأمة الإسلامية الضعف والوهن وشاخت دولة خلافتها الدولة العثمانية، وقعت معظم بلاد الإسلام تحت نير الاحتلال الأوروبي، وأصبح الصراع على أشده بين أباطرة الاستعمار على ميراث الأمة المغلوبة وتركة الرجل المريض، وكانت إنجلترا قد احتلت بلاد الهند منذ أوائل القرن الثامن عشر الميلادي ودخلت في خصومة شديدة مع الإمبراطورية الروسية التي اتسعت على حساب أملاك العثمانيين في القرم وبلاد القوقاز وآسيا الوسطى، وقد اعتقد الإنجليز أن استيلاءهم على أفغانستان سوف يبعد الروس عن توسيع نفوذهم بحيث يهددون الهند درة التاج البريطاني، وكان نفس التفكير يدور بخلد الروس.
وإزاء سعي إنجلترا للسيطرة على أفغانستان وجعلها دولة حاجزة Buffer state لوجودها في الهند منذ أوائل القرن التاسع عشر، فقد دارت الحرب الشرسة بين الأفغان والإنجليز على مرحلتين:
المرحلة الأولى: لمدة أربع سنوات من عام 1838 حتى 1842م.
وعرفت باسم الحرب الأفغانية الأولى، وتمكن فيها الأفغان رغم قلة عددهم من إبادة بعض المواقع للجيش الإنجليزي بحيث أبيد جيش إنجليزي قوامه عشرون ألفًا من الجند المجهز بأحدث الأسلحة، وأسفرت هذه الحرب عن تجميد الاتصالات بين الأفغان والإنجليز والاعتراف بالأمير «دوست محمد» حاكمًا لأفغانستان وكان عدوًا للإنجليز.
المرحلة الثانية: عندما تولى اليهودي [دزرائيلي] رئاسة الوزراء في إنجلترا وقرر تصعيد المواجهة مع الإمبراطورية الروسية على أرض أفغانستان، ومن أجل ذلك قامت الحرب الأفغانية الثانية من عام 1878م ـ 1881م / 1295هـ ـ 1298هـ، وقد بدأت الحرب بدخول الجيش الإنجليزي العاصمة «كابل» بأعداد ضخمة سنة 1295هـ حيث فر أمير الأفغان «شير علي» خارج البلاد، واقترح الإنجليز تعيين نجله [يعقوب] مكانه، ولكن الشعب الأفغاني الأبي رفض صنيعة الإنجليز حاكمًا عليه وقرر الجهاد ضد المحتل الإنجليزي.
ظل الشعب الأفغاني يجاهد الإنجليز في حرب عصابات مرهقة استنزفت الكثير من قوة الإنجليز، فقرروا القيام بعمل كبير ضد معاقل المجاهدين الأفغان، وفي يوم 20 رجب 1297هـ ـ 27 يوليو 1880م، كانت معركة كابل الحاسمة والتي انتهت بكارثة مروعة للإنجليز حيث ذبح الجيش الإنجليزي بأسره [17 ألف جندي] ولم يفلت منهم مخبر.
وقد أدت هذه المعركة لنتائج خطيرة ومهمة منها:
1ـ انسحاب الإنجليز من أفغانستان بعد أن تكبدوا خسائر ضخمة في العدد والعتاد، وأحدثت تغيرات سياسية كبيرة داخل إنجلترا.
2ـ ازدياد الشعور الإسلامي الأصيل عند الشعب الأفغاني واعتزازه بدينه وبقوميته وتأكدت حقيقة أن أفغانستان مقبرة الغزاة.
3ـ ترسيم الحدود الأفغانية الروسية بتدخل من إنجلترا لإيقاف أطماع روسيا في الأراضي الأفغانية خاصة في مناطق «بادقشان»، «واخان»، و«بلخ».




إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#22

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(2)

معركة إلبيرة الأندلسية


رد: موسوعة معارك اسلامية(2)
الأندلس


20 ربيع الآخر 718 هـ ـ 21 يونية 1318م


هي المعركة العظيمة التي دارت رحاها بين مسلمي غرناطة آخر معاقل الإسلام بالأندلس وبين القشتاليين الإسبان عند هضبة إلبيرة على مقربة من غرناطة، والتي انتهت بنصر كاسح للمسلمين أعادت ذكريات الانتصارات الأندلسية الخالدة مثل الزلاقة وإفراغة والأرك.
وكان بنو الأحمر هم حكام مملكة غرناطة منذ سنة 635هـ، وقد انحصر الإسلام في ربوع الأندلس في هذه المملكة التي انحاز لها المسلمون من كل مكان، واعتمد حكام هذه المملكة على محالفة ومعاونة ملوك المغرب خاصة ملوك بني مرين الذين ورثوا المغرب بعد سقوط دولة الموحدين، وكان بنو مرين محبين للجهاد في سبيل الله، حالهم قريب الشبه بدولة المرابطين العظيمة، لذلك قويت العلائق بين بني مرين وبني الأحمر، وقام سلاطين بني مرين بالعبور عدة مرات لنجدة المسلمين بالأندلس، وأسسوا قاعدة ثابتة بغرناطة أطلقوا عليها مشيخة الغزاة وعهدوا بها للقائد العسكري الفذ «عثمان بن أبي العلاء» وهو القائد الذي سيقود جيش المسلمين في معركة إلبيرة.
بعد أن حقق القشتاليون فوزًا مهمًا على المسلمين في معركة وادي فرتونة سنة 716هـ، فكروا في مهاجمة الجزيرة الخضراء والاستيلاء عليها ليحولوا دون وصول الإمدادات المغربية إلى الأندلس، ثم عدلوا عن ذلك وقرروا مهاجمة الحاضرة الإسلامية نفسها غرناطة، فأعد سلطان غرناطة أبو الوليد إسماعيل بن الأحمر جيشًا صغيرًا ولكنه من صفوة وخيرة المقاتلين، يقدر تعداده بسبعة آلاف على الأكثر يقودهم القائد المغربي «عثمان بن أبي العلاء» وفرقته المغربية.
زحف القشتاليون الإسبان بجيش ضخم تقدره الروايات بثلاثين ألف مقاتل يقودهم الدون بيدرو ولي العهد ومعه العديد من الأمراء، إضافة لفرقة إنجليزية متطوعة جاءت لنصرة الصليب!
وفي 20 ربيع الآخر 718هـ ـ 21 يونية 1318م التقى الجيشان رغم تفاوتهما الكبير، وأبدى المسلمون حماسة وحمية في القتال أنست الرائي الفرق الكبير بين الجيشين وظهرت نوادر البطولة والشجاعة لم ير مثلها منذ عصور بعيدة، وبعد معركة شديدة استمرت ثلاثة أيام أنزل الله عز وجل نصره على المؤمنين، وقتل قائد الجيش الإسباني الدون بيدرو، ووضعت جثته في تابوت على سور الحمراء تنويهًا بالنصر، وتخليدًا لذكرى المعركة وإذلالاً لأعداء الإسلام


إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#23

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(2)

معركة نصيبين «نزيب»


رد: موسوعة معارك اسلامية(2)
خريطة تركيا


11 ربيع الآخر 1255 هـ ـ 24 يونية 1839م


استغلت الدولة الأوروبية الأطماع الكبيرة عند «محمد علي باشا» والي مصر، في توجيه الضربات الموجعة للدولة العثمانية وإضعاف كيانها، وكان محمد علي هو الخنجر المسموم الذي طعنت به الدولة العثمانية، فقد كان محمد علي ذا طموحات واسعة ويحلم بتكوين إمبراطورية على نفس مساحة دولة المماليك القديمة، وبعد أن حصل على حكم مصر والسودان والحجاز طمحت نفسه الجامحة لضم بلاد الشام واستغل هروب بعض تجار مصر للشام بسبب الضرائب الفادحة ورفض والي عكا «عبد الله الجزار» إعادتهم، ليبرر بها حربه العنيفة على الشام، حيث كلف سيف انتقامه «إبراهيم باشا» بقيادة الحملة على الشام.
استطاع الأسد القاسي «إبراهيم باشا» أن يستولي على الشام كلها بعد أن هزم جميع الجيوش العثمانية التي أرسلها السلطان «محمود الثاني» لوقفه، وواصل إبراهيم باشا تقدمه حتى احتل «أضنه» بعد أن اجتاز جبال طوروس وأصبح على أبواب إستانبول، وخافت الدول الأوروبية أن ينقلب السحر على الساحر ويستولي محمد علي على الخلافة ويعيد شباب الدولة العجوز، فضغطت على السلطان ليتفاوض مع محمد علي باشا وعقدت معاهدة كوتاهية بموجبها جعلت الشام تابعة لمحمد علي.
حدثت ثورات في بلاد الشام ضد الحكم المستبد لإبراهيم باشا، وفاتح محمد علي سفراء الدول الأوروبية في رغبته أن تكون الشام والحجاز وراثية في عقبه مثل مصر والسودان، فلم يوافق السلطان محمود الثاني على ذلك الأمر واشترط أن تكون سهول جبال طوروس خارج ولاية محمد علي، واستعد السلطان للقتال وأرسل جيشًا كبيرًا يقوده حافظ باشا يعاونه أشهر القادة الألمان «فون مولتكه» وتقدم إلى بلاد الشام، وفي 11 ربيع الآخر سنة 1255هـ ـ 24 يونية 1839م، التقى مع إبراهيم باشا عند بلدة نزيب أو نصيبين وهي تقع في تركيا الآن إلى الغرب من نهر الفرات، وتبعد عن الحدود السورية مسافة 25 كم، فانهزم العثمانيون وتركوا عتادهم في ساحة القتال فأخذ المصريون 166 مدفعًا و20 ألف بندقية وكاد القائد الألماني «فون مولتكه» أن يقع في الأسر.
وقد أدت هذه المعركة لرجة عالمية كبيرة، إذ قام على أثرها قائد البحرية العثماني أحمد باشا بتسليم الأسطول العثماني لمحمد علي، إذ رأى فيه القوة المنشودة ضد العدوان والتحالف الأوروبي وخافت أوروبا من تنامي قوة محمد علي بحيث يستولي هو على الخلافة، ويدب الشباب في جسد الرجل المريض فتحالفت على «محمد علي» من جديد.



إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#24

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(2)

معركة حصن المقورة



رد: موسوعة معارك اسلامية(2)
الأندلس


15ربيع أول 674هـ ـ 9 سبتمبر 1275م


منذ أن قامت دولة الإسلام بالأندلس 92هـ، والعلاقة بين بلاد المغرب والشمال الإفريقي وبين بلاد الأندلس علاقة وثيقة ومتينة والشريان الحي ممتد بين البلدين، فأيما حدث يقع في طرف يؤثر في الآخر، وقد قدر للمغرب أن تكون في مواطن كثيرة منقذة للأندلس، وكلما قامت ببلاد المغرب دولة جديدة جعلت أحداث الأندلس في أهم أولوياتها، مثلما حدث مع دولة المرابطين ثم الموحدين، وبعد سقوط هذه الدول، ظهرت الدولة الجديدة دولة بني مرين وسلطانها البطل الشجاع أبو يوسف يعقوب بن عبد الحق الملقب بالمنصور، وهو رجل من طراز يوسف بن تاشفين وعبد المؤمن بن علي.
وصلت استغاثات مسلمي الأندلس للسلطان المنصور، فجمع العلماء والأعيان واستشارهم فأفتوا جميعًا بوجوب الجهاد والنصرة، فاستعد لعبور البحر إلى الأندلس وذلك سنة 674هـ، وكان للسلطان منافس قوي بالمغرب هو «يغمراسن» حاكم مدينة تلمسان، فاصطلح معه حتى يتفرغ لقتال صليبي إسبانيا، وبالفعل نزل بر الأندلس في صفر سنة 674هـ، واستقبله الأمير محمد بن الأحمر حاكم الأندلس وشرح له الموقف، واستعد المسلمون لمعركة فاصلة مع «قشتالة».
سمع النصارى بقدوم الجيش المغربي، فخرج القشتاليون ونصارى إسبانيا في جيش ضخم يقدر بتسعين ألف مقاتل بقيادة «الكونت دي لارا» قائد إسبانيا الأشهر، والتقى الجيشان عند حصن المقورة جنوب غربي قرطبة في 15 ربيع الأول 674هـ ـ 9سبتمبر 1275م، ونشبت معركة سريعة هائلة، انتصر فيها المسلمون انتصارًا رائعًا وقتل قائد الإسبان ومعه ثمانية عشر ألفًا، وجمعت رؤوس القتلى وأذن عليها المؤذن لصلاة العصر، وأعادت هذه المعركة ذكريات نصر الزلاقة والآرك، ولم يكن المسلمون ذاقوا حلاوة النصر منذ معركة الآرك سنة 591هـ فجاء هذا الانتصار الرائع لينعش آمال المسلمين في الأندلس بالبقاء، ولكن إلى حين.



إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#25

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(2)

معركة نوارين البحرية

رد: موسوعة معارك اسلامية(2)

ابراهيم باشا

18ربيع أول 1243هـ ـ 19 أكتوبر 1827م


عندما اندلعت ثورة اليونان على الحكم العثماني، كلف السلطان «محمود الثاني» والي مصر «محمد علي» باشا بالقضاء على هذه الثورة، مع وعد من السلطان بأن تكون ولاية اليونان تابعة له، وهذا التكليف قد جاء بدافع من القوى الصليبية العالمية «إنجلترا ـ فرنسا ـ روسيا» وذلك لتقليم أظافر هذا الرجل القوي الذي أدى دوره في القضاء على الحركة السلفية بالحجاز على أكمل وجه، وكان لابد بعدها من تحجيم قوته التي أخذت في الاستفحال، حتى لا تحدثه نفسه بالشب عن طوق الولاء والتبعية للقوى المعادية للإسلام، خاصة وأن «محمد علي» كان مشهورًا بالطمع والطموح الكبير والرغبة في التوسع.
ابتلع محمد علي الطعم لطمعه وشراهته في الملك والرياسة، وأمر ولده الكبير وقائد جيوشه الأشهر «إبراهيم باشا» بالتوجه إلى اليونان على رأس أسطول كبير للقضاء على ثورتها وذلك سنة 1239هـ.
حيث استطاع «إبراهيم باشا» أن يقضي على الثورة اليونانية بكل قوة وشجاعة رغم المساعدات الصليبية التي انهالت على اليونان من كل مكان في العالم.
بعد أن نجح «إبراهيم باشا» في مهمته أبانت الصليبية العالمية عن حقيقة مخططها وهدد الروس بالهجوم على إستانبول إذا لم تحل مشكلة اليونان وتعطى استقلالها، واتفقت إنجلترا وفرنسا مع روسيا على ذلك، وتوجهت أساطيلها المشتركة إلى سواحل اليونان، وطلبت من إبراهيم التوقف عن القتال، لكنه رفض بحجة أن الأوامر لا يأخذها إلا من الخليفة أو من أبيه لا أحد سواهما، فقامت هذه الأساطيل بعمل خدعة دنيئة وغادرة إذ دخلت ميناء «نوارين» في 18 ربيع أول 1243 دون أن ترفع أعلام الحرب، ثم قامت فجأة بصب كل نيران مدافعها على الأسطول العثماني المصري المشترك ووقعت هزيمة مروعة على المسلمين راح ضحيتها أكثر من ثلاثين ألف جندي مصري وعثماني، وحقق الأعداء هدفهم إذ حطموا قوة محمد علي وفصلوا اليونان عن الدولة العثمانية.



إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#26

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(2)

معركة كتندة الأندلسية



كان لظهور شخصية «ألفونسو المحارب» ملك أراجون الإسبانية أثر كبير في تغيير مجرى الأحداث في الأندلس، إذ كان شديد الاهتمام بمحاربة المسلمين واستعادة البلاد منهم، حتى إنه لم يكن يمكث في قصره أبدًا، إنما هو في قتال مستمر يدفعه في ذلك عاطفة دينية جياشة واضطرام صليبـي لا نظير له وقام هذا الملك الصليبـي باستعادة معظم مدن الشمال الأندلسي وعلى رأسها «سرقسطة».
وكانت الدولة المرابطية تحكم الأندلس منذ سقوط دولة الطوائف المشئومة، وقررت هذه الدولة إيقاف تهديدات وطموحات «ألفونسو المحارب» ووضع حد لعدوانه، فأعدت جيشًا قويًا بقيادة والي إشبيلية «إبراهيم بن يوسف» انضم فيه الكثير من المجاهدين المتطوعين والعلماء والفقهاء واستعدوا للقاء مع الصليبيين.
وفي 24 ربيع الأول 514هـ ـ يونيو 1120م وعند قرية كتندة في الشمال الأندلسي نشب القتال بين الجيشين وبقدر الله عز وجل وقعت الهزيمة على المسلمين رغم بسالة القتال وعنفه وكثر القتل فيهم، وكان ذلك بسبب تخاذل الجيش النظامي وتحمل المتطوعين وحدهم عبء القتال, وقد استشهد في هذه المعركة أكبر علماء الأندلس وقتها العلامة أبو علي الصدفي وأبو عبد الله بن الفراء, وكانت هذه الهزيمة نكبة جديدة ساحقة للأندلس ولهيبة الدولة المرابطية.


إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#27

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(2)

موقعة الحرة


28 من ذي الحجة 63هـ ـ 29 أغسطس 683م
بعد وفاة أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه، تولى الأمر بعده ولده يزيد ولم يكن على مستوى أبيه ولا في السن المناسب لوجود أعيان المسلمين والصحابة وقتها أمثال ابن عمر وابن عباس وابن الزبير ورأس آل البيت الحسين بن علي رضي الله عنهم أجمعين، لذلك نجد أن الكثير لم يكن راضيًا عن خلافة يزيد، ولكنهم آثروا السكوت والسلامة حرصًا على وحدة الصف المسلم، ولكن بقي اثنان لم يبايعا وهما الحسين بن علي وابن الزبير وقد خرج كلاهما من المدينة وأقاما بمكة([1]).
خرج الحسين إلى العراق ظانًا منه أن أهلها سينصرونه فخذلوه وغروه وتركوه وحده يواجه جيش عبيد الله بن زياد، وانتهى خروجه بكارثة هائلة أصابت أمة الإسلام، حيث قتل هو ومعظم أفراد بيته، وبعدها بدأ ابن الزبير يدعو لنفسه ويؤلب الناس على يزيد ويذمه ذمًا شديدًا حتى مال إليه أهل الحرمين، وسخط أهل المدينة خاصة على يزيد وذلك بعد أن عزل والي المدينة القوي «عمرو بن سعيد» وعيَّن مكانه شابًا صغيرًا ليس أهلاً لهذا المنصب، فاستخف به أهل المدينة، فقام وفد من أهل المدينة سنة 62هـ بزيارة دمشق واجتمعوا مع الخليفة يزيد الذي أغدق عليهم الأموال ليستألف قلوبهم الساخطة، ولكن بلا فائدة.
عاد وفد أهل المدينة إليها وقد أجمعوا على خلعه وأظهروا شتم يزيد وعيوبه وأشاعوا عليه المنكرات وفعل المحرمات، وقام فيهم عبد الله بن مطيع خطيبًا وقال: «قد خلعت يزيدًا كما خلعت عمامتي هذه» وألقاها من على رأسه، فتابعه الناس على ذلك وأخرجوا والي المدينة من بين أظهرهم، وقاموا بمحاصرة بيوت بني أمية وكانوا ألف رجل، ووصلت الأخبار ليزيد بن معاوية فغضب غضبًا شديدًا لسابق إحسانه لأهل المدينة، فطلب منه «النعمان بن بشير» رضي الله عنه أن يأذن له بالتوجه إلى المدينة لإقناع أهلها بالعدول عن هذا العصيان، وبالفعل ذهب النعمان إليهم ولكنه فشل في إقناعهم، وعندها قرر يزيد إرسال جيش كبير من أهل الشام لتأديب أهل المدينة وجعل على قيادة هذا الجيش رجلاً غشومًا ظلومًا جلفًا من الأعراب وهو «مسلم بن عقبة المري»، والذي سماه السلف بعد وقعة الحرة «مسرفًا».
لم يوافق كبار أهل المدينة على الاشتراك في هذه الثورة أمثال ابن عمر وعلي زيد العابدين ومحمد بن الحنفية والأخير قد ناظر قادة الثورة وألزمهم الحجة ولكنهم أبوا إلا الاستمرار .
وصلت أخبار قدوم هذا الجيش لأهل المدينة فأجلوا بني أمية من بين أظهرهم، وذلك بعد أن أخذوا عليهم العهود والأيمان المغلظة ألا يدلوا على عورات ومداخل المدينة، ولكن في الطريق أخذهم مسلم بن عقبة جميعًا وأخذ يضغط عليهم ويهددهم بالقتل إذا لم يدلوا على نقاط ضعف المدينة، فدل عبد الملك بن مروان على عورة المدينة، فاكتفى بإجابته عن سؤال باقي بني أمية، وعدَّ ذلك غدرًا وعيبًا من عبد الملك ولكنه كان مكرهًا.
استعد أهل المدينة للقتال وكان أول الوهن أن جعلوا عليهم قائدين: عبد الله بن حنظلة الغسيل على الأنصار، وعبد الله بن مطيع على المهاجرين، ثم حفروا خندقًا عميقًا حول المدينة على نمط خندق الأحزاب، وفي يوم 25 من ذي الحجة سنة 63هـ بدأ جيش الشام حصاره لأهل المدينة وأمهلوهم ثلاثة أيام حسب وصية يزيد لعل الثوار يعودون عن عصيانهم، ولكن أهل المدينة أصروا على القتال.
وفي يوم 28 من ذي الحجة هجم جيش الشام الضخم على المدينة، ورغم بسالة أهل المدينة إلا إنهم لم يصمدوا طويلاً في القتال ووقعت هزيمة فظيعة على أهل المدينة قتل فيها الكثير من سادتها وأعيانها وقتل العديد من الصحابة، وأسرف مسلم بن عقبة في سفك الدماء وفعل الفظائع ضد أهل المدينة، ولكن خبر استباحة المدينة لمدة ثلاثة أيام والذي ذكره الطبري في تاريخه لا يصح، فسنده به عدة متهمين بالوضع والكذب والرفض.
كانت هذه المعركة سببًا لجرح لم يندمل لعشرات السنين بين عرب الشام وعرب الحجاز وثارت فتنة عصبية قبلية امتدت آثارها من العراق إلى الحجاز حتى بلاد الأندلس، وقد أخطأ أهل المدينة في ثورتهم ضد يزيد بن معاوية وهو قد أخطأ بدوره عندما رماهم بهذا القائد الغشوم الظلوم الجهول مسلم «مسرف» بن عقبة



إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#28

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(2)

معركة شبش


20 من ذي الحجة 1202هـ ـ 21 سبتمبر 1788م
تعتبر روسيا القيصرية من ألد أعداء الإسلام عمومًا والدولة العثمانية خصوصًا، فلقد كانت روسيا القيصرية ترى نفسها وريثة الإمبراطورية البيزنطية التي سقطت أمام الجيوش العثمانية التي فتحت القسطنطينية سنة 857هـ، لذلك ومنذ قيام الإمبراطورية الروسية وهي دائمة التحرش بالدولة العثمانية، وبدأت روسيا في التوسع شرقًا تحت شعار التوسع في المناطق المخلخلة سكانيًا، على حين أن مناطقهم مزدحمة بالسكان، وتحت هذا الشعار ابتلعت روسيا شبه جزيرة القرم سنة 1190هـ مستغلة حالة الضعف والتراجع الكبير في الدولة العثمانية.
بعد ذلك أخذت روسيا في تحريض السكان النصارى في الأقاليم التابعة للدولة العثمانية مثل أقاليم رومانيا واليونان، وشعرت الدولة العثمانية أن السكوت أكثر من ذلك على العدوان الروسي سيؤدي حتمًا إلى كارثة شاملة، فأرسلت الدولة العثمانية بعدة طلبات لروسيا القيصرية لردعها عن مواصلة تحريض نصارى رومانيا واليونان، فرفضتها روسيا فأعلنت الدولة العثمانية الحرب عليها([1]).
عندها أعلن الإمبراطور جوزيف الثاني إمبراطور النمسا وألمانيا الحرب على الدولة العثمانية، وذلك بدافع صليبي محض وتضامنًا مع الروس النصارى، وقاد جوزيف جيشًا ضخمًا وتقدم ناحية بلجراد لاحتلالها، ولكنه فشل أمام بسالة الحامية العثمانية وقائدها «قوجا يوسف باشا» واضطر للانسحاب وهو يجر أذيال الخيبة عائدًا إلى النمسا.
صدرت الأوامر السلطانية لقوجا يوسف بملاحقة إمبراطور النمسا الفار وذلك لردعه عن غيه وعن العودة لمثلها، فانطلق العثمانيون خلف النمساويين الذين فروا من بين أيديهم حتى أدركوهم عند بلدة «شبش» الألمانية، وفي يوم 20من ذي الحجة 1202هـ اشتبك الجيشان وحقق العثمانيون نصرًا باهرًا ووقع خمسون ألفًا من النمساويين والألمان أسرى في هذه المعركة الفريدة، وانكسرت النمسا بعدها كسرة كبيرة لم تقم بعدها لفترة طويلة.


إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#29

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(2)

معركة جلولاء


15 من ذي القعدة 16هـ

بعد أن حقق المسلمون فتحهم الكبير لعاصمة الفرس «المدائن» أصيب الفرس بهزيمة نفسية مروعة وتشرذمت الجيوش الفارسية تحت الضربات الموجعة للجيوش الإسلامية، وتفرقت فلول الفرس المنهزمة من المدائن والأهواز وغيرها في عدة أماكن، وفي ظلمة اليأس القاتل قرر رجلان من آخر قادة الفرس بقاءً وهما «مهران الرازي» و«الهرفران» تجميع شتات فلول الفرس والتحصين بهم في إحدى القلاع القريبة من «المدائن» لمنع تقدم المسلمين أكثر من ذلك، فاختاروا مدينة على بعد أربعين ميلاً شمال المدائن وكانت ذات موقع إستراتيجي جيد، وبالغوا في تحصينها لتكون عقبة أمام الحملات الإسلامية، وعمل «مهران» على رفع معنويات جنوده بشتى الوسائل للتصدي للمسلمين وأرسل مهران يطلب من كسرى يزدجرد التفويض في قيادة الجيوش الفارسية، وأيضًا الإمدادات من رجال وعتاد وأقوات، فوافق كسرى وأمده بما يطلب
وصلت أخبار هذه الاستعدادات الحربية للقائد العام للعراق «سعد بن أبي وقاص»، فأرسل جيشًا من اثني عشر ألفًا بقيادة ابن أخيه «هاشم بن عتبة» الملقب بالمرقال ومعه بطل العراق «القعقاع بن عمرو» وذلك بعد استئذان الخليفة الراشد «عمر بن الخطاب»، وبمنتهى السرعة وصل المسلمون إلى المدينة فوجدوا أن الفرس قد بالغوا في تحصينها، حيث أحاطوها بخندق مائي متسع وعميق، وزرعوا حول المدينة حقولاً من حسك الحديد لإعاقة خيل المسلمين عن التقدم، ولمس المسلمون الاستماتة الدفاعية الكبيرة عند الفرس، فضربوا على المدينة حصارًا شديدًا استطال حتى جاوز سبعة شهور وهي أطول مدة حاصر المسلمون فيها مدينة بالعراق، وخلال هذه الفترة كان الفرس يخرجون للهجوم على المسلمين، حتى إنهم قد زاحفوا المسلمين أثناء هذا الحصار ثمانين زحفًا ولكن المسلمين أحبطوها كلها بمنتهى الشجاعة والثبات، ومع طول الحصار طلب «هاشم المرقال» من القائد العام «سعد بن أبي وقاص» إرسال إمدادات جديدة.
ومع طول الحصار وشدته وثبات المسلمين وإصرارهم على فتح المدينة، قرر الفرس الخروج بكامل قواتهم وهي زيادة عن مائة وخمسين ألفًا من المقاتلين، والاشتباك مع المسلمين في معركة واحدة وفاصلة، وقد وضع لهم «مهران» خطة ذكية تقوم على فكرة التناوب على قتال المسلمين فجزء يحارب والآخر يستريح، ثم يتم التبادل بينهم حتى يرهقوا المسلمين في قتال مستمر.
وفي صباح يوم الأحد 15 من ذي القعدة سنة 16هـ خرج الفرس بأعداد ضخمة من المدينة وأنشبوا القتال مع المسلمين بمنتهى الضراوة، وقابلهم المسلمون بضراوة أشد وأنكى، ومع تطبيق خطة الفرس بدأ التعب والإرهاق يحل بالمسلمين، وهذا الأمر أخذ يؤثر على نفسيتهم وشدتهم في القتال، وهنا برز دور البطل العظيم الذي لم ينل حظه من الشهرة والمعرفة عند المسلمين وهو «القعقاع بن عمرو» إذ وقف بين الصفوف يحرض المسلمين على الثبات ومواصلة القتال، ثم قام بخطوة عبقرية في القتال، إذ كان الليل على وشك الحلول، فضغط بسرية من خلاصة الفرسان على مؤخرة الفرس المنسحبين لدخول المدينة، ليتمكن بذلك من السيطرة على الخندق وبالتالي يمنع باقي الفرس من العودة لتحصينات المدينة، ثم نادى في المسلمين «أين أيها المسلمون؟ هذا أميركم ـ يعني المرقال ـ على باب خندقهم، فأقبلوا عليه ولا يمنعكم من بينكم وبينه من دخوله»، فأثار حمية المسلمين ونخوة العرب التي تمنع العربي والمسلم من ترك أخيه وقائده ويتخاذل عن نصرته، فشد المسلمون بكل قوة على الفرس حتى وصلوا إلى الخندق وصدموا الفرس صدمة هائلة أزالوهم بها عن مواقعهم.
عندها وقع الفرس في مأزق خطير، إذ أصبحوا عاجزين عن العودة للمدينة إلا إذا تغلبوا على المسلمين فدار قتال ليلي شديد الضراوة، شبيه بليلة الهرير في القادسية، وأثناء القتال وصلت الإمدادات التي أرسلها سعد لأرض المعركة فاشتد عضد المسلمين، واضطرب الفرس بشدة ودخلت خيولهم في حسك الحديد الذي نصبوه أصلاً لخيل المسلمين فاضطروا للنزول من على الخيل والقتال مترجلين، وكان هذا أوان هلاكهم، حيث طحنهم المسلمون طحنًا شديدًا وأفنوهم عن بكرة أبيهم، حتى بلغ قتلى الفرس مائة ألف قتيل، وجللت جثثهم الساحات أمام المدينة، لذلك سميت المدينة بعد ذلك «جلولاء» لما جللها من قتلى الفرس.


إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#30

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(2)

معركة خان ميسلون


8 من ذي القعدة 1338هـ ـ 24 يوليو 1920م

مر بنا في أحداث شهر شوال الإنذار الفرنسي الذي وجهه القائد «جورو» قائد القوات الفرنسية في 28 شوال سنة 1338هـ لملك سوريا «فيصل الأول بن الحسين»، والذي يأمره فيه بقبول الانتداب «الاحتلال» الفرنسي بلا شروط ويسحب إعلانه السابق باستقلال سوريا، وحل الحكومة التي شكلها «هاشم الأتاسي»، وكان لهذا الإنذار أثر كبير في إشعال حمية السوريين الذين رفضوا الإنذار بشدة واستعدوا لجهاد الأعداء الفرنسيين، وأخذ الناس في شراء السلاح والذخائر والمؤن وسرت روح جهادية قوية بين الناس خصوصًا عند الدمشقيين([1]).
اجتمع الملك فيصل مع وزرائه ورجال دولته للتباحث في كيفية التعامل مع الإنذار فلم يصلوا لأي رأي، وكان وزير الدفاع يوسف العظمة من أشد الناس عداوة للاحتلال يقود الفريق المعارض الرافض للإنذار، ولكن فيصل بن الحسين قبل الإنذار، وأرسل رسالة بذلك للقائد «جورو» الذي كان يخطط لاكتساح سوريا بقوة السلاح، وأمر فيصل بن الحسين الجيش السوري بالعودة إلى منازلهم وتسريح جنوده مع احتفاظهم بالسلاح.
تقدمت القوات الفرنسية حتى وصلت إلى خان ميسلون على بعد 25 كم من دمشق العاصمة، وتعلل «جورو» بأن برقية قبول الإنذار لم تصل بسبب تعطل أجهزة البرق، فشعر فيصل أن الفرنسيين ينوون اكتساح دمشق، فأصدر أوامره للجيش بالعودة إلى ثكناته والاستعداد للمواجهة، وحاول فيصل اللجوء لأوليائه الإنجليز للضغط على الفرنسيين، ولكنه وجد أن الإنجليز لا يمانعون من التهام الفرنسيين لسوريا، فقد كان يجهل أن كلا الطرفين قد أعد العدة لذلك في اتفاقية «سايكس ـ بيكو» قبل ذلك بعدة سنوات، ولما أحس فيصل بقرب اقتحام الفرنسيين لدمشق رحل إلى أوروبا! ولم يبق في البلاد زعامة تقود الناس سوى القائد البطل يوسف العظمة وزير الدفاع الذي خرج بجيش صغير يبلغ ثمانية آلاف مقاتل نصفهم من المتطوعين وبلا أسلحة ثقيلة، وتقدم نحو معسكر الفرنسيين بخان ميسلون، وفي يوم 8 من ذي القعدة 1338هـ التقى الجيشان غير المتكافئين، فالجيش الفرنسي ضخم العدد والعدة والسوريون كما نعلم، ومع ذلك ظل السوريون يجاهدون بمنتهى القوة والثبات والبطولة، وقد أبت عليهم كرامتهم أن يتركوا الأعداء يحتلون بلادهم، حتى سقط معظمهم شهيدًا في المعركة في مقدمتهم «يوسف العظمة» واحتل الفرنسيون سوريا.


إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#31

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(2)

معركة المنصورة


4 من ذي القعدة 647هـ ـ 8 فبراير 1250م

في ربيع الأول سنة 647هـ ـ 1249م تحركت الحملة الصليبية السابعة بقيادة «لويس التاسع» ملك فرنسا تجاه الشواطئ المصرية لتصل بعد أقل من شهر أمام ميناء دمياط، وكانت الأحوال وقتها في المعسكر الإسلامي شديدة الاضطراب بسبب اشتداد مرض السلطان نجم الدين أيوب وإرجاف الناس بموته، مما جعل الحامية المدافعة عن دمياط تتخلى عنها وكذلك سكانها، وهذا القرار أدى لاستيلاء الصليبيين على دمياط بكل سهولة ودون أدنى قتال.
استقبل السلطان نجم الدين أيوب نبأ سقوط دمياط بمزيج من الحسرة والألم الذي زاد من علته ولكنه تحامل على نفسه لخطورة الموقف وقام بنقل معسكره إلى مدينة المنصورة القريبة من دمياط، والتي ظهرت للوجود أول مرة منذ ثلاثين سنة فقط أيام الحملة الصليبية الخامسة على دمياط أيضًا، ومن هناك بدأت حرب عصابات قام بها المجاهدون المتطوعون من المصريين والشاميين والمغاربة، وخطفوا أعدادًا كبيرة من الصليبيين في عمليات ذكية ولا تخلو أيضًا من الطرافة والتجديد في التنفيذ، وتعددت مواكب أسرى الصليبيين المشهرة في شوارع القاهرة بالشكل الذي زاد من حماسة الناس ورفع معنويات المجاهدين.
ومع ارتفاع وتيرة حرب العصابات ضد المعسكر الصليبي بدمياط، قرر الملك لويس التاسع ورغم معارضة كثير من قواده تنفيذ خطة الزحف صوب القاهرة والتي ولابد أن تبدأ باحتلال المنصورة، وفي هذه الأوضاع الخطيرة توفي السلطان نجم الدين أيوب في 15 شعبان 647هـ فكتمت زوجته شجرة الدر الخبر وكان نجم الدين قد رتب أمور الحكم معها قبل وفاته وأوصاها بكتمان خبر وفاته حتى لا يفت ذلك في عضد المجاهدين، وفي المقابل استعد الصليبيون لاقتحام المنصورة وذلك بعدة فرق عسكرية، فرقة فرنسية يقودها الكونت «آرتوا» شقيق لويس التاسع، وفرقة الدواية أو فرسان المعبد المشهورون بقسوتهم ووحشيتهم، وفرقة من الفرسان الإنجليز، وكان بين الفرق الثلاثة نوع من التنافس.
كان المعسكر الإسلامي بالمنصورة تحت قيادة الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري والذي وضع خطة ذكية لقتال الصليبيين في رحاب مدينة المنصورة، وذلك عن طريق وضع عدة كمائن داخل المدينة وطلب من الأهالي البقاء في منازلهم دون أدنى حركة انتظارًا لإعطاء إشارة الهجوم، وفي يوم 4 من ذي القعدة سنة 647هـ ـ 8 فبراير 1250م، دخلت الفرق الصليبية الثلاثة مدينة المنصورة فوجدوها صامتة وشوارعها خالية فظنوا أن حاميتها وأهلها قد فروا منها مثلما حدث بدمياط، فانطلقوا يمرحون ويزهون في طرقاتها وهم يبحثون عن الغنائم والأسلاب وتحدوهم رغبة عارمة في ارتكاب واحدة من المذابح البشرية التي اشتهروا بها، وفجأة انقض عليهم المسلمون مثل الصواعق المحرقة وأطبق عليهم فرسان المماليك وأهل المنصورة والمتطوعون من كل ناحية، فأصيب الصليبيون بالذعر والاضطراب الشديد وتبعثرت قواتهم, وقد وضع الأهالي المتاريس لعرقلة فرار الصليبيين، وانقشع غبار المعركة عن عدد كبير من القتلى في مقدمتهم الكونت المغرور «آرتوا» ومن استطاع الفرار من القتل كان مصيره الغرق في مياه النيل، وكان هذا النصر مقدمة للنصر الأكبر يوم فارسكور في 3 محرم سنة 648هـ.



إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#32

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(2)

معركة أنوال



وقعت بلاد المغرب فريسة للاستعمار الإسباني والفرنسي المشترك، حيث احتل الإسبان شمال المغرب واحتل الفرنسيون جنوب المغرب، وكان الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي أول من قاد المقاومة المغربية ضد الاحتلال الإسباني، وقد تزعم قبيلة «ورياغل» واتخذ من بلدة «أغدير» عاصمة له، وقد حاول الإسبان أول الأمر استعراض قوتهم، فقام الجنرال «سلفستر» قائد قطاع «مليلة» بحشد قوة عسكرية كبيرة، واتجه بها نحو منازل قبيلة «ورياغل» واحتل مدينة «أنوال» فأرسل إليه الأمير محمد يحذره من التقدم أكثر من ذلك، فلم يبال الجنرال بهذه التحذيرات واحتقرها ثم واصل تقدمه مسافة اثني عشر كيلو مترًا بعد مدينة «أنوال».
اقترب الإسبان من بلدة «أغدير» فقام الأمير محمد بهجوم معاكس داهم به الإسبان في 25 شوال 1339هـ ـ 1 يوليو 1921م دحر فيه القوات الإسبانية وردهم على أعقابهم حتى أخرجهم من مدينة «أنوال» التي احتلوها من قبل، وأبيد الجيش الإسباني عن بكرة أبيه، واعترفوا بمقتل خمسة عشر ألف جندي وخمسمائة وسبعين أسيرًا، وكميات كبيرة من العتاد الحربي منها: 30 ألف بندقية، 400 مدفع رشاش، 129 مدفع ميدان، ولم ينتبه الأمير محمد إلى ما أدركه من نصر كبير وحاسم، إذ لو تابع القتال لما وجد أمامه قوة ولدخل حصن «مليلة» دون مقاومة، ولأنهى وضع الإسبان في تلك النواحي بالكلية




إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#33

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(2)

معركة فارسكور وفشل الحملة الصليبية السابعة ونهاية دولة وقيام دولة


3 من المحرم 648هـ، إبريل 1250م


كانت الفكرة السائدة في أوروبا منذ أواسط القرن الثاني عشر الميلادي أن مصر ما دامت على قوتها وبأسها، فلا سبيل إلى نجاح الحملات الصليبية واسترداد بيت المقدس من المسلمين الذين نجحوا في استعادته، من الصليبين مرة ثانية سنة 642هـ، 1244م على يد الملك الصالح أيوب.
كان هذا هو السبب الذي أدى إلى قيام الحملة الصليبية السابعة بقيادة لويس التاسع على مصر، تلك الحملة التي استعد لها الغرب المسيحي بالتنسيق بين البابا أنوسنت الرابع والملك الفرنسي لويس التاسع وشهد مجمع ليون الديني الدعوة لها سنة 646هـ، 1248م.
ولم يكن هدف تلك الحلمة إعادة الاستيلاء على بيت المقدس، أو ضرب مصر باعتبارها قاعدة حربية هامة، وإنما استهدفت هدفا بعيد المنال، يتمثل في تكوين حلف مسيحي وثني بين الصليبيين والمغول، يهدم الدولة الأيوبية في مصر والشام من ناحية، ويطوق العالم الإسلامي ويحيط به من الشرق والغرب من ناحية أخرى.
وكانت الخطة البابوية تقوم على أساس أن تهاجم الحملة الصليبية المنطقة العربية من سواحل البحر المتوسط، وأن تبدأ برنامجها العسكري باحتلال دمياط أهم مواني الحوض الشرقي للبحر المتوسط آنذاك، وفي الوقت نفسه تتقدم القوات المغولية من ناحية الشرق لتشن هجومها على المنطقة، وكانت القوات المغولية البربرية قد نجحت في اجتياح الجانب الشرقي من العالم الإسلامي.
أرسل البابا إنوسنت الرابع سفارتين إلى المغول لتحقيق هذا الغرض، غير أنهما لم يكللا بالنجاح، فقد كان لخان المغول الأعظم رأيا آخر، إذ أرسل إلى البابا يطلب منه أن يعترف له بالسيادة، ويعلن خضوعه له هو وملوك أوروبا، بل طالبه بأن يأتي إلى بلاطه جميع ملوك أوروبا لتقديم الجزية باعتباره الخان الأعظم للتتر وسيد العالم بأسره.
لم يغير فشل مشروع التحالف الصليبي المغولي من الأمر شيئا، فأبحرت حملتها في خريف سنة 646هـ، 12448م من ميناء مارسيليا الفرنسي إلى جزيرة قبرص وظلت هناك فترة من الوقت، ثم أقلعت منها في ربيع العام التالي 647هـ، 1249م وأبحرت تجاه الشواطئ المصرية بعد أن استعدت جيدا، وبلغ عدد رجالها نحو خمسين ألف جندي في مقدمتهم أخوا الملك الفرنسي شارل دي أنجو وروبرت دي أرتو.
علم الصالح أيوب بأنباء تلك الحملة وهو في بلاد الشام وترامى إليه تجمع الحشود الصليبية في قبرص، واستعدادها لغزو مصر والاستيلاء عليها فرجع السلطان إلى مصر على الرغم من مرضه، وبدأ في ترتيب أوضاعه العسكرية وتحكي المصادر التاريخية الإسلامية أن أخبار تلك الحملة بلغت السلطان الصالح أيوب عن طريق أمبراطور إلمانيا فردريك الثاني، وكانت تربطه صداقة بالأيوبيين، فأرسل رسولا من قبله تنكر في زي تاجر ليحذر الملك الصالح من تلك الحملة ولما علم الصالح أيوب أن مدينة دمياط سوف تكون طريق الصليبيين المفضل لغزو مصر عسكر بجيوشه جنوبها في بلدى أشموم طناح التي تسمى الآن أشمون الرمان بمركز دكرنس التابع لمحافظة الدقهلية وأمر بتحصين المدينة وأرسل إليها جيشها بقيادة الأمير فخر الدين يوسف، وأمره أن يعسكر بساحلها الغربي، ليحول دون نزول العدو إلى الشاطئ، فنزل هناك تجاه المدينة وأصبح النيل بينه وبينها.
وصل الأسطول الصليبي إلى المياه المصرية أمام دمياط (20 من صفر 647هـ، من يونيو 1249م) وفي اليوم التالي نزل الصليبيون إلى البر الغربي للنيل، ووقعت بينهم وبين المسلمين مناوشات انسحب بعدها الأمير فخر الدين وقواته المكلفة بحماية المدينة إلى المعسكر السلطاني باشموم طناح، ولما رأى أهالي دمياط انسحاب الحامية فروا خائفين مذعورين، تاركين الجسر الذي يصل بين البر الغربي ودمياط قائما، فعبر عليه الصليبيون واحتلوا المدينة بسهولة، وهكذا سقطت دمياط في أيدي القوات الحملة الصليبية السابعة دون قتال.
استقبل الصالح أيوب أنباء سقوط دمياط بمزيج من الألم والغضب فأمر بنقل عدد من الفرسان الهاربين، وأنب الأمير فخر الدين على تهاونه وضعفه، واضطر إلى نقل معسكره إلى مدينة المنصورة، ورابطت السفن الحربية في النيل تجاه المدينة، وتوافد على المدينة أفواج من المجاهدين الذين نزحوا من بلاد الشام والمغرب الإسلامي واقتصر الأمر على الغارات التي يشنها الفدائيون المسلمون على معسكر الصليبيين واختطاف كل من تصل إليه أيديهم، وابتكروا لذلك وسائل تثير الدهشة والإعجاب، من ذلك أن مجاهدا من المسلمين قور بطيخة خضراء، وأدخل رأسه فيها ثم غطس في الماء إلى أن اقترب من معسكر الصليبيين فظنه بعضهم بطيخة عائمة في الماء، فلما نزل لأخذها خطفه الفدائي المسلم، وأتى به أسيرا، وتعددت مواكب أسرى الصليبيين في شوارع القاهرة على نحو زاد من حماسة الناس، ورفع معنويات المقاتلين إلى السماء، وفي الوقت نفسه قامت البحرية المصرية بحصار قوات الحملة وقطع خطوط إمدادها في فرع دمياط استمر هذا الوضع ستة أشهر منذ قدوم الحملة، ولويس التاسع ينتظر في دمياط قدوم أخيه الثالث كونت دي بواتييه، فلما حضر عقد الملك مجلسا للحرب لوضع خطة الزحف، واستقروا فيه على الزحف صوب القاهرة فخرجت قواتهم من دمياط في يوم السبت الموافق (12 من شعبان 647هـ، 20 من نوفمبر 1249م) وسارت سفنهم بحذائهم في فرع النيل، وبقيت في دمياط حامية صليبية.
وفي الوقت التي تحركت فيه الحملة الصليبية توفى الملك الصالح أيوب في ليلة النصف من شعبان سنة 647هـ، 22 من نوفمبر 1249م فقامت زوجته شجرة الدر بتدبير شئون الدولة بعد أن أخفت خبر موته خوفا من حدوث فتنة بين صفوف المسلمين، وفي الوقت نفسه أرسلت إلى تورنشاه ابن زوجها وولي عهده تحثه على الرحيل مغادرة حصن كيفا، بالقرب من حدود العراق، وعلى سرعة القدوم إلى مصر ليعتلي عرش البلاد خلفا لأبيه.
تسربت أنباء وفاة الملك الصالح أيوب إلى الصليبيين فبدأوا في التحرك، وتركوا دمياط، وزحفوا جنوبا على شاطئ النيل الشرقي لفرع دمياط، وسفنهم تسير حذاءهم في النيل، حتى وصولوا إلى بحر أو قناة أشموم المعروف اليوم باسم البحر الصغير، فصار على يمينهم فرع النيل، وأمامهم قناة أشموم التي تفصلهم عن معسكرات المسلمين القائمة عند مدينة المنصورة.
وتعين على الصليبيين لمواصلة الزحف أن يعبروا فرع دمياط أو قناة أشموم فاختار لويس التاسع القناة، فعبرها بمساعدة بعض الخونة، ولم يشعر المسلمون إلا والصليبيون يقتحمون معسكرهم، فانتشر الذعر بين الجند المصريين، واقتحم الصليبيون بقيادة روبرت أرتوا أحد أبواب المنصورة، ونجحوا في دخول المدينة وأخذوا يقتلون المصريين يمينا وشمالا حتى وصلت طلائعهم إلى أبواب قطر السلطان نفسه، وانتشروا في أزقة المدينة، حيث أخذ السلطان يرمونهم بالأحجار والطوب والأسهم.
وبينما هم على هذا الحال وظنوا أن النصر صار بين أيديهم حقيقة لا خيالا واطمأنت نفوسهم إلى هذا النجاح والظفر، انقض المماليك البحرية بقيادة بيبرس البندقداري على الصليبيين وهم في نشوتهم وغرورهم، فانقلب نصرهم إلى هزيمة، وأوسعهم المماليك قتلا حتى أهلكوهم عن آخرهم تقريبا بما في ذلك الكونت أرتوا نفسه.
وفي اليوم التالي لمعركة المنصورة عقد الأمير فارس الدين أقطاي القائد العام للجيش المصري مجلس الحرب، عرض فيه على ضباطه معطف الكونت أرتوا ظنا منه أنها سترة الملك، وأعلن أن مقتل الملك يتطلب مهاجمة الصليبيين على الفور، مبررا ذلك بقوله، أن شعبا بدون ملك، جسم بلا رأس، لا يخشى منه خطر، وعلى ذلك أعلن أنه سيهاجم الجيش الصليبي بلا تردد.
وفي فجر يوم الجمعة 8 من ذي القعدة 647هـ، 11 من فبراير 1250م بدأ الجيش المصري هجومه على معسكر الفرنج، واستخدم المماليك النار الأغريقية في هجومهم، لكن الملك لويس تمكن من الثبات بعد أن تكبد خسائر فادحة، وبذلك انتهت معركة المنصورة الثانية، وهي المعركة التي أيقن الصليبيون بعدها أنهم لن يستطيعوا البقاء في مراكزهم، وأن عليهم الانسحاب إلى دمياط قبل فوات الأوان.
لم تمض أيام بعد هذه المعركة حتى وصل تورانشاه في 23 من ذي القعدة 674هـ، 27 من فبراير 1250م وتولى قيادة الجيش، وأخذ في إعداد خطة لإجبار الملك لويس التاسع على التسليم، بقطع خط الرجعة على الفرنسيين، فأمر بنقل عدة سفن مفككة على ظهور الجمال وإنزالها خلف الخطوط الصليبية في النيل.
بهذه الوسيلة تمكنت الأساطيل المصرية من مهاجمة السفن الصليبية المحملة بالمؤن والأقوات، والاستيلاء عليها وأسر من فيها، وأدى هذا إلى سوء الحال بالفرنسيين، وحلول المجاعة بمعسكرهم وتفشى الأمراض والأوبئة بين الجنود، فطلب لويس التاسع الهدنة وتسليم دمياط في مقابل أن يأخذ الصليبيون بيت المقدس وبعض بلاد ساحل الشام ، فرفض المصريون ذلك وأصروا على مواصلة الجهاد.
لم يجد الصليبيون بدا من الانسحاب إلى دمياط تحت جنح الظلام، وأمر الملك بإزالة الجسر الذي على قناة أشموم، غير أنهم تعجلوا أمرهم، فسهوا عن قطع الجسر، فعبره المصريون في الحال، وتعقبوا الصليبيين، وطاردوهم حتى فارسكور، وأحدقوا به من كل جانب، وانقضوا عليهم انقضاض الصاعقة، وذلك في يوم الأربعاء الموافق 3 من المحرم سنة 648هـ، إبريل 1250م وقتلوا منهم أكثر من عشرة آلاف، وأسر عشرات الألوف، وكان من بين الأسرى أنفسهم الملك لويس التاسع نفسه، حيث تم أسره في قرية منية عبد الله، شمال مدينة المنصورة، وتم نقله إلى دار ابن لقمان، حيث بقى سجينا فترة من الزمان في دار القاضي فخر الدين ابن لقمان.
ومهد هذا الانتصار للمماليك البحرية الذين أبلوا بلاء حسنا، في مقاومة تلك الحملة أن يقيموا دولتهم على أنقاض الدولة الأيوبيين، في مصر فلم يكد يمضي شهر من تحقيق هذا النصر حتى تخلص المماليك من تورنشاه بالقتل، وأقاموا شجر الدر سلطانة على مصر، وكان ذلك إيذانا ببزوغ عصر دولة سلاطين المماليك في مصر والشام.‏


إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#34

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(2)

معركة حنين



10 شوال 8هـ



مفكرة الإسلام: كان لفتح مكة في رمضان سنة 8هـ وبهذه الصورة القوية والمباغتة أثر بالغ في تحريك ضغائن القبائل العربية المنافسة لمضر عمومًا وقريش خصوصًا، وكانت بطون قيس عيلان بالأخص في حالة عداء تقليدية وقديمة مع بطون مضر، لذلك لما فتح المسلمون مكة، اجتمعت قبائل هوازن وثقيف وبني هلال، وقررت محاربة المسلمين مدفوعة بعداوة الإسلام وعداوة القبلية والعصبية.


قرر القائد العام لتحالف مشركي هوازن وثقيف «مالك بن عوف» أن يسوق مع الجيش الأموال والعيال والنساء ليزيد ذلك من حماس المشركين في القتال ويجعلهم يقاتلون حتى الموت، إن لم يكن للنصر فللدفاع عن الحرمات، وسار جيش التحالف الشركي حتى وصل إلى وادي أوطاس وهو على مسيرة يوم من مكة تقريبًا، ولم يعجب هذا الرأي أحد قادة الجيش المجربين ذوي الخبرة وهو «دريد بن الصمة» ولكن مالك بن عوف أصر عليه، وهدد بالانتحار إذا لم يطيعوه، فأطاعوه على سفاهة رأيه، ولُقب من بعدها بالأحمق المطاع.


وصلت أخبار هذا الجيش للرسول r، فاستعد بجيش كبير يضم كثيرًا من مسلمة الفتح الذين لم يدخل الإسلام في قلوبهم بصورة كاملة، وكان الجيش كبيرًا بصورة أعجبت كثيرًا من المسلمين، وداخلهم الثقة الكاملة لحد الغرور من النصر الكاسح على المشركين، وانزعج الرسول r من مقولة بعضهم: «لن نغلب اليوم من قلة».


قام «مالك بن عوف» بوضع جيشه على شكل كمائن في مداخل ومضايق وشعب وادي حنين وقد سبق المسلمين لهذا الوادي، ووضع خطته على مفاجأة المسلمين بالسهام القاتلة، وفي يوم 10 شوال سنة 8هـ وعند السحر دخل المسلمون وادي حنين وهم لا يدرون بوجود كمناء العدو، وفجأة انهالت السهام عليهم من كل مكان والعدو يهجم عليهم هجمة رجل واحد، فأصيب المسلمون بالدهشة المربكة وتراجعوا بدون نظام، فركبوا بعضهم بعضًا من شدة الصدمة، وصاح بعض حديثي العهد بالإسلام مثل أبي سفيان بن حرب وكلدة بن الجنيد بما في صدورهم وعندها قام الرسول r بعمل جريء، إذ عرض نفسه لمخاطرة كبيرة، إذ انحاز إلى جهة اليمين ثم نادى على المسلمين، وخصص النداء بالمهاجرين والأنصار وأهل بيعة الرضوان، حتى اجتمع عنده مائة من خاصة أصحابه، فقال النبي r: «الآن حمي الوطيس» ثم أخذ قبضة من تراب الأرض ورمى بها في وجوه القوم وقال: «شاهت الوجوه» ولم تمر سوى ساعات قلائل حتى انهزم العدو هزيمة منكرة، وفروا إلى عدة أماكن مختلفة، فطائفة إلى «أوطاس» وأخرى إلى «نخلة» ومعظم الفارين إلى حصون الطائف، فأرسل الرسول r عدة فرق لمطاردة الفارين، وذلك من أجل منعهم من التجمع ومعاودة الهجوم على المسلمين.


استطاعت فرق المطاردة القضاء على الفارين، وبعدها اتجه الرسول r والمسلمون مباشرة إلى الطائف حيث منازل وحصون ثقيف، وقد لجأ إليها «مالك بن عوف» ومعظم الفارين، وضربوا على الطائف حصارًا شديدًا، وقع خلاله مناوشات حامية بين المدافعين عن الحصن والمسلمين، حدثت خلالها إصابات كثيرة للمسلمين جعلتهم يغيرون مكان معسكرهم. حاول الرسول r الضغط على المحاصرين بقطع حدائق أعنابهم، فسألوه أن يدعها لله والرحم، فتركها لله والرحم، ثم أعلن أن من خرج من عبيد ثقيف للمسلمين فهو حر، فخرج إليهم ثلاثة وعشرون رجلاً، ثم حاول الهجوم بشدة ولكن أهل الحصن قد أعدوا فيه ما يكفيهم لحصار سنة، وبعد المشاورة قرر الرسول r الرجوع ورفع الحصار عن الطائف.


ولما عاد رسول الله r بعد رفع الحصار عن الطائف، مكث بالجعرانة، وهو المكان الذي تم تجميع فيه غنائم حنين، وكانت كبيرة وضخمة بالمقارنة بغنائم المعارك السابقة، فقام الرسول r بتوزيعها على رؤساء القبائل وأشراف مكة والمؤلفة قلوبهم، وأفاض في العطاء، حتى ازدحم عليه الأعراب والناس طمعًا في المـال، ولم يعط النـبيr للأنصار من هذه الغنيمة الضخمة شيئًا، فوجد الأنصار في أنفسهم من هذا الأمر وتكلموا فيه حتى كثرت فيهم القالة، فجمعهم النبي r ووعظهم موعظة بليغة مؤثرة أزالت من نفوسهم أي أثر للحزن ووجد النفوس.


وأنزل الله عز وجل في أحداث غزوة حنين وما جرى فيها للمسلمين من إعجاب بالنفس آيات من الذكر الحكيم في سورة التوبة، ليتأسى المسلمون بهذه الحادثة العظيمة وما فيها من دروس وعبر.



إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#35

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(2)

غزوة بدر



نزل الإذن للمسلمين بالقتال بعد الهجرة، وذلك لحماية الدولة الإسلامية الوليدة من محاولات مشركي قريش الدءوبة لتقويض هذه الدولة، وقد اتبع الرسول r سياسة حكيمة في القتال تعتمد على إضعاف القوة الاقتصادية لقريش بالإغارة على القوافل التجارية المتجهة إلى الشام، وانطلقت شرارة السرايا القتالية في رمضان سنة 1هـ.
وقد نقلت الاستخبارات النبوية خبر قافلة تجارية ضخمة لقريش يقودها أبو سفيان بن حرب، فحاول المسلمون إدراكها قبل أن تذهب للشام ففاتهم اللحاق بها، فندب الرسول r الناس للخروج لأخذها وهي عائدة، فخرج زيادة عن ثلاثمائة مسلم معظمهم من الأنصار، ولم يكن معهم سوى فرسين، وكل ثلاثة يتعاقبون على بعير، وكانوا لا يظنون أنهم سيلقون جيشًا كبيرًا في بدر.
وصلت الأخبار لأبي سفيان بن حرب فقام بعمل مزدوج شديد الذكاء، حيث غير مسار القافلة، ثم أرسل يخبر قريشًا بالأمر، فاستعد المشركون لحرب المسلمين بجيش يقوده أبو جهل وسادة قريش وتعدادهم ألف مقاتل، واشتركت فيه كل بطون قريش عدا بني عدي، وقد تمثل لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك سيد بني كنانة، ليحفزهم على قتال المسلمين، وقال لهم: {إِنِّي جَارٌ لَكُمْ}[الأنفال:48].
عرف المسلمون حقيقة الأمر، وأنهم أمام مواجهة غير متوقعة مع جيش كبير، وقد فاتتهم القافلة فأراد الرسول r أن يتعرف على رأي المهاجرين والأنصار في القتال، فسمع ما يسره من كليهما وتم اختيار مكان القتال وبشرهم الرسول بالظفر، وحدد الرسول مصارع المشركين، للتأكيد على نصر الله عز وجل للمسلمين، وبنى المسلمون للرسول عريشًا يمكث فيه أثناء القتال لمتابعة سير المعركة ويمكث الرسول ليلة المعركة في الصلاة والدعاء والاستغفار، وقد نزل في هذه الليلة مطر خفيف على المسلمين وشديد على المشركين.
في هذه الليلة وقعت بوادر انشقاق داخل صف المشركين وحاول حكيم بن حزام وعتبة بن ربيعة إثناء الناس عن القتال، ولكن أبا جهل أجهض هذه المحاولات وأزكى حفائظ الناس حتى استوثقوا على القتال، وفي يوم الجمعة 17 رمضان سنة 2هـ، كان يوم الفرقان، اليوم الخالد في تاريخ هذه الأمة، حيث اللقاء الأول الكبير بين جند الرحمن بقيادة الرسول r ومعهم جبريل وميكائيل في جيش من الملائكة الأطهار، وجند الشيطان بقيادة أبي جهل ومعهم إبليس لعنه الله، وخرج ثلاثة من فرسان المشركين هم عتبة بن ربيعة وولده الوليد وأخوه شيبة يطلبون المبارزة، فخرج إليهم ثلاثة من المهاجرين حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث، فقُتل المشركون الثلاثة، ثم اندلع القتال الشامل التي تجلت فيه نوادر البطولة والفداء في عدة مواقف يطول شرحها مثل موقف عمير بن الحمام، ومعاذ ومعوذ ابني عفراء، وعوف بن الحارث، وأبي عبيدة بن الجراح، وعمر بن الخطاب ومصعب بن عمير.
وانتهت المعركة بنصر عظيم للمؤمنين، أنزل الله عز وجل فيه قرآنًا يتلى إلى يوم القيامة، في سورة الأنفال، وسماه الله عز وجل يوم الفرقان، وتثبتت به دعائم دولة الإسلام الوليدة في المدينة.


إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#36

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(2)

معركة أكتوبر المجيدة


10 رمضان 1393هـ ـ 6 أكتوبر 1973م

إنها واحدة من اللقاءات الحاسمة والفاصلة في تاريخ الصراع الإسلامي واليهودي، بل هي تعتبر آخر الحروب بين المسلمين واليهود، إذ دخلت بعده في نفق مفاوضات السلام وشرك الاتفاقيات والمعاهدات التي مزقت وحدة المسلمين وأضاعت كل مكتسباتهم السابقة.
كما هو معلوم أسفرت حرب سنة 1967م عن احتلال اليهود لسيناء وهضبة الجولان والضفة الغربية والقدس، وأصبح على دول الطوق «مصر وسوريا والأردن ولبنان» تبعة كبيرة ومسئولية جسيمة نحو تحرير الأجزاء المحتلة من بلادها، وكانت الأنظار والعيون متجهة نحو مصر بحكم أنها زعيمة العالم العربي والإسلامي، وأقوى دولة عربية، وهذا ما شعرت به إسرائيل فشحنت أرض سيناء بكميات ضخمة من السلاح والعتاد، وأقامت خط بارليف الحصين والذي كان يعد من أقوى الخطوط الدفاعية في العالم، وقامت بتلغيم قناة السويس بقنابل النابالم الحارقة لمنع أي محاولة للعبور.
تم التنسيق المحكم بين مصر وسوريا على الهجوم المشترك على الجبهتين المحتلتين في سيناء وهضبة الجولان بحيث يصاب العدو اليهودي بالارتباك والاضطراب، وفي يوم 10 رمضان 1393هـ الموافق 6 أكتوبر 1973م، وكان يوم عطلة الغفران عند اليهود وتحديدًا في الساعة الثانية ظهرًا، قامت 220 طائرة مصرية بعبور قناة السويس على ارتفاع منخفض، ثم ضرب أهداف العدو في عمق سيناء خاصة مركز القيادة والمطارات ومواقع الدفاع الجوي ومراكز الإرسال والرادار.
بعد ذلك بخمس دقائق أي في الثانية وخمس دقائق بدأت ألفا قطعة مدفعية ولواء صواريخ أرض أرض بصب حمم نيران مهولة على أرض سيناء، ووقعت خسائر ضخمة عند العدو اليهودي أجبرته على التراجع ونزول الدشم والملاجئ، مما مكن الجيوش البرية المصرية لأن تقتحم قناة السويس وتنزل على الضفة الشرقية للقناة وتقوم بعمل ثغرات وفتحات عميقة في خط بارليف المنيع، ورفعت الأعلام المصرية على الضفة الشرقية والجنود تصيح بأعلى صوت «الله أكبر»، وخلال أقل من يوم تم عبور قناة السويس واقتحام خط بارليف ونزول 80 ألف مقاتل مصري بكامل أسلحتهم على الضفة الشرقية.
أفاقت دولة إسرائيل المتغطرسة من هول الصدمة وحاولت القيام بهجوم عكسي بالطائرات والدبابات، ودارت أشرس المعارك البرية في التاريخ بين الدبابات المصرية واليهودية أسفرت عن نصر حاسم للمصريين، مما دفع «جولدا مائير» رئيسة الوزراء اليهودية لطلب النجدة من الولايات المتحدة الأمريكية التي استجابت على الفور وقامت بإرسال جسر جوي يعتبر الأكبر في التاريخ، ومعه أحدث الأسلحة والقنابل المتطورة، وقامت طائرات الاستطلاع الأمريكية بتصوير جبهة القتال وتحديد مراكز المصريين ومد اليهود بمعلومات مهمة عنها، مما أدى لوقوع حادثة الثغرة الشهيرة عند منطقة الدفرسوار جنوب الإسماعيلية وتراجع المصريين في القتال.
استمر القتال على الجبهتين السورية والمصرية حتى يوم 3 شوال، ثم توقف بعد تدخل الأمم المتحدة التي أصدرت قرارات بوقف إطلاق النار بين الجانبين، ولقد تركت هذه الحرب آثارًا مهمة ونتائج خطيرة بالنسبة لمصر وإسرائيل والدول العربية والإفريقية والدولية، وبرز دور البترول العربي كسلاح خطير وفعال عندما قامت الدول العربية وعلى رأسها السعودية والإمارات بقطع إمدادات البترول عن أمريكا؛ لأنها ساعدت إسرائيل في الحرب، وسرت روح من الوحدة والتضامن بين العرب، ولكن للأسف لم تستمر طويلاً، إذ تمزقت على مائدة مفاوضات كامب دايفيد بعد ذلك



إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#37

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(2)

معركة كورسيكا البحرية

7 رمضان 960هـ ـ 7 أغسطس 1553م

مفكرة الإسلام: بلغت الدولة العثمانية أقصى اتساعها وأوج قوتها في عهد السلطان سليمان القانوني (926 ـ 972)، وأصبحت أقاليم الدولة ممتدة في قارات العالم القديم الثلاثة، وذلك بفضل قوة الأساطيل البحرية العثمانية وقادتها العظام أمثال خير الدين بربروسا، وطرغوت، وقلج علي وغيرهم، وهذه القوة دفعت «فرانسوا الأول» ملك فرنسا لأن يتحالف مع العثمانيين، للوقوف ضد «شارلكان» إمبراطور الإمبراطورية الرومانية المقدسة! وألد أعداء «فرانسوا الأول» وذلك سنة 941هـ.
استمرت سياسة التقارب الفرنسي العثماني، وأخذت أشكالاً كثيرة، منها الامتيازات الاقتصادية والإعفاءات الجمركية والتجارية، ولكن أهم وأخطر أشكال هذا التقارب تمثل في التعاون العسكري وخاصة في المجال البحري بين العثمانيين والفرنسيين، وقد قام القبطان خير الدين بربروسا بقيادة الأساطيل العثمانية والفرنسية لمعارك ناجحة وحاسمة ضد إسبانيا وإمبراطورها شارلكان، وذلك سنة 951هـ ـ 1544م، وهي المعارك التي جلبت السخط الصليبي الأوروبي على الفرنسيين عمومًا وفرانسوا الأول خصوصًا، وكان هنري الأول بن فرنسوا وولي عهده من أشد الناقمين على سياسة أبيه. فلما مات فرنسوا وخلفه «هنري الأول» جدّد المعاهدة مع العثمانيين، ولكنه حاول أن يتفادى مسألة التعاون العسكري خاصة في أوروبا، ولكن السلطان العثماني سليمان القانوني أصر عليها، اضطر هنري الأول للموافقة، وذلك سنة 959هـ، وبعد ذلك بشهور خرجت أساطيل الدولتين بقيادة أمير البحار «طرغوت»، وكان الهدف صقلية وجنوب إيطاليا للإغارة على أملاك ملك إسبانيا «فيليب الثاني» وإنقاذ آلاف الأسرى المسلمين المحتجزين بالجزر الإيطالية([1]).
وفي يوم 7 رمضان سنة 960هـ ـ 17 أغسطس 1553م نجحت الأساطيل المشتركة في فتح جزيرة كورسيكا بعد معركة بحرية قوية ضد أساطيل إسبانيا وأساطيل البندقية المتحالفة معها، وتحرير سبعة آلاف أسير مسلم هناك كانوا على وشك البيع كعبيد بأسواق أوروبا، ولكن هنري الأول ملك فرنسا أوعز إلى قائده المساعد للقائد العام طرغوت، بأن يفتعل مشكلة تكون سببًا لإنهاء هذه الحملة والعودة إلى فرنسا، ومن ثم تكون مبررًا لوقف التعاون العسكري بين الدولتين، وهو ما تم بالفعل وأدى لخروج العثمانيين من الجزيرة بعد فتحها

إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#38

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(2)

معركة أم دويكرات


21 رجب 1317هـ ـ 24 نوفمبر 1899م

قامت الثورة المهدية بالسودان سنة 1299هـ، ضد الوجود الإنجليزي والمصري المشترك, وبسبب السياسات الاستعمارية الصليبية للحاكم الإنجليزي للسودان «جوردن» الذي حارب المسلمين وقرّب الوثنيين وعمل على بث الفوضى والاضطرابات في البلاد، وكان «محمد بن عبد الله المهدي» هو القائد والمحرك لهذه الثورة، والتي نجحت في السيطرة على معظم أجزاء السودان وكللوا نجاحهم بدخول الخرطوم عاصمة البلاد وقتلوا «جوردن الصليبي» واهتزت إنجلترا لمصرعه، وجاءت الأوامر الإنجليزية للمصريين، وتم الانسحاب سنة 1301هـ، وتوفي زعيم الثورة المهدية «محمد بن عبد الله» في أواخر 1303هـ، وخلفه «عبد الله التعايشي» وجاءت على البلاد سنوات عجاف.
لم يكن انسحاب الإنجليز والمصريين من السودان نهائيًا بل للعودة مرة أخرى, وهذا ما بدأ بالفعل سنة 1313هـ ـ 1896م، عندما تحرك الجيش المصري تحت قيادات إنجليزية، وقد بلغ تعداد الجيش المصري عشرة آلاف جندي تحت قيادة [كتشنر] الإنجليزي، وحقق الجيش عدة انتصارات على قوات المهديين دفعت العديد من زعماء القبائل مثل قبيلة الجعليين والكبابيش لطلب الاتصالات مع الإنجليز لعودة الحكم المصري للسودان.
تساقطت المدن السودانية الواحدة تلو الأخرى إما بالسلاح وإما بالاستيلاء, وتقدم الإنجليز بجنودهم المصريين نحو الجنوب وانتصروا على جيش كبير للمهديين عند [كرري] سنة 1316هـ ـ 1898م، وقتل في المعركة عشرة آلاف من أنصار الثورة المهدية من بينهم يعقوب أخو الخليفة عبد الله التعايشي ومحمد بن المهدي واستولى الجيش على الخرطوم.
حاول عبد الله التعايشي السير إلى جبال النوبة للاعتصام بها، فهي متشعبة الدروب، وعرة المسالك، ولكنه لاقى مقاومة عنيفة من القبائل الوثنية، فتحول إلى بلدة [قدير] دار الهجرة الأولى لزعيم الثورة المهدية «محمد بن عبد الله» واعتصم بها استعدادًا للهجوم على «أم درمان».
وصلت أخبار هجوم المهديين على «أم درمان» للإنجليز، فأرسل [كتشنر] ثمانية آلاف جندي لصد هجوم المهديين، وفي يوم 21 رجب سنة 1317هـ ـ 24 نوفمبر 1899م، وعند قرية [أم دويكرات] دارت معركة شرسة بين الطرفين انتهت بهزيمة المهديين ومقتل خليفتهم [عبد الله التعايشي] وكثير من جنوده, وبذلك عادت السيطرة الإنجليزية على أرض السودان، ولكن الحركة المهدية والتي عرفت باسم الأنصار ظلت قائمة كحركة دينية وسياسية حتى الآن.





إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#39

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(2)

معركة دمياط


19 رجب 618هـ

أو ما يعرف تاريخيًا بالحملة الصليبية الخامسة على بلاد الإسلام، وهذه المعركة هي أشبه ما يكون بالملاحم الأسطورية التي تروى كضرب من الخيال والإمتاع، ذلك لأنها استمرت أكثر من ثلاث سنوات، وكان بابا روما «أنوسنت الثالث» يخطط ويدبر لحملة صليبية جديدة على بلاد الإسلام بعد وفاة الناصر صلاح الدين, وبالفعل انطلقت الحملة الصليبية الرابعة سنة 600هـ، ولكنها غيرت مسارها واتجهت إلى القسطنطينية لإخضاع الكنيسة الشرقية الأرثوذكسية لسلطان الكنيسة الغربية الكاثوليكية، وبالجملة فشلت هذه الحملة فشلاً ذريعًا, لذلك نجد معظم المؤرخين الأوروبيين يعرض عن ذكر هذه الحملة ولا يضعها أصلاً في عداد الحملات الصليبية.
ولم يفت الفشل الذريع لهذه الحملة في عضد البابا «أنوسنت الثالث» الذي أخذ في التحضير لحملة جديدة على بلاد الإسلام يشترك فيها من لم تتلطخ يداه في الحملة السابقة، فلبى النداء كل من «ليوبولد» ملك النمسا، و«أندريه الثاني» ملك المجر، و«بهمايو» ملك قبرص وغيرهم، وقد تقرر تغيير خط سير الحملات المعتادة, حيث كانت مصر هي الهدف هذه المرة وليست الشام, وذلك لأسباب عديدة منها ضرب مركز الثقل في العالم الإسلامي وهي مصر, ومنها رغبة المدن التجارية الإيطالية في السيطرة على تجارة البحر المتوسط, وضرب التجارة المصرية في عقر دارها بالاستيلاء على ميناء دمياط الذي كان أهم موانئ الشرق، وأهمها بالتأكيد استعادة بيت المقدس.
وقبل أن تنطلق الحملة الصليبية الخامسة هلك البابا «أنوسنت الثالث» وخلفه البابا «هونوريوس الثالث» الذي أراد أن يؤكد على نفوذ وسيادة الكنيسة الكاثوليكية على الحملة، فأرسل الكاردنيال البرتغالي «بلاجيوس» ليكون القائد العام للحملة على الرغم من انعدام الخبرة والكفاءة الحربية لهذا الرجل، وهذا ما سيدفع الصليبيون ثمنه غاليًا بعد ذلك.
كانت بلاد الشام ومصر في هذه الفترة تحت حكم الأسرة الأيوبية وكبيرها الملك العادل أبي بكر الأيوبي وهو أخو الناصر صلاح الدين ورفيق كفاحه وشريك جهاده ضد الصليبيين، فلما وصلت أخبار الحملة الصليبية الخامسة للملك العادل وكان بالشام وقتها أسرع وعسكر بجنوده عند مدينة «بيسان» بالأردن, ذلك لأن الحملة الصليبية قد نزلت بميناء «عكا» وكان ما يزال وقتها تحت السيطرة الصليبية, ولم تكن الحملة وقتها تنوي التوغل في بلاد الشام بل كانت تنوي الانتقال من «عكا» إلى «دمياط», ولكن حدث أن انفصل ملك المجر «أندريه الثاني» ومعه عدد كبير من الصليبيين عن الحملة وعاد إلى بلاده, فضعفت الحملة وانتظرت قليلاً حتى يأتيها الإمدادات من غرب أوروبا.
خلال هذه الفترة أخذ الصليبيون في الإغارة على قرى ومدن الشام لجمع المؤن والأموال, والملك العادل الأيوبي لا يقوى على ردهم لضخامة جيوشهم، وعاثوا في الشام فسادًا، في حين اجتهد العادل الأيوبي وبنوه الأمراء الثلاثة [محمد ـ موسى ـ عيسى] في حفظ أهم مدن الشام من عدوان الصليبيين, وفي أول سنة 615هـ ـ 1218م، اتجهت الحملة الصليبية بكامل قوتها إلى ميناء دمياط ونزلوا على الميناء في موقع اسمه «جيزة دمياط» وهي مثالية من وجهة النظر الدفاعية وليس الهجومية، وكان هذا التحول القتالي مفاجأة مذهلة للسلطان العادل وابنه الأمير محمد الملقب بالكامل والذي كان واليًا على مصر، فخرج الأمير محمد بالجيش المصري للدفاع عن دمياط، وكان مفتاح دمياط برجًا منيعًا في غاية القوة والصلابة فيه سلاسل من حديد ضخمة تمتد بطول النيل لتمنع أي مراكب تريد الإغارة على البلاد من هذا الطريق.
ظل الوضع متجمدًا طيلة أربعة أشهر, الصليبيون يحاولون اقتحام برج السلسلة والجيش المصري يدافع عن دمياط بكل قوة حتى استطاع الصليبيون الاستيلاء على البرج بعد معركة طاحنة مع المدافعين عنه, ولما وصلت أنباء سقوط البرج للسلطان العادل الأيوبي تأوه لذلك بشدة وأصابه الحزن وقتله الهم في 7 جمادى الآخرة سنة 615هـ.
بعد سقوط برج السلسلة حاول الأمير الكامل حاكم مصر إعاقة تقدم الصليبيين، فصنع جسرًا عظيمًا أنفق عليه سبعين ألف دينار, فقاتل الصليبيون عليه قتالاً عنيفًا حتى قطعوه، فأمر الكامل بتفريق عدد من المراكب في النيل ليسد مجرى السفن, فعدل الصليبيون إلى خليج هناك يعرف بالأزرق وكان النيل يجري فيه قديمًا، فحفروه حفرًا عميقًا وأجروا فيه المياه إلى البحر المتوسط، مما يوضح مدى إصرار الصليبيين على القتال وصبرهم على ذلك، ولكن الوضع ظل متجمدًا بين الصليبيين والجيوش المصرية.
ظلت المقاومة الإسلامية للصليبيين على أشدها باسلة رائعة، ولكن وقعت حادثة غيرت مسار القتال عندما تآمر أحد الأمراء المماليك واسمه «عماد الدين ابن المشطوب» على السلطان الكامل حاكم مصر ووارث مكان أبيه السلطان العادل، وذلك من أجل عزله وتولية أخيه الأمير «الفائز» مكانه, فترك السلطان الكامل معسكر الجيش في دمياط وعاد إلى القاهرة لتدارك الفتنة، وعندما علم الجنود قرار قائدهم تركوا جميعًا المعسكر، وأصبحت المدينة مفتوحة أمام الصليبيين.
لم يكن السلطان الكامل مثل أعمامه الأبطال صلاح الدين وغيره, فلقد كان يميل للمهادنة والدعة والمسالمة, يكره القتال، شديد الذعر في ميادين القتال، بالجملة لم يكن رجل الساعة أو فارس المناسبة، فلما رأى اقتراب الصليبيين من احتلال دمياط عرض عليهم عرضًا لا يصدقه عقل حتى يرجعوا عن دمياط, حيث عرض عليهم تسليم بيت المقدس وعسقلان وطبرية وصيدا وجبلة واللاذقية وجميع ما فتحه صلاح الدين، وهكذا قرر الكامل أن يشتري السلام بالتنازل عن كل ما فتحه صلاح الدين بدماء الشهداء وجهاد السنين، ولكن...
واصل الصليبيون قتالهم حتى اقتحموا المدينة في 25 شعبان 616هـ، وارتكبوا واحدة من مذابحهم المروعة الشهيرة, قتلوا خلالها جميع أهل دمياط وطمسوا معالم الإسلام فيها, وحولوها إلى مدينة صليبية خالصة، ولكن نشب الخلاف بينهم بحيث مضى عام ونصف وهم غير قادرين على القيام بأية عمليات عسكرية حاسمة, وانتهى الخلاف إلى أن خرج القائد العسكري «حنا برين» من دمياط عائدًا إلى بلاده مغاضبًا, وأصبح الأحمق «بلاجيوس» القائد الوحيد للحملة.
خلال هذه الفترة استقرت الأمور في البيت الأيوبي واصطلح الإخوة الثلاثة [محمد الكامل ـ عيسى المعظم ـ موسى الأشرف] وانتهت المشاحنات بينهم واتفقوا على مواجهة الصليبيين، وقد عسكر السلطان الكامل عند مدينة المنصورة في مكان حصين شيده الكامل في فترة الهدوء الصليبي، ودعا الناس إلى التطوع لصد الصليبيين عن مصر، وشن المسلمون هجمات متتالية على المعسكر الصليبي وأسروا سبع سفن صليبية كبيرة والكثير من الجنود، وتضعضع موقف الصليبيين ولكن وصول قوات صليبية جديدة من ألمانيا شجع الكاردنيال الأحمق «بلاجيوس» على تنفيذ خطته للزحف نحو القاهرة بعد أن تأخرت كثيرًا, ولكنه اختار الوقت غير المناسب حيث فيضان نهر النيل، فوجد الصليبيون أنفسهم والماء قد أغرق أكثر الأرض التي هم عليها, ووجدوا أنفسهم محاصرين بالجيش المصري جنوبًا والجيش الشامي من ناحية الشمال, وهم قد تركوا معسكرهم الحصين بدمياط عندما خرجوا للقاهرة بأمر الأحمق «بلاجيوس»، وأصبح وضع الصليبيين شديد التأزم, وألقي الرعب في قلوبهم وركبتهم الذلة والصغار, واضطر المغرور «بلاجيوس» إلى طلب الصلح والهدنة، على أن يخرجوا من دمياط بغير عوض.
اختلف قادة معسكر المسلمين حول طلب الهدنة, ففي حين وافق عليها الكامل، رأى إخوته وآخرون انتهاز الفرصة والقضاء على الصليبيين، ولكن السلطان الكامل المذعور بطبعه من أي قتال وافق على العرض، وفي يوم الأربعاء 19 رجب سنة 618هـ ـ سبتمبر 1221م، دخل المسلمون المدينة, وهكذا انتهت الحملة الصليبية الخامسة بفشل ذريع وخسارة ضخمة على الرغم من غياب القيادة الإسلامية الصالحة لهذا الظرف الخطير


إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#40

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(2)

انتظرونى مع الجزء 3
إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#41

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(2)

يتصفح الموضوع حالياً : 5 (1 عدلات و 4 زائرة)
إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#42

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(2)

في انتظار عزيزتي
حصر شامل للمعارك الإسلامية
موضوع قيم

إظهار التوقيع
توقيع : mahee
#43

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(2)

منووووره غاليتى
إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#44

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(2)

رد: موسوعة معارك اسلامية(2)
إظهار التوقيع
توقيع : حياه الروح 5
أدوات الموضوع


قد تكوني مهتمة بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى
موسوعة معارك اسلامية(3) ريموووو شخصيات وأحداث تاريخية
«الحوثيون» يوسعون نفوذهم ويخوضون معارك دامية مع قبائل «حاشد» ريموووو اهم الاخبار - اخبار يومية
أكثر 5 معارك دموية في الحرب العالمية الأولى اماني 2011 شخصيات وأحداث تاريخية
طرق للتغلب على معارك الواجبات المدرسيه ريموووو العناية بالطفل
معارك زوجية ام ولودي الثقافة والتوجيهات الزوجية


الساعة الآن 12:45 AM


جميع المشاركات تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع


التسجيل بواسطة حسابك بمواقع التواصل