3- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
((أعذر الله إلى امرئ أخَّر أجله حتى بلَّغه ستين سنة))؛ رواه البخاري.
قال العلماء:
معناه: لم يترك له عذرًا إذ أمهله هذه المدة.
يقال: أعذر الرجل إذا بلغ الغاية في العذر.
شرح الحديث:
الله - عز وجل - إذا عمر الإ*نسان حتى بلغ ستين سنة، فقد أقام عليه الحجة، ونفى عنه العذر؛ لأ*ن ستين سنة يعيش الإ*نسان فيها، يعرف من آيات الله ما يعرف، ولا* سيما إذا كان ناشئًا في بلد إسلا*مي.
لا* شك أن هذا يؤدي إلى قطع حجته إذا لا*قى الله - عز وجل - لأ*نه لا* عُذر له، فلو أنه مثلاً قصَّر في عمره إلى خمس عشرة سنة، أو عشرين سنة، لكان قد يكون له عذر في أنه لم يتمهل، ولم يتدبر الآ*يات، ولكنه إذا أبقاه إلى ستين سنة، فإنه لا* عذر له، فقد قامت عليه الحجة، مع أن الحجة تقوم على الإ*نسان من حين أن يبلغ، فإنه يدخل في التكليف ولا* يُعذر بالجهل؛ فإن الواجب على المرء أن يتعلم من شريعة الله ما يحتاج إليه؛ مثلًا: إذا أراد أن يتوضأ لا* بد أن يعرف كيف يتوضأ، وإذا أراد أن يصلي لا *بد أن يعرف كيف يصلي، وإذا صار عنده مال لا *بد أن يعرف ما مقدار النصاب، وما مقدار الواجب، وما أشبه ذلك، وإذا أراد أن يصوم لا *بد أن يعرف كيف يصوم، وما هي المفطرات، وإذا أراد أن يحج أو يعتمر، يجب أن يعرف كيف يحج، وكيف يعتمر، وما محظورات الإ*حرام، وإذا كان من الباعة الذين يبيعون ويشترون بالذهب مثلًا، لا* بد أن يعرف الربا، وأقسام الربا، وما الواجب في بيع الذهب بالذهب، أو بيع الذهب بالفضة، وهكذا إذا كان ممن يبيع الطعام، لا *بد أن يعرف كيف يبيع الطعام، ولا* بد أن يعرف ما الغش الذي يمكن أن يكون، وهكذا.
والمهم أن الإ*نسان إذا بلغ ستين سنة، فقد قامت عليه الحجة التامة، وليس له عذر، وكل إنسان بحسبه، كل إنسان يجب عليه أن يتعلم من الشريعة ما يحتاج إليه؛ في الصلا*ة والزكاة والصيام، والحج والبيوع، والأ*وقاف وغيرها، حسب ما يحتاج إليه.
وفي هذا الحديث دليل :
على أن الله - سبحانه وتعالى - له الحجة على عباده؛ وذلك أن الله أعطاهم عقولًا، وأعطاهم أفهامًا، وأرسل إليهم رسلًا، وجعل من الرسالا*ت ما هو خالد إلى يوم القيامة، وهي رسالة النبي - صلى الله عليه وسلم - فإن الرسالا*ت السابقة محدودة؛ إذ كان النبي يُبعث إلى قومه خاصة، ومحدودة في الزمن؛ حيث إن كل رسول يأتي بنسْخ ما قبله إذا كانت الأ*مة - التي أُرسِل إليها الرسولا*ن - واحدة.
أما هذه الأ*مة، فقد أرسل الله إليها محمدًا - صلى الله عليه وسلم - وجعله خاتم الأنبياء، وجعل آيته العظيمة الباقية هذا القرآن العظيم، فإن آيات الأ*نبياء تموت بموتهم، ولا* تبقى بعد موتهم إلا* ذكرى، أما محمد - صلى الله عليه وسلم - فإن آيته هذا القرآن العظيم، باقية إلى يوم القيامة؛ كما قال - تعالى -: ﴿ بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ * وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ ﴾ [العنكبوت: 49 - 51].
فالكتاب كافٍ عن كل آية لمن تدبَّره، وتعقَّله، وعرَف معانيه، وانتفع بأخباره، واتَّعظ بقصصه، فإنه يغني عن كل شيء من الآ*يات.
لكن الذي يجعلنا لا نحس بهذا الآ*يات العظيمة، أننا لا* نقرأ القرآن على وجه نتدبره ونتَّعظ بما فيه.
كثير من المسلمين - إن لم يكن أكثر المسلمين - يتلون الكتاب للتبرك والأ*جر فقط، ولكن الذي يجب أن يكون هو أن نقرأ القرآن لنتدبره ونتَّعظ بما فيه؛ ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ ﴾ [ص: 29]، هذا الأ*جر، ﴿ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ ﴾ [ص: 29]، هذه هي الثمرة، ﴿ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29]، والله الموفق. الألوكة
التوقيع لا يظهر للزوار ..
قد تكوني مهتمة بالمواضيع التالية ايضاً | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
الدعوة إلى الله وأثرها في انتشار الإسلام | لؤلؤة الحَياة | الحملات الدعوية | 12 | 18-10-2019 03:15 AM |
تكملة قصة حكاية زواج الملك بدر باسم بن | عطور الجنه | قصص - حكايات - روايات | 7 | 11-01-2019 06:52 PM |
المراهقة خصائصها ومشكلاتها | Mysterious_Liberty | فتيات تحت العشرين | 33 | 30-12-2018 05:58 PM |
الأحاديث الصحيحة فى الموت والقبر | حياه الروح 5 | السنة النبوية الشريفة | 2 | 27-12-2018 05:23 AM |
انها حلاوة الإيمان | بحلم بالفرحة | المنتدي الاسلامي العام | 1 | 23-01-2018 10:57 PM |
جميع المشاركات تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع