أسرار الأمر الإلهي بالاستعاذة :
*يقول أ.د. فريد الأنصاري* :-
إنّ اللهَ تعالى شَرَعَ لعبادِهِ أنْ يَستعيذوا عندَ إرادةِ البدءِ بتلاوةِ هذا القرآنِ العظيم،
فقال سبحانه: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ } [النحل: ٩٨]!
*فدعونا نتأمّل في بعضِ أسرارِ هذا الأمرِ الإلهي!*
إنّ العبدَ عندما يَستفتِحُ لحظاتِ الاستدرارِ لنورِ الله العظيم، تلاوةً لكتابِهِ الكريم
فإنه يخشى أنْ يسطوَ الشيطانُ على قناةِ الاتصالِ بوجدانِه فيجعلُه من الغافلين!
والشيطانُ كلُّ مُتمرِّدٍ على اللهِ من الجنِّ والإنس.
▪وإبليسُ اللعينُ رأسُ الشياطينِ في العالمين، وهو عدوٌّ مبين!
فقد تعهَّدَ لربِّ العالمين بإفسادِ الأرضِ وإضلالِ أهلِها أجميعن!
{قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ! إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ! قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ. إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ!}[الحجر: ٤٠ -٤٢].
وقد طَرَدَ اللهُ -جَلَّ جلالُه- إبليسَ من سماواتِه، ورَجَمَهُ بالشُّهُبِ الثواقب! فتَفَرَّغَ اللعينُ لهذا الكيدِ العظيم!
↙ لا يدعُ للخيرِ بدايةً إلا أَرْبَكَها بقاصفِ الوساوسِ ونيرانِ الفِتن!
فجَعَلَ الرحمنُ *"الاستعاذةَ"* لعبادِه المؤمنين، نجاةً وأمانًا مِن كلِّ شيطانٍ رجيم.
وماذا أعظمُ مِن جِوارِ اللهِ الواحدِ القهارِ سلامًا للمؤمنين؟
فالاستعاذة أمرٌ ربانيٌّ وسنةٌ نبوية *مُتضمِّنةٌ لخمسِ رسالات،*
لا بُدَّ للسائرِ إلى اللهِ - جَلَّ ثناؤه - عَبْرَ مِعْرَاجِ القرآنِ الكريم من تَلَقِّيها جميعًا، الواحدة تِلوَ الأخرى، وإلا فلا وصولَ ولا قَبولَ:
*الرسالة الأولى:*
أنه لا بَدْءَ في طريقِ الله، ولا فَتْحَ للعبدِ الطَّارِقِ أبوابَ مَعَارِجِ القرآن
إلا بإعلانِ الولاءِ للهِ الحق، والانتظامِ في صفِّ العابدين له وحده دون سواه!
وإعلانِ معاداة الشيطانِ بما هو عدوٌّ لله رب العالمين، والتبرؤِ منه ومن حزبِه وأتباعِه!
*وإنما الاستعاذةُ فتحُ عينِ القلبِ على بصيرةٍ قرآنيةٍ عُظمى، لا يجوزُ نسيانُها أبدًا!*
هي قوله تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا! إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِير!}[فاطر:٦]
‼إنّ الاستعاذةَ ليستْ مجرَّدَ عباراتٍ تُلْقَى في الهواءِ فحسب، *ولكنّها اتخاذُ موقفٍ! فتَدَبَّرْ!*
*الرسالة الثانية:*
في أنّه لا قوةَ للعبدِ على الانطلاقِ وبدءِ السيرِ إلى اللهِ والتعرُّفِ إليه تعالى؛
↩إلا بالاحتماءِ به، والالتجاءِ إليهِ ابتداءً!
فلا وصولَ إليهِ بمجرَّدِ الجُهدِ الخاصِ والكسبِ الذاتي، بل لا بُدّ مِن استدرارِ توفيقِه ورحمتِه،
فالهدايةُ والتوفيقُ والسداد، كلُّ ذلك إنما هو بيدِهِ وحدَه جلّ علاه! *وذلك من صَميمِ التوحيدِ والإخلاص.*
*الرسالة الثالثة:*
في أنّ التعبدَ بالقرآنِ تلاوةً، وتزكيةً، وتعلُّمًا وتعليمًا، لن يؤتيَ ثمارَه، ولن يُكشَفَ عن أنوارِه لعبدٍ
↙إلا إذا تبرَّأَ مِن كلِّ حولٍ وقوة، وقدَّم بين يدي تلاوتِه علامةَ الافتقارِ إلى اللهِ الغنيِّ الحميد، وهي الاستعاذةُ،
ولذلك ليس كلُّ قارئٍ للقرآنِ بقارئ! ولا كلُّ تَالٍ له بِتَالٍ! *وإنما القارئُ والتالي له هو مَن يتلوه حقَّ تلاوتِه.*
*والتحققُ بمقاصدِ الاستعاذةِ شرطٌ من شروطِ التلاوةِ الحق!*
فمَن أخطأَ حقيقتَها أو استهانَ بها عَدِمَ الثمرة، وحُرِمَ النور! فكم مِن قارئٍ يقرأُ القرآنَ وهو عليه عَمًى! والعياذُ بالله!
{قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ. وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى! أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ..!}[فصلت: ٤٤].
*تدبر القرآن العظيم*
*جامعة الفقه الإسلامي العالمية في ضوء القرآن والسنة*