أو

الدخول بواسطة حسابك بمواقع التواصل

#1

افتراضي موسوعة معارك اسلامية(3)

معركة لوشة الأندلسية



27 جمادى الأولى 887هـ ـ 22يوليو 1482م


بعد أن تقلصت مساحة دولة الإسلام في الأندلس وانحصرت في مملكة غرناطة بعد سقوط حواضر الإسلام العريقة مثل طليطلة وإشبيلية وقرطبة وسرقسطة وبلنسية، تولى «بنو الأحمر» زعامة مملكة غرناطة ابتداءً من سنة 635هـ، واستمر وضع غرناطة مستقرًا فترة طويلة من الزمن بسبب قوة سلاطين بني الأحمر وقتها وحنق المسلمين بغرناطة على الصليبيين، وتعاهدهم على الصمود والكفاح ضد الأسبان، أضف لذلك المساعدة الفاعلة والأكيدة من سلاطين بني مرين في المغرب.
ولكن بعد فترة بدأ الوهن والضعف يسري في أوصال المملكة الصامدة، وذلك بعد أن سرت بين أهلها روح الترف المفسد والدعة والسكون ومسالمة الأعداء، وبعد أن دب الخلاف والشقاق بين أمراء بني الأحمر واصطرعوا على الحكم، وكان حاكم غرناطة وقتها رجل اسمه أبو الحسن علي بن سعد النصري, وكان رجلاً مشغولاً بنفسه وشهواته، شغل غرناطة بخلافاته مع أم أولاده «عائشة الحرة»، وحربها ضد زوجته الأخرى «ثريا» الحظية وأولاده منها، وفي نفس الوقت إسبانيا الصليبية تشهد أخطر مرحلة في تاريخها، إذ تزوج فرناندو ملك أراجون من إيزابيلا ملكة قشتالة، واتحدت الممالك الصليبية في إسبانيا لأول مرة في تاريخها.
بعد هذا الاتحاد شن الصليبيون عدة هجمات خطيرة ومؤثرة على غرناطة، والسلطان في غفلته ووزيره «أبو القاسم بن رضوان» يسهل له فساده ومجونه ويظلم الناس ويجمع منهم الأموال بالضرائب المجحفة, وأفاق السلطان الغافل ووزير السوء على سقوط العديد من مدن غرناطة بيد الصليبيين، وعلى ثورة المسلمين في غرناطة عليه ومطالبتهم له بإعلان الجهاد ونصرة المسلمين في مدينة «الحاقة» حيث يحاصرهم الصليبيون منذ فترة، وتحت ضغط الجماهير خرج السلطان الفاسد أبو الحسن للقتال وهو يقدم رجلاً ويؤخر الأخرى، ولكن المتطوعين من المجاهدين قد سبقوا الجيش النظامي واشتبكوا مع الصليبيين، ولكن خيانة مقصودة من الوزير ابن رضوان حالت دون فك الحصار ونجدة من فيه من المسلمين.
أدرك المسلمون الصادقون سوء نية وفعل السلطان والوزير، وساد التذمر في صفوف أهل غرناطة ووصلت أخبار هذا التذمر الشعبي للصليبيين فقرروا الهجوم على منطقة «كوشة» وهي مفتاح غرناطة من ناحية الغرب، وعندها دبت روح عارمة من التحدي والحماسة عند المسلمين وكونوا فرقًا من المجاهدين المتطوعين، وفي يوم 27 جمادى الأولى 887هـ، انقضت هذه الجموع المجاهدة المتطوعة على الجيش الصليبي رغم الفارق الكبير بين الجيشين، وأراد السلطان أبو الحسن أن يحفظ ماء وجهه ومكانته، فأرسل الجيش النظامي، وأصبح الصليبيون بين شقي الرحى الجيش النظامي من ناحية وفرق المجاهدين من ناحية، فطحنهم المسلمون بمنتهى الشدة وانتصروا انتصارًا هائلاً.
والجدير بالذكر أن هذا الانتصار كان الأخير للمسلمين على الصليبيين بالأندلس، وكان بمثابة الوهج الأخير للسراج قبل أن ينطفئ.

يتبع









إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#2

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

معركة حصن بابليون


17 ربيع الآخر 20 هـ ـ 6 أبريل 641م

مفكرة الإسلام: بعد أن تم بفضل الله عز وجل فتح بلاد الشام، استأذن عمرو بن العاص وكان أحد قادة الفتح الإسلامي للشام الخليفة الفاروق عمر في فتح مصر، فتردد عمر في بادئ الأمر, ولكن عَمرًا استطاع إقناعه بأهمية هذا الفتح وخطورته، وبدأت مسيرة الفتح المبارك في ذي الحجة سنة 18هـ ـ 639م.
كانت مدينة العريش هي أول المدن المفتوحة في أول سنة 19هـ، وتوجه عمرو وجيشه بعد ذلك إلى مدينة الفرما «شرقي بورسعيد الآن» ورغم حصانتها ومناعة أسوارها اقتحمها الصحابة بسرعة, ولكن هذا الفتح كشف للقائد المحنك عمرو بن العاص أن فتح مصر يحتاج إلى إمدادات أخرى من الخليفة فأرسل إليه بذلك المعنى، ثم واصل سيره حتى فتح مدينة «بلبيس» وتقدم إلى نهر النيل وسار بحذائه حتى وصل إلى قرية «أم دنين» وكانت مرفأ هامًا على النيل شمالي حصن بابليون, وعندما أفاق الروم المحتلون لبلاد مصر وقتها من غفلتهم وسوء تدبيرهم، وقام قائدهم الحربي «تيودور» ووالي البلاد «قيرس» بالانحياز إلى حصن بابليون المنيع وأخذا في تنظيم قواتهما وكان من الممكن الاتصال بين الحصن وحامية أم دنين بسهولة فكلاهما على النيل، وانتقلت الجنود الرومانية بيسر من بابليون إلى أم دنين لقتال المسلمين بصورة شبه يومية, فثقل ذلك على عمرو وجيشه واستعجل عمرو الإمدادات من الخليفة.
وصلت الإمدادات وصار جيش المسلمين 15600 جندي، واستعد المسلمون لاقتحام حصن بابليون عند منطقة عين شمس، ووضع عمرو خطة ذكية تقوم على استدراج الروم للقتال خارج الحصن وذلك بعد أن وضع كمينًا خلف قلعة الجبل وآخر على مقربة منه وأمرهما بالانقضاض في وقت متفق عليه، فلما خرج الرومان بأعداد كبيرة للقتال دارت معركة حامية الوطيس، ثم انقض الكمينان دفعة واحدة، واحد على مؤخرة الرومان والآخر على ميمنته، فوقعت هزيمة قاسية عليهم وقتل معظمهم وفر الباقي إلى داخل الحصن، وتسلل اليأس إلى قلوب الرومان خاصة قائدهم «قيرس» الذي حاول مفاوضة المسلمين على الرجوع نظير أموال كثيرة وهو بالطبع لا يعلم أن المسلمين ما خرجوا لدنيا ولا مال إنما خرجوا لنشر رسالة السماء، فلم تصل المفاوضات لشيء، خاصة وأن جنود «قيرس» قد امتلأت قلوبهم حقدًا على المسلمين وأصروا على مواصلة القتال للانتقام من هزائمهم المتكررة، وحاولوا الهجوم مرة بعد مرة وفي كل مرة كانت الهزيمة نصيبهم والقتل حظهم، وعزم المسلمون على اقتحام الحصن بخطة جريئة قام بها البطل الحواري الزبير بن العوام رضي الله عنه، ينهي بها حالة المطاولة الرومية للمسلمين فتسلق أسوار الحصن وهتف عاليًا الله أكبر والله لأفتحن الحصن أو لأذوقن ما ذاق حمزة بن عبد المطلب ـ يعني الشهادة ـ وتبعه مجموعة من الأبطال في عملية فدائية مثيرة واشتبكوا مع حامية الأسوار وعندها أسرع «قيرس» وفتح الأبواب وطلب الصلح والتسليم للمسلمين، فوافق عمرو بن العاص على ذلك، وتم الفتح والصلح في يوم الجمعة 17 ربيع الآخر سنة 20 هـ، وبذلك الفتح دخلت مصر في ديار الإسلام من يومها وإلى الأبد إن شاء الله.


يتبـــــع

إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#3

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

معركة الخرطوم



رد: موسوعة معارك اسلامية(3)
خريطة السودان


12 ربيع الآخر 1302 هـ ـ 28 يناير 1885م

مفكرة الإسلام: أصبحت السودان تابعة لولاية مصر ومحمد علي باشا كما نص على ذلك الفرمان العثماني 1257هـ, وعندما تولى الخديوي إسماعيل الحكم كانت الحركة الاستعمارية في عنفوانها، فخاف أن يقع السودان فريسة احتلال أوروبي فوضع خطة واسعة المدى لاستكشاف منابع النيل وحماية الوطن السوداني، ولكنه ارتكب خطأ فادحًا إذ عين رجلاً إنجليزيًا هو السير «صمويل بيكر» حاكمًا عامًا على السودان, ذلك لأن صمويل بيكر هذا كان شخصية استعمارية صليبية شديدة الحقد على المسلمين، اتبع سياسة خبيثة ترمي لهدفين: الأول هو اقتطاع منطقة منابع النيل وجعلها مستعمرة إنجليزية، والثاني الإساءة إلى أهل السودان وتأليبهم على المصريين وذلك للحد من انتشار الإسلام في جنوب السودان بعدما أصبح الشمال كله مسلمًا خالصًا، بعد انتهاء ولاية صمويل بيكر خلفه رجل لا يقل حقدًا وصليبية هو «تشارل جوج جوردون».
سار جوردون على نفس السياسة مما أدى لظهور الحركة المهدية بقيادة محمد بن عبد الله المهدي وذلك سنة 1293هـ، وبدأت الثورة المهدية تكسب أنصارًا يومًا بعد يوم حتى قويت شوكتها وبدأت في العمل والكفاح المسلح، وفي هذه الفترة احتلت إنجلترا مصر سنة 1299هـ فازدادت الحركة المهدية قوة خاصة بعدما طلب الإنجليز من الجيش المصري الخروج من السودان سنة 1301هـ، وحقق المهديون عدة انتصارات باهرة حتى دانت لهم معظم الولايات السودانية.
طلب اللورد كرومر المندوب السامي البريطاني بمصر من «جوردون» الإشراف على إخلاء السودان من القوات المصرية تمهيدًا لاحتلالها، ولكن «جوردون» رفض ذلك الطلب وأعلن أن القوات الإنجليزية والمصرية المشتركة بالخرطوم سوف تتحرك للقضاء على الثورة المهدية وكان ذلك منه غطرسة وتكبرًا دفع ثمنهما عمره ورأسه.
تحركت قوات المهدي باتجاه الخرطوم أواخر سنة 1301هـ ـ 1884م، وأرسل المهدي مندوبًا من عنده يطلب من جوردون تسليم الخرطوم، فرفض جوردون وأبى واستكبر بشدة، فضرب المهديون حصارًا شديدًا على المدينة، وعندها تحركت الحكومة الإنجليزية برياسة «جلادستون» وأرسلت قوات لنجدة المجاهدين وذلك في أوائل سنة 1302هـ ـ 1885م، وعندها قرر المهديون اقتحام المدينة فاقتحموها في 12 ربيع الآخر سنة 1302هـ, وكان رأس جوردون هي أول رأس تقطع في هذه المعركة التي أصبحت بعدها السودان كلها خاضعة للحركة المهدية، وكان لسقوط الخرطوم ومقتل جوردون رجة عظمى في إنجلترا، ولكن ثمار الحركة لم تكتمل إذ مات زعيمها بعد ذلك بقليل


إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#4

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

معركة خندق سمورة


11 شوال 327هـ ـ 1 أغسطس 939م



كان عهد الأمير عبد الرحمن الناصر في الأندلس (300هـ ـ 350هـ) من أزهى عصور الأندلس؛ حيث ازدهرت دولة الإسلام في عهده، وتفوقت في شتى الميادين على خصيمتها إسبانيا النصرانية خصوصًا في الميدان العسكري، حيث حقق المسلمون انتصارات كثيرة على نصارى إسبانيا، ذلك لأن عبد الرحمن الناصر كان يسلك طريق مبادرة الأعداء والهجوم عليهم قبل أن تقوى شوكتهم وتستفحل قوتهم، وهذه السياسة جعلت نصارى إسبانيا في حالة استنفار مستمر.


انشغل الناصر لفترة من الوقت ببعض الفتن والاضطرابات الداخلية في منطقة سرقسطة شمال شرق الأندلس، حيث حاول حاكمها «محمد بن هاشم التجيبي» الاستقلال بها عن حكومة قرطبة، وقد قضى الناصر مدة سنتين للقضاء على هذه الثورة الداخلية، وخلال هذه الفترة قام ملوك إسبانيا النصرانية بالاتحاد والتحالف فيما بينها، وقد قاد هذا التحالف الصليبي الخطير «راميرو الثاني» ملك ليون، وخصم عبد الرحمن الناصر العنيد، والذي خاض ضده الكثير من المعارك.


وبعد أن قضى الناصر على ثورة حاكم سرقسطة قرر التوجه إلى عقر دار الصليبيين ومركز تجمعهم بمملكة «ليون»، وحشد لذلك جيشًا ضخمًا يقدر بمائة ألف مقاتل، وجعل قيادته بيد قائده الصقلبي «نجدة بن حسين الصقلبي» وهذا ما أزعج القادة العرب وأوغر صدورهم، ذلك أن الناصر منذ بداية عهده قد اتبع سياسة استعمال الموالي خصوصًا الصقالبة وتقديمهم بعد أن واجهته المتاعب والثورات المتكررة من زعماء الأسر العربية العريقة بالأندلس، ولقد أسرف الناصر في هذه السياسة مما كان له أسوأ الأثر في نفوس الزعماء العرب، واتضح ذلك جليًا في أحداث هذه المعركة الحاسمة.


سار الناصر بجيشه الكبير حتى وصل إلى حدود مملكة ليون، فاقتحمها بقوة حتى وصل إلى مدينة «سمورة» عاصمة ليون، وهي مدينة في غاية المناعة ويحيط بها سبعة أسوار شاهقة البنيان، وبين الأسوار خنادق متسعة تفيض بالماء، فافتتح المسلمون منها سورين، فارتد النصارى بداخل المدينة، وحاول المسلمون اقتحام السور الثالث فهجم الصليبيون عليهم هجمة رجل واحد في 11 شوال سنة 327هـ، وعندها قام بعض زعماء العرب بخيانة عظمى؛ إذ أظهروا الفتور في القتال ثم فروا بالكلية من أرض القتال، واشتد القتال عند الخندق الثالث، وسقط الكثير من المسلمين صرعى في هذا الخندق عندما حاولوا الارتداد، وقتل نجدة الصقلبي قائد الجيش ووقع في الأسر كبار قادة الجيش الإسلامي، وقتل من المسلمين قرابة الأربعين ألفًا، وهي هزيمة لم يلق المسلمون مثلها من قبل أمام نصارى إسبانيا، والسبب الرئيس يرجع لخيانة بعض الزعماء العرب ونكولهم عن القتال، والجدير بالذكر أن الناصر قام بالقبض على نحو ثلاثمائة من الفرسان الذين فروا من القتال وأعدمهم جميعًا جزاءً وفاقًا لجريمتهم.


إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#5

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

معركة شنت ياقب


2شعبان 387هـ ـ 11 أغسطس 997م



كان عصر الحاجب المنصور [368هـ ـ 392هـ]، هو العصر الذهبي لدولة الإسلام في الأندلس، فلقد كان المنصور بن أبي عامر مجاهدًا من الطراز الأول، قضى حياته كلها غازيًا ومجاهدًا لإسبانيا النصرانية، وبلغت دولة الإسلام في عهده أوج قوتها، وأقصى اتساعها، حتى إن «المنصور» قد غزا أراضي النصارى في الشمال أكثر من خمسين غزوة، وبلغ من شغف المنصور بالجهاد أنه كان يتولى قيادة الجيوش بنفسه في جميع الغزوات، وأعظم غزوات المنصور كانت هذه الغزوة التي قادها لأقصى بقاع الأندلس.





كانت منطقة «جلَّيقية» في قاصية إسبانيا الغربية، تعتبر لنأيها ووعورتها، أمنع مناطق إسبانيا النصرانية، ولم يفكر أحد من الفاتحين المسلمين منذ أيام «طارق» أن يقصدها، ولكن «المنصور» قرر أن يفتحها، وذلك لسببين: الأول: أنها كانت ملاذًا وملجأً للثائرين والمحاربين النصارى خاصة ملوك ليون، والثاني: أنها كانت مستقرًا لمدينة «شنت ياقب» الدينية، والتي تعتبر كعبة إسبانيا النصرانية، ومزارها المقدس، ويوجد بها كما يزعم نصارى إسبانيا قبر القديس يعقوب، وقد أراد المنصور أن يضرب إسبانيا النصرانية في صميم معقلها القاصي وصميم زعامتها الروحية، بهذه الغزوة.


خرج المنصور على رأس جيش كبير في 23 جمادى الآخرة سنة 387هـ من قرطبة، وفي الوقت نفسه تحرك الأسطول الأندلسي من مرساه في مياه البرتغال الغربية، وانطلق المسلمون برًا وبحرًا كالسيل الجارف لا يقف لهم شيء إلا اكتسحوه، وفتح المنصور عدة مدن في طريقه مثل «تورية» و«يازو» و«عكرية» وهناك جاءه الكثير من الأمراء الإسبان مذعنين بالطاعة، مقرين بالجزية، بل وانضموا إلى جيش المسلمين بقواتهم، وذلك من شدة خوفهم من سطوة المنصور وقوته.





عندما وصلت أنباء الغزو الإسلامي الشامل لسكان المنطقة، فروا إلى الجزائر المقابلة للشاطئ، فعبر إليهم المسلمون وأسروهم، وواصل المسلمون تقدمهم حتى فتحوا المدينة في 2 شعبان 387هـ ـ 11 أغسطس 997م، فقام المسلمون بهدم أسوارها وصروحها وكنيستها الكبرى ولم يتعرضوا للقبر المزعوم للقديس يعقوب، وأخذ المسلمون أبواب المدينة ونواقيس الكنيسة العظمى وحملها الأسرى النصارى على كواهلهم حتى قرطبة، واستخدمت في توسيع الجامع وعلقت به النواقيس رؤوسًا للثريات الكبرى، والجدير بالذكر أن الصليبيين عندما استولوا على قرطبة سنة 646هـ أخذوا هذه النواقيس من جامع قرطبة وحملها الأسرى المسلمون على كواهلهم حتى مدينة سانت ياقب، وهكذا يثبت النصارى في مواقع كثيرة أنهم لا ينسون أبدًا هزائمهم أمام المسلمين وهي راسخة في أذهانهم وذاكرتهم، في حين أن المسلمين قد فقدوا ذاكرتهم منذ زمن بعيد


إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#6

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

معركة حمص الكبرى


14 رجب 680هـ


سطع نجم دولة المماليك في سماء البشرية عامة والأمة المسلمة خاصة، بعد أن نجحوا في وقف الانسياج الوحشي للتتار على أرجاء المعمورة كلها، وبرز الأبطال قطز ومن بعده بيبرس وظل نجم الدولة في علو حتى أصابته السنن ووقف الخلاف والشقاق بين أمراء الدولة بعد وفاة «بيبرس» حيث تولى ابنه «السعيد» مكانه ولم يكن يصلح للملك، فعزلوه وجعلوا مكانه أخاه الصغير «سلامش» ابن السابعة على أن يكون ولي أمر الأمير «قلاوون الصالحي» الذي ما لبث أن خلع «سلامش» وتولى هو سلطنة المماليك وتلقب بالملك المنصور، فلم يعجب ذلك الأمير «سنقر الأشقر» وكان من المقربين لبيبرس وفي نفس الوقت أميرًا على الشام، فأعلن نفسه سلطانًا على الشام وتلقب بالملك الكامل، وجرت خطوب كثيرة، واقتتل المسلمون فيما بينهم، ونسوا عدوهم الأصلي الرابض على الطرف الآخر من نهر الفرات «التتار».





ولما دخلت سنة 679هـ كانت مهزلة تفرق المسلمين على أشدها «فقلاوون الصالحي» الحاكم على مصر وبعض بلاد الشام، «وسنقر الأشقر» الحاكم على دمشق وأعمالها، و«مسعود بن الظاهر» الحاكم على الكرك، و«ناصر الدين محمد بن تقي الدين» الحاكم على حماة، و«يوسف بن عمر» الحاكم على اليمن، و«نجم الدين بن أبي نمي الحسني» الحاكم على مكة، و«عز الدين حماز الحسيني» الحاكم على المدينة, أما العدو اللدود التتار فيحكمون العراق والجزيرة وخراسان وأذربيجان والموصل وأربل وديار بكر تحت زعامة الخان الأكبر للتتار «أبقا بن هولاكو» وقائد جيوشه الشرير الحاقد «منكوتمر بن هولاكو» أخوه الأصغر.





كانت النتيجة الحتمية لهذا التفريق والتشرذم، أن قام التتار بالاستعداد لاكتساح بلاد الشام ومصر والثأر لهزيمة هولاكو الساحقة في «عين جالوت», وكان «أبقا بن هولاكو» لا يريد هذه الحرب ويكرهها، ولكن أخاه «منكوتمر» أجبره على ذلك، فقد كان شديد الحقد والكراهية للمسلمين، لا يطيق أن يسمع كلمة مسلم، ولا عجب فهو ابن هولاكو الوثني الطاغية وظفر خاتون الصليبية الشهيرة.





زحف التتار على الشام بأعداد كبيرة، فشعر المسلمون بحرج موقفهم إن هم ظلوا متفرقين مختلفين، فأرسل «قلاوون الصالحي» إلى «سنقر الأشقر» يقول له: «إن التتار قد أقبلوا إلى المسلمين والمصلحة أن نتفق عليهم، لئلا يهلك المسلمون بيننا وبينهم»، فوافق سنقر بقلب المسلم الواعي الذي استرد وعيه بعد أن مالت به الدنيا قليلاً وقال له: «السمع والطاعة واليد الواحدة على عدو المسلمين», واستعاد المسلمون وعيهم واستعدوا للقاء التتار، الذين قرروا العودة إلى العراق بعدما علموا أن المسلمين قد استعدوا لقتالهم، ولكنهم انسحبوا وهم يخططون للعودة مرة أخرى عندما تتاح الفرصة.





بالفعل عندما استشعر التتار هدوء الجبهة الشامية، واطمأن الناس عدة شهور، أعدوا جيشًا كبيرًا يقدر بمائة ألف ويقوده «منكوتمر» بنفسه, وعبروا الفرات باتجاه الشام، ووصلت أخبار الهجوم التتاري الجديد للسلطان «المنصور قلاوون» فكتب إلى ملوك المسلمين في كل مكان يستدعيهم للقاء العدو، وعظم الخطب على المسلمين، وقنت الخطباء والأئمة في الجوامع، والتتار يقبلون شيئًا فشيئًا حتى وصلوا إلى مدينة «حماة» فأبادوها وأهلها بالكلية كما هي عادتهم الوحشية.





جهَّز السلطان «المنصور» الجيوش وعسكر في مدينة «حمص» ومجمل الجيوش خمسون ألفًا, فأقبل الجيش التتاري العرمرم، وفي يوم الخميس 14 رجب سنة 680هـ ومع طلوع النهار اصطدم التتار بالمسلمين مستغلين كثرتهم العددية وسمعتهم المدوية في القتال، فاهتز المسلمون بشدة لصدمتهم واستظهر التتار على المسلمين في أول النهار وكسروا ميسرة الجيش الإسلامي، وفر كثير من المسلمين من المعركة، فلما رأى السلطان «قلاوون» ذلك برز للناس وحفز الجند على القتال وثبت هو ثباتًا عظيمًا في طائفة قليلة من جنوده، وكان لهذا الثبات أثر عظيم في عودة الفارين وثبات الخائفين، فحميت النفوس وقويت العزائم، وتصاول الأبطال.





حدث تغيير كبير في سير المعركة عندما جاء أمير العرب «عيسى بن مهنا» بكتيبة من فرسان الصحراء وصدم الجيش التتاري من ناحية العرض، فاضطرب الجيش التتاري لصدمته بشدة، وانقلبت دفة القتال لصالح المسلمين، وفر كثير من التتار وانهزموا من القتال فأتبعهم المسلمون يقتلون ولا يأسرون أحدًا، وكانت هزيمة مدوية للتتار أعاد للأذهان ذكريات «عين جالوت», وظل التتار يفرون حتى وصلوا إلى نهر الفرات فغرق أكثرهم فيه ونزل إليهم أهل مدينة «البيرة» فقتلوا منهم خلقًا كثيرًا وسرايا الجيش الإسلامي خلفهم للتأكد من خروجهم من البلاد، وقد أصيب منكوتمر في المعركة إصابة شديدة، أما «أبقا» خان التتار الأكبر فقد مات غمًا وهمًا بسبب هذه الهزيمة لأن الحرب كانت على غير رأيه وهواه.


إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#7

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

معركة باب الواد


4 رجب 948هـ ـ 21 أكتوبر 1541م





هذه واحدة من أعظم معارك الإسلام في الجزائر، وواحدة من فصول العزة والكرامة والصمود الإيماني القوي لأهل الجزائر الأحرار، وكانت بلاد الجزائر أو المغرب الأوسط تحت حكم الدولة الحفصية التي عمل حكامها على موالاة ومهادنة ملوك إسبانيا النصرانية خوفًا وطمعًا, مما جعل أهل البلاد يضيقون ذرعًا بحكامهم الخونة ومن الوجود الإسباني الكبير على أراضيهم، فأرسلوا إلى السلطان العثماني يطلبون منه مساعدتهم في التخلص من حكامهم الجبناء ومن الاحتلال الأسباني لسواحلهم, فوافق وأرسل قائديه «خير الدين بربروسا» وأخاه «عروج» ففتحا بلاد الجزائر وضمهما للدولة العثمانية, وبعد فترة وجيزة استشهد عروج وبقي خير الدين يقود الجزائر وحده.





عمل خير الدين على تقوية الأسطول الجزائري ليكون أداة تهديد رادعة للعدوان الإسباني، وليقوم بدور هام في نجدة مسلمي الأندلس الذين كانوا يعانون الفظائع والويلات من الإسبان، وابتداء من سنة 936هـ ـ 1529م، قامت نيابة الجزائر وقائدها «خير الدين» بجهود رائعة في إنقاذ آلاف المسلمين من إسبانيا، وتضررت إسبانيا من نجاح خير الدين في الشمال الإفريقي، وكانت إسبانيا يتزعمها وقتها «شارلكان» إمبراطور الدولة الرومانية المقدسة وهي تضم وقتها كل من إسبانيا وبلجيكا وهولندا وألمانيا والنمسا وإيطاليا، وكان شارلكان يعتبر رأس العالم الصليبي، كما أن السلطان سليمان القانوني هو رأس العالم الإسلامي، لذلك اعتبر «شارلكان» جهود «خير الدين» لنجدة مسلمي الأندلس اعتداءً عليه وقرر الهجوم على بلاد الجزائر واجتياح سائر بلاد الشمال الإفريقي.





نظرًا لجهود خير الدين العظيمة قرر السلطان سليمان القانوني الاستعانة بجهوده في الجبهة الأوروبية وقام بنقله إلى إستانبول وتولى مكانه في قيادة الجزائر «حسن الطوشي» وهو رجل لا يقل كفاءة عن خير الدين، فانتهز شارلكان الفرصة وقرر القيام بعمل ضخم ضد الشمال الإفريقي ولكنه انتظر حتى أنهى خلافاته الكبيرة مع ملك فرنسا [فرانسوا الأول] سنة 945هـ ـ 1538م، ثم دعا بعدها لحملة صليبية ضخمة على الجزائر اشترك فيها بجانب جنسيات الدول التابعة للإمبراطورية الرومانية فرسان مالطة وكرسي البابوية، وبلغ تعداد الحملة مئات الآلاف وأكثر من ستمائة سفينة، وسار شارلكان بحملته الصليبية الجرارة ورسا على شواطئ الجزائر في 28 جمادى الآخرة 948هـ.





اجتمع «حسن الطوشي» مع زعماء الجزائر وقادة جنده وقروا الدفاع عن البلاد حتى آخر قطرة في دمائهم، واستثار «حسن الطوشي» حمية المسلمين هناك حتى تقاسموا جميعًا على الموت في سبيل الله والإسلام، وأسرع «حسن» وأعد جيوشه واستعد لمعركة حاسمة على أرض الجزائر، وقد رأى «شارلكان» تجهيزات أهل الجزائر ودفاعاتهم فسخر منها وأراد أن يدخل عليهم الهزيمة النفسية، فأرسل إليهم برسائل تهديد ووعيد وإنذار بالويل والثبور إن هم لم يسلموا البلد له، ولكن «حسن الطوشي» رد عليه برسائل قوية تفيض عزة وكرامة فقال له: «تعال واستلم القلعة والبلد إن قدرت, ولكن لهذه البلاد عادة، أنه إذا جاءها العدو لا يعطى إلا الموت» وذكره بهزيمة إسبانيا على سواحل الجزائر مرتين من قبل وأن الثالثة ستحصل له بإذن الله .





أيقن شارلكان أن أهل البلاد مصممون على الدفاع عنها خاصة بعد أن طلبوا منه أن يسمح لمن أراد الخروج من أهل الجزائر مثل النساء والأطفال بالمرور، وما كان في ظن شارلكان ومن معه أن المدينة ستصمد أو تقاوم وكانت مشروعاتهم تدور فيما بعد الجزائر، فلم ينزلوا مدافع القصف وفوجئوا بمقاومة في منتهى العنف والشدة خاصة من كتائب المتطوعين الذين انهالوا على مدينة الجزائر بمجرد سماعهم نزول الأسبان عليها, وكانوا أجدر وأخبر بأرض المعركة من عدوهم, ثم جاءت الإمدادات الإلهية حيث هبت ريح عاصفة وزوابع بحرية قوية قلبت سفن العدو وخيامه ومعسكره، وانهال المطر على المنطقة فأفسد مفعول البارود .





حاول شارلكان وسط هذه الكوارث حفظ ماء وجهه بالهجوم الشامل على مدينة الجزائر عبر باب الواد في 4 رجب 948هـ ـ 21 أكتوبر 1541م، وعندها كشف أهل الجزائر عن الوجه الحقيقي وظهرت بطولات رائعة خاصة من كتيبة الحاج بكير قائد الفرسان التي أوقعت خسائر كبيرة في صفوف المقدمة الإسبانية، واتبع المسلمون أسلوب الكر والفر العربي القديم في التعامل مع العدو الإسباني، وفشلت محاولات شارلكان لكسب ولو شبر من أرض الجزائر، واضطر لأن يلملم أشلاء جيشه وحملته الفاشلة ويبحر على من بقي من أسطوله المحطم من عار وخزي الهزيمة. توجه شارلكان إلى إيطاليا ولم يتوجه إلى إسبانيا، وكان لفشل شارلكان في حملته الصليبية على الجزائر أثر عميق على الصعيد العالمي بأسره, فلقد نزلت أخبار الهزيمة كالصاعقة على أوروبا وانفرط عقد التحالف الأوروبي الصليبي وانفض الجميع من حول شارلكان الذي لم تقم له بعدها قائمة, وظل يلعق جراح هزيمته بالجزائر حتى هلك بعدها بقليل.






سلو شارلكان كم رأى من جنودنا فليس لـه إلا هُمُ من زواجــر




فجهـز أسطولاً وجيشًا عرمرمـًا ولكنـه قد آب أوبـة خـاسـر


إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#8

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

سقوط مالقة الاندلسية في الايدي الاسبانية


مالقة: من المدن الأندلسية القديمة, دخلها الإسلام في الأيام الأولى لدخول طارق بن زياد للأندلس؛ و ظلت لمدة 8 قرون بيد المسلمين حيث كانت من أواخر المدن الأندلسية التي سقطت بيد النصارى.

لقد كان دخول النصارى إليها مختلفا عن دخولهم لغرناطة رغم أنهم تعهّدوا بتأمين أهلها على أموالهم و أنفسهم كما فعلوا في هذه الأخيرة. فإذا كان النصارى قد احترموا بنود اتفاقية غرناطة على الأقل خلال السنوات الأولى, فإن بنود اتفاقية تسليم مالقة لم يكد يجف حبرها على الورق حتى سٌفكت الدماء و انتهكت الأعراض و استرقّ الأحرار و بُعث ببعضهم هدايا للبابا. و إذا كان أهل غرناطة لم يحملوا السلاح في وجه الغزاة عند دخولهم لغرناطة, فإن فرسان مالقة من البربر الغماريين و المالقيين, على رأسهم حامد الثغري و علي دربال, آثروا الموت على رؤية الغازي النصراني سيدا لمالقة. و كان لهم –رحمهم الله- ما أرادوا حيث تمركزوا في جبل الفارو Gibralfaro و قاتلوا حتى نفذت قواهم, فتم قتل و اعتقال الغماريين و سجنهم في زنازين تحت الأرض.


يصف الأستاذ محمد عبد الله عنان رحمه الله اللحظات التي سبقت و التي تلت سقوط مالقة:


(كان ملك قشتالة يحرص على المضي في تحقيق خططه لسحق البقية الباقية من دولة الإسلام في الأندلس قبل أن يعود إليها اتحاد الكلمة, فيبعث إليها روحا جديدة من العزم و المقاومة. و كان من الطبيعي أن يؤثر البدء بغزو القواعد الشرقية و الجنوبية التي يسيطر عليها مولاي الزغل, لأن الزغل لم يكن يدين بطاعته, و كان يبدي في مقاومته عزما لا يلين و لايخبو, و لأنه من جهة أخرى كان يرتبط بأمير غرناطة بصلح يمتد إلى عامين, و قد أراد أن يسبغ على عهوده مسحة غادرة من الوفاء, و أخيرا لأنه كان يريد أن يعزل غرناطة و أن يطوقها من كل صوب, قبل أن يسدد إليها الضربة الأخيرة.

و قد رأينا كيف سقطت قاعدة بلش حصن مالقة من الشرق في يد النصارى, بعد دفاع عنيف, في جمادى الأولى سنة 892ه (مايو 1487م). و على أثر سقوطها غادرها معظم أهلها, و تفرقوا في أنحاء الأندلس الأخرى الباقية بيد المسلمين, و جاز كثير منهم إلى عدوة المغرب, و استولى النصارى على جميع الحصون و القرى المجاورة, و منها حصن قمارش و حصن مونتميور, و استطاعوا بذلك أن يشرفوا على مالقة من كل صوب. و كانت مالقا ما تزال أمنع ثغور الأندلس, و قد أضحت بعد سقوط جبل طارق عقد صلتها الأخيرة بعدوة المغرب, و كان فرديناند يحرص على أن يقطع كل وسيلة ناجعة لقدوم الإمداد من إفريقية وقت الصراع الأخير. و كان الاستيلاء على مالقة يحقق هذه الغاية. و من ثم فإنه ما كاد النصارى يظفرون بالاستيلاء على بلش و الحصون المجاورة, حتى زحفوا على مالقة و طوقوها من البر و البحر بقوات كثيفة, و ذلك في جمادى الثانية سنة 892ه (يونيو 1487م) و امتنع المسلمون داخل مدينتهم, و كانت تموج بالمدافعين و على رأسهم نخبة مختارة من أكابر الفرسان, و معهم بعد الأنفاط و العدد الثقيلة. و كانت مالقة تدين بالطاعة للأمير محمد بن سعد الزغل صاحب وادي آش, و لكنه لم يستطع أن يسير إلى إنجادها بقواته خوفا من غدر ابن أخيه أمير غرناطة, فترك مالقة إلى مصيرها و هو يذوب تحسرا و أسى. و لكنه فكّر في وسيلة أخيرة لعلها تجدي في إنقاذ الأندلس من خطر الفناء الداهم, هي أن يستغيث بملوك الإسلام لآخر مرّة, فأرسل رسلا إلى أمراء أفريقية و إلى سلطان مصر الأشرف قايتباي. و لم يكن من المنتظر إزاء بعد المسافة أن تصبر مالقة على ضغط النصارى حتى يأتيها المدد المنشود. و كان يتولى الدفاع عن الثغر المحصور جند غمارة و زعيمهم حامد الثغري. و أبدى المسلمون في الدفاع عن ثغرهم أروع ضروب البسالة و الجلد, و حاولوا غير مرّة تحطيم الحصار المضروب عليهم, و فتكوا بالنصارى في بضع مواقع محلية, و مع ذلك فقد ثابر النصارى على ضغطهم و تشديد نطاقهم, حتى قطعت كل علاقة للمدينة المحصورة مع الخارج, ومنعت عنها سائر الإمداد و الأقوات؛ و عانى المسلمون داخل مدينتهم أهوال الحصار المروع, و استنفدوا كل ما وصلت إليه أيديهم من الأقوات, و أكلوا الجلود و أوراق الشجر, و فتك بهم الجوع و الإعياء و المرض, و مات كثيرون من أنجاد فرسانهم, و لم يجدوا في النهاية لهم ملاذا سوى التسليم على أن يؤمنوا في أنفسهم و أموالهم. و هكذا سقطت مالقة بعد دفاع مجيد استطال ثلاثة أشهر في أيدي النصارى, و ذلك في أواخر شعبان 892ه (18 أغسطس 1487م) و لم يحافظ فرديناند على ما بذله لأهلها من عهود لتأمين النفس و المال, و أصدر قرارا ملكيا باعتبار أهلها المسلمين رقيقا يجب عليهم افتداء أنفسهم و متاعهم, و يفرض على كل مسلم أو مسلمة مهما كان السن و الظروف, الأحرار منهم و العبيد الذي في خدمتهم, فدية للنفس و المتاع, قدرها ثلاثون دويلا من الذهب الوازن اثنين و عشرين قيراطا, أو ما يوازي هذا القدر من الذهب و الفضة و اللآلئ و الحلي و الحرير؛ و أنه يسمح لمن أدوا هذه الفدية, إذا شاءوا, بالعبور إلى المغرب و تقدم السفن لنقلهم, و أنه لا يسمح للمسلمين ذكورا أو إناثا بالعيش أو الإقامة في مملكة غرناطة, و لكن يسمح لهم أن يعيشوا أحرارا آمنين في أي ناحية من نواحي قشتالة, و أنه لا يتمتع بهذه المنح بنو الثغري و زوجاتهم و أولادهم, و بعض أفراد أشار إليهم القرار (1). و دخل النصارى المدينة دخول الفاتحين, و عاثوا فيها و سبوا النساء و الأطفال, و نهبوا الأموال و المتاع, و فرّ من استطاع من المسلمين إلى غرناطة أو وادي آش أو جاز إلى العدوة. و كان هذا التصرف نموذجا لما يضمره ملك النصارى نحو معاملة المسلمين المغلوبين, و لما تنطوي عليه سياسته من نكث للوعود و العهود. و تقول الرواية الإسلامية المعاصرة في وصف محنة أهل مالقة: (و كان مصابهم مصابا عظيما تحزن له القلوب و تذهل له النفوس, و تبكي لمصابهم العيون.). (2)


سنة 1987م, و بمناسبة مرور 500 سنة على احتلال مالقة, قام رئيس البلدية بيدرو ابريسو Pedro Aparicio بإعلان يوم 18 غشت عيدا للمدينة. نعم هو عيد لأبناء المحتلين, أما بالنسبة للشعب الأندلسي فهو يوم يحمل ذكرى بطعم العلقم, يوم شهد إخراجهم من النور إلى الظلمات. و في هذا الإطار قام الأندلسيون بالدعوة لمقاطعة المهرجان المنظّم سنويا من طرف بلدية مالقا للاحتفال بهذه الذكرى, لأنه بمشاركة الأندلسيين في هذه المهرجانات يتنكرون لما قام به حامد الثغري و الأجداد من مجهودات لبقاء مالقة مسلمة. فهو عيد لأبناء النصارى المحتلين الذين يبتهجون باحتلال المدينة, فكيف يحتفل به من اضطهد أجداده جراء هذا الاحتلال.




إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#9

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

سقوط طليطلة الثغر الاوسط


من دولة واحدة لممالك متنازعة


ظلت الأندلس نحو ثلاثة قرون دولة واحدة، تخضع لحكومة مركزية قوية منذ أن أشرقت عليها شمس الإسلام في عهد الخلافة الأموية، ومكثت طوال هذه المدة متحدة الأجزاء كأنها كتلة واحدة، لا تعرف عدوا لها سوى أسبانيا النصرانية في الشمال. وتعاقب على الأندلس حكام أقوياء من قِبل الأمويين قبل أن تستقل وتصير دولة ذات مجد وسؤدد، منذ أن أسس بها "عبد الرحمن الداخل" خلافة أموية عقب سقوط الأمويين في المشرق سنة (132 هـ= 749م) وقيام الخلافة العباسية.
سقوط الخلافة الأموية في الأندلس
غير أن الخلافة الأموية الزاهرة أصابها الوهن، ودب في أوصالها أعراض الضعف والانحلال، وصارت ألعوبة في أيدي الطامعين والمغامرين، ومطمعًا للظامئين إلى الملك والسلطان، حتى اختتمت سلطانها، ولفظت أنفاسها الأخيرة سنة (422 هـ= 1031م) بعد أن دامت مائتين وأربعة وثمانين عامًا منذ قيام عبد الرحمن الداخل بتأسيسها سنة (138هـ =756م).
ساد الأندلس بعد سقوط الخلافة الأموية حالة من الفوضى والارتباك، وتمزقت أشلاء متفرقة، وصارت إمارات صغيرة، ودويلات متعددة، عُرفت في التاريخ الأندلسي باسم عصر ملوك الطوائف، حيث استقل كل أمير بناحية، وجعل من نفسه ملكًا وسلطانًا.
قيام دولة بني ذي النون في طليطلة
رد: موسوعة معارك اسلامية(3)
مدينة طليطلة


كانت طليطلة من كبرى دول الطوائف رقعة ومساحة، وتحتل موقعًا حربيًا هامًا؛ حيث تقع على مشارف الأندلس الشمالية الوسطى، وعرفت منذ قيام الدولة الإسلامية بالأندلس بالثغر الأوسط؛ نظرًا لمتاخمتها حدود الممالك الأسبانية النصرانية، وعدت بذلك حاجز الدولة الإسلامية الشمالي الأوسط ضد عدوان النصارى.
وقامت في هذه المنطقة بعد سقوط الخلافة الأموية دولة "بني ذي نون" حيث تولى إسماعيل بن ذي نون حكم طليطلة سنة (427هـ= 1036م) لكنه لم يمكث في الحكم إلا قليلاً؛ إذ توفي في سنة (435هـ= 1043م) وخلفه ابنه يحيى بن إسماعيل، وتلقب بالمأمون.
الاستعانة بالقشتاليين
وقد استطال مدة حكم "المأمون بن ذي النون" ثلاثة وثلاثين عامًا، أنفق معظمها في حروب داخلية مع منافسيه من ملوك الطوائف، واستهل صراعه مع "ابن هود" صاحب مملكة "سرقسطة"، وهو جاره من الناحية الشمالية الشرقية، واستعان كل منهما في صراعه على توسيع رقعة مملكته ودولته بقشتالة ونافار الإمارتين المسيحيتين، بدلاً من أن يقفا معًا سدًا منيعًا في وجههما.
استباح النصارى أراضي المملكتين المسلمتين، بمساعي ابن هود وابن ذي النون الذميمة، وساءت أحوال المسلمين بعد أن عاث النصارى في أرضهم فسادًا، وتحركت مساعي الصلح بين الأميرين المسلمين، فتظاهرا بالرغبة في الصلح والمهادنة، ثم لم يلبثا أن عاودا القتال، كل واحد منهما يفسد أرض الآخر، وينزل بها الخراب والدمار بمساعدة حلفائه، واستمرت هذه الفتنة بين الأميرين ثلاثة أعوام من سنة (435 هـ= 1043م) إلى آخر سنة (438 هـ= 1046م)، ولم تتوقف هذه الحرب الوضعية إلا بوفاة ابن هود، وهدأت الأمور.
صراع في مملكة قشتالة
بعد أن استولى المأمون على إمارة بلنسية وضمها إلى دولته سنة (457هـ= 1065م) توفي في السنة نفسها فرناندو ملك قشتالة، وشب صراع بين أولاده الثلاثة: "سانشو" ملك قشتالة، و"ألفونسو" ملك ليون، و"غرسيه" ملك جليقية، واشتعلت حرب أهلية استمرت أعوامًا، انتهت بانتصار "سانشو" سنة (463هـ= 1071م) واغتصاب ملك أخويه، فلجأ "ألفونسو" إلى طليطلة طالبًا حماية المأمون بن ذي النون، فأكرم ضيافته، وعاش لمدة أشهر معززززززززززززًا مكرمًا، حتى إذا توفي أخوه "سانشو" عاد إلى قشتالة ليتولى عرشها، وقد استغل هذا الأمير مدة إقامته في طليطلة في دراسة موقعها، ووضع الخطط التي تمكنه من الاستيلاء عليها إذا سنحت له الفرصة.. وهذا ما حدث بعد ذلك.
ولاية حفيد المأمون
توفي المأمون سنة (467هـ= 1075م) بعد أن نجح في بسط سلطانه على رقعة كبيرة من أرض الأندلس، وامتد حكمه ليشمل بلنسية وقرطبة، وقد خلفه حفيده "يحيى بن ذي النون" وكان فتى مترفًا قليل الخبرة والتجارب، يساعده وزير محنك له بصر بالأمور ودراية بالسياسة، لكن بطانة السوء زينت ليحيى ضرورة القضاء عليه، والتخلص منه، بدعوى استبداده بالأمر دونه، فمال إليهم، ونجحت مؤامرتهم في الفتك بالوزير الكفء في أوائل المحرم (468 هـ= 1076م).
جنى يحيى بن ذي النون نتائج سياسته الحمقاء، فتعرض لدسائس خصومه بالداخل، وغارات جيرانه بالخارج، فتعرضت طليطلة لغارات ابن هود صاحب سرقسطة، الذي كان يستعين بالجند النصارى، وخلعت بلنسية طاعتها، واستقل بها حاكمها، واسترد المعتمد بن عباد قرطبة حاضرة ملكه.
التجأ يحيى إلى قشتالة يلتمس منها الصون والحماية، نتيجة عجزه عن إدارة دولته، وضبط أمورها، وكان يحيى يعترف بطاعته لملك قشتالة ويدفع له الجزية، كما كان يفعل جده، ولكن ملك قشتالة غالى هذه المرة في طلباته، واشترط دفع مزيد من المال، وتسليم بعض الحصون القريبة من حدوده.. كل ذلك "ويحيى بن ذي النون" عاجز عن رده، حتى كادت خزائنه تنضب.
أدت هذه السياسة إلى اشتعال الثورة في طليطلة ضد حاكمها، فلاذ بالفرار هو وأهله إلى حصن "وبذة" سنة (473هـ= 1080م)، تاركًا طليطلة بلا حكومة، تضطرم بالفوضى، ولم يجد أهلها بدًا من استدعاء "المتوكل بن الأفطسي" أمير بطليوس ليتولى أمرهم، فقبل على كره منه، لكن يحيى عاود الاتصال مرة أخرى بملك قشتالة طالبًا عونه فأجابه إلى طلبه، وخرج معه في سرية من فرسانه، وساعده في الجلوس على عرشه المضطرب سنة (474 هـ= 1081م).
أطماع ملك قشتالة
كان ملك قشتالة قد أعد خطة ماكرة للاستيلاء على طليطلة، ساعده على تحقيقها تحالفات مخزية مع بعض ملوك الطوائف، مثل الحلف الذي عقده مع "المعتمد بن عباد" ملك إشبيلية، تعهد فيه بأن يعاون ابن عباد بالجند ضد أعدائه من الأمراء المسلمين، وفي مقابل ذلك يتعهد ابن عباد بأن يدفع لملك قشتالة جزية كبيرة، وأن يتركه حرًا طليقًا في أعماله ضد طليطلة، وألا يعترض سبيله في الاستيلاء عليها، وكان معظم ملوك الطوائف يؤدون في ذلة الجزية لملك قشتالة خوفًا من تهديداته، وطلبًا لعونه ضد بعضهم بعضا، ولم يسلم من هذا التصرف الشائن سوى الأمير المتوكل بن الأفطس صاحب بطليوس.
ومن جانب آخر اتبع ملك قشتالة سياسة إرهاق طليطلة بشن الغارات المتوالية عليها، وتخريب مزارعها واستنفاد مواردها، وظل يمارس تلك السياسة أربع سنوات كاملة، منذ أن أعاد يحيى بن ذي النون إلى عرشه سنة (474هـ= 1081م)، حتى يجد الفرصة السانحة للانقضاض على المدينة المنهكة، فلا تقدر على دفع الخطر الداهم عنها.
وضحت سياسة ملك قشتالة لكل ذي عينين، لكن ملوك الطوائف أصاب أعينهم العمى، فلم يروا الأخطار المحدقة بهم، وقيد خطوهم تحالفاتهم المخزية مع ملك قشتالة، وانشغالهم بمحاربة بعضهم بعضا، وبعد بعضهم عن مسرح الأحداث، ولم تُجْدِ الصرخة المنذرة التي أطلقها العلامة أبو الوليد الباجي الذي طاف عليهم ، يثير فيهم نخوتهم، ويحرك ضمائرهم، ويذكرهم بأخوة الإسلام، وإغاثة الملهوف، وإعانة المحتاج، لكن صيحته ضاعت سدى، وغلبت الأهواء كل تفكير سليم.
سقوط طليطلة
وفي سنة (477هـ= 1084م) ضرب ألفونسو ملك قشتالة حصاره حول طليطلة، ولم يتقدم أحد لنجدتها، وكان يمكن لملك إشبيلية المعتمد بن عباد أن يكون أول من يقوم بالنجدة، لكنه لم يفعل هو ولا غيره، باستثناء المتوكل بن الأفطس، الذي أرسل ولده الفضل بجيش قوي لدفع ألفونسو عن طليطلة، لكنه لم يوفق لغلبة القوى النصرانية، على الرغم مما أبداه من حماسة بالغة وما خاصة من معارك دامية.
استمر الحصار نحو تسعة أشهر، واستبد بالناس الجوع والحرمان، واشتدت الحاجة دون أن تلوح في الأفق بادرة أمل أو إشراقة صباح، بعدما تخاذل الأخ، وانزوى الرفيق، وجبن الصديق، وفشلت محاولات الصلح مع ملك قشتالة الذي لم يقبل إلا بتسليم المدينة، فاضطر يحيى إلى تسليم المدينة، وغادرها إلى بلنسية. أما ألفونسو فقد دخل المدينة ظافرا في يوم الأحد الموافق غرة صفر 478 هـ= 25 مايو 1085م).



صور للمدينة المحتلة



رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

رد: موسوعة معارك اسلامية(3)
رد: موسوعة معارك اسلامية(3)
رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

رد: موسوعة معارك اسلامية(3)
رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

رد: موسوعة معارك اسلامية(3)
رد: موسوعة معارك اسلامية(3)
رد: موسوعة معارك اسلامية(3)
رد: موسوعة معارك اسلامية(3)
رد: موسوعة معارك اسلامية(3)
رد: موسوعة معارك اسلامية(3)



رد: موسوعة معارك اسلامية(3)
رد: موسوعة معارك اسلامية(3)
واد تاجة ROI TAJO
رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

رد: موسوعة معارك اسلامية(3)
رد: موسوعة معارك اسلامية(3)
رد: موسوعة معارك اسلامية(3)
رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

رد: موسوعة معارك اسلامية(3)
رد: موسوعة معارك اسلامية(3)
صومة مسجد الجامع
رد: موسوعة معارك اسلامية(3)
مسجد طليطلة الذي تحول الى كنيسة
رد: موسوعة معارك اسلامية(3)
باب المسجد
رد: موسوعة معارك اسلامية(3)


إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#10

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

>معركة ذات الصواري اول معركة بحرية في تاريخ الامة الاسلامية<


معركة بحرية دارت رحاها سنة 34 هـ / 655 م على مياه نهر الروم بين الأساطيل الاسلامية بقيادة والى مصرإذ ذاك عبد الله بن أبى سرح ، وبين سفن الروم بقيادة الامبراطور قنسطانز . وكان السبب فى تلك الموقعة هو محاولات الروم ايقاف نشاط المسلمين البحرى الذى تولى توجيهه كل من معاوية والى الشام وعبد الله بن أبى سرح ضد قواعد الروم بجزر شرق البحر المتوسط . والحيلولة بين العرب وبين الاستيلاء على تلك الجزر ، حيث استولت الأساطيل العربية منذ سنة 28 هـ /649 م على جزيرة
وغيرها من الجزر المجاورة التى هدد منها الروم كل من الشام ومصر . وتعتبر مجهودات عبد الله بن ابى سرح فى موقعة ذات الصوارى نموذجا للاعمال الجليلة التى قدمتها
فى سبيل بناء البحرية الاسلامية منذ فجر حياتها . فإن عبد الله بن ابى سرح هو الذى قام ببناء السفن الحربية الأولى ، التى كونت نواة الأسطول الاسلامي . ذلك أن مصر كانت تنفرد إذ ذاك بقيام " دور الصناعة"، فيها والتى اختصت بصناعة السفن . وجرت العادة إذ ذاك على أن تشحن تلك السفن من مصر ، ثم تنطلق إلى بلاد الشام ، حيث تعزززززززززززز بالمقاتلة أيضا وتعمل على القيام من موانئ الشام بالهجوم على جزر الروم ، وضرب قواعد أسطول الروم هناك وشل نشاطه ضد سلطان الخلافة . وخشى الامبراطور قنسطانز الثانى إزدياد الأساطيل الاسلامية المنطلقة من مصر والشام ، ورأى العمل على ضرب قواعد تلك الأساطيل فى هذين القطرين العرييبن واستعادة سلطان الروم أيضا فى تلك الجهات الحيوية من شرق البحر المتوسط . واتجه هذا الامبراطور إلى اقليم
، الذى كان يمثل إذ ذاك مصدر تموين الأمبراطورية بالرجال والعتاد لبناء سفن حربية يحقق بها مشروع استعادة سلطان الروم فى مصر والشام . وكانت اسيا الصغرى تشتهر بصفة خاصة ببحارتها الأقوياء ، وخبرتهم العالية بفنون القتال .
وبادر الامبراطور قنسطانز بدفع أسطوله الجديد إلى عرض مياه البحر المتوسط ، حيث تزامت اليه سنة 655 م أنباء استعدادات بحرية هائلة يعدها معاوية بن ابى سفيان وعبد الله بن أبى سرح ، لضرب القسطنطينية نفسها عاصمة الروم ، وشل تعزيزاتها لقواعد الروم البحرية فى شرق البحر المتوسط . وخرج الامبراطور على رأس أساطيله مستهدفا تدمير سفن الأسطول العربى قبل إبحارها من قواعدها . واستعان قنسطانز بعملاء الروم فى الشام لاشاعة الفوضى فى المدن البحرية تمهيدا لحملته المنتظرة.
واذا كانت استعدادات الروم قد دلت على أن قنسطانز قد صمم على وضع حد لنشاط البحرية العربية وكسر شوكتها نهائيا ، فإن المجهودات التى بذلها والى مصر عبد الله بن ابى سرح قد اثبتت أن الاسطول العربى صار قوة ليس من السهل النيل منها ، فضلا عن أن التعاون البحرى بين مصر والشام قد بلغ أوجه منذ هذه الفترة المبكرة من نشاط العرب البحرى ، فقد خرج والى مصر بنفسه على رأس الاسطول العربى ، وخلد اسم مصر فى خدمة العرب من أجل النصر فى أعظم المعارك البحرية الفاصلة فى تاريخ البحر المتوسط .
وبدأ العرب القتال باستخدام الأقواس والسهام وهو السلاح الذى اجادوا استخدامه فى جميع حروبهم . غير أن الامبراطور قنسطانز أدرك تفوق جنده على العرب لأن السلاح الذى اعتمدوا عليه لا يفيد الا فى الحروب البرية فقط ، وأن الميدان الان بحريا وليس بريا. وأدرك قنسطانز أن سلاح الغرب سوف ينفذ سريعا ، مما يحملهم على ضرورة تغيير خططهم بما يكفل له النصر عليهم . وتحقق ما رآه قنسطانز إذ اضطر العرب إلى استخدام الحجارة فى القتال بعد أن نفذت الأقواس والرماح . ولم يؤد ذلك إلى تغيير رأى قنسطانز الذى أدرك أن سلاح العرب الجديد لن يفيدهم شيئا لأنه سلاح برى أيضا وأنه سوف ينفذ سريعا كذلك ، وأن الموقف لابد وأن ينجلى فى صالح الروم .
غير أن العرب حين رأوا نفاذ ذخيرتهم من الحجارة كذلك وأن العدو مازال بعيدا عن متناول سفنهم ، وانه يراوغ ويماطل لانهاك قواهم ربطوا سفنهم بعضها إلى بعض وقذفوا خطاطيف فى البحر جذبوا بها سفن الروم إليهم . ثم اتخذ العرب بعد ذلك من ظهور السفن المتلاحمة ميادين قتال أشبه بالميادين البرية التى سبق أن اجادوا فنون القتال فيها . ولذا حين وصلت انباء تلك الخطة الجديدة إلى الامبراطور قنسطانز أدرك فشل حملته وأن الهزيمة لاشك محيقة بجنده وتدمير مشروعه الحربى الكبير . وتحقق استنتاج قنسطانز إذ وثب العرب على الروم بالسيوف والخناجر واعملوا فيهم التقتيل ، واشتد الصراع وكثر القتلى حتى وصف شاهد عيان هذه المعركة قائلا "رجعت الدماء إلى الساحل تضربها الأمواج ، وطرحت جثث الرجال ركاما " وبرهن العرب مرة أخرى على مقدرتهم الفائقة فى تطوير أسلوب القتال طبقا لمجريات الأحداث ، دون التقيد بأسلوب تقليدى . وظل القتال على هذا النحو فى تلك المرحلة الأخيرة من المعركة حيث استبسل الفريقان ، وأبدى كل منهما من صنوف التفانى فى الواجب ، ومن ضروب الشجاعة ما سجلته مراجع العرب والروم التاريخية على السواء ، إذ ادرك الفريقان المتحاربان أنهما يخوضان معركة فاصلة ، يتوقف عليها تقرير سلطانهم على مياه هذا البحر الهام فى تاريخ الانسانية ، منذ أقدم العصور وكان الامبراطور قنسطانز قد عمد أثناء هذا الوقت العصيب من القتال إلى نشر الفوضى فى صفوف العرب لافساد خطتهم الجديدة التى لجأوا إليها من التلاحم فى القتال . وكانت خطة الامبراطور تقضى بعزل سفينة القيادة العربية وحرمان المقاتلين العرب من تعليماتها وتوجيهاتها .
وأمر الامبراطور أحد جنده بقذف خطاف علق بسفينة أمير البحر العربى والى مصر ، عبد الله بن ابى سرح ، على حين أخذ سائر جند الروم يجذبون . ذلك المركب العربى إليهم بعيدا عن ميدان القتال. وكاد الروم ينجحون فى أسر مركب القيادة العربية ، لولا شجاعة أحد المقاتلين العرب ويدعى علقمة. إذ رمى هذا الجندى بنفسه على السلاسل التى كانت تجذب القيادة العربية ، وأعمل فيها القطع برغم ما تعرض له من ضربات العدو وسهامه وتكلل عمل علقمة بالنجاح ، إذ قطع السلسلة وأنقذ سفينة القيادة العربية من الوقوع فى الأسر .
.
واظهر الروم أيضا تفانيا أثناء تلك المعركة فى الدفاع عن سفينة قيادتهم حين دارت الدائرة عليهم . إذ عمد المسلمون بعد نجاحهم فى إنقاذ سفينة قيادتهم إلى الهجوم على الروم بشدة ، واقتحموا السفينة المقيم عليها الامبراطور واعملوا القتل فى رجالها . وكاد الامبراطور نفسه يقع فى قبضة المسلمين لولا انه تنكر بارتداء ملابس ابن أحد ضاربى الطبول على السفينة وهرب من المعركة على ظهر مركب إخر إلى جزيرة صقلية .
وبفرار الامبراطور قضى الأسطول الاسلامي على تلك الحشود البحرية ، التى أعدها الروم لاستعادة سلطانهم على مصر والشام . ومن ثم تعتبر تلك المعركة التى عرفها المسلمون باسم موقعة " ذات الصوارى" بسبب كثرة صوارى السفن المشتركة فى القتال ، من المعارك التى غيرت مجرى تاريخ البحر المتوسط وتشتهر تلك المعركة فى مراجع الروم الأورييبن باسم موقعة ،(فوينكس Phoeinix) وهو مكان على ساحل ليكيا بآسيا الصغرى ، حيث دارت عنده رحى القتال وقد طلق الروم بعد تلك المعركة كل مشروع لاسترداد مصر أو الشام من العرب وصار البحر المتوسط يشهد قوة المسلمين البحرية وحريا أن يدخل عهدا جديدا صار فيه قوة بحوية اسلامية .

رواية ابن عبد الحكم :

وهي توضح مراحل المعركة، وكيف نجا عبد الله بن سعد قائد الأسطول من الأسر الذي كاد يقع فيه، فيقول: "إن عبد الله بن سعد لما نزل ذات الصواري، أنزل نصف الناس مع بسر بن أبي أرطأة سرية في البر، فلما مضوا أتى آتٍ إلى عبد الله بن سعد فقال: ما كنت فاعلاً حين ينزل بك هرقل - يقصد قسطنطين- في ألف مركب فافعله الساعة". أي: أنه يخبره بحشد قسطنطين لأسطوله لملاقاته، وإنما مراكب المسلمين يومئذ مائتا مركب ونيف، فقام عبد الله بن سعد بين ظهراني الناس، فقال: قد بلغني أن هرقل قد أقبل إليكم في ألف مركب، فأشيروا علي، فما كلّمه رجل من المسلمين، فجلس قليلاً لترجع إليهم أفئدتهم، ثم قام الثانية، فكلمهم، فما كلمه أحد، فجلس ثم قام الثالثة فقال: إنه لم يبق شيء فأشيروا علي، فقال رجل من أهل المدينة كان متطوعاً مع عبد الله بن سعد فقال: أيها الأمير إن الله جل ثناؤه يقول: { كم من فئةٍ قليلةٍ غلبتْ فئةً كثيرةً بإذن اللهِ والله مع الصابرين }، فقال عبد الله: اركبوا باسم الله، فركبوا، وإنما في كل مركب نصف شحنته، وقد خرج النصف إلى البر مع بُسْر، فلقوهم - أي أسطول البيزنطيين - فاقتتلوا بالنبل والنشاب، فقال: غلبت الروم - أي انتصرت - ثم أتوه، فقال: ما فعلوا؟ قالوا: قد نفد النبل والنشاب، فهم يرتمون بالحجارة وربطوا المراكب بعضها ببعض يقتتلون بالسيوف، قال: غُلِبَتْ. وكانت السفن إذ ذاك تقرن بالسلاسل عند القتال، فقرن مركب عبد الله يومئذ، وهو الأمير، بمركب من مراكب العدو، فكاد مركب العدو يجتر مركب عبد الله إليهم - أي يجذبه نحوهم - فقال علقمة بن يزيد العطيفي، وكان مع عبد الله بن سعد في المركب فضرب السلسلة بسيفه فقطعها".[13]

رواية ابن الأثير :

قال: "فخرجوا [أي البيزنطيين] في خمسمائة مركب أو ستمائة، وخرج المسلمون وعلى أهل الشام معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، وعلى البحر عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وكان الريح على المسلمين لما شاهدوا الروم، فأرسى المسلمون والروم، وسكنت الريح، فقال المسلمون: الأمان بيننا وبينكم. فباتوا ليلتهم والمسلمون يقرؤون القرآن ويصلون ويدعون، والروم يضربون بالنواقيس. وقربوا من الغد سفنهم، وقرب المسلمون سفنهم، فربطوا بعضها مع بعض واقتتلوا بالسيوف والخناجر، وقتل من المسلمين بشر كثير، وقتل من الروم ما لا يحصى، وصبروا صبراً لم يصبروه في موطن قط مثله، ثم أنزل الله نصره على المسلمين فانهزم قسطنطينن جريحاً ولم ينجُ من الروم إلا الشريد، وأقام عبد الله بن سعد بذات الصواري بعد الهزيمة أياماً ورجع". [14]

رواية المؤرخ البيزنطي تيوفانس :

وهي توضح هزيمة البيزنطيين وفداحة خسائرهم، وكيف فرّ الإمبراطور ناجياً بنفسه: "ضم - أي قسطنطين - صفوف الروم إلى المعركة، وأخذ يتحرّش بالعدو، فنشبت المعركة بين الطرفين، وهزم الروم واصطبغ البحر بدمائهم، فغيّر الإمبراطور ملابسه مع أحد جنوده، وقفز أحد الجنود على مركبه واختطفه وذهب به هنا وهناك ونجا بمعجزة". [15]


اسباب معركة ذات الصواري

أصيب الروم بضربة حاسمة في إفريقية، وتعرضت سواحلهم للخطر بعد سيطرة الأسطول الإسلامي على سواحل المتوسط من ردوس حتى برقة، فجمع قسطنطين بن هرقل أسطولا بناه الروم من قبل، فخرج بألف سفينة لضرب المسلمين ضربة يثأر لها لخسارته المتوالية في البر، فأذن عثمان -الخليفه الثالث - لصد العدوان، فأرسل معاوية مراكب الشام بقيادة بسر بن أرطأة، واجتمع مع عبد الله بن سعد بن أبي السرح في مراكب مصر، وكانت كلها تحت أمرته، ومجموعها مائتا سفينة فقط، وسار هذا الجيش الإسلامي وفيه أشجع المجاهدين المسلمين ممن أبلوا في المعارك السابقة؛ فقد انتصر هؤلاء على الروم من قبل في معارك عديدة، فشوكة عدوهم في أنفسهم محطمة، لا يخشونه ولا يهابونه، على الرغم من قلة عدد سفنهم إذا قيست بعدد سفن عدوهم. خرج المسلمون إلى البحر وفي أذهانهم وقلوبهم إعزاز دين الله وكسر شوكة الروم، ولقد كان لهذه المعركة التاريخية أسباب، منها:


1- الضربات القوية التي وجهها المسلمون إلى الروم في إفريقية.


2- أصيب الروم في سواحلهم الشرقية والجنوبية بعد أن سيطر المسلمون بأسطولهم عليها.


3- خشية الروم من أن يقوى أسطول المسلمين فيفكروا في غزو القسطنطينية.


4- أراد قسطنطين بن هرقل استرداد هيبة ملكه بعد الخسائر المتتالية برًّا، وعلى شواطئه في بلاد الشام ومصر وساحل برقة.


5- كما أراد الروم خوض معركة ظنوا أنها مضمونة النتائج، كي تبقى لهم السيطرة في المتوسط، فيحافظوا على جزره، فينطلقوا منها للإغارة على شواطئ بلاد العرب.


6- محاولة استرجاع الإسكندرية بسبب مكانتها عند الروم، وقد ثبت تاريخيا مكاتبة سكانها لقسطنطين بن هرقل ملك الروم. هذه بعض أسباب


إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#11

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

معركة ذات الصواري(1).


أين وقعت هذه المعركة؟


(1) ذات الصواري، شوقي أبو خليل، ص60، 61.

وهذا السؤال لم يجد المؤرخون له جوابا موحدا؛ فالمراجع العربية لم تحدد مكانها، باستثناء مرجع واحد على ما نعلم صرح بالمكان بدقة، وآخر قال اتجه الروم إليه.


* في (فتح مصر وأخبارها) (1)ذكر الكتاب خطبة عبد الله بن سعد بن أبي السرح وقال: قد بلغني أن هرقل قد أقبل إليكم في ألف مركب. ولم يحدد مكان المعركة.


* (الطبري) (2) في أخبار سنة 31ه، ربط حدوث ذات الصواري بما أصاب المسلمون من الروم في إفريقية، وقال: فخرجوا في جمع لم يجتمع للروم مثله قط.


* ولم يذكر (الكامل في التاريخ) (3) مكان الموقعة أيضا، ولكنه ربط سبب وقوعها بما أحرزه المسلمون من نصر في إفريقية بالذات.


* وفي (البداية والنهاية) (4): فلما أصاب عبد الله بن سعد بن أبي السرح من أصاب من الفرنج والبربر بلاد إفريقية، حميت الروم واجتمعت على قسطنطين بن هرقل، وساروا إلى المسلمين في جمع لهم لم ير مثله منذ كان الإسلام؛ خرجوا في خمسمائة مركب وقصدوا عبد الله بن سعد بن أبي السرح في أصحابه من المسلمين ببلاد المغرب.


* (تاريخ الأمم الإسلامية): (5) لم يذكر مكان الموقعة أيضا(6)، ورجح الدكتور شوقي أبو خليل أن المعركة كانت على شواطئ الإسكندرية، وذلك للأسباب التالية:


* كتاب (النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة) يذكر صراحة: غزوة ذات الصواري في البحر من ناحية الإسكندرية(7).



(1) المصدر نفسه، ص61. (3) تاريخ الطبري (5/290).


(3) الكامل في التاريخ (3/58) طبعة البابي الحلبي - القاهرة.


(4) البداية والنهاية (7/163). (2) الشيخ الخضري (2/29).


(6) ذات الصواري، ص62. (4) النجوم الزاهرة (1/80).


* تاريخ ابن خلدون يذكر(1): ثم بعث ابن أبي السرح السرايا ودوخ البلاد فأطاعوا وعاد إلى مصر، ولما أصاب ابن أبي السرح إفريقية ما أصاب، ورجع إلى مصر خرج قسطنطين بن هرقل غازيا إلى الإسكندرية في ستمائة مركب.


* ربطت المراجع العربية التي لم تحدد موقع المعركة بين حدوث المعركة وبين ما خسره الروم في شمال إفريقية بالذات.


* الأسطول الرومي صاحب ماض عريق، فهو سيد المتوسط قبل ذات الصواري، فهو أجرأ على مهاجمة السواحل الإسلامية، ولذلك رجح الدكتور شوقي أبو خليل مجيء الأسطول الرومي إلى شواطئ الإسكندرية لاستعادتها بسبب مكانتها عند الروم، ومكاتبة أهلها لملكهم السابق، وهو بذلك يقضي أيضا على الأسطول الفتي في مهده، الذي شرع العرب في بنائه بمصر، فتبقى للروم السيطرة والسطوة في مياه المتوسط وجزره.


* المراجع الأجنبية تعرف ذات الصواري بموقعة (فونيكة)، وفونيكة هو ثغر يقع غرب مدينة الإسكندرية، بالقرب من مدينة مرسى مطروح، فهي تحدد الموقع تماما(2).


أحداث المعركة:


قال مالك بن أوس بن الحدثان: كنت معهم في ذات الصواري، فالتقينا في البحر، فنظرنا إلى مراكب ما رأينا مثلها قط، وكانت الريح علينا -أي لصالح مراكب الروم- فأرسينا ساعة، وأرسوا قريبا منا، وسكتت الريح عنا، قلنا للروم: الأمن بيننا وبينكم، قالوا: ذلك لكم، ولنا منكم.(3) كما طلب المسلمون من الروم: إن أحببتم ننزل إلى الساحل فنقتتل حتى يكتب لأحدنا النصر، وإن شئتم فالبحر. قال مالك بن أوس: فنخروا نخرة واحدة، وقالوا: بل الماء الماء، وهذا يظهر لنا ثقة الروم بخبرتهم البحرية، وأملهم في النصر لممارستهم أحواله وفنونه، مرنوا عليه فأحكموا الدراية بثقافته وأنوائه فطمعوا بالنصر فيه، خصوصا أنهم يعلمون حداثة عهد المسلمين به(4).



(1) تاريخ ابن خلدون (2/468). (6) ذات الصواري، شوقي أبو خليل، ص64.


(3) تاريخ الطبري (5/292). (2) ذات الصواري، ص66.



بات الفريقان تلك الليلة في عرض البحر، وموقف المسلمين حرج، فقال القائد المسلم لصحبه: أشيروا عليَّ؟ فقالوا: انتظر الليلة بنا لنرتب أمرنا ونختبر عدونا، فبات المسلمون يصلون ويدعون الله -عز وجل- ويذكرونه ويتهجدون، فكان لهم دوي كدوي النحل على نغمات تلاطم الأمواج بالمراكب، أما الروم فباتوا يضربون النواقيس في سفنهم، وأصبح القوم، وأراد قسطنطين أن يسرع في القتال، ولكن عبد الله بن سعد بن أبي السرح لما فرغ من صلاته إماما بالمسلمين للصبح، استشار رجال الرأي والمشورة عنده، فاتفق معهم على خطة رائعة: فقد اتفقوا على أن يجعلوا المعركة برية على الرغم من أنهم في عرض البحر، فكيف تم للمسلمين ذلك؟ أمر عبد الله جنده أن يقتربوا من سفن أعدائهم فاقتربوا حتى لامست سفنهم سفن العدو، فنزل الفدائيون أو رجال الضفادع البشرية في عرفنا الحالي إلى الماء، وربطوا السفن الإسلامية بسفن الروم، ربطوها بحبال متينة، فصار 1200 سفينة في عرض البحر، كل عشرة أو عشرين منها متصلة مع بعضها، فكأنها قطعة أرض ستجري عليها المعركة، وصفَّ عبد الله بن سعد المسلمين على نواحي السفن يعظهم ويأمرهم بتلاوة القرآن الكريم، خصوصا سورة الأنفال؛ لما فيها من معاني الوحدة والثبات والصبر(1).



(1) المصدر نفسه، ص67.


وبدأ الروم القتال، فهم في رأيهم قد ضمنوا النصر عندما قالوا: بل الماء الماء، وانقضوا على سفن المسلمين بدافع الأمل بالنصر، مستهدفين توجيه ضربة أولى حاسمة يحطمون بها شوكة الأسطول الإسلامي، فنقض الروم صفوف المسلمين المحاذية لسفنهم، وصار القتال كيفما اتفق, وكان قاسيا على الطرفين، وسالت الدماء غزيرة اصطبغت بها صفحة الماء، فصار أحمر، وترامت الجثث في الماء، وتساقطت فيه, وضربت الأمواج السفن حتى ألجأتها إلى الساحل، وقتل من المسلمين الكثير، وقتل من الروم ما لا يحصى، حتى وصف المؤرخ البيزنطي (ثيوفانس) هذه المعركة بأنها كانت يرموكا ثانيا على الروم.(1) ووصفها الطبري بقوله: إن الدم كان غالبا في الماء في هذه المعركة(2)، حاول الروم أن يغرقوا سفينة القائد المسلم عبد الله بن أبي السرح، كي يبقى جند المسلمين دون قائد، فتقدمت من سفينته سفينة رومية، ألقت إلى عبد الله السلاسل لتسحبها وتنفرد بها، ولكن علقمة بن يزيد الغطيفي أنقذ السفينة والقائد بأن ألقى بنفسه على السلاسل وقطعها بسيفه(3).



(1) ذات الصواري، ص67. (2) تاريخ الطبري (5/293).


(3) ذات الصواري، ص68. (4) تاريخ ابن خلدون (2/468)





وصمد المسلمون رغم كل شيء، وصبروا كعادتهم في معاركهم، فكتب الله -عز وجل- لهم النصر بما صبروا، واندحر ما تبقى من الأسطول الرومي، وكاد الأمير قسطنطين أن يقع أسيرا في أيدي المسلمين -كما ذكر ابن عبد الحكم- لكنه تمكن من الفرار لما رأى قواه تنهار وجثث جنده على سطح الماء تلقى بها الأمواج إلى الساحل. لقد رأى أسطوله الذي تأمل فيه خيرا ونصرا وإعادة كرامة يغرق قطعة بعد قطعة، ففر مدبرا والجراحات في جسمه، والحسرة تأكل فؤاده، يجر خيبة وفشلا، فوصل جزيرة صقلية(1)، وألقت به الريح هناك، فسأله أهله عن أمره فأخبرهم، فقالوا: شمت النصرانية، وأفنيت رجالها، لو دخل المسلمون لم نجد من يردهم(2) فقتلوه، وخلوا من كان معه من المراكب(3).


نتائج ذات الصواري:


1- كانت ذات الصواري أول معركة حاسمة في البحر خاضها المسلمون، أظهر فيها الأسطول الفتيُّ الصبر والإيمان، والجَلَد والفكر السليم بما تفتَّق عنه الذهن الإسلامي من خطة جعلت المعركة صعبة على أعدائهم، فاستحال عليهم اختراق صفوف المسلمين بسهولة، كما استخدم المسلمون خطاطيف طويلة يجرون بها صواري وشرع سفن الأعداء، الأمر الذي انتهى بكارثة بالنسبة للروم.


2- كانت ذات الصواري حدا فاصلا في سياسة الروم إزاء المسلمين، فأدركوا فشل خططهم في استرداد هيبتهم، أو استرجاع مصر أو الشام، وانطلق المسلمون في عرض هذا البحر الذي كان بحيرة رومية، وانتهى اسم (بحر الروم) إلى الأبد، واستطاع المسلمون فتح قبرص وكريت وكورسيكا وسردينيا وصقلية وجزر البليار، ووصلوا إلى جنوة ومرسيليا.


3- قتل قسطنطين فتولى ابن قسطنطين الرابع من بعده، وكان حَدَثًا صغير السن، مما جعل الظروف مواتية لقيام حملة بحرية وبرية إسلامية تستهدف عاصمة روما (القسطنطينية) فيما بعد.


(2) المصدر نفسه (2/468). (6) ذات الصواري، ص68


4- الإعداد الروحي قبل المعركة -أو ما يسمى بالتوجيه المعنوي في أيامنا هذه- له قيمته في تحقيق النصر؛ حيث تتجه القلوب إلى الله بصدق، فهذا المؤمن الذي بات ليله في تهجد وذكر، يستمد العون من الله، من عظمته وعزته، بعد أن هيأ الأسباب، يلقى الأعداء بروح عالية لا يهاب الموت، فالله أكبر من كل شيء، وهذه المعارك التي نصف أحداثها التاريخية هي وصفة طبية نعرضها للتطبيق والنهج، لنستفيد منها في حياتنا؛ فحياة الصحابة ما هي إلا للقدوة وسيرة للاتباع.(1)


5- أصبح البحر المتوسط بحيرة إسلامية، وصار الأسطول الإسلامي سيد مياه البحر المتوسط، وهذا الأسطول ليس للتسلط والقرصنة بل للدعوة إلى الله وكسر شوكة المشركين، ونشر الحضارة المنبثقة عن كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -.


6- عكف المسلمون على دراسة علوم البحرية، وصناعة السفن، وكيفية تسليحها، وأسلوب القتال من فوقها، وعلوم الفلك المتصلة بتسييرها في البحار، ومعرفة مواقعهم على المصورات البحرية المختلفة، فيما بعد، فعرفوا الاصطرلاب (البوصلة الفلكية), وطوروها إلى المدى الذي استفاد منه بعد ذلك البحارة الغربيون أمثال: كرستوف كولومبس، وأمريكوفيسبوشي في اكتشافاتهم(2).


(1) ذات الصواري، ص71، 72. (2) المصدر نفسه، ص76.


7- لقد كانت هذه المعركة مظهرا من مظاهر تفوق العقيدة الصحيحة الصلبة على الخبرة العسكرية والتفوق في العدد والعُدَد، فلقد كان الروم هم أهل البحر منذ القدم، وقد مروا بتجارب طويلة في الحروب البحرية، بينما كان المسلمون حديثي عهد بركوب البحر والقتال البحري، ولكن الله تعالى أدلى المسلمين عليهم برغم التفوق المذكور؛ لأنه سبحانه قد سخر أولئك المؤمنين لنشر دينه وإعلاء كلمته في الأرض. وإن مما يشاد به في هذه المعركة قوة قائدها عبد الله بن سعد بن أبي السرح ورباطة جأشه، ومقدرته الجيدة على إدارة الحروب، وهي بعد ذلك لون من ألوان بسالة المسلمين واستقالتهم في الحروب بأنفسهم في سبيل إعزاز دينهم ورفع شأن دولتهم(1).


إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#12

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

بُهْرَسير.. الطريق إلى المدائن



كان المسلمون يرون فتح بلاد فارس أمرا صعب المنال، ومن ثم فقد كانوا يتهيبون غزوها، ولم يسعوا لقتالها.
فلما ولي عمر بن الخطاب الخلافة، ورأى أن بلاد فارس قد أصبحت مسرحًا للفوضى والاضطرابات صح عزمه على غزوها، وشجعه على ذلك تلك الهزيمة التي لحقت بالروم في "أجنادين" سنة (15هـ= 636م)، واطمئنانه أنهم لم يعودوا يمثلون خطرًا على المسلمين.
ووقع اختيار عمر بن الخطاب على واحد من أكفأ القادة المسلمين، وأكثرهم حماسًا واستعدادًا لمواجهة الفرس، وكان ذلك القائد هو "سعد بن أبي وقاص" فسيّره في جيش كبير إلى العراق وفارس (إيران).
انتصار القادسية

استطاع سعد في نحو عشرة آلاف فارس أن يحقق نصرًا ساحقًا على الفرس في القادسية، وكان قائد الفرس حينذاك "رستم" ذا الحاجب على رأس جيش بلغ مائة وعشرين ألف مقاتل، حيث دارت معركة عنيفة كانت من أهم المعارك في التاريخ بين المسلمين والفرس، واستمرت المعركة عدة أيام، حتى تحقق النصر للمسلمين، وفر رستم وجنوده، وغنم المسلمون فيها مغانم كثيرة.
كان انتصار المسلمين في القادسية دافعًا لهم للاستمرار في زحفهم نحو المدائن عاصمة الفرس، وسار سعد بجنوده حتى وصل إلى بهرسير وكانت إحدى حواضر فارس، فنزل سعد قريبًا منها، وأرسل مجموعة من جنوده لاستطلاع الموقف، وعاد هؤلاء الجنود وهم يسوقون أمامهم آلافًا من الفلاحين، من أهل تلك المدينة.
وحيثما علم "شيرزار" دهقان (أمير) "ساباط" بالأمر أرسل إلى سعد يطلب منه إطلاق سراح هؤلاء الفلاحين، ويخبره أنهم ليسوا مقاتلين، وإنما هم مجرد مزارعين أُجراء، وأنهم لم يقاتلوا جنوده؛ فكتب سعد إلى عمر يعرض عليه الموقف ويسأله المشورة: "إنا وردنا بهرسير بعد الذي لقينا فيما بين القادسية وبهرسير، فلم يأت أحد لقتال، فبثثت الخيول، فجمعت الفلاحين من القرى والآجام.. فرأيك".
فأجابه عمر: "إن من أتاكم من الفلاحين إذا كانوا مقيمين لم يعينوا عليكم فهو أمانهم، ومن هرب فأدركتموه فشأنكم به".. فلما جاءه خطاب عمر خلى سعد سبيلهم.
حصار.. وفتح

وأرسل سعد إلى الدهاقين (رؤساء المدن والأقاليم) يدعوهم إلى الإسلام على أن يكون لهم ما هم عليه من الإمارة والحكم، أو الجزية ولهم الذمة والمنعة، فدخل كثير منهم الإسلام لما وجدوه من سماحة المسلمين وعدلهم -مع ما هم عليه من بأس وقوة- ولكن بهرسير امتنعت عنه، وظن أهلها أن حصونها تحول دون فتح المسلمين لها، فحاصرها سعد بجنوده طوال شهرين يرمونها بالمجانيق، ويدكونها بالدبابات التي صنعوها من الجلود والأخشاب؛ وكان الجنود يحتمون بها وهم يعاودون مهاجمة أسوار المدينة المرة بعد الأخرى، ويقاتلونهم بكل عدة.
ولكن المدينة كانت محصّنة فنصب سعد حولها عشرين منجنيقًا في أماكن متفرقة ليشغلهم ويصرفهم عن ملاحظة تقدم فرسانه نحو المدينة لاقتحامها.
وأحس الفرس بمحاولة المسلمين اقتحام المدينة؛ فخرج إليهم عدد كبير من الجنود الفرس ليقاتلوهم ويمنعوهم من دخول المدينة، وضرب المسلمون أروع الأمثلة في البطولة والفداء، وقوة التحمّل والحرص على الشهادة، وكان القائد "زُهْرة بن الجويّة" واحدا من أولئك الأبطال الشجعان الذين سطّروا بدمائهم ملحمة الانتصار، وكان عليه درع مفصومة، فأرادوا أن يصلحوها له قبل أن يخرج للقتال حتى لا يصيبه سهم من خلالها، ولكنه أبى، وقال: "إني لكريم على الله، إن ترك سهمُ فارس الجندَ كلَّه ثم أتاني من هذا الفصم حتى يثبت فيّ!".
وانطلق يقاتل في جرأة وشجاعة، حتى أصيب بسهم في ذلك الفصم، فتحامل على نفسه حتى استطاع أن يصل إلى قائد الفرس "شهْربَرَاز"، فضربه بسيفه فقتله.. وما إن رأى جنود الفرس قائدهم يسقط على الأرض مدرجًا في دمائه حتى تملكهم الهلع والذعر، وتفرق جمعهم، وتتشتت فرسانهم، وانطلقوا يفرون على غير هدى إلى الجبال.
وظل المسلمون يحاصرون بهرسير بعد أن فر الجنود والتحقوا بالفيافي والجبال، واشتد حصار المسلمين على المدينة؛ حتى اضطر أهلها إلى أكل الكلاب والقطط، فأرسل ملكهم إلى المسلمين يعرض الصلح على أن يكون للمسلمين ما فتحوه إلى دجلة، ولكن المسلمين رفضوا وظلوا يحاصرون المدينة، ويضربونها بالمجانيق، واستمر الحال على ذلك فترة من الوقت.
وبدت المدينة هادئة يخيم عليها الصمت والسكون، وكأنه لا أثر للحياة فيها، فحمل المسلمون عليها ليلاً، وتسلقوا أسوارها وفتحوها، ولكن أحدًا لم يعترضهم من الجنود، ولم يجدوا فيها إلا عددًا من السكان ساقوهم أسرى.. ودخل المسلمون بهرسير فاتحين بعد أن حاصروها زمنًا طويلاً.
الصلاة بإيوان كسرى

كان الظلام قد أرخى سدوله على المدينة، وكان ضوء القمر يرسم أشباح المنازل القابعة في أحضان سور المدينة العالي الحصين، وانتشر فرسان المسلمين ليحكموا سيطرتهم على المدينة، وفجأة لاح لهم قصر كسرى الشامخ بلونه الأبيض وبنائه السامق العجيب؛ فراحوا يكبرون.. وهم يتذكرون وعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعرش كسرى، وانطلق تكبيرهم يشق سكون الليل ويتردد في الفضاء.
ودخل سعد مع جنوده القصر الأبيض، وصلى في إيوان كسرى شكرًا لله على النصر.. فقد كان انتصار المسلمين وفتحهم لمدينة بهرسير الحصينة هو بداية الطريق إلى فتح "المدائن" عاصمة الفرس المنيعة القوية.‏‏

إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#13

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

رد: موسوعة معارك اسلامية(3)


إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#14

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

معركة وادي الخزندار


معركة وادي الخزندار . أيضاً تعرف بـمعركة مجمع المروج [7]، ومعركة مرج المروج [8] ، و معركة سلمية ، و معركة حمص الثالثة، معركة وقعت في سوريا شمال شرق حمص دارت رحاها في عام 699 هـ /1299م بين المماليك بقيادة الناصر محمد بن قلاوون ومغول الإلخانات بقيادة محمود غازان. انتهت بانتصار المغول على المماليك بسبب صغر حجم جيش الأخير ونقص استعدادته [11]. رغم هزيمة المماليك الفادحة إلا أنهم أوقعوا خسائر جسيمة بالجيش المغولي.

خلفية المعركة

بعد موت جنكيز خان في عام 1227م قسمت إمبراطورية المغول بين أبنائه الأربعة. وكانت الأجزاء التي تهم الدولة المملوكية جزأين هما: الجزء الغربي من دولة جنكيز خان وكان من نصيب حفيده "باتو بن جوجي"، وعرف هذا الفرع باسم " القبيلة الذهبية " (خانات القفجاق) وشملت حدودها أجزاء من ما يُعرف اليوم باسم (روسيا،أوكرانيا،مولدوفيا وكازاخستان). و الجزء الآخر بلاد فارس وكان من نصيب "تولوي"، وعرف هذا الفرع باسم دولة "الإلخانات" (مغول فارس).
توسع الإلخانات في آسيا الصغرى، واقتحموا حدود العالم الإسلامي، وفي عام 1258 استولوا بقيادة "هولاكو" على بغداد ودمروها، وقتلوا الخليفة المستعصم بالله وقضوا على الخلافة العباسية، ثم استولوا على دمشق، وبذلك فقد المسلمون مركزين هامين من مراكز الثقافة في العالم الإسلامي .
أما القبيلة الذهبية في الجزء الغربي، فقد اعتنقت الإسلام، وصارت عضداً وحليفاً للمسلمين في حربهم ضد مغول فارس [12]. بعد الاستيلاء على بغداد ودمشق أرسل هولاكو إلى سيف الدين قطز سلطان مصر المملوكي يهدده ويأمره بالخضوع له. فخرج قطز من القاهرة بجند مصر[13]. ومن انضم إليه من عسكر الشام [14] والعرب والتركمان [15]، واصطدم بجيش المغول في 3 سبتمبر 1260م وهزمه هزيمة ساحقة في معركة كبرى عرفت باسم معركة عين جالوت [16][17]. بانتصار قطز على مغول فارس تم تحرير دمشق من المغول، وتلاشت الدولة الأيوبية نهائياً، وامتدت الدولة المملوكية الناشئة إلى الشام .
إلا أن معركة عين جالوت لم تنه مطامع مغول فارس في الشام، بل صار المغول يتربصون ويعدون العدة لأخذ ثأر هزيمتهم على أيدي المماليك. لم يكد يعلم المغول بموت السلطان قطز حتى أغاروا بقيادة "بيدرا" على مدينة البيرة وبعد ذلك هاجموا حلب واستولوا عليها [18]. أدرك السلطان بيبرس الذي خلف قطز خطورة مغول فارس على دولة المماليك والعالم الإسلامي، فهادن الصليبيين وعقد حلفاً مع "بركة خان بن جوجي" ملك مغول القبيلة الذهبية الذي أشهر إسلامه، حتى يتفرغ لمواجهة خطر مغول فارس. وتمكن بيبرس من استرداد البيرة ووقف للمغول والصليبيين بالمرصاد [19].
بعد وفاة الظاهر بيبرس جدد السلطان قلاوون، الذي خلف بيبرس وابنيه السعيد بركة قان وسُلامش، الهدنة مع الصليبيين ليتفرغ هو الآخر لمواجهة الخطر المغولي وتمكن من هزيمتهم قرب حلب في عام 1280م ثم هزمهم مرة أخرى هزيمة نكراء عند حمص في سنة 1281م عندما هاجموا الشام بقيادة " أباقا بن هولاكو ". خلف أباقا بعد وفاته أخوه " تكودار " الذي أشهر إسلامه وسمى نفسه أحمد مما أدى إلى تحسن العلاقات بين مغول فارس والمماليك. إلا أن تحسن العلاقات لم يدم طويلاً، إذ قتل تكودار على يد ابن أخيه " أرغون بن أباقا " الذي ولى عرش مغول فارس مكانه في عام 1284م وعرف بكراهيته وعدائه للمسلمين [20].
بعد صراعات داخلية بين مغول فارس أطاح " غازان بن أرغون " بابن عم أبيه " بايدو بن طرقاي " في عام 1295م ليصبح بذلك سابع إلخانات فارس [21]، وقام بتبديل لقبه من إلخان إلى سلطان [22].
ونشأ غازان مسيحياً وقامت بتربيته "ديسبينا خاتون" زوجة "أباقا"، التي كانت صديقة للصليبيين وعدوة لدودة للمسلمين. إلا أن غازان اعتنق الإسلام وسمى نفسه محمودا، وجعل الإسلام الديانة الرسمية لدولة مغول فارس، ولكن هذا لم يؤد إلى تلاشي أحقاده على المماليك وأطماعه في السيطرة على بلاد المسلمين. وبقي غازان صديقاً وحليفاً للصليبيين [23][24].
عندما استولى غازان على عرش الإلخانات كان السلطان العادل كتبغا (حكم 1294م - 1295م) يجلس على عرش المماليك بقلعة الجبل بالقاهرة [25]. وكان كتبغا ذاته من أصل مغولي، وفي عهده وفد إلى الشام ومصر عدد كبير من المغول الوافدية من طائفة الأويراتية [26]. وفيما بين عامي 1296م و1299م حكم البلاد السلطان حسام الدين لاجين، وبعد وفاته نصب الناصر محمد بن قلاوون للمرة الثانية سلطاناً على البلاد، وكان عمره حينذاك أربعة عشر عاماً [27] [28]. في عهد السلطان لاجين فر الأميران قبجق المنصوري نائب دمشق وبكتمر السلاح دار إلى المغول وأقاما عند غازان [29]، فلما نصب الناصر سلطاناً أغرى قبجق غازان بسهولة الزحف على الشام نظراً لصغر سن السلطان الناصر وانشغال الأمراء في خلافاتهم [30]. فما كاد الناصر محمد يستقر على تخت السلطنة في عام 1299 حتى وردت الأنباء بزحف المغول بقيادة غازان على الشام






زحف المغول على الشام

رد: موسوعة معارك اسلامية(3) رد: موسوعة معارك اسلامية(3)
محاربون مغول


في سنة 699هـ / 1299م وردت أنباء عن زحف مغولى من حلب على الشام يقوده محمود غازان سلطان مغول فارس (الإلخانات)، وأن طلائع المغول قد وصلت إلى البيرة. جمع الناصر محمد الأمراء للتشاور، واتفقوا على خروج بيبرس الجاشنكير أستادار السلطان إلى حلب على رأس جيش صغير قوامه خمسمائة مملوك، على أن يلحق به الناصر ببقية الجيش [32].
في 15 صفر خرج الناصر من القاهرة على رأس جيشه متوجهاً إلى دمشق، وفي صحبته الخليفة العباسي الإمام أحمد الحاكم بأمر الله [33][34] ، و القضاة الأربعة [35]، وسائر الأمراء.




تآمر المغول الأويراتية

عند وصول جيش الناصر محمد إلى تل العجول من غزة تآمر المغول الأويراتية الذين وفدوا إلى مصر وأقاموا فيها في عهد السلطان المخلوع كتبغا، مع بعض المماليك السلطانية على اغتيال الأميرين سلار نائب السلطنة [36] و بيبرس الجاشنكير أستادار السلطان [37][38] بهدف الانتقام وإعادة كتبغا -وهو مغولى الأصل- إلى الحكم. وأفلت بيبرس من القتل بعد أن هاجمه أحد المماليك السلطانية ويدعى برنطاي ولكنه نجا وقُتل برنطاى بعد أن تبادرته السيوف. ظن سلار أن المؤامرة قد تمت بمعرفة الناصر فأرسل إلى أمير جاندار يقول: "ما هذه الفتنة التي تريدون إثارتها في هذا الوقت ونحن على لقاء العدو؟ وقد بلغنا أن الأويراتية قد وافقت المماليك السلطانية على قتلنا، وكان هذا برأيك ورأى السلطان، وقد دفع الله عنا. إن كان الأمراء كذلك فنحن مماليك السلطان ومماليك أبيه الشهيد، ونحن نكون فداء للمسلمين وإن لم يكن الأمر كذلك فابعثوا إلينا غرماءنا". فلما سمع الناصر هذا الكلام بكى، وأقسم أنه لم يكن يعلم. وأقسم أمير جاندار أيضاٌ وذكر أنه ظن أن السلطان كان هو هدف المتآمرين. وتم الصلح بين أمير جاندار والأمراء البرجية. وقُبض على الأويراتية، فأقروا بما كانوا قد عزموا عليه من قتل بيبرس الجاشنكير وسلار وإعادة العادل كتبغا إلى الحكم. وشنق نحو الخمسين من الأويراتية، ونودى عليهم : "هذا جزاء من يقصد إقامة الفتن بين المسلمين ويتجاسر على الملوك". واتفق بيبرس وسلار على إبعاد بعض مماليك الناصر إلى الكرك فأبعدوا بموافقته [39].
عند قرتية [40]. تعرض الجيش لسيل عارم أتلف وأضاع الكثير من منقولات الجنود وهجنهم فتشائموا وتطيروا من ذلك. وبعد السيل خرج جراد سد الأفق فزاد تطيرهم وخوفهم





المعركة

رد: موسوعة معارك اسلامية(3) رد: موسوعة معارك اسلامية(3)
خريطة موقع معركتي وادي الخزندار و شقحب بين المماليك والمغول في عهد الناصر محمد بن قلاوون ومحمود غازان.


في 8 ربيع الأول وصل الناصر إلى دمشق على رأس جيشه، ووردت الأنباء بالبريد ومع القادمين من حلب وغيرها بعبور غازان نهر الفرات بجيش ضخم. في 17 ربيع الأول خرج عسكر دمشق وتبعه الناصر بجيشه ونزلوا بحمص، وأرسل الناصر العربان لمعاينة وضع المغول، فبلغه أنهم يحتشدون عند سلمية [42].
في سحر 18 ربيع الأول خرج الناصر من حمص لملاقاة المغول [43][44]. وقد اُمر الجنود بالتخلي عن الرماح والاعتماد على السيوف والدبوس [45]. ووصل الناصر إلى مجمع المرج -الذي عرف فيما بعد باسم وادي الخزندار- وقام الأمراء بترتيب الجنود وتنظيم الصفوف. وراح الفقهاء يعظون المقاتلين ويقوون عزائمهم حتى بكوا من وقع الكلمات وشدة التأثر [46].
كانت عدة جيش المسلمين نحو 20 ألف فارس وكان جيش غازان في نحو 100 ألف [47]، وكان يضم قوات متحالفة من مملكة قليقية Cilicia (مملكة أرمينية الصغري)[48][49].
وقف الأمير عيسى بن مهنا في الميمنة على رأس العربان، يليه الأمير بلبان الطباخي نائب حلب على رأس عسكر حلب وحماة. ووقف على رأس الميسرة أقش قتال السبع والحاج كرت نائب طرابلس والأمير بدر الدين بكتاش في عدة من الأمراء. أما في القلب فقد وقف بيبرس الجاشنكير وسلار وأيبك الخازندار في عدة من الأمراء. ووقف الناصر محمد على بعد مع حسام الدين لاجين الأستادار [50]. وقد اضطر بيبرس الجاشنكير إلى الاعتزال بسبب إصابته بمغص شديد مفاجىء منعه من الثبات على فرسه [51].
أمر غازان مقاتليه بالثبات وعدم الحركة إلى أن يتحرك هو حتى يتمكنوا من مهاجمة جيش الناصر هجمة رجل واحد. فلما انطلقت طليعة جيش الناصر (الزراقون) بالنفط المشتعل تجاه جيش المغول، لم يتحرك غازان بعكس ما توقع المسلمون، وظل على ثباته حتى اقتربت طليعة المسلمين منه وقد خمدت نيران النفط، فهجم بجيشه حملة واحدة. انطلقت سهام عشرة آلاف مغولي من رماة النشاب نحوالعربان وضغطت ميمنة جيشهم عليهم فولى العربان مدبرين وخلفهم جيش حلب وحماة فهزمت ميمنة جيش المسلمين. أما ميسرة جيش الناصر فقد تمكنت من صدمة ميمنة غازان صدمة قوية فرقت جمعها ودحرتها عن أخرها، وفقد المغول في تلك الصدمة نحو الخمسة آلاف. وكتب بذلك إلى الناصر محمد فابتهج [52].
كاد غازان أن يولي الأدبار فاستدعى قبجق نائب دمشق فشجعه وثبته حتى تماسك ونظم صفوفه وحمل حملة واحدة على قلب جيش المسلمين فلم يصمد سلار وسائر الأمراء البرجية وتولوا أمام جيش غازان الذي تبعهم وراح يرمي السهام على أقفيتهم. رأى الملك الناصر جيشه يولي الأدبار وخلفه جيش غازان يمطره بالسهام، فراح يبكى ويبتهل قائلاً: "يارب لا تجعلني كعباً نحساً على المسلمين" [53]. لم يبق مع الناصر من المماليك غير اثني عشر مملوكاً [54].
عاد مقاتلو ميسرة جيش المسلمين التي هزمت ميمنة غازان إلى حمص بالغنائم بعد العصر، فإذا بهم يرون الأمراء البرجية يولون منهزمين وفي أعقابهم المغول يتبعونهم فبهتوا. إلا أن غازان أمر مقاتليه بالانسحاب خشية أن يكون المسلمون قد نصبوا لهم كميناً فنجوا.
وصل بقية المنهزمون إلى حمص وقت الغروب بلا عتاد ولا سلاح، بعد ما غنم المغول سائر ما كان معهم، فصرخ فيهم أهل حمص: "الله الله في المسلمين!"، ثم توجهوا إلى دمشق [55].
استناداً إلى المقريزي قتل في المعركة العديد من الأمراء، ونحو أربعة عشر ألفاً من المغول [56]. وتجدر الإشارة إلى أن المماليك كانوا عادة يحصون عدد الأمراء المقتولين مع عدم الإشارة إلى المقتولين من عوام الجنود والمتطوعين. ويذكر ابن إياس أن عدد القتلى من الجانبين كان ضخماً







دخول المغول دمشق

رد: موسوعة معارك اسلامية(3) رد: موسوعة معارك اسلامية(3)
الجامع الأموي


ما كاد المنهزمون يصلون إلى دمشق حتى وصل خبر بقدوم غازان، فسارعوا بمغادرة المدينة [58]. وصل غازان إلى أطراف دمشق بعد أن نهب الخزائن السلطانية وعتاد جيش المسلمين في حمص، فقامت ضجة عظيمة وهرب الناس من المدينة في فزع، وهرب نحو مائتى سجين من السجون [59]، ومات من الزحام في الأبواب العديد من الناس، وفر إلى جهة مصر كثير منهم [60][61]. واجتمع من بقى في المدينة بالجامع الأموي واتفقوا على إرسال قاضى القضاة بدر الدين محمد والفقيه تقي الدين أحمد بن تيمية، في عدة من شيوخ وقضاة دمشق، إلى غازان لطلب الأمان، فذهبوا إليه عند النبك، ومنهم من قبل له الأرض، وطلبوا منه الأمان عن طريق مترجم، فقال لهم "قد بعثت إليكم الأمان" وصرفهم، فعادوا إلى دمشق [62][63]، وفي يوم الجمعة قرأ الأمير إسماعيل التتري، الذي حمل الأمان لأهل دمشق، الفرمان. ولم يخطب في مساجد دمشق لأحد من الملوك في ذاك اليوم. بعد يومين دخل غازان دمشق ومعه قبجق نائب دمشق [64] [65].
رفض الأمير علم الدين سنجر المنصوري نائب قلعة دمشق [66] المعروف بأرجواش الخضوع لغازان وتحصن في قلعة دمشق ، فلما طلب منه قبجق وبكتمر الاستسلام بحجة أن دم المسلمين في عنقه رفض وسبهما سباً قبيحاً وقال لهما : " إن دم المسلمين في أعناقكم أنتم لأنكم كنتم السبب في مجيء التتار " [67]. فذهب الأمير إسماعيل التتري إلى قضاة وأعيان دمشق يحذرهم من مغبة عدم استسلام أرجواش وتسليمه القلعة للمغول وهددهم بنهب دمشق وقتل الجميع. فأرسلوا إليه الرسل يطلبون منه الاستسلام فرفض ورد عليهم بالشتائم [68].
في يوم الجمعة 14 ربيع الآخر 696هـ خطب لغازان على منبر دمشق بألقابه وهي: "السلطان الأعظم سلطان الإسلام والمسلمين مظفر الدنيا والدين محمود غازان". وقرىء على الناس تقليد قبجق دمشق وحلب وحماة وحمص وغيرها، وولايته للقضاة والخطباء وغيرهم، ونثرت الدنانير على الناس ففرحوا بها [69] [70]. ونهب المغول وأرمن مملكة قليقية المدن وأحرقوا المساجد والمدارس وقتلوا الناس. قام الأرمن بتخريب الصالحية (قرب دمشق، سوريا) وقتلوا وأسروا نحو 10.000 من أهلها وفر من تمكن منهم إلى دمشق [71]. وانتهز الأرمن فرصة هزيمة المسلمين فاستولوا على تل حمدون وغيرها [72]. وخرج ابن تيمية إلى غازان بتل راهط للشكوى من النهب والتخريب وقتل الناس برغم منح الأمان فلم يتمكن من لقائه لانشغاله بشرب الخمر. فاجتمع بالوزيرين سعد الدين ورشيد الدين فنصحاه بدفع المال [73].
نصب المغول المنجنيق على القلعة بالقرب من جامع دمشق الكبير فلما بلغ أرجواش ذلك بعث بعض رجاله فأفسدوا ما وضعه المغول، ولكن المغول أعادوا وضع المنجنيق وقاموا بحراسته، وحولوا الجامع إلى حانة، واستباحوا حرمته وشربوا فيه الخمور وفجروا بنساء المسلمين [74]، ولم تقم به صلاة العشاء في هذا الوقت . فأرسل أرجواش رجلا لقتل المنجنيقي فهجم عليه بسكين وقتله وهو في وسط المغول، وهرب إلى القلعة. ثم قام أرجواش بهدم وحرق ما حول القلعة لئلا يستتر به المغول [75].
راح المغول يجبون الأموال من أهل الشام وينقلونها إلى خزانة غازان. فلما انتهت الجباية غادر غازان دمشق إلى فارس بعد أن أقام الأمير قبجق نائباً على دمشق، والأمير بكتمر نائباً على حلب وحمص وحماة، والأمير الألبكي نائباً على صفد وطرابلس والساحل تحت حماية نائبه قطلو شاه [76][77]، ووعد بالعودة لغزو مصر [78] كاتباٌ: "إنا قد تركنا نوابنا بالشام في ستين ألف مقاتل، وفي عزمنا العود إليها في زمن الخريف، والدخول إلى الديار المصرية وفتحها" [79]. بعد رحيل غازان استمر نهب وتخريب دمشق وكسر المغول أبواب البيوت ونهبوا ما فيها وأحرقوا الكثير من الدور والمدارس واحترقت المدرسة العادلية [80]. ونهب المغول الأغوار حتى بلغوا القدس، ووصلوا إلى غزة حيث قتلوا بعض الرجال في جامعها [81].
ومما قاله الشعراء في فاجعة الهزيمة : " غلاء وغازان وغزوة وغارة .. وغدر وإغبان وغم ملازم "




إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#15

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)



انسحاب جنود الناصر إلى مصر

أما في مصر فقد تواصل ورود شراذم الجنود ومعهم عوام من الشام في أسوأ حال [83]، بعد أن انهمرت عليهم أمطار غزيرة في رحلة فرارهم إلى مصر، واجتيازهم لطرقات موحلة وتعذرت عليهم الأقوات [84]. وكان من ضمن الفارين إلى مصر السلطان المخلوع العادل كتبغا الذي كان السلطان لاجين قد عينه في عهده نائبا على قلعة صرخد. وبعد فراره إلى مصر مع الفارين دخل في خدمة الأمير سلار. وعاد السلطان الناصر إلي مصر بعد أن تفرقت العسكر عنه ولم يبق معه إلا بعض خواصه، ودخل قلعة الجبل في 12 ربيع الآخر [85] وقد أصابه حزن بالغ وتألم ألماً شديداً لهذه الهزيمة الشنعاء التي مني بها







إعادة تنظيم الجيش

بدأ الناصر فور عودته إلى القاهرة بتنظيم الجيش وتجهيزه لأخذ الثأر من المغول [87]. واستدعى صناع السلاح وجُمعت الأموال والخيل والرماح والسيوف من كل أرجاء مصر. ورسم للجنود العائدين بالنفقة فمنحوا أموالاً كثيرة أصلحوا بها أحوالهم وجددوا عدتهم وخيولهم [88]. ونودي بحضور الأجناد البطالين ووزعوا على الأمراء.
استدعي مجدي الدين عيسى نائب الحسبة ليأخذ فتوى الفقهاء بأخذ المال من الناس للنفقة على الحرب. فأحضر فتوى قديمة كان السلطان قطز قد استخدمها في أخذ دينار من كل شخص قبل معركة عين جالوت. ولكن الشيخ تقي الدين محمد بن دقيق العيد امتنع عن إصدار فتوى بهذا الخصوص قائلاً: "لم يكتب ابن عبد السلام للملك المظفر قطز حتى أحضر سائر الأمراء ما في ملكهم من ذهب وفضة وحلي نسائهم وأولادهم ورآه. وحلف كل منهم أنه لا يملك سوى هذا. كان ذلك ليس بكاف، فعند ذلك كتب بأخذ الدينار من كل واحد. وأما الآن فيبلغني أن كلا من الأمراء له مال جزيل، وفيهم من يجهز بناته بالجواهر واللآلي، ويعمل الإناء الذي يستنجي منه في الخلاء من فضة. ويرصع مجاس زوجته بأصناف الجواهر". عندئذ تقرر النظر في أموال التجار والأغنياء، وأخذ مايمكن أخذه من كل منهم بحسب قدرة كل واحد. فرض على كل فرد من التجار والأغنياء من عشرة دنانير إلى مائة دينار، وطلب من أعيان التجار مالاً على سبيل القرض، فتم جمع مبالغ كبيرة. على الرغم من التكاليف الباهظة والأعداد الكبيرة من نازحي الشام إلا أن ذلك لم يوثر كثيراً على اقتصاد مصر، ارتفع سعر السلاح ولكن هبطت أسعار الغذاء ولم يحدث نقص في الأسواق [89].
في غضون ذلك وردت الي القاهرة أنباء رحيل غازان عن دمشق وإقامة قبجق نائباً عليها، فأرسل الناصر إلى قبجق وبكتمر يدعوهما للولاء له، فاستجابا له. وخرج قبجق من دمشق متوجهاً إلى مصر، فاستولى الأمير أرجواش على دمشق وأعاد الخطبة باسم الملك الناصر بعد انقطاعها مائة يوم [90]. وسار بيبرس الجاشنكير وسلار إلى دمشق وأرسلا العسكر إلى حلب فقتلوا من كان فيها من أتباع غازان، وفر بعضهم إلى غازان وعرفوه بغدر قبجق به. وأقيم العادل كتبغا نائباً على حماة [91]، وخلع على أرجواش وأنعم عليه، وأقيم قبجق على نيابة الشوبك. وزحفت جنود الناصر على جبل الدروز وألزموا الدروز، بعد أن طلبوا الأمان، بإعادة العتاد والأموال التي نهبوها من الجنود وقت انسحابهم إلى مصر [92].
وصل إلى القاهرة وفد من غازان بطلب الصلح ووافق الناصر على الصلح ورد على غازان برسالة تقول: "إذا جنح الملك للسلم جنحنا لها.. والمشاهد لتصافينا يتلوا قوله تعالى: (واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداءًً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً) [93]، وينتظم إن شاء الله شمل الصلح أحسن انتظام، ويحصل التمسك من الموادعة والمصافاة بعروة لا انفصال ولا انفصام، وتستقر قواعد الصلح على ما يرضي الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام" [94].
إلا أن طلب غازان للصلح كان،كما يبدو، مجرد مناورة منه لكسب الوقت للتعرف على استعدادات وتحركات الملك الناصر [95].
في جمادى الآخرة عام 702هـ / 1303م وصلت اخبار من حلب بأن جيش المغول أوشك على الزحف على الشام مرة أخرى [96]. فخرج جيش الناصر بجيش مصر وانضم إليه عسكر الشام [97][98] [99]، والتقى الجمعان في 2 رمضان سنة 702هـ / 20 إبريل 1303م قرب دمشق [100]، في معركة تعرف باسم معركة شقحب أو معركة مرج الصفر. وفيها أبلي جيش المسلمين بلاءً حسناً وانتصر على جيش المغول نصراً كبيراً غسل عار هزيمة وادي الخزندار.



إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#16

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

معركة شقحب


كان الرعب الذي يرافق تحركات المغول شديداً يملأ صدور الناس ويوهن من قواهم، فكلما سمع الناس قصدهم إلى بلد فرّوا من مواجهتهم. وقد سهّل هذا الرعب لهؤلاء الغزاة المعتدين سبيل النصر والغلبة.
وكان الخليفة المستكفي بالله والسلطان الناصر مقيمين في مصر كما هو معلوم، ويبدو أنّ أخبار عزم التتار على تجديد حملاتهم لدخول بلاد الشام وإزالة دولة المماليك بلغ المسؤولين في مصر، فعمل العلماء وأولوا الفكر والرأي على إشراك الخليفة والسلطان في مواجهة هؤلاء الغزاة.
ففي شهر رجب من سنة 702 هـ قويت الأخبار بعزم التتار على دخول بلاد الشام، فانزعج الناس لذلك، واشتدّ خوفهم جداً كما يقول الحافظ ابن كثير، وقنت الخطيب في الصلوات، وقُرِئ [صحيح] البُخاري، وهذه عادة كانوا يستعملونها في مواجهة الأعداء فيعمدون إلى قراءته في المسجد الجامع.
وشرع الناس في الهرب إلى الديار المصرية والكرك والحصون المنيعة، وتأخّر مجيء العساكر المصرية عن إبانها فاشتدّ لذلك الخوف.
قال ابن كثير:
(وفي يوم السبت عاشر شعبان ضربت البشائر بالقلعة - أي قلعة دمشق - وعلى أبواب الأمراء بخروج السلطان من مصر لمناجزة التتار المخذولين.. وفي ثامن عشر من شعبان قدمت طائفة كبيرة من جيش المصريين، فيهم كبار الأمراء من أمثال ركن الدين بيبرس الجاشنكير وحسام الدين لاجين وسيف الدين كراي).
ثم قدمت بعدهم طائفة أخرى فيهم بدر الدين أمير السلاح وأيبك الخزندار. فقويت القلوب في دمشق، واطمأن كثير من الخلق، ولكنَّ الناس في الشمال سيطر عليهم الذعر، واستبدّ بهم الفزع فنزح عدد عظيم منهم من بلاد حلب وحماة وحمص.. ثم خافوا أن يدهمهم التتار فنزلوا إلى المرج.
ووصل التتار إلى حمص وبعلبك وعاثوا في تلك البلاد فساداً، وقلق الناس قلقاً عظيماً لتأخُّر قدوم السلطان ببقية الجيش، وخافوا خوفاً شديداً، وبدأت الأراجيف تنتشر وشرع المثبِّطون يوهنون عزائم المقاتلين ويقولون: لا طاقة لجيش الشام مع هؤلاء المصريين بلقاء التتار لقلة المسلمين وكثرة التتار. وزَيَّنوا للناس التراجعَ والتأخُّرَ عنهم مرحلة مرحلة. ولكن تأثير العلماء ولاسيما شيخ الإسلام ابن تيمية كان يتصدّى لهؤلاء المرجفين المثبّطين، حتى استطاعوا أن يقنعوا الأمراء بالتَّصدِّي للتتار مهما كان الحال.
واجتمع الأمراء وتعاهدوا وتحالفوا على لقاء العدوّ وشجَّعوا رعاياهم، ونوديَ بالبلد دمشق أن لا يرحل منه أحد، فسكن الناس وهدأت نفوسهم وجلس القضاة بالجامع يحلِّفون جماعة من الفقهاء والعامّة على القتال، وتوقّدت الحماسة الشعبية، وارتفعت الروح المعنوية عند العامة والجند. وكان لشيخ الإسلام ابن تيمية أعظم التأثير في ذلك الموقف، فقد عمل على تهدئة النفوس، حتَّى كان الاستقرار الداخلي عند الناس والشعور بالأمن ورباطة الجأش. ثم عمل على إلهاب عواطف الأمة وإذكاء حماستها وتهيئتها لخوض معركة الخلاص.. ثمّ توجّه ابن تيمية بعد ذلك إلى العسكر الواصل من حماة فاجتمع بهم في القطيفة، فأعلمهم بما تحالف عليه الأمراء والناس من لقاء العدو، فأجابوا إلى ذلك وحلفوا معهم.
**ابن تيمية يحرض المؤمنين على القتال***-
وكان شيخ الإسلام ابن تيمية يحلف للأمراء والناس: إنكم في هذه الكرّة منصورون. فيقول له الأمراء: قل إن شاء الله. فيقول: إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً. وكان يتأوَّل في ذلك أشياء من كتاب الله منها قوله تعالى : (ذلك ومَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عوقِبَ بهِ ثمَّ بُغِيَ علَيهِ لَيَنْصُرُّنَّهُ اللهُ).
وقد ظهرت عند بعضهم شبهات تفُتُّ في عضد المحاربين للتتار من نحوِ قولهم: كيف نقاتل هؤلاء التتار وهم يظهرون الإسلام وليسوا بُغاة على الإمام.. فإنهم لم يكونوا في طاعته في وقت ثم خالفوه؟
فردَّ شيخ الإسلام ابن تيمية هذه الشُّبهة قائلاً: هؤلاء من جنس الخوارج الذين خرجوا على عليٍّ ومعاوية رضي الله عنهما، ورأوا أنهم أحقُّ بالأمر منهما، وهؤلاء يزعمون أنهم أحقّ بإقامة الحقّ من المسلمين وهم متلبِّسون بالمعاصي والظُّلْم. فانجلى الموقف وزالت الشبهة وتفطّن العلماء والناس لذلك ومضى يؤكّد لهم هذا الموقف قائلاً:
إذا رأيتموني في ذلك الجانب-يريد جانب العدوّ- وعلى رأسي مصحف فاقتلوني، فتشجّع الناس في قتال التتار وقويت قلوبهم.
وامتلأت قلعة دمشق والبلد بالناس الوافدين، وازدحمت المنازل والطرق. وخرج الشيخ تقي الدين بن تيمية من دمشق صبيحة يوم الخميس من باب النصر بمشقّة كبيرة وصَحِبَتْهُ جماعة كبيرة يشهد القتال بنفسه وبمن معه. فظنّ بعض الرعاع أنه خارج للفرار فقالوا: أنت منعتنا من الجفل وها أنت ذا هارب من البلد.. فلم يردّ عليهم إعراضاً عنهم وتواضعاً لله، ومضى في طريقه إلى ميدان المعركة.
وخرجت العساكر الشامية إلى ناحية قرية الكسْوة. ووصل التتار إلى قارَة. وقيل: إنهم وصلوا إلى القطيفة فانزعج الناس لذلك، وخافوا أن تكون العساكر قد هربوا، وانقطعت الآمال، وألحّ الناس في الدعاء والابتهال في الصلوات وفي كلّ حال. وذلك في يوم الخميس التاسع والعشرين من شعبان.. فلمَّا كان آخر هذا اليوم وصل أحد أمراء دمشق، فبشَّرَ الناس بأنَّ السلطان قد وصل وقتَ اجتماع العساكر المصرية والشامية.
وتابع التتار طريقهم من الشمال إلى الجنوب ولم يدخلوا دمشق بل عرجوا إلى ناحية تجمُّع العساكر، ولم يشغلوا أنفسهم باحتلال دمشق وقالوا: إن غلبنا فإنّ البلد لنا وإن غُلِبنا فلا حاجة لنا به.
ووقفت العساكر قريباً من قرية الكسوة، فجاء العسكر الشامي، وطلبوا من شيخ الإسلام أن يسير إلى السلطان يستحثُّه على السير إلى دمشق، فسارَ إليه، فحثّه على المجيء إلى دمشق بعد أن كاد يرجع إلى مصر. فجاء هو وإيّاه جميعاً، فسأله السلطان أن يقف معه في معركة القتال، فقال له الشيخ ابن تيمية: السُّنَّةُ أن يقف الرجُلُ تحت راية قومه، ونحن من جيش الشام لا نقف إلاَّ معهم.
وحرّض السلطان على القتال، وبشَّره بالنصر، وجعل يحلف بالله الذي لا إله إلاَّ هو: إنَّكم منصورون عليهم في هذه المرَّة. فيقول له الأمراء: قل إن شاء الله. فيقول: إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً.
وأفتى الناسَ بالفطر مدّة قتالهم، وأفطر هو أيضاً وكان يدور على الأجناد والأمراء فيأكل من شي معه في يده ليعلِمهم أنَّ إفطارهم ليتقوَّوْا به على القتال أفضل من صيامهم.
ولقد نظَّم المسلمون جيشهم في يوم السبت 2 رمضان أحسن تنظيم، في سهل شقحب الذي يشرف على جبل غباغِب. وكان السلطان الناصر في القلب، ومعه الخليفة المستكفي بالله والقضاة والأمراء. وقبل بدء القتال اتُّخِذَت الاحتياطات اللازمة، فمرّ السلطان ومعه الخليفة والقرَّاء بين صفوف جيشه، يقصد تشجيعهم على القتال وبثِّ روح الحماسة فيهم. وكانوا يقرؤون آيات القرآن التي تحضُّ على الجهاد والاستشهاد وكان الخليفة يقول: دافعوا عن دينكم وعن حريمكم.
ووضِعت الأحمال وراء الصفوف، وأُمر الغلمان بقتل من يحاول الهرب من المعركة. ولمَّا اصطفَّت العساكر والتحم القتال ثبت السلطان ثباتاً عظيماً وأمر بجواده فقُيِّد حتى لا يهرب، وبايع اللهَ تعالى في ذلك الموقف يريد إحدى الحسنيين إما النصر وإما الشهادة في سبيل الله، وصدق الله فصدقه الله. وجرت خطوب عظيمة، وقُتِل جماعة من سادات الأمراء يومئذ، منهم الأمير حسام الدين لاجين الرومي، وثمانية من الأمراء المقدَّمين معه.
واحتدمت المعركة، وحمي الوطيس، واستحرّ القتل، واستطاع المغول في بادئ الأمر أن ينزلوا بالمسلمين خسارة ضخمة فقتِل من قتِل من الأمراء.. ولكن الحال لم يلبث أن تحوّل بفضل الله عزّ وجلّ، وثبت المسلمون أمام المغول، وقتلوا منهم مقتلة عظيمة، وتغيَّر وجه المعركة وأصبحت الغلبة للمسلمين، حتّى أقبل الليل فتوقّف القتال إلاّ قليلاً، وطلع المغول إلى أعلى جبل غباغِب، وبقوا هناك طول الليل، ولما طلع النهار نزلوا يبغون الفرار بعد أن ترك لهم المسلمون ثغرة في الميسرة ليمرّوا منها، وقد تتّبعهم الجنود المسلمون وقتلوا منهم عدداً كبيراً، كما أنهم مرّوا بأرض موحِلة، وهلك كثيرون منهم فيها، وقُبض على بعضهم. قال ابن كثير:
(فلما جاء الليل لجأ التتار إلى اقتحام التلول والجبال والآكام، فأحاط بهم المسلمون يحرسونهم من الهرب ويرمونهم عن قوس واحدة إلى وقت الفجر، فقتلوا منهم ما لا يعلم عدده إلاَّ الله عز وجل، وجعلوا يجيئون بهم من الجبال فتُضرب أعناقهم). ثم لحق المسلمون أثر المنهزمين إلى القريتين يقتلون منهم ويأسرون.
ووصل التتار إلى الفرات وهو في قوة زيادته فلم يقدروا على العبور.. والذي عبر فيه هلك. فساروا على جانبه إلى بغداد، فانقطع أكثرهم على شاطئ الفرات وأخذ العرب منهم جماعة كثيرة.
وفي يوم الاثنين رابع رمضان رجع الناس من الكسوة إلى دمشق فبشَّروا الناس بالنصر، وفيه دخل شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية البلد ومعه أصحابه من المجاهدين، ففرح الناس به، ودعوا له وهنّؤوه بما يسَّر الله على يديه من الخير.
وفي يوم الثلاثاء خامس رمضان دخل السلطان إلى دمشق وبين يديه الخليفة، وزُيِّنَتِ البلد، وبقِيا في دمشق إلى ثالث شوّال إذ عادا إلى الديار المصرية. وكان فرح السلطان الناصر محمد بن قلاوون والمسلمين بهذه المعركة فرحاً كبيراً، ودخل مصر دخول الظافر المنتصر، يتقدّم موكبَه الأسرى المغول يحملون في أعناقهم رؤوس زملائهم القتلى، واستُقبل استقبال الفاتحين.


التوقيع

إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#17

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

معركة مؤتة



وهذه المعركة أكبر لقاء مُثْخِن ، وأعظم حرب دامية خاضها المسلمون في حياة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وهي مقدمة وتمهيد لفتوح بلدان النصارى ، وقعت في جمادى الأولى سنة 8 هـ ، وفق أغسطس أو سبتمبر سنة 926 م ‏.‏
ومؤتة ‏( ‏بالضم فالسكون ‏)‏ هي قرية بأدنى بلقاء الشام ، بينها وبين بيت المقدس مرحلتان.

سبب المعركة

وسبب هذه المعركة أن رسول الله(صلى الله عليه وسلم) بعث الحارث بن عمير الأزدي بكتابه إلى عظيم بُصْرَي‏ ،‏ فعرض له شُرَحْبِيل بن عمرو الغساني ـ وكان عاملاً على البلقاء من أرض الشام من قبل قيصر ـ فأوثقه رباطاً ، ثم قدمه ، فضرب عنقه ‏.‏
وكان قتل السفراء والرسل من أشنع الجرائم ، يساوي بل يزيد على إعلان حالة الحرب ، فاشتد ذلك على رسول الله(صلى الله عليه وسلم) حين نقلت إليه الأخبار ، فجهز إليهم جيشاً قوامه ثلاثة آلاف مقاتل ، وهو أكبر جيش إسلامي لم يجتمع قبل ذلك إلا في غزوة الأحزاب ‏.‏
أمراء الجيش ووصية رسول الله(صلى الله عليه وسلم) إليهم

أمر رسول الله على هذا البعث زيد بن حارثة ، وقال ‏:‏ ‏" ‏إن قتل زيد فجعفر ، وإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة "‏ ، أخرجه البخاري (7/393) وعقد لهم لواء أبيض، ودفعه إلى زيد بن حارثة ‏.‏ (صلى الله عليه وسلم)

وأوصاهم أن يأتوا مقتل الحارث بن عمير ، وأن يدعوا مَنْ هناك إلى الإسلام ، فإن أجابوا وإلا استعانوا بالله عليهم ، وقاتلوهم ، وقال لهم ‏:‏ ‏" ‏اغزوا بسم الله ، في سبيل الله ، مَنْ كفر بالله ، لا تغدروا ، ولا تغلوا ، ولا تقتلوا وليداً ولا امرأة ، ولا كبيراً فانياً ، ولا منعزلاً بصومعة ، ولا تقطعوا نخلاً ولا شجرة ، ولا تهدموا بناء ‏" ‏‏.‏

توديع الجيش الإسلامي وبكاء عبد الله بن رواحة
ولما تهيأ الجيش الإسلامي للخروج حضر الناس ، وودعوا أمراء رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ، وسلموا عليهم ، وحينئذ بكي أحد أمراء الجيش ـ عبد الله بن رواحة ـ فقالوا ‏:‏ ما يبكيك ‏؟‏ فقال ‏:‏ أما والله ما بي حب الدنيا ، ولا صبابة بكم ، ولكني سمعت رسول الله(صلى الله عليه وسلم) يقرأ آية من كتاب الله يذكر فيها النار‏ : ‏" ‏وَإِن مِّنكُمْ إِلا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا "‏ ‏[ ‏مريم ‏: ‏71 ‏] ‏، فلست أدري كيف لي بالصدور بعد الورود‏ ؟‏ فقال المسلمون ‏:‏ صحبكم الله بالسلامة ، ودفع عنكم ، وردكم إلينا صالحين غانمين ، فقال عبد الله بن رواحة ‏:‏
لكنني أسأل الرحمن مغفــرة
أو طعنة بيدي حران مجـهزة
حتى يقال إذا مروا على جدثي
وضربة ذات فرع تقذف الزبدا
بحربة تنفذ الأحشـاء والكبدا
أرشده الله من غاز وقد رشدا

ثم خرج القوم ، وخرج رسول الله(صلى الله عليه وسلم) مشيعاً لهم حتى بلغ ثنية الوداع ، فوقف وودّعهم‏ .

تحرك الجيش الإسلامي ومباغتته حاله رهيبة
وتحرك الجيش الإسلامي في اتجاه الشمال حتى نزل مَعَان ، من أرض الشام ، مما يلي الحجاز الشمالي ، وحينئذ نقلت إليهم الاستخبارات بأن هرقل نازل بمآب من أرض البلقاء في مائة ألف من الروم ، وانضم إليهم من لَخْم وجُذَام وبَلْقَيْن وبَهْرَاء وبَلِي مائة ألف.

المجلس الاستشاري بمعان
لم يكن المسلمون أدخلوا في حسابهم لقاء مثل هذا الجيش العرمرم ـ الذي بوغتوا به في هذه الأرض البعيدة ـ وهل يهجم جيش صغير ، قوامه ثلاثة آلاف مقاتل فحسب ، على جيش كبير عرمرم مثل البحر الخضم ، قوامه مائتا ألف مقاتل ‏؟‏ حار المسلمون ، وأقاموا في مَعَان ليلتين يفكرون في أمرهم ، وينظرون ويتشاورون ، ثم قالوا‏ :‏ نكتب إلى رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ، فنخبره بعدد عدونا ، فإما أن يمدنا بالرجال ، وإما أن يأمرنا بأمره فنمضي له‏ .‏
ولكن عبد الله بن رواحة عارض هذا الرأي ، وشجع الناس ، قائلاً‏ :‏ يا قوم ، والله إن التي تكرهون لَلَّتِي خرجتم تطلبون ‏:‏ الشهادة ، وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة ، ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به ، فانطلقوا ، فإنما هي إحدى الحسنيين ، إما ظهور وإما شهادة‏ .‏
وأخيراً استقر الرأي على ما دعا إليه عبد الله بن رواحة‏ .

الجيش الإسلامي يتحرك نحو العدو
وحينئذ بعد أن قضى الجيش الإسلامي ليلتين في معان ، تحركوا إلى أرض العدو ، حتى لقيتهم جموع هرقل بقرية من قرى البلقاء يقال لها‏ :‏ ‏[ ‏َشَارِف ‏]‏ ثم دنا العدو ، وانحاز المسلمون إلى مؤتة ، فعسكروا هناك ، وتعبأوا للقتال ، فجعلوا على ميمنتهم قُطْبَة بن قتادة العُذْرِي ، وعلى الميسرة عبادة بن مالك الأنصاري ‏.‏
بداية القتال وتناوب القواد

وهناك في مؤتة التقى الفريقان ، وبدأ القتال المرير ، ثلاثة آلاف رجل يواجهون هجمات مائتي ألف مقاتل ‏.‏ معركة عجيبة تشاهدها الدنيا بالدهشة والحيرة ، ولكن إذا هبت ريح الإيمان جاءت بالعجائب ‏.‏
أخذ الراية زيد بن حارثة ـ حِبُّ رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ـ وجعل يقاتل بضراوة بالغة ، وبسالة لا يوجد لها نظير إلا في أمثاله من أبطال الإسلام ، فلم يزل يقاتل ويقاتل حتى شاط في رماح القوم ، وخر صريعاً‏ .‏
وحينئذ أخذ الراية جعفر بن أبي طالب ، وطفق يقاتل قتالاً منقطع النظير ، حتى إذا أرهقه القتال اقتحم عن فرسه الشقراء فعقرها ، ثم قاتل حتى قطعت يمينه ، فأخذ الراية بشماله ، ولم يزل بها حتى قطعت شماله ، فاحتضنها بعضديه ، فلم يزل رافعاً إياها حتى قتل ‏.‏ يقال‏ :‏ إن رومياً ضربه ضربةً قطعته نصفين ، وأثابه الله بجناحيه جناحين في الجنة ، يطير بهما حيث يشاء ، ولذلك سمي بجعفر الطيار ، وبجعفر ذي الجناحين ‏.‏

روى البخاري عن نافع ، أن ابن عمر أخبره‏ :‏ أنه وقف على جعفر يؤمئذ وهو قتيل ، فعددت به خمسين بين طعنة وضربة ، ليس منها شيء في دبره ، يعني ظهره .‏
وفي رواية أخرى قال ابن عمر ‏:‏ كنت فيهم في تلك الغزوة ، فالتمسنا جعفر بن أبي طالب فوجدناه في القتلى ، ووجدنا ما في جسده بضعاً وتسعين من طعنة ورمية‏ .‏ وفي رواية العمري عن نافع زيادة ‏:‏ ‏[ ‏فوجدنا ذلك فيما أقبل من جسده ‏] ‏‏.‏
ولما قتل جعفر بعد أن قاتل بمثل هذه الضراوة والبسالة ، أخذ الراية عبد الله بن رواحة ، وتقدم بها ، وهو على فرسه ، فجعل يستنزل نفسه ، ويتردد بعض التردد ، حتى حاد حيدة ثم قال ‏:‏
أقسـمت يـا نفــس لتنــزلنـه
إن أجلب الناس وشدوا الرنة
كارهــــة أو لتــطـاوعــــــنـه
مالي أراك تكرهيــن الــجنة

ثم نزل ، فأتاه ابن عم له بعَرْق من لحم فقال ‏:‏ شد بهذا صلبك ، فإنك قد لقيت في أيامك هذه ما لقيت ، فأخذه من يده فانتهس منه نَهْسَة ، ثم ألقاه من يده ، ثم أخذ سيفه فتقدم ، فقاتل حتى قتل ‏.‏

الراية إلى سيف من سيوف الله

وحينئذ تقدم رجل من بني عَجْلان ـ اسمه ثابت بن أقرم ـ فأخذ الراية وقال ‏:‏ يا معشر المسلمين ، اصطلحوا على رجل منكم ، قالوا ‏:‏ أنت‏ .‏ قال‏ :‏ ما أنا بفاعل ، فاصطلح الناس على خالد بن الوليد ، فلما أخذ الراية قاتل قتالاً مريراً ، فقد روى البخاري عن خالد بن الوليد قال ‏:‏ لقد انقطعت في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف ، فما بقي في يدي إلا صفيحة يمانية‏ .‏ وفي لفظ آخر ‏:‏ لقد دق في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف ، وصبرت في يدي صفيحة لي يمانية ‏.‏البخاري (4266)


وقد قال رسول الله(صلى الله عليه وسلم) يوم مؤتة ـ مخبراً بالوحي ، قبل أن يأتي إلى الناس الخبر من ساحة القتال‏ :‏ ‏( ‏أخذ الراية زيد فأصيب ، ثم أخذ جعفر فأصيب ، ثم أخذ ابن رواحة فأصيب ـ وعيناه تذرفان ـ حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله ، حتى فتح الله عليهم‏ )‏ ‏.‏ البخاري (2/611)

نهاية المعركة

ومع الشجاعة البالغة والبسالة والضراوة المريرتين ، كان مستغرباً جداً أن ينجح هذا الجيش الصغير في الصمود أما تيارات ذلك البحر الغطمطم من جيوش الروم‏ ،‏ ففي ذلك الوقت أظهر خالد بن الوليد مهارته ونبوغه في تخليص المسلمين مما ورطوا أنفسهم فيه‏ .‏
واختلفت الروايات كثيراً فيما آل إليه أمر هذه المعركة أخيراً‏ .‏ ويظهر بعد النظر في جميع الروايات أن خالد بن الوليد نجح في الصمود أمام جيش الرومان طول النهار ، في أول يوم من القتال ‏.‏ وكان يشعر بمسيس الحاجة إلى مكيدة حربية تلقي الرعب في قلوب الرومان حتى ينجح في الانحياز بالمسلمين من غير أن يقوم الرومان بحركات المطاردة‏ .‏ فقد كـان يعرف جيداً أن الإفلات من براثنهم صعب جداً لو انكشف المسلمون ، وقام الرومان بالمطاردة .‏

فلما أصبح اليوم الثاني غير أوضاع الجيش ، وعبأه من جديد ، فجعل مقدمته ساقه ، وميمنته ميسرة ، وعلى العكس ، فلما رآهم الأعداء أنكروا حالهم ، وقالوا‏ :‏ جاءهم مدد ، فرعبوا ، وصار خالد ـ بعد أن تراآى الجيشان ، وتناوشا ساعة ـ يتأخر بالمسلمين قليلاً قليلاً ، مع حفظ نظام جيشه ، ولم يتبعهم الرومان ظناً منهم أن المسلمين يخدعونهم ، ويحاولون القيام بمكيدة ترمي بهم في الصحراء ‏.‏
وهكذا انحاز العدو إلى بلاده ، ولم يفكر في القيام بمطاردة المسلمين ونجح المسلمون في الانحياز سالمين ، حتى عادوا إلى المدينة ‏.

قتلى الفريقين

واستشهد يومئذ من المسلمين اثنا عشر رجلاً ، أما الرومان ، فلم يعرف عدد قتلاهم ، غير أن تفصيل المعركة يدل على كثرتهم

أثر المعركة

وهذه المعركة وإن لم يحصل المسلمون بها على الثأر ، الذي عانوا مرارتها لأجله ، لكنها كانت كبيرة الأثر لسمعة المسلمين ، إنها ألقت العرب كلها في الدهشة والحيرة ، فقد كانت الرومان أكبر وأعظم قوة على وجه الأرض ، وكانت العرب تظن أن معنى جلادها هو القضاء على النفس وطلب الحتف بالظِّلْف ، فكان لقاء هذا الجيش الصغير ـ ثلاثة آلاف مقاتل ـ مع ذلك الجيش الضخم العرمرم الكبير ـ مائتا ألف مقاتل ـ ثم الرجوع عن الغزو من غير أن تلحق به خسارة تذكر‏ .‏ كان كل ذلك من عجائب الدهر ، وكان يؤكد أن المسلمين من طراز آخر غير ما ألفته العرب وعرفته ، وأنهم مؤيدون ومنصورون من عند الله ، وأن صاحبهم رسول الله حقاً‏ .‏

ولذلك نرى القبائل اللدودة التي كانت لا تزال تثور على المسلمين جنحت بعد هذه المعركة إلى الإسلام ، فأسلمت بنو سُلَيْم وأشْجَع وغَطَفَان وذُبْيَان وفَزَارَة وغيرها ‏.‏
وكانت هذه المعركة بداية اللقاء الدامي مع الرومان ، فكانت توطئة وتمهيداً لفتوح البلدان الرومانية ، واحتلال المسلمين الأراضي البعيدة النائية‏


إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#18

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

معركة الجرف الكبرى ضد الاستعمارية الفرنسي


عظيم أن تشهد العباد على العباد , وأعظم من ذلك أن تشهد البلاد على العباد , كيف لا ؟ و صخور الجرف الأشم لازالت قابعة في مكانها تحكي حكاية أيام ثمانية بلياليها التسع, تردد صدى مجاهدين مكثوا به و ما ذلوا منحوا وما اخذوا , كل شبر من الجرف يشهد على وطئ أقدام و ثبات مجاهد و شهيد كل مغارة أو دهليز يروي عن أسد أو اسود حيروا العدو في الشجاعة و الإقدام .
وأنت في الجرف تستشف عبق التاريخ و تدرك إن زالت الرجال تبقى الجبال و الأفعال , مما يضطرك إلى التفكير في إجلال تلك الفئة التي حضرت المعركة و كيف استطاعت أن تجعل من ذلك المكان بيتا و مأوى طيلة الأيام الثلاثة و تتيقن بان معركة الجرف هي في حد ذاتها فاصل مهم في درب الثورة و هي منعرج أساسي في مسيرة الكفاح و نجاحـه.
و بهذا يحق للشعب الجزائري و للثورة أن تفتخر بهذه المعركة و تجعلها منارة وضاءة في سماء البلاد و عنوانا ناصعا على صفحات الزمن و انه لمن الواجب علينا أن نعرف الجيل الصاعد بهذه المعركة و بهذا المكان , لأنها كانت وليدة مجموعة من المعارك التي سبقتها مثل الزرقاء , أم الكماكم , حليق الذيب , كمين قنتيس ...
بدء المعركة و قلعة الجرف
اليوم الأول للمعركة22/09/1955
في فجر يوم 22/09/1955نشبت معركة على أشدها من طرف القوات الاستعمارية الفرنسية ضد وحدات المجاهدين المتواجدة بقلعة الجرف وبدأت بقصف مدفعي مكثف كتمهيد لتقديم وحدايها ،اثرها حاولت القوات الاستعمارية الفرنسية على جبهات ثلاث (شرفية وشماليةوجنوبية)واقربت كتيبة دبابات يتبعها فيلق مشاه من اللفيف الاجنبي باتجاه المخل الشمالي لمخل الجرف .
وباقترابها من المدخل نفدت الخطة من طرف المجاهدين حيث تم احراق الدبابتين الاماميتين وعطب اربعة اخرين ,وكان الالتحام بالقوات الاستعمارية عن كثب بحيث لم ينجو من فيلق المشاة الا قليل .
وفي الجولة الاولى للمدخل,تقهقرت قوات الاستعمار خائبة وغنم المجاهدون كميات هائلة من الاسلحة الاتوماتيكية التي بقيت منتشرةبجانب الجثث المرمية بعضها فوق بعض ,كما صدت القوات الاستعمارية من الجنوب والشمال خائبة وغنم المجاهدون كميات اخرى من الاسلحة الاتوماتيكية الخفية ,وتم عطب 18 واحراق البعض منها بالجبهة الشمالية.
تقهقهت القات الاستعمارية في هده الجولة ,وفي تلك اللحظات الحاسمة قدمت اسراب من الطيران المقاتل مركزه قصفها على موقع الجرف بحيث ان المشاهد من الناحية الشرقية بالدرمون او بناحية السطح يرى بعينيه المجردة كومة من الدخان تعلو السماء .
وتواصل القصف المكثف حوالي نصف ساعة حاولت القوات الاستعمارية التقدم على الجبهات الثلاثة فاستدرجت في تقدمها تبعا للخطة الثورية المتعبة ,فنشبت المعركة على اشدها بين – جانبين- لمدة ثلاث ساعات متتالية اجبرت القوات الاستعمارية على التقهقر, فضربت من الخلف على الجبهات الثلاثة ,سادها ارتباك وذعر مخيف ,حاولت التخلص من الهجومات الخلفية بتدخل سلاح المدفعية ,لكنها لم تنجح الان وحدات المجاهدين اقيربت من عساكر الفرنسيين ,نظرا لعدم جدوى القصف المدفعي ,وتواصلت المعركة بين الجانبين للمرة الثانية في اليوم الاول وحاولت القوات الاستعمارية نجدة قواتها فاصطدمت بقوات المجاهدين المحاصرين للعدو , كما حاولت القوات الاستعمارية عن طريق النجدات الملحقة فاصبحت المعركة بين جبهات متعددة جبهة المجاهدين بموقع الجرف,هجوم استعماري مقابل تطويق من وحدات من المجاهدين ضد القوات الاستعمارية المشبكة مع الجبهة الاولى اشتباك ثاني لصد نجدات
العدو الملحقة.
خيم الظلام الدامس استر تقدم وحدات المجاهدين كتغيرات الأحكام .الحصار على القوات الاستعمارية ,في جوف هده الليلة المباركة تم القضاء على القوات الاستعمارية المحاصرة بتمامها كما تم غنم أسلحة أوتوماتيكية ذات بال ,وغنم كميات هائلة من الذخيرة ومدفعين (بازوكا)وجهاز ارسال و
استقبال لاسلكي.
اليوم الثاني للمعركة 23/09/1955
في الباح الباكر ابتدات القوات الستعمارية بالقصف طويل المدى بطاريات بناحية الدرمون شرقا و البطاريات الثانية بالسطح غربا, ومجموعة البطاريات رقم ثلاثة تمركزت شرق راس العش ,وباثر انتهاء القصف طويل المدى ابتدات مدفعية الهاون القصف كطريقة لستر تقدم الوحدات و
اقترابها من مرابطي القلعة (المجاهدون) اشتعلت النيران على اشدها و تواصلت اليوم كله بحيث نجدات العدو متلاحقة الواحدة تلوى الاخرى
بالرغم من امتدادات العدو لم تستطع الاقتراب من موقع الجرف (مقر الادارة),في مساء اليوم قدمت نجدات من المجاهدين الاشاوس الذين يدفعهم قوة الايمان بقضيتهم ,وفك الحصار عن اخوانهم ,فاشتعلت النيران بين الطرفين من جديد فوجدت القوات الاستعمارية نفسها محاصرة من الطرفين
حاولت التخلص فلم تفلح ,وفشلت خطة هجوم الاستعمار الفرنسي لليم الثاني ولم يخرج من قوات الاستعمار الا القليل جدا فارا بنفسه بدون سلاح.
اظرت القوات الاستعمارية الى تجديد القصف بالمدفعية ليلا ,نتيجة ياسها من قواتها مستلهمة المقولة اليهودية .
حينما فشلت في الخطة لليم الموالي طبقت القول اليهودي – علينا وعليكم يا رب - .
تقرير عن صدى المعركة لليوم الاول والثاني ادى به الجنرال * بوفر* قائد
الفرقة الثانية للمشاة المتحركة ,واصفا قلغة الجرف تجابه قواتنا اعنف عمليات هجومية تصدت لها عمليات التمشيط و التطهير الواسعة المتجهة
ضد اوراس النمامشة و الشمال القسنطيني اعترضتها صخرة صلداء تمثللت في قلعة الجرف الواقع بجبال اوراس النمامشة, جبل قاحل مجدب وكنود ,و المرابطون به اشداء كالصخور التي لا تتفتت الى حد الات الظلمة الشديدة قد خيمت وان التعليمات كشف الاستطلاع الجوي ان منطقة
العملتات توسعت و اتسعت بعكس ما كان مقرر لدينا في تقدير الموقف المتبع مما يعرض قواتنا الى صعوبات جمة .
اليوم الثالث للمعركة24/09/1955
في فجر مبكر حاولت القوات الاستعمارية التقدم على جبهات ثلاثة تحت ستر مظلة مدفعية وهاونات في آن واحد بأثر بزوغ الشمس اقتربت قوات العدو من مواقع الجرف اشتعلت النيران بين الطرفين على أشدها لمدة اربعة ساعات والنيران ملتهبة بين الجانبين لم تستطع التقدم واضطرت الى
التقهقر خلف منطقة العمليات بقليل وابتدأ القصف الجوي بواسطة أسراب من الطائرات المعززززززززززززة سرب وراء سرب ,والسرب يحتوي على 12 طائرة
مقنبلة وابتدأت بقصف مكثف على موقع الجرف في الجبهة الجنوبية لمنطقة المعارك ثم إسقاط طائرة استطلاعية من طرف المجاهدين انتقل القصف للسلاح الجوي واسقطوا طائرتين مقاتلتين بمنطقة العمليات , تغير الموقف بأثر سقوط الطائرات الثلاثة , والتحقت نجدات جوية مكثفة غطت كامل منطقة العمليات المتربعة على أكثر من أربعين كلم مربع (40كلم2).
ابتعد سلاح الجو عن موقع الجرف في اتجاه تركيز قنبلته ,على سلسلة وادي مسحالة ووادي هلال ,البياضة ,جبل العلق ,الجديدة وتدخل سلاح المدفعية والهاونات مركز قصفه على موقع الجرف كخطة تمهيدية وستر تقدم قوات العدو باثر اقترابها من مرابطي الجرف اشتعلت النيران على اشدها لمدة اكثر من ساعتين متتاليتين اجبرت القوات الاستعمارية على التقهقر منكسرة تاركة في الجبهة الشرقية دبابتين تشتعلان نارا ,وثلاثة مصفحات تشتعل نارا ايضا , منها عربة القيادة التي فر منها قائد العمليات
تحت وابل من النيران المجاهدين وعلى بعد من عربته بحوالي 80 متر تم
إسقاطه , وشوهد أخده بقوة وبسرعة بين أيدي قوات اللفيف الأجنبي ,فارين به إلى منطقة تجمعاتهم بناحية الدر مون الموقع المقابل لقلعة الجرف .
فشلت القوات الاستعمارية في تقدمها وفي قصفها الجوي وقصفها بالمدفعية طويلة المدى و الهاونات وسجل انهزامها للمرة الثالثة في المعارك.

خسائر العدو لليوم الثالث:
ثلاثة طائرات (اثنان قتالية وواحدة استطلاعية) دبابتين ,وثلاثة مزمجرات ,وغنم كميات هائلةمن الاسلحة الخفيفة الاتوماتيكية وكميات معتبرة من الخراطيش التي نزعت من فوق العساكر الجثث الهامدة المنتشرة في ساحة المعركة.
اليوم الرابع للمعركة 25/09/1955
القوات الاستعمارية حاولت التقدم تحت مظلة المدفعية و الهاونات في الصباح الباكر على الجبهات الثلاثة باثر اقترابها من مواقع الجرف اصطدمت بوحدات من المجاهدين المتقدمة التي تم توزيعها و أخدها لامكانها ليلا وبدلك وقعت القوات الاستعمارية في فخ لم تكن تتوقعه و ضربت في الجهات الثلاثة ضربا جد قاسية مخلفة المئات من القتلى والجرحى كجثث متناثرة في ساحة المعركة .
القيادة الاستعمارية أصيبت بذهول وقربت على إفلات زمام الامور من يدها , سادها الارتباك المتمثل في الكر و الفخر لوحدلت المجاهدين الملحقة في اللحظات الحاسمة, تدخلت المدفعية ,مدفعية العدو بقصف مكثف على منطقة العمليات , وخارج منطقة العمليات .
تدخل سلاح الجو على الجبهة الجنوبية موسعا قصفه الى حليق الديب , , مساحلة , وادي هلال ام الكما كم ,مركزا قصفه على منطقة جبل البطنة الواقع غرب وادي هلال وأعالي جبل ام الراجمة و البياضة , لان استطلاع العدو كشف تحرك وحدات المجاهدين مناك في اتجاه تنفيذ الخطة تبعا لتقدير الموقف , موقف قيادة المجاهدين ,أثناء تقدم قوات العدو المكثفة تجاه قلعة الجرف فاصطدمت بمرابطي القلعة , وأجبرت على التوقف و التقهقر,
منكسرة تاركة جثثا هامدة بمشارف قلعة الجرف ملقية على الأرض , و
بجانب الجثث أسلحتها و معداتها الذاتية , بحيث صعب على القوات الفرنسية الاقتراب من جثثها كحقيقة معاشة شاهدها المرابطون وتأكد لديهم
بان صمودهم وقوة إيمانهم بالنصر المرتقب , هو سر نجاحهم في المعركة.
شاهد المراقبون من المجاهدين المكلفون بالاتصال و الأخبار ارتباكا شديدا في صفوف تجمعات القوات الاستعمارية في مناطق تجمعاتها.
كما تم توزيع وحدات المجاهدين ليلا واخدهم لمواقعهم استعدادا لليوم الخامس للمعركة , ثم إرسال دوريات انتحارية لكشف مدى قوة العدو في
مراكز تجمعاته المنتشرة على الجبهات الأربعة المحيطة بمنطقة الجرف , والاتصال بوحدات المجاهدين في الخلف بقمم جبال العلق, الجديدة, الاتصال بالدوريات لتامين الخطوط بخناق الأكحل , وجبال كميل (أريس) لطلب نجدات المجاهدين وتأهبها لتنفيذ الخطة المتفق عليها حسب تقديم الموقف كل دلك , التحقت معلومات عن طريق الدوريات العائدة من مهمتها أن قوات استعمارية جد كبيرة قدمت من باتنة و تلاغمة , سطيف , بريكة ,
بوسعادة و بسكرة , تمركزت على طول الخط الفصل بين جبال أوراس و
جبال النمامشة كحصار على طول خط وادي عبدي و وادي العرب هدفا منها قطع الاتصال بين وحدات المجاهدين .
اليوم الخامس للمعركة 26/09/1955
في صباح الباكر قامت القوات الاستعمارية بقصف مدفعي مركز على منطقة الجرف و قمم الجبال المجاورة على فترات ثلاثة متتالية تتبعها قصف جوي شامل غطى كامل منطقة العمليات و المناطق المجاورة لها, بحيث القصف الجوي غطى مايربو على 40 كلم2 التزم المجاهدون اماكنهم في صمت مخيف حوالي العاشرة صباحا , حاولت القوات التقدم من الجبهات الثلاثة , واحدثت جبهة رابعة من الناحية الغربية , منطقة تجمعاتها بالسطح .
اقتربت القوات الاستعمارية من مرابطي المعركة الصامدون في عرائنهم ,
المعتصمون بالله وحده , المؤمنون بعدالة قضيتهم الراغبون في الاستشهاد بدافع حب الجهاد في سبيل الله و تخليها لقضيتهم من براثن الاستعمار
المتغطرس البغيض الدي تجرد من كل الأخلاقيات , فبقوه هدا الإيمان سددت طلقات المجاهدون في صدور وجماجم الاعداء.
تقهقر العدو على التقدم تاركا وراءه جثثا مرمية هنا و هناك , وكلابه المرافقة الافراد الجند , ظل سبيلها وارتفع عويلها مستنكرة لما اقمحت فيه انكسرت الجبهات الاربعة في تقدمها , واجبرت على التقهقر و الرجوع مواطن تجمعاتها مختلفة جثثا هامدة تعد بالمناط , و الجرحى الكثيرون يئنون من جراحهن ينتظرون الموت البطىء , دون ان تستطيع القوات الاستعمارية فكهم.
سجلت هزيمة شنعاء اتجاه القوات الاستعمارية مما رفع معنويات المجاهدين.
تحمل المجاهدون استشهاد العديد من الشهداء و الجرحى ثم إخلاؤهم الى
المراكز المعدة للعلاج الأولى ودفن الشهداء.
اليوم السادس للمعركة 27/09/1955
في الصباح الباكر ابتدأت المعركة بالقصف المدني المركز على منطقة قلعة الجرف على فترات متلاحقة كإعطاء فرصة لتقدم وحدات العدو عبر الجبهات الأربعة توقف القصف المدفعي خلفه الهاونات كستر لمزيد من تقدم العدو المدعو بالدبابات وفيالق اللفيف الأجنبي , وكلاب التفتيش ضنا من قادة العدو انهم سيجدون جثثا من المجاهدين لكن بأثر اقترابهم من خطوط الأولى لدفاع المجاهدين فوجئوا بمظلة من النيران المتلاحقة المسددة تسديدا محكما بحيث طلقات المجاهدين لم يفلت منها صدر عدو او جمجمته و الطلقة الثانية تردي كلبه الملصق بذراعه الأيسر ... حاولت القوات الاستعمارية بكل ما لها من قوة التقدم ففشلت وخابت وانكسرت في الجبهات الاربعة , واضطربت إلى الانسحاب نهائيا إلى مراكز تجمعاتها الخلفية وسكتت النيران بين الجانبين بعد الواحدة مساء.
المراقبون الاستطلاعيون سجلوا تقهقرا فضيعا سادة ارتباك في مناطق تجماتهم . نزلت طائرة استطلاعية بالقرب من مركز رأس العش تقل قيادة العدو و خبراء المعركة , دام اجتماعهم وتجمعهم مساء اليوم السادس للمعركة ,حتى قرب الظن بانهزام القوات الاستعمارية وكسر ألتها.
تكبدت فرنسا في هدا اليوم خسائر في الأرواح والمعدات الحربية خسائر باهظة تعد بالمئات من القتلى و الجرحى , تم التحطيم الكلي لدبابتين وقتل ما يزبد عن ال 50بغلا المعدون لحمل السلاح و الذخيرة بالمواجهة الجنوبية لازالت هياكلهم العظيمة شاهدا بمنطقة حليق الذيب . وحلاليف يمكن مشاهدتها , كما يمكن مشاهدة هياكل الطيران المقاتل والاستطلاعي و
هياكل الدبابات بمنطقة الجرف وضواحيها (حقائق التاريخ تتكلم لأجيال الحاضر و المستقبل ) .معانات , صمود, تجلد , صبر وصلابة يدفعها قوة الايمان بالله و الوطن , وحبا للجهاد في سبيل الله كتخليصا للوطن من براثن الاستعمار الغاشم المستبد .
مآثرنا استشهاد العديد من الشهداء واصابة الكثير بجروح متفاوتة عدد.....
تم اخلائهم الى الاماكن المعدة لذلك كما تم موارات الشهداء في جوف الليل خارج منطقة العمليات .

اليوم السابع للمعركة 28/09/1955
في الصباح الباكر بدا العدو كعادته بقصف المركز بالمدفعية طويلة المدى
على قلعة الجرف والمناطق المجاورة لمنطقة العمليات , وباثر القصف المدفعي طويل المدى قام سلاح الجو بقنبلة منطقة الجرف باسراب متتابعة متلاحقة .
دام القصف حوالي نصف ساعة ثم انتقل الطيران الى منطقة سلسلة الجبل حاولت القوات الاستعمارية التقدم على الجبهات الاربعة بالمشاة العززززززززززززة بقصف الهاونات كتغطية لتقدمها.
المرابطين بمنطقة العمليات تبا للخطة المتبعة ترك القوات الاستعمارية التقدم اكثر فاكثر تنفيذا للخطة الثورية لحرب العصابات اشتعلت النيران بين الجانبين مرونة حرككة المجاهدين بحكم معرفتهم لمسالك و منعرجات التضاريس الجبلية ,اصبحت القوات الاستعمارية محاصرة بوحدات المجاهدين الخلفية واشتد الخناق في المواجهات الأربعة مما سهل القضاء على القوات الاستعمارية واللحاق الخسائر الجد كبيرة بإفراد العدو , وغنم كميات معتبرة من الأسلحة الاتوماتيكية الخفيفة و الرشاشات الثقيلة , بحيث لم ينجو الا القليل و القليل جدا من القوات الاستعمارية الذي أقحم بها قادة الاستعمار المتغطرس الذي كان يظن حسب مزاعمه (كمشة من الفلاقة).
الخارجون عن القانون يسهل القضاء عليهم في صبيحة اليوم الاول ويمثل بجثث البعض منهم في الشوارع الرئيسية من المدن كعادته وبذلك تكون نشوة الغطرسة الاستعمارية بفرنسا , انكسرت القوات الاستعمارية شر انكسار في الجبهات الأربعة من نجا منهم تاركا سلاحه على ميدان المعركة
مختلا في عقله ظل طريقه لمنطقة تجمعاتهم مما يمكن مرابطي قلعة الحرف من القضاء عليه .
تكبد العدو خسائر جد جسيمة في الارواح و المعدات الحربية .
غنم المجاهدون كميات كبيرة من الاسلحة الخفيفة الاتوماتيكية و الذخيرة بحيث صعب على المجاهدين حملها لوفرة تعدادها .
قررت القيادة جمعها من المخابئ و الملاجئ استعدادا إلى تحويلها إلى الأماكن المتعددة لذلك.
وماثر المجاهدين استشهاد عدد من المجاهدين عدد .... كما جرح عدد آخر
بجروح متفاوتة الخطورة عدد..... ثم اخلاء الجرحى الى الاماكن المعدة لذلك كما تم دفن الشهداء ليلا خارج منطقة العمليات .
اليوم الثامن للمعركة 29/09/1955
في فجر مبكر قامت القوات الاستعمارية مركزه على موقع الجرف وقصفت ثان تمهيدي لعزل منطقة الجرف كخطة جديدة او مستجدة لتنفتذ قرار العدو بالدخول بكل قوة الى موقع الجرف , ابتدات الهجوم بفيالق من
اللفيف الاجنبي المدعى بالدبابات بالقرب من مرابطي قلعة الجرف .
نشبت النيران على اشدها بين الطرفين كاليوم الاول للمعركة تواصل الهجوم اكثر من خمسة ساعات و النيران مشتعلة بين الجانبين وجثث العدو من اللفتف الاجنبي تساقط هنا وهناك , وتحولات خبراء الحرب القادمون من الهند الصينية يدفعون بقواتهم الى الامام ...
تعززززززززززززت وحدات المجاهدين من الخلف , اطلق المجاهدون من قمم الجبال الحاكمة المنيعة المحيطة بمنطقة الجرف كاسود يحبوهم قوة ايمانهم بقضيتهم وفتحوا نيرانهم من خلف قوات العدو تفطن العدو الى انه اصبح في حصار مضروب عليه , حاولت التنصل و التقهقر للخلف فلم تفلح .
تقهقرت في تقدمها نهلئيا امام صلابة المرابطين بالقلعة واشتدت المعركة على اشدها في قتال مستميت عبر الجبهات الاربعة حوالي الساعتين , انتصر فتها المجاهدون انتصارا باهرا اعتبرواه كرضاء وتتويجا من ربهم انصر قضيتهم , لم تعد قوات العدو إلا فلول ضئيلة جدا معزولين من سلاحهم , نتيجة قوة الصدمة , وذهولهم من قبضة الحصار عليهم الغير متوقع لديهم .
سجلت خسائر جد جسيمة في جانب العدو في قواته و معداته و آلياته , و
عطب 12دبابة بحيث شوهد فرارهم و فرار أطلق البابات في اتجاه تجمعات العدو
أهم القادة:
ا/ قتال الوردي بن محمد بن عبد الله بن نصر بن قتال
ب/ عون عمر (المدعو البوقصي)
ج/ القائد شريط لزهر
د/ القائد ورتاني بشير المعروف بسيدي حنى
ه/ القائدين جيلاني السوفي و سي صالح الخنشلي
و/ القائد فرحي حمة بن عثمان
نتائج المعركة
نتائج استطلاع مساء يوم 21/09/1955
بدء المعركة من 22/09/1955
مواصلة فك الحصار 06/10/1955
خسائر العدو
- البشرية 600 إلى 700
- أصالة الطيران 20 بين الإصابة و العطب و الإسقاط
- الدبابات 10
- مزمجرات 30
- شاحنات 60
- أسلحة 150
- ذخيرة حمولات 20 بغلا
- لاسلكيات 20 جهاز 01 كبير
- بغال 100 بين ابل بغال
مآثر المجاهدين
- الشهداء ما يقرب 170
- الجرحى 40 إلى 50
- الأسلحة 5 قطع
- التموين كميات كبيرة
- الألبسة كمية كبيرة أحرقت
المجازر الشعبية
- الشهداء المدنيون 100
- خسائر الحيوانات مئات القطعان
- حرق المنازل أكثر من 30 مشته
- افتكاك الحيوانات 5000 رأس من الإبل و الغنم و البقر
- المحجوزون أعداء ضخمة حولت إلى محتشدات الجرف و غيره
__________________


إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#19

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

معركة نهاوند فتح الفتوح


عن السائب بن الأقرع قال : زحف للمسلمين زحف لم يُرَ مثله قط ، رجف له أهل ماه و أصبهان و همذان و الري وقومس ونهاوند و أذريبجان ، قال : فبلغ ذلك عمر فشاور المسلمين .
فقال علي رضي الله عنه : أنت أفضلنا رأياً و أعلمنا بأهلك . فقال : لأستعملن على الناس رجلاً يكون لأول أسنّة يلقاها ،-أي أول من يتلقى الرماح بصدره ،كناية عن شجاعته- ياسائب اذهب بكتابي هذا إلى النعمان بن مُقرِّن ، فليسر بثلثي أهل الكوفة ، وليبعث إلى أهل البصرة ، و أنت على ما أصابوا من غنيمة ، فإن قُتل النعمان فحذيفة الأمير ، فإن قُتل حذيفة فجرير بن عبد الله ، فإن قُتل ذلك الجيش فلا أراك .


لما انتصر المسلمون في القادسية على الفرس كاتب يزدجرد أهل الباب والسند وحلوان ليجتمعوا فيوجهوا ضربة حاسمة للمسلمين ، فتكاتبوا واجتمعوا في نهاوند .

وأرسل سعد بن أبي وقاص إلى عمر : ( بلغ الفرس خمسين ومائة ألف مقاتل ، فإن جاؤونا قبل أن نبادرهم الشدة ازدادوا جرأة وقوة ، وإن نحن عاجلناهم كان لنا ذلك ).

وأرسل عمر إلى سعد محمد بن مسلمة ليخبره أن يستعد الناس لملاقاة الفرس ، فغادر سعد الكوفة إلى المدينة ليخبر عمر بخطورة الموقف شفاهة ، فجمع عمر المسلمين في المدينة ، وخطب فيهم وشرح لهم خطورة الوضع ، واستشارهم ، وأشاروا عليه أن يقيم هو بالمدينة ، وأن يكتب إلى أهل الكوفة فليخرج ثلثاهم لمساعدة الجيش الإسلامي وأهل البصرة بمن عندهم . ثم قال عمر : أشيروا عليّ برجل يكون أوليه ذلك الثغر غداً، فقالوا : أنت أفضل رأياً وأحسن مقدرة ، فقال : أما والله لأولين أمرهم رجلاً ليكونن أول الأسنة – أي : أول من يقابل الرماح بوجهه – إذا لقيها غداً ، فقيل : من يا أمير المؤمنين ؟ فقال : النعمان بن مقرن المزني ، فقالوا : هو لها .

ودخل عمر المسجد ورأى النعمان يصلي ،فلما قضى صلاته بادره عمر : لقد انتدبتك لعمل ، فقال : إن يكن جباية للضرائب فلا ، وإن يكن جهاداً في سبيل الله فنعم . وانطلق النعمان عام (21) للهجرة يقود الجيش ، وبرفقته بعض الصحابة الكرام .

وطرح الفرس حسك الحديد – مثل الشوك يكون من الحديد – حول مدينة نهاوند ، فبعث النعمان عيوناً فساروا لايعلمون بالحسك ، فزجر بعضهم فرسه فدخلت في يده حسكة ، فلم يبرح الفرس مكانه ، فنزل صاحبه ونظر في يده فإذا في حافره حسكة ، فعاد وأخبر النعمان بالخبر ، فاستشار جيشه فقال : ماترون؟ فقالوا : انتقل من منزلك هذا حتى يروا أنك هارب منهم ، فيخرجوا في طلبك ، فانتقل النعمان من منزله ذلك ، وكنست الأعاجم الحسك فخرجوا في طلبه ، فرجع النعمان ومن معه عليهم ، وقد عبأ الكتائب ونظم جيشه وعدده ثلاثون ألفاً ، وجعل علىمقدمة الجيش نعيم بن مقرن ، وعلى المجنبتين : حذيفة بن اليمان وسويد بن مقرن ، وعلى المجردة القعقاع بن عمرو ، وعلى الساقة مجاشع بن مسعود ، ونظم الفرس قواتهم تحت إمرة (الفيرزان) ، وعلى مجنبتتيه (الزردق) و(بهمن جاذويه) الذي ترك مكانه ل( ذي الحاجب ) .

أنشب النعمان القتال يوم الأربعاء ، ودام على شكل مناوشات حادة إلى يوم الخميس ، والحرب سجال بين الفريقين ، وكان الفرس خلالها في خنادق .

وخشي المسلمون أن يطول الأمر فاستشار النعمان أصحابه ، فتكلم قوم فردت آراؤهم ، ثم تكلم طليحة فقال :أرى أن تبعث خيلاً مؤدبة ، فيحدقوا بهم ، ثم يرموا لينشبوا القتال ، ويحمشوهم – أي يغضبوهم – ، فإذا أحمشوهم واختلطوا بهم وأرادوا الخروج أرزوا – أي انضموا- إلينا استطراداً – أي خديعة - .. وأقر الجميع هذا الرأي فأمر النعمان القعقاع أن ينشب القتال فأنشبه ، فخرج الفرس من خنادقهم ، فلما خرجوا نكص القعقاع بجنده ، ثم نكص ثم نكص ، وخرج الفرس جميعاً فلم يبق أحد إلا حرس الأبواب ،حتى انضم القعقاع إلى الناس ، والنعمان والمسلمون علىتعبيتهم في يوم جمعة في صدر النهار ، وأقبل الفرس على الناس يرمونهم حتى أفشوا فيه الجراحات ، والمسلمون يطلبون من النعمان الإذن بالقتال ، وبقي النعمان يطلب منهم الصبر .

فلما جاء الزوال وتفيأت الأفياء وهبت الرياح أمر بالقتال ، كل ذلك إحياء لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يختار هذا الوقت للقتال ، وعندئذ ركب فرسه وبدأ يحرض المسلمين على القتال ، ثم قال : فإن قتلت فلأمير بعدي حذيفة ، وإن قتل فلان .. وعد سبعة .

وكبر النعمان التكبيرة الأولى ثم الثانية ، ثم قال : اللهم اعزززززززززززز دينك وانصر عبادك ، واجعل النعمان أول شهيد اليوم على إعزاز دينك ونصر عبادك ، اللهم إني أسألك أن تقر عيني اليوم بفتح يكون فيه عزالإسلام ، أمنوا رحمكم الله . فبكى الناس .

وكبر النعمان التكبيرة الثالثة ، وبدأ القتال ، وأثناء تقدم القائد بدأ الفرس يتركون الساحة وزلق بالقائد فرسه من كثرة الدماء في أرض المعركة ، فصرع بين سنابك الخيل ، وجاءه سهم في جنبه ، فرآه أخوه نعيم فسجاه بثوب ، وأخذ الراية قبل أن تقع وناولها حذيفة بن اليمان فأخذها ، وقال المغيرة : اكتموا مصاب أميركم حتى ننتظر ما يصنع الله فينا وفيهم ؛ لئلا يهن الناس .

ولما زلق فرس النعمان به لمحه معقل بن يسار فجاءه بقليل من الماء ، فغسل عن وجهه التراب ، فقال النعمان : من أنت ؟ قال : أنا معقل بن يسار ، قال : ما فعل الناس ؟ قال : فتح الله عليهم ، قال : الحمد لله ، اكتبوا بذلك إلى عمر ، وفاضت روحه .

ولما أظلم الليل انهزم الفرس وهربوا دون قصد فوقعوا في واد ، فكان واحدهم يقع فيقع معه ستة ، فمات في هذه المعركة مائة ألف أو يزيد ، قتل في الوادي فقط ثمانون ألفاً ، وقتل ذو الحاجب ، وهرب الفيرزان ، وعلم بهربه القعقاع فتبعه هو ونعيم بن مقرن فأدركاه في واد ضيق فيه قافلة كبيرة من بغال وحمير محملة عسلاً ذاهبة إلى كسرى ، فلم يجد طريقاً فنزل عن دابته وصعد في الجبل ليختفي ، فتبعه القعقاع راجلاً فقتله .

وحزن المسلمون على موت أميرهم وبايعوا بعد المعركة أميرهم الجديد حذيفة ، ودخلوا نهاوند عام 21هـ بعد أن فتحوها.




إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#20

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

معركة حارم 559 هـ


مرت بالمسلمين في تاريخهم فترات من الضعف والفرقة والشتات ، كثرت فيها الخلافات وتعدّدت فيها الرايات ، وتمزقوا شر ممزق حتى طمع فيهم أعداؤهم ، ومن رحمة الله بهذه الأمة أن قيّض لها بين الفينة والأخرى رجالاً يذودون عن حماها ويعيدون لها هيبتها وكرامتها ، ومن هؤلاء الملك العادل نور الدين محمود زنكي المشهور بـنور الدين الشهيد الذي عرف بعدله وتقواه وورعه وعبادته وحبه للجهاد.


وكان نور الدين قد انهزم من الفرنج في سنة 558 هـ في المعركة التي عُرفت بـ " البقيعة " ، وسببها أنه رحمه الله جمع عساكره ودخل بلاد الفرنج ونزل في " البقيعة " تحت حصن الأكراد محاصرًا له ، عازماً على قصد طرابلس ومحاصرتها ، فاتفق الفرنج على مباغتة المسلمين نهاراً وهم آمنون ، وبينما الناس في خيامهم وسط النهار لم يرُعْهم إلا ظهور الفرنج من وراء الجبل الذي عليه حصن الأكراد ، فأراد المسلمون منعهم فلم يطيقوا ذلك ، فأرسلوا إلى نور الدين يُعِلمونه بما حصل ويطلبون منه النجدة ، إلا أن مباغتة الفرنج لهم حالت دون أخذ العدة والاستعداد للقائهم ، فهجم عليهم الفرنح قبل أن يتمكنوا من ركوب الخيل أو أخذ السلاح ، وأكثروا فيهم القتل والأسر ، واستطاع نور الدين أن ينجو بنفسه على فرسه حتى نزل على بحيرة " قدس " بالقرب من حمص في موضع يبعد أربعة فراسخ عن مكان المعركة ، ولحق به من سلم من الجند حتى اجتمعوا به وكان مما قاله له بعضهم : " ليس من الرأي أن تقيم ها هنا ، فإن الفرنج ربما حملهم الطمع على المجيء إلينا فنؤخذ ونحن على هذه الحال ، فقال لهم ‏:‏ " إذا كان معي ألف فارس لقيتهم ولا أبالي بهم ، ووالله لا أستظل بسقف حتى آخذ بثأري وثأر الإسلام " .

وكان الفرنج قد عزموا على التوجه إلى حمص بعد انتصارهم ، لأنها كانت أقرب البلاد إليهم ، ولما بلغهم نزول نور الدين بينها وبينهم قالوا ‏:‏ لم يفعل هذا إلا وعنده قوة يمنعنا بها‏ ‏، فراسلوه يطلبون منه الصلح فلم يجبهم ، وتركوا عند حصن الأكراد من يحميه وعادوا إلى بلادهم .

وبعدها بدأ نور الدين رحمه الله بتجهيز قواته ، استعداداً لمواجهة الفرنج والأخذ بالثأر ، وكان قد خصص أموالاً من بيت المال ينفقها على العلماء والعباد والفقراء ، فقال له بعض أصحابه لما رأى كثرة إنفاقه : " لو استعنت بهذه الأموال في هذا الوقت لكان أصلح ، فغضب عليهم وقال : " والله إني لا أرجو النصر إلا بأولئك ، فإنّما ترزقون وتنصرون بضعفائكم ، كيف أقطع صلاة قوم يقاتلون عني وأنا نائم على فراشي بسهام لا تخطئ ، وأصرفها على من لا يقاتل عني إلا إذا رآني بسهام قد تصيب وقد تخطئ ؟ ، وهؤلاء القوم لهم نصيب في بيت المال ، كيف يحل لي أن أعطيه غيرهم " .

وفي العام التالي سنة 559 هجرية خرج الفرنج من " عسقلان " لقتال أسد الدين شيركوه بمصر ، فاستغل نور الدين فرصة خروجهم ، وراسل الأمراء يطلب العون والنصرة فجاؤوا من كل فَجّ ، وكتب إلى الزُهَّاد والعباد يستمدّ منهم الدعاء ، ويطلب أن يحثوا المسلمين على الغزو والجهاد في سبيل الله .

ولما اجتمعت الجيوش سار نحو " حارم " - وهو حصن حصين في بلاد الشام ناحية حلب - في شهر رمضان من هذه السنة فحاصرها ونصب المجانيق عليها ، ثم تابع الزحف للقاء الفرنج الذين تجمعوا قريبا من الساحل مع أمرائهم وفرسانهم بزعامة أمير أنطاكية .

وقبيل المعركة انفرد نور الدين بنفسه تحت تل " حارم " ، وسجد لله ومرَّغ وجهه وتضرع وقال : " يا رب هؤلاء عبيدك وهم أولياؤك ، وهؤلاء عبيدك وهم أعداؤك ، فانصر أولياءك على أعدائك " ..... ، ثم قال : " اللهم انصر دينك ولا تنصر محموداً ، من محمود الكلب حتى يُنصر " ؟! .

وبدأ القتال والتحمت الصفوف ، فهجم الفرنج في البداية على ميمنة الجيش الإسلامي حتى تراجعت الميمنة وبدا وكأنها انهزمت ، وكانت تلك خطة من قبل المسلمين اتُّفِق عليها لكي يلحق فرسان الفرنج فلول الميمنة ، ومن ثم تنقطع الصلة بينهم وبين المشاة من قواتهم ، فيتفرغ المسلمون للقضاء على المشاة ، فإذا رجع الفرسان لم يجدوا أحداً من المشاة الذي كانوا يحمون ظهورهم .

وبهذه الخطة أحاط بهم المسلمون من كل جانب ، وألحقوا بهم هزيمة مدوية ، وخسائر فادحة قُدِّرت بعشرة آلاف قتيل ، ومثل هذا العدد أو أكثر من الأسرى ، وكان من بين الأسرى أمير " أنطاكية " ، وأمير " طرابلس " ، وحاكم " قيليقية " البيزنطي ، وقد أسر جميع الأمراء عدا أمير " الأرمن " .


وفي اليوم التالي استولى نور الدين على " حارم " بعد أن أجلى الفرنج عنها ، وكان ذلك فتحاً كبيراً ، ونصراً مبيناً أعاد للمسلمين الهيبة في قلوب أعدائهم ، وأعز الله جنده وأولياءه في هذا الشهر المبارك


إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#21

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

فتح الرها


تقع إمارة الرها فى منطقة الجزيرة وهى المنطقة الواسعة الواقعة بين العراق وسوريا، وقد فتحها المسلمون سنة 17 هجرية، و'الرها' من البلاد التى كان لها خصوصية عن البيزنطيين لأنها إحدى المدن الدينية عندهم وكانت تنتشر بها الكنائس والصوامع، وأيضا لها خصوصية عند المسلمين لكونها على حدود الدولة الإسلامية المشتركة مع الدولة البيزنطية، وكان الخلفاء دائمى الاهتمام بهذه المنطقة، ولكن مع ضعف الخلافة العباسية وخروج كثير من أجزاءها عن سيطرتها تعرضت منطقة الرها للعدوان المتكرر من البيزنطيين .



*وعندما انطلقت شرارة الحملات الصليبية احتل الصليبيون 'الرها' وأقاموا بها أول إمارة صليبية بأرض الإسلام وذلك سنة 492 هجرية .







*كانت الرها قريبة من الموصل وكان أميرها داهية صليبى اسمه 'جوسلين' ففهم من تحركات عماد الدين زنكى أنه يخطط لفتح الرها فعمد إلى تقوية دفاعاتها والمبالغة فى تحصينها وظل مقيماً فى الرها لا يفارقها أبداً رغم أن زوجته وأولاده بفرنسا ولكنه صبر فى فراقهم من أجل الدفاع عن الرها وهكذا يكون عزم الرجال وهمة القادة .



*كان عماد الدين زنكى يعرف قدر 'جوسلين' ودهائه وحنكته لذلك وضع خطة فى غاية الذكاء فهو كما يقولون [لا يفل الحديد إلا الحديد] فلقد أظهر عماد الدين أنه مشغول بحرب القبائل الكردية التى تسيطر على قلاع كثيرة فى منطقة ديار بكر 'جنوب تركيا الآن' وهى قبائل ذات نزعة إستقلالية ولا تقبل الإنضمام لصف عماد الدين زنكى لدواعى عصبية وقبلية، وبالفعل انطلت هذه الخدعة على 'جوسلين' الذى خفف من شدة التحصينات وتراخى فى دفاعاته حتى أنه قد سافر لزيارة أهله فى فرنسا، وكان عماد الدين زنكى قد بث العيون التى ترافع له الأخبار ليل نهار فلما علم مغادرة 'جوسلين' وتراخت الدفاعات، نادى فى معسكر جيشه بالاستعداد للهجوم على الرها .







*كان عماد الدين من أشجع الناس وأقواهم وأجرؤهم فى القتال لايجاريه أحد من جنده فى ذلك، وقبل القتال وضع عماد الدين مائدته للطعام وقال [لا يأكل معى على المائدة إلا من يطعن معى غداً باب الرها] وهى كناية عن شدة القتال والشجاعة لأن طاعن الباب يكون أول فارس فى الجيش يصل لباب المدينة ولا يفعل ذلك إلا أشجع الناس، فلم يجلس معه على المائدة إلا صبى صغير فقيل له :ارجع مما أنت فى هذا المقام، فقال له عماد الدين زنكى القائد المربى القدوة الذى يعرف كيف يحمس الشباب والنشء ويحفز طاقاتهم [دعوه فوالله إنى أرى وجهاً لا يتخلف عنى] وبالفعل أثمرت هذه الكلمات عن طاقة جبارة عند الصبى فكان أول طاعن وأول بطل فى هذه المعركة وفتحت المدينة فى 6 جمادى الاخرة سنة 539 هجرية وكان لفتحها رنة شديدة فى العالمين الإسلامى والصليبى، فلقد كان أعظم إنتصار حققه المسلمون على الصليبيين منذ دخولهم للشام منذ خمسين سنة، وأعاد ذاكرة الانتصارات لهم وسرت روح جهادية كبيرة عند المسلمين بعدها وعادت لهم الثقة وتغلبوا على الهزيمة النفسية تجاه الصليبيين والتى أقعدتهم عن السعى للتحرير عشرات السنين .



*أما الصليبيون فقد نزلت بهم أعظم المصائب وفقدوا أهم إمارة صليبية لهم بالمنطقة، ولقد قاموا بحملتهم الصليبية الثالثة على الشام سنة 543 هجرية لاسترجاع الإمارة ولكنهم فشلوا .


إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#22

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

معركة دومة الجندل


تهدأ ثائرة مشركي مكة بعد هزيمتهم في بدر على أيدي المسلمين، ومقتل عدد كبير من رجالات قريش وصناديد العرب وعتاة الكفر على أسنة رماح المسلمين وحد سيوفهم، فظلوا يتحينون الفرصة للانتقام من محمد (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه، وإنزال الهزيمة بهم، يريدون بذلك أن يمحوا عن أنفسهم عار هزيمتهم الكبرى في بدر.

وحانت لهم تلك الفرصة في أُحد، خاصة بعد أن خالف الرماة أمر النبي (صلى الله عليه وسلم) وتخلوا عن موقعهم أعلى الجبل، فوجدها خالد بن الوليد داهية العرب وكان على رأس فرسان قريش فرصة مواتية للالتفاف حول جيش المسلمين وإلحاق الهزيمة بهم.

واستطاع خالد صعود الجبل وقتل من بقي من رماة المسلمين، ثم فاجأ جيش المسلمين بمن معه من المشركين؛ فانكشف المسلمون، وكانت محنة قاسية ألحقت بهم هزيمة أليمة، برغم صمودهم واستبسالهم في القتال، ولكن وقع المفاجأة كان شديدا، وسرعة المباغتة حسمت المعركة لصالح المشركين.

وعاد المسلمون إلى المدينة يلملمون جراح الحرب وأتراح الهزيمة، ولم تكن آلام الجرحى ولهفات الثكالى تساوي شيئا أمام مرارة الهزيمة وإخفاق راية المسلمين في إحدى معاركهم ضد المشركين.

تسببت الهزيمة في حرج موقف المسلمين في المدينة -بالرغم من بقاء سلطانهم عليها- أمام اليهود والمشركين الشامتين والمترقبين زوال دولة المسلمين من المدينة، وإن كانوا حتى ذلك الحين وبالرغم مما مُني به المسلمون من الهزيمة لا يقوون على مجاهرة المسلمين بشعورهم أو مناصبتهم العداء.

وأدرك النبي (صلى الله عليه وسلم) ما يعمل في صدور المسلمين من الحزن والأسى، وما يشعرون به من مرارة الهزيمة وجرح الإخفاق، بالرغم من مواساة القرآن الكريم للمسلمين وعزائه لهم في قوله تعالى: "إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين" آل عمران – 140.

فقد كانت قلوب المسلمين وهِمَهم تهفو إلى الخروج من دائرة الحزن وتجاوز الهزيمة إلى الإعلان عن قوتهم، وإظهار بأسهم لأعدائهم المتربصين بهم، سواء من الداخل (في المدينة) أو من الخارج (قريش وقبائل العرب من المشركين).

مؤامرات اليهود وخيانتهم عهد النبي

أراد النبي (صلى الله عليه وسلم) كما أراد المسلمون أن يثبتوا لأعدائهم أنهم ما زالوا يملكون من القوة والبأس ما يستعيدون به مكانتهم وهيبتهم في نفوس العرب واليهود.

وكان بين المسلمين واليهود من سكان المدينة عهد وضعه النبي (صلى الله عليه وسلم) وأقره الطرفان منذ اللحظة الأولى لدخول النبي (صلى الله عليه وسلم) المدينة، تُكفل بمقتضاه حرية العقيدة والعبادة للطرفين، كما كانت بينهما وثيقة دفاع مشترك عن المدينة ضد أي خطر يتهددها أو عدوان عليها من الخارج.

ولكن طمع اليهود في الاستئثار بالمدينة وما جُبلوا عليه من الغدر والمكر والخداع جعلهم يتآمرون على النبي (صلى الله عليه وسلم) ويخططون لاغتياله والتخلص منه ومن دعوته، وعلم النبي (صلى الله عليه وسلم) بما حاكه يهود بني النضير ضده، بعد أن أطلعه الله على تدبيرهم ومؤامرتهم.

فأرسل النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى بني النضير يأمرهم بالجلاء عن المدينة، ليعود الأمن والاستقرار يرفرف من جديد عليها، بعد أن تخلص المسلمون من غدرهم ومؤامراتهم، وتمتعوا بما أفاء الله عليهم به من أموال اليهود وحدائقهم.

وعلم النبي (صلى الله عليه وسلم) بعزم مشركي مكة على الخروج لملاقاة المسلمين في جيش كبير؛ فاستعد لهم وخرج للقائهم في نحو ألف فارس، وجعل على المدينة عبد الله بن عبد الله بن أُبيّ بن سلول، وخرج المشركون من مكة بقيادة أبي سفيان بن حرب في نحو ألفي فارس، ولكن أبا سفيان قرر العودة إلى مكة بعد مسيرة يومين فرجع بأصحابه، وظل النبي (صلى الله عليه وسلم) والمسلمون ينتظرون 8 أيام قاموا خلالها ببعض العمليات التجارية مع قبائل المنطقة ربحوا فيها أموالا كثيرة، ثم عادوا إلى المدينة تسبقهم بشرى انسحاب قريش من مواجهتهم في بدر الآخرة وفرار المشركين من لقائهم؛ وهو ما أعاد إلى المسلمين المزيد من الثقة والطمأنينة، وأكسبهم المزيد من الهيبة والعزة في نفوس أعدائهم.

الخطر القادم من الشمال

ولكن ما لبث النبي (صلى الله عليه وسلم) أن علم باجتماع قبائل "دومة الجَنْدَل" وتجهزهم لحرب المسلمين وتهديد المدينة، وكانوا يعتدون على القوافل التي تمر بهم، ويتعرضون لمن يدنون من أراضيهم فينهبون التجارة ويسلبون الأموال ويقتلون كل من يعترضهم، حتى أصبحوا مصدر خطر على قوافل التجارة التي تأتي إلى المدينة والتي ينتظرها المسلمون ويعتمدون عليها.

فندب النبي (صلى الله عليه وسلم) المسلمين للخروج لقتال تلك القبائل وكف أذاها والقضاء على تهديدها المستمر للمدينة؛ فخرج معه ألف من المسلمين، واستعمل النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة "سباع بن عُرْفُطة الغفاري" وانطلق المسلمون في طريقهم إلى دومة الجندل.

كانت المسافة طويلة والطرق موحشة والصحراء قاحلة شديدة القيظ، وكان على المسلمين أن يقطعوا نحو 300 كم ليصلوا إلى دومة الجندل في شمال الجزيرة العربية، ما بين الحجاز والشام على بعد نحو 10 مراحل من المدينة.

واختار النبي (صلى الله عليه وسلم) معه دليلا من بني عذرة يقال له "مذكور" كان شديد الذكاء، على قدر فائق من المهارة والخبرة والدراية بدروب الصحراء وطرقها الخفية ومضايقها.

وانطلق النبي (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه يقطعون الفيافي والقفار، مستهينين بالمصاعب والمشاق، متحملين القيظ الشديد وجدب الصحراء وقلة الماء، لا يبالون بالموت، يدفعهم إيمانهم بالله ورسوله إلى اجتياز تلك الصحراء القاحلة والفيافي الموحشة؛ طاعة لله تعالى، واستجابة لنداء النبي صلى الله عليه وسلم، يحركهم إيمانهم القوي بالنصر والظفر.

وكان النبي (صلى الله عليه وسلم) يسير ليلا ويكمن نهارا؛ حتى لا يشعر به أحد من المشركين ولا تنتبه إلى قدومه قبائل دومة الجندل، فيصل إليها قبل أن تستعد للقائه؛ وهو ما يكفل له تحقيق عنصر المفاجأة ومباغتة العدو.

كما أراد النبي (صلى الله عليه وسلم) بذلك أيضا أن يتقي وأصحابه قيظ الصحراء وحرها الشديد، ولفح شمسها ولهيب رمالها؛ فلا يقابل المسلمون أعداءهم وهم خائرو القوة، منهكون من أثر وعورة الطريق وحرارة الجو.

انتصار بلا قتال

فلما اقترب النبي (صلى الله عليه وسلم) من دومة الجندل أخبره الدليل بوجود قطعان من الإبل والماشية ترعى في الصحراء، وكانت لقوم من تميم فانطلق المسلمون ليستولوا عليها، واستطاعوا أن يجمعوا عددا منها، بينما فر الكثير منها وتفرقت في كل اتجاه.

وشعر أهل دومة الجندل بقدوم المسلمين فأسرعوا بالفرار تاركين ديارهم ومتاعهم لينجوا بأنفسهم من المسلمين.

ونزل النبي (صلى الله عليه وسلم) بساحتهم فلم يجد بها أحدا فأقام النبي بها أياما وبث السرايا تبحث في كل الأنحاء، ولكنهم لم يلقوا أحدا ولم يظفروا إلا برجل منهم أتى به محمد بن مسلمة إلى النبي (صلى الله عليه وسلم)، فسأله عن أصحابه فقال: هربوا أمس، فعرض عليه النبي (صلى الله عليه وسلم) الإسلام فأسلم.

وبقي النبي (صلى الله عليه وسلم) والمسلمون بها أياما، ثم رجعوا إلى المدينة في 20 من ربيع الآخر 5 هـ= 18 من سبتمبر 626 م.

كانت غزوة "دومة الجندل" -كما أطلق عليها بعض العسكريين المعاصرين – عملية عسكرية ذات طابع تعرّضي للدفاع عن قاعدة الإسلام في المدينة، إذ إن النبي (صلى الله عليه وسلم) لم ينتظر حتى يفاجئه أعداؤه بشن هجومهم على المدينة، وإنما بادر بالإغارة عليهم فور علمه بما عزموا عليه.

وقد استهدفت تلك الغزوة تحقيق عدة أهداف تكتيكية وإستراتيجية؛ فقد ساهمت في القضاء على روح الضعف والتخاذل التي كادت تصيب المسلمين بعد هزيمتهم في أحد، وساعدت على التخلص من آثار تلك الهزيمة التي أصابتهم، كما عملت على رفع الروح المعنوية لديهم واستعادة الثقة بالنفس، وفي الوقت نفسه تدمير الروح المعنوية لجنود الأعداء.

كما أنها كانت بمثابة استعراض لقوة المسلمين لإرهاب أعدائهم وتبديد أطماعهم في المسلمين، بالإضافة إلى ما حققته من إحباط لخطط العدو الهجومية ووأدها في مهدها، وحرمان العدو من تحقيق عنصر المفاجأة وسرعة المبادأة.

العبقرية العسكرية للرسول القائد

قد تجلت العبقرية العسكرية للنبي (صلى الله عليه وسلم) في تلك الغزوة من عدة وجوه منها:

-استخدام ما يُعرف بالإنذار المبكر، ومعرفة تحركات العدو وخططه العسكرية مبكرا.

-عدم الاستهانة بالعدو، والاستعداد الجيد للمعركة، والاستعانة بأهل الخبرة والمتخصصين في فنون الحرب ودروب الصحراء.

-السرية التامة وإخفاء والتمويه المتقن، وذلك بسلك طرق غير مألوفة، والسير والتحرك ليلا، والكمون والراحة نهارا.

-الحرص على تأكيد السيطرة على الموقف، وإعلان السيادة وتحقيق النصر عند فرار الأعداء، وذلك بالبقاء في ديار الأعداء الهاربين لمدة طويلة.

-تحقيق عنصر المبادأة أو المبادرة ومفاجأة الأعداء بالهجوم عليهم في عقر دارهم، قبل أن يكملوا استعدادهم، وبذلك يتمكن من إحراز النصر




إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#23

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

غزوة احد



تاريخ الغزوة :
اتفق كتاب السيرة على أنها كانت في شوال من السنة الثالثة الهجرية ، واختلفوا في اليوم الذي وقعت فيه. وأشهر الأقوال أنه السبت ، للنصف من شوال.


أسبابها :
لقد كان السبب المباشر لها ، كما أجمع على ذلك أهل السير ، هو أن قريشاً أرادت أن تنتقم لقتلاها في بدر ، وتستعيد مكانتها التي تزعزعت بين العرب بعد هزيمتها في بدر. أما من بين الأسباب الأخرى الهامة التي يمكن استنتاجها من مجريات الأحداث ، فهي أن قريشاً تريد أن تضع حدا لتهديد المسلمين طرق تجارتهم إلى الشام ، والقضاء على المسلمين قبل أن يصبحوا قوة تهدد وجودهم.

عدة المشركين :
خصصت قريش قافلة أبي سفيان التي نجت من المسلمين ، وأرباحها ، لتجهيز جيشهم لغزوة أحد ، وجمعت ثلاث آلاف مقاتل من قريش ومن أطاعها من كنانة وأهل تهامة ، ومعهم مائتا فرس ، وسبعمائة دارع ، وجعلت على الميمنة خالد بن الوليد وعلى الميسرة عكرمة بن أبي جهل ، وخرجت معهم مجموعة من النساء لإثارة حماسهم وخوفهم من العار إذا فروا.
وذكر ابن إسحاق أنهن كن ثمانياً ، وقال الواقدي : إنهن كن أربع عشرة ، وقد سمياهن. وقال ابن سعد : إنهن كن خمس عشرة امرأة.

وأري الرسول صلى الله عليه وسلم في منامه ما سيحدث في أحد ، وذكره لأصحابه ، قائلا : ( رأيت في رؤياي أني هززززززززززززته سيفاً فانقطع صدره ، فإذا هو ما أصيب من المؤمنين يوم أحد ، ثم هززززززززززززته أخرى فعاد كأحسن ما كان ، فإذا هو ما جاء الله به من الفتح واجتماع المؤمنين ، ورأيت بقرا – والله خير – فإذا هم المؤمنون يوم أحد) وفي رواية أخرى : ( ورأيت أني في درع حصينة فأولتها المدينة). وفسر الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الرؤيا بأن هزيمته وقتلا سيقعان من أصحابه.

عندما علم الرسول صلى الله عليه وسلم بمجيء جيش مكة لحرب المسلمين ، شاور أصحابه ، بين أن يبقوا داخل المدينة أو يخرجوا لملاقاة العدو خارجها. فقال جماعة من الأنصار: (يا نبي الله ، إنا نكره أن نقتل في طرق المدينة ، وقد كنا نمتنع من الغزو في الجاهلية ، فبالإسلام أحق أن نمتنع منه ، فابرز إلى القوم ، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فلبس لأمته. فتلاوم القوم فقالوا : عرض نبي الله صلى الله عليه وسلم بأمر وعرضتم بغيره ، فاذهب يا حمزة فقل للنبي صلى الله عليه وسلم : (أمرنا لأمرك تبع) ، فأتى حمزة فقال : (يا نبي الله ، إن القوم قد تلاوموا فقالوا : أمرنا لأمرك تبع ، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : (إنه ليس لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يناجز).

إن ما ذكره ابن إسحاق وغيره من أن عبدالله بن أبي كان موافقاً لرأي رسول الله صلى الله عليه وسلم في البقاء داخل المدينة ، فقد روى الطبري عن السدي خلاف ذلك ، وهو أثر إسناده صحيح ورجاله ثقات ولكنه مرسل ، وفيه من يهم ويكثر الخطأ ، ولذلك رجح الباكري رواية ابن إسحاق لصحتها ولإجماع أهل السير على ذلك ، وأن حجة ابن سلول في الرجوع عن أحد أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يطعه.

ومما ذكره أهل السير أن من دوافع الراغبين في الخروج ، إظهار الشجاعة أمام الأعداء والرغبة في المشاركة في الجهاد لما فاتهم من فضل الاشتراك في بدر. أما دوافع الرسول صلى الله عليه وسلم ومن كان على رأيه في البقاء داخل المدينة فهو الاستفادة من حصون المدينة وطاقات كل المواطنين مما يرجح فرصة دحر المهاجمين.

وبعد أن حسم الرسول صلى الله عليه وسلم أمر الخروج رفعت راية سوداء وثلاثة ألوية : لواء للمهاجرين ، حمله مصعب بن عمير ، وحمله بعد استشهاده علي بن أبي طالب ، ولواء للأوس حمله أسيد بن خضير ، ولواء للخزرج ، حمله الحباب ابن المنذر. وبلغ عدد من سار تحتها ألفاً من المسلمين ومن ظاهرهم ، وكان معهم فرسان ومائة دارع. وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يرتدي درعين.

وعندما تجاوز الرسول صلى الله عليه وسلم في مسيره إلى أحد ثنية الوادع رأى كتيبة خشناء ، فقال : ( من هؤلاء ؟ قالوا: هذا عبدالله بن أبي سلول في ستمائة من مواليه من اليهود من أهل قينقاع ، وهو رهط عبدالله بن سلام. قال : وقد أسلموا ؟ قالوا: لا يا رسول الله. قال : قولوا لهم فليرجعوا فإنا لا نستعين بالمشركين على المشركين). وإذا صح هذا الخبر يكون جلاء قينقاع بعد أحد.

وعندما وصل جيش المسلمين الشوط – وهو مكان ملعب التعليم بالمدينة الآن - ، انسحب المنافق ابن سلول بثلاثمائة من المنافقين ، بحجة أنه لن يقع قتال المشركين ، ومعترضاً على قرار القتال خارج المدينة ، قائلا : ( أطاع الولدان ومن لا رأي له ، أطاعهم وعصاني ، علام نقتل أنفسنا).

ورأت فرقة من الصحابة قتال هؤلاء المنافقين ، ورأت الفرقة الأخرى عدم ذلك ، فنزلت الآية الكريمة :{ فمالكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا}. واتبعهم عبدالله بن عمرو بن حرام عند انسحابهم ، وأخذ يقول لهم : ( أذكركم الله أن تخذلوا قومكم ونبيكم عندما حضر من عدوهم ، فقالوا : لو نعلم أنكم تقاتلون ما أسلمناكم ولكنا لا نرى أن يكون قتال. فلما استعصوا عليه ، قال : أبعدكم الله أعداء الله ، فسيغني الله عنكم نبيه ، وقد أشار القرآن إلى هذا الحوار في قوله تعالى :{ وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين. وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا ، قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم ، هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان ، يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم ، والله أعلم بما يكتمون } .
وكادت بنو سلمة – من الخزرج – وبنو حارثة – من الأوس – أن تنخذل مع المنافقين لولا أن الله ثبتهم مع المؤمنين ، وفيهم قال الله عز وجل : { إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما … } .

وأنزل الله تعالى النعاس على طائفة المؤمنين الذين اغتموا بما وقع للرسول صلى الله عليه وسلم وإخوانهم يوم بدر فناموا يسيرا ثم أفاقوا وقد قذف الله في قلوبهم الطمأنينة، التي أعادت لهم بعض نشاطهم ليواصلوا الدفاع عن نبيهم.


وكان أبو طلحة الأنصاري فيمن تغشاه النعاس يوم أحد حتى سقط سيفه من يده مراراً فيأخذه. وفي ذلك نزل قول الله تعالى: ( ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم)، أما طائفة المنافقين، سواء التي انسحبت مع ابن سلول أو فلولهم التي سارت مع المؤمنين فقد قال الله عنهم في الآية نفسها: ( وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية، يقولون هل لنا من الأمر شيء قل إن الأمر كله لله ، يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك ، يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ها هنا ).

لقد حاول المشركون جهد طاقتهم قتل الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن الله عصمه منهم. فقد روي أن أبيا بن خلف كان يتوعد الرسول صلى الله عليه وسلم بمكة بأنه سيقتله يوما ما، فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( بل أنا أقتلك إن شاء الله)، فلما كان يوم أحد لحق النبي صلى الله عليه وسلم في الشعب وهو يقـول : أي محمد ، لا نجوت إن نجوت ، فقال القوم : يا رسول الله ، أيعطف عليه رجل منا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعوه. فلما دنا تناول رسول الله صلى الله عليه وسلم الحربة من الحارث بن الصمة، ثم استقبله فطعنه في عنقه طعنة مال منها على فرسه مرارا، ورجع إلى قريش وبه خدش غير كبير، فاحتقن الدم، فقال : ( قتلني والله محمد !) وطمأنة قومه بأن ليس به بأس، فقال لهم ما قال له محمد صلى الله عليه وسلم بمكة، ثم قال : ( فوالله لو بصق علي لتقلني). فمات عدو الله بسرف، وهم قافلون به إلى مكة. وهذا من علامات ودلائل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.

وعندما صمد المسلمون واستماتوا دفاعا عن النبي صلى الله عليه وسلم فشل المشركون في محاولات الاختراق إليه، وأعيتهم المجالدة، ولم يملك أبو سفيان إلا أن يتوعد المسلمين بحرب أخرى في العام القادم، فوافق الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك.

وقد ثبت أن أبا سفيان أشرف على المسلمين، وقال: أفي القوم محمد ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: لا تجيبوه، فقال: أفي القوم ابن أبي قحافة ؟ قال: لا تجيبوه ، قال : أفي القوم ابن الخطاب ؟ فقال: إن هؤلاء قتلوا، فلو كانوا أحياء لأجابوا. فلم يملك عمر نفسه، فقال : كذبت يا عدو الله ، أبقى الله عليك ما يحزنك ، قال أبو سفيان : اعل هبل ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أجيبوه ، قالوا : ما نقول؟ قال: قولوا: الله أعلى وأجل. قال أبو سفيان: لنا العزى ولا عزى لكم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أجيبوه، قالوا: ما نقول ؟ قال: قولوا: والله مولانا ولا مولى لكم. قال أبو سفيان: يوم بيوم بدر والحرب سجال. وتجدون مثلة لم آمر بها ولم تسؤني، وفي رواية عند أحمد وابن إسحاق قال عمر: لا سواء، قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار.

وعندما انصرف المشركون مكتفين بما نالوه من المسلمين، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً بن أبي طالب، وقال له: ( اخرج آثار القوم ، فانظر ماذا يصنعون وما يريدون ، فإن كانوا قد جنبوا الخيل وامتطوا الإبل ، فإنهم يريدون مكة ، وإن ركبوا الخيل وساقو الإبل ، فإنهم يريدون المدينة ، والذي نفسي بيده لئن أرادوها لأسيرن إليهم فيها ، ثم لأناجزنهم) ، وفعل علي ما أمر به ، فوجدهم قد جنبوا الخيل وامتطوا الإبل ووجهوا إلى مكة ، وانجلت المعركة عن سبعين شهيداً من المسلمين ، واثنين وعشرين قتيلاً من المشركين.

وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتمس حمزة فوجده ببطن الوادي قد بقر بطنه عن كبده، ومثل به، فجدع أنفه وأذناه. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأى ما به: ( لولا أن تحزن صفية، ويكون سنة من بعدي لتركته حتى يكون في بطون السباع وحواصل الطير، ولئن أظهرني الله على قريش في موطن من المواطن لأمثلن بثلاثين رجلا منهم)، فلما رأى المسلمون حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيظه على من فعمل بعمه ما فعل، قالوا: والله لئن أظفرنا الله بهم يوما من الدهر لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب. ونزل قول الله تعالى: (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين). فعفا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصبر ونهى عن المثلة.

وعن قصة التمثيل بجثة حمزة رضي الله عنه، فقد روى موسى بن عقبة أن وحشياً بقر عن كبد حمزة وحملها إلى هند بنت عتبة فلاكتها فلم تستطع أن تستسيغها.

وروى ابن إسحاق أن هنداً هي التي بقرت عن كبد حمزة، وزاد أن هنداً اتخذت من آذان الرجال وأنفهم خدماً (أي خلاخل) وقلائد، وأعطت خدمها وقلائدها وقطرتها وحشياً.

وروى الواقدي أن وحشياً عندما قتل حمزة حمل كبده إلى مكة ليراها سيده جبير بن مطعم.

وذكر الشامي أن الواقدي والمقريزي في الإمتاع رويا أن وحشياً شق بطن حمزة وأخرج كبده وجاء بها إلى هند فمضغتها ثم لفظتها ، ثم جاءت معه إلى حيث جثة حمزة ، فقطعت من كبده وجدعت أنفه وقطعت أذنيه ثم جعلت مسكتين ومعضدين وخدمتين حتى قدمت بذلك مكة.

ولعل رواية الواقدي والمقريزي التي أشار إليها الشامي تفيد الجمع بين روايتي ابن عقبة وابن إسحاق، وتوافقهما في المضمون.

أما التمثيل بجثة حمزة فقد ثبت بطرق صحيحة كما ذكرنا، مما يدل على أن قصة بقر كبد حمزة التي ذكرها بعض أهل المغازي والسير لها أصل.

وسجلت لبعض النساء المسلمات مواقف إيمانية رائعة في تقبلهن مصابهن في أهليهن وفرحهن بحياة الرسول صلى الله عليه وسلم. ومن أمثلة ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم مر هو وأصحابه بامرأة من بني دينار ، وقد أصيب زوجها وأخوها وأبوها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحد ، فلما نعوا لها قالت : فما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالوا: خيرا يا أم فلان. هو بحمد الله كما تحبين، قالت: أرونيه حتى أنظر إليه ؟ فأشير إليه حتى إذا رأته قالت: كل مصيبة بعدك جلل) أي صغيرة.

وعندما أقبلت صفية أخت حمزة لتنظر إليه ، طلب الرسول صلى الله عليه وسلم من ابنها الزبير أن يرجعها حتى لا ترى ما بأخيها من مثلة ، فقالت : ولم ؟ وقد بلغني أن قد مثل بأخي ، وذلك في الله ، فما أرضانا بما كان من ذلك ! لأ حتسبن ولأصبرن إن شاء الله. وعندما أخبر الزبير النبي صلى الله عليه وسلم بقولها ، أمره بأن يخلي سبيلها ، فأتته فنظرت إليه ، فصلت عليه واسترجعت واستغفرت له ، ثم أمر به فدفن.

وقد روى البخاري وأبو داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد، ثم يقول: (أيهم أكثر أخذاً للقرآن ؟ فإذا أشير لأحد قدمه في اللحد، وقال: أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة) وأمر بدفنهم بدمائهم ولم يصل عليهم، ولم يغسلوا، ودفن الاثنان والثلاثة في قبر واحد، وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدفنوا حيث صرعوا، فأعيد من أخذ ليدفن داخل المدينة. وبعد الدفن، صف الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه وأثنى على ربه ثم دعا الله أن يعطيهم نعيم الدنيا والآخرة وأن يقتل الكفرة والمكذبين.

وكان يتمنى أن يمضي شهيدا مع أصحابه الذين استشهدوا يوم أحد، وقد أثنى عليهم عندما سمع عليا يقول لفاطمة: هاك السيف فإنها قد شفتني، فقال له: ( لئن كنت أجدب الضرب بسيفك، لقد أجاد سهل ابن حنيف وأبو دجانة وعاصم بن ثابت الأقلح والحارث بن الصمة.
وبشر الرسول صلى الله عليه وسلم بما نال الشهداء من عظيم الأجر، فقد قال عندما سمع بكاء فاطمة بنت عبدا لله بن عمرو والد جابر: (ولم تبكي ؟ فما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفعتموه).

ونزل في شهداء أحد قول الله تعالى: ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون). فقد روى مسلم أن الصحابة رضي الله عنهم سألوا ابن مسعود عن هذه الآية، فقال: (أما أنا قد سألنا ذلك. فقال: أرواحهم في جوف طير خضر. لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل)؛ ولذا قال العلماء إن حياة الشهداء حياة محققة حسبما جاء في هذا الحديث.

أحكام وحكم وعظات وعبر من غزوة أحد:

عقد ابن القيم فصلاً فيما اشتملت عليه هذه الغزوة من الأحكام الفقهية، ننقلها هنا باختصار لتعميم الفائدة:

* إن الجهاد يلزم بالشروع فيه، حتى إن استعد له وتأهب للخروج، وليس له أن يرجع عن ذلك حتى يقاتل عدوه.
* إنه لا يجب على المسلمين إذا طرقهم عدوهم في ديارهم الخروج إليه، بل يجوز لهم أن يلزموا ديارهم، ويقاتلوهم فيها إذا كان ذلك أنصر لهم على عدوهم، كما أشار به رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم يوم أحد.
* جواز سلوك الإمام بالعسكر في أملاك رعيته إذا صادف ذلك طريقة، وإن لم يرض المالك، كما كان حال مربع بن قيظي مع الرسول صلى الله عليه وسلم وجيشه.
* إنه لا يأذن لمن لا يطيق القتال من الصبيان غير البالغين، بل يردهم إذا خرجوا، كما رد رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عمر ومن معه.
* جواز الغزو بالنساء والاستعانة بهن فيما دون القتال مثل السقي والتطبيب.
* جواز الانغماس في العدو، كما انغمس أنس بن النضر وغيره.
* إن الإمام إذا أصابته جراحة صلى بأصحابه قاعداً، وصلوا وراءه قعدواً، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم واستمرت على ذلك سنته إلى حين وفاته.
* جواز دعاء الرجل وتمنيه أن يقتل في سبيل الله، وليس ذلك من تمني الموت المنهي عنه، كما فعل عبد الله بن جحش.
* إن المسلم، إذا قتل نفسه، فهو من أهل النار، كما في حال قزمان.
* السنة في الشهيد أن لا يغسل ولا يكفن في غير ثيابه، بل يدفن فيها بدمه، إلا أن يسلبها العدو، فيكفن في غيرها. والحكمة في ذلك كما روى الترمذي ( حتى يلقوا ربهم بكلومهم – جروحهم - ، ريح دمهم ريح المسك ، واستغنوا بإكرام الله لهم). كما روى ابن إسحاق أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال عن شهداء أحد: (أنا شهيد على هؤلاء ، ما من جريح يجرح في الله ، إلا والله يبعثه يوم القيامة ، يدمى جرحه ، اللون لون الدم والريح ريح مسك).
* أما الصلاة على الشهيد فقد اختلف فيها العلماء وقد رجح ابن القيم أن الإمام مخير بين الصلاة عليه وتركها لمجيء الآثار بكل واحد من الأمرين.
وقد خرّج محققا الزاد تلك الآثار وبينا درجتها من الصحة ، ثم قالا : ( ففي هذه الأحاديث مشروعية الصلاة على الشهداء لا على سبيل الإيجاب ، لأن كثيرا من الصحابة استشهد في غزوة بدر وغيرها ، ولم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليهم ، ولو فعل لنقل عنه ، وقد جنح المؤلف [ أي ابن القيم ] رحمه الله في (تهذيب السنن : 4/3295) إليه .
* السنة في الشهداء أن يدفنوا في مصارعهم.
* إن من عذره الله في التخلف عن الجهاد ، لمرض أو عرج (شديد أو شيخوخة) يجوز له الخروج إليه ، وان لم يجب عليه ، كما خرج عمرو بن الجموح ، وهو أعرج ، (واليمان والد حذيفة وثابت بن وقش وهما شيخان كبيران).
* إن المسلمين إذا قتلوا واحداً منهم في الجهاد يظنونه كافراً، فعلى الإمام دفع ديته من بيت المال ، كما في واقعة قتل اليمان.

وذكر ابن القيم بعض الحكم والغايات المحمودة التي كانت في غزوة أحد.

وقد أشار الله سبحانه وتعالى إلى أمهاتها وأصولها في سورة آل عمران حيث افتتح القصة بقوله: (وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال …) إلى تمام ستين آية من هذه السورة.

نذكر هنا باختصار ما ذكره ابن القيم:
* تعريف المؤمنين بسوء عاقبة المعصية والفشل والتنازع ، وأن الذي أصابهم هو لذلك السبب ، كما قال تعالى : (ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه ، حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون ، منكم من يريد الدنيا ، ومنكم من يريد الآخرة ، ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم) فلما ذاقوا عاقبة معصيتهم للرسول صلى الله عليه وسلم وتنازعهم وفشلهم ، كانوا بعد ذلك أشد حذراً ويقظة وتحرزاً من أسباب الخذلان.
2- إن حكمة الله وسنته في رسله ، وأتباعهم ، جرت بأن يدالوا مرة ويدال عليهم أخرى ، لكن تكون لهم العاقبة ، فإنهم لو انتصروا دائماً لم يحصل المقصود من البعثة والرسالة ، فاقتضت حكمة الله أن جمع لهم بين الأمرين ليتميز من يتبعهم ويطيعهم للحق وما جاؤوا به ممن يتبعهم على الظهور والغلبة ، خاصة وان هذا من أعلام الرسل كما قال هرقل لأبي سفيان : (هل قاتلتموه ؟ قال : نعم. قال : كيف الحرب بينكم وبينه ؟ قال : سجال ، يدال علينا المرة ، وندال عليه الأخرى. قال : كذلك الرسل تبتلى ، ثم تكون لهم العاقبة).
3- ميزت محنة أحد بين المؤمن والمنافق الذي دخل الإسلام ظاهراً بعد انتصار المسلمين ببدر، وفي ذلك قال تعالى : (ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب).
4- استخراج عبودية أوليائه وحزبه في السراء والضراء، فإذا ثبتوا على الطاعة والعبودية فيما يحبون وما يكرهون ، فهم عبيده حقاً ، وليسوا كمن يعبد الله على حرف واحد من السراء والنعمة والعافية.
5- لا يصلح عباده إلا السراء والضراء، فهو المدبر لأمر عباده كما يليق بحكمته، فهو (سبحانه) إذا أراد أن يعز عبده ، ويجبره ، وينصره ، كسره أولاً ، ويكون جبره له ، ونصره على مقدار ذله وانكساره ، وهذا ما وقع للمسلمين ببدر (ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة) وبحنين ( يوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً) .
6- إنه سبحانه هيأ لعباده المؤمنين منازل في دار كرامته ، لم تبلغها أعمالهم ، ولم يكونوا بالغيها إلا بالبلاء والمحنة ، فقيض لهم الأسباب التي توصلهم إليها من ابتلائه وامتحانه ، كما وفقهم للأعمال الصالحة التي هي من جملة أسباب وصولهم إليها.
7- إن النفوس تكتسب من العافية الدائمة والنصر والغنى طغياناً وركوناً إلى العاجلة ، وذلك مرض يعوقها عن جدها في سيرها إلى الله والآخرة ، فإذا أراد الله بها الرحمة والكرامة قيض لها من الابتلاء ما فيه دواء وشفاء لذلك المرض.
8- إن الشهادة عند الله من أعلى مراتب أوليائه ، ولا سبيل إلى نيل هذه الدرجة إلا بتقدير الأسباب المفضية إليها من تسليط العدو وغيره.
9- إن في الابتلاء من الله تمحيص وتكفير لذنوب عباده وفرصة لهم لنيل الشهادة ، قال تعالى : ( وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء ، والله لا يحب الظالمين ، وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين).
10- إن الأنبياء (عليهم السلام)، إذا أصيبوا ببعض العوارض الدنيوية من الجراحات والآلام والأسقام تعظيماً لأجرهم تأسى بهم أتباعهم في الصبر على المكاره والعاقبة للمتقين ، وهذه سنة الله فيهم.
11- إن اشتراك الرسول صلى الله عليه وسلم في القتال مثله كأي فرد من أفراد جيشه دليل على حرصه صلى الله عليه وسلم على عدم تميزه عن جنده ومساواة نفسه بهم. وفيه دليل على شجاعته وصبره وتحمله الأذى في سبيل دعوته.



إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#24

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

غزوة الاحزاب



تاريخ الغزوة:

وقعت هذه الغزوة في شوال سنة خمس كما قال ابن إسحاق ومن تابعه، وهو قول الجمهور، وقال الواقدي: إنها وقعت في يوم الثلاثاء الثامن من ذي القعدة في العام الخامس الهجري، وقال ابن سعد: إن الله استجاب لدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم فهزم الأحزاب يوم أربعاء من شهر ذي القعدة سنة خمس من مهاجره. ونقل الزهري ومالك بن أنس وموسى بن عقبة أنها وقعت سنة أربع هجرية.

ويرى العلماء أن القائلين بأنها وقعت سنة أربع كانوا يعدون التاريخ من المحرم الذي وقع بعد الهجرة ويلغون الأشهر التي قبل ذلك إلى ربيع الأول، فتكون غزوة بدر عندهم في السنة الأولى، وأحد في الثانية والخندق في الرابعة، وهو مخالف لما عليه الجمهور من جعل التاريخ من المحرم سنة الهجرة. وجزم ابن جزم أنها وقعت سنة أربع لقول ابن عمر أن الرسول صلى الله عليه وسلم رده يوم أحد وهي في السنة الثالثة باتفاق وهو ابن أربع عشرة سنة. ولكن البيهقي وابن حجر وغيرهما فسروا ذلك بأن ابن عمر كان يوم أحد في بداية الرابعة عشرة ويوم الخندق في نهاية الخامسة عشرة وهو الموافق لقول جمهور العلماء.

سبب الغزوة:

لم تضع الحرب أوزارها بين مشركي مكة والمسلمين إلا بعد فتح مكة في العام الثامن الهجري، ولذا فمن البدهي أن تحاول قريش في كل مرة القضاء على قوة المسلمين التي ترى فيها تهديداً مستمراً لطرق قوافلها وخطراً على مكانتها بين العرب.

أرادت قريش في هذه المرة أن تحسم هذا الصراع مع المسلمين لصالحها، فحشدت له أكبر قوة ممكنة حيث لجأت إلى التحالف مع كل من له مصلحة في القضاء على المسلمين. ووجدوا أكبر ضالتهم في قريش، فقد التقت أهداف الفريقين، وهو القضاء على المسلمين.

كان أول ما فكر فيه زعماء بني النضير الذين خرجوا إلى خيبر أن يتصلوا بقريش والقبائل الأخرى للثأر لأنفسهم والطمع في العودة إلى ديارهم وأملاكهم في المدينة. فخرج وفد منهم إلى مكة ، منهم : سلام بن أبي الحقيق وحيي بن أخطب وكنانة بن أبي الحقيق النضريون ، وهوذة بن قيس وأبو عمار الوائليان ، في نفر من بني النضير ونفر من بني وائل ، فدعوا قريشاً إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعدهم بالقتال معهم ، حتى يستأصلوه ، وأفتوهم بأن دينهم خير من دين محمد صلى الله عليه وسلم ، وأنهم أولى بالحق منهم ، وفيهم أنزل الله تعالى : ( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا ). ثم اتجهوا بعد هذا إلى قبيلة غطفان النجدية الكبرى وأغروها بالتحالف معهم ومع قريش على حرب المسلمين، على أن يكون لهم نصف ثمر خيبر، إذا اشتركت معهم في الحرب، وكان وافدهم إلى غطفان كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، فأجابه عيينة بن حصن الفزاري إلى ذلك.

وكتب المشركون إلى حلفائهم من بني أسد، فأقبل إليهم طلحة بن خويلد فيمن أطاعه، وخرج أبو سفيان بقريش ومن اتبعه من قبائل العرب، فنزلوا بمر الظهران، فجاءهم من أجابهم من بني سليم مدداً لهم بقيادة سفيان بن عبد شمس والد أبي الأعور وبنو مرة بقيادة الحارث بن عوف وأشجع بقيادة مسعر بن رخيلة ، فصاروا في جمع عظيم ، فهم الذين سماهم الله تعالى الأحزاب ، وذكر ابن إسحاق أن عدتهم عشرة آلاف بينما كان المسلمون ثلاثة آلاف.

تحرك هذا الجيش العرموم من مر الظهران في طريقة إلى المدينة. فنزلت قريش ومن سار معها بمجتمع الأسيال من رومة، بين الجُرُف وغابة. ونزلت غطفان بذنب نقمي إلى جانب أحد، ونزل معهم بنوأسد.

فلما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أجمعوا له من الأمر ، استشار أصحابه ، وقد أشار عليه سلمان الفارسي بحفر الخندق في المنطقة الوحيدة المكشوفة أمام الغزاة ، أما الجهات الأخرى فكانت كالحصن تتشابك فيها الأبنية وأشجار النخيل وتحيطها الحرات التي يصعب على الإبل والمشاة التحرك فيها.

ووافق الجميع على هذه الفكرة لعلمهم بكثرة الجموع القادمة لحربهم ، وشرعوا في حفر الخندق الذي يمتد من أجم الشيخين طرف بن حارثة شرقاً حتى المذاذ غرباً ، وكان طوله خمسة آلاف ذراع ، وعرضه تسعة أذرع ، وعمقه من سبعة أذرع إلى عشرة. وكان على كل عشرة من المسلمين حفر أربعين ذراعاً ، والأنصار من حصن ذباب إلى جبل عبيد في الغرب.

وعمل المسلمون في الحفر على عجل، يبادرون قدوم القوم، وقد تراوحت مدة الحفر ما بين ستة أيام وأربعة وعشرين يوماً. فعند ابن عقبة استغرق قريباً من عشرين ليلة ، وعند الواقدي أربعاً وعشرين ليلة ، وفي الروضة للنووي خمسة عشر يوماً ، وعند ابن سعد ستة أيام.

وكان طعامهم القليل من الشعير يخلط بدهن متغير الرائحة لقدمه، ويطبخ فيأكلونه على الرغم من بشاعة طعمه في الحلق ورائحته المنتنة، وذلك لشدة جوعهم. حتى هذا لا يجدونه أحياناً فيأكلون التمر ، وأحياناً لا يجدون هذا ولا ذاك لمدة ثلاثة أيام متتالية ، إلى الحد الذي يعصب فيه النبي صلى الله عليه وسلم بطنه بحجر من شدة الجوع.

وشارك جميع المسلمين في الحفر، لا فرق بين غني وفقير ومولى وأمير، وأسوتهم في ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم الذي حمل التراب حتى اغبر بطنه ووارى التراب جلده، وكان الصحابة يستعينون به في تفتيت الصخرة التي تعترضهم ويعجزون عنها، فيفتتها لهم. ويردد معهم الأهازيج والأرجاز لتنشيطهم للعمل ، فيقول :
اللهم لولا أنت ما اهتدينا.......ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا..وثبت الأقدام إن لاقينا
إن الألى قد بغوا علينا.......وإن أرادوا فتنة أبينا

وكان يمد بها صوته بآخرها، ويرتجز المسلمون وهم يعملون:
(نحن الذين بايعوا محمداً..على الإسلام ما بقينا أبدا)
فيجيبهم بقوله:
(اللهم إنه لا خير إلا خير الآخرة فبارك في الأنصار والمهاجرة). وربما يبدؤهم بقوله فيردون عليه بقولهم.

من دلائل النبوة أثناء حفر الخندق :

أجرى الله سبحانه وتعالى على يدي نبيه محمد صلى الله عليه وسلم عدة معجزات أثناء حفر الخندق، ومن ذلك:

1- عندما لحظ جابر بن عبد الله رضي الله عنه ما يعانيه الرسول صلى الله عليه وسلم من الجوع، استأذنه وذهب إلى زوجته وأخبرها بما رأى من المخمصة على الرسول صلى الله عليه وسلم وطلب منها أن تصنع له طعاماً، فذبح عناقاً له وطحنت زوجة صاعاً من شعير بقي لهما ، وصنعت برمة ، وذهب جابر فدعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطعام وساوره بكمية الطعام ، وانه طعيم يكفي لرجل أو رجلين ، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم كل من كان حاضراً وعددهم ألف ، وتحير جابر وزوجته ، لكن النبي صل الله عليه وسلم بارك في البرمة ، فأكل منها كل الناس حتى شبعوا وتركوا فيها الكثير الذي أكل منه أهل جابر وأهدوا.

2- أخبر عمار بن ياسر، وهو يحفر معهم الخندق، بأن ستقتله الفئة الباغية، فقتل في صفين وكان في جيش علي.

3- وعندما اعترضت صخرة للصحابة وهو يحفرون ، ضربها الرسول صلى الله عليه وسلم ثلاث ضربات فتفتت. قال إثر الضربة الأولى : (الله أكبر ، أعطيت مفاتيح الشام ،والله إني لأبصر قصورها الحمراء الساعة ، ثم ضربها الثانية فقال : الله أكبر ، أعطيت مفاتيح فارس والله إني لأبصر قصر المدائن أبيض ، ثم ضرب الثالثة ، وقال : الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن ، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذه الساعة) .

وفي هذا الحديث بشارة بأن هذه المناطق سيفتحها المسلمون مستقبلاً ، وكان موقف المؤمنين من هذه البشارة ما حكاه القرآن الكريم (هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيماناً وتسليماً ) ، وموقف المنافقين الذين سخروا من البشارة : ( وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً).

وصورت الآيات من 13 إلى 20 من سورة الأحزاب نفسية المنافقين تصويرًا دقيقاً، وحكت أقوالهم في الإرجاف والتخذيل، وأساليبهم في التهرب من العمل في حفر الخندق وجهاد العدو.

وعلى الرغم من تخذيل المنافقين وقلة الطعام وشدة البرد فقد تم حفر الخندق ليكون خط دفاع متيناً ثم جمع النساء والأطفال وأصحاب الأعذار في حصن فارع ، وهو لبني حارثة ، لأنه كان أمنع حصون المسلمين آنذاك.

وكانت خطة المسلمين أن يكون ظهرهم إلى جبل سلع داخل المدينة ووجوههم إلى الخندق الذي يحجز بينهم وبين المشركين الذين نزلوا رومة بني الجرف والغابة ونقمى.

وعندما نظر الرسول صلى الله عليه وسلم في حال العدو وحال المسلمين ورأى ضعف المسلمين وقوة المشركين ، أراد أن يكسر شوكة المشركين ، فبعث إلى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة زعيمي الأنصار ، فاستشارهما في الصلح الذي عرضته عليه قبيلة غطفان ، وهو أن يعطوا ثلث ثمار المدينة لعام كي ينصرفوا عن قتال المسلمين ، ولم يبق إلا التوقيع على صحيفة الصلح ، فقال له : (لا والله ما أعطينا الدنية من أنفسنا في الجاهلية فكيف وقد جاء الله بالإسلام). وفي رواية الطبراني أنهما قالا: (يا رسول الله: أوحي من السماء فالتسليم لأمر الله، أو عن رأيك أو هواك ؟ فرأينا تبع هواك ورأيك، فإن كنت إنما تريد الإبقاء علينا، فوالله لقد رأيتنا وإياهم على سواء ما ينالون منا ثمرة إلا شراء أو قرى). فقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم المفاوضة مع الأعراب الذين كان يمثلهم الحارث الغطفاني، قائد بني مرة.

وفي الجانب الآخر أراد يهود بني النضير أن يجروا معهم إخوانهم يهود بني قريظة إلى نقض العهد والغدر بالمسلمين والوقوف مع الأحزاب. فأوفدوا حيياً ابن أخطب للقيام بهذه المهمة. فجاء حيي إلى كعب بن أسد القرظي. وبعد حوار طويل بينهما أقنعه بنقض العهد مع المسلمين بحجة قوة الأحزاب ومقدرتهم على استئصال المسلمين ، وأغراه بأن يدخل معه حصنه عندما ينصرف الأحزاب ، بعد أداء مهمتهم.

وكان يوما عصيباً من الدهر ، ذلك اليوم الذي علم فيه المسلمون نقض بني قريظة ما بينهم وبين المسلمين من عهد. وتكمن خطورة ذلك في موقعهم الذي يمكنهم من تسديد ضربة غادرة للمسلمين من الخلف. فقد كانت ديارهم في العوالي، إلى الجنوب الشرقي للمدينة على وادي مهزور.

لقد أتاه الزبير بما يدل على غدرهم، ويومها قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (فداك أبي وأمي، إن لكل نبي حوارياً ، وحواري الزبير).

لزيادة الحيطة والحذر والتأكد من مثل هذه الأمور الخطيرة ، أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ وسعد بن عبادة وعبد الله بن رواحة وخوات بن جبير ، فجاءوا إلى بني قريظة وتحدثوا معهم ، ووجدوهم قد نكثوا العهد ومزقوا الصحيفة التي بينهم وبين الرسول صلى الله عليه وسلم إلا بني سعية ، فإنهم جاؤوا إلى المسلمين وفاء بالعهد. وعاد رسل المسلمين إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بالخبر اليقين.

وعندما شاع هذا الخبر خاف المسلمون على ذراريهم من بني قريظة، ومروا بوقت عصيب وابتلاء عظيم. ونزل القرآن واصفاً هذه الحالة: (إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا. هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً).

فالذين جاؤوهم من فوقهم هم الأحزاب، وبنو قريظة من أسفل منهم، والذين ظنوا بالله الظنونا هم المنافقون. أما المؤمنون فقد صمدوا لهذا الامتحان. واتخذوا كل الوسائل الممكنة لاجتياز الامتحان، فنظموا فرقاً للحراسة، فكان سلمة بن أسلم الأوسي أمير لمائتي فارس وزيد بن حارثة أمير لثلاثمائة فارس ، يطوفون المدينة ويكبرون لإشعار بني قريظة باليقظة حتى لا تحدثهم أنفسهم بأن يغدروا بالذرية التي في الحصون.

عندما وصلت الأحزاب المدينة فوجئوا بوجود الخندق ، فقاموا بعدة محاولات لاقتحامه ، ولكنهم فشلوا لأن المسلمين كانوا يمطرونهم بوابل سهامهم كلما هموا بذلك ، ولذا استمر الحصار لمدة أربع وعشرين ليلة.

وذكر ابن إسحاق وابن سعد أن بعض المشركين اقتحموا الخندق ، وعد ابن إسحاق منهم : عمرو بن عبد ود وعكرمة بن أبي جهل وهبيرة بن أبي وهب وضرار بن الخطاب والشاعر بن مرداس ، وزاد ابن سعد واحدا على هؤلاء وهو : نوفل بن عبد الله. وذكر أن عليا بارز عمرو بن عبد ود – فارس قريش – وقتله ، وأن الزبير قتل نوفلاً وأن ثلاثة الآخرين فروا إلى معسكرهم.

وظلت مناوشات المشركين للمسلمين وتراشقهم معهم بالنبل دون انقطاع طيلة مدة الحصار ، حتى إنهم شغلوا المسلمين يوماً عن أداء صلاة العصر ، فصلوها بعد الغروب ، وذلك قبل أن تشرع صلاة الخوف ، حيث شرعت في غزوة ذات الرقاع على رأي من يرى أن ذات الرقاع كانت بعد غزوة الخندق.

وقتل في هذه المناوشات ثلاثة من المشركين واستشهد ستة من المسلمين منهم سعد بن معاذ ، الذي أصيب في أكحله – عرق في وسط الذراع – رماه حبان بن العرِقة. وقد نصبت له خيمة في المسجد ليعوده الرسول صلى الله عليه وسلم من قريب ، ثم مات بعد غزوة بني قريظة ، حين انتقض جرحه وكانت تقوم على تمريضه رفيدة الاسلمية.

وكان شعارأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق وبني قريظة ( حم ، لا ينصرون).

لقد كفى الله المؤمنين القتال فهزم الأحزاب بوسيلتين : الأولى : تسخير الله نعيم بن مسعود ليخذل الأحزاب ، والثانية : الرياح الهوجاء الباردة.

1- دور نعيم بن مسعود :

روى ابن إسحاق والواقدي وعبدالرزاق وموسى بن عقبة أن نعيم بن مسعود الغطفاني ، أتى النبي صلى الله عليه وسلم مسلما وعرض عليه أن يقوم بتنفيذ أي أمر يريده النبي صلى الله عليه وسلم فقال له : (إنما أنت رجل واحد فينا ، ولكن خذل عنا إن استطعت ، فإن الحرب خدعة ).

وقبل أن يعرف إسلام نعيم ، أتى بني قريظة ، فأقنعهم بعد التورط مع قريش في قتال حتى يأخذوا منهم رهائن ، لكيلا يولوا الأدبار ، ويتركوهم وحدهم يواجهون مصيرهم مع المسلمين بالمدينة. ثم أتى قريشا فأخبرهم أن بني قريظة قد ندموا على ما فعلوا ، وأنهم قد اتفقوا سرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يختطفوا عددا من أشراف قريش وغطفان فيسلموهم له ليقتلهم دليلا على ندمهم ، وقال لهم : فإن أرسلت إليكم يهود يلتمسون منكم رهنا من رجالكم فإياكم أن تسلموهم رجلا منكم. ثم أتى غطفان وقال لهم مثل الذي قاله لقريش. وبذلك زرع بذور الشك بينهم. وأخذ كل فريق يتهم الفريق الآخر بالخيانة.

2- معجزة الرياح :

هبت ريح هوجاء في ليلة مظلمة باردة ، فقلبت قدور المشركين واقتلعت خيامهم وأطفأت نيرانهم ودفنت رحالهم ، فما كان من أبي سفيان إلا أن ضاق بها ذرعا فنادى في الأحزاب بالرحيل. وكانت هذه الريح من جنود الله الذين أرسلهم على المشركين ، وفي ذلك يقول الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها ، وكان الله بما تعملون بصيرا).

وروى مسلم بسنده عن حذيفة بن اليمان طرفا مما حدث في تلك الليلة الحاسمة ، قال حذيفة : لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب ، وأخذتنا ريح شديدة وقر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ألا رجل يأتني بخبر القوم ، جعله الله معي يوم القيامة) ، فسكتنا فلم يجبه منا أحد ، … (ردد ذلك ثلاثا) ثم قال : ( قم يا حذيفة فأتنا بخبر القوم ) ، فلم أجد بداً إذ دعاني باسمي أن أقوم. قال : ( اذهب فأتني بخبر القوم ولا تذعرهم علي ) . فلما وليت من عنده جعلت كأنما أمشي في حمام ، حتى أتيتهم ، فرأيت أبا سفيان يصلي ظهره بالنار ، فوضعت سهما في كبد القوس ، فأردت أن أرميه ، فذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ولا تذعرهم علي) ، ولو رميته لأصبته ، فرجعت ، وأنا أمشي في مثل الحمام. فلما أتيته فأخبرته بخبر القوم وفرغت، فألبسني رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضل عباءة كانت عليه يصلي فيها. فلم أزل نائما حتى أصبحت فقال : قم يا نومان).

وزاد ابن إسحاق في روايته لهذا الخبر : (… فدخلت في القوم ، والريح جنود الله تفعل بهم ما تفعل لا تقر لهم قدرا ولا إناء ولا بناء ، فقام أبو سفيان ، فقال : يا معشر قريش لينظر امرؤ من جليسه ؟ فأخذت بيد الرجل الذي كان إلى جانبي فقلت له : من أنت ؟ قال : فلان بن فلان. ثم قال أبو سفيان : يا معشر قريش ، إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام ، لقد هلك الكراع والخف ، وأخلفتنا بنو قريظة ، وبلغنا عنهم الذي نكره ، ولقينا من شدة الريح ما ترون … فارتحلوا فإني مرتحل). وفي رواية الحاكم والبزار : ( … فانطلقت إلى عسكرهم فوجدت أبا سفيان يوقد النار في عصبة حوله ، قد تفرق الأحزاب عنه ، حتى إذا جلست فيهم فحسب أبو سفيان أنه دخل فيهم من غيرهم ، قال : ليأخذ كل رجل منكم بيد جليسه ، فضربت بيدي على الذي على يميني وأخذت بيده ، ثم ضربت بيدي على الذي عن يساري فأخذت بيده ، فلبثت هنيهة ، ثم قمت فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم … قلت: يا رسول الله : تفرق الناس عن أبي سفيان فلم يبق إلا عصبة توقد النار قد صب الله عليه من البرد مثل الذي صب علينا ولكنا نرجو من الله ما لا يرجون).

وختم الله هذا الامتحان الرهيب بهذه النهاية السعيدة ، وجنب المسلمين شر القتال ، قال تعالى معلقا على هذه الخاتمة : ( ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خير وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا). وكانت هذه الخاتمة استجابة لضراعة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الله أثناء محنة الحصار : (اللهم منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب ، اللهم اهزمهم وزلزلهم).

لقد بذلت الأحزاب أقصى ما يمكنهم لاستئصال المسلمين ، ولكن الله ردهم خائبين ، وهذا يعني أنهم لن يستطيعوا أن يفعلوا شيئا في المستقبل ، ولذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم : (الآن نغزوهم ولا يغزوننا ، نحن نسير إليهم) ؛ هذا علم من أعلام النبوة ، لأن الذي حدث بعد هذا هو ما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم.

حكم وعبر في غزوة الخندق:

1- إن حفر الخندق يدخل في مفهوم المسلمين لقوله تعالى : (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) فينبغي على المسلمين اتخاذ وسائل القوة المتاحة مهما كان مصدرها ، لأن الحكمة ضالة المؤمن ، فحيثما وجدها التقطها.

2- لقد ضرب الرسول صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى للحكام والمحكومين في العدالة والمساواة وعدم الاستئثار بالراحة يوم وقف جنبا إلى جنب مع أفراد جيشه ليعمل بيده في حفر الخندق. وهذه هي صفة العبودية الحقة التي تجلت في شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم.

3- أعطى الرسول صلى الله عليه وسلم مثلا آخر على رأفته بالمؤمنين ، يوم شاركهم في حفر الخندق ويوم أشركهم معه في طعيم جابر ، ولم يستأثر به مع قلة من الصحابة. وفي ضوء هذه المعاني يفهم قول الله تعالى : (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم).

4- إن مجموعة المعجزات التي أجرها الله على يد نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أيام الخندق ، سواء التي كانت في حفر الخندق أو تكثير طعيم جابر أو الرياح التي كانت نقمة على المشركين ، لهي مجموعة أخرى في سلسلة المعجزات الكثيرة التي أيد الله بها نبيه ، ليقطع الحجة لدى المعاندين من المنافقين والمشركين وكل صنف من أصناف أعداء الدين.

5- إن الحكمة في استشاراته لبعض أصحابه في الصلح الذي اقترحته غطفان على الرسول صلى الله عليه وسلم ، هو أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يريد أن يطمئن إلى مدى ما يتمتع به أصحابه من القوة المعنوية والاعتماد على نصر الله وتوفيقه على الرغم من ذلك الذي فوجئوا به من اجتماع أشتات المشركين عليهم في كثرة ساحقة ، إلى جانب خذلان بني قريظة للمسلمين ونقض مواثيقهم معهم.

6- وأما الدلالة التشريعية في هذه الاستشارة ، فهي محصورة في مجرد مشروعية مبدأ الشورى في كل ما لا نص فيه. وهي بعد ذلك لا تحمل أي دلالة على جواز صرف المسلمين أعداءهم عن ديارهم إذا ما اقتحموها ، باقتطاع شيء من أرضهم أو خيراتهم لهم. إذ إن مما هو متفق عليه في أصول الشريعة الإسلامية أن الذي يحتج به من تصرفاته صلى الله عليه وسلم إنما هو أقواله ، وأفعاله التي قام بها ، ثم لم يرد اعتراض عليها من الله في كتابة العزيز.

وليس في هذه الاستشارة دليل على جواز دفع المسلمين الجزية إلى أعدائهم. أما إذ ألجئوا إلى اقتطاع جزء من أموالهم فعليهم التربص بأعدائهم لاسترداد حقهم المسلوب.

7- عندما شغل المشركون الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن صلاة، صلوها قضاء بعد المغرب ، وفي هذا دليل على مشروعية قضاء الفائتة.



إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#25

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

غزوة بني قريظة



وقعت هذه الغزوة بعد غزوة الأحزاب مباشرة ، في آخر ذي القعدة وأول ذي الحجة من السنة الخامسة الهجرية.

وواضح من سير الأحداث أن سبب الغزوة كان نقض بني قريظة العهد الذي بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم ، بتحريض من حيي بن أخطب النضري.

وقد أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم الزبير لمعرفة نيتهم ، ثم أتبعه بالسعدين وابن رواحة وخوات لذات الهدف ليتأكد من غدرهم.

ولأن هذا النقض وهذه الخيانة قد جاءت في وقت عصيب ، فقد أمر الله تعالى نبيه بقتالهم بعد عودته من الخندق ووضعه السلاح ، وامتثالاً لأمر الله أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يتوجهوا إلى بني قريظة ، وتوكيدا لطلب السرعة أوصاهم قائلاً : ( لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة ) كما في رواية البخاري ، أو الظهر كما في رواية مسلم.

وعندما أدركهم الوقت في الطريق ، قال بعضهم : لا نصلى حتى نأتي قريظة ، وقال البعض الآخر : بل نصلى ، لم يرد منا ذلك ، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يعنف واحدا منهم. وهذا اجتهاد منهم في مراد الرسول صلى الله عليه وسلم.

قال ابن حجر : ( … وقد جمع بعض العلماء بين الروايتين – البخاري ومسلم – باحتمال أن يكون بعضهم قبل الأمر كان صلى الظهر ، وبعضهم لم يصلها ، فقيل لمن لم يصلها : لا يصلين أحد الظهر ، ولمن صلاها : لا يصلين أحد العصر. وجمع بعضهم باحتمال أن تكون طائفة منهم راحت بعد طائفة فقيل للطائفة الأولى الظهر وقيل للطائفة التي بعدها العصر ، وكلاهما جمع لا بأس به …).

خرج الرسول صلى الله عليه وسلم في ثلاثة آلاف مقاتل معهم ستة وثلاثون فرساً وضرب الحصار على بني قريظة لمدة خمس وعشرين ليلة على الأرجح ، وضيق عليهم الخناق حتى عظم عليهم البلاء ، فرغبوا أخيرا في الاستسلام ، وقبول حكم الرسول صلى الله عليه وسلم فيهم. واستشاروا في ذلك حليفهم أبا لبابة بن عبد المنذر رضي الله عنه ، فأشار إلى أن ذلك يعني الذبح. وندم على هذه الإشارة، فربط نفسه إلى إحدى سواري المسجد النبوي ، حتى قبل الله توبته.

وعندما نزلوا على حكم الرسول صلى الله عليه وسلم أحب أن يكل الحكم عليهم إلى واحد من رؤساء الأوس ، لأنهم كانوا حلفاء بني قريظة ، فجعل الحكم فيهم إلى سعد بن معاذ ، فلما دنا من المسلمين قال الرسول صلى الله عليه وسلم للأنصار : ( قوموا إلى سيدكم أو خيركم ، ثم قال : إن هؤلاء نزلوا على حكمك ). قال : تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم وتقسم أموالهم. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ( قضيت بحكم الله تعالى .

ونفذ الرسول صلى الله عليه وسلم حكم الله فيهم ، وكانوا أربعمائة على الأرجح . و لم ينج إلا بعضهم ، وهم ثلاثة ، لأنهم أسلموا ، فأحرزوا أموالهم ، وربما نجا اثنان آخران منهم بحصولهم على الأمان من بعض الصحابة ، أو لما أبدوه من التزام بالعهد أثناء الحصار. وربما نجا آخرون لا يتجاوزن عدد أفراد أسرة واحدة ، إذ يفهم من رواية عند ابن إسحاق وغيره أن الرسول صلى الله عليه وسلم وهب لثابت بن قيس بن الشماس ولد الزبير بن باطا القرظي ، فاستحياهم ، منهم عبد الرحمن بن الزبير ، الذي أسلم ، وله صحبة.

وجمعت الأسرى في دار بنت الحارث النجارية ، ودار أسامة بن زيد ، وحفرت لهم الأخاديد في سوق المدينة ، فسيقوا إليها المجموعة تلو الأخرى لتضرب أعناقهم فيها. وقتلت امرأة واحدة منهم ، لقتلها خلاد بن سويد رضي الله عنه، حيث ألقت عليه ، جرحى ، ولم يقتل الغلمان ممن لم يبلغوا سن البلوغ. ثم قسم الرسول صلى الله عليه وسلم أموالهم وذراريهم بين المسلمين.

مصير بعض سيي بني قريظة :
ذكر ابن إسحاق وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سعد بن زيد الأنصاري بسبايا من سبايا بني قريظة إلى نجد ، فابتاع لهم بها خيلا وسلاحا.

وذكر الواقدي في المغازي في شأن بيع سبايا بني قريظة قولين آخرين إضافة إلى ما ذكره ابن إسحاق ، والقولان هما :
1- بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن عبادة إلى الشام بسبايا ليبيعهم ويشتري بهم سلاحاً وخيلاً.
2- اشترى عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما جملة من السبايا … إلخ. ويمكن الجمع بين هذه الأقوال الثلاثة بأن ذلك كله قد حدث.

واصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه من نسائهم ريحانة بنت عمرو بن خنافة ، وأسلمت. وقد توفي عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي في ملك يمينه ، وكان ذلك باختيارها.

أحكام وحكم ودروس وعبر من غزوة بني قريظة :

1- جواز قتل من نقض العهد. ولا زالت الدول تحكم بقتل الخونة الذين يتواطؤون مع الأعداء حتى زماننا هذا.

2- جواز التحكيم في أمور المسلمين ومهامهم. كما في تحكيم ابن معاذ.

3- مشروعية الاجتهاد في الفروع ، ورفع الحرج إذا وقع الخلاف فيها. فقد اجتهد الصحابة في تفسير قول الرسول صلى الله عليه وسلم : (ألا لا يصلين أحد العصر أو الظهر إلا في بني قريظة) ، ولم يخطئ الرسول صلى الله عليه وسلم أحدا منهم.

4- ذكر النووي أن جماهير العلماء احتجوا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( قوموا إلى سيدكم أو خيركم) وغيره على استحباب القيام لأهل الفضل ، وليس هذا من القيام المنهي عنه ، وإنما ذلك فيمن يقومون عليه هو جالس ويمثلون قياما طوال جلوسه ، وقد وافق النووي جماهير العلماء في هذا ، ثم قال : ( القيام للقادم من أهل الفضل مستحب ، وقد جاء في أحاديث ، ولم يصح في النهي عنه شيء صريح. وقد جمعت كل ذلك مع كلام العلماء عليه في جزء وأجبت فيها عما توهم النهي عنه).

5- قال الدكتور البوطي : واعلم أن هذا كله لا يتنافى مع ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : (من أحب أن يتمثل له الناس قياماً فليتبوأ مقعده من النار) ، لأن مشروعية إكرام الفضلاء لا تستدعي السعي منهم إلى ذلك أو تعلق قلوبهم بمحبته ، بل إن من أبرز صفات الصالحين أن يكونوا متواضعين لإخوانهم زهادا في طلب هذا الشيء … (غير أن من أهم ما ينبغي أن تعلمه في هذا الصدد أن لهذا الإكرام المشروع حدود إذا تجاوزها ، انقلب الأمر محرما ، واشترك في الإثم كل من مقترفة والساكت عليه. فمن ذلك ما قد تجده في مجالس بعض المتصوفة من وقوف المريدين عليهم وهم جلوس ، يقف الواحد منهم أمام شيخه في انكسار وذل … ومنه ما يفعله بعضهم من السجود على ركبة الشيخ أو يده عند قدومه عليه ، أو ما يفعله من الحبو إليه عندما يغشى المجلس … فالإسلام قد شرح مناهج للتربية وحظر على المسلمين الخروج عليها ، وليس بعد الأسلوب النبوي في التربية من أسلوب يقر).



إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#26

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

غزوة خيبر



لم يبد يهود خيبر عداء سافراً للمسلمين حتى لحق بهم زعماء بني النضير عندما أجلوا عن المدينة. وكما سبق وأن ذكرنا فقد كان أبرز زعماء بني النضير الذين غادروا المدينة ونزلوا خيبر : سلام بن أبي الحقيق وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق وحيي بن أخطب ، فلما نزلوها دان لهم أهلها.

لقد نزلوا بأحقادهم ضد المسلمين ، ولذا كانوا كلما وجدوا فرصة للانتقام من المسلمين انتهزوها ، ووجدوا في قريش وبعض قبائل العرب حصان طروادة الذي سيدخلون به المدينة مرة أخرى ، فألبوهم ضد المسلمين ، ثم جروهم إلى غزوة الخندق ، وسعوا في إقناع بني قريظة للانضمام إليهم والغدر بالمسلمين. ولذا كانت تلك العقوبة الرادعة التي أنزلها المسلمون بهم عندما صرف الله الأحزاب ، وأرسل الرسول صلى الله عليه وسلم سرية عبد الله بن عتيك للقضاء على رأس من رؤوسهم أفلت من العقاب يوم قريظة ، وهو سلام ابن أبي الحقيق ، فقتلوه.

وكانت هدنة الحديبية فرصة أمام المسلمين لتصفية هذا الجيب الذي يشكل خطورة على أمن المسلمين ، وقد وعد الله المسلمين بمغانم كثيرة يأخذونها إذا هزموا يهود خيبر ، وإلى ذلك أشارت سورة الفتح التي نزلت في طريق العودة من الحديبية ( لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة ، فعلم ما في قلوبهم ، فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً ، ومغانم كثيرة يأخذونها ، وكان الله عزيزاً حكيماً ، وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه وكف أيدي الناس عنكم ولتكون آية للمؤمنين ويهديكم صراطاً مستقيماً ، وأخرى لم تقدروا عليها ، قد أحاط الله بها ، وكان الله على كل شيء قديراً).

تاريخ الغزوة :

ذكر ابن إسحاق أنها كانت في المحرم من السنة السابعة الهجرية ، وذكر الواقدي أنها كانت في صفر أو ربيع الأول من السنة السابعة بعد العودة من غزوة الحديبية ، وذهب ابن سعد إلى أنها في جمادى الأولى سنة سبع ، وقال الإمامان الزهري ومالك إنها في المحرم من السنة السادسة. وظاهر أن الخلاف بين ابن إسحاق والواقدي يسير ، وهو نحو الشهرين ، وكذلك فإن الخلاف بينهما وبين الإمامين الزهري ومالك مرجعه إلى الاختلاف في ابتداء السنة الهجرية الأولى كما سبق الإشارة إلى ذلك. وقد رجح ابن حجر قول ابن إسحاق على قول الواقدي.

أحداث الغزوة :

سار الجيش إلى خبير بروح إيمانية عالية على الرغم من علمهم بمنعة حصون خيبر وشدة وبأس رجالها وعتادهم الحربي. وكانوا يكبرون ويهللون بأصوات مرتفعة ، فطلب منهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرفقوا بأنفسهم قائلاً : (إنكم تدعون سميعاً قريباً وهو معكم). وسلكوا طريقا بين خيبر وغطفان ليحولوا بينهم وبين أن يمدوا أهل خيبر لأنهم كانوا أعداء للمسلمين.

ونزل المسلمون بساحة اليهود قبل بزوغ الفجر ، وقد صلى المسلمون الفجر قرب خيبر ، ثم هجموا عليها بعد بزوغ الشمس ، وفوجئ أهلها بهم وهم في طريقهم إلى أعمالهم ، فقالوا : محمد والخميس !! فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( الله أكبر خربت خيبر ، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين).

وهرب اليهود إلى حصونهم وحاصرهم المسلمون. وقد حاولت غطفان نجدة حلفائهم يهود خيبر ، حتى إذا ساروا مرحلة سمعوا خلفهم في أموالهم وأهليهم حساً فظنوا أن المسلمين قد خالفوا إليهم فرجعوا ، وخلوا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين خيبر ، فأخذ المسلمون في افتتاح حصونهم واحداً تلو الآخر.

وكان أول ما سقط من حصونهم ناعم والصعب بمنطقة النطاة وأبي النزار بمنطقة الشق ، وكانت هاتان المنطقتان في الشمال الشرقي من خيبر ، ثم حصن القموص المنيع في منطقة الكتيبة ، وهو حصن ابن أبي الحقيق ، ثم اسقطوا حصني منطقة الوطيح والسلالم.

وقد واجه المسلمون مقاومة شديدة وصعوبة كبيرة عند فتح بعض هذه الحصون ، منها حصن ناعم الذي استشهد تحته محمود بن مسلمة الأنصاري ، حيث ألقى عليه مرحب رحى من أعلى الحصن ، والذي استغرق فتحه عشرة أيام ، فقد حمل راية المسلمين عند حصاره أبو بكر الصديق ، ولم يفتح الله عليه ، وعندما جهد الناس ، قال رسول الله إنه سيدفع اللواء غداً إلى رجل يحبه الله ورسوله ويحب الله و رسوله ، ولا يرجع حتى يفتح له ، فطابت نفوس المسلمين ، فلما صلى الفجر في اليوم التالي دفع اللواء إلى علي ، ففتح الله على يديه.

وكان علي يشتكي من رمد في عينيه عندما دعاه الرسول صلى الله عليه وسلم ، فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه ودعا له ، فبرئ.

ولقد أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم علياً بأن يدعو اليهود إلى الإسلام قبل أن يداهمهم ، وقال له : ( فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حمر النعم). وعندما سأله علي : يا رسول الله ، على ماذا أقاتل الناس ؟ قال : ( قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، فإذا فعلوا ذلك منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله).

وعند حصار المسلمين لهذا الحصن برز لهم سيده وبطلهم مرحب ، وكان سبباً في استشهاد عامر بن الأكوع ، ثم بارزه علي فقتله ، مما أثر سلبياً في معنويات اليهود ومن ثم هزيمتهم.

وقد أبلى علي بلاء حسناً في هذه الحرب. ومن دلائل ذلك : روى ابن إسحاق من حديث أبي رافع – مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم – أن علياً عندما دنا من الحصن خرج إليه أهله ، فقاتلهم ، فضربه رجل من يهود فطرح ترسه من يده ، فتناول علي باباً كان عند الحصن فترس به عن نفسه ، فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه ، ثم ألقاه من يده حين فرغ.

قال الراوي – أبو رافع : فلقد رأيتني في نفر سبعة معي ، أنا ثامنهم ، نجهد على أن نقلب ذلك الباب ، فما نقلبه.

وروى البيهقي من طريقين مرفوعين إلى جابر رضي الله عنه قصة علي والباب ويوم خيبر. ففي الطريق الأول أن عليا رضي الله عنه حمل الباب حتى صعد عليه المسلمون فافتتحوها ، ولم يستطع أربعون رجلاً أن يحملوا هذا الباب. وفي الطريق الثانية أنه اجتمع عليه سبعون رجلاً ، فأعادوه إلى مكانه بعد أن أجهدهم.

وتوجه المسلمون إلى حصن الصعب بن معاذ بعد فتح حصن ناعم ، وأبلى حامل رايتهم الحباب بن المنذر بلاء حسناً حتى افتتحوه بعد ثلاثة أيام ، ووجدوا فيه الكثير من الطعام والمتاع ، يوم كانوا في ضائقة من قلة الطعام ، ثم توجهوا بعده إلى حصن قلعة الزبير الذي اجتمع فيه الفارون من حصن ناعم والصعب وبقية ما فتح من حصون يهود – فحاصروه وقطعوا عنه مجرى الماء الذي يغذيه ، فاضطروهم إلى النزول للقتال ، فهزموهم بعد ثلاثة أيام ، وبذلك تمت السيطرة على آخر صحون منطقة النطاة التي كان فيها أشد اليهود.

ثم توجهوا إلى حصون الشق ، وبدأوا بحصن أبيّ ، فاقتحموه ، وأفلت بعض مقاتلته إلى حصن نزار ، وتوجه إليهم المسلمون فحاصروهم ثم افتتحوا الحصن ، وفر بقية أهل الشق من حصونهم وتجمعوا في حصن القَمُوص المنيع وحصن الوطيح وحصن السلالم ، فحاصرهم المسلمون لمدة أربعة عشر يوماً حتى طلبوا الصلح.

نتائج الغزوة :

وهكذا فتحت خيبر عنوة ، استناداً إلى النظر في مجريات الأحداث التي سقناها ، وما روى البخاري ، ومسلم وأبو داود من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا خيبر وافتتحها عنوة.

فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر قذف الله الرعب في قلوب أهل فدك فقبل ذلك منهم. فكانت فدك لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة لأنه لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب.

وقتل من اليهود في معارك خيبر ثلاثة وتسعون رجلاً. وسبيت النساء والذراري ، منهن صفيه بنت حيي بن أخطب ، التي اشتراها الرسول صلى الله عليه وسلم من دحية حيث وقعت في سهمه فأعتقها وتزوجها. وقد دخل عليها في طريق العودة إلى المدينة ، وتطوع لحراسته في تلك الليلة أبو أيوب الأنصاري.

واستشهد من المسلمين عشرون رجلاً فيما ذكر ابن إسحاق وخمسة عشر فيما ذكر الواقدي.

وممن استشهد من المسلمين راعي غنم أسود كان أجيراً لرجل من يهود. وخلاصة قصته أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محاصر لبعض حصون خيبر ومعه غنم يرعاها لبعض يهود خيبر ، فطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعرض عليه الإسلام ، فعرضه عليه ، فأسلم ، ثم استفتاه في أمر الغنم ، فطلب منه الرسول صلى الله عليه وسلم أن يضرب وجوهها ، فسترجع إلى أصحابها ، فأخذ الراعي حفنة من الحصى فرمى بها في وجوهها ، فرجعت إلى أصحابها ، وتقدم ليقاتل فأصابه حجر فقتله ، وما صلى لله صلاة قط ، فجيء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسجي بشملة ، فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أعرض عنه ، وعندما سئل عن إعراضه قال إن معه الآن زوجتيه من الحور العين).

واستشهد أعرابي له قصة دلت على وجود نماذج فريدة من المجاهدين. وخلاصة قصته أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم ، وطلب أن يهاجر مع الرسول صلى الله عليه وسلم. فلما كانت غزوة خيبر – وقيل حنين – غنم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرج له سهمه ، وكان غائباً حين القسمة ويرعى ظهرهم ، فلما جاء دفعوا إليه سهمه ، فأخذه وجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال : ما هذا يا محمد؟ ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( قسم قسمته لك). قال : ما على هذا اتبعتك ، ولكن اتبعتك على أن أرمى ها هنا ، وأشار إلى حلقه بسهم ، فأدخل الجنة ، قال : (إن تصدق الله يصدقك) ، ولم يلبث قليلاً حتى جيء به وقد أصابه سهم حيث أشار ، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : (صدق الله فصدقه) ، فكفنه الرسول صلى الله عليه وسلم في جبة للنبي صلى الله عليه وسلم ودفنه.


وبعد الفراغ من هذه الغزوة حاول اليهود قتل الرسول صلى الله عليه وسلم بالسم. فقد أهدته امرأة منهم شاة مشوية مسمومة ، وأكثرت السم في ذراع الشاة عندما عرفت أنه يحبه ، فلما أكل من الذراع أخبرته الذراع أنه مسموم فلفظ اللقمة ، واستجوب المرأة ، فاعترفت بجريمتها ، فلم يعاقبها في حينها ، ولكنه قتلها عندما مات بشر بن البراء بن معرور من أثر السم الذي ابتلعه مع الطعام عندما أكل مع الرسول صلى الله عليه وسلم.

وتم الصلح في النهاية بين الطرفين وفق الأمور الآتية :

- بالنسبة للأراضي والنخيل – أي الأموال الثابتة : دفعها لهم الرسول صلى الله عليه وسلم على أن يعملوا عليها ولهم شطر ما يخرج منها.
- أن ينفقوا من أموالهم على خدمة الأرض.
- أما بالنسبة لوضعهم القانوني فقد تم الاتفاق على أن بقاءهم بخيبر مرهون بمشيئة المسلمين ، فمتى شاؤوا أخرجوهم منها.

وقد أخرجهم عمر بن الخطاب إلى تيماء وأريحاء ، استناداً إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم في مرض موته : (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب) وتكرر منهم الاعتداء على المسلمين. ففي المرة الأولى اتهمهم الرسول صلى الله عليه وسلم في قتل عبد الله بن سهل ، فأنكروا فلم يعاقبهم ، فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده. وفي هذه المرة الثانية أكدت الأولى – كما أشار عمر – أنهم اعتدوا على عبد الله بن عمر ، وفدعوا يديه.

- واتفقوا على إيفاد مبعوث من قبل النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل خيبر ليخرص ويقبض حصة المسلمين.

أما بالنسبة للأموال المنقولة ، فقد صالحوه على أن له الذهب والفضة والسلاح والدروع ، لهم ما حملت ركائبهم على ألا يكتموا ولا يغيبوا شيئاً ، فإن فعلوه فلا ذمة لهم ولا عهد. فغيبوا مسكاً لحيي بن أخطب ، وقد كان قتل في غزوة خيبر ، وكان قد احتمله معه يوم بني النظير حين أجليت.

وعندما سأل الرسول صلى الله عليه وسلم سعية – عم حيي – عن المسك ، قال : (أذهبته الحروب والنفقات) فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (العهد قريب المال أكثر من ذلك) ، فدفعه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الزبير فمسه بعذاب ، فاعترف بأنه رأى حيياً يطوف في خربة ها هنا ، فوجدوا المسك فيها ، فقتل لذلك ابني أبي الحقيق ، وسبى نساءهم وذراريهم ، وقتل محمد بن مسلمة ابن عم كنانة هذا الذي دل على المال ، قتله بأخيه محمود بن مسلمة.

وبالنسبة للطعام فقد كان الرجل يأخذ حاجته منه دون أن يقسم بين المسلمين أو يخرج منه الخمس ما دام قليلاً ، وكانت غنائم خيبر خاصة بمن شهد الحديبية من المسلمين ، كما في قوله تعالى : ( سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم ، يريدون أن يبدلوا كلام الله. قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل ، فسيقولون بل تحسدوننا ، بل كانوا لا يفقهون إلا قليلاً ).

ولم يغب عن فتح خيبر من أصحاب بيعة الرضوان أحد سوى جابر بن عبد الله ، ومع ذلك أعطي سهماً مثل من حضر الغزوة – غزوة الحديبية.

وأعطى أهل السفينة من مهاجرة الحبشة الذين عادوا منها إلى المدينة ، ووصلوا خيبر بعد الفتح ، أعطاهم من الغنائم. وكانوا ثلاثة وخمسين رجلاً وامرأة بقيادة جعفر بن أبي طالب. وتقول الرواية : إنه لم يقسم لأحد لم يشهد الفتح سواهم. وهم الذين فرح الرسول صلى الله عليه وسلم بقدومهم ، وقبل جعفر بين عينيه والتزمه ، وقال : (ما أدري بأيهما أنا أسر ، بفتح خيبر أو بقدوم جعفر).

وربما يرجع سبب استثنائهم إلى أنهم حبسهم العذر عن شهود بيعة الحديبية ، ولعله استرضى أصحاب الحق من الغانمين في الإسهام لهم ، ولعله رأى ما كانوا عليه من الصدق وما عانوه في الغربة ، وهم أصحاب الهجرتين.

وأعطى الرسول صلى الله عليه وسلم أبا هريرة وبعض الدوسيين من الغنائم برضاء الغانمين ، حيث قدموا عليه بعد فتح خيبر.

وشهد خيبر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء مسلمات فأعطاهن من الفيء ولم يضرب لهن بسهم.

وكذلك أعطى من شهدها من العبيد ، فقد أعطى عميرًا ، مولى أبي اللحم ، شيئاً من الأثاث.

وأوصى صلى الله عليه وسلم من مال خيبر لنفر من الداريين ، سماهم ابن إسحاق.

وكان كفار قريش يتحسسون أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم مع يهود خيبر ، ويسألون الركبان عن نتيجة المعركة ، وقد فرحوا عندما خدعهم الحجاج بن علاط السلمي وقال لهم : إن المسلمين قد هزموا شر هزيمة وإن اليهود أسرت محمداً ، وستأتي به ليقتل بين ظهراني أهل مكة ثأراً لمن كان أصيب من رجالهم ، وما لبثوا قليلا حتى علموا بأن الأمر خدعة من الحجاج بن علاط ليحرز ماله الذي بمكة ويهاجر مسلماً. فحزنوا لتلك النتيجة التي كانوا يراهنون على عكسها.

وبعد الفراغ من أمر خيبر توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو وادي القرى ، وحاصرهم ، ثم دعاهم إلى الإسلام وأخبرهم أنهم إذا أسلموا أحرزوا أموالهم وحقنوا دماءهم ، وحسابهم على الله ، فبرز رجل منهم ، فبرز له الزبير فقتله ، ثم برز آخر فبرز إليه علي فقتله ، ثم برز آخر فبرز إليه أبو دجانة فقتله ، حتى قتل منهم أحد عشر رجلاً ، ثم قاتلهم حتى أمسوا ، وفي الصباح استسلموا ، ففتحت عنوة. وأقام فيها ثلاثة أيام ، وقسم ما أصاب على أصحابه ، وترك الأرض والنخل بأيدي يهود ، وعاملهم عليها.

فلما بلغ يهود تيماء ما حدث لأهل فدك ووادي القرى ، صالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجزية ، وأقاموا بأيديهم أموالهم. فلما كان عهد عمر أخرج يهود خيبر وفدك ولم يخرج أهل تيماء ووادي القرى لأنهما داخلتان في أرض الشام ، ويرى أن ما دون وادي القرى إلى المدينة حجاز ، وأن ما وراء ذلك من الشام.

وثبت في الصحيح أن مدعماً – مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم – أصابه سهم فقتله وذلك حين كان يحط رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما وصلوا وادي القرى ، فقال الناس : هنيئاً له بالجنة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلمرد: موسوعة معارك اسلامية(3) كلا والذي نفسي بيده ، إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم ، لتشتعل عليه ناراً . فجاء رجل حين سمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم بشراك أو بشراكين ، فقال : هذا شيء كنت أصبته ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( شراك أو شراكان من نار).

بعض فقه وحكم ودروس غزوة خيبر :

1- نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغلول : وأن من يموت وهو غال يدخل النار. وقد جاء ذلك في خبر الرجل الذي قال عنه الصحابة إنه شهيد ، فقال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم : (كلا ! إني رأيته في النار في بردة غلها أو عباءة …) وخبر مدعم مع الشملة.

2- نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الحمر الإنسية.

3- نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم البغال.

4- النهي عن أكل كل ذي ناب من السباع وعن أكل كل ذي مخلب من الطير.

5- النهي عن وطء الحبالي من السبايا حتى يضعن.

6- النهي عن ركوب الجلالة والنهي عن أكل لحمها وشرب لبنها.

7- النهي عن النهبة من الغنيمة قبل قسمتها.

8- وأجرى الله على نبيه بعض المعجزات دليلاً على نبوته وعبرة لمن يعتبر ، فإضافة إلى ما ذكرنا من قصة بصقه على عيني علي فصحتا ، وإخبار ذراع الشاة المسمومة إياه بأنها مسمومة ، فقد ثبت أنه نفت ثلاث نفثات في موضع ضربة أصابت ركبة سلمة بن الأكوع يوم خيبر ، فما اشتكى بعدها.

9- وفي خبر الإسهام لأهل السفينة أنه إذا لحق مدد الجيش بعد انقضاء الحرب ، فلا سهم لهم إلا بإذن الجيش ورضاه.

10- جواز المساقاة والمزارعة بجزء مما يخرج من الأرض من تمر أو زروع ، كما عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر على ذلك ، وهو من باب المشاركة ، وهو نظير المضاربة ، فمن أباح المضاربة ، وحرم ذلك ، فقد فرق بين متماثلين.

11- عدم اشتراط كون البذر من رب الأرض ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم دفع إليهم الأرض على أن يعملوها من مالهم.

12- خرص الثمار على رؤوس النخيل وقسمتها كذلك ، وأن القسمة ليست بيعاً ، والاكتفاء بخارص واحد وقاسم واحد.

13- جواز عقد المهادنة عقداً جائزاً للإمام فسخه متى شاء.

14- جواز تعليق عقد الصلح والأمان بالشرط ، كما عقد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرط ألا يغيبوا ولا يكتموا ، كما في قصة مسك حيي.

15- الأخذ في الأحكام بالقرائن والإمارات كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لكنانة : (المال كثير والعهد قريب) ، فاستدل بذلك على كذبه في قوله : (أذهبته الحروب والنفقة).

16- جواز إجلاء أهل الذمة من دار الإسلام إذا استغنى عنهم ، وقد أجلاهم عمر رضي الله عنه بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم.

17- لم يكن عدم أخذ الجزية من يهود خيبر لأنهم ليسوا أهل ذمة ، بل لأنها لم تكن نزل فرضها بعد.

18- سريان نقض العهد في حق النساء والذرية ، وجعل حكم الساكت والمقر حكم الناقض والمحارب كما في حالة كنانة وابني ابن الحقيق ، على أن يكون الناقضون طائفة لهم شوكة ومنعة ، أم إذا كان الناقض واحداً من طائفة لم يوافقه بقيتهم ، فهذا لا يسري النقض إلى زوجته وأولاده.

19- جواز عتق الرجل أمته ، وجعل عتقها صداقها ، ويجعلها زوجته بغير إذنها ولا شهود ولا ولي غيره ، ولا لفظ نكاح ولا تزويج ، كما فعل صلى الله عليه وسلم بصفية.

20- جواز كذب الإنسان على نفسه وعلى غيره ، إذا لم يتضمن ضرر ذلك الغير ، إذا كان يتوصل بالكذب إلى حقه ، كما كذب الحجاج بن علاط على المسلمين والمشركين حتى أخذ ماله من مكة من غير مضرة لحقت بالمسلمين من ذلك بالكذب.

21- إن من قتل غيره بسم يقتل مثله قصاصاً ، كما قتلت اليهودية ببشر بن البراء.

22- جواز الأكل من ذبائح أهل الكتاب وحل طعامهم وقبول هديتهم ، كما في حادثة الشاة المسمومة.

23- الإمام مخير في الأرض التي تفتح عنوة إن شاء قسمها وإن شاء وقفها وإن شاء قسم البعض ووقف البعض الآخر ، وقد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنواع الثلاثة ، فقسم قريظة والنضير ، ولم يقسم مكة ، وقسم شطراً من خيبر وترك شطرها الآخر.



إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#27

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

فتح دمشق




قال ابن جرير : سار أبو عبيدة إلى دمشق ، وخالد على مقدمة الناس ، و قد اجتمعت الروم على رجل يقال له باهان بدمشق ، و كان عمر عزل خالداً و استعمل أبا عبيدة على الجميع .

والتقى المسلمون و الروم فيما حول دمشق ، فاقتتلوا قتالاً شديداً ، ثم هزم الله الروم ، و دخلوا دمشق و غلقوا أبوابها ، و نازلها المسلمون حتى فتحت ، و أعطوا الجزية ، وكان قدم الكتاب على أبي عبيدة بإمارته وعزل خالد فاستحياأبوعبيدةأن يقرئ خالداً الكتاب حتى فتحت دمشق و جرى الصلح على يدي خالد ، و كتب الكتاب باسمه ، فلما صالحت دمشق لحق باهان صاحب الروم بهرقل .

وقيل : كان حصار دمشق أربعة أشهر .

وكان صاحب دمشق قد جاءه مولود فصنع طعاماً و اشتغل يومئذ، و خالد بن الوليد الذي لا ينام ولا يُنيم قد هيأ حبالاً كهيئة السلالم ، فلما أمسى هيأ أصحابه و تقدم هو و القعقاع بن عمرو ، و مذعور بن عدي و أمثالهم و قالوا : إذا سمعتم تكبيرنا على السور فارقوا إلينا و انهدوا الباب .

قال : فلما انتهى خالد و رفقاؤه إلى الخندق رموا بالحبال إلى الشُرف ، و تسلق القعقاع و مذعور فلم يدعاأُحبُولة حتى أثبتاها في الشُرف ، و كان ذلك المكان أحصن مكان بدمشق فاستوى على السور خلق من أصحابه ثم كبروا ، و انحدر خالد إلى الباب فقتل البوابين ، و ثار أهل البلد إلى مواقفهم لا يدرون ما الشأن ، فتشاغل أهل كل جهة بما يليهم ، و فتح خالد الباب و دخل أصحابه عنوة.

و قد كان المسلمون دعوهم إلى الصلح و المشاطرة فأبوا ، فلما رأوا البلاء بذلوا الصلح ، فأجابهم من يليهم ، و قبلوا فقالوا : ادخلوا و امنعونا من أهل ذاك الباب ، فدخل أهل كل باب بصلح مما يليهم ، فالتقى خالد و الأمراء في وسط البلد هذا استعراضاً و نهباً ، و هؤلاء صلحاً فأجروا ناحية خالد على الصلح بالمقاسمة، وكتب إلى عمر بالفتح ، وكان ذلك سنةأربعةعشرة للهجرة .




إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#28

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

فتـح الديبل والسند



في خلافة الوليد بن عبد الملك بن مروان أرسل ملك جزيرة الياقوت ( سرانديب ، سيلان) سفينة إلى الحجاج بن يوسف الثقفي أمير العراقين، محملة بالتحف والهدايا من الدر والياقوت والجواهر الثمينة والعبيد، مع نسوة ولدن في بلاده مسلمات ومات آباؤهن، وكانوا تجــاراً ، فأراد التقرب بهن إلى قطب العالم آنذاك ومحوره الخليفـة الأمـوي

حيث أرسل إلى دار الخـلافة بدمشـق بالإضـافة إلى ما سبق تحفاً وطــرائف لا مثيل لها ، كما كان هدف النســاء المسلمات زيارة الكعبة المشرفة ، وهبت رياح عاتية فقذفت بالسفينة إلى سواحل ( الديبل ) – بلدة على ساحل ماء السند تبعد 50 كم جنوب شرق ( كرا تشي ) – حيث كان يقطـنهـا مجموعة من القراصنة فهاجموا السفينة ، وقتلوا بعض ركابها وبحارتها ، وأخذوا الباقين من النساء والرجال والأطفال أسرى ، كما سلبوا جميع التحف والأموال، فصـاحت امرأة من بين الأسرى : يا حجاج يا حجاج أغثني أغثني ، وفر بعض النـاس والتجـار من الذين كانوا على متن السفينة ، وجاء بعضهم إلى الحجاج وذكروا له ما حدث ، مع استغاثة تلك المرأة به فقال : لبيك لبيك .

فكتب الحجاج إلى داهر بن صصة ملك السند بإرجاع النساء والتحف إلى دار الخلافة ،فرد عليه داهر : إن هذه الطائفة مجموعة من اللصوص والخارجين عن سلطتنا ، وهم أشـرار أقوياء ، لا يستطيع أحد ملاحقتهم والتغلب عليهم .

فكتب الحجاج رسالة إلى الخليفة يطلب فيها الإذن بغزو السند والهند ، ولكن الوليد لم يأذن له فكرر الحجاج طلبه حتى وافق الخليفة ، فأرسل الحجاج عبد الله بن نبهان السلمي لفتح الديبل فاستشهد ، ثم أرسل بديل بن طهفة البجلي بثلاثة آلاف فاستشهد ، فحـزن الحجـاج حتى قال لمؤذنه : يا مؤذن اذكر اسم بديل كلما أقمت الأذان ، لأتذكره وآخذ بثأره .

واستأذن الحجاج الخليفة في إرسال جيش كبير ومنظم لغزو السند فوافق، فعين الحجاج محمد بن القاسم الثقفي الذي كان عمره آنذاك سبعة عشر عاماً ، وطلب من الخليفة ستة آلاف مقاتل من أشراف الشام وأبنائهم فجاءه العدد الذي طلبه .

ووصى الحجاج محمد بن القاسم قائلاً : اخرج عن طريق ( شيراز) ، واطو المنازل واحداً تلو الآخر، حتى يأخذ منك الغضب مأخذاً شديداً . وجهز الحجاج الجيش بكل ما احتاج إليه حتى الخيوط والقطن المحلوج ، وسير محمد بن القاسم ، وأمره أن يقيم بمدينة شيراز من أرض فارس كي يلتحق به جند الشام والعراق ، فتحرك ، فلما وصـل شـيراز عسكر بظاهرها .

وأمر الحجاج بجمع ما هو موجود من المنجنيقات والسهـام والرماح ووضعها في السـفن الحربية ، وعين علها قائدين من خيرة القواد ، وكتب إلى محمد بن القاسم أن ينتظر وصـول السفن إلى الديبل، وبعد استكمال الاستعدادات في شيزر ووصول ستة آلاف فارس وثلاثة آلاف بعير لحمل الأثقال والعتاد انطلق محمد بن القاسم ومعه اثنا عشر ألف مقاتل إلى الشرق حتى وصل (مكران) ، فأقام بها أياماً ، ثم توجـه منها إلى (فنزبور) ، ثم إلى (أرمائيـل) ، وهناك وصلت السفن .

ونزل ابن القاسم بعد ذلك في سواد الديبل ، وحفر الخـنادق ، ورفع الرايات والأعـلام ، ونصب المنجنيقات ، ونصب منجنيقاً يعرف بالعروس كان يعمل لتشغيله خمسـمائة رجل ، وكان في وسط الديبل معبد كبير للأصنام تتوسطه قبة عالية ترفرف عليها راية خضـراء ، وكان ارتفاع المعبد أربعين ذراعاً وسعة القبة أربعون ذراعاً وارتفاع الراية مثلها وكان للراية أربعة ألسن تتطاير في الهواء ، ودعا ابن القاسم أمير جـند منجـنيق العروس وقال له : إذا أمكنك أن تكسر رأس معبد الأصنام هذا وعمود الراية التي ترفرف فوقه أعطيتك عشرة آلاف درهم .

وفي اليوم المحدد للقتال بدأ أمير المنجنيق الرمي ، وطارت راية المعبد وبعض قاعدته ، ثم رمى الحجر الثاني فأصاب قبة المعبد فانهارت تماماً ، وفي الحجر الثالث أصبح أنقاضاً مع الأرض سواء ، ثم قرعت الطبـول في الديبل، وبدأ هجوم الجيش هجـمة واحدة ، وثلم المنجنيق سور الديبل فوصل المجاهدون إلى أعلى السور وأبراجه ، ثم فتح أهل الديبل أبواب مدينتهم وطلبوا الأمان ، فدخلها ابن القاسم واستباحها ثلاثة أيام ، وتوجه إلى السـجن الذي ضم الأسرى المسلمين فحررهم ووضع بدلاً عنهم مجموعة من قراصنة الديبل .

ثم توجه ابن القاسم إلى فتح ( نيرون ) – وموقعها الآن حيدرآباد - عبر مياه السند في ستة أيام ، وحينما وصلها أرسل حاكمها رسولين محملين بالغذاء والأعلاف ، وفتح لابن القاسم باب المدينة ، وأخذ يبيع ويشتري البضائع مع جيش المسلمين ، ودخل ابن القاسم المدينة ، وهدم معبد الأوثان ، وبنى مكانه مسجداً ، ثم سار إلى حصن ( سيوستان ) المدينة المحصنة المرتفعة ، وأراد أهل المدينة الأمان ولكن حاكم المدينة رفض بشدة واستعد للحرب ، ونصب ابن القاسم المنجنيقات وبدأ الحصار ، وحينما تيقن حاكم المـدينة من الهزيمة وضاق ذرعاً بالحصار فر ليلاً ففتحت المدينة أبوابها .

ثم سار ابن القاسم نحو حصن (سيويس) وفتحه ، ثم عاد إلى نيرون ، واتخذ قراره بعبـور نهر مهران للقاء داهر ملك السند ، وأرسل رسولين له لدعوته للطاعة فرفض ، وعندئذ تخير ابن القاسم أفضل معابر النهر وهيأ السفن لذلك ، وخلال هذه المراسلات والاستعدادات التي استمرت خمسين يوماً نفدت أرزاق المسلمين ، وقلت أعلاف الخيل والدواب ، ونفق عدد من الخيل بعد إصابتها بالجذام ، واشتكى الجيش من قلة الغذاء ، فاضطر الجند إلى أكل لحوم الخيل المريضة ، فكتب ابن القاسم رسالة للحجاج بالأوضاع فأرسل له الحجاج ألفي حصان ملكاً للمجاهدين وليست عارية مسترجعة .

ثم تجول ابن القاسم ليرى أفضل وأضيق مكان للعبور على نهر مهران، ثم أمر بإحضـار السفن وربط بعضها ببعض ليصنع منها جسراً للعبور ، وتقدمت جماعة من جند داهر وقادته ليمنعوا ابن القاسم من ربط أجزاء النهر ، ولما وصلت طلائع السفن على مقربة من الساحل الشرقي بدأ المقاتلون المسلمون برمي السهام والرماح بكثافة ، مما أدى لتراجع قوات داهر مما سهل عبور الجيش المسلم ، وفر جند داهر ، وسار ابن القاسم إلى منطقة (جيور) ، ونزل بجيشه على مقربة من نهر ( ددهاواه ) ، والتحم الجمعان من بداية الصباح وحتى المساء ثم تراجع كل إلى موضعه ، وكان عدد الفيلة ستين فيلاً وقيل مائة، وكان داهر على أكبرها ، وقد عملت في المسلمين الأفاعيل .

وظل الحال هكذا خمسة أيام ، وفي اليوم السادس غير الجيشان تنظيم صفوفهما ، وفي اليوم السابع شجع ابن القاسم رجاله وحرضهم على القتال ، وبدأت سهام المسلمين المشتعلة بالنار تتساقط على هودج داهر، ورمى أحد الرماة بسهمه فأصاب قلب الهودج وأشعل فيه النار، فعاد جيش داهر بفيله إلى الوراء وقد اشتعل بالنيران وسقط معه في الماء، وعندها وصل الفرسان المسلمون إليه وقد تشردم جيشه من حوله وحلت به الهـزيمة ، وحـاول داهر الخروج من الماء فصوب إليه أحد الرماة المسلمين المهرة سهماً فأصابه ولكنه تحامل على نفسه وتمكن من الظهور من الماء ، فتقدم منه عمرو بن خالد الكلابي فعلاه بسيفه وضرب به رأس داهر فشقه نصفين حتى الرقبة ، وتتبع المسلمون فلول جيش داهر المقتول حتى حصن ( راؤر ) ففتحوه ، ثم فتح ابن القاسم مدين ( دهليله ) ، ثم توجه إلى ( برهمناباذ) ففتحها وأعطى أهلها الأمان الذي طلبوه ، وفرض الجزية على من لم يسلم ، ثم عين البراهمة في المناصب التي تناسبهم وخصص لهم المال ، وأجلسهم في المحافل في الأماكن التي كانت مخصصة لأمراء الهند وملوكها ، وأعطى لعوام الناس الأمان في ممارسة طقوسهم الدينية .

ثم واصل محمد بن القاسم جهاده ففتح العديد من المدن بعضها صلحاً وبعضها عنوة ، وكان أهمها مدينة ( ملتان ) - وهي أعظم مدن السند الأعلى وأقوى حصونه - فامتنعت عليهم شهوراً نفدت خلالها مؤنتهم فطعموا الحمر حتى أتاهم رجل مستأمن دلهم على مدخل الماء الذي يشرب منه السكان فقطعوه عليهم ، وقاتل الهنود المسلمين قتالاً شديداً استمر سبعة أيام اقتحم المسلمون الأسوار من بعدها وفتحوا الملتان ، وكان في كل مدينة يفتحها يبني المساجد والمنابر ، حتى وصلت فتوحاته إلى حدود كشمير ، واستطاع أن يخضع السند لحكم الخلافة الإسلامية في مدة لم تتجاوز ثلاث سنين فقط .

وأصاب محمد مالاً كثيراً وعظمت فتوحاته ، فراجع الحجاج حساب نفقاته على هذه الحملة فكانت ستين ألف ألف درهم ، فحمل إليه محمد ابن القاسم ضعف هذا المبلغ ، فقال الحجاج : ( شفينا غيظنا ، وأدركنا ثأرنا ، وازددنا ستين ألف ألف درهم ورأس داهر ) .

لقد أنجز محمد بن القاسم الثقفي هذا الفتح كله بين سنة تسع وثمانين وسنة أربع وتسعين للهجرة ، فأي عظمة في هذا القائد ، وأي عظمة في هؤلاء الجند الفاتحين ، وأي سر في هذا الدين العظيم .



إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#29

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

حصار فيينا



رد: موسوعة معارك اسلامية(3)
معركة فيينا في 12 ايلول / سبتمبر ، 1683


معركة فيينا وقعت في 12 ايلول / سبتمبر ، 1683 وبعد محاصره الإمبراطورية العثمانيةفيينا لمدة شهرين. كسرت المعركه اسبقية الامبراطوريه العثمانيه في أوروبا ، وايذانا الهيمنة السياسية من سلالة عائلة هابسبورغ النمساوية (تشمل أيضا بوهيميا و المجر) في وسط أوروبا.
مثلت معركة فيينا بداية النهاية لسيطرة الإمبراطورية العثمانية و توسعاتها في جنوب الشرق الأوروبي. فاز بالمعركه القوات البولنديه - الالمانيه - النمساويه بقيادة ملك بولندايوحنا الثالث سوبياسكي ضد جيش الامبراطوريه العثمانيه بقيادة الصدر الأعظم (الوزير) قرة مصطفى قائد القوات العثمانية .




العثمانيين و فيينا

احتلال فيينا كان حلماً طالما راود سلاطين العثمانيين لما تمثله من أهمية استراتيجية للسيطرة على خطوط التجارة والمواصلات في القلب الأوروبي و أعقبت معركة فيينا الحصار الثاني الذي شهدته فيينا من قِبل الأتراك. كان العثمانيون في كل مرة يكتفون بالعودة من أسوار فيينا غانمين الأموال وربما أجزاء جديدة من أوروبا الشرقية أو الوسطى بموجب اتفاقات مع الإمبراطورية النمساوية .


الحصار الأول كان في زمان سليمان القانوني قبلها بقرن ونصف والذي توغل في أوروبا بعدما انتصر على المجريين في معركة موهاج الرهيبة. يذكر المؤرخون أن المعركة هي من أمثلة حروب الإبادة النموذجية. دخلت جيوش القانوني عاصمة المجر بودابست في الحادي عشر من سبتمبر 1526 لتجعل من (مجرستان) ولاية عثمانية أخرى وتكرس السيطرة المطلقة للعثمانيين في وسط وشرق أوروبا. إلى أن كانت معركة فيينا في نفس اليوم بالضبط بعدها بـ 157 سنة.



الثورة البوهيمية

في عام 1618 اندلعت الثورة البوهيمية ضد إمبراطورية الهابسبورج و التي عرفت بحرب الثلاثين عاماً لأنها دامت إلى عام 1648 و انتهت بمعاهدة فيستفال في عهد فرديناند الثالث .
في عام 1683 حاصر الأتراك فيينا للمرة الثانية ولكن استطاع جراف شتارهمبرج في معركة عند جبل الكالينبرج رد الأتراك . وفي عام 1686 استردوا بودابست من الدولة العثمانية بعد 145 عام من السيطرة العثمانية على بودابست



المعركة

الحصار نفسه بدأ في 14 تموز / يولية 1683 دون أن يعلم السلطان محمد الرابع بتوجيه حملته إلى فيينا، وأبلغه بذلك الأمر مصطفى باشا بعد بدء الحصار بستة أيام، جيش الامبراطوريه العثمانيه ما يقرب من 138000 من الرجال (رغم ان عددا كبيرا منهم لم يشترك في المعركه ، حيث لم تتجاوز 50000 وشهدت الجنود (الاتراك) ، وكان الباقي من القوات الداعمة) ، . المعركه الحاسمه وقعت في 12 ايلول / سبتمبر 1683 .

القوات المتحدة البولنديه - الالمانيه - النمساويه من الجيش وصلت إلى 70000 رجل .
  1. 30000 - رجل القوات البولنديه (ولم يشارك الليتوانيين في المعركه) ،
  2. 18,500 القوات النمساويه بقيادة شارل الخامس ، دوق اللورين ،
  3. 19,000 ، مواطن من سوابيا البافاري والقوات التي يقودها الأمير جورج فريدريك من Waldeck ،
  4. 9,000 جندي بقيادة جون جورج الثالث ، للناخب في سكسونيا.
بدأت الحملة الأخيرة نحو فيينا عام 1663 عندما تقدم جيش كبير، يبلغ نحو مائة وعشرين ألف جندي، ومزود بالمدافع والذخائر المحملة على ستين ألف جمل وعشرة آلاف بغل، ودخل (سلوفاكيا) ضاربًا كل الاستحكامات العسكرية التي كانت في طريقه، متجهًا إلى قلعة (نوهزل)، وهي تقع شمال غرب (بودابست)، على الشرق من (فيينا) بنحو 110كم، ومن (براتسلافيا) بنحو 80كم، وقد حصّنها الألمان، وجعلوها فائقة الاستحكام لكي تصبح أقوى قلاع أوروبا، وبدأ الجيش العثماني في حصارها في 17 من أغسطس 1663 واستمر حصار العثمانيين للقلعة 37 يومًا؛ ما اضطر قائد حامية القلعة إلى طلب الاستسلام، ووافق الصدر الأعظم على ذلك؛ بشرط جلاء الحامية عن القلعة بغير سلاح ولا ذخائر.





مجلس الحرب

رد: موسوعة معارك اسلامية(3)
ملك بولندا يوحنا الثالث سوبياسكي


جمع الصدر الأعظم قرة مصطفى باشا مجلس الحرب في جيشه وأعلن أنه سيستولي على فيينا، وأنه سيملي شروطه على ألمانيا في هذه المدينة العنيدة (فيينا)؛ لأن الاستيلاء على "يانق قلعة" المدينة التي تعتبر مفتاح فيينا وتقع على بعد 80 كم شرقي فيينا على الضفة الغربية لنهر راب، لا يمكن أن يخضع ألمانيا ويجعلها تكف يدها عن شئون المجر.
أثار قرار قرة مصطفى باشا حيرة الوزراء وجدلهم، واعترض عليه الوزير إبراهيم باشا الذي أكد أن رغبة السلطان هي الاستيلاء على "يانق قلعة" ومناوشة أوروبا الوسطى بواسطة كتائب الصاعقة العثمانية، وأن الحملة على فيينا يحتمل أن تكون في العام المقبل، فأجابه قرة مصطفى باشا بأنه من الصعب أن يتجمع جيش مرة ثانية بمثل هذه الكثافة والقوة، وهذا الأمر يقتضي إنزال ضربة قوية قاضية بالألمان، وإلا فإن الحرب ستطول معهم، خاصة أن ألمانيا عقدت صلحا مع فرنسا، وأصبحت آمنة من الجانب الغربي، وأن الإمبراطور "ليوبولد" اتفق مع الملك البولوني "سوبياسكي" على استعادة منطقة بادوليا، وأن البندقية لا بد أن تكون ضمن هذا الاتفاق، وبالتالي ستنضم روسيا وبقية الدول الأوروبية لهذا التحالف المسيحي إلى جانب ألمانيا، وهذا يقتضي كسره وتحطيم هذا التحالف الوليد في ذلك العام وإلا فإن الحرب ستطول إلى أجل غير معلوم.

باتت (فيينا) عاصمة النمسا مهددة بالسقوط في أيدي المسلمين؛ ما دعا إمبراطور النمسا إلى طلب وساطة البابا (إسكندر الرابع) لدى (لويس الرابع عشر) ، ملك فرنسا بقصد مساعدته، وكانت فرنسا أكبر أعداء إمبراطور النمسا؛ فأرسل له ملك فرنسا فرقة ممتازة مؤلفة من 5000 جندي. غير أن العثمانيين واصلوا تقدمهم ودارت بينهما عدة معارك. انتهت بتوقيع معاهدة صلح بين الدولتين، كان من أهم بنودها أن تدفع النمسا للعثمانيين غرامات حرب رمزية، قدرها 200000 سكة ذهبية، وأن تبقى كافة القلاع التي فتحتها الجيوش العثمانية تحت سيادتهم.

عندما التأمت الجيوش الأوروبية ترك دوق لورين القيادة العامة لملك بولندا يوحنا الثالث سوبياسكي واكتملت استعداداتهم يوم الجمعة الموافق 11 سبتمبر بعدما شعروا أن سقوط فيينا ليس أمامه إلا أيام قليلة؛ لذلك أقدم الأوروبيون على عبور جسر "الدونة" الذي يسيطر عليه العثمانيون بالقوة مهما كلفهم من خسائر، حيث لم يكن بالإمكان إيصال الإمدادات إلى فيينا دون عبور هذا الجسر. وكان مصطفى باشا قد كلف "مراد كيراي" حاكم القرم في الجيش بمهمة حراسة الجسر، ونسفه عند الضرورة وعدم السماح للأوروبيين بعبوره مهما كانت الأمور، وقد كان مصطفى باشا يكره مراد كيراي، ويعامله معاملة سيئة، أما مراد فكان يعتقد أن فشل مصطفى باشا في فيينا سيسقطه من السلطة ومن منصب الصدارة، ولم يخطر ببال هذا القائد الخائن أن خسارة العثمانيين أمام فيينا ستغير مجرى التاريخ العالمي، لذلك قرر مراد أن يظل متفرجا على عبور القوات الأوروبية جسر الدونة، ليفكوا الحصار المفروض على فيينا، دون أن يحرك ساكنا، يضاف إلى ذلك أن هناك وزراء وبكوات في الجيش العثماني كانوا لا يرغبون في أن يكون قرة مصطفى باشا هو فاتح فيينا التي فشل أمامها السلطان سليمان القانوني.

المعركة الفاصلة

في يوم السبت 12 سبتمبر 1683م تقابل الجيشان أمام أسوار فيينا وكان الأوروبيون فرحين لعبورهم جسر الدونة دون أن تُسكب منهم قطرة دم واحدة، إلا أن هذا الأمر جعلهم على حذر شديد، أما العثمانيون فكانوا في حالة من السأم لعدم تمكنهم من فتح فيينا، وحالة من الذهول لرؤيتهم الأوروبيين أمامهم بعد عبور جسر الدونة، بالإضافة إلى ما ارتكبوه من شرب الخمر ومعاشرة النساء، وانشغال بعض فرق الجيش بحماية غنائمها وليس القتال لتحقيق النصر، وتوترت العلاقة بين الصدر الأعظم وبعض وبعض قواد جيشه وظهرت نتائج ذلك مع بداية المعركة.

شن مصطفى باشا هجوما مضادا ، مع معظم قواته ، و اجزاء من النخبه الانكشاريه لغزو المدينة. كان القواد الترك ينوون احتلال فيينا قبل وصول يوحنا الثالث سوبياسكي ولكن الوقت نفد. اعد المهندسون العسكريون تفجير آخر كبير ونهائي لتوفير امكانيه الوصول إلى المدينة. بينما انهى الأتراك على عجل عملهم و اغلاق النفق لجعل الانفجار أكثر فعالية ، اكتشف النمساويين الكهف في فترة ما بعد الظهر. احدهم دخل النفق وابطل مفعولها في الوقت المناسب تماما.

في ذلك الوقت ، في ساحة المعركه ،بدأت المشاة البولنديه الهجوم على الجهة اليمنى جيش الامبراطوريه العثمانيه وبدلا من التركيز على المعركه مع الجيش الاغاثه ، حاولت قوة الأتراك احتلال المدينة.

كان الجيش العثماني متعبا ومتشائم بعد فشل كل محاولة استنزاف القوة الغاشمه واعتداء من المدينة ، و وصول للسلاح الفرسان حول مجرى المعركه ضدهم ، وارسالهم إلى التراجع إلى الجنوب والشرق. في اقل من ثلاث ساعات بعد هجوم سلاح الفرسان ، كسبت القوى المسيحيه المعركه وانقذت فيينا من الاحتلال . وبعد المعركه ،اقتبس يوحنا الثالث سوبياسكي واعاد صياغه يوليوس قيصر الشهيرة بالقول" veni ، vidi ، الآلة vicit "--" أتيت ، رأيت ، غزاها الله " .

أهمية نتائج المعركة

المعركه نقطة تحول في كفاح 300 سنة بين القوات من أوروبا الوسطى وممالك الامبراطوريه العثمانيه.وبعد المعركه على مدى ستة عشر عاما تمكنت سلالة عائلة هابسبورغ النمساوية تدريجيا إلى حد كبير اخلائ القوات التركية من الاراضى الجنوبيه والمجر وترانسيلفانيا .
قُتل من العثمانيين حوالي 15000 رجل في القتال وقُتل من الأوروبيين ما يقرب من 4000 ووضع مصطفى باشا خطة موفقة للانسحاب حتى لا يضاعف خسائره، وأخذ الجيش العثماني معه أثناء الانسحاب 81 ألف أسير, وعلى الرغم من هزيمة القوات التركية الكاملة فقد وجدت الوقت لذبح جميع السجناء النمساويه ، فيما عدا تلك القله من طبقة النبلاء التي اخذوا معهم للافتداء. وانتهى الحصار الذي استمر 59 يوما.
فقدت الدولة العثمانية بهزيمتها أمام فيينا ديناميكية الهجوم والتوسع في أوروبا، وكانت الهزيمة نقطة توقف في تاريخ الدولة. تحرك جيش التحالف المسيحي لاقتطاع بعض الأجزاء من الأملاك العثمانية في أوروبا، ووقعت معركة "جكردلن" بين أحد القادة العثمانيين وقواته البالغة 30 ألف مقاتل وبين ملك بولندا يوحنا الثالث سوبياسكي وقواته البالغة 60 ألف مقاتل، وانتهت بتراجع سوبياسكي، وتوالت المعارك العثمانية في أوروبا، وفقدت الدولة بعض مراكزها الهامة بسبب هزيمتها أمام فيينا التي كانت هزيمة من النوع الثقيل تاريخيا أكثر منه عسك



إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#30

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

معركه مكه ( فتح مكه)


رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

بعد صلح الحديبية انضمت قبيلة بكر لقريش وانضمام قبيلة خزاعة لحلف المسلمين .
وكان بين بني بكرٍ وقبيلة خزاعة ثارات في الجاهلية ودماء ، وذات يومٍ تعرضت قبيلة خزاعة لعدوانٍ من قبيلة بكر الموالية لقريش ، وقتلوا منهم نحو عشرين رجلاً . ودخلت خزاعة الحرم للنجاة بنفسها ، ولكن بني بكرٍ لاحقوهم وقتلوا منهم في الحرم . فجاء عمرو بن سالم الخزاعي الرسول صلى الله عليه وسلم يخبرهم بعدوان قبيلة بكرٍ عليهم ، وأنشد الرسول صلى الله عليه وسلم شعراً :
يا رب إني نـاشد محمداً حلف أبـينا وأبيه الأتلدا
إنه قريشٌ أخلفوك المـوعدا ونقضوا ميثاقك المؤكدا
فانصر رسول الله نصراً أعتدا وادع عباد الله يأتوا مدداً
فقال له رسول الله عليه وسلم : " نصرت يا عمرو بن سالم ، والله لأمنعنكم مما أمنع نفسي منه " . ودعا الله قائلاً " اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها ".
وندمت قريش على مساعدتها لبني بكرٍ ، ونقضها للعهد ، فأرسلت أبا سفيانٍ إلى المدينة ليصلح ما فسد من العهد ، ولكنه عاد خائباً إلى مكة .
...
وأخذ رسول الله عليه وسلم يجهز الجيش للخروج إلى مكة . فحضرت جموعٌ كبيرة من القبائل .
ولكن حدث شيءٌ لم يكن متوقعاً من صحابي . وهو أن الصحابي حاطب بن أبي بلتعة كتب كتاباً بعث به إلى قريشٍ مع امرأة ، يخبرهم بما عزم عليه رسول الله عليه وسلم ، وأمرها أن تخفي الخطاب في ضفائر شعرها حتى لا يراها أحدٌ . فإذا الوحي ينزل على رسول الله عليه وسلم بما صنع حاطب ، فبعث الرسول صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب والزبير بن العوام ليلحقا بالمرأة . وتم القبض عليها قبل أن تبلغ مكة ، وعثرا على الرسالة في ضفائر شعرها .
فلما عاتب النبي صلى الله عليه وسلم حاطباً اعتذر أنه لم يفعل ذلك ارتداداً عن دينه ، ولكنه خاف إن فشل رسول الله عليه وسلم على أهله والذين يعيشون في مكة .
فقال عمر : " يا رسول الله ، دعني أضرب عنق هذا المنافق " . فقال رسول الله عليه وسلم:
" إنه قد شهد بدراً ، وما يدريك لعل الله قد اطلع على من شهد بدراً فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " .
...
وكان حاطب ممن حارب مع رسول الله عليه وسلم في غزوة بدر . فعفا عنه ، وتحرك جيش المسلمين بقيادة رسول الله عليه وسلم إلى مكة في منتصف رمضان من السنة الثامنة للهجرة . وبلغ عددهم نحو عشرة آلاف مقاتل . ووصلوا " مر الظهران " قريباً من مكة ، فنصبوا خيامهم ، وأشعلوا عشرة آلاف شعلة نار . فأضاء الوادي .
...
وهناك تقابل العباس بن عبد المطلب وأبو سفيان . فأخذه العباس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال له الرسول عليه الصلاة والسلام : " ويحك يا أبا سفيانٍ أما آن لك
أن تعلم أن لا إله إلا الله ؟ " .
فقال العباس : " والله لقد ظننت أن لو كان مع الله غيره لقد أغنى عني شيئاً بعد " .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ويحك ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله ؟ "
فقال : " أما هذه فإن في النفس منها حتى الآن شيئاً " .
وبعد حوارٍ طويلٍ دخل أبو سفيانٍ في الإسلام . وقال العباس : " إن أبا سفيانٍ يحب الفخر فاجعل له شيئاً . فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : " من دخل دار أبي سفيانٍ فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن " .
...
وأراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يري أبا سفيانٍ قوة المسلمين ، فحبسه عند مضيق الجبل . ومرت القبائل على راياتها ، ثم مر رسول الله صلى عليه وسلم في كتيبته الخضراء. فقال أبو سفيان : ما لأحدٍ بهؤلاء من قبل ولا طاقة .
ثم رجع أبو سفيانٍ مسرعاً إلى مكة ، ونادى بأعلى صوته : " يا معشر قريش ، هذا محمدٌ قد جاءكم فيما لا قبل لكم به . فمن دخل داري فهو آمن ، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ، ومن دخل المسجد فهو آمن ". فهرع الناس إلى دورهم وإلى المسجد . وأغلقوا الأبواب عليهم وهم ينظرون من شقوقها وثقوبها إلى جيش المسلمين ، وقد دخل مرفوع الجباه . ودخل جيش المسلمين مكة في صباح يوم الجمعة الموافق عشرين من رمضان من السنة الثامنة للهجرة .
ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة من أعلاها وهو يقرأ قوله تعالى : (( إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ))
واستسلمت مكة ، وأخذ المسلمون يهتفون في جنبات مكة وأصواتهم تشق عناء السماء : الله أكبر .. الله أكبر .
...
وتوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرم ، وطاف بالكعبة ، وأمر بتحطيم الأصنام المصفوفة حولها . وكان يشير إليها وهو يقول : (( و قل جاء الحق و زهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً ))
وبعد أن طهرت الكعبة من الأصنام أمر النبي عليه الصلاة والسلام بلالاً أن يؤذن فوقها .
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا معشر قريش ، ما ترون أني فاعل بكم ؟ " قالوا : " خيراً . أخٌ كريمٌ وابن أخٍ كريم " . فقال عليه الصلاة والسلام : " اذهبوا فأنتم الطلقاء".
فما أجمل العفو عند المقدرة ، وما أحلى التسامح والبعد عن الانتقام . ولننظر ما فعل الغالبون بالمغلوبين في الحربين العالميتين في قرننا هذا ، قرن الحضارة كما يقولون ، لنعلم الفرق ما بين الإسلام والكفر .
...
وهكذا ارتفعت راية الإسلام في مكة وما حولها ، وراح الناس ينعمون بتوحيد الله .
ازداد عدد المسلمون بعد معركه ( فتح مكه) وتوسع الاسلام وجيش المسلمين من مكه الى القدس ثم سوريا وايرلن والعراق ومصر في اقل من عقد من الزمن استمر زحف جيوش الاسلام بعدها الى أوروبا
لم يكن ليحصل تطور الاسلام ووصوله الى وضعه الحالي كأكبر دين وقوه سياسيه بالعالم بدون توفيق الله عزوجل وفتح الرسول عليه الصلاه والسلام للمدينه لن انسى بالطبع معكره بدر واحد وقد التي مهدت الطريق ل فتح مكه الذي جعل الاسلام ينتشر بكافه أرجاء الأرض
وهذا يجعلها من أهم المعارك التي أثرت بالعـــــالم وبرأيي هي أهم معركه لانها اساس كل شئ فالرسول قضى فيها على كل معالم الوثنيه والجهل والفساد ونشر فيها اخر دين على وجهه الأرض الاسلام



إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#31

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

معــركه التل



استجاب الخديوي لمطالب الأمة، وعزل رياض باشا من رئاسة الوزارة، وعهد إلى شريف باشا بتشكيل الوزارة، وكان رجلا كريمًا مشهودًا له بالوطنية والاستقامة، فألف وزارته في (19 شوال 1298 هـ = 14 سبتمبر 1881م)، وسعى لوضع دستور للبلاد، ونجح في الانتهاء منه وعرضه على مجلس النواب الذي أقر معظم مواده، ثم عصف بهذا الجهد تدخل إنجلترا وفرنسا في شئون البلاد، وتأزمت الأمور، وتقدم "شريف باشا" باستقالته في (2 من ربيع الآخر 1299 هـ = 2 فبراير 1882 م).
وتشكلت حكومة جديدة برئاسة محمود سامي البارودي، وشغل عرابي فيها منصب "وزير الجهادية" (الدفاع)، وقوبلت وزارة "البارودي" بالارتياح والقبول من مختلف الدوائر العسكرية والمدنية؛ لأنها كانت تحقيقًا لرغبة الأمة، ومعقد الآمال، وكانت عند حسن الظن، فأعلنت الدستور، وصدر المرسوم الخديوي به في (18 ربيع الأول 1299 هـ = 7 فبراير 1882 م).
...
غير أن هذه الخطوة الوليدة إلى الحياة النيابية تعثرت بعد نشوب الخلاف بين الخديوي ووزارة البارودي حول تنفيذ بعض الأحكام العسكرية، ولم يجد هذا الخلاف مَن يحتويه من عقلاء الطرفين، فاشتدت الأزمة، وتعقد الحل، ووجدت بريطانيا وفرنسا في هذا الخلاف المستعر بين الخديوي ووزرائه فرصة للتدخل في شئون البلاد، فبعثت بأسطوليهما إلى شاطئ الإسكندرية بدعوى حماية الأجانب من الأخطار.
ولم يكد يحضر الأسطولان الإنجليزي والفرنسي إلى مياه الإسكندرية حتى أخذت الدولتان تخاطبان الحكومة المصرية بلغة التهديد والبلاغات الرسمية، ثم تقدم قنصلا الدولتين إلى البارودي بمذكرة مشتركة في (7 رجب 1299 هـ = 25 مايو 1882 م) يطلبان فيها استقالة الوزارة، وإبعاد عرابي وزير الجهادية عن القطر المصري مؤقتًا مع احتفاظه برتبه ومرتباته، وإقامة "علي باشا فهمي" و"عبد العال باشا حلمي" –وهما من زملاء عرابي وكبار قادة الجيش- في الريف مع احتفاظهما برتبتيهما ومرتبيهما.
وكان رد وزارة البارودي رفض هذه المذكرة باعتبارها تدخلا مهينًا في شئون البلاد الداخلية، وطلبت من الخديوي توفيق التضامن معها في الرفض؛ إلا أنه أعلن قبوله لمطالب الدولتين، وإزاء هذا الموقف قدم البارودي استقالته من الوزارة، فقبلها الخديوي.
...
غير أن عرابي بقي في منصبه بعد أن أعلنت حامية الإسكندرية أنها لا تقبل بغير عرابي ناظرًا للجهادية، فاضطر الخديوي إلى إبقائه في منصبه، وتكليفه بحفظ الأمن في البلاد، غير أن الأمور في البلاد ازدادت سوءًا بعد حدوث مذبحة الإسكندرية في (24 رجب 1299 هـ = 11 يونيو 1882م)، وكان سببها قيام مكاري (مرافق لحمار نقل) من مالطة من رعايا بريطانيا بقتل أحد المصريين، فشب نزاع تطور إلى قتال سقط خلاله العشرات من الطرفين قتلى وجرحى.
..
وعقب الحادث تشكلت وزارة جديدة ترأسها "إسماعيل راغب"، وشغل "عرابي" فيها نظارة الجهادية، وقامت الوزارة بتهدئة النفوس، وعملت على استتباب الأمن في الإسكندرية، وتشكيل لجنة للبحث في أسباب المذبحة، ومعاقبة المسئولين عنها.
...
في 13 سبتمبر 1882 (الموافق 29 شوال 1299هـ) الساعة 1:30 صباحا واستغرقت أقل من 30 دقيقة. الإنجليز فاجأوا القوات المصرية المتمركزة في مواقعها منذ أيام والتي كانت نائمة وقت الهجوم. والقي القبض على أحمد عرابي قبل أن يكمل ارتداء حذائه العسكري (حسب اعترافه أثناء رحلة نفيه إلى سيلان) ( عقب المعركة قال الجنرال جارنت ولسلي قائد القوات البريطانية أن معركة التل الكبير كانت مثال نموذجي لمناورة تم التخطيط الجيد لها مسبقا في لندن و كان التنفيذ مطابقا تماما كما لو كان الأمر كله لعبة حرب Kriegspiel . إلا أنه أردف أن المصريون "أبلوا بلاءاً حسناً" كما تشي خسائر الجيش البريطاني.
...
واصلت القوات البريطانية تقدمها السريع إلى الزقازيق حيث أعادت تجمعها ظهر ذلك اليوم ثم استقلت القطار (سكك حديد مصر) إلى القاهرة التي استسلمت حاميتها بالقلعة عصـر نفس اليوم. و كان ذلك بداية الإحتلال البريطاني لمصر الذي دام 75 تقريبا
حققت برطانيا السيطره على مصر لاكثر من 75 عاما مما وفر لهم السيطره على السويس وما ان اخذت الامبراطوريه البريطانيه بالضعف كما من قبلعا العثمانيه نشبت ثوره مصريه أخرى قادها هذه المره جمال عبد الناصر لتنهي السيطره البريطانية على البلاد 1956


إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#32

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

احتلال فلسطين ( معركه القسطل )


ان اول من استوطن فلسطين منذ اكثر من اربعة الاف سنة هم العموريون ، ثم جاء بعد ذلك اليبوسيون ، وقد جاء هؤلاء جميعا من بلاد العرب ، وفي حوالي سنة 3500 قبل الميلاد جاء الكنعانيون ، وهم قبيلة عربية كانت قد نزحت الى فلسطين من شبه جزيرة العرب ايضا ، وقد عرفت فلسطين في ذلك العهد بارض كنعان ,, وعلى نحو ما ورد في العهد القديم ، اشتهر العرب الكنعانيون بانهم بناة الحضارة في فلسطين إثر بنائهم عدة مدن معروفة مثل القدس ونابلس واريحا وبيسان وعكا ويافا ، وفي سنة 2000 قبل الميلاد هاجر من العراق التي كانت تسمى " أور " العبرانيون بقيادة النبي ابراهيم عليه السلام واقاموا في فلسطين وبسبب حدوث مجاعة فيها هاجروا الى مصر وهناك استعبدهم الفراعنة ، وفي حوالي عام 1300 قبل الميلاد نزحت الى فلسطين قبيلة اخرى تدعى " باليست " قادمة من جزر بحر ايجه التي تشكل جزيرة كريت جزءا منها ،، ولم يمض وقت طويل حتى ذاب هؤلاء في الحضارة الكنعانية وتحدثوا العربية التي صارت فيما بعد لغتهم الاصلية ، وبسبب هؤلاء النازحين الجدد اصبحت ارض كنعان تعرف بفلسطين .
ظل اليهود مشردين ومطهدين في مصر الى ان انقذهم النبي موسى عليه السلام وعاد بهم الى ارض كنعان عن طريق الجنوب الشرقي في زمن رمسيس الثاني الموافق سنة 1250 أو زمن ابنه منفتاح سنة 1225 قبل الميلاد.
...
اذا سلمنا بنص التوراة نجد ان قائد اليهود الذي فتح فلسطين كان يشوع بن نون ، وقد عبر بجيشه واحتل بقسوة مدينة " اريحا " من الكنعانيين ، وقد انقسم اليهود بعد ذلك الى مملكتين ، مملكة إسرائيل وعاصمتها السامرة" نابلس " وقد دامت 250 سنة ، ثم سقطت في يد شلمناصر ملك اشور سنة 722 قبل الميلاد وعلى اثر ذلك سبي شعبها الى مملكته ، ثم كانت مملكة يهوذا وعاصمتها اورشليم " القدس " وقد دامت هذه المملكة 130 سنة بعد انقراض مملكة اسرائيل ، ثم ابيدت هي ايضا على " يد نبوخذنصر " ملك بابل الذي سبى شعبها ايضا سنة 580 قبل الميلاد .
..
رجع اليهود من السبي الى فلسطين بامر قورش ملك الفرس ، ثم تلا ذلك الفتح اليوناني بقيادة الاسكندر المقدوني سنة 332 قبل الميلاد الذي دام حكم امبراطوريته في فلسطين مدة 272 سنة ، وجاء بعد ذلك الرومان سنة 63 قبل الميلاد بقيادة بومبي ، ودام حكم الرومان في فلسطين مدة 700 سنة متواصلة ، وفي سنة 637 ميلادية فتح العرب المسلمين فلسطين ، ودام حكمهم 880 سنة متواصلة ، ثم انتقل الحكم في فلسطين بعد ذلك الى الاتراك " العثمانيين " سنة 1517 ميلادية في زمن السلطان سليم الاول ، وقد ظلت فلسطين حوزة الخلافة الاسلامية العثمانية مدة 400 سنة
..
بعد الحرب العالمية الأولى، وقعت فلسطين تحت الانتداب البريطاني سنة 1922. وكانت بريطانيا قد أصدرت سنة 1917 وعد بلفور القاضي بمنح أرض من فلسطين لليهود من أجل إنشاء وطن لهم.
شهدت السنوات الأخيرة من فترة الانتداب البريطاني تنامي هجرة اليهود من مختلف أنحاء العالم إلى فلسطين، في حين برزت حركات مقاومة فلسطينية كان من أعلامها عبد القادر الحسيني وعز الدين القسام وآخرون. وقد تعرض الفلسطينيون في نفس الفترة لإرهاب صهيوني منظم قادته حركات شبه عسكرية، كانت هي النواة الأولى للجيش الإسرائيلى فيما بعد، من بينها الأرغون والهاكانا وشتيرن.
في سنة 1947، رفعت المسألة الفلسطينية إلى الأمم المتحدة التي أصدرت في 29 نونبر قرارا يقضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين إسرائيلية وفلسطينية. رفض العرب هذا القرار في حين قبله اليهود الذين أعلنوا قيام دولتهم غداة انسحاب بريطانيا في ماي من سنة 1948. ثم ما لبث أن اندلعت حرب خسرها العرب، مما شجع اليهود على التوسع واحتلال المزيد من الأراضي الفلسطينية.
سرعان ما نالت الدولة الإسرائيلية الناشئة اعتراف القوى العظمى والأمم المتحدة. وكان من تداعيات هذه الأحداث بروز مشكل اللاجئين الفلسطينين الذي لايزال قائما حتى اليوم.
...
ان تاريخ فلسطين ببساطة يبرهن على ان العرب هم اول سكانها ، وقد حكموها وحدهم ومع الاتراك الاسلاميين الفا وثلاثمائة سنة متواصلة ، واما اليهود فم تتجاوز مدة حكمهم المتقطع لفلسطين لاكثر من 380 سنة ، ومنذ 332 قبل الميلاد لم يكن لليهود في فلسطين اي وجود ملموس او حكم ، ولما دخل البريطانيون فلسطين سنة 1918 ميلادية لم يكن عدد اليهود يزيد عن الثمانين الفا ، واما دعواهم التاريخية فهي مغالطة ، لان احتلال بلد ما ثم الخروج منه لا يخول اي شعب ادعاء ملكية تلك البلاد او المطالبة بذلك


إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#33

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

احتلال الجزائر الاسباب والعبر




كانت القوة الجزائرية المتنامية في حوض البحر الأبيض المتوسط وراء تكتل القوى الأوربية ضدها ، وبالتالي أصبحت هدفا في السياسة الأوربية لا بد من القضاء عليها . مما أدى بالدول الأوربية الى عرض القضية الجزائرية في مؤتمراتها، فبعد أن تم الإشارة إليها في مؤتمر فيينا تم عرضها بشكل واضح في مؤتمر إكس لاشابيل 1818 ، وكان موقع الجزائر أنذاك يسيل لعاب الأوربيين ، مما خلق بينهم تنافسا في من ستكون من نصيبه ، وكانت فرنسا سباقة في إحتلال الجزائر بعد تحطيم الأسطول الجزائري في معركة نافارين 1827

2- العلاقات الجزائرية الفرنسية قبل الاحتلال

ظهرت الدولة الجزائرية الحديثة مع بداية القرن السا د س عشر, وخلال القرن السابع عشر بدأت الجزائر تنفصل عن الدولة العثمانية إلى أن استقلت عنها تماما وأصبح حاكمها يعين عن طريق الانتخابات وقد استطاعت البحرية الجزائرية أن توصل نفوذها إلى الناحية الغربية من حوض البحر الأبيض المتوسط التي فرضت سيادة الدولة الجزائرية على كل الدول الأوروبية المطلة على البحار خاصة في حوض البحر الأبيض المتوسط حيث فرضت عليهم الضرائب و الرسوم لمجرد عبور سفنهم في البحر المتوسط مما دفع بالعديد منها إلى السعي في عقد معاهدات واتفاقيات مع الجزائر وفي عام 1561 ظهرت العلاقات الجزائرية الفرنسية على هذا الأساس وقد تدعمت أثناء الثورة الفرنسية عام1789 عندما قامت الأنظمة الأوروبية بمحاصرة حكومة الثورة الفرنسية التي لم تجد أية مساعدة إلا من طرف الدولة الجزائرية التي وافق حاكمها على تقديم مساعدة لها وتمثلت في قروض بدون أرباح وتموينها بالقمح الجزائري حتى لا تصاب فرنسا بالمجاعة ولكن تنكرت لهذا الجميل وتمردت على الجزائر برفضها دفع ديونها وهذا ما نتج عنه أزمة كبيرة بين الدولتين انتهت بحادثة المروحة ثم الحصار البحري وأخيرا الاحتلال الفعلي.

3- أسباب الاحتلال

الأسباب السياسية :
كانت أولى هذه الأسباب المطالب الإقليمية التي كانت فرنسا تريد الحصول عليها ومن أبرزها حصن القالة الذي حاولت فرنسا أن تجعل منه قاعدة خلفية لها .يضاف إلى ذلك أطماع ملوك فرنسا في الجزائر بداية من لويس الرابع عشر إلى نابليون بونابرت الذي أصر على احتلال الجزائر للقضاء على التواجد الإنكليزي في حوض المتوسط وقد أقسم في عام 1802 ، أنه سيحتل الجزائر ويخربها ويذل أهلها ليوفر الأمن لسفنه في حوض البحر المتوسط ولهذا الغرض كلف الضابط بوتان عام 1808 للتجسس على الجزائر ووضع مشروع الاحتلال لكن نابليون فشل في تحقيق مشروعه هذا ،بسبب تفاقم مشاكله في القارة الأوروبية وانهزامه أمام الدول الأوروبية المتحالفة في معركة واترلو عام 1814 ولكن أسٍرة آل بربون الملكية التي تولت أمور فرنسا بعد مؤتمر فيينا عام 1815 أحيت بدورها مشروع الاحتلال في إطار أطماعها السياسية على عهد الملك شارل العاشر الذي تولى حكم فرنسا عام 1824 , وكان يرى أن الفرصة سانحة للقيام بحملة عسكرية على الجزائر تمكنه من القضاء على معارضيه السياسيين وامتصاص غضب الشعب الفرنسي وكذلك قطع الطريق على بريطانيا في المنطقة المتوسطية.زيادة على تذرعها بحادثة المروحة التي اعتبرتها إهانة سياسية لها .
الأسباب الدينية :
شعرت فرنسا بأنها حامية الكاثوليكية و أن تحقيق الانتصار على حساب الجزائر، هو بمثابة انتصار للمسيحية على الدين الإسلامي. وهذا ما استخلصناه من قول القائد الفرنسي كليرمون دي طونير عندما فرض حصارا على السواحل الجزائرية قال ما يلي: "لقد أرادت العناية الإلهية أن تثار حمية جلالتكم (الملك) بشدة في شخص قنصلكم على يد ألد أعداء المسيحية. وربما يساعدنا الحظ بهذه المناسبة لننشر المدنية بين السكان الأصليين وندخلهم في النصرانية " . وأيضا الوصف الذي قدمه قائد الحملة الفرنسية دوبرمون في الإحتفال الذي أقيم في فناء القصبة بمناسبة الإنتصار حيث جاء فيه : "مولاي، لقد فتحت بهذا العمل (الغزو) بابـا للمسيحية على شاطئ إفريقيا، و رجاؤنا أن يكون هذا العمل بداية لازدهار الحضارة التي اندثرت في تلك البلاد ".
تلك كانت الأسباب الدينية للحملة الفرنسية على الجزائر، وعلى هذا الأساس اتفق المؤرخون على أن فرنسا كانت قد بيتت العزم على احتلال الجزائر، و رسمت الخطط ودبرت المؤامرات واتخذت العدة ثم تصيدت الذرائع الواهية.
الأسباب الاقتصادية:
كانت فرنسا تسعى لأن تكون أرض الجزائر من نصيبها كمستعمرة نظرا لغناها بالمواد الأولية حتى تتمكن من دفع عجلة اقتصادها الذي هو بحاجة ماسة لنموه وتنشيطه إلى جانب توفير الأموال الطائلة وتصدير منتوجاتها التي تكدست دون أن تجد لها أسواقا لتصديرها ,وقد قال الجنرال بيجو أبو الاستيطان في الجزائر مايلي : ستطلب الجزائر ولمدة أطول المنتجات الصناعية من فرنسا بينما تستطيع الجزائر تزويد فرنسا بكميات هائلة من المواد الأولية اللازمة للصناعة...
ومن جهة أخرى رأت البرجوازية الفرنسية الطامعة أن احتلال الجزائر سيجلب إليها أرباحا طائلة باعتبارها سوقا رائجة لبضائعها وموردا هاما للمواد الخام إلى جانب جلب الأيدي العاملة الرخيصة , وكذلك توطين الفائض من سكان أوروبا وفرنسا الذين كانوا يوجهون إلى تطوير الزراعة لأن أرض الجزائر أرضا خصبة وقادرة على إعطاء

4- الحملة العسكرية ضد الجزائر

في 16 جوان 1827 أعلنت فرنسا الحرب على الجزائر ,لأن حاكم الجزائر الداي حسين رفض تقديم الاعتذار للحكومة الفرنسية خاصة وأن الأسطول الجزائري حامي حمى الجزائر والمسلمين في حوض البحر المتوسط قد تحطم في معركة نافارين في شبه جزيرة المورة باليونان عام 1827 .وكان عدد القوات العسكرية التي أرسلتها فرنسا لاحتلال الجزائر على النحو التالي:-
36 ألف من قوات المشاة وأربعة آلاف من الخيالة إلى جانب البواخر المحملة بالمؤونة وكذلك سلاح المدفعية والعتاد الحربي الضروري للحملة التي كانت بقيادة الكونت دي بورمون, كما أن هذا الجيش شارك سابقا في أغلبية الحروب التي خاضها نابليون في القارة الأوروبية مما أكسبه خبرة وتجربة في الميدان العسكري ,وقد انطلقت الحملة العسكرية من ميناء تولون مرورا بالجزر الإسبانية في البحر المتوسط إلى غاية خليج سيدي فرج ,وكان الداي حسين باشا على علم بتحرك الحملة عن طريق جواسيسه إلى أن وصلت إلى الجزائر ,وقد تم إحصاء 1870 مدفع في سفن الأسطول الفرنسي .
5- فشل المقاومة الرسمية في مواجهة القوات الفرنسية

كانت الاستعدادات الجزائرية لمواجهة الحملة العسكرية ضعيفة جدا لكونها كانت تتشكل من المتطوعين من فرسان ومشاة ليست لهم الخبرة الكافية لمواجهة قوات الاحتلال ولم تتجاوز الثلاثون ألف مجند منهم تسعة آلاف فارس ,وكان سلاح المدفعية شبه معدوم عكس الفرنسيين ,وفي 14 جوان عام1830 عندما وصلت الجيوش الفرنسية إلى السواحل الجزائرية حاولت القوة الجزائرية التصدي لها ومنعها من النزول برا على شاطىء سيدي فرج وكان على رأس هذه القوة صهر الداي حسين المسمى إبراهيم آغا الذي لم يكن صاحب خبرة عسكرية عكس القائد السابق يحي آغا المعزول ,هذا الجهل بالقضايا العسكرية كان وراء وضعه لخطة ضعيفة في 18 جوان 1830 تمثلت في القيام بهجوم على جناحي العدو ومواجهته الند للند ويكون ذلك بعد تجميع القوة الجزائرية في هضبة اسطوالي غرب العاصمة ,كما تقدم الحاج أحمد باي حاكم قسنطينة وهو رجل سياسي وعسكري بخطة عسكرية تقضي بعدم إعطاء فرصة لقوات العدو للنزول برا ويجب ضربها والقضاء على مؤخرتها لقطع المؤونة الحربية على الجيش وبذلك يمكن القضاء عليها نهائيا,لكن ابراهيم آغا استصغر الخطة وهزأ بها وبصاحبها ولم يأخذها بعين الاعتبار وأمر بتقدم القوات الجزائرية لمواجهة القوات الفرنسية المنظمة التي كانت تنتظر ذلك وقامت بهجوم مباغت وكاسح على القوات الجزائرية واخترقت الجبهة الجزائرية التي كانت تحاول منعه من التقدم إلى العاصمة واحتلالها ,وقد كان ذلك هو هدفه ,وأمام ضعف ابراهيم آغا وسوء تسييره لقواته كانت الهزيمة التي فتحت الطريق للكونت دو بورمون للتوجه إلى العاصمة الجزائر واحتلالها
دون أن يجد أية مقاومة رسمية تذكر,أستطاع أن يفرض على الداي حسين باشا معاهدة الاستسلام في 5جويلية 1830 التي سمحت للعدو من احتلال العاصمة ورفع الراية الفرنسية على أبراجها ومؤسساتها ,كما أنه لم يلتزم ببنود المعاهدة ولم يف بوعوده فاستولى على كنوز القصبة وعلى الخزينة التي كان فيها أكثر من 52 مليون فرنك من الذهب ,إلى جانب طرد أفراد الجيش الجزائري خارج العاصمة وحجز أملاكهم ,واستولت على الأحباس الدينية , كما حولت جامع كتشاوة إلى كنيسة وذلك بعد عامين فقط من الاحتلال ومقتل أكثر من ألفي مصلي معتصم داخل المسجد,كما دمرت مدفعية العدو أبواب العاصمة ،منها باب الوادى وباب عزون وباب الجزيرة وخربوا الحدائق وقنوات المياه والبساتين ,وقد عاثوا في الأرض فسادا مشوهين وجه العاصمة


إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#34

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

موقعة النهروان


كانت هذه الموقعة بين علي رضي الله عنه في جيشه الكبير الذي يقرب من سبعـين ألفاً. والخوارج في جيشهم الصغـير الذي لا يزيد على أربعة آلاف.. وكان علي في موقفه من الخوارج في هذه الموقعة يمثل القيادة الحكيمـة التي تنأى عن البغي والظلم، وتعمـل بكـل وسيلة على حقن الـدماء. ذلك بأنه فتح أمامهم بابا للخلاص من الحرب قبل أن يبدأهم بالقتال فطلب إليهم أن يدفعوا إليه هؤلاء القتلة الذين قتلوا عبد الله بن خباب وبقروا بطن امرأته، وقتلوا نسوة طىء. ثم قتلوا الرسول الذي أرسله إليهم ليقتص منهم فهو يريدهم ولا يريد قتال المسلمين، ولكنهم أجابوه إجابة باغية متحدِّية فقالوا: كلُّنا قَتَلَهُمْ. وكلُّنا يستحل دماءكم ودماءهم.. ومع ذلك لم يتورط علي في حربهم ففتح لهم باب الخلاص والنجاة مرة ثانية. وأمر بأن تنصب راية. ثم قال: من تقدم إلى هذه الراية فهو آمن. ومن دخل الكوفة فهو آمن. ومن رجع إلى المدائن فهو آمن. فانصرف منهم ما يقرب من نصف العدد ووقف النصف الآخر فكان لعلي معهم موقف رهيب في يوم عصيب وعرف هذا اليوم في التاريخ بيوم النهر وان (وهو اسم المكان الذي وقع فيه القتال) (1) وفي هذا اليوم هزم الخوارج هزيمة قاضية لم تبق منهم باقية في تلك المعركة ولكن لم ينتهوا ففي خلافة الامويين عادوا ولكن ليس موضوعنا هنا . وقد هلكوا جميعاً في هذه المعركة في ساعة واحدة وهذه عاقبة الحماسة المقرون بالغرور المجرد عن العلم والفقه والعقل الرزين.
وفي قصة هؤلاء الخوارج آية عظيمة لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم حين قال في (ذي الخويصرة) وهو أحد المنافقين كـما رواه البخاري ومسلم "إن له أصحاباَ يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كـما يمرق السهم من الرميّة.. آيتهم رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة ومثل البضعة ) تدردر، ويخرجون على حين فرقة من الناس) قال أبو سعيد: فأشهد أني سمعت هذا الحـديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم وأنا معه فأمر بذلك الرجل فالتمس فأتي به حتى نظرت إليه على نعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الذي نعته.



إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#35

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

خيبر.. اليهود غدر ونقض للعهود




أصبحت المدينة منذ أن حل بها النبي (صلى الله عليه وسلم) بعد هجرته المباركة منزل الوحي، ومعقل الإسلام، وعاصمة الدولة الوليدة، واتخذ النبي من المسجد الذي بناه مقرًا لإدارة شئون المسلمين، فلم تقتصر وظيفته على أداء الصلوات، وإنما امتدت ليصبح مدرسة تخرج فيها الرعيل الأول من قادة المسلمين وحملة ألويته ودعاته المخلصين، ومكانًا تُعقد فيه الجلسات، وتُستقبل فيه الوفود والسفراء.
علاقة المسلمين بجيرانهم
وكان من الإجراءات التي اتخذها النبي (صلى الله عليه وسلم) لسلامة بناء مجتمع النبوة الناشئ، أن كتب وثيقة خالدة تحدد العلاقات والحقوق والواجبات بين سكانها جميعًا، مسلمين وغير مسلمين، فقررت الصحيفة حرية الدين لليهود ولقبائلهم وبطونهم التي سبق أن تحالفت معها بطون الأوس والخزرج، شريطة مراعاة حقوق المواطنة، والابتعاد عما يخل بالنظام، حيث جاء في الوثيقة: "وأنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين، ولا متناصر عليهم، وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين، وأن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم…".
غدر اليهود ونقضهم للعهود
غير أن اليهود لم يلتزموا بما تعاهدوا عليه، ولم يحترموا نصوص الوثيقة التي تنظم الحياة في المدينة، وإنما غدروا وخانوا، ونقضوا العهود، وهموا بقتل النبي (صلى الله عليه وسلم) لولا أن عصمه الله منهم، وسعوا بالوقيعة بين الأوس والخزرج، وكادت تحدث فتنة بينهما لولا أن تداركتها حكمة النبي (صلى الله عليه وسلم) البالغة، ونقضوا عهدهم مع النبي (صلى الله عليه وسلم) في غزوة الخندق، وكاد الأمر يتحول إلى كارثة تحل بالمسلمين بعد أن أصبحوا محاصرين من الأحزاب ويهود بني قريظة.
لكل هذا لم يجد النبي (صلى الله عليه وسلم) بدًا من إخراجهم من المدينة أو إنزال أقسى العقوبة بهم؛ حماية للدولة، وحفاظًا على أمن المسلمين وسلامتهم، وتوحيدًا للصف، فأجلى النبي (صلى الله عليه وسلم) يهود بني قينقاع من المدينة في العام الثاني من الهجرة، ثم تبعهم يهود بني النضير في السنة الرابعة من الهجرة، ثم قضى على يهود بني قريظة في العام الخامس من الهجرة لخيانتهم له (صلى الله عليه وسلم)، وتعريضهم المدينة للدمار وأهلها للفتك والقتل لو نجح المشركون في اقتحام المدينة في غزوة الأحزاب.
ولم يبق لليهود سوى خيبر، وهي قرية كبيرة تقع شمال شرقي المدينة بنحو 180كم، يسكنها بعض اليهود الذين لم تبد منهم بادرة سوء للمسلمين، أو يؤخذ عليهم أنهم حاربوا الله ورسوله، ولم يُسمع أنهم اشتركوا في مؤامرة من المؤامرات التي كانوا لا يتوانون في إعدادها للنبي (صلى الله عليه وسلم)؛ ولهذا احترم النبي (صلى الله عليه وسلم) موقفهم وحيادهم، غير أنهم تبدلوا وجعلوا من بلدهم مركزًا لتجمع اليهود، فنزل عندهم يهود بني قينقاع وبني النضير، وصاروا يهددون المسلمين بمؤامراتهم، وأصبحوا خطرًا على أمن الدولة الإسلامية، ولا سيما أن خيبر تقع على الطريق المؤدي إلى الشام، فلزم تطهير ذلك الطريق من خطر هؤلاء، والقيام بتصفية بقايا الوجود اليهودي في شبه الجزيرة العربية؛ لتسلم قاعدة الإسلام الأساسية ومنطلقه من عدو ماكر.
الخروج إلى خيبر
لم يكد النبي (صلى الله عليه وسلم) يعود من الحديبية ويستريح بالمدينة شهرًا أو نحوه، حتى خرج إلى خيبر، في المحرم من العام السابع للهجرة، في ألف وستمائة مقاتل، وكان يهود خيبر من أشد الطوائف اليهودية بأسًا وأكثرهم مالاً، وأمنعهم حصونًا، وأكثرهم سلاحًا، حتى إن قريش وعرب الجزيرة وقفوا ينتظرون ما يسفر عنه التقاء القوتين. وفي الوقت نفسه استعد المسلمون استعدادًا حسنًا، فاشترط النبي (صلى الله عليه وسلم) ألا يخرج معه إلا من شهد الحديبية، وهم صفوة المسلمين، وخلاصة فرسانهم وأبطالهم الشجعان، يغمرهم إيمان عامر، وحب للشهادة في سبيل الله، وثقة في نصر الله لهم.
وكانت خيبر مكونة من ثلاث مناطق تضم قلاعهم وحصونهم، وتمتلئ بنحو عشرة آلاف مقاتل، والمناطق الثلاث هي:
- منطقة النطاة، وبها حصن ناعم، وعليه "مرحب"، وهو واحد من أبرز زعماء خيبر وفرسانها، بالإضافة إلى حصنين آخرين، هما: حصن الصعب بن معاذ، وحصن قلعة الزبير.
- منطقة الشق، وبها حصنان.
- منطقة الكتيبة، وبها حصن "القموص" لبني الحقيق من يهود بني النضير، وحصنان آخران.
خطة الفتح
أعاد النبي (صلى الله عليه وسلم) توزيع جيشه، فقسمه أربع فرق: واحدة بقيادة أبي بكر الصديق، والثانية بقيادة عمر بن الخطاب، والثالثة بقيادة سعد بن عبادة، والرابعة بقيادة الحُبَاب بن المنذر، وأمّر على الجيش علي بن أبي طالب، رضي الله عنهم جميعًا.
وكان حصن "ناعم" أول حصن يتعرض له المسلمون بالهجوم، وكان محصّنًا تحصينًا منيعًا، ودار أمامه قتال عنيف دون أن يتمكن المسلمون من اقتحامه؛ نظرًا لاستماتة المدافعين عنه، واستمر القتال طوال اليوم دون تحقيق نصر، وجُرح من المسلمين خمسون، واستشهد واحد منهم، وفي اليوم التالي خرج "مرحب" قائد الحصن مختالاً بقوته وسلاحه، ودعا المسلمين إلى المبارزة، فبرز إليه "محمد بن مسلمة" ونجح في قتله، وقيل قتله علي بن أبي طالب، وتمكن أبطال المسلمين من قتل إخوة "مرحب" وكانوا أبطالاً صناديد، وكان لقتلهم أثر في إضعاف معنويات المدافعين عن الحصن، وبعد قتال دام خمسة عشر يومًا تمكن المسلمون بقيادة علي بن أبي طالب من فتح الحصن، والاستيلاء عليه، وفر من بقي من اليهود إلى حصن "صعب"، وكان حصنًا منيعًا هو الآخر، وأوكل النبي (صلى الله عليه وسلم) مهمة فتح هذا الحصن إلى "الحباب بن المنذر" الذي نجح في اقتحامه بعدما أبلى المسلمون بلاءً حسنًا، واستولى على ما في الحصن من أسلحة وعتاد، وكانت كثيرة جدًا، حيث كان يُعد هذا الحصن مخزنًا لأسلحة يهود خيبر، ومعداتهم الحربية من سيوف ودروع ومجانيق.
وبسقوط هذين الحصنين علت كِفّة المسلمين في الحرب، وأيقن اليهود أنهم لا قبل لهم بالمواجهة العسكرية، فطلبوا الصلح، فأجابهم النبي (صلى الله عليه وسلم) عليه، وعقد معهم معاهدة كان من بنودها أن يجلوا عن خيبر إلى الشام، ويسلّموا قلاعهم وحصونهم إلى المسلمين بما فيها من أسلحة وعتاد، لكنهم طلبوا من النبي (صلى الله عليه وسلم) أن يظلوا يعملون في أرض خيبر مقابل نصف ما تنتجه، وأن يكونوا في حمى المسلمين وتحت حكمهم، فقبل النبي (صلى الله عليه وسلم) منهم ذلك.
وعلى الرغم من تحقيق هذا النصر العظيم، فإن النبي (صلى الله عليه وسلم) عامل اليهود معاملة حسنة، ولم يقابل إساءاتهم بإساءة، فرد عليهم صحفًا من توراتهم حين طلبوها منه، وكانت قد وقعت فيما وقع من غنائم للمسلمين، ولم يصنع النبي مثلما صنع الرومان حين فتحوا أورشليم؛ حيث أحرقوا الكتب المقدسة.
نتائج هذا الفتح
كان من نتائج هذا الفتح أن صالح يهود "فدك" النبي (صلى الله عليه وسلم) على أن يحقن دماءهم، وكذلك فعل يهود "تيماء" و"وادي القرى"، فصالحوه على دفع الجزية، وبقوا في بلادهم آمنين.. وبهذا النصر المبين دان اليهود كلهم للإسلام، وانتهى ما كان لهم من نفوذ وجاه، ولم تقم لهم قائمة بعدُ، وبهذا أصبحت الدولة الإسلامية بمأمن من ناحية الشمال إلى بلاد الشام.



إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#36

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

فتح كاشغر



كاشغر: مدينة من أشهر مدن تركستان الشرقية وأهمها، وكانت عاصمتها في بعض فترات التاريخ ، ولها مركز عظيم في التجارة مع روسيا من جهة , والصين من جهة ثانية , وبلاد ما وراء النهر من جهة ثالثة، وتشتهر بمنسوجاتها الصوفية الجميلة.


وكانت تعد قديماً من بلاد ما وراء النهر، وتضم قرى ومزراع كثيرة، يسافر إليها من سمرقند , وإقليم الصغد، وهي في وسط بلاد الترك، وأهلها مسلمون...


وتركستان الشرقية التي تقع فيها مدينة كاشغر، يحدها من الجنوب: الباكستان والهند (كشمير) والتبت، ومن الجنوب الغربي والغرب: أفغانستان وتركستان الغربية، ومن الشمال: سيبيريا، ومن الشرق والجنوب الشرقي: الصين ومنغوليا.


وقد اجتاحت تركستان الشرقية القوات الصينية الشيوعية سنة 1949م واحتلتها، فأطلق عليها الصينيون اسم (سينكيانج) وهي كلمة صينية تعني: المستعمرة الجديدة، وتبعهم بهذه التسمية الأوروبيون , وبعض المصادر العربية الحدينة، إلا أن أهل تركستان الشرقية المسلمون يحبون أن تسمى بلادهم باسمها القديم: تركستان الشرقية، ولا يحبون تسميتها بالاسم الصيني الجديد.
وقد لعبت تركستان الشرقية دوراً تاريخياً مهماً في التجارة العالمية. وكان طريق الحرير المشهور يمر بها، وهو الطريق الذي كان يربط بين الصين ـ أبعد بلاد العالم القديم ـ والدولة البيزنطية.


وبدأ الإسلام يدخل تركستان الشرقية على عهد عبد الملك بن مروان سنة ست وثمانين الهجرية (705م)، ولكن البلاد أصبحت إسلامية حكومة وشعباً سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة الهجرية (964م) بدخول السطان ستوق بغراخان الإسلام، فشمل الإسلام البلاد كافة.


ولا يزال أهل تركستان الشرقية مسلمين حتى اليوم، ولكن القابض على دينه كالقابض على الجمر.


التمهيد للفتح..


قطع قتيبة بن مسلم الباهلي نهر جيحون في سنة أربع وتسعين للهجرة (712م) متوجهاً إلى فرغانة...واصطدمت قواته بقوات أهلها في مدينة خجندة إحدى مدن إقليم فرغانة، فقاومه أهل فرغانة ومن معهم من الترك القادمين مدداً لهم من مدينة كاشغر المجاورة، وكانت مقاومتهم شديدة مما اضطره إلى الاشتباك بهم مراراً، وفي كل مرة يكون الظفر فيها للمسلمين. وانتهت أخيراً مقاومة أهل فرغانة وحلفائهم الباسلة بفتح المسلمين الإقليم كافة. ..

الفتح :

كان الاحتفاظ بإقليم فرغانة بيد المسلمين، يقضي على المسلمين فتح منطقة كاشغر التي تقع شرقي إقليم فرغانة، ويقطنها الترك كما يقطنون إقليم فرغانة. وفي سنة ست وتسعين الهجرية (714م) غزا قتيبة مدينة كاشغر، وهي أدنى مدائن الصين وأقربها إلى فرغانة.

وسار قتيبة من مرو عاصمة خراسان على رأس جيشه، وحمل الناس عيالاتهم لتستقر في سمرقند.


وعبر الجيش الإسلامي نهر جيحون، فاستعمل قتيبة رجلاً على معبر النهر، ليمنع من يرجع من جنده إلا بجواز منه وبموافقته الخطية.


ومضى جيش المسلمين إلى فرغانة، مروراً بسمرقند، حيث أبقى الناس عيالاتهم فيها بحماية المسلمين من أهل سمرقند، وكان الإسلام قد انتشر فيها انتشاراً سريعاً موفقاً.


وفي فرغانة، أكمل قتيبة استعدادات جيشه للقتال، وأرسل إلى (شِعب عصام) الفَعَلَة لتمهيده، حتى يجتاز الجيش بسهولة ويسر وسرعة، فأكمل الفعلة مهمتهم، وأخبروا قتيبة بإكمالها.

والفعلة هم سلاح الهندسة، كما نطلق عليه اليوم في المصطلحات العسكرية الحديثة: وهم الذين يمهدون الطرق، ويبنون القناطر والجسور، ويزيلون العقبات الطبيعية، ويؤمّنون وسائط عبور الأنهار، ويشرفون على العبور والمعابر.


ويبدو أن (شِعب عصام) أو وادي عصام، كان عارضا من العوارض الطبيعية الوعرة، يعرقل مسيرة الجيش بقوات كبيرة، ويقع بين فرغانة والحدود الصينية القديمة...

تقدم قتيبة على رأس جيشه من فرغانة، سالكاً الطريق التجارية التي تربط مدينة فرغانة بمدينة كاشغر، ماراً بجنوب بحيرة (جاتيركول) السوفييتية حالياً، على الحدود الصينية-السوفييتية، مقتحماً ممر (تيترك) في تركستان الشرقية , وبعث مقدمة أمام جيشه إلى كاشغر، فتقدمت حتى وصلت إلى هدفها، بعد أن أزاحت المقاومات الطفيفة التي صادفتها في طريقها، وغنمت وسبت.

وأوغل قتيبة حتى قارب حدود الصين القديمة، ففتح كاشغر، وجنغاريا الواقعة على حدود منغوليا، وترفان على مقربة من الحدود المنغولية، وخوتن الواقعة شمالي التبت وكشمير، وقانو التي تقع تماماً في منتصف الصين الحالية.

ولكن المصادر العربية المعتمدة تقتصر على فتح كاشغر في هذه السنة , ولا تقدم التفاصيل الإضافية الأخرى عن فتوح المدن الصينية الأخرى.

المفاوضات :


بات الاصطدام بين المسلمين من جهة وبين ملك الصين من جهة ثانية وشيكاً، فطلب ملك الصين التفاوض بين الجانبين، وعرض التفاوض على قتيبة، بعد أن أوغل حتى قارب الصين , واخترق حدودها الغربية، فكتب إليه (ملك الصين) : «ابعث إلي رجلاً شريفاً يخبرني عنكم وعن دينكم»، فوافق قتيبة على طلب ملك الصين.

واختار قتيبة من بين رجال جيشه اثني عشر رجلاً، لهم جَمال وألسن وبأس وتجمّل وصلاح، وأمر لهم بعُدّة حسنة , ومتاع حسن من الخز والوشى وغير ذلك , .. وكان منهم هُبيرة بن المشمرج الكلابي ـ مفوّهاً سليط اللسان ـ وقال لهم: «إذا دخلتم على ملك الصين، فأعلموه أني حلفتُ أني لا أنصرف حتى أطأ بلادهم، وأختم ملوكهم، وأجبي خراجهم»..

سار وفدُ قتيبة إلى ملك الصين، عليهم هبيرة بن المشمرخ الكلابي، فلما قدموا الصين، دعاهم ملكها، فلبسوا ثياباً بياضاً تحتها الغلائل، وتطيبوا ولبسوا الأردية، ودخلوا على الملك، وكان عنده عظماء قومه، فأخذوا أماكنهم في مجلسه، فلم يكلم الملك الوفد ولا أحد ممن عنده. ..

ولما انصرف الوفد من مجلس الملك، قال الملك لمن حضره: «كيف رأيتم هؤلاء؟» قالوا: «رأينا قوماً ما هم إلا نساء». ..

وفي غد دعاهم الملك إلى مجلسه، ولبسوا الوشي وعمائم الخز والمطارف –ألبسة من خزّ مربعة لها أعلام- وغدوا عليه، فلما دخلوا عليه قيل لهم: ارجعوا.

وقال الملك لأصحابه بعد انصراف وفد المسلمين: كيف رأيتم؟ فقالوا: هذه أشبه بهيئة الرجال من تلك.

وفي اليوم الثالث أرسل إليهم,فشدوا عليهم سلاحهم , ولبسوا البيض والمغافر,وتقلدوا السيوف , وأخذوا الرماح , وتنكبوا القسي , وركبوا خيولهم , وغدوا فنظر إليهم صاحب الصين , فرأى أمثال الجبال مقبلة , فلما دنوا ركزوا رماحهم , ثم أقبلوا نحوهم مشمرين , فقيل لهم قبل أن يدخلوا:ارجعوا لما دخل قلوبهم من خوفهم ...

فركبوا خيولهم , واختلجوا رماحهم ثم دفعوا خيولهم , كأنهم يتطاردون بها,فقال الملك لأصحابه :كيف ترونهم ؟ قالوا : ما رأينا مثل هؤلاء قط...

وانصرف الوفد عائداً إلى مستقره، بعد أن أخذوا رماحهم , واستعادوا سلاحهم, وامتطوا خيولهم، ثم دفعوا الخيل حضراً ـ وهو ركض الخيل بأقصى سرعتها - كأنهم يتطاردون، فقال الملك لأصحابه: كيف ترونهم؟ فقالوا: ما رأينا مثل هؤلاء!...

وفي مساء ذلك اليوم، بعث ملك الصين إليهم، أن ابعثوا إليّ زعيمكم. فبعثوا إليه هبيرة، فقال له الملك حين دخل عليه : قد رأيتم عظيم ملكي , وإنه ليس أحد يمنعكم مني , وأنتم في بلادي , وإنما أنتم بمنزلة البيضة في كفي, وأنا سائلك عن أمر فإن لم تصدقني قتلتكم.

وما كان هبيرة بحاجة إلى التهديد والوعيد، وليس هو من الرجال الذين يخيفهم التهديد والوعيد، فهو لا يكذب أبداً ... فلا مجال لتهديده بالقتل إذا لم يصدق.

وسأل الملك هبيرة: لماذا صنعوا في الزي الأول ما صنعوا، ثم الزي الثاني، والزي الثالث؟ وكان جواب هبيرة: أما زيّنا الأول، فلباسنا في أهالينا وريحنا عندهم، وأما يومنا الثاني فإذا أتينا أمراءنا، وأما الثالث فزيّنا لعدوّنا.

فقال الملك: ما أحسن ما دبرتم دهركم، فانصرفوا إلى صاحبكم، فقولوا له: ينصرف، فإني قد عرفت حرصه وقلة أصحابه، وإلا بعثتُ عليكم من يهلككم ويهلكه.


وإذا كانت الجبال الراسيات تهتز قيد أنملة من خطرات النسيم العليل، فإن هبيرة قد اهتز يومئذ من وعيد الملك وتهديده، فلا بد له من أن يبلغ هذا الملك رسالة قتيبة بقوة وأمانة وصدق، فقال للملك في ثقة كاملة وهدوء تام: كيف يكون قليل الأصحاب مَن أول خيوله في بلادك، وآخرها في منابت الزيتون! وكيف يكون حريصاً من خلّف الدنيا وغزاك؟ !..

وأما تخويفك بالقتل، فإن لنا آجالاً إذا حضرت فأكرمها القتل، فلسنا نكرهه ولا نخافه.


وبهت الملك في مجابهة قولة الحق، فنسي تهديده ووعيده، ثم تساءل في قول ليّن رقيق: فما الذي يُرضي صاحبك؟ فأجابه هبيرة بقول فصل لا مساومة فيه: إنه حلف ألا ينصرف حتى يطأ أرضكم، ويختم ملوككم، ويُعطَى الجزية...

فقال: فإنا نخرجه من يمينه: نبعث إليه بتراب من تراب أرضنا فيطأه، ونبعث أبناءنا فيختمهم، ونبعث له مالاً يرضاه..

ودعا الملك بصحاف من ذهب , فيها تراب من أرض الصين، وبعث بحرير وذهب وأربعة غلمان من أبناء ملوكهم، ثم أجاز الوفد , فأحسن جوائزهم، فقدموا على قتيبة الذي قبل الجزية، وختم الغلمان، وردّهم إلى الملك، ووطئ تراب الصين.

وقد لجأ الوفد الإسلامي إلى تبديل أزيائهم للتأثير في معنويات ملك الصين ومن معه، مما أدّى إلى انهيار معنويات الصينيين واستجابتهم لمطالب المسلمين.

حقيقة الفتح :


المؤرخون العرب يذكرون أن مدينة كاشغر هي أدنى مدائن الصين، ولكن البلدانيين العرب يذكرون أنها من مدن تركستان. وما أخطأ المؤرخون العرب، لأن حدود الصين كانت تمتد غرباً فتضمّ حدودُها تركستان الشرقية بكاملها، أو جزءاً منها في حالة اشتداد قوة ملوك الصين، وتنحسر تلك الحدود نحو الشرق، فتستقل تركستان الشرقية بحدودها الطبيعية، أو تمتد حدود تركستان الشرقية , فتضم إليها أجزاء من الصين، في حالة قوة ملوك تركستان وضعف ملوك الصين. وما أخطأ البلدانيون العرب القدامى في ذكرهم أن مدينة كاشغر من مدن تركستان الشرقية، فهي في الواقع كذلك أصلاً، ولكنها تدخل في حدود الصين تارة، وتكون خارج حدودها تارة أخرى.

وقد ظلت تركستان الشرقية خاصة عرضة لهجمات الصينيين حتى أصبحت اليوم من أجزاء الصين كما هو معلوم.

ومن مراجعة تاريخ تركستان الشرقية القديم يتضح لنا أن منطقة كاشغر والمناطق التي حولها التي امتدت الفتوحات الإسلامية إليها، كانت ضمن دولة (كول تورك) التي كانت من سننة 552 م إلى سنة 745 م، ومعنى هذا أن الفتح الإسلامي في تركستان سنة ست وتسعين الهجرية (714 م) كان على عهد تلك الدولة التركية التي كانت في عداء مستمر مع جارتها الشرقية الصين، وكانت على ولاء كامل مع بلاد ما وراء النهر، وخاصة مع إقليم فرغانة، لأن العنصر التركي كان يسيطر على هذا الإقليم، فكان تعاونه مع تركستان الشرقية تعاوناً وثيقاً.

ويذكر لنا تاريخ تركستان الشرقية القديم، أن الاضطرابات شملت تركستان الشرقية سنة إحدى وعشرين ومائة الهجرية (738 م)، فاستغل الصينيون هذه الاضطرابات واعتدوا على تركستان الشرقية وضمّوها إلى بلادهم.

ولكن الأتراك من سكان تركستان الشرقية تمكنوا من الحصول على المعونات العربية الإسلامية سنة أربع وثلاثين ومائة الهجرية (751 م) على عهد الدولة العباسية في بغداد، وتمكنوا بهذا العون من إنقاذ بلادهم من حكم الصين، و هزموا الصينيين في معركة (تالاس) المشهورة.

يتضح من ذلك أن الفتح الإسلامي في كاشغر والمدن الأخرى , جرى في تركستان الشرقية لا في الصين، ولكن ملك الصين الذي وجد سرعة تقدم الفتوح الإسلامية ووصولها إلى حدوده الغربية مباشرة في حينه، سعى لإرضاء الفاتحين خوفاً من اختراق بلاده وفتحها، فقدم ما قدم لقتيبة إرضاء له ولمن معه من المجاهدين، وصدّاً لتيارهم الجارف بالتي هي أحسن.

الشهيد..

والسبب الحقيقي لعودة قتيبة وجيشه عن حدود الصين الغربية، كما تذكر المصادر التاريخية المعتمدة، هو وصول خبر وفاة الوليد بن عبد الملك، وتولّي سليمان بن عبد الملك الخلافة بعده، وكان ذلك سنة ست وتسعين الهجرية وكان الوليد مؤيداً لقتيبة وسنداً له أسوة بقادة الحجاج بن يوسف الثقفي كافة، وكان سليمان يكرههم ولا يميل إليهم، لأن الوليد بن عبد الملك أراد أن ينزع أخاه سليمان بن عبد الملك عن ولاية العهد , ويجعل بدله عبد العزيز بن الوليد بن عبد الملك ابنه، فبايعه على خلع سليمان الحجاجُ وقتيبة وقادة الحجاج الآخرون.

وعاد قتيبة بمن معه من جيش المسلمين، فقتل في فرغانة سنة ست وتسعين الهجرية، وهو في طريق عودته إلى خراسان، فقال رجل من العجم: يا معشر العرب، قتلتم قتيبة! والله لو كان قتيبة منا فمات لجعلناه في تابوت فكنا نستسقي به ونستفتح به إذا غزونا!

وقال أحد رجالات العجم بعد مقتل يزيد بن المهلب بن أبي صفرة: يا معشر العرب، قتلتم قتيبة ويزيد وهما سيدا العرب! ...

وقد أكثر الشعرء في رثائه والثناء عليه ، ولكنه كان أكبر من كل رثاء وثناء، فآثاره باقية، وفتوحه عظيمة، وأعماله لا تبلى.

يكفي أن نذكر أن مساحة فتوحه تبلغ أربعين بالمائة من مساحة الاتحاد السوفييتي وثلاثاً وثلاثين بالمئة من مساحة الصين الشعبية في الوقت الحاضر.وأن سكان المناطق التي فتحها في بلاد ما وراء النهر وتركستان الشرقية ضمن الاتحاد السوفييتي والصين لا يزالون مسلمين حتى اليوم، يتبركون بقراءة القرآن الكريم، ويعتزون بالعربية لغة والإسلام ديناً، بالرغم مما يلاقونه من عنت شديد ومحن وعناء.

ولا أزال أذكر مضيفة على إحدى الطائرات الصينية، صادفتها في إحدى الرحلات في المشرق الإسلامي. فقد رأتني أتلو ما تيسر من القرآن بالمصحف –والطائرة في الجو- فوجدتها تحتفي بي حفاوة خاصة، ولا تنفك تحيطني برعايتها الفائقة. وسألتني على استحياء أن أهدي لها المصحف لأنها مسلمة، فأهديته لها، فجثت على ركبتيها ووضعته على رأسها، وعيناها تذرفان قائلة: هذه أعظم هدية تسلمتها في حياتي، وسأقدم هذا المصحف الشريف إلى والدتي المريضة فور عودتي إلى بلدي، وستفرح بهذه الهدية العظيمة فرحاً عظيماً. ومضت إلى سبيلها تؤدي عملها، وما مرت بي إلا وهتفت: الحمد لله.. أنا مسلمة.

ويومها تذكرت قتيبة الذي لم يقتله أعداء العرب والمسلمين، بل قتله المسلمون.. وترحّمتُ عليه كثيراً وأنا بين السماء والأرض – في الطائرة - وترحّمتُ على شهداء المسلمين.


إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#37

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

معركة اليمامة



لما توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ارتدت العرب عدا أهل المسجدين مكة والمدينة، وانحاز إلى مسيلمة الكذاب بنو حنيفة وخلق كثير باليمامة حتى بلغوا نحوا من أربعين ألفا، فبعث أبو بكر -رضي الله عنه- خالد بن الوليد إلى قتالهم وحشد معه المسلمين، فسار لا يمر بأحد من المرتدين إلا نكل بهم، وأردف الصديق خالداً بسرية لتكون ردءاً له من وراءه.
فلما سمع مسيلمة بقدوم خالد عسكر بمكان يقال له عقرباء في طرف اليمامة، والريف وراء ظهورهم، وندب الناس وحثهم، فحشد له أهل اليمامة، وجعل على مجنبتي جيشه المحكم بن الطفيل ونهار الرجال بن عنفوة، وكان الرجال صديقه الذي شهد له كذباً أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول إنه أشرك معه مسيلمة في الأمر، وقرب خالد وقد جعل على المقدمة شرحبيل بن حسنة وعلى المجنبتين زيد بن الخطاب وأبا حذيفة، وقد مرت المقدمة بالليل بنحو من أربعين -وقيل ستين- فارساً عليهم مجاعة بن مرارة، وكان قد ذهب لأخذ ثأر له من بني تميم وبني عامر وهو راجع إلى قومه فأخذوهم، فلما جيء بهم إلى خالد قال لهم: "ماذا تقولون يا بني حنيفة؟"، قالوا: "نقول منا نبي ومنكم نبي"، فقتلهم إلا واحداً اسمه سارية بن عامر، فقال له: "أيها الرجل إن كنت تريد بهذه القرية غداً خيراً، أو شراً فاستبق هذا الرجل -يعني مجاعة بن مرارة-"، فاستبقاه خالد مقيداً وجعله في الخيمة مع امرأته، وقال: "استوصي به خيراً".
وتقدم المسلمون حتى نزل بهم خالد على كثيب يشرف على اليمامة، وكانت راية المهاجرين مع سالم مولى أبي حذيفة، وراية الأنصار مع ثابت بن قيس بن شماس، والعرب على راياتها، فاصطدم المسلمون والكفار فكانت جولة، وانهزمت الأعراب حتى دخلت بنو حنيفة خيمة خالد بن الوليد وقتل زيد بن الخطاب الرجال بن عنفوة لعنه الله، ثم تذامر الصحابة بينهم، وقال ثابت بن قيس: "بئس ما عودتم أقرانكم"، فنادوا من كل جانب، فخلصت إليهم ثلة من المهاجرين والأنصار، وقاتلت بنو حنيفة قتالاً لم يعهد مثله، وجعل الصحابة يتواصون بينهم ويقولون: "يا أصحاب سورة البقرة بطل السحر اليوم"، وحفر ثابت بن قيس لقدميه في الأرض إلى أنصاف ساقيه وهو حامل لواء الأنصار بعدما تحنط وتكفن، فلم يزل ثابتاً حتى قُتل هناك، وقال المهاجرون لسالم مولى أبي حذيفة: "نخشى أن نؤتى من قبلك؟"، فقال: "بئس حامل القرآن أنا إذاً"، وقال زيد بن الخطاب: "أيها الناس عضوا على أضراسكم واضربوا في عدوكم وامضوا قدماً"، وقال: "والله لا أتكلم اليوم حتى يهزمهم الله، وألقى الله فأكلمه بحجتي"، فقتل شهيداً -رضي الله عنه- وقال أبوحذيفة: "يا أهل القرآن زينوا القرآن بالفعال"، وحملوا عليهم وحمل خالد بن الوليد وجعل يترقب أن يصل إلى مسيلمة فيقتله، ثم وقف بين الصفين ودعا إلى البراز وقال أنا ابن الوليد العود، أنا ابن عامر وزيد، وجعل لا يبرز له أحد إلا قتله.
ودارت رحى المسلمين ثم اقترب من مسيلمة فعرض عليه الرجوع إلى الحق فجعل شيطانه يلوي عنقه لا يقبل من خالد شيء، فانصرف عنه خالد، وميز خالد المهاجرين من الأنصار من الأعراب، وجعل كل بني أب على رايتهم يقاتلون تحتها حتى يعرف الناس من أين يأتون، وصبر الصحابة في هذا الموطن صبراً لم يعهد مثله، ولم يزالوا يتقدمون إلى نحور عدوهم حتى فتح الله عليهم، وولى الكفار الأدبار، واتبعونهم يقتلونهم حتى ألجؤوهم إلى حديقة الموت، وقد أشار عليهم المحكم بن الطفيل - لعنه الله - بدخولها فدخلوها وفيها مسيلمة الكذاب عدو الله - لعنه الله -.
وأدرك عبد الرحمن بن أبي بكر المحكم بن الطفيل فرماه بسهم في عنقه وهو يخطب فقتله، وأغلقت الحديقة عليهم، وأحاط بهم الصحابة، وقال البراء بن مالك: "يا معشر المسلمين ألقوني عليهم في الحديقة"، فاحتملوه فوق الدروع، ورفعوها بالرماح حتى ألقوه عليهم من فوق سورها، فلم يزل يقاتلهم دون بابها حتى فتحه، ودخل المسلمون الحديقة من حيطانها وأبوابها يقتلون من فيها من المرتدة من أهل اليمامة حتى خلصوا إلى مسيلمة -لعنه الله- وإذا هو واقف في فرجة في جدار كأنه جمل أورق، وهو لا يعقل من الغيظ، وكان إذا اعتراه شيطانه يخرج الزبد من شدقيه، فتقدم إليه وحشي بن حرب مولى جبير بن مطعم -قاتل حمزة بن عبد المطلب- فرماه بحربته فأصابه، وخرجت من الجانب الآخر، وسارع إليه أبو دجانة سماك بن خرشة فضربه بالسيف فسقط، فكان جملة من قتلوا في الحديقة وفي المعركة قريباً من عشرة آلاف مقاتل - وقيل أحد وعشرون ألفاً - وقتل من المسلمين ستمائة، وفيهم من سادات الصحابة وأعيان الناس.
وخرج خالد وتبعه مجاعة بن مرارة يرسف في قيوده، فجعل يريه القتلى ليعرف مسيلمة، فمروا بالرجال بن عنفوة، فقال له خالد: "أهذا هو؟"، قال: "لا والله، هذا خير منه، هذا الرجال بن عنفوة"، ثم مروا برجل أفطس الأنف أصفر فقال: "هذا صاحبكم؟"، قال: "نعم"، قال خالد: "قبحكم الله على اتباعكم هذا".
ثم بعث خالد الخيول حول اليمامة يلتقطون ما حول حصونها من مال وسبي، ثم عزم خالد على غزو الحصون، ولم يكن بقي فيها إلا النساء والصبيان والشيوخ الكبار، فخدعه مجاعة بن مرارة فقال إنها ملأى رجالاً ومقاتلة فهلم فصالحني عنها، فصالحه خالد لما رأى بالمسلمين من الجهد، وقد كلوا من كثرة الحروب والقتال، فصالحه خالد على الذهب والفضة والسلاح وربع السبي، فلما فرغا فتحت الحصون فإذا ليس فيها إلا النساء والصبيان، فقال خالد لمجاعة: "ويحك خدعتني"، قال: "قومي ولم أستطع إلا ما صنعت"، ودعاهم خالد إلى الإسلام، فأسلموا عن آخرهم، ورجعوا إلى الحق، ورد عليهم خالد بعض ما كان أخذ من السبي، وساق الباقين إلى الصديق، وقد تسرى علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - بجارية منهم، وهي أم ابنه محمد الذي يقال له محمد بن الحنفية -رحمه الله- وكانت هذه الموقعة في آخر السنة الحادية عشر من الهجرة وأول السنة الثانية عشر من الهجرة النبوية الشريفة.

منقول بتصرف من البداية والنهاية لابن كثير ج6 ص355 وما بعدها



إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#38

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

فتح (سمرقند) بأرض أوزبكستان حاليا !!!!



المقال منقووووووول من موقع التاريخ
تحت إشراف/ الشيخ محمد بن موسى الشريف - حفظه الله




في سنة 93هـ وبعد أن فتح قتيبة بن مسلم الباهلي بخارى وما حولها، قال المجشر بن مزاحم السلمي لقتيبة : إن لي حاجة فأخلني ، فأخلاه ، فقال : إن أردت الصغد يوماً من الدهر فالآن ، فإنهم آمنون من أن تأتيهم من عامك هذا وإنما بينك وبينهم عشرة أيام ، قال: أشار بهذا عليك أحد ؟ قال : لا ، قال : فأعلمته أحداً ؟ قال :لا ، قال : والله لئن تكلم به أحد لأضربن عنقك .



فأقام يومه ذلك ، فلما أصبح من الغد دعا أخاه عبد الرحمن بن مسلم الباهلي فقال : سر في الفرسان والرماة ، وقدم الأثقال إلى (مرو) . فوجهت الأثقال إلى مرو يومه كله ، فلما أمسى كتب إليه : إذا أصبحت فوجه الأثقال إلى مرو ، وسر في الفرسان والرماة نحو الصغد ، واكتم الأخبار ، فإني بالأثر .



عبر عبد الرحمن ومن معه النهر ، وسار إلى سمرقند ، وعبر قتيبة بالأثر ، وعبر ومن معه نهر جيحون ، وحوصرت سمرقند .


استنجد ( غورك ) ملك الصغد بعد خوفه من طول الحصار بملك الشاش وبملك فرغانة ، وكتب إليهما : إن العرب إن ظفروا بنا عادوا عليكم بمثل ما أتونا به فانظروا لأنفسكم . فأجمع ملك الشاش وفرغانة على نجدة الصغد ، وأرسلا أن شاغلوا قتيبة ومن معه كي نفاجئهم على حين غرة .



انتخب أهل الشاش وفرغانة كل شديد السطوة من أبناء الملوك والأمراء والأشداء الأبطال وأمروهم أن يسيروا إلى قتيبة ليفاجئوه ، ولكن استطلاع قتيبة يقظ فجاءته الأخبار ، فانتخب ستمائة من أهل النجدة وجعل عليهم أخاه صالح بن مسلم أميراً ، ووضع على العدو عيوناً حتى إذا قربوا منه قدر ما يصلون إلى عسكره من الليل أدخل الذين انتخبهم فكلمهم وحضهم ، فخرجوا من العسكر عند المغرب ، فساروا ، فنزلوا على فرسخين من العسكر على طريق القوم الذين وصفوا لهم ، ففرق صالح خيله، وأكمن كميناً عن يمينه ، وكميناً عن يساره ، وأقام هو وبعض فرسانه على قارعة الطريق ، حتى إذا مضى نصف الليل أو ثلثاه ، جاء العدو باجتماع وإسراع وصمت ، وصالح واقف في خيله ، فلما رأوه شدوا عليه ، حتى إذا اختلفت الرماح ، شد الكمينان عن يمين وعن شمال ، فلم نسمع إلا الاعتزاء ، فلم نر قوماً كانوا أشد منهم .



لم يفلت من هذه النجدات إلا النفر اليسير ، وغنم المسلمون أسلحتهم ، وقال بعض الأسرى : تعلمون أنكم لم تقتلوا في مقامكم هذا إلا ابن ملك ، أو بطل من الأبطال المعدودين بمئة فارس ، أو بألف فارس .



وقال فارس مسلم من الجند الذين كانوا في كمين صالح : إنا لنختلف عليهم بالطعن والضرب إذ تبينت تحت الليل قتيبة ، وقد ضربت ضربة أعجبتني وأنا أنظر إلى قتيبة ، فقلت : كيف ترى بأبي أنت وأمي ! قال: اسكت دق الله فاك ! قال: فقتلناهم فلم يفلت منهم إلا الشريد ، وأقمنا نحوي الأسلاب ونحتز الرؤوس حتى أصبحنا ، ثم أقبلنا إلى العسكر ، فلم أر جماعة قط جاؤوا بمثل ما جئنا به ، ما منا رجل إلا معلق رأساً معروفاً باسمه ، وأسير في وثاقه.



لقد منع قتيبة بهذا الكمين وصول النجدات إلى ميدان المعركة ، مع إشغال النجدات قبل وصولها بكمين ليلي ، ريثما يتسنى له سحب قطعاته من حوالي أسوار سمرقند ، والقيام بحركة خاطفة ليلية للقضاء على أرتال النجدات في معركة ليلية ، في الوقت الذي يكون الكمين قد أوقف تقدمها.



نصب قتيبة المجانيق حول سمرقند ، ورمت بتركيز دقيق على سور المدينة ، فثلمت فيها ثملة ، فرممها المدافعون عنها بسرعة كبيرة ، وجاء رجل قام على الثلمة ، فشتم قتيبة ( بعربية فصيحة ) ، وكان مع قتيبة قوم رماة ، يُسمون ( رماة الحدق) لدقة تصويبهم ، فقال لهم قتيبة : اختاروا منكم رجلين ، فاختاروا ، فقال : أيكما يرمي هذا الرجل ، فإن أصابه فله عشرة آلاف ، وإن أخطأه قطعت يده ، فتلكأ أحدهما وتقدم الآخر ، فرماه فلم يخطئ عينه ، فأمر له بعشرة آلاف.



قال خالد مولى مسلم بن عمرو : كنت في رماة قتيبة ، فلما افتتحنا المدينة صعدت السُّور ، فأتيت مقام ذلك الرجل الذي كان فيه ، فوجدته ميتاً على الحائط ، ما أخطأت النشابة عينه حتى خرجت من قفاه.



قال غوزك( ملك الصُّغد) لقتيبة: إنما تقاتلني بإخواني وأهل بيتي ، فاخرج إليّ في العرب ، فغضب قتيبة عند ذلك ، وميز العرب من العجم ، وأمر العجم باعتزالهم ، وقدم الشجعان من العرب ، وأعطاهم جيد السلاح ، وزحف بالأبطال على المدينة ، ورماها بالمجانيق ، فثلم فيها ثلمة ، وقال قتيبة: ( ألحوا عليها حتى تعبروا الثلمة ) ، فقاتلوهم حتى صاروا على ثلمة المدينة ، عندها قال غوزك لقتيبة : ارجع عنا يومك هذا ونحن نصالحك غداً ، فقال قتيبة : لا نصالحهم إلا ورجالنا على الثلمة ، ومجانيقنا تخطر على رؤوسهم ومدينتهم.



وسمع قسم من المسلمين قتيبة يناجي نفسه: حتى متى يا سمرقند يعشعش فيك الشيطان ، أما والله لئن أصبحت لأُحاولن من أهلك أقصى غاية.



وفي اليوم التالي ، والمسلمون على الثلمة ، عاود غوزك يطالب بالصلح ، فصالحه قتيبة على : الجزية ، وتحطيم الأصنام وما في بيوت النيران ، وإخلاء المدينة من المقاتلة ، وبناء مسجد في المدينة ووضع منبر فيه.



وتم الصلح ، وأخلوا المدينة ، وبنوا المسجد ، واستلم قتيبة ما صالحهم عليه ، وصلى في المسجد وخطب فيه ، وأتى بالأصنام ، وألقيت بعضها فوق بعض . حتى صارت كالقصر العظيم ، ثم أمر بتحريقها ، فتصارخ الأعاجم وتباكوا ، وقالوا: إن فيها أصناماً قديمة ، من أحرقها هلك ، فقال قتيبة: أنا أحرقها بيدي ، وجاء غوزك فنهى عن ذلك ، وقال لقتيبة: أيها الأمير ، إني لك ناصح ، وإن شكرك عليّ واجب ، لا تعرض لهذه الأصنام ، فقام قتيبة ، ودعا بالنار ، وأخذ شعلة بيده ، وقال : أنا أحرقها بيدي ، فكيدوني جميعاً ثم لا تنظرون ، وسار إليها وهو يكبر الله عز وجل ، وألقى فيها النار ، فاحترقت ، فوجدوا من بقايا ما كان فيها من مسامير الذهب والفضة خمسين ألف مثقال.



وصنع غوزك طعاماً ، ودعا قتيبة ، فأتاه غي عدد من أصحابه، فلما تغدى ، استوهب منه المدينة ، فقال قتيبة: إني لا أريد منكم أكثر مما صالحتكم عليه ، ولكن لا بد من جند يقيمون عندكم من جهتنا ، وأن ينتقل عنها غوزك ، فانتقل عنها ملكها غوزك ، فتلا قتيبة ( وأنه أهلك عاداً الأولى ، وثمود فما أبقى ) ، ثم ارتحل قتيبة راجعا إلى مرو ، مستخلفاً على سمرقند أخاه عبد الله بن مسلم ، وخلّف عنده عدداً من الجند كبيراً ، وآلة من آلة الحرب كثيرة ، مع تعليمات حازمة تتعلق بالداخلين إلى سمرقند ، والخارجين منها.


وكان أهل خراسان يقولون : إن قتيبة غدر بأهل سمرقند ، فملكها غدراً .



مصادر الدراسة :


قادة فتح بلاد ما وراء النهر لمحمود شيت خطاب
وفتح سمرقند لشوقي أبو خليل

إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#39

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

فتح صقلية ... مدينة فتحناها ونسينا تذكرها



ففي عهد الخليفة المنصور ينادي زياد الله بن الأغلب في الناس هلموا إلى الجهاد في سبيل الله ويستحث الناس لفتح جزيرة صقلية. فيتدافع المسلمون ملبين داعي الجهاد في سبيل الله، وكان القاضي أسد بن الفرات برغم كبر سنه يتقد حمية على الإسلام. فهو يرى في الجهاد قرّة عينه، وراحة نفسه، فما أن أعلن الجهاد واستعد الناس لأداء الواجب، واجب التضحية والفداء، حتى هبّ القاضي الفاضل والمعلم الورع وصاحب الكتب والمحبرة وابن السبعين من عمره أو أكبر.. إذا بهذا الشيخ بعد أن بلغ هذه السن التي تفتر فيها القوى، وتذبل فيها القرائح، ويخلد الإنسان عادة إلى الدعة والسكينة والهدوء، إذا بهذا القاضي ينقلب شاباً يافعاً ومجاهداً صادقاً، فيعلن استعداده للتطوع ليعمل جندياً في سبيل الله ومجاهداً في ميدان الحق، ولكن زياد الله بن الأغلب رجل يعرف أقدار الرجال، فهو يعرف للقاضي حقه وفضله ومكانته في المجتمع وسنه وورعه فيسند إليه القيادة، قيادة المعركة البحرية العظيمة.

* * *

لم يكن غزو المسلمين في البحر غريباً عنهم فهم رجال سادوا البحر كما سادوا البر، وكان المسلمون يفرحون للغزو في البحر طمعاً في ثواب الله لمن خاض البحر مجاهداً في سبيل الله.. بل كان المسلمون يطلبون من غزاة البحر الدعاء لهم باعتبارهم مجاهدين لهم من الأجر والثواب أكثر من غيرهم. وقد ثبتت أحاديث شريفة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ترغب المسلمين في الغزو في البحر وتبين لهم فضله.
من ذلك ما رواه البخاري (1/ص416) من فتح الباري لابن حجر: عن أم حرام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قالَ –من القيلولة- يوماً في بيتها فاستيقظ وهو يضحك، قالت: فقلت: يا رسول الله، ما يضحكك؟ قال صلى الله عليه وسلم: »عجبتُ من قوم من أمتي يركبون البحر كالملوك على الأسرة.« فقلت: يا رسول الله، ادعُ الله أن يجعلني منهم. فقال صلى الله عليه وسلم: »أنتِ منهم.« ثم نام صلى الله عليه وسلم، فاستيقظ وهو يضحك، فقال مثل ذلك مرتين أو ثلاثاً، فقلتُ: يا رسول الله، ادعُ الله أن أكون منهم. فقال صلى الله عليه وسلم: »أنتِ من الأولين.« فتزوج بها عبادةُ بن الصامت، فخرج بها إلى الغزو، فلما رجعت قرّبت دابتها لتركبها فوقعت فاندق عنقها.«
وفي رواية مسلم بشرح النووي (3/ص575) أن أمّ ملحان قالت لما ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم: »ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله، يركبون ثبج هذا البحر ملوكاً على الأسرة أو مثل الملوك على الأسرة..« إلى آخر الحديث.
لذلك لم يكن ركوب البحر غريباً على المسلمين، فقد غزا معاوية بن أبي سفيان جزيرة قبرص، كما قاد عبد الله بن أبي سعيد بن أبي السرح أكبر معركة بحرية عام 34هـ وهي معركة ذات الصواري، وكانت معركة رهيبة غيّرت تاريخ البحر الأبيض المتوسط.
قال الطبري في تاريخه (4/ص289) عن مالك بن أوس بن الحدثان قال: كنت معهم فالتقينا في البحر فنظرنا إلى مراكب ما رأينا مثلها قط، وكانت الريح علينا فأرسينا ساعة، فأرسوا قريباً منها، وسكنت الريح عنا فقلنا: الأمن بيننا وبينكم. قالوا: ذلك لكم ولنا منكم مثل ذلك. ثم قلنا: إن أحببتم فالساحل حتى يموت الأعجل منا ومنكم، وإن شئتم البحر. قال: فنخروا نخرة واحدة وقالوا: الماء. فدنونا منهم فربطنا السفن بعضها إلى بعض حتى كنا يضرب بعضناً بعضاً على سفننا وسفنهم. فقاتلنا أشد القتال، ووثبت الرجال على الرجال يضطربون بالسيوف على السفن ويتواجؤون بالخناجر حتى رجعت الدماء إلى الساحل تضربها الأمواج، وطرحت الأمواج جثث الرجال ركاماً وقال ممن حضر ذلك اليوم: رأيتُ الساحل حيث تضرب الريح الموج وإن عليه لمثل الظرب العظيم من جثث الرجال، وإن الدم غالب على الماء، ولقد قتل من المسلمين يومئذ من المسلمين بشر كثير، وقتل من الكفار ما لا يحصى. وصبروا يومئذ صبراً لم يصبروا في موطن قد مثله. ثم أنزل الله نصره علىأهل الإسلام، وانهزم القسطنطين مدبراً فما انكشف إلا لما أصابه من القتل والجرح، ولقد أصابه يومئذ جراحات مكث منها حيناً جريحاً.

* * *

إن أسد بن الفرات الذي جمعت له قيادة الأسطول البحري ومنصب قاضي القضاة مع منصب شيخ الفتيا كان جديراً بهذه المناصب كلها.
خرج القاضي أسد بن الفرات ليتولى قيادة الأسطول البحري، وتجمع الناس حوله ما بين مودع وداع، بل كان الناس يسرعون الخطى لينالوا شرف الجهاد في سبيل الله.
ووصل الركب إلى بسوسة وكان يوماً من الأيام المشهورة في تاريخ الإسلام. تجمع المجاهدون يرتقبون الساعة الفاصلة التي تنطلق فيها السفن للقاء أعداء دين الله. وأخذ الجند مكانهم، وارتفعت الأعلام، ودقت الطبول، ووقف القائد القاضي أسد بن الفرات مكانه بينهم.
كان على القائد في ذلك الوقت أن ينزع الخوف من قلوب جنده، وعليهم أن يطرحوا التردد جانباً، وأن يقبلوا على المعركة مستبسلين لا يخافون ولا يرهبون الردى.
وقف القائد يخطب في جنده، فقد كان القائد القاضي صاحب رأي مسموع وبيان مبدع. أخذ يحض المجاهدين ويبين لهم درجة الاستشهاد. وكأنما أراد بذلك أن يقول لهم بفعله لا بقوله. فالجهاد لا يعرف السن. فكم من رجال في تاريخ الإسلام وخط الشيب رؤوسهم، وقوصت الأيام ظهورهم، ورغم هذا لم يقعدهم السن عن ا لجهاد ولا المرض عن أداء الواجب.
وقف القائد يحض المجاهدين على القتال فهو يرى في النصر شفاء لصدور المؤمنين.. وقف القائد فقال: »أيها الناس، واللهِ ما وُلي لي أب ولا جد ولاية قط، وما أرى من سلفي ما رأيت ولا بلغ ما بلغت، وكل الذي أعدني وهيأني قلمي وعلمي، فاجهدوا أنفسكم، وأتعبوا أبدانكم في طلب الحق وفي تدوين العلم، وكابدوا وصابروا على كل الشدائد، فإنكم بذلك تنالون فخر الدنيا وسعادة الآخرة.«
كان هذه خطبة القائد العظيم، وعلى أثرها انطلقت الجواري المنشآت في البحر كالأعلام. انطلقت السفن تمخر عباب الماء وعلى ظهورها رهبان الليل وفرسان النهار.. انطلقت السفن الماخرة.
يا سبحان الله، ما هذه الجيوش المتكاثرة؟ ما هذه القلوب العامرة؟ من هؤلاء المنطلقون كالأسد الكاسرة؟
إنهم المؤمنون الصادقون الخاشعون الراكعون الساجدون العابدون.
سار الأسطول الإسلامي يقوده الشيخ الكريم والقائد العظيم والقاضي البر الرحيم أسد بن الفرات.
قاد الشيخ المعركة والجند حوله كلهم أذن صاغية وقلوب واعية، فإشارته أمر وأمره مطاع.
سار الأسطول الإسلامي حتى بلغ شواطئ صقلية، فأصدر القائد أمره ببدء المعركة، وبدأت رهيبة قاسية أصلى فيها المسلمون أعداءهم ناراً حامية، دكوا الحصون ودمروا القلاع، وأثخنوا في الأعداء قتلاً. ثم بدأ الجيش الإسلامي العظيم ينتقل من نصر إلى نصر حتى بلغ سرقوسة وحاصرها المسلمون وشددوا قبضتهم عليها وعلى حصارها استشهد القائد العظيم أسد بن الفرات.
صعدت روحه الطاهرة لتحتل مكانها بين الصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً.
استشهد أسد بن الفرات تاركاً لخلفه إتمام ما بدأ به.

* * *

إن معركة صقلية بجنودها وقيادتها بكل الذين اشتركوا فيها تستحق الدراسة والتأمل.
يا سبحان الله، من كان يظن أن هؤلاء الأعراب، رعاة الإبل وسكان الخيام، الذين تربوا في الصحراء، أصبحوا بين عشية وضحاها سادة الدنيا وأساتذة العالم، ومهد الحضارة والحرية، وأهل الفكر والسياسة.


إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#40

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

معركة مرج الصفر


بتاريخ 18-8-634م وهي من المعارك الأوائل في صدر الإسلام وفيها احتك المسلمون وللمرة الثالثة مع أقوى إمبراطورية في العالم وهي دولة الروم حيث كانت تسيطر على بلاد الشام وسعى خليفة الحبيب أبو بكر الصديق جزاه الله عنا وعن الإسلام خيرا بتاريخ16 جمادى الآخرة من عام 13 هـ إلى تحرير هذه البقعة المباركة من براثن الروم, فأرسل الصحابي الجليل خالد بن سعيد بن العاص إلى مشارف الشام. ومن خبرة الصديق العسكرية أمره أن يبقى في أطراف الشام وان لا يقاتل إلا من قاتله ولكن للعملاء دور اسود منذ ذلك التاريخ فوصل الخبر إلى هرقل ملك الروم, فجهز جيشا من العرب الموالين له ( وما أشبه اليوم بالبارحة) وقد جمع قبائل من بهراء وسليح وكلب ولخم وجذام غسان وذلك لكي يقاتل بهم العرب المسلمين, ولكن ولشجاعة الصحابي الجليل خالد سار إليهم بجيشه إلى مكان تجمعهم فهو لا ينتظر العدو أبدا ففرقهم وأرسل إلى خليفة رسول الله بالخبر وهو الخبير بأمور العرب وأنسابهم ونقاط ضعفهم فأمره بان يستمر بالهجوم حتى لا ينضموا صفوفهم ولكنه نصحه نصيحة العسكري المحنك ( أقدم ولا تحجم واستنصر الله) فيا لها من رسالة قصيرة ذات معان جليلة فهذا الصديق يأمر قائد الجيش أن يهيئ خط الانسحاب وان لا يتوغل كثيرا في بلاد العدو. وفعلا قام الجندي المطيع خالد بما أُمر به فتقد على القسطل قرب البحر الميت فسحق فلول الروم وتابع مسيرته, ولكن هاج الروم وجيشوا جيوشهم وبعد استطلاع خالد لجيش العدو أرسل خطابا سريعا لطلب المدد فالتوكل على الله لا ينافي هذا الطلب فأرسل الصديق أبو الصديقة بمددي عكرمة بن أبي جهل والوليد بن عقبة فكانت موقعة مرج الصفر حيث التقى الجيشان قرب بحيرة طبرية, فقدر الله تعالى أن يبتلى المسلمين بهذه المعركة فالتف الروم حولهم والتقى أمير جيش الروم باهان بابن قائد جيش المسلمين سعيد بن خالد بن سعيد فاستشهد سعيدا.
وتأتي الحنكة العسكرية للصحابي الجليل خالد فينسحب كما أمره الصديق رضي الله عنه عندما أحيط بهم فقد نصب المسلمون الكمائن في طريق الرجعة وعند انسحابهم على ظهور الخيل قام العسكري المحنك عكرمة بتنفيذ هذه الكمائن ريثما استكمل الجيش الإسلامي انسحابه من حدود الشام.
ولكن هل انتهت المعركة؟ لا.. لقد كان للروم وأتباعهم من العرب يوما اسودا مع أربعة جيوش حشدها صديق الأمة لتكسر شوكتهم في معركة اليرموك واجنادين.
من هذه المعركة نلخص الدروس التالية:
1- طاعة الأمير والالتزام بأوامره لان فيها نجاة بعد التوكل على الله.
2- الانسحاب في المعارك والكر والفر هو أسلوب لا يخل بمبدأ التوكل على الله أو شجاعة المسلمين.
3- تامين طرق الانسحاب والكمائن للعدو هو جزء من التوكل على الله تعالى.
4- الحذر من وصول المعلومات إلى العدو وفي الوقت ذاته تتبع أخبار العدو لكي لا يفاجئ الجيش الإسلامي بعدده وعدته.
5- مخاطبة الأمير في كل صغيرة وكبيرة وطلب المدد لا يخل بمبدأ التوكل.
6- المبدأ العسكري للصديق ( أقدم ولا تحجم واستنصر الله).
7- الدور الفعال لمباغتة العدو قبل تنظيم صفوفه.
8- دور عملاء الروم العرب في قبائل الشام وكان الروم يستخدمونه كالعبيد وما أشبه اليوم بالبارحة.
نسأله تعالى أن يفتح على المسلمين وان يرزقهم أميرا كأمير معركة مرج الصفر وجيشا كذلك الجيش وان يرزقنا إتباع خطوات أولئك السلف انه سميع مجيب



إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#41

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

معركة الولجة


التي وقعت في بلاد الرافدين في ماي 633 بين جيش الخلفاء الراشدون بقيادة خالد بن الوليد و الامبراطورية الفارسية و حلفاءها من العرب المسيحيين. في هده المعركة كانت قوات الفرس ضعف قوات المسلمين. هزم خالد بن الوليد القوات الفارسية رغم تفوقها العددي بنسخة مطورة عن حركة الكماشة التي استخدمها حنبعل ضد الرومان في معركة كاناي.




خلفية المعركة

بعد وفاة النبي محمد (ص)،خلفه أبو بكر الصديق. في خلال 27 شهرا، سحق تمرد القبائل العربية في جميع أنحاء شبه الجزيرة العربية أثناء حروب الردة واستعاد سلطة المدينة في الجزيرة العربية. بمجرد أن أخمدت نار الردة ،بدأ أبو بكر الفتوحات الإسلامية و هي حملات ضد الامبراطورية الفارسية و الإمبراطورية الرومانية الشرقية (الإمبراطورية البيزنطية) ، و بعد بضعة عقود ستؤدي تلك الحملات إلى قيام واحدة من أكبر الامبراطوريات في التاريخ. بعد حروب الردة قام رئيس قبيلة بمهاجمة المدن الفارسية في العراق بنجاح، فقرر أبو بكر الصديق رضي الله عنه توسيع حدود الدولة الإسلامية. بدأ مع العراق، احدى اغنى الولايات الفارسية. تكون الجيش الدي فتح بلاد فارس اساسا من المتطوعين للجهاد، تحت امرة احسن قائد عسكري انداك خالد بن الوليد.
بدات حرب المسلمين ضد الإمبراطورية الفارسية في نيسان/ابريل 633 م وهزم الجيش المسلم في معركتين متتاليتين : معركة ذات السلاسل و معركة نهر الدم. كان هدف المسلمين الاستيلاء على مدينة الحيرة. بعد معركة نهر،عاد جيش الخلفاء الراشدون تحت قيادة خالد بن الوليد مرة أخرى لحيرة؛في الوقت نفسه وصلت انباء الهزيمة في معركة نهر إلى قطسيفون. كان قادة الجيوش الفارسية المهزومة في بلاد الرافدين ليسوا فقط الأكثر خبرة لكنهم انهم كانوا أيضا الأقرب إلى الملوك الفارسيين، ولذلك قرر اردشير الثالث عدم اتخاذ أي فرص.

الجيش الفارسي

أمر الامبراطور الساساني، ادرشير الثالث بتركيز جيشين آخرين في نفس يوم معركة نهر الدم.
بعد أوامر ادرشير الثالث ، بدأت القوات الفارسية بالتجمع في العاصمة الامبراطورية. جاءوا من كل المدن والحاميات باستثناء من يحرسون الحدود الغربية مع الامبراطورية الرومانية الشرقية. في أيام قليلة كان الجيش الأول مستعدا.توقع مستشارو الامبراطورية الفارسية العسكريون ان المسلمين سيسيرون مع الفرات إلى الشمال الغربي في العراق، لأنهم يعرفون أن القوات العربية عبر التاريخ لا تتحرك بعيدا عن الصحراء، و التي تستخدمها للتراجع في حالة الهزيمة. بعد توقع تحرك جيش المسلمين صوب الغرب، اختار ادرشير الثالث الولجة كالمكان الذي سيوقف فيه خالد بن الوليد و يدمير جيشه. أول جيوش الامبراطورية الفارسية وصلت إلى قطسيفون و وضع تحت قيادة اندرزغار حاكم خراسان. اندرزغار أمر جيشه بالتقدم للولجة ، حيث سيلتحق به الجيش الثاني قريبا. انطلق الجيش الأول من قطسيفون ، وانتقل على طول الضفة الشرقية من دجلة ، عبر دجلة في كاسكار، وانتقل إلى الجنوب الغربي إلى الفرات، بالقرب من الولجة، عبر الفرات و أنشئ معسكره في الولجة.

جيش المسلمين

كانت معركة نهر الدم نصرا هاما للمسلمين. فمع انخفاض خسائرهم، هزم المسلمون جيشا فارسيا كبيرا و حصلوا على كمية هائلة من الغنائم. آنداك بدأ المسلمون يدركون ضخامة موارد الامبراطورية الفارسية ؛ لكنهم لم يخوضوا سوى معركتين منفصلتين مع جيشين منفصلين و المسلمون هم الدين اختاروا أرض المعركة و لا يزالون سوى على هوامش الإمبراطورية. و ندكر ان الفرس يمكنهم صف عدة جيوش ميدانية في ان واحد كمثل تلك التي خاضت في معركة كازيما و معركة نهر الدم. نظم خالد شبكة عملاء فعالة تعلمه بمواقع الفرس. العملاء هم من العرب المحليين الذين كانوا معادين للفرس. أبلغ العملاء خالد عن تركيز الجيوش الفارسية الجديد في الولجة، و عن أعدادهم الكبيرة.
كان خالد مصمما على الحصول على الحيرة ، و الولجة كانت في طريقه اليها.
مع جيش من حوالي 15،000 رجل ، انطلق خالد في اتجاه مدينة الحيرة ، وتحرك على نحو سريع على طول الحافة الجنوبية من المستنقعات. قبل أيام قليلة من توقع باهمان، بدا الجيش المسلم في الظهور في الأفق الشرقي، أقام مخيمه على مسافة قريبة من الولجة.

مناورة خالد



أعداد كبيرة من الفرس الساسانيين كانوا قد فروا من المعارك السابقة عادوا إلى حمل السلاح مرة أخرى. الناجون من معركة ذات السلاسل انضموا إلى قارين و قاتلوا في معركة نهر الدم. الناجون من معركة نهر الدم انضموا إلى اندرزاغار والآن اتجهوا نحو الولجة. واجه المسلمون هاجسان، و استراتيجية واحدة و تكتيك واحد:
الاستراتيجية : كان جيشان من الفرس على وشك أن يجمعا للاعتراض للمسلمين. لحل هذه المشكلة، القائد الأعلى للقوات المسلمة خالد بن الوليد عزم على الهجوم بسرعة، والمحاربة، والقضاء على الجيش الأول (جيش اندرزاغار) ثم الجيش الثاني (جيش باهمان) قبل وصوله إلى مكان المعركة.
التكتيك : منع مقاتلي العدو من الهرب من خضم معركة و اعادة تنظيم صفوفهم و العودة لمواصلة القتال. لذلك، قرر خالد احاطة الجيش الفارسي، والانقضاض عليه من الخلف، وتدمير جيشهم في هذا الوقت. استراتيجية خالد كانت نوعا من حركة الكماشة.
اعطى خالد توجيهاته إلى سويد بن مقارن لرؤية الادارة للمناطق التي غزاها مع فريق من المسؤولين، ونشرت مفارز لحراسة دجلة من احتمال عبور العدو و هجومه من الشمال والشرق، وإعطاء أي تحذير عن قوات جديدة للعدو في تلك الاتجاهات.



موقع المعركة

أرض المعركة تكونت من سهل شاسع ممتد بين مرتفعين يمتدان إلى حوالي ميلين و بارتفاع 30 قدما. الشمال الشرقي من السهل يتداخل مع صحراء قاحلة. على مقربة من الشمال الشرقي يظهر لنا فرع من الفرات يسمى بنهر خاسف.

المعركة

كان اندرزاغار واثق من النصر، حتى إنه لم يزعج نفسه بالانسحاب إلى ضفة النهر، على بعد ميل واحد، ليتمكن من استخدام النهر لحماية عمق الجيش .


في ايار/مايو 633، تم نشر الجيشين لخوض المعركة، ولكل منهما مركز وأجنحة. أجنحة المسلمين كانت بقيادة عاصم بن عمرو و عاصي بن حاتم.انتشر الجيش الفارسي في وسط السهل، و كان مواجها للشرق وللجنوب الشرقي، و في الجنوب الغربي كانت وراءه التلال. شكل خالد جيشه أمام تلال الشمال الشرقي، في مقابل الجيش الفارسي. وسط ساحة المعركة، أي نقطة الوسط بين الجيشين، كانت تبعد حوالي ميلين إلى الجنوب الشرقي من عين الموهاري ، و على بعد 35 ميلا إلى الجنوب الشرقي تقع النجف و 6 اميال إلى الجنوب الشرقي تقع خش الصنافية. معظم قوات المسلمين تالفت من المشاة، مع عدد قليل من الفرسان. توقع الفرس ان يكون جسش خالد أكبر بكثير. في الليلة التي سبقت معركة الولجة ارسل خالد اثنين من ضباطه بشر بن أبي رحم و سعيد بن مارا و جعل كل منهما قائدا على قوة متحركة تتكون من نحو 2،000 فارس و امرهم على النحو التالي :
سوف يأخذ كل منهما فرسانه خلال الليل و يتحرك بسرعة في الجنوب من مخيم الفرس.
عند الوصول إلى الجانب الآخر من سلسلة التلال التي تمتد وراء مخيم الفرس، سيخفيان الرجال و لكن يحتفظان بهم على أهبة الاستعداد للتحرك خلال فترة قصيرة.
عند الصباح ستبدأ المعركة، و سيبقون رجالهم وراء التلال، وسيضعون عددا من المراقبين لانتظار إشارة خالد.
عندما يعطي خالد إشارته، سيهاجمان القوات الفارسية من المؤخرة، و كل مجموعة ستهاجم جناحا. [2]
رد: موسوعة معارك اسلامية(3)


خطة الكماشة التي طبقها خالد بن الوليد في معركة الولجة. احاط المسلمون بالفرس و دمروا جيشهم ██ جيش الخلفاء الراشدون ██ جيش الفرس


صدرت الأوامر اللازمة من خالد لمن كان يجب ان يعرف هذه الخطة، حتى يتسنى تنظيم و تحضير قوات الضربة دون حدوث أي توقف و بسرية تامة، لدا لم يتم اعلام المقاتلين المسلمين العاديين شيئا من مناورة حركة الكماشة. شكل خالد جيشه بال 10،000 المتبقية قبالة الجيش الفارسيالساساني. استراتيجية القائد الأعلى للقوات الفارسية، اندرزاغار، كان تعتمد على الدفاع وترك المسلمين يهاجمون أولا. اعتزم وقف هجماتهم حتى تصبح دون فائدة، و بعد ذلك الشروع في هجوم مضاد لهزيمة جيش المسلمين. المرحلة الأولى من المعركة كانت وفق خطة اندرزاغار. خالد أمر الجيش بشن هجوم عام. كان للجيش الفارسي احتياطات ستحل محل الرجال في خط المواجهة، الأمر الذي يتيح لهم التحكم في جيش المسلمين ومساعدتهم على تنفيذ مخططهم لاستهلاك جيش خالد. خلال هذا الوقت، بارز خالد بن الوليد يقال مع بطل الفرس العملاق الدي يطلق عليه «هزار مارد وقتله، فكان هدا نصرا نفسيا للمسلمين. [3].
كانت المرحلة الأولى قد انتهت. المرحلة الثانية من المعركة بدأت مع هجوم مضاد لجيش الفرس. وربما شاهد اندرزاغار علامات التعب على الجنود المسلمين،لدا احتكم على أن هذه هي اللحظة المناسبة للهجوم المضاد.للجيش الفارسي فرع من سلاح الفرسان الثقيل قفز إلى الأمام وضرب المسلمين.
تمكن المسلمون من احتجازهم لبعض الوقت، لكن الفرس زادوا الضغط . كان هناك تراجع مبهم للجيش الإسلامي و وقف للهجوم حتى اصدار تعليمات أخرى من خالد بن الوليد. اعطى خالد في النهاية الإشارة على المضي قدما. اللحظة القادمة، من خلال افق التلال التي تمتد وراء ظهر الجيش الفارسي ظهرت فرقتان من المحاربين واحدة من وراء الجناح الفارسي الايمن، و أخرى من وراء الجناح الفارسي الايسر. سلاح الفرسان المسلمين الخفيف، المعروف بسرعته التي لا تصدق، و امكانيته على تنفيد المناورات والتراجع و الهجوم مرة أخرى، لم يكن سلاح الفرسان الفارسي الثقيل ندا له. مع هزيمة الفرسان الفارسيين، تصاعدت الهجمات التي بدأت تحاصر الفرس. استأنف القسم الرئيسي من الجيش المسلم تحت قيادة خالد بن الوليد الهجوم على الجبهة الفارسية، وفي الوقت نفسه مد مجموعتي الفرسان لاحاطة الفرس تماما. جيش اندرزاغار كان واقعا في شرك، لا يمكن له الفرار منه.
مع ارتدادات الهجمات التي تأتي من كل الاتجاهات، الجيش الفارسي اجتمع في كتلة مترهلة، عاجزة عن استخدام السلاح بحرية أو تجنب ضربات المهاجمين. وسط الزخم الذين كانوا يريدون القتال لم يعرفوا من يقاتلون . الذين كانوا يريدون الفرار من لم يعرفوا إلى أين يذهبون. انتهت المعركة ، وألحقت خسائر فادحة إلى الجيش الفارسي. فقط بضعة آلاف من المحاربين الامبراطوريين تمكنوا من الفرار. اندرزاغار نفسه تمكن من الهرب، لكنه فر في اتجاه الصحراء العربية بدلا من الفرات وتوفي في تلك المنطقة من العطش.

ما بعد المعركة

بعد المعركة جمع خالد رجاله المستنفدين معا. و ادرك ان المعركة فرضت ضغطا رهيبا على قواته، على الرغم من انتصارهم الساحق على الفرس[4]. كانت معركة الولجة أطول[5] و أشرس المعارك التي خاضها المسلمون حتى الآن في العراق، و لذلك سعى خالد بن الوليد إلى ضمان أن تبقى معنويات المسلمين مرتفعة.
يقال ان خالد بعد المعركة بدأ بالثناء الله و الدعاء بالبركة لمحمد بن عبد الله (ص).
بعد القضاء على جيش فارسي آخر و حلفاءه العربي المسيحيين في معركة أليس ، و معركة الحيرة ، عاصمة بلاد الرافدين في أواخر أيار/مايو 633 م وتلا ذلك معركة الأنبار والنجاح في حصار عين التمر. مع سقوط المدن الرئيسية كلها في جنوب و وسط العراق، باستثناء قطسيفون ،أصبح العراق تحت سيطرة المسلمين. في 634 م امر أبو بكرخالد بن الوليد للشروع في الخجوم على سوريا مع نصف جيشه لقيادة الفتح الإسلامي لسوريا.كما ترك سينا بن حاريص خليفة لخالد. الفرس، في ظل الامبراطور الجديد يزدجرد الثالث ،شكلوا جيشا جديدا و هزموا المسلمين في معركة الجسر ، و اعادة ضم العراق. كان الفتح الإسلامي الثاني للعراق تحت قيادة سعد بن أبي وقاص الذي، بعد هزيمة الجيش الفارسي في معركة القادسية في 636 ميلادية، و فتح قطسيفون. وتبع ذلك كله فتح
المدائن


إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#42

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

موقعة الجمل


بعدما قـُتِل عثمان، بايع الصحابة علياً t يوم الجمعة سنة خمس و ثلاثين[1]. و عندما جاء المهاجرون و الأنصار لعليٍّ فقالو: «امدد يدك نبايعك»[2]، دفعهم. فعاودوه و دفعهم. ثم عاودوه فقال: «دعوني و التمسو غيري. و اعلمو أنِّي إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم. و إن تركتموني فأنا كأحدكم. و لعلي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم. و أنا لكم وزيراً خير لكم مني أميراً». و مشى إلى طلحة و الزبير فعرضها عليهما فقال: «من شاء منكما بايعته». فقالا: «لا. الناس بك أرضى». و أخيراً قال لهم: «فإن أبيتم فإنّ بيعتي لا تكون سرَّاً، و لا تكون إلا عن رضا المسلمين. و لكن أخرج إلى المسجد فمن شاء أن يبايعني فليبايعني»[3]. فبايعه جمع من الصحابة ممن كان في المدينة و منهم طلحة و الزّبير[4]. و رُغم أكثر الصحابة كانو قد تفرّقو بالأمصار ليعلمو الناس، فغياب البعض لا يطعن في خلافته بأي حال.
و على أية حال فلو كانت نظرية النص و التعيين –التي يزعمها الإمامية– ثابتة و معروفة لدى المسلمين، لم يكن يجوز للإمام أن يدفع الثوار و ينتظر كلمة المهاجرين و الأنصار متخلياً عن فرضٍ من فروض الله. كما لا يجوز له أن يقول: «أنا لكم وزيراً خير لكم مني أميراً» كما هو ثابت من أوثق كتبهم: نهج البلاغة[5]!
لما مضت أربعة أشهر على بيعة علي، خرج كل من طلحة و الزبير من المدينة بقصد العمرة، و كذلك خرج عبد الله بن عامر من البصرة و يعلي بن مُنْية من اليمن إلى مكة في أوقات مختلفة. و اجتمع طلحة و الزبير و يعلي و عبد الله بن عامر و عائشة –رضي الله عنهم أجمعين– بعد نظر طويل على الشخوص إلى البصرة من أجل الإصلاح بين الناس حين اضطرب أمرهم بعد مقتل عثمان t، و ليس من أجل المطالبة بدم عثمان، و دليل ذلك حديث الحوأب. ففي أثناء الطريق إلى البصرة مر الجيش ليلاً على منطقة يقال لها الحوأب، عند مياه بني عامر، فنبحت الكلاب، فقالت: أي ماء هذا؟ قالو: ماء الحوأب. قالت: ما أظنني إلا راجعة. فقال الزبير: بل تقدمين فيراك المسلمون فيصلح الله ذات بينهم. قالت إن رسول الله r قال لها ذات يوم: «كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب»[6]. و عن ابن عباس t قال: قال رسول الله r لنسائه: «ليت شعري أيتكن صاحبة الجمل الأدبب، تخرج فتنبحها كلاب الحوأب. يُقتل عن يمينها و عن يسارها قتلى كثير، ثم تنجو بعد ما كادت»، أي بعدما كادت تـُقتل[7].
كان جيش مكة قد وصل خلال تلك الفترة إلى البصرة، فأرسل عثمان بن حنيف t –و هو والي البصرة من قبل علي– إليهم يستفسر عن سبب خروجهم فكان الجواب: «إن الغوغاء من أهل الأمصار و نزاع القبائل غزو حرم رسول الله r، و أحدثو فيه الأحداث، و آوو فيه المحدِثين، و استوجبو فيه لعنة الله و لعنة رسوله، مع ما نالو من قتل أمير المسلمين بلا ترة و لا عذر، فاستحلو الدم الحرام فسفكوه، و انتهبو المال الحرام، و أحلو البلد الحرام و الشهر الحرام. فخرجت في المسلمين أعلمهم ما أتى هؤلاء القوم، و ما فيه الناس وراءنا، و ما ينبغي لهم أن يأتو في إصلاح هذا. و قرأت ]لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس[».
لكن الأمور ساءت و خرجت عن حد السيطرة لعدة أمور، فنشب قتال بين جيش طلحة و الزبير و بين قتلة عثمان (الذين كانو من البصرة) و عشائرهم التي دافعت عنهم، و انهزم قتلة عثمان شر هزيمة، و سلّمتهم عشائرهم كلهم (إلا واحداً) للقصاص و كانو حوالي 600 رجل. و لكن هذه العملية تسببت في قتل الكثير من المسلمين الذين حاولو الدفاع عن القتلة لمجرد أنهم من عشائرهم. و هنا نجد أن تأثير العصبية القبلية الجاهلية قد عاد يقوى عند تلك القبائل التي أسلمت في آخر عهد الرسول r، ثم استقرت في الأمصار بعيدة عن مركز الدولة. و هذا هو السبب الذي دعى علياً لتأخير القصاص من قتلة عثمان، حتى تهدئ النفوس، و يوطد مركز الخلافة و يتقدم أولياء عثمان (أي معاوية و بقية بني أمية) بالدعوى عنده على معيّنين، فيحكم لهم بعد إقامة البيّنة عليهم، فلا يستطيع أحدٌ أن يدافع عنهم إذا ثبتت التهمة.
أما أن تكون المطالبة بذلك الشكل، فإنه يوتّر الموقف و سيؤدي لقتل الكثير من الأبرياء. فهنا أدرك علي خطورة الموقف، و ما يمكن أن يجر إليه الخلاف من تمزيق الدولة الإسلامية. فاستنفر أهل المدينة للخروج معه، فاجتمع معه حوالي سبعمئة رجل، و اعتزل أكثر الصحابة هذه الفتنة. فخرج علي من المدينة متجهاً إلى العراق و قد عسكر في الربذة حيث أضيف إلى جنده مائتا رجل فبلغو تسعمئة رجل[8]. و قد حاول الحسن بن علي ثني أبيه عن الذهاب إلى العراق و هو يبكي لما أصاب المسلمين من الفرقة و الاختلاف، لكن علياً رفض ذلك و أصر على الخروج[9]. و سيأتي معنا ندمه على ذلك.
و قد جاءت روايات لتبين أن علي خرج من المدينة في إثر أصحاب الجمل. و هذا الأمر لم يحدث، بل الصحيح أنه خرج من المدينة عاقداً العزم على التوجه إلى الكوفة ليكون قريباً من أهل الشام، و لم يخرج في أعقاب أصحاب الجمل[10]. فلمّا سمع بأنباء القلاقل التي حدثت في البصرة و أدت إلى خروج عامله عنها، قرّر تغيير وجهة السير. فأرسل رسولين لاستنفار الكوفيين، و هما محمد بن أبي بكر و محمد بن جعفر، فأخفقا في مهمتهما لأن أبا موسى الأشعري –والي الكوفة لعلي– التزم موقف اعتزال الفتنة و حذر الناس من المشاركة فيها[11]. ثم أرسل عبد الله بن عباس و أتبعه ابنه الحسن و عمار بن ياسر لاستنفار الكوفيين[12].
و روى البخاري في صحيحه: لما بعث علي عماراً و الحسن إلى الكوفة ليستنفرهم، خطب عمار فقال: إني لأعلم أنها زوجته في الدنيا و الآخرة، ولكن الله ابتلاكم لتتبعوه أو إياها. و روى كذلك عن أبي مريم قال: لما سار طلحة و الزبير و عائشة إلى البصرة، بعث علي عمار بن ياسر و الحسن بن علي، فقدما إلى الكوفة فصعدا الْمِنْبَر. فقال عمار: «إِنَّ عَائِشَةَ قَدْ سَارَتْ إِلَى الْبَصْرَةِ. وَ وَ اللَّهِ إِنَّهَا لَزَوْجَةُ نَبِيِّكُمْ r فِي الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ، وَ لَكِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى ابْتَلاَكُمْ لِيَعْلَمَ إِيَّاهُ تُطِيعُونَ أَمْ هِيَ».
قال ابن هبيرة: «في هذا الحديث أن عماراً كان صادق اللهجة و كان لا تستخفه الخصوصية إلى أن ينتقص خصمه، فإنه شهد لعائشة بالفضل التام مع ما بينهما من حرب»[13]. و هنا يجدر التنبيه إلى أن كلام عمار t عن عائشة t مبني على عدم معرفة عمار بحقيقة خروج أصحاب الجمل، و هو أنهم قد خرجو للإصلاح بين الناس[14].
و إنما جعل الله هذه الفتنة ليري الناس أن المرأة مهما علا مركزها و بلغ تقواها و رجاحة عقلها فإنها لا تصلح للحكم. فقد روى البخاري: عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: «لَقَدْ نَفَعَنِي اللَّهُ بِكَلِمَةٍ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ r أَيَّامَ الْجَمَلِ بَعْدَ مَا كِدْتُ أَنْ أَلْحَقَ بِأَصْحَابِ الْجَمَلِ فَأُقَاتِلَ مَعَهُمْ». قَالَ: «لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ r أَنَّ أَهْلَ فَارِسَ قَدْ مَلَّكُو عَلَيْهِمْ بِنْتَ كِسْرَى قَالَ: لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَ لَّو أَمْرَهُمُ امْرَأَةً»[15].
و في ذلك ردٌّ بليغ على من أجاز تولّي المرأة الولايات العامة، و حصر النهي بالخلافة. فإن عائشة t لم تتولّى أيّة ولاية، بل و لا حتى قيادة الجيش العسكرية، و لكن وجودها في الجيش كان العامل الأكثر تأثيراً على الناس لانضمامهم له[16]. و إذا انطبق هذا الحديث على أم المؤمنين عائشة t و هي خير نساء هذه الأمة و أفقههن و أحبهن إلى رسول الله r، فمن باب الأولى أن ينطبق على من هم أدنى منها. و من أفضل من أم المؤمنين عائشة t و هي أرجح نساء رسول الله r عقلاً و هي بنت الصديق التي نشأت في بيته؟ أخرج البخاري: «أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ r كَانَتْ لاَ تَسْمَعُ شَيْئًا لاَ تَعْرِفُهُ إِلاَ رَاجَعَتْ فِيهِ حَتَّى تَعْرِفَهُ». و أخرج أيضاً أن النَّبِيِّ r قَالَ: «فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَام». و أخرج مسلم في صحيحه: عَنْ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r بَعَثَهُ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلاَسِلِ فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: «أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟». قَال:َ «عَائِشَةُ». قُلْتُ: «مِنَ الرِّجَالِ». قَالَ «أَبُوهَا». أي أبي بكر الصديق. قُلْتُ: «ثُمَّ مَنْ؟». قَالَ: «عُمَرُ».
على أية حال فقد قدم على علي وفد الكوفة بذي قار فقال لهم: «يا أهل الكوفة أنتم لقيتم ملوك العجم فعضضتم جموعهم، و قد دعوتكم لتشهدو معنا إخواننا من أهل البصرة. فإن رجعو فذاك الذي نريده، و إن أبو داويناهم بالرفق حتى يبدءونا بالظلم. و لن ندع أمراً فيه الإصلاح إلا آثرناه على ما فيه الفساد إن شاء الله تعالى»[17].
فسار الجيشين حتى التقيا، فاجتمع طلحة و الزبير و علي، فوضّح لهم وجهة نظره فاقتنعو بها، و قّررو ضمّ جيشهم إلى جيشه. فلمّا رآى ذلك، نادى في الناس أن لا يلحق بهم قتلة عثمان لأنه يريد أن يفتك بهم بعدما قوي جيشه. و اطمأنت نفوس الناس و سكنت، و اجتمع كل فريق بأصحابه من الجيشين، و رجعت عائشة إلى البصرة. فلمّا أمسو بعث علي عبد الله بن العباس إليهم، و بعثو إليه محمد بن طليحة السجاد و بات الناس بخير ليلة، و بات قتلة عثمان (و معهم عبد الله بن سبأ) بشرِّ ليلة، و باتو يتشاورون ثم أجمعو على أن يثيرو الحرب من الغلس. فنهضو قبل طلوع الفجر و هم قريب من ألفي رجل، فانصرف كل فريق إلى السيوف، و ثارت الفتنة. وقال جيش البصرة طرقتنا أهل الكوفة ليلاً و بيّتونا و غدرو بنا، و ظنو أن هذا عن تدبيرٍ و علمٍ من أصحاب علي. و بلغ الأمر علي فقال: ما للناس؟! فقالو بيتنا أهل البصرة. فثار كل فريق لسلاحه و لبسو اللاّمة و ركبو الخيول. و لم يدري أحد بسبب تلك الشرارة الشيطانية التي أشعلت النار بين الفريقين بعدما نامو تلك الليلة في خير حال.
و تبارز الفرسان و جالت الشجعان، فنشبت الحرب، و تواقف الفريقان، و كان أمر الله قدراً مقدوراً. وقامت الحرب على قدمٍ و ساق، و تبارز الفرسان، و قد اجتمع مع كل طرفٍ حوالي عشرة آلاف مقاتل[18]. فإنا لله و إنا إليه راجعون. و أصحاب ابن سبأ قبحه الله لا يفترون عن القتل، ومنادي علي ينادي: «ألا كفو ألا كفو».
هنا ذهب كعب بن سور بالخبر إلى أم المؤمنين بالبصرة، فقال لها: «أدركي الناس قد تقاتلو». فوضع لها الهودج فوق الجمل، فجلست فيه و غطي بالدروع، و ذهبت إلى أرض المعركة لعل أن يوقف الناس القتال عندما يشاهدونها. فلما وصلت، أعطت عائشة المصحف لكعب و قالت له: «خلِّ البعير و تقدم، و ارفع كتاب الله و ادعهم إليه». فشعر أهل الفتنة بأن القتال سيتوقف إذا تركو كعباً يفعل ما طُلب منه، فلما قام كعب و رفع المصحف و أخذ ينادي، تناولته النبال فقتلوه[19].
ثم أخذو بالضرب نحو الجمل، بغية قتل عائشة لكن الله نجاها، فأخذت تنادي: «أوقفو القتال»، و أخذ علي ينادي و هو من خلف الجيش: «أوقفو القتال»، و قادة الفتنة مستمرين. فقامت أم المؤمنين بالدعاء عليهم قائلة: «اللهم العن قتلة عثمان». فبدأ الجيش ينادي معها. و كان علي جالس في آخر جيشه يبكي ما أصاب المسلمين، فسمع ذلك فصار يلعن قتلة عثمان كذلك. فارتفعت أصوات الدعاء في المعسكرين بلعن قتلة عثمان، و قتلة عثمان مستمرين بالقتال[20]. ثم أخذو –لعنهم الله– يرشقون جمل أم المؤمنين بالنبال، و علي يصرخ فيهم أن كفو عن الجمل، لكنهم لا يطيعونه. فصار الجمل كالقنفذ من كثرة النبال التي علقت به[21].
ثم قال عبد الله بن بديل لعائشة: «يا أم المؤمنين. أتعلمين أني أتيتك عندما قتل عثمان، فقلتُ ما تأمريني، فقلتِ الزم علياً؟». فسكتت. فقال: «اعقرو الجمل». فعقروه. قال: «فنزلت أنا و أخوها محمد، و احتملنا الهودج حتى وضعناه بين يدي علي. فأمر به علي فأدخل في بيت عبد الله بن بديل»[22].
هنا علي t أصدر الأوامر بأن «لا تلحقو هارباً، و لا تأخذو سبياً». فثار أهل الفتنة و قالو: «تُحِلُّ لنا دمائهم، و لا تحل لنا نسائهم و أموالهم؟». فقال علي: «أيكم يريد عائشة في سهمه؟». فسكتو. فنادى: «لا تقتلو جريحاً، و لا تقتلو مُدبراً، و من أغلق بابه و ألقى سلاحه، فهو آمن»[23]. بعدها علي ذهب إلى بيت عبد الله بن بديل الخزاعي لزيارة عائشة و الاطمئنان عليها، فقال لها: «غفر الله لكِ»، قالت: «و لك. ما أردت إلا الإصلاح بين الناس»[24].
و الذي نريد أن نقوله هنا أن موقعة الجمل لم تعبر لا عن صراع مذهبي، و لا صراع عقائدي، و لا حتَّى صراع عصبي. و إنما كانت فتنة أراد كل طرف فيها أن يصل إلى الحق حسب مفهومه. لذلك قال الإمام الذهبي «قد عرف الجميع، العالم و الجاهل، ان طلحة والزبير و عائشة –رضي الله عنهم– لم يخرجو للقتال أبداً، و إنما وقع القتال بسبب ترامي غوغاء من الطرفين». فإن ما ينبغي أن يعلمه المسلم حول الفتن التي وقعت بين الصحابة –مع اجتهادهم فيها و تأوّلهم– حزنهم الشديد و ندمهم لما جرى، بل لم يخطر ببالهم أن الأمر سيصل إلى ما وصل إليه، و تأثّر بعضهم التأثر البالغ حين يبلغه مقتل أخيه، بل إن البعض لم يتصور أن الأمر سيصل إلى القتال.
و الحقيقة أن أغلب من شَهِدَ المعركة من الصحابة لم يشترك بالقتال فيها. فعلي بن أبي طالب t جلس وراء الجيش يبكي حال المسلمين. قال الحسن بن علي t: «لقد رأيت عليا يوم الجمل يلوذ بي وهو يقول: يا حسن! ليتني مت قبل هذا بعشرين سنة». وهذا الزبير بن العوام t يقول: «إنّ هذه لهي الفتنة التي كنّا نُحَدَّثُ عنها». فقال مولاه: «أتسمّيها فتنةٌ و تقاتل فيها؟!». قال: «ويحك، إنَّا نبصر و لا نبصر. ما كان أمر قط إلا علمت موضع قدميّ فيه، غير هذا الأمر، فإني لا أدري أمقبلٌ أنا فيه أم مدبر»[25].
و لمّا رآه علياً ناداه، فأقبل حتى التقت أعناق دوابهما فقال له علي: «أتذكر يوما أتانا رسول الله r و أنا أناجيك؟ فقال: أتناجيه! و الله ليقاتلنك يوماً و هو لك ظالم!» فتذكر الزبير ذلك الحديث، فضرب وجه دابته فانصرف، و عزم على العودة إلى المدينة. فعرض له ابنه عبد الله فقال: «مالك؟». قال: «ذكرّني علي حديثاً سمعته من رسول الله r و إني راجع»، فقال له ابنه: «و هل جئت للقتال؟! إنما جئت تصلح بين الناس، و يصلح الله هذا الأمر»[26]. لكنه بعد أن ابتعد على ساحة المعركة، لحق به أحد الأشقياء فقتله غدراً و هو يصلّي، ثم عاد إلى علي و هو يظن أنه يكافئه. لكن علي ذكر حديثاً سمعه من رسول الله r: «بَشِّرْ قَاتِلَ اِبْنِ صَفِيَّةَ بِالنَّارِ»[27]. فعلم ذلك الشقي أن علياً قاتله، فهرب، فلحقه المسلمون، فقتل نفسه و انتحر.
و كذلك طلحة t، لم يشارك بالقتال و إنما جلس في آخر الجيش يبكي على ما أصاب المسلمين، فأصابه سهمٌ غادر، فنزف حتى مات. قال الإمام الشعبي: «لمّا قُتِل طلحة و رآه علي مقتولاً، جعل –أي علي– يمسح التراب عن وجهه و يقول: عزيزٌ عليَّ أبا محمد أن أراك مُجدّلاً تحت نجوم السماء. ثم قال: إلى الله أشكو عجزي و بجري[28]. و بكى عليه هو و أصحابه، و قال: يا ليتني متُّ قبل هذا اليوم بعشرين سنة»[29]. و هذه أم المؤمنين عائشة t، تقول: «إنما أريد أن يحجر بين الناس مكاني، و لم أحسب أن يكون بين الناس قتال، و لو علمت ذلك لم أقف ذلك الموقف أبداً»[30].
ثم انظر ما كان من حزن عليٍ t على طلحة و الزبير (رضي الله عنهما) و انظر إلى قوله: «فينا و اللّه أهل بدر نزلت هذه الآية: ]و َنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إخواناً على سرر متقابلين[»[31]. و سئل علي عن أهل الجمل قيل: «أمشركون هم؟». قال: «من الشرك فرو». قيل: «أمنافقون هم؟». قال: «إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً». قيل: «فما هم؟». قال: «إخواننا بغو علينا، فقاتلونا فقاتلناهم. و قد فاؤو، و قد قبلنا منهم». و على أية حال فالعدد الحقيقي لقتلى معركة الجمل كان ضئيلاً جداً، حيث كان كل فريق يدافع عن نفسه ليس إلا[32


إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#43

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

معركة صفين
بعد وقعة الجمل استعد على بن أبي طالب لمحاربة معاوية، وتحرك بجيشه الكبير الذي يبلغ عدده 100 ألف إلى صفين، وهو سهل يقع على الجانب الغربي لنهر الفرات شمال بلدة الرقة، وفي الوقت نفسه استعد معاوية لهذه المعركة الحاسمة بجيش يقترب من جيش علي، وقبل المعركة دارت مراسلات بينهما بلغت أكثر من شهر ما بين أواخر شهر ذي الحجة سنة 36 هـ إلى بداية شهر المحرم 37هـ، لكنها لم تؤدِّ إلى نتيجة، وفي غرة صفر من عام 37هـ اشتعلت الحرب بين الفريقين، وظلت 10 أيام متصلة قتل خلالها الآلاف من المسلمين، واشتد الخطب على الفريقين، ووقعت الخسائر الضخمة في جانب جيش معاوية، وأصبحت هزيمتهم قاب قوسين أو أدنى، وعند ذلك رأى معاوية أن يضع حدا لهذا الأمر، فطلب من "عمرو بن العاص" الرأي والمشورة؛ حتى يمكن الإبقاء على البقية من أبطال الإسلام الذين هزموا فارس والروم فأشار عمرو بطلب التحكيم.
رفع المصاحف
رد: موسوعة معارك اسلامية(3)
أصدر معاوية إلى كبار رجاله بأن يرفع كل منهم مصحفا على رمحه، إشارة إلى الاحتكام إليه، وارتفعت صيحة في جيشه تقول: كتاب الله بيننا وبينكم، مَن لثغور الشام بعد أهل الشام؟ ومَن لثغور العراق بعد أهل العراق؟ ومن لجهاد الروم؟ ومن للترك؟ ومن للكفار؟ ورُفع في جيش معاوية نحو 500 مصحف.
توقفت الحرب، وارتضى الطرفان أن يعودا إلى الحكمة وتحكيم القرآن بينهما، وأناب كل واحد منهما شخصا ينيب عنه، ويتفاوض باسمه في القضايا محل الخلاف؛ فأناب "علي" أبا موسى الأشعري، وأناب "معاوية" عمرو بن العاص، وعقد لذلك وثيقة كُتبت في يوم الأربعاء الموافق (13 من صفر سنة 37هـ = 1من أغسطس 657م) عُرفت بوثيقة التحكيم.
وجعلت الوثيقة شهر رمضان من سنة 37هـ أقصى مدة لإعلان قرار التحكيم، إلا إذا رأى الحكمان مد المدة، وفي "دومة الجندل" اجتمع الحكمان، وبعد مباحثات طويلة وصلا إلى نتيجة ظنا أنها أفضل الحلول، وهي عزل علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) من الخلافة، ورد الأمر إلى الأمة تختار من تشاء على أن تبقى البلاد تحت المتخاصمين في يديهما؛ فتبقى البلاد التي تحت حكم علي، وهي الدولة الإسلامية عدا الشام في يده، ويتصرف معاوية في حكم الشام التي تحت يديه.
رفض الإمام علي بن أبي طالب هذه النتيجة؛ لأن الخلاف لم يكن قائما على منصب الخلافة، وإنما على إقامة الحد على قتلة عثمان، وعلى بيعة معاوية لعلي بن أبي طالب.. وتطورت الأحداث بعد ذلك، وانقسم جيش "علي" على نفسه، وظهرت فرقة "الخوارج" الذين انشقوا عليه، واضطر علي لمحاربتهم؛ مما أضعف جبهته، واستنفد كثيرا من جهده، وشاءت الأقدار أن تكون نهايته على يد واحد من الخوارج؛ فاستشهد في (17 من رمضان سنة 40 هـ = 26 من يناير سنة 661)..



إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#44

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

الدب الروسي يحلم بإستانبول
مأساة معركة سنيوب

رد: موسوعة معارك اسلامية(3)
الدولة العثمانية في أقصى اتساعها


لما بدأت في الأفق تلوح نذر اضمحلال الدولة العثمانية في القرن 12 هـ = 18م، وتظهر على ملامحها وقسمات وجهها آيات الضعف والوهن؛ تطلعت روسيا إلى التوسع على حساب العثمانيين، وإقامة وجود عسكري بحري لها على الساحل الشمالي للبحر الأسود، ثم بسط نفوذها وسيطرتها العسكرية على منطقة المضايق، وتمكين سفنها من عبور البوسفور والدردنيل وقت السلم والحرب، دون أية شروط إلى البحار الدافئة.
ولتحقيق هذه الأهداف اشتبكت روسيا في سلسلة من الحروب المتصلة ضد الدولة العثمانية، إما بمفردها وإما بالتحالف مع دول معادية للعثمانيين؛ بقصد إنهاكها، ومنعها من أن تجدد قوتها أو تلتقط أنفاسها اللاهثة؛ حتى تسقط فاقدة الوعي والإدراك، مستنفدة الجهد والموارد، فيسهل اقتسام جسدها المنهك بين الدول المتصارعة لالتهامها.
معاهدة كتشك كينجاري
دخلت الدولة العثمانية في حرب طاحنة دامت ست سنوات مع روسيا (1181 – 1187 هـ = 1768 – 1774م)، مُنيت فيها الدولة العثمانية بهزائم أليمة، أجبرتها على عقد معاهدة مخزية في ( 13 من جمادى الأولى 1188هـ = 21 من يوليو 1774م)، وهي المعروفة باسم معاهدة "كتشك كينجاري" وتحققت فيها آمال الروس بأن تحوّل البحر الأسود من بحرية عثمانية خالصة إلى بحيرة عثمانية روسية، وأصبحت الملاحة الروسية تتمتع بحُرّية التنقل في البحر الأسود دون قيد أو شرط.
وتضمنت المعاهدة أن تدفع الدولة العثمانية غرامة لروسيا قدرها 1500 كيس من الذهب، وأن يحصل الروس على حق رعاية السكان الأرثوذكس في البلاد العثمانية، وكان من شأن هذا البند أن تتدخل روسيا في شئون الدولة العثمانية بصورة مستمرة.
لقاء قيصر روسيا والسفير الإنجليزي
لم تكتف روسيا بما حصلت عليه من مكاسب من الدولة العثمانية، وإنما امتد بصرها إلى تمزيق الدولة، وتوزيع ممتلكاتها، وارتفع صوتها بشن حروب صليبية عليها، وكان ساستها يتعجبون من عدم مشاركة الدول الأوروبية لروسيا في حربها الصليبية ضد العثمانيين.. وتكشف المحادثة التي دارت بين "نيقولا" قيصر روسيا، والسير "هاملتون سيمور" سفير إنجلترا في القسطنطينية عن سياسة روسيا التوسعية.
وقد وصف القيصر الدولة العثمانية بأنها بلد آخذ في الانهيار، وأنها "رجل مريض" للغاية قد يموت فجأة، ومن الضروري أن يُتّفق على كيفية التصرف في أراضيه قبل وقوعه صريعا، وأشار إلى تسوية الأمر بين إنجلترا وروسيا دون قيام حرب بينهما، وأوضح بصراحة رغبته في استقلال دول البلقان تحت حماية روسيا، وفي الاستيلاء على العاصمة العثمانية، وفي مقابل ذلك تستولي بريطانيا على مصر، لكن هذا المشروع لم يلق نجاحًا أو يجد تجاوبًا من بريطانيا التي كانت ترفض وصول روسيا إلى المضايق.
شرارة الحرب
دأبت الدولة العثمانية على حفظ التوازن بين الروم الكاثوليك والأرثوذكس في أحقية كل منهما في إدارة أماكن الحج في القدس، ولا سيما كنيسة الميلاد في بيت لحم، وكان النزاع بينهما بسيطًا، لكنه اكتسب أهميته من تعضيد قيصر روسيا للمطالب الأرثوذكسية، في حين أن "نابليون الثالث" ملك فرنسا كان يؤيد مطالب الكنيسة الكاثوليكية فيما يتعلق بالأماكن المقدسة، وكانت فرنسا تُعد نفسها حامية للمسيحيين في الشرق منذ زمن الحروب الصليبية، وانتهى هذا النزاع بأن أصدر السلطان "عبد المجيد" فرمانًا لصالح الكنيسة الكاثوليكية سنة (1268هـ= 1852م).
رد: موسوعة معارك اسلامية(3)
عباس باشا الأول والي مصر

وقد أثار هذا القرار حنق القيصر الشديد، فأمر بتعبئة جيش روسي وإنفاذه إلى نهر "بروث"، وفي الوقت نفسه أوفد بعثة متغطرسة إلى إستانبول برئاسة الأمير متشيكوف، لا لتطلب ترضية عاجلة فيما يتعلق بالأماكن المقدسة، بل تطالب بعقد معاهدة بين الدولتين، تفوق في إجحافها بحقوق الدولة العثمانية كل المعاهدات السابقة مع روسيا؛ حيث تضمن للقيصر حق حماية جميع الرعايا الأرثوذكس الذين يعيشون تحت كنف الدولة العثمانية، فرفض السلطان هذه المطالب.
الجيش المصري في حرب القرم
عبرت الجيوش الروسية نهر بروث في (شوال 1269 هـ = 1853م)، واحتلت ولايتي ولاشيا، ومولدافيا (رومانيا حالياً) وفشلت الجهود السلمية في حل الموقف المتداعي؛ فأرسل السلطان عبد الحميد يطلب نجدة من مصر، فامتثل "عباس باشا الأول" والي مصر وأمر بتجهيز أسطول من اثنتي عشرة سفينة، مزودة بنحو 6850 جنديًا بحريًا و642 مدفعًا تحت قيادة "حسن باشا الإسكندراني" أمير البحر المصري، بالإضافة إلى جيش بري بقيادة "سليم فتحي باشا"، يضم نحو 20 ألف جندي، مزودين بالآلات والسلاح.
رد: موسوعة معارك اسلامية(3)
الفريق حسن باشا الإسكندراني

وقد سجل المؤرخ المصري "عمر طوسون" أخبار هذه النجدة مفصلة تمامًا في كتابه القيم: "الجيش المصري في الحرب الروسية المعروفة بحرب القرم".
مأساة سينوب
أعلنت الدولة العثمانية الحرب على روسيا في (1 من المحرم 1270هـ = 4 من أكتوبر 1853م)، وأرسلت قسمًا من أسطولها البحري إلى ميناء "سينوب" على البحر الأسود، وكان يتألف من ثلاث عشرة قطعة بحَرية بقيادة "عثمان باشا"، ثم وصل إلى الميناء بعض القطع البحرية الروسية في (18 من المحرم 1270هـ = 21 من أكتوبر 1853م) بقيادة "ناخيموف" قائد الأسطول الروسي، لتكشف مواقع الأسطول العثماني، وتعرف مدى قوته، وظلت رابضة خارج الميناء، محاصرة للسفن العثمانية، وأرسل ناخيموف إلى دولته لإمداده بمزيد من القطع البحرية، فلما حضرت جعل أربعًا من سفنه الحربية خارج الميناء؛ لتقطع خط الرجعة على السفن العثمانية إذا هي حاولت الهرب.
رد: موسوعة معارك اسلامية(3)
خريطة موقعة بحرية

ولما توقع "عثمان باشا" غدر الأسطول الروسي، أمر قواده وجنوده بالاستعداد والصبر عند القتال، على الرغم من تعهُّد نيقولا قيصر روسيا ووعده بعدم ضرب القوات العثمانية إلا إذا بدأت هي بالقتال، لكن القيصر حنث في وعده؛ إذ أطلقت السفن الروسية النيران على القطع البحرية العثمانية التي كانت قليلة العدد وضئيلة الحجم إذا ما قورنت بالسفن الروسية، وذلك في (28 من صفر 1270هـ = 30 من نوفمبر 1853م)، وأسفرت المعركة عن تدمير سفن الدولة العثمانية، واستشهاد أكثر بحارتها.
وقد أثار هذا العمل غضب فرنسا وإنجلترا، فقررتا الدخول في حرب ضد القيصر الروسي إلى جانب السلطان العثماني، واستمرت نحو عامين، وهي الحرب المعروفة بحرب القرم، ولها حديث قادم إن شاء الله.

إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#45

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)


الوقعة الخيرية وانتهاء اسطورة الانكشارية



رد: موسوعة معارك اسلامية(3)
الإنكشاريون في نهاية القرن 17 وبداية القرن 18

أطلق اسم الإنكشارية على طائفة عسكرية من المشاة العثمانيين، يشكلون تنظيمًا خاصًا، لهم ثكناتهم العسكرية وشاراتهم ورتبهم وامتيازاتهم، وكانوا أعظم فرق الجيش العثماني وأقواها جندًا وأكثرها نفوذًا، ولا يعرف على وجه الدقة واليقين وقت ظهور هذه الفرقة، فقد أرجعها بعض المؤرخين إلى عهد "أورخان الثاني" سنة (724هـ=1324م) على أن هذه الفرقة اكتسبت صفة الدوام والاستمرار في عهد السلطان مراد الأول سنة (761هـ=1360م)، وكانت قبل ذلك تسرّح بمجرد الانتهاء من عملها.
وامتاز الجنود الإنكشاريون بالشجاعة الفائقة، والصبر في القتال، والولاء التام للسلطان العثماني باعتباره إمام المسلمين، وكان هؤلاء الجنود يختارون في سن صغيرة من أبناء المسلمين الذين تربوا تربية صوفية جهادية، أو من أولاد الذين أسروا في الحروب أو اشتروا بالمال.
وكان هؤلاء الصغار يربون في معسكرات خاصة بهم، يتعلمون اللغة والعادات والتقاليد التركية، ومبادئ الدين الإسلامي، وفي أثناء تعليمهم يقسمون إلى ثلاث مجموعات: الأولى تعد للعمل في القصور السلطانية، والثانية تُعد لشغل الوظائف المدنية الكبرى في الدولة، والثالثة تعد لتشكيل فرق المشاة في الجيش العثماني، ويطلق على أفرادها الإنكشارية، أي الجنود الجدد، وكانت هذه المجموعة هي أكبر المجموعات الثلاث وأكثرها عددًا.
معيشة الإنكشارية
وكانت الدولة تحرص على منع اتصال الإنكشارية بأقربائهم، وتفرض عليهم في وقت السلم أن يعيشوا في الثكنات، التي لم تكن تحوي فقط أماكن النوم لضباطهم وجنودهم، بل كانت تضم المطابخ ومخازن الأسلحة والذخائر وكافة حاجاتهم المدنية.
وخصصت الدولة لكل "أورطة" من الإنكشارية شارة توضع على أبواب ثكنتها، وعلى أعلامها وخيامها التي تقام في ساحة القتال، وجرت عادة الجنود أن ينقشوا شاراتهم المميزة على أذرعهم وسيقانهم بالوشم، وكانت ترقياتهم تتم طبقًا لقواعد الأقدمية، ويحالون إلى التقاعد إذا تقدمت بهم السن، أو أصابتهم عاهة تقعدهم عن العمل، ويصرف لهم معاش من قبل الدولة. وكانت الدولة تحرّم عليهم الاشتغال بالتجارة أو الصناعة حتى لا تخبوا عسكريتهم الصارمة، وينطفئ حماسهم المشبوب.
ويطلق على رئيس هذه الفئة "أغا الإنكشارية"، وهو يعد من أبرز الشخصيات في الدولة العثمانية، لأنه يقود أقوى فرقة عسكرية في سلاح المشاة، وكان بحكم منصبه يشغل وظيفتين أخريين، فهو رئيس قوات الشرطة في إستانبول، المسئول عن حفظ النظام واستتباب الأمن، وهو في الوقت نفسه عضو في مجلس الدولة.
وكان لرئيس الإنكشارية مقر خاص في إستانبول، ومكاتب في الجهات التي تعمل الفرقة بها، ويختاره السلطان من بين ضباط هذا السلاح، وظل هذا التقليد متبعًا حتى عهد السلطان سليمان القانوني، الذي جعل اختيار رئيس الإنكشارية من بين كبار ضباط القصر السلطاني، وذلك للحد من طغيان هذه الفرقة.
أهمية الإنكشارية
عرف الإنكشاريون بكفايتهم القتالية ووفرتهم العددية، وضراوتهم في الحرب والقتال، وكانوا أداة رهيبة في يد الدولة العثمانية في حروبها التي خاضتها الدولة في أوروبا وآسيا وإفريقيا، وكان لنشأتهم العسكرية الخالصة وتربيتهم الجهادية على حب الشهادة واسترخاص الحياة أثر في اندفاعهم الشجاع في الحروب واستماتتهم في النزال، وتقدمهم الصفوف في طليعة الجيش، وكانوا يأخذون مكانهم في القلب، ويقف السلطان بأركان جيشه خلفهم. وقد استطاعت الدولة العثمانية بفضل هذه الفرقة الشجاعة أن تمد رقعتها، وتوسع حدودها بسرعة، ففتحت بلادًا في أوروبا كانت حتى ذلك الوقت خارج حوزة الإسلام.
وقد أشاد المؤرخون الغربيون بهذه الفرقة باعتبارها من أهم القوات الرئيسية التي اعتمدت عليها الدولة في فتوحاتها، فيقول "بروكلمان" المستشرق الألماني: "إن الإنكشارية كانوا قوام الجيش العثماني وعماده". ويضيف المؤرخ الإنجليزي "جرانت" بأن المشاة الإنكشارية كانوا أكثر أهمية من سلاح الفرسان، وكان مصير أو مستقبل الدولة العثمانية يعتمد إلى حد كبير على الإنكشارية.
طغيان الإنكشارية
غير أن هذه الأهمية الكبيرة لفرقة الإنكشارية تحولت إلى مركز قوة نغص حياة الدولة العثمانية، وعرضها لكثير من الفتن والقلاقل، وبدلاً من أن ينصرف زعماء الإنكشارية إلى حياة الجندية التي طُبعوا عليها –راحوا يتدخلون في شؤون الدولة، ويزجون بأنفسهم في السياسة العليا للدولة وفيما لا يعنيهم من أمور الحكم والسلطان؛ فكانوا يطالبون بخلع السلطان القائم بحكمه ويولون غيره، ويأخذون العطايا عند تولي كل سلطان جديد، وصار هذا حقًا مكتسبًا لا يمكن لأي سلطان مهما أوتي من قوة أن يتجاهله، وإلا تعرض للمهانة على أيديهم.
وقد بدأت ظاهرة تدخل الإنكشارية في سياسة الدولة منذ عهد مبكر في تاريخ الدولة، غير أن هذا التدخل لم يكن له تأثير في عهد سلاطين الدولة العظام؛ لأن هيبتهم وقوتهم كانت تكبح جماح هؤلاء الإنكشاريين، حتى إذا بدأت الدولة في الضعف والانكماش بدأ نفوذ الإنكشاريين في الظهور، فكانوا يعزلون السلاطين ويقتلون بعضهم، مثلما فعلوا بالسلطان عثمان الثاني حيث عزلوه عن منصبه، وأقدموا على قتله سنة (1032هـ=1622م) دون وازع من دين أو ضمير، وفعلوا مثل ذلك مع السلطان إبراهيم الأول، فقاموا بخنقه سنة (1058هـ=1648م)، محتجين بأنه يعاديهم ويتناولهم بالنقد والتجريح، وامتدت شرورهم إلى الصدور العظام بالقتل أو العزل.
ولم يكن سلاطين الدولة في فترة ضعفها يملكون دفع هذه الشرور أو الوقوف في وجهها، فقام الإنكشاريون بقتل حسن باشا الصدر الأعظم على عهد السلطان مراد الرابع سنة (1042هـ=1632م)، وبلغ من استهتارهم واستهانتهم بالسلطان سليم الثاني أن طالبوه بقتل شيخ الإسلام والصدر الأعظم وقائد السلاح البحري، فلم يجرؤ على مخالفتهم، فسمح لهم بقتل اثنين منهم، واستثنى شيخ الإسلام من القتل؛ خوفًا من إثارة الرأي العام عليه.
محاولة إصلاح الفيالق الإنكشارية
لما ضعفت الدولة العثمانية وحلت بها الهزائم، وفقدت كثيرًا من الأراضي التابعة لها، لجأت إلى إدخال النظم الحديثة في قواتها العسكرية حتى تساير جيوش الدول الأوروبية في التسليح والتدريب والنظام، وتسترجع ما كان لها من هيبة وقوة في أوروبا، وتسترد مكانتها التي بنتها على قوتها العسكرية. لكن الإنكشارية عارضت إدخال النظام الجديد في فيالقهم، وفشلت محاولات السلاطين العثمانيين في إقناعهم بضرورة التطوير والتحديث، ولم تنجح محاولات الدولة في إغرائهم للانضمام إلى الفرق العسكرية الجديدة، وقبول المعاش الذي تقرره الدولة لمن يرفض هذا النظام.
ولم يكتف الإنكشاريون بمعارضة النظام الجديد، بل لجئوا إلى إعلان العصيان والقيام بالتمرد في وجوه السلاطين والصدور العظام، ونجحوا في إكراه عدد من السلاطين على إلغاء هذا النظام الجديد.
محمود الثاني يلغي الفيالق الإنكشارية
بعد تولي السلطان محمود الثاني سلطنة الدولة العثمانية سنة (1223هـ=1808م) رأى تطوير الجيش العثماني وضرورة تحديثه بجميع فرقه وأسلحته بما فيها الفيالق العسكرية، فحاول بالسياسة واللين إقناع الإنكشارية بضرورة التطوير وإدخال النظم الحديثة في فرقهم، حتى تساير باقي فرق الجيش العثماني، لكنهم رفضوا عرضه وأصروا واستكبروا استكبارًا.
وكان محمود الثاني ذا عزيمة شديدة، ودهاء عظيم، فحاول أن يلزم الإنكشارية بالنظام والانضباط العسكري، وملازمة ثكناتهم في أوقات السلم، وضرورة المواظبة على حضور التدريبات العسكرية، وتسليحهم بالأسلحة الحديثة، وعهد إلى صدره الأعظم مصطفى باشا البيرقدار بتنفيذ هذه الأوامر. غير أن هذه المحاولة لم تنجح وقاوموا رغبة السلطان وتحدوا أوامر الصدر الأعظم، وقاموا بحركة تمرد واسعة وثورة جامحة كان من نتيجتها أن فقد الصدر الأعظم حياته في حادث مأسوي.
لم تنجح محاولة السلطان الأولى في فرض النظام الجديد على الإنكشارية، وصبر على عنادهم، وإن كانت فكرة الإصلاح لم تزل تراوده، وازداد اقتناعًا بها بعد أن رأى انتصارات محمد علي المتتابعة، وما أحدثته النظم الجديدة والتسليح الحديث والتدريب المنظم في جيشه، وطال صبر السلطان ثمانية عشر عامًا حتى عزم مرة أخرى على ضرورة إصلاح نظام الإنكشارية؛ فعقد اجتماعًا في (19 من شوال 1241هـ=27 من مايو 1826م) في دار شيخ الإسلام، حضره قادة أسلحة الجيش بما فيهم كبار ضباط فيالق الإنكشارية، ورجال الهيئة الدينية وكبار الموظفين، ونوقش في هذا الاجتماع ضرورة الأخذ بالنظم العسكرية الحديثة في الفيالق الإنكشارية، ووافق المجتمعون على ذلك، وتلي مشروع بإعادة تنظيم القوات الإنكشارية، وأصدر شيخ الإسلام فتوى بوجوب تنفيذ التعديلات الجديدة، ومعاقبة كل شخص تسول له نفسه الاعتراض عليها.
نهاية فيالق الإنكشارية
رد: موسوعة معارك اسلامية(3)
الإنكشاريون في أواخر أيامهم


غير أن الإنكشارية لم يلتزموا بما وافق عليه الحاضرون في هذا الاجتماع؛ فأعلنوا تمردهم وانطلقوا في شوارع إستانبول يشعلون النار في مبانيها، ويهاجمون المنازل ويحطمون المحلات التجارية، وحين سمع السلطان بخبر هذا التمرد عزم على وأده بأي ثمن والقضاء على فيالق الإنكشارية، فاستدعى السلطان عدة فرق عسكرية من بينها سلاح المدفعية الذي كان قد أعيد تنظيمه وتدريبه، ودعا السلطان الشعب إلى قتال الإنكشارية.
وفي صباح يوم (9 من ذي القعدة 1240هـ=15 من يونيو 1886م) خرجت قوات السلطان إلى ميدان الخيل بإستانبول وكانت تطل عليه ثكنات الإنكشارية، وتحتشد فيه الفيالق الإنكشارية المتمردة، ولم يمض وقت طويل حتى أحاط رجال المدفعية الميدان، وسلطوا مدافعهم على الإنكشارية من كل الجهات، فحصدتهم حصدًا، بعد أن عجزوا عن المقاومة، وسقط منهم ستة آلاف جندي إنكشاري.
وفي اليوم الثاني من هذه المعركة التي سميت بـ"الواقعة الخيرية" أصدر السلطان محمود الثاني قرارًا بإلغاء الفيالق الإنكشارية إلغاءً تامًا، شمل تنظيماتهم العسكرية وأسماء فيالقهم وشاراتهم، وانتهى بذلك تاريخ هذه الفرقة التي كانت في بدء أمرها شوكة في حلوق أعداء الدولة العثمانية



إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#46

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

العامل المعنوي في موازين القوى بين طرفي الصراع في حرب العاشر من رمضان


يأتي العامل المعنوي للمقاتلين قادة وضباط وصف وجنود في مقدمة العوامل التي تقاس بها موازين القوى للدول المتصارعة. ويقصد بذلك الجانب عمق الإيمان بالله تعالى، وبعدالة القضية التي يُحارب من أجلها، والثقة بالقيادات والأسلحة، مع التفاني في التدريب على إتقان كلٍّ لدوره في المعركة للدرجة التي يصل فيها إلى قناعة تامة بأنه إما تحقيق النصر وتدمير وهزيمة العدو وإما الاستشهاد دون ذلك، من خلال إدراك ويقين أن الشهادة في الحرب هي الطريق إلى جنة الخلد فداءً للشرف والعرض والدولة والأمة.
ويطلق العسكريون على هذا العامل "الكفاءة القتالية"، وتعني كفاءة استغلال ما يملكونه من قدرات تسليحية والتخطيط الإستراتيجي المتميز لاستخدامها، ثم إتقان التدريب على كافة المستويات "قادة وضباط وصف وجنود" وعلى مختلف أسلحة وإدارات وأفرع القوات المسلحة، مع المعرفة الدقيقة لنقاط القوة ونقاط الضعف في العدو، وتكليف القوات المسلحة بمهام قتالية في حدود قدراتهم وما يمتلكونه من أسلحة ومعدات قتالية؛ ليتحقق بذلك شعار هام رفعته قواتنا المسلحة في حرب أكتوبر 1973م.. وهو "النصر أو الشهادة"، ويعني التفاني والتميز والإصرار على هزيمة العدو وتدمير أسلحته ومعداته واستعادة الأرض المغتصبة عام 1967م، وتحريرها والإصرار على تحقيق ذلك الهدف حتى لو أدى إلى نيل شرف الاستشهاد على طريق تحقيقه!!
ولقد كان المستوى الرفيع للكفاءة القتالية للمقاتل المصري، والتخطيط الأمثل لإعداده وبنائه معنويًّا وقتاليًّا، كان الطريق إلى النصر في أكتوبر 1973م، حيث اعتبرت تطبيقًا أمينًا ودقيقًا لقول الحق سبحانه وتعالى:
]وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ..[ صدق الله العظيم
فكانت المفاجأة الإستراتيجية التي تحققت بالاستخدام الأمثل لقوات مسلحة تمتلك أسلحة دفاعية وتفتقر لعناصر التفوق الرئيسية في العمليات الهجومية؛ سواء في القوات الجوية أو الأسلحة المدرعة أو عناصر الحرب الإلكترونية أو آلية القيادة والسيطرة.
إلى جانب عبقرية المخطط والقائد والإنسان والمقاتل المصري الذي تغلب على كافة التحديات والمصاعب والعراقيل التي اعترضت طريق هجومه ببذل كل ما استطاع من جهد لتجاوزها والتغلب عليها، مع تكليف القوات المسلحة بمهمة في حدود ما هو متوفر لها من قدرات وإمكانيات.. فتحقق النصر.. وَعْد الحق سبحانه وتعالى.
تابع في نفس المقال:
العامل المعنوي في القوة المصرية
العامل المعنوي في القوة الإسرائيلية


أولاً: العامل المعنوي في القوة المصرية
لإلقاء المزيد من الضوء على الدور المعنوي وانعكاساته على أداء القوات المسلحة المصرية، فإن الأمر يتطلب التعرف بعمق على موازين القوى لطرفي الصراع أثناء الحرب. ولتعدد العناصر التي تشملها قياسات موازين القوى الإستراتيجية.. فإننا سنكتفي بالتركيز على الجانب العسكري منها، وذلك بعرض لأبرز عنصرين هما: موقف تسلح وقدرات القوات المسلحة المصرية، والتحديات والعقبات التي واجهت المخطط الإستراتيجي المصري وكيف أمكنه التغلب عليها؟
1 - موقف تسليح وقدرات القوات المسلحة المصرية:
وفي مجال الحديث عن إعادة بناء القوات المصرية التي فقدت معظم أسلحتها ومعداتها في نكسة عام 1967م، يمكن القول إن مجال تنمية قدراتها وإعادة تسليحها قد تأثر بصراع العملاقين في ذلك الوقت، فالولايات المتحدة قد دعمت علاقاتها بإسرائيل، باعتبارها وسيلتها لإيقاف المد السوفييتي في الشرق الأوسط، وعلى ذلك فقد حافظت على ميزان القوى العسكري لصالح إسرائيل تأمينًا لمصالحها في المنطقة العربية، وخاصة بعد النجاح السياسي والعسكري الذي حققته القوات المسلحة الإسرائيلية في عملياتها عام 1967م، حيث ازدادت علاقة التعاون بينهما بشكل عام وفي مجال تنمية التسليح والصناعات الحربية الإسرائيلية بشكل خاص.
وعلى الجانب الآخر تذبذبت علاقات التعاون بين مصر والاتحاد السوفييتي المصدر الوحيد للإمداد بالسلاح والمعدات والذخائر للقوات المصرية، بين التقارب والفتور، خاصة بعد تقييم السوفييت لأداء الجيش المصري الذي هُزم للمرة الثانية، بما يعني هزيمة السلاح السوفييتي في مواجهة السلاح الأمريكي.
هذا ويحسب للاتحاد السوفييتي مبادرته لسرعة إمداد مصر بالأسلحة والمعدات، حيث وصل إلى مصر في 9 يونيو 1967م وفد عسكري سوفييتي على مستوى رفيع لسرعة تلبية مطالب مصر العاجلة من السلاح والمساعدة في استقبال المعدات والأسلحة السوفييتية في المواني البحرية والجوية وتوزيعها على وحدات القوات المسلحة المصرية، والتي بدأت عملية إعادة تجميعها وتنظيمها وإنشاء خط الدفاع الأول لها غرب قناة السويس، وتلاحق وصول أعداد كبيرة من الخبراء السوفييت في إطار اتفاق مع القيادة المصرية بتولي السوفييت إعادة تسليح القوات المصرية والاشتراك في تدريبها رفعًا لكفاءتها القتالية.
وفي أول أغسطس 1967م بدأت القيادة العامة المصرية أولى خطوات إعادة تنظيم القوات المسلحة وفقًا لخطة طموحة يتحول فيها إلى جيش عصري حديث يمتلك أحدث الأسلحة والمعدات التي تمكنه من إدارة عملية هجومية إستراتيجية ضد إسرائيل، وقد اصطدمت الخطة الطموحة لتسليح القوات المسلحة المصرية بالسياسة السوفييتية التي ارتكزت على عدم توفير قدرات تسليحية هجومية للجيش المصري، والاكتفاء بإمداده بقدر محدود من التسليح الذي يوفر له الحد الأدنى للدفاع عن الأراضي المصرية، مع عدم السماح له بتوفير الكم والكيف اللازمين لتحقيق التوازن مع القوات المسلحة الإسرائيلية، وذلك حتى لا تفكر القيادة السياسية والعسكرية المصرية في التخطيط لإدارة عمليات هجومية ضد إسرائيل، وقد كانت تلك السياسة مثار خلاف دائم بين الرئيس "جمال عبد الناصر" من ناحية وبين القادة السوفييت من ناحية أخرى.
وفي الثامن من مارس 1969م بدأت مصر حرب الاستنزاف ضد إسرائيل، ومع استمرار الخسائر البشرية الإسرائيلية خلالها، وفي يناير 1970م وصلت هذه الحرب إلى نقطة تحول رئيسية، حيث قامت إسرائيل بتوسيع نطاقها بتنظيم سلسلة من الغارات الجوية ضد العمق المصري، وقام سلاحها الجوي في يناير وفبراير 1970م بعدة هجمات جوية ضد أهداف مدنية في حلوان وأبي زعبل، ثم كانت كارثة مدرسة بحر البقر الذي نتج عنها قتل وإصابة أكثر من خمسين تلميذًا، الأمر الذي أثبت أن إمدادات السلاح السوفييتية لمصر لم تحقق الحد الأدنى لتوفير الدفاع عنها. وتوالت المطالبة والإلحاح من الرئيس عبد الناصر للتخلي عن السياسة السوفييتية وتوفير أسلحة وقدرات دفاعية وهجومية للقوات المصرية، دون أية استجابة من السوفييت. واستمر الوضع كذلك حتى وفاة الرئيس عبد الناصر في 28 سبتمبر 1970م.
وتولى الرئيس "محمد أنور السادات" حكم مصر، ومع استمرار الوعود السوفييتية باستكمال تسليح القوات المصرية مع المماطلة في تنفيذها، بدأت تتجه العلاقات السوفييتية - المصرية نحو التردي المتزايد، خاصة مع الرفض الصريح لإمداد مصر بأسلحة هجومية، الأمر الذي أدى إلى إصدار الرئيس السادات لقراره في 7 يوليو 1972م بإنهاء مهمة كافة المستشارين السوفييت في مصر.
وهكذا ترك الاتحاد السوفييتي مصر، ولا يوجد لقواتها أي تفوق أو تعادل ليس فقط كمِّي بل أيضًا نوعي مع القوات الإسرائيلية، خاصة في أبرز عناصرها، والتي ينبني على أساسها التخطيط للعمليات الهجومية.
فكيف أمكن اتخاذ قرار لاستخدام قوات مسلحة تفتقر كل عناصر التعادل أو التوازن التسليحي تكلف بمهمة هجومية ضد عدو لديه كل إمكانيات وقدرات التفوق الكمي والنوعي إضافة لامتلاكه رادعًا نوويًّا مع عمق تعاون الإستراتيجي مع أكبر قوة مسلحة في العالم هي الولايات المتحدة الأمريكية؟؟ ذلك هو الدور المعنوي الذي حقق التعادل والتوازن المفقود وانتهى بالنصر في حرب أكتوبر 1973!!
2 - التحديات والعقبات التي واجهت التخطيط المصري:
لقد كانت التحديات كبيرة والعقبات التي تعترض طريق هجوم القوات المصرية عظيمة، إضافة إلى الخلل الحاد في ميزان القوى لصالح إسرائيل والذي نذكر منه:
أولاً: التفوق التكنولوجي الذي لا يقارن في مجال التسليح بين مصر وإسرائيل.
ثانيًا: التفوق الذي لا يقارن بين القوات الجوية في كل من مصر وإسرائيل للدرجة التي أعلنت فيها إسرائيل أنها تمتلك أقوى سلاح جوي في العالم.
ثانيًا:وسائل الاستطلاع وعلى رأسها الأقمار الصناعية الأمريكية التي كانت ترصد أدق التفاصيل عن القوات المصرية في جبهة القتال والعمق المصري.
رابعًا: امتلاك إسرائيل لجهاز مخابرات ينسق كل المعلومات مع جهاز المخابرات الأمريكية لتحليل كل صغيرة وكبيرة عن القوات المصرية.
خامسًا:التأييد الدولي المطلق لإسرائيل و"حقها" في تأمين نفسها وحدودها حتى ولو بالاحتلال أراضي الآخرين.
هذا إضافة إلى استغلال وتحويل قناة السويس إلى مانع مائي يستحيل عبوره، وإقامة ساتر ترابي موازٍ للضفة الشرقية وصل ارتفاعه إلى حوالي 15 متر، مع إقامة 43 نقطة حصينة شرق القناة فيما عُرف بخط بارليف الحصين وما خلفه!!
من هنا تجلت عبقرية المخطط والإنسان المصري في التغلب على هذه التحديات والعقبات والعراقيل، حيث خُططت الضربة المركزة بكل الإمكانيات والقدرات المتاحة للقوات الجوية لتنفذ بقوة 227 طائرة مقاتلة لتدمير مطارات العدو في عمق سيناء ومواقع الصواريخ وعشرات من المدفعيات والرادارات ومراكز التوجيه والإنذار الإسرائيلية، إلى جانب تدمير محطات ومراكز الإعاقة والشوشرة الرئيسية والمناطق الإدارية في عمق سيناء.
وقد تزامن مع تلك الضربة الجوية المركزة وأعقبها خطوة محكمة لاستخدام المدفعية المصرية لتنفيذ أقوى تمهيد نيراني وصل إلى عشرة آلاف وخمسمائة دانة مدفعية بمعدل 175 دانة كل ثانية؛ لتدمير مصادر النيران الإسرائيلية قبل بدء عبور القوات المصرية.
وكانت مدافع المياه هي الوسيلة التي ابتكرتها العقول المصرية، واعتمدت على تجريف المياه بواسطة مضخات مياه قوية لإمكان فتح 85 ممرًّا في الساتر الترابي في الضفة الشرقية بما قدر حجم الأتربة المزاحة من كل ممر بحوالي 1500 متر مكعب.
ثم كانت سلالم الحبال التي تحمل بواسطة أحد الأفراد ليتسلق بها الساتر الترابي، ثم يُعدَّها ليتسلق عليها زملاؤه… كانت تلك السلالم هي الوسيلة التي تمكنت بها مجموعات الاقتحام بأسلحتهم وذخائرهم من التغلب على أحد أعقد العراقيل التي واجهت المخطط المصري، ثم كان التخطيط لعبور مجموعات من الصاعقة المصرية إلى الضفة الشرقية قبل بدء الهجوم الرئيسي في مهمة استشهادية؛ لقفل مواسير النيران بالأسمنت لتفادي إشعال العدو لسطح القناة.. هذا إلى جانب بناء حائط الصواريخ المصري الذي حرم طائرات القتال الإسرائيلية من الاقتراب من قناة السويس لمسافة 15 كيلو مترًا، مما هيَّأ عبورًا ناجحًا للقوات المصرية المهاجمة.. ثم كان دور القوات البحرية المصرية التي قفلت "باب المندب"؛ لتضيف بُعدًا جديدًا إلى عبقرية الإنسان المصري.
هذا إضافة إلى المعجزة المصرية في إعداد وتجهيز مسرح العمليات للقوات المصرية في ظل التدخل الإيجابي العسكري الإسرائيلي المباشر بقواته الجوية ومدفعياته التي ركَّزها لمنع استكمال ذلك الإعداد، والتي يكفي القوال إن حجم الإعداد الهندسي فقط لأفرع القوات المسلحة المصرية وصل إلى ما يعادل أربعة أمثال حجم الهرم الأكبر.
تلك بعض من كثير مما واجه المخطط المصري من مصاعب ومشاكل لاقتحام قناة السويس وتدمير خط "بارليف" والتي قدر المحللون العسكريون بأنها ستكلف القوات المصرية عند محاولة تجازوها حدًّا يصل إلى ما بين 75 إلى 100 ألف قتيل وجريح إضافة إلى تدمير حوالي 40 إلى 50% من حجم المعدات ووسائل القتال المصرية!!
وعلى ذلك فإن الروح المعنوية العالية وإرادة القتال الصعبة وعزيمة الإنسان المصري إلى جانب التنسيق الناجح مع القوة المسلحة السورية، ومواجهة العدو الإسرائيلي – لأول مرة - في توقيت واحد بهجوم على جبهتين، إلى جانب تضامن عربي فعَّال، وفي إطار خطة خداع إستراتيجية اشتركت فيها كافة أجهزة الدولة في مصر.. تلك كانت المفاجأة الحقيقية لكل من رأى ولم يصدق، حيث كانت كافة الاستعدادات تُجرى في ظل رصد دقيق لكل تحرك عسكري على الجبهتين المصرية والسورية.. إضافة إلى تحديد هدف إستراتيجي مناسب مع القدرات والإمكانيات التسليحية والفنية والقتالية المتاحة للقوة المسلحة المصرية.
تلك المفاجأة التي حققتها القوات المسلحة المصرية والتي أدت إلى أن وصلت خسائرها في عملية اقتحام قناة السويس وتدميرها لتحصينات خط بارليف وصلت إلى 64 شهيدًا ، 420 جريحًا فقط، مع إصابة 17 دبابة وتعطيل 26 عربة مدرعة، وإصابة 11 طائرة قتال".
وعلى الجانب الآخر قدرت خسائر إسرائيل بنهاية العمليات بنحو "2838 قتيل" 2800 جريح، 508 أسير ومفقود، 840 دبابة، و400 عربة مدرعة، 109 طائرة قتال وهليوكوبتر وسفينة حربية واحدة".
مما أجمع معه قادة جيوش العالم بأن القوة المسلحة المصرية في حرب أكتوبر 1973م قد نجحت في "قهر المستحيل" بهزيمتها للجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر!!

ثانيًا: العامل المعنوي في القوة الإسرائيلية
قبل بداية العمليات بأيام قليلة كان يمكن مشاهدة القوات المصرية والتي لا يفصلها عن القوات الإسرائيلية سوى قناة السويس بعرض حتى 180 مترًا فقط. كان يمكن مشاهدة القوات المصرية وهي قائمة بإعداد زوارق العبور وتجهيز الفتاحات على الجسور وساحات العبور على امتداد قناة السويس. قوات مسلحة بكامل أسلحتها ومعداتها على الجبهة المصرية وقوات مسلحة بكامل أسلحتها ومعداتها على الجبهة السورية، تتخذ أوضاعها لاستكمال خطة الفتح الإستراتيجي لبدء الحرب إلى جانب مظاهر أخرى كثيرة ومتعددة.
إلا أن سلوك القوات الإسرائيلية في الساعات الأولى من الهجوم كان دليلاً عمليًّا على أنه أخذته المفاجأة التامة. وقد تضاربت أقوال العدو وأدلته وشهادات قادته بعد ذلك حول هذه النقطة تضاربًا شديدًا، ففي مرحلة ساد القول "بأنهم رأوا ولكنهم لم يفهموا"! وفي رأي آخر ساد القول "بأنهم رأوا وفهموا ولكنهم لم يصدقوا". وكأن ذلك يُصَدِّق قول الله تعالى:]وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُون[ صدق الله العظيم.
إن الحقيقية المؤكدة وراء ذلك التصور يرجع أيضًا إلى الدور المعنوي الذي تغلغل في عقول ووجدان ونفوس المقاتل الإسرائيلي سواء القادة أو الضباط وضباط الصف والجنود، وهو السبب الرئيسي وراء الهزيمة الساحقة في حرب أكتوبر 1973م رغم امتلاكهم كل عناصر التفوق في معادلة موازين القوى ليس فقط بينهم وبين القوة المسلحة لكل من مصر وسوريا، بل للقوات المسلحة العربية على إطلاقها.. ويمكن الحديث هنا عن عاملين رئيسين:
أولهما: الثقة الزائدة في النفس التي وصلت إلى حد الغرور:
فقد انتشرت وسادت وتأكدت مقولة "الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر"، حيث قال موشى ديان وزير الدفاع الإسرائيلي في ديسمبر عام 1969م: "لن تنال عمليات العبور المصرية – إن حدثت - من قبضة إسرائيل المحكمة على خط بارليف؛ لأن الاستحكامات الإسرائيلية على الخط أشد منعة وأكثر تنظيمًا.. ويمكن القول بأنه خط منيع يستحيل اختراقه، وإننا الأقوياء إلى حد نستطيع معه الاحتفاظ به إلى الأبد".
وفي مناسبة أخرى قال: "إن خطوطنا المنيعة أصبحت الصخرة التي سوف تتحطم عليها عظام المصريين، وإذا حاولت مصر عبور القناة فسوف تتم إبادة ما بقي من قواتها".
وقال رئيس الأركان دافيد إليعازر: "إن خط بارليف سيكون مقبرة للجيش المصري". وفي 10 أغسطس 1973م تحدث ديّان في كلية الأركان وقال: "إن ميزان القوى في صفنا إلى حد كبير لدرجة أنه يقضي على تفكير العرب ودوافعهم لتجديد أعمال عدوانية فورية".
ثانيهما: عدم الثقة في قدرة المقاتل العربي على التخطيط وإدارة عمليات ناجحة:
ولعل أكثر ما يؤكد ذلك أنه في يومي 4،5 أكتوبر 1973م أي قبل بدء العمليات الهجومية بساعات محدودة عرف الإسرائيليون أن الأسر السوفييتية يتم ترحيلها جوًّا من القاهرة ودمشق إلى روسيا، ومنهم عدد من المستشارين المدنيين، إلا أنه بوصول تلك المعلومات إلى رئيس الأركان الإسرائيلي، طمأنه مدير المخابرات الإسرائيلية بأن ذلك لا يعني شيئًا غير عادي.
ومع تزايد حجم التحركات للقوات المصرية، انتهت القيادة العسكرية الإسرائيلية - بالتعاون مع جهاز المخابرات الأمريكي - إلى تحليل لتلك المعلومات أفاد "أن توزيع القوات المصرية في الضفة الغربية للقناة يدل على أن المصريين يُعِدُّون أنفسهم لمهام دفاعية فقط"! وحتى صباح السادس من أكتوبر كانت هيئة الأركان الإسرائيلية ترى "أن ذلك اليوم سيمر دون أن يحدث شيء"!!
الخلاصة:
لقد أكدت حرب أكتوبر 1973م دور الجانب المعنوي وأهميته المطلقة في تحقيق النصر في المعارك الحربية، وأن إرادة القتال المرتكزة على هذا العامل يمكن أن تواجه وتنتصر على قوات متفوقة كمًّا وكيفًا.. ولعل دروس التاريخ تؤكد تلك الحقيقية؛ فقد استطاع المقاتل في فيتنام هزيمة أقوى قوة عسكرية في العالم، واستطاع المقاتل في اليابان أن يفرض على الولايات المتحدة استخدام القنبلة الذرية في هيروشيما وناجازاكي؛ لتحسم الحرب لصالحها بعد أن كان النصر مؤكدًا لصالح اليابان.
ولعل ما تم في الجنوب اللبناني وما قامت به المقاومة اللبنانية مؤخرًا ما فرض الانسحاب الإسرائيلي المخزي من جنوب لبنان، كما أن دور المقاومة الفلسطينية وانتفاضتها كانت الدافع الرئيس لاعتراف إسرائيل بمنظمة التحرير الفلسطينية وسعيها لعقد اتفاق معها.
وعلى ذكرى حرب أكتوبر 1973م فلنا أن نرصد عوامل القصور في استعداد القوات المسلحة الإسرائيلية بكل ما لديها من أسلحة تقليدية وفوق تقليدية ونووية والتي أدت إلى هزيمتها، إنما يرجع إلى العديد من العوامل لعل أهمها:
أولاً: عدم التقدير السليم بكفاءة المخطط الإستراتيجي المصري والسوري على استخدام قوات مسلحة تعاني كل ذلك القصور، سواء في التسليح أو الكفاءة الفنية (كفاءة السلاح)، خاصة بعد قطع مصر لعلاقاتها مع الاتحاد السوفييتي المورد الرئيسي للسلاح والذخائر لها.
ثانيًا: عدم الثقة في قدرة القوات المسلحة المصرية والسورية على تخطي المصاعب والعراقيل التي تعترض القوات المهاجمة من موانع طبيعية أو صناعية أو تحصينات ميدانية، أو وسائل إنذار وأجهزة نقل المعلومات سواء من عناصر إلكترونية أو أقمار صناعية.
ثالثًا: عدم تصور إمكان تنسيق بين دولتين عربيتين لاستخدام قواتهما المسلحة في تخطيط مشترك ناجح للهجوم على إسرائيل من جبهتين في وقت واحد.
رابعًا: عدم تصور إمكان تحقيق تضامن عربي فعَّال يمكن أن يحشد كل الطاقات العربية وراء القوات المسلحة المصرية والسورية سواء منها الاقتصادية والتي تمثلت في استخدام البترول كسلاح في المعركة، أو تقديم كل الدعم العسكري اللازم من معظم الدول العربية لصالح المعركة، وذلك باعتبار أن العقيدة الإسرائيلية كانت تراهن دائمًا على تفكيك وتجزئة الأمة العربية من ناحية، وعدم قدرة العرب على تجميع قدراتهم الحقيقية من ناحية أخرى.
تلك كانت أهم العوامل التي استغلتها القيادة السياسية والعسكرية ببراعة تامة من خلال إعداد معنوي مخطط ومتقن ومدروس مهد الطريق لنصر أكتوبر العظيم



إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#47

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

معركة أنوال
تعد معركة أنوال من أهم المعارك التي شهدها العالم الحديث في القرن العشرين. وقد خاضها عبد الكريم الخطابي ضد الاستعمار الإسباني معتمدا في ذلك على حرب شعبية كان لها صيت عالمي كبير. إذاً، ماهي أسباب ودواعي هذه الحرب الضروس؟ وما هي الخطة التي اتبعها عبد الكريم في هذه المعركة؟ وما هي نتائجها؟ هذه هي الأسئلة التي سنحاول الإجابة عنها في مو ضوعنا هذا. خرج مؤتمر الجزيرة الخضراء سنة1906 بوضع المغرب تحت الحماية الأجنبية. فاستهدفت اسبانيا شماله و جنوبه، بينما ركزت فرنسا على وسطه. أما طنجة فكانت منطقة دولية. لقد واجهت إسبانيا أثناء تغلغلها في منطقة الريف الشرقي مقاومة شرسة وحركة جهادية قادها محمدالشريف أمزيان من سنة 1906 إلى 1912. وكانت حملة الشريف الدفاعية منصبة على عرقلة تغلغل الأسبان في أزغنغان بعد مده للسكة الحديدية لاستغلا ل مناجم الحديد في أفرا و جبل إكسان. وقد كبد الشريف الأسبان خسائر مادية وبشرية، كما قضى على ثورة الجيلالي الزرهوني والذي يلقب في المغرب ببو حمارة أو الروكي. وبعد موت الشريف أمزيان في 15 ماي 1912 ستواصل أسرة عبد الكريم الخطابي النضال المستميت ضد التكالب الاستعماري: الأسباني والفرنسي. وستقف في وجه أطماع الحكام الأسبان والطبقة الأرستقراطية المناصرة لسياسة الحرب وأطماع الحزب الحاكم. ولما أحس محمد عبد الكريم الخطابي بأطماع إسبانيا في الريف الشرقي التي تتمثل في احتلال الحسيمة و الحصول على خيرات الريف واستغلال معادنها بعد استيلائها على الناظور و تطوان والاستعداد للانقضاض على ثورة الريسوني لاحتلال شفشاون، قرر سي محمد أن يؤسس إمارة جهادية؛ وذلك بتوحيد قبائل الريف مثل: كزناية و بني ورياغل و بني توزين وتمسمان... وأسس إمارته على أحكام شريعة الله وأنظمة الإدارة الحديثة، وأبعد الريفيين عن الفوضى و الثأر، وأجبرهم على الاحتكام إلى عدالة الشرع والقضاء الإسلاميين. هذا وقد أحدث عهد عبد الكريم قطيعة بين عهدين:
  • 1- عهد السيبة والفوضى الذي يمتد من أواخر القرن 19 إلى أوائل العقد الثاني من القرن العشرين بكل ما شهده من سخائم و نعرات عشائرية.
  • 2- عهد الثورة التحريرية الممتدة من1921الى 1926، إذ عرف الريف عدة إصلاحات وفي مقدمتها القضاء على حدة الفوضى و الثأر.
  • ولما عرف عبد الكريم نوايا حكومة أسبانيا الاستعمارية نظم جيشه أحسن تنظيم على الرغم من نقص العدد والعدة. وكان عبد الكريم مثالا في الشجاعة والبطولة و العدل والتشبع بالا سلا م؛ لذلك اتخذه الريفيون بطلا جماهيريا يقود ثورة شعبية من الجبليين والفلاحين للدفاع عن ممتلكاتهم و أعراضهم باسم الجهاد والحق المبين. ولايعني هذا أن إمارة الريف مستقلة عن السلطة المركزية؛ بل كانت موالية لها أتم الولاء والخضوع والاحترام. فرضتها الظروف المرحلية و العسكرية. وقد أثبت جرمان عياش في كتابه "أصول حرب الريف" هذه التبعية والولاء عندما أقام المؤلف "لائحة بأسماء عمال مخزنيين تمتد من 1835 إلى 1900 وتشهد على استمرار حضور ممثلين عن المخزن في الإقليم، كما كشف عن وجود ست قصبات في مختلف أنحاء الريف ترابط بها حاميات مخزنية. وكل هذا يدل على أن الريف كان خاضعا للسلطة المركزية على عكس ما تدعيه الروايات الأجنبي.
  • ولم تكن ثورة الريف التحريرية لعبد الكريم بدافع إقليمي؛ بل كانت بدافع وطني ضد الاستعمار، وبدافع قومي لتحرير الشعوب الإسلامية من ربقة الاستعمار والجهل والتخلف. وإذا انتقلنا إلى سيناريو معركة أنوال، فقد بدأت إسبانيا تعقد أملا على احتلال خليج الحسيمة بعد أن عقد المقيم العام الجنرال بيرينغير صلحا مع قبائل الريف، واستقبل بحفاوة من قبائل الأعيان و بعض الرؤساء من بني ورياغل وبني سعيد وبنطيب. وعاد المقيم العام إلى تطوان متفائلا مسرورا و مشيدا بعمل سلبستري القائد العام للجيوش الغازية المعتدية. كما اطمأن وزير الحرب الأسباني"إيزا" إلى هذا الوضع المريح عسكريا و سياسيا. و على الرغم من هذا التفاؤل الزائد، كان الريفيون وخاصة رجال بني سعيد وبني وليشك وأهل كرت على أهبة للانقضاض على عدوهم سلبستري الذي أحرق غلتهم و منازلهم، وصادر أغنامهم دون أن يدفع لهم تعويضا مقابلا عن ذلك؛ ودفعهم إلى الهجرة نحو الجزائر خوفا من بطشه، و من موت الفقر والجفاف. هذا، وقد اتفق الجنرال بيرينغير مع رئيس الشرطة الأهلية بمليلية الكولو نيل غبريل موراليس على التوجه نحو الريف للتفاوض مع عبد الكريم؛ وذلك بإغرائه ب7 ملايين دولار، زيادة على أسلحة حديثة و جميع أنواع الذخيرة التي تمكنه من مقاومة الجيش الفرنسي مقابل التنازل عن خليج الحسيمة. لكن عبد الكريم رفض هذه المساومات، وأصدر أمرا يقضي بفرض غرامات على كل من يتفاوض مع الأسبان في هذه القضية المصيرية، كما هدد الأسبان بعدم اجتيازهم "وادي أمقران" و إلا سيتصدى لهم الأبطال الأشاوس من تمسمان و بني توزين. وقد أثار هذا التهديد حفيظة سلبستري، و قرر غزو المنطقة ساخرا من تهديدات عبد الكريم ومستصغرا من شأنه ومن عدته الحربية. و بعد ذلك، بدأ سلبستري في بناء الثكنات و الحاميات العسكرية لتسهيل الإمدادات الحربية وتأمين وجود قواته و تمركزها بشكل أفضل و مقبول في كل المناطق الريفية الإستراتيجية، فاقترب الجنرال من ظهار أبران في أواخر شهر ماي1921 لمحاصرة الموقع، وجس النبض؛ بيد أن الريفيين تصدوا للجيش الغازي و ألحقوا به هزيمة شنعاء مازال يتذكرها الشعر الأمازيغي: قديما و حديثا
  • و عليه، فقد " توجه الثوار بهجوم ضد مركز أبران فاقتحموه، وقتلوا جميع من كان به من ضباط و جنود إلا عددا قليلا استطاع الهروب، فالتحقوا إما بأنوال و إما بسيدي إدريس
  • وأصدر الجنرال برينغير أوامره لسلبستري بعدم التقدم إلى الأمام؛ لكنه لم يعر أدنى اهتمام لهذه الأوامر، وتوجه مباشرة نحو أنوال للسيطرة على الموقع. و هناك نشبت معركة حامية الوطيس دامت خمسة أيام شارك فيها العدو ب25 ألف من الجنود، و لم يحضر إلى أنوال من مجاهدي عبد الكريم سوى ألفي مجاهد، أما الجنود الآخرون فكانوا ينتظرون الفرصة السانحة، و يترقبون الأوضاع مع زعيمهم عبد الكريم بأجدير. وفي الساعة السادسة مساء من 20 يوليوز1921، وصل عبد الكريم ب1500 جندي إلى موقع أنوال؛ لتشتعل الحرب حتى صباح 21 يوليو من نفس السنة ، و انتهت الحرب بانتحار سلفستري و موت الكولونيل موراليس الذي أرسل عبد الكريم جثته إلى مليلية؛ لأنه كان رئيسه في إدارة الشؤون الأهلية سابقا. وقد اتبع عبد الكريم في هذه المعركة خطة التخندق حول "إغريبن"، و منع كل الإمدادات و التموينات التي تحاول فك الحصار على جيش العدو. " وكانت الضربة القاضية لمركز ( إغريبن)عندما أدرك المجاهدون نقطة ضعف الجنود الأسبان المحاصرين المتمثلة في اعتمادهم على استهلاك مياه (عين عبد الرحمـن) ب(وادي الحمام) الفاصل بين (ءاغريبن) و( أنوال)، فركزوا حصارهم حول هذا النبع المائي، و بذلك حرم الجنود الأسبان من الماء، واشتد عطشهم إلى درجة اضطرارهم إلى شرب عصير التوابل وماء العطر و المداد، ولعق الأحجار، بل وصل بهم الأمر إلى شرب بولهم مع تلذيذه بالسكر…كما جاء في المصادر الأسبانية.
  • وقد تتبعت جيوش عبد الكريم فلول الجيش الأسباني، وألحق به عدة هزائم في عدة مواقع ومناطق مثل: دريوش وجبل العروي وسلوان فأوصله حتى عقر داره بمليلية. وبعد ذلك أصدر عبد الكريم أمره بالتوقف وعدم الدخول إلى مليلية المحصنة لاعتبارات دولية وسياسية وعسكرية. وفي هذا يقول أزرقان مساعده الأيمن في السياسة الخارجية: "نحن – الريفيين- لم يكن غرضنا التشويش على المخزن من أول أمرنا، ولا الخوض في الفتن كيفما كانت، ولكن قصدنا الأهم، هو الدفاع عن وطننا العزيز الذي كان أسلافنا مدافعين عنه، و اقتفينا أثرهم في رد الهجومات الاعتدائية التي قام بها الأسبان منذ زمان، وكنا نكتفي بالدفاع عن الهجوم عليه فيما احتله من البلدان مثل مليلية التي كان في طوقنا أخذها بما فيها، من غير مكابدة ضحايا جهادية؛ لكنا لم نفعل ذلك لما كنا نراه في ذلك من وخامة العاقبة، فانه ليس عندنا جند نظامي يقف عند الحدود التي يراعيها…"
  • و يعترف عبد الكريم بغلطته الكبرى عن عدم استرجاعه لمليلية في مذكراته: " على إثر معركة جبل العروي، وصلت أسوار مليلية، وتوقفت، وكان جهازي العسكري ما يزال في طور النشوء. فكان لابد من السير بحكمة، وعلمت أن الحكومة الأسبانية وجهت نداء عاليا إلى مجموع البلاد، وتستعد لأن توجه إلى المغرب كل ما لديها من إمدادات، فاهتممت أنا، من جهتي بمضاعفة قواي و إعادة تنظيمها، فوجهت نداء إلى كل سكان الريف الغربي، و ألححت على جنودي وعلى الكتائب الجديدة الواردة مؤخرا، بكل قوة، على ألا يسفكوا بالأسرى ولا يسيئوا معاملتهم، ولكني أوصيتهم في نفس الوقت وبنفس التأكيد، على ألا يحتلوا مليلية، اجتنابا لإثارة تعقيدات دولية وأنا نادم على ذلك بمرارة وكانت هذه غلطتي الكبرى"-
  • ومن نتائج معركة أنوال ما غنمه الريفيون من عتاد عسكري حديث. وفي هذا الصدد يقول عبد الكريم في مذكراته أيضا: "ردت علينا هزيمة أنوال 200 مدفع من عيار 75 أو65 أو 77، وأزيد من 20000 بندقية ومقادير لا تحصى من القذائف وملايين الخراطيش، وسيارات و شاحنات، وتموينا كثيرا يتجاوز الحاجة, وأدوية، وأجهزة للتخييم، و بالجملة، بين عشية وضحاها و بكل ما كان يعوزنا لنجهز جيشا و نشن حربا كبيرة، وأخذنا 700أسير، وفقد الأسبان 15000 جندي ما بين قتيل و جريح"-
  • وكان لهذا الانتصار الريفي في معركة أنوال صدى طيب على المستوى الوطني والعربي، وقيل الكثير من الشعر للإشادة بهذه النازلة العظيمة؛ وقد شاع بعد ذلك أن بعض الأدباء جمع ما قيل في موضوع الحرب في ديوان سماه"الريفيات"، -
  • وعلى المستوى الإعلامي، وقف الرأي العالمي من الحركة التحريرية الريفية موقفين متقابلين: موقف مؤيد وموقف معارض. " فالتيار المعارض هو بطبيعة الحال، التيار الكولونيالي المتشبع بالفكر الاستعماري الذي له مصالح كثيرة و مشاريع لها علاقة بالمستعمرات، حيث كان من الطبيعي أن يقف مدافعا و مؤيدا لكل السياسات التي كانت ترمي إلى تقوية النفوذ الاستعماري و خدمة أطماعه، ولكن بأقل التضحيات، وكان هذا التيار يتكون من اليمين الأوربي بمفهومه الواسع، ومن النخبة الأرستقراطية بصفة خاصة. وقد انضافت إليه، ومن تلقاء نفسها، أصوات يهودية كانت تعتبر نجاح الثورة الريفية بمثابة القضاء الأكيد على تواجد الجاليات اليهودية بالشمال الإفريقي... أما التيار الثاني، فقد كان يشكله أساسا الرأي العام الشيوعي..."-
  • أما في أمريكا اللاتينية، فكان ينظر إلى عبد الكريم بمثابة بطل ثوري عالمي يشبه عندهم سيمون بوليفار أحد رواد الحركة التحريرية هناك. أما الرأي العام الإسلامي " فقد كان يعلق آمالا كثيرة على نجاح الثورة الريفية، وعبر عن استنكاره في أكثر من مناسبة تضامنا مع المسلمين في الريف؛ لكنه كان مغلوبا على أمره."
  • ولقد اتخذت خطة عبد الكريم الحربية تكتيكا عسكريا لدى الكثير من الزعماء والمقاومين في حركاتهم التحريرية عبر بقاع العالم لمواجهة الإمبريالية المتغطرسة مثل:هوشي منه و ماوتسي طونغ و عمر المختار و تشيغيفارا وفيديل كاسترو، ولا ننسى كذلك الثورتين:الجزائرية و الفلسطينسة. وكانت لهذه الحرب انعكاسات سياسية و عسكرية خطيرة على إسبانيا و فرنسا بالخصوص؛ مما اضطرت هاتان الدولتان للتحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية للقضاء على الثورة الريفية قبل أن تستفحل شوكة عبد الكريم الذي بدأ يهدد كيان فرنسا ويقض مضجعها. فشن التكالب الاستعماري هجوما عنيفا و كاسحا بريا و بحريا وجويا، واستعملت في هذه الحملة العدائية المحمومة أبشع الأسلحة المتطورة الخطيرة السامة لأول مرة؛ وتم تجريبها على الريفيين الأبرياء من أجل مطامع استعمارية دنيئة
  • ولقد انتهت هذه الهجمات المركزة على معاقل المقاومة الريفية باستسلام مجاهد السلام البطل عبد الكريم الخطابي يوم 26 مايو 1926، و نفيه إلى جزيرة لاريونيون "la réunion" إلى حدود سنة 1947؛ ليستقر بعد ذلك في مصر.
  • هذه نظرة موجزة عن معركة أنوال التي ستبقى ذكراها راسخة في تاريخ المغرب الحديث. وما أحوجنا اليوم إلى تمثل دروس هذه المعركة بقيمها النبيلة وأخلاقياتها الرفيعة وبطولاتها الخارقة التي تذكرنا بأمجاد ومعارك وحروب أسلافنا الأشاوس الميامين! وما أحوجنا للتشبع بقيمها الوطنية والقومية للنهوض بوطننا العزيز و أمتنا الإسلامية، والتمسك بالوحدة الترابية لمواجهة كل مناورات المعتدين وأطماع الاستعمار المباشر وغير المباشر.

إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#48

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

سقوط بغداد عاصمة الخلافة العباسية



رد: موسوعة معارك اسلامية(3)
جنكيز خان أقام إمبراطورية بالإرهاب والعسف


نجح جنكيز خان في إقامة إمبراطورية كبيرة ضمن أقاليم الصين الشمالية، واستولت على العاصمة بكين، ثم اصطدم بالدولة الخوارزمية التي كانت تجاوره بسبب سوء تصرف حاكمها "محمد خوارزم شاه". وانتهى الحال بأن سقطت الدولة وحواضرها المعروفة مثل: "بخارى"، "وسمرقند"، و"نيسابور" في يد المغول بعد أن قتلوا كل من فيها من الأحياء، ودمروا كل معالمها الحضارية، وتوفي جنكيز خان سنة (624هـ = 1223م) بعد أن سيطرت دولته على كل المنطقة الشرقية من العالم الإسلامي.

الاستعداد لغزو الخلافة العباسية
بعد سلسلة من الصراعات على تولي السلطة بين أمراء البيت الحاكم تولى "منكوقآن بن تولوي بن جنكيز خان" عرش المغول في (ذي الحجة 648هـ = إبريل 1250م). وبعد أن نجح في إقرار الأمن وإعادة الاستقرار في بلاده اتجه إلى غزو البلاد التي لم يتيسر فتحها من قبل، فأرسل أخاه الأوسط "قوبيلاي" على رأس حملة كبيرة للسيطرة على جنوب الصين ومنطقة جنوب شرق آسيا، وأرسل أخاه الأصغر هولاكو لغزو إيران وبقية بلاد العالم الإسلامي، وعهد إليه بالقضاء على طائفة الإسماعيلية وإخضاع الخلافة العباسية.

خرج هولاكو على رأس جيش كبير يبلغ 120 ألف جندي من خيرة جنود المغول المدربين تدريبا عاليا في فنون القتال والنزال ومزودين بأسلحة الحرب وأدوات الحصار، وتحرك من "قراقورم" عاصمة المغول سنة (651هـ = 1253م) متجها نحو الغرب تسبقه سمعة جنوده في التوغل والاقتحام، وبأسهم الشديد في القتال، وفظائعهم في الحرب التي تزرع الهلع والخوف في النفوس، ووحشيتهم في إنزال الخراب والدمار في أي مكان يحلون به.
القضاء على الإسماعيلية
وعندما وصل هولاكو إلى الأراضي الإيرانية خرج أمراؤها لاستقباله وأمطروه بالهدايا الثمينة وأظهروا له الولاء والخضوع، ثم عبر هولاكو نهر جيحوم واتجه إلى قلاع طائفة الإسماعيلية، ودارت بينه وبينها معارك عديدة انتهت بهزيمة الطائفة ومقتل زعيمها "ركن الدين خورشاه".
وكان لقضاء المغول على طائفة الإسماعيلية وقع حسن عَمَّ العالم الإسلامي على الرغم مما عاناه من وحشية المغول وتدميرهم؛ وذلك لأن الإسماعيلية كانت تبث الرعب والفزع في النفوس، وأشاعت المفاسد والمنكرات، وأذاعت الأفكار المنحرفة، وكان يخشى بأسها الملوك والسلاطين.
رسائل متبادلة
نجح هولاكو في تحقيق هدفه الأول بالقضاء على الطائفة الإسماعيلية وتدمير قلاعها وإبادة أهلها، وبدأ في الاستعداد لتحقيق هدفه الآخر بالاستيلاء على بغداد والقضاء على الخلافة العباسية؛ فانتقل إلى مدينة "همدان" واتخذها مقرا لقيادته، وكان أول عمل قام به أن أرسل إلى الخليفة العباسي المستعصم بالله رسالة في (رمضان 655 هـ = مارس 1257 م) يدعوه فيها إلى أن يهدم حصون بغداد وأسوارها ويردم خنادقها، وأن يأتي إليه بشخصه ويسلم المدينة له، وأوصاه بأن يستجيب حتى يحفظ مركزه ومكانته ويضمن حريته وكرامته، وإن أبى واستكبر فسيحل بأهله وبلاده الدمار والخراب، ولن يدع أحدا حيا في دولته.
جاء رد الخليفة العباسي على كتاب هولاكو شديدا ودعاه إلى الإقلاع عن غروره والعودة إلى بلاده، ثم أرسل هولاكو رسالة ثانية إلى الخليفة ذكر له فيها أنه سوف يبقيه في منصبه بعد أن يقر بالتبعية للدولة المغولية، ويقدم الجزية له؛ فاعتذر الخليفة العباسي بأن ذلك لا يجوز شرعا، وأنه على استعداد لدفع الأموال التي يطلبها هولاكو مقابل أن يعود من حيث أتى.
كان رد هولاكو على رسالة الخليفة أشد إنذارا وأكثر وعيدا وفي لهجة عنيفة وبيان غاضب وكلمات حاسمة؛ فحل الفزع في قلب الخليفة؛ فجمع حاشيته وأركان دولته واستشارهم فيما يفعل؛ فأشار عليه وزيره "ابن العلقمي" أن يبذل الأموال والنفائس في استرضاء هولاكو وأن يعتذر له، وأن يذكر اسمه في الخطبة، وينقش اسمه على السكة، فمال الخليفة إلى قبول هذا الرأي في بداية الأمر غير أن مجاهد الدين أيبك المعروف بـ"الدويدار الصغير" رفض هذا الاقتراح، وحمل الخليفة العباسي على معارضته متهما ابن العلقمي بالخيانة والتواطؤ مع هولاكو؛ فعدل الخليفة عن رأيه السابق ومال إلى المقاومة.
حصار بغداد
رد: موسوعة معارك اسلامية(3)
هولاكو استباح كل الحرمات في بغداد


يئس هولاكو من إقناع الخليفة العباسي بالتسليم؛ فشرع في الزحف نحو بغداد وضرب حولها حصارا شديدا، واشتبك الجيش العباسي الذي جهزه الخليفة العباسي بقيادة مجاهد الدين أيبك بالقوات المغولية فكانت الهزيمة من نصيبه، وقتل عدد كبير من جنوده لقلة خبرتهم بالحروب وعدم انضباطهم، وفر قائد الجيش مع من نجا بنفسه إلى بغداد.
كان الجيش المغولي هائلا يبلغ حوالي 200 ألف مقاتل مزودين بآلات الحصار، ولم تكن عاصمة الخلافة العباسية تملك من القوات ما يمكنها من دفع الحصار ودفع المغول إلى الوراء، في الوقت الذي كان يظن فيه هولاكو أن ببغداد جيشا كبيرا، ثم تكشفت له الحقيقة حين اشتد الحصار، ونجحت قواته في اختراق سور بغداد من الجانب الشرقي، وأصبحت العاصمة تحت رحمتهم.
سقوط بغداد
أحس الخليفة بالخطر، وأن الأمر قد خرج من يديه؛ فسعى في التوصل إلى حل سلمي مع هولاكو، لكن جهوده باءت بالفشل؛ فاضطر إلى الخروج من بغداد وتسليم نفسه وعاصمة الخلافة إلى هولاكو دون قيد أو شرط، وذلك في يوم الأحد الموافق (4 من صفر 656 هـ= 10 فبراير 1258م) ومعه أهله وولده بعد أن وعده هولاكو بالأمان.
كان برفقه الخليفة حين خرج 3 آلاف شخص من أعيان بغداد وعلمائها وكبار رجالها، فلما وصلوا إلى معسكر المغول أمر هولاكو بوضعهم في مكان خاص، وأخذ يلاطف الخليفة العباسي، وطلب منه أن ينادي في الناس بإلقاء أسلحتهم والخروج من المدينة لإحصائهم، فأرسل الخليفة رسولا من قبله ينادي في الناس بأن يلقوا سلاحهم ويخرجوا من الأسوار، وما إن فعلوا ذلك حتى انقض عليهم المغول وقتلوهم جميعا.
ودخل الغزاة الهمج بغداد وفتكوا بأهلها دون تفرقة بين رجال ونساء وأطفال، ولم يسلم من الموت إلا قليل، ثم قاموا بتخريب المساجد ليحصلوا على ذهب قبابها، وهدموا القصور بعد أن سلبوا ما فيها من تحف ومشغولات قيمة، وأتلفوا عددا كبيرا من الكتب القيمة، وأهلكوا كثيرا من أهل العلم فيها، واستمر هذا الوضع نحو أربعين يوما، وكلما مشطوا منطقة أشعلوا فيها النيران، فكانت تلتهم كل ما يصادفها، وخربت أكثر الأبنية وجامع الخليفة، ومشهد الإمام موسى الكاظم، وغيرها من البنايات التي كانت آية من آيات الفن الإسلامي.
وبالغ المؤرخون في عدد ضحايا الغزو المغولي حين دخلوا بغداد، فقدرهم بعض المؤرخين بمليون وثمانمائة ألف نسمة، على حين قدرهم آخرون بمليون نسمة، وفي اليوم التاسع من صفر دخل هولاكو بغداد مع حاشيته يصحبهم الخليفة العباسي، واستولى على ما في قصر الخلافة من أموال وكنوز، وكانت الجيوش المغولية أبقت على قصر الخلافة دون أن تمسه بسوء، ولم يكتف هولاكو بما فعله جنوده من جرائم وفظائع في العاصمة التليدة التي كانت قبلة الدنيا وزهرة المدائن ومدينه النور، وإنما ختم أعماله الهمجية بقتل الخليفة المستعصم بالله ومعه ولده الأكبر وخمسه من رجاله المخلصين الذين بقوا معه ولم يتركوه في هذه المحنة الشديدة.
وبمقتل الخليفة العباسي في (14 من صفر 656 هـ = 20 من فبراير 1258م) تكون قد انتهت دولة الخلافة العباسية التي حكمت العالم الإسلامي خمسة قرون من العاصمة بغداد لتبدأ بعد قليل في القاهرة عندما أحيا الظاهر بيبرس الخلافة العباسية من جديد.



إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#49

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

معركة لهري جزء من حملة المغرب التاريخ 13 نوفمبر1914 المكان قرية لهري على مسافة 15 كيلومترا من خنيفرة النتيجة نصر ساحق للزيانيين الأطراف المتخاصمة الزيانيون الأمازيغ فرنسا القادة موحا أوحمو الزياني الكولونيل هنريس الحشود 2500 رجل أربع فرق تضم 1300 جندي، معززززززززززززة بالمدفعية الخسائر مقتل 33 قتيلا من الضباط و650 قتيل من الجنود و176 جريح، وغنم المقاومون المغاربة كثيرا من العتاد العسكري الحديث ، فحصلوا على 3 مدافع كبيرة و10 مدافع رشاشة وعدد كبير من البنادق وعشرات الخيول المحملة بالذخيرة الحربية والمؤن.
معركة لهري الملحمية من أهم المعارك التي خاضها الزيانيون الأمازيغ ضد المحتل الفرنسي الذي استهدف إذلال الأطلسيين وتركيعهم، واستنزاف خيراتهم واغتصاب ممتلكاتهم، والتصرف في مواردهم وأرزاقهم، والتحكم في رقابهم وحرياتهم التي عاشوا من أجلها. ولايمكن الحديث في الحقيقة عن المقاوم البطل موحا أوحمو الزياني إلا في ارتباط وثيق مع هذه المعركة التي سجلت معالم وجوده بدماء حمراء في صفحات التاريخ الحديث والمعاصر في القرن العشرين الميلادي.


قرر المحتل الفرنسي إخضاع جبال الأطلس الكبير والمتوسط والصغير قصد تطويق المقاومة الأمازيغية ومحاصرتها برا وجوا وبحرا من أجل فرض الأمن واستتباب الطمأنينة في نفوس المعمرين الأجانب لاستغلال المغرب واستنزاف خيراته الاقتصادية. لكن احتلال المغرب ضمن أبعاد فرنسا الاستعمارية ونواياها المبيتة لن يكون في صالح الحكومة الحامية إلا بالاستيلاء على الأطلس المتوسط باعتباره ممرا إستراتيجيا يفصل الشمال عن الجنوب، ويفصل أيضا الغرب عن الشرق، ويهدد كذلك وجود فرنسا بالجزائر ومدينة وجدة والمغرب الشرقي الجنوبي ، ويهدد كل المناطق المتاخمة للحدود الجزائرية.
كما يكتسي الأطلس المتوسط أهمية جغرافية واقتصادية على المستوى المائي والفلاحي والغابوي؛ لكونه منبعا لكثير من الأنهار والمصبات بفضل كثرة الثلوج المتساقطة على المنطقة ، والتي تتحول إلى مجار وينابيع وعيون مائية تنساب في الكثير من الأنهار كنهر أم الربيع ونهر ملوية ووادي العبيد. وبالتالي، تساهم هذه الأنهار والأودية في إنشاء السدود وتوليد الطاقة الكهربائية، فضلا عن توفر الأطلس المتوسط على خط المواصلات المباشر الذي يربط بين مراكشوفاس عبر أم الربيعوخنيفرة. وقد دفع هذا الوضع الإستراتيجي الإقامة الفرنسية بالرباط إلى التفكير في احتلال الأطلس المتوسط لفتح الطرق والممرات البرية لتسهيل التواصل بين فاس ومراكش وتسخير خيرات الجبال لصالح فرنسا التي كانت تخوض حربا كونية ضد دول المحور التي كانت تتزعمها الإمبراطورية الألمانية بقيادة بسمارك. كما أن أغلب المقاومين الذين كانوا يحاربون فرنسا كانوا يحتمون بجبال الأطلس المتوسط ولاسيما المقاومين الزيانيين .
وقد أثبت ليوطي المقيم العام بالمغرب في 2 ماي 1914م دوافع احتلال الأطلس المتوسط حينما صرح قائلا:" إن بلاد زيان تصلح كسند لكل العصاة بالمغرب الأوسط، وإن إصرار هذه المجموعة الهامة في منطقة احتلالنا، وعلاقتها المستمرة مع القبائل الخاضعة، يكون خطرا فعليا على وجودنا، فالعصاة المتمردون والقراصنة مطمئنون لوجود ملجإ وعتاد وموارد، وقربها من خطوط محطات الجيش ومناطق الاحتلال جعل منها تهديدا دائما لمواقعنا، فكان من الواجب أن يكون هدف سياستنا، هو إبعاد كل الزيانيين بالضفة اليمنى لأم الربيع".
ونفهم من خلال هذا التصريح أن خوض المعركة ضد الزيانيين بجبال الأطلس المتوسط فرضته دوافع إستراتيجية تتمثل في محاصرة المقاومة الأمازيغية التي كانت تساعد القبائل المجاورة والسهول المحتلة من قبل على التحرر والانعتاق من قبضة المحتل الفرنسي الذي بذل مجهودات جبارة من أجل السيطرة عليها وتطويعها.


سياق معركة لهري ومراحلها
بعد معارك ضارية في منطقة تادلا إلى جانب رفيقه في المقاومة موحا أو سعيد، تراجع أوحمو الزياني إلى مدينة خنيفرة التي كان قائدا لها، فجمع الزيانيين ووحد القبائل الأمازيغية بالأطلس المتوسط وتحالف مع القبائل الأطلسية المجاورة، فكون جيشا قويا مدربا على الرغم من نقص العتاد والأسلحة والمؤن التي تؤلهم للاستمرار في المعركة مدة طويلة. ولما فشل الفرنسيون في استمالة موحا أوحمو وإغرائه وتسويفه ، قررت القوات الغازية بقيادة الكولونيل هنريس Henrys أن تشن حرب الإبادة ضده وضد القبائل الأمازيغية وخاصة قبيلة زيان المعروفة بالشجاعة النادرة وقوة الشكيمة كما يعترف بذلك الجنرال گيوم :" لاتكمن قوة الزيانيين في كثرة عددهم بقدر ماتكمن في قدرتهم على مواصلة القتال بالاعتماد على ماكانوا يتحلون به من بسالة وتماسك وانتظام، وأيضا بفضل مهارة فرسانهم البالغ عددهم 2500 رجل، فكانوا بحق قوة ضاربة عركتها سنوات طويلة من الاقتتال. كما كانت أيضا سرعة الحركة والإقدام إلى جانب القدرة العفوية على المخاتلة في الحرب من الصفات المميزة لمقاتليهم..."
ويتبين لنا من هذا الاعتراف الذي صرح به قائد القوات الأجنبية أن الزيانيين بقيادة موحا أوحمو كانوا من المقاومين الأشداء، ومن المناضلين المتمرسين على فنون الحرب والقتال، يمتازون بالقوة والشجاعة، والاستشهاد في سبيل الله والاعتماد على الإيمان في خوض حروبهم ضد المستعمرين المحتلين، و اختيار حرب العصابات وأسلوب الكر والفر والمقاومة الشعبية السريعة والخاطفة في مواجهة الأعداء المتغطرسين وسحقهم.
وعلى أي، فقد دخل الفرنسيون بقيادة الكولونيل هنريس مدينة خنيفرة في 12 يونيو 1914م بجيش تجاوز تعداده ثلاثين ألف محارب ، فاضطر القائد موحا أو حمو الزياني إلى إخلائها والاحتماء بالجبال المجاورة للمدينة ، فبدأ يشن هجماته المرات والمرات على مدينة خنيفرة، ودخل مع المحتل في مناوشات واصطدامات كثيرة انتهت بخسائر جسيمة في صفوف الجيش الفرنسي.
هذا، وقد تعسكر موحا أوحمو مع أتباعه في مخيم بمنطقة لهري استعدادا لكل هجوم مباغت وفرارا من مدينة خنيفرة التي سيطر عليها الكولونيل هنريس، وتقع قرية لهري على مسافة 15 كيلومترا من خنيفرة. ولما علم الكولونيل بوجود موحا أوحمو الزياني بمعسكر لهري مع أتباعه القليلي العدد، استغل ليلة شتاء 13 نوفمبر 1914م لمباغتة المقاومين داخل مخيمهم بعد أن أباد الأطفال والشيوخ والنساء بدون رحمة. وهكذا، بادر الجيش الفرنسي بقوات حاشدة لتطويق المقاومة بصفة نهائية، وهنا يقول محمد المعزوزي:" وقام بتنفيذ خطته يوم 12 نونبر، حيث تحرك بأربع فرق تضم 1300 جندي، معززززززززززززة بالمدفعية، وتوجه إلى معسكر لهري حيث قام بهجوم مباغت على الدواوير ومكان المجاهدين".
وكانت المعركة التي ظنها المستعمر الفرنسي سهلة المرامي، فإذا بها تصبح بفضل شجاعة المقاومين الأشداء حربا حامية الوطيس تلطخت بدماء القتلى وجثث الغزاة التي افترشت الثرى بعد الهجوم العسكري الفاشل:" لقد كان الهجوم على معسكر الزياني عنيفا، حيث بدأ في الساعة الثالثة صباحا، وتم تطويق المعسكر من أربعة جهات في آن واحد، ليبدأ القصف شاملا، حيث قذفت الخيام المنتصبة التي تحتوي الأبرياء، وقام الجنود بأمر من لاڤيردور بمهاجمة القبائل المحيطة بالقرية، فيما استغل البعض الآخر – الجنود- الفرصة لجمع القطيع الموجود من الأغنام والأبقار، واختطاف النساء توهما بالنصر.
هذا في الوقت الذي كان فيه حشد آخر يقصد الجبل لتمشيطه من المقاومة، وبذلك تحولت منطقة لهري إلى جحيم من النيران، وسمعت أصوات الانفجارات في كل المناطق المجاورة، وظن قائد الحملة العسكرية على لهري أن النصر حليفه، وأنه وضع حدا لمقاومة الزياني. غير أنه أصيب بخيبة أمل حينما فوجئ برد عنيف من طرف المقاومين ليدرك بعد ذلك أنه ألقى بنفسه وبقوته في مجزرة رهيبة ودوامة لاسبيل للخروج منها."
بيد أن المعركة ستحسب لصالح موحا أوحمو الزياني بعد أن تحالفت معه القبائل الأمازيغية المجاورة، والتي حضرت بسرعة خاطفة خاصة إشقرين وآيت بوحدو وآيت نوح وآيت بويشي وآيت شارط وآيت بومزوغ وآيت خويا وآيت إحند وآيت يحيى وآيت سخمان وآيت إسحق تسكارت وآيت بوحدو ولمرابطين وقبائل زيان. وقد حاصرت هذه القبائل جميعها الجنود الفرنسيين من كل النواحي ، وطوقتهم بشكل مباغت ومفاجئ ، فواجهتهم بكل الأسلحة الموجودة لديهم من بنادق وفؤوس وخناجر، وقد أبانت هذه القبائل عن محبتها للقائد موحا أوحمو وعن روح قتالية عالية ورغبة كبيرة في الانتقام من الغزاة الطامعين.
وقد أظهرت الحرب هزيمة الفرنسيين بعد مقتل الكثير من الجنود والضباط ؛ مما جعل القواد يطلبون مزيدا من التعزيزات والوحدات الإضافية، لكن موحا أوحمو لم يترك لهم فرصة الانسحاب، فتتبع قواتهم الفارة، فحاصرها من كل النواحي إلى أن فتك بالكولونيل لاڤريدور عند نقطة بوزال؛ مما اضطر باقي جنوده إلى الإذعان والاستسلام لقائد قبائل زيان، بعد أن تمكن المقاوم الأمازيغي موحا أو حمو من القضاء على نصف القوات الغازية المعتدية.

حققت معركة لهري التي قادها البطل المقاوم موحا أو حمو برفقة الزيانيين والقبائل الأمازيغية المتحالفة نتائج إيجابية على جميع الأصعدة، ولا سيما أنها كبدت المستعمر المحتل عدة خسائر في العتاد والأرواح البشرية، فكانت بمثابة فاجعة مأساوية بالنسبة للفرنسيين حتى قال الجنرال " گيوم " Guillaume أحد الضباط الفرنسيين الذين شاركوا في الحملة على قبائل الأطلس المتوسط في مؤلفه "البربر المغاربة وتهدئة الأطلس المتوسط (1939/1912): "لم تمن قواتنا قط في شمال إفريقيا بمثل هذه الهزيمة المفجعة"•
وقد بين محمد المختار السوسي في كتابه "المعسول" بأن معركة لهري أسفرت عن مقتل أكثر من عشرين شخصية عسكرية ذات الرتب العالية ناهيك عن أسر الكثير من الجنود، وفي هذا الصدد يقول :" ومن أكبر الوقائع في الحروب وقعة الهري التي استوصل (قتل) فيها رؤساء جنود الفرنسيين أكثر من 20 فيهم الكولونيلات والقبطانات (capitains ) والفسيانات (officiers )، وتفصيلها أن العسكر الفرنسي تقدم بقوة عظيمة وتوغل في تلك الجبال إلى أن وصل الهري المذكور، فانقض عليه عسكر زيان( بزعامة موحا أو حمو الزياني) ومن معهم وسدوا عليهم المسالك التي سلكوها وجعلوا يقتلونهم كيف يشاؤون ويأسرون إلى أن أفنوهم".
وقد ترتبت عن هذه المعركة مقتل 33 قتيلا من الضباط و650 قتيل من الجنود و176 جريح، وغنم المقاومون المغاربة كثيرا من العتاد العسكري الحديث ، فحصلوا على 3 مدافع كبيرة و10 مدافع رشاشة وعدد كبير من البنادق وعشرات الخيول المحملة بالذخيرة الحربية والمؤن.

إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#50

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

معركة نصيبين ضربات الخيانة لدولة الخلافة


رد: موسوعة معارك اسلامية(3)
محمد علي باشا


اجتاحت جيوش "إبراهيم باشا بن محمد علي" بلاد الشام عام (1247هـ=1831م)، وتساقطت مدنه واحدة تلو الأخرى دون مقاومة تُذكر، حتى مدينة عكا التي استعصت على نابليون بونابرت ولم يفلح في اقتحامها، نجح إبراهيم باشا في فتحها، وكان لسقوطها دوي عظيم، ونال فاتحها ما يستحقه من تقدير وإعجاب.
ومضى الفاتح في طريقه حتى بلغ "قونيه"، وكان العثمانيون قد هجروها حين ترامت الأنباء بقدوم إبراهيم باشا وجنوده، ولم يبق بها سوى الجيش العثماني بقيادة رشيد باشا، وكان قائدًا ماهرًا يثق فيه السلطان العثماني ويطمئن إلى قدرته وكفاءته، ولم يكن هناك مفر من القتال، فدارت رحى الحرب بين الفريقين في (27 من جمادى الآخرة 1248هـ= 21 من نوفمبر 1832م) عند قونيه، ولقي العثمانيون هزيمة كبيرة، وأُسر القائد العثماني، وأصبح الطريق مفتوحًا إلى القسطنطينية.
أسباب الحملة على الشام
كان السبب المعلن لقيام محمد علي بحملته الظافرة على الشام هو اشتعال النزاع بينه وبين عبد الله باشا والي عكا، الذي رفض إمداد محمد علي بالأخشاب اللازمة لبناء أسطوله، وآوى عنده بعض المصريين الفارين من الخدمة العسكرية ودفع الضرائب، ورفض إعادتهم إلى مصر، وكان الخليفة العثماني "محمود الثاني" يقف وراء النزاع، ويُعضِّد والي عكا في معارضته محمد علي، ولم تكن العلاقة بين الخليفة العثماني وواليه في مصر على ما يرام.
غير أن الذي جعل محمد علي يقدم على هذه الخطوة هو أنه كان يرى أن سوريا جزء متمّم لمصر، ولا يتحقق الأمن بمصر ويأمن غائلة العدو إلا إذا كانت سوريا تحت سيطرته وسلطانه، وأن حدود مصر الطبيعية في جهة الشرق هي جبال طوروس، وليست صحراء العرب، ومن ثم كان يتحين الفرصة لتحقيق هدفه، حتى إذا ما لاحت انتهزها، وجرّد حملته إلى الشام.


اتفاقية كوتاهية
فزع السلطان محمود الثاني من الانتصارات التي حققها إبراهيم باشا فلجأ إلى الدول الأوروبية لمساعدته والوقوف إلى جانبه، لكنها لم تُجبه؛ لانشغالها بأحوالها الداخلية، ورأت في النزاع القائم مسألة داخلية يحلها السلطان وواليه، عند ذلك لجأ السلطان إلى روسيا –العدو اللدود للدولة العثمانية- لتسانده وتساعده، فاستجابت على الفور، ولم تتلكأ، ووجدت في محنة الدولة فرصة لزيادة نفوذها في منطقة المضايق، فأرسلت قوة بحرية رست في البسفور، وهو ما أقلق فرنسا وإنجلترا، وتوجستا من تدخل روسيا وانفرادها بالعمل، والتظاهر بحماية الدولة العثمانية، وكانت الدولتان تتمسكان بالمحافظة على كيان الدولة العثمانية؛ خشية من روسيا التي لم تكن تُخفي أطماعها في جارتها المسلمة.
تحركت الدولتان لفض النزاع وإعادة الأمن بين الخليفة وواليه الطموح، ولم يكن أمام السلطان العثماني سوى الرضوخ لشروط محمد علي في الصلح، فلا فائدة من حرب نتائجها غير مضمونة لصالحه، في الوقت الذي يسيطر فيه إبراهيم باشا على الشام، ويلقى ترحيبًا وتأييدًا من أهله.
عُقد الصلح في كوتاهية في (18 من ذي القعدة 1249هـ= 8 من إبريل 1833م)، واتفق الطرفان على أن تتخلى الدولة العثمانية لمحمد علي عن سوريا وإقليم أدنة مع تثبيته على مصر وجزيرة كريت والحجاز، في مقابل جلاء الجيش المصري عن باقي بلاد الأناضول.
اشتعال الثورة في الشام
لم يكن صلح كوتاهية بين الطرفين سوى هدنة مسلحة قبلته الدولة العثمانية على مضض، وأُكرهت على قبوله؛ ولذا كانت تعد العدة لنقض الصلح وتنتظر الفرصة السانحة لاسترداد ما أخذه محمد علي منها قسرا وكرها دون رضى واتفاق، وإنما أملاه السيف وفرضته آلة الحرب.
وسنحت الفرصة للسلطان العثماني في سنة (1250هـ=1834م) حين قامت الثورة في سوريا على إثر ما أدخله إبراهيم باشا من النظم الجديدة في إدارة شئون البلاد للنهوض بها ولم يكن للناس عهد بها، وزاد من ثورة الناس ضد الحكم المصري ما فرضه على الناس من ضرائب، وإجبار الناس على الالتحاق بالجيش ونزع السلاح من أيدي الأهالي.
وعلى الرغم من أن سوريا شهدت نشاطًا في التجارة، وازدهارًا في الصناعة واستتبابًا في الأمن بفضل المشروعات التي أدخلها إبراهيم باشا في البلاد، فإن ذلك لم يكن كافيا لنَيل رضى الناس؛ إذ صاحبه استبداد وقهر.
لم تكن أصابع السلطان العثماني بعيدة عن إشعال الثورة، وتأجيج الغضب في القلوب، فشبّت الفتنة في أماكن عديدة، وبذل إبراهيم باشا جهودًا خارقة في إخماد الفتنة وقمع الثورة، واستنفد ذلك أموالاً طائلة ونفوسًا كثيرة.
الحملة الثانية على الشام
فشلت المفاوضات بين الدولة العثمانية ومصر في تسوية النزاع بينهما بطريقة ودية، فأعلن محمد علي عن عزمه في قطع العلائق التي تربط مصر بدولة الخلافة العثمانية، وقد كان يعينه على ذلك تنامي قوته وازدياد نفوذه، وعجزت الدول الأوروبية أن تثنيه عن عزمه، ولم يكن يرضيها ظهور قوة إسلامية فتية، ربما يشاء لها القدر أن تبثّ الحياة في جسد الخلافة الواهن، فيهب من رقدته، ويسترد بعضا من عافيته، فيعيد إلى الأذهان جلال هيبته، وعظمة قوته.
كان السلطان العثماني قد أعد العدة لاسترداد سوريا من محمد علي، فحشد قواته على الحدود، ولما أتم العثمانيون استعدادهم بدءوا في زحفهم، فعبروا نهر الفرات وواصلوا زحفهم حتى اجتازت طلائعهم الحدود المرسومة السورية - التركية التي حددتها اتفاقية كوتاهية، فأرسل إبراهيم باشا إلى أبيه يخبره بالأمر، وفي الوقت نفسه لم ينتظر رد أبيه، بل تحرك بجيشه الذي كان يقيم بحلب؛ حيث أجلى العثمانيين عن مواقعهم، وفي أثناء ذلك جاء الرد من محمد علي إلى ابنه بألا يكتفي بصد هجوم العثمانيين وأن يعبر الحدود إذا اقتضى الأمر ذلك لسحق الجيش العثماني.
معركة نزيب (نصيبين)
اتجه إبراهيم باشا بجيشه الذي يبلغ أربعين ألف مقاتل إلى حيث يعسكر الجيش العثماني، ويحتل مواقعه الحصينة في بلدة نزيب التي تقع بالقرب من الحدود التركية - السورية، وكان الجيش العثماني يبلغ تعداده أربعين ألف مقاتل، وقد أُعِدّ إعدادًا حسنا، وعلى كفاءة عالية في فنون القتال.
وفي (11 من ربيع الآخر 1255هـ = 24 من نوفمبر 1839م) التقى الفريقان عند قرية نزيب في معركة هائلة حسمها إبراهيم باشا لصالحه، وألحق بالعثمانيين هزيمة مدوية، وكان ثمن النصر باهظا؛ حيث سقط أربعة آلاف جندي مصري بين قتيل وجريح.
وقبل أن تصل أنباء هذه الكارثة إلى عاصمة الخلافة العثمانية كان السلطان محمود الثاني قد قضى نحبه في (17 من ربيع الآخر 1255هـ= 30 من يونيو 1839م)، وخلفه ابنه عبد الحميد، وكان شابا لا يتجاوز السادسة عشرة من عمره، تسلّم قيادة الدولة العثمانية في ظروف بالغة الصعوبة، فأراد أن يحسم الخلاف مع محمد علي؛ حقنًا لدماء المسلمين، ومنعًا للتدخل الأجنبي، وبعث برسول إليه للتفاوض في أمر الصلح، ونقاط الخلاف بين الطرفين.


إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#51

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

فتح عكا وعودتها الى احضان الاسلام



رد: موسوعة معارك اسلامية(3)
أنهى الخليل قلاوون الوجود الصليبي في الشام


شاءت الأقدار أن تكون دولة المماليك التي خرجت من رحم الأخطار العاتية التي أحدقت بالعالم الإسلامي هي التي تحمل على كاهلها تصفية الوجود الصليبي، ووقف الزحف المغولي المدمر الذي سحق في طريقه كل شيء، وزرع الفزع والهلع في نفوس الناس، وكاد يهلك ويدمر معالم الحضارة الإسلامية، ولو لم يكن لهذه الدولة من المفاخر سوى هذا لكفاها فخرًا، فما بالك وقد أحيت الخلافة العباسية في القاهرة، وازدهرت في ربوعها الفنون والعلوم والعمارة.
المماليك والحروب الصليبية
وكان أول نجاح أحرزه المماليك في وجه الصليبيين هو انتصارهم في معركة المنصورة المعروفة، وإيقاعهم بالملك الفرنسي "لويس التاسع"، زعيم الحملة الصليبية السابعة أسيرا، ولم يفرج عنه إلا بعد أن تعهد بألا يقصد شواطئ الإسلام مرة أخرى.
وواصل "الظاهر بيبرس" الجهاد ضد الصليبيين، ووضع برنامجًا طموحًا للقضاء عليهم وطردهم من الشام، وبدأت هجماته وحملاته في وقت مبكر من توليه السلطنة؛ فهاجم إمارة إنطاكية سنة (660هـ= 1262م) وكاد يفتحها، ثم بدأ حربه الشاملة ضد الصليبيين منذ عام (663هـ= 1265م) ودخل في عمليات حربية ضد إمارات الساحل الصليبي، وتوج أعماله العظيمة بفتح مدينة إنطاكية سنة (666هـ= 1268م)، بعد أن ظلت رهينة الأسر الصليبي على مدى أكثر من مائة وخمسين عامًا، وكان ذلك أكبر انتصار حققه المسلمون على الصليبيين منذ أيام حطين واسترداد بيت المقدس.
وواصل المماليك جهادهم ضد الصليبيين في عهد السلطان "المنصور قلاوون"، الذي تولى السلطنة في سنة (678هـ= 1279م)، فاستولى على "حصن المرقب" سنة (684هـ= 1285م)، واسترد "اللاذقية" سنة (686هـ= 1287م)، وفتح "طرابلس" بعد حصار دام شهرين في (688هـ= 1289م) ثم تلتها "بيروت" و"جبلة"، ولم يبق للصليبيين في الشام سوى "عكا" و"صيدا" و"عثليت" وبعض المدن الصغيرة، وتجهز لفتح "عكا"، غير أن المنية كانت أسبق من إنجاز حلمه؛ فتوفي في (ذي القعدة 689هـ= نوفمبر 1290م).
الأشرف خليل
وبعد وفاته خلفه على السلطنة ابنه "الأشرف خليل"، وشاء الله تعالى أن يطوي آخر صفحة للحروب الصليبية على يديه، وأن ينهي الفصل الأخير من القصة الدامية للحروب الصليبية في بلاد الشام.
لم يكن "الأشرف خليل" محبوبًا من أمراء المماليك، حتى إن أباه لم يكتب له ولاية العهد؛ بسبب شدته وصرامته واستهانته بأمراء المماليك، لكنه كما يقول "ابن إياس" في "بدائع الزهور": "كان بطلاً لا يكل من الحروب ليلاً ونهارًا، ولا يعرف في أبناء الملوك من كان يناظره في العزم والشجاعة والإقدام".
استهل "الأشرف" حكمه بالتخلص من بعض رجال الدولة البارزين، الذين كانت لهم السطوة والنفوذ في عهد أبيه، وبإحلال الأمن في جميع ربوع البلاد، وبدأ في الاستعداد لمواصلة الجهاد ضد الصليبيين، وإتمام ما كان أبوه قد بدأه، وهو فتح عكا، وإنهاء الوجود الصليبي.
الاستعداد للمعركة
خرج الأشرف خليل من القاهرة في (صفر 690هـ= 1291م) قاصدًا "عكا"، وأرسل في الوقت نفسه إلى كل ولاته بالشام بإمداده بالجنود والعتاد، ونودي في الجامع الأموي بدمشق بالاستعداد لغزو "عكا" وتطهير الشام نهائيًا من الصليبيين، واشترك الأهالي مع الجند في جر المجانيق.
وخرج الأمير "حسام الدين لاجين" نائب الشام بجيشه من "دمشق"، وخرج الملك المظفر بجيشه من "حماة"، وخرج الأمير "سيف الدين بلبان" بجيشه من "طرابلس"، وخرج الأمير "بيبرس الدوادار" بجيشه من "الكرك"، وتجمعت كل هذه الجيوش الجرارة عند أسوار عكا، وقدر عددها بنحو ستين ألف فارس، ومائة وستين ألفًا من المشاة؛ مجهزين بالأسلحة وعدد كبير من آلات الحصار، وبدأت في فرض حصارها على "عكا" في (ربيع الآخر 690هـ= 5 من إبريل 1291م)، ومهاجمة أسوارها وضربها بالمجانيق؛ وهو ما مكنهم من إحداث ثقوب في سور المدينة.
اشتد الحصار الذي دام ثلاثة وأربعين يومًا، وعجز الصليبيون عن الاستمرار في المقاومة، ودب اليأس في قلوبهم؛ فخارت قواهم، وشق المسلمون طريقهم إلى القلعة، وأجبروا حاميتها على التراجع؛ فدخلوا المدينة التي استسلمت، وشاعت الفوضى في المدينة، بعد أن زلزلت صيحات جنود المماليك جنبات المدينة، وهز الرعب والفزع قلوب الجنود والسكان؛ فاندفعوا إلى الميناء في غير نظام يطلبون النجاة بقواربهم إلى السفن الراسية قبالة الشاطئ؛ فغرق بعضهم بسبب التدافع وثقل حمولة القوارب.
انهارت المدينة ووقع عدد كبير من سكانها أسرى في قبضة المماليك، وسقطت في يد الأشرف خليل في (17 من جمادى الأولى 690هـ= 18 مايو 1291م)، ثم واصل سعيه لإسقاط بقية المعاقل الصليبية في الشام؛ فاسترد مدينة "صور" دون مقاومة، و"صيدا" ودمرت قواته قلعتها، وفتح "حيفا" دون مقاومة، و"طرسوس" في (5 من شعبان 690هـ= 3 من أغسطس 1291م)، و"عثليث" في (16 من شعبان 690هـ).
ظلت الجيوش المملوكية تجوب الساحل الشامي بعد جلاء الصليبيين من أقصاه إلى أقصاه بضعة أشهر تدمر كل ما تعتبره صالحًا لنزول الصليبيين إلى البر مرة أخرى، وبهذا وضع "الأشرف خليل" بشجاعته وإقدامه خاتمة الحروب الصليبية.
عاد السلطان إلى القاهرة يحمل أكاليل النصر، وسار موكبه في الشوارع يسوق أمامه عددًا كبيرًا من الأسرى، وخلفهم جنوده البواسل يحملون أعلام الأعداء منكسة، ورؤوس قتلاهم على أسنة الرماح.
قلاوون وقطز!
ولم تطل مدة حكم الأشرف خليل أكثر من ثلاث سنوات وشهرين وأربعة أيام؛ فقد كان الود مفقودًا بينه وبين كبار المماليك، وحل التربص وانتظار الفرصة التي تمكن أحدهما من التخلص من الآخر محل التعاون في إدارة شئون الدولة، وكانت يد الأمراء المماليك أسرع في التخلص من السلطان، ولم يشفع عندهم جهاد الرجل في محاربة الصليبيين؛ فكانت روح الانتقام والتشفي أقوى بأسًا من روح التسامح والمسالمة؛ فدبروا له مؤامرة وهو في رحلة صيد خارج القاهرة – كما فعل بقطز بعد انتصاره على التتار في عين جالوت- وتمكنوا من قتله في (12 من المحرم 693هـ= ديسمبر 1293م) وبقيت جثته ملقاة في الصحراء أيامًا إلى أن نُقلت إلى القاهرة؛ حيث دفنت بالمدرسة التي أنشأها لنفسه بالقرب من ضريح السيدة نفيسة.‏


إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#52

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

حصار العثمانين لمدينة الكوت وانتصار عظيم لقوات رجل اوربا المريض


ويعتبر حصار الكوت أكبر فاجعة وقعت لأية حملة عسكرية بريطانية وكتب لهذا الحصار أن يبقى بصفته أكبر هزيمة شهدتها بريطانيا بعد حصار عقيم دام (147) يوماً اضطر فيها (13) ألف عسكري بريطاني وهندي الاستسلام للقوات العثمانية ولم يقف الأمر عند هذا الحد فمن بين (13) ألف أسير حرب الذين استسلموا في الكوت لقي (7) آلاف أسير منهم حتفه في طريق الأسر إلى اسطنبول فيما قتل (23) ألف آخرون في محاولات فاشلة كان الهدف منها فك الحصار عن القوات البريطانية في الكوت.

وصول القوات البريطانية إلى الكوت :

عندما وصلت القوات البريطانية إلى الكوت زاحفة من البصرة حدث اشتباك وتراشق مدفعي بين القوات العثمانية والقوات البريطانية فقرر القائد العثماني نور الدين الانسحاب من سلمان باك وإخلاء المدينة حيث تركت القوات العثمانية المدينة يوم 29/أيلول/1915 فدخلتها القوات البريطانية في نفس اليوم , فاندفعت قوات طاونزند تطارد القوات العثمانية نحو سلمان باك وهناك حدثت أعظم معارك الحرب من حيث أهمية نتائجها حيث كان القتال مذبحة رهيبة اشتبك فيها جنود الفريقين يداً بيد حتى النهاية عندها شرعت القوات البريطانية بالانسحاب نحو الكوت مستفيدة من ظلام الليل والعثمانيون يطاردون البريطانيون وصلت القوات البريطانية المدينة وفي 5/ كانون الأول/1915 قامت القوات العثمانية بتحقيق التماس مع قوات طاونزند وأصبحت قوات نور الدين تطوق المدينة.

قبل القصف المدفعي على المدينة كتب نور الدين القائد التركي إلى طاونزند رسالة يدعوه فيها للاستسلام فشكر طاونزند نور الدين على لطفه ودعوته وانتهى كل شيء. بدأت كل المدافع تصب نيرانها على منطقة لا تتجاوز أربع أميال مربعة إنها الكوت.

وقد أمر طاونزند بهدم بعض البيوت لفتح طرق واسعة تكفي لعبور عربات النقل وتم الاستيلاء على سوق البلدة وقاموا بتحويله إلى مستشفى ونقل إليه مئات المرضى والجرحى وقد عاش أهل الكوت مشقة كبرى في الحصول على الماء لأن قناصة الأتراك يطلقون النار على كل من يقترب من النهر كما عانى أهل الكوت كما هو حال القوات البريطانية من شحة الوقود وكان أصعب الأمور على الأهالي إعداد الخبز وطبخ الطعام وكان نتيجة القصف المدفعي الذي انهال على المدينة من كل زاوية أن قطعت رؤوس الأشجار والنخيل حيث كانت المدفعية التركية تقصف المدينة بمعدل يزيد عن الألف قذيفة يومياً إضافة لقصف الطائرات فكانت تؤدي إلى نسف البيوت وقتل المواطنين.

ولقد جرت معارك ضارية لتخليص حامية الكوت المحاصرة وكان الفريق آيلمر قائداً لفيلق دجلة المكلف بإنقاذه قوة طاونزند المحاصرة في الكوت وحشد آيلمر قواته في علي الغربي فقرر العميد نور الدين العثماني التصدي للقوات التي تحاول فك الحصار عن الكوت وجرت عدة معارك ضارية وهي :-

1. معركة شيخ سعد.

2. معركة وادي كلال.

3. معركة أم الحنة.

4. معركة الفلاحية الثالثة.

5. معركة بيت عيسى والصناعيات.

6. معركة سابس.

وفي هذه المعركة معركة سابس رفع قائد الفيلق التركي العميد علي إحسان شعار (من يحب الله فليذهب إلى سابس) كانت خسائر القوات البريطانية (21000) بين قتيل وجريح ولم تستطيع القوة فك الحصار عن قوات طاونزند.

محاولات إغاثة القوة المحاصرة :

كان آخر المحاولات لإغاثة القوة البريطانية المحاصرة هي إرسال طائرة ترمي المواد الغذائية فسقط قسم منها في شط الحي (الغراف) والقسم الآخر في نهر دجلة.

وعن مراحل الحصار قال الباحث مثنى :

تقسم مراحل الحصار للقوات البريطانية إلى ثلاث مراحل :-

الأولى :- التي تبدأ من اليوم الأول من الحصار وهو 7/ ت1/1915 حيث كانت الأرزاق فيها تعطى للجنود كاملة واستمرت هذه المرحلة (50) يوماً انتهت في 30/ ك2/ 1916.

الثانية :- بدأت من أول شباط واستمرت حتى 9/آذار/1916 فقد أنقصت الأرزاق إلى النصف.

الثالثة :- كانت الأرزاق فيها تكاد لا تكفي إلا لسد الرمق وقد استمرت هذه المرحلة (50) يوماً وشرع الجنود يأكلون الكلاب والقطط حتى نفدت تماماً ولم ينجو إلا كلب القائد طاونزند وكلب الجنرال مليس.

في هذه الفترة أصبحت الملابس رثة ومتسخة بشكل لا يمكن وصفه وأصبح النعاس الناشئ عن الجوع الحاد من الأمور الواضحة فكان كل واحد من الحرس يسقط نائماً سواء كان واقفاً أو قاعداً وتبلدت الأحاسيس وغدت الأفخاذ نحيفة جداً وأصبحت الأصابع بارزة العظام وبدت الأسنان كبيرة وصارت العيون غائرة , وقد كانت النار الخاصة ممنوعة حيث لم يبق وتد واحد لقد قلعت كلها واستعملت وقوداً وصدر القرار التالي (من يلق عليه القبض متلبساً بجريمة سرقة وتد سوف ينفذ فيه حكم الإعدام) وحين بدأت الليالي تبرد أكثر راحت الصلبان الخشبية تسرق من المقبرة لاستعمالها كحطب , مطاعم الضباط نفذ منها السكر والملح وظل لحم الخيل يقدم خال من الملح فيترك مذاقه في الفم وكأنه مادة معدنية , صار الجميع يبحثون عن الحشائش ليطبخوا منه طعاماً شبه ظاهري بالسبانخ فيتحول إلى مادة خضراء اللون سوداء وقد كانت الحشائش في بعض الأحيان تحتوي على أنواع سامة فصدر الأمر التالي للحامية (التوقف عن أكل الحشيش) راح الرجال يتعقبون ويمسكون كل شيء يتحرك على الأرض فيأكلونه بعد قليه بزيت المحركات , كانت السجائر مصدر قلق ولكن من حسن الحظ إن كل ما يحرق يعطي دخاناً وهكذا راح الجنود يدخنون أوراق الشاي وجذور الحطب وأوراق شجر الليمون التي كانوا يسمونها في سخرية فريجينيا معمل الطابوق.

آخر المحاولات الباخرة جلنار :

حاول الإنكليز إرسال سفينة محملة بمئات الأطنان من مواد الإعاشة إلى الكوت لكن خبر إرسال السفينة قد وصل إلى الأتراك من خلال عيونهم وجواسيسهم فلما وصلت الكوت شعر بها حراس الشاطئ وأطلقوا النار بكثافة وسقطت بأيدي الجنود الأتراك عندها استسلمت القوات البريطانية بقيادة طاونزند إلى القوات التركية في 26/ نيسان/1916 دون قيد أو شرط.



إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#53

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

معركة القدس

(15 – 28 أيار 1948م)هو اسم يطلق على المعارك التي قامت بين الجيش الأردني في القدس والقوات الأسرائيلية في حرب فلسطين التي تمكن من خلالها الأردن من السيطره على القدس الشرقية بما فيها البلدة القديمة. يسمي الأسرائيليون هذه المعارك (المعركة من اجل القدس)
بدأ القتال في القدس بعد انسحاب قوات الانتداب منها حيث أخذ اليهود داخل المدينة وخارجها يقذفون الأحياء العربية بمدافع الهاون وقدر عدد القوات اليهودية داخل المدينة بين 6 – 8 آلاف جندي . عندما اشتدت وطأة القتال في القدس وخشي السكان العرب سقوط المدينة أرسلوا برقية إلى الملك عبد الله الأول في عمان يناشدونه نجدتهم فأصدر أوامره بتحريك القوات إلى القدس وبعث برقية إلى كلوب باشا يطلب منه إرسال القوات إلى القدس وأخذت قوات الجيش الأردني تتجه إلى القدس وكانت (السرية الأولى المستقلة) أولى هذه القوات في احتلال مواقعها في جبل الزيتون.
معركة القدس مقدمة: حينما قررت الجمعية العمومية للامم المتحدة في 29 نوفمبر سنة 1947 تقسيم فلسطين ووضع القدس ومنطقتها إلى تمتد من شعفاط شمالا والعيزريةْ شرقا وبيت لحم جنوبا وقالونية غربا، تحت اشراف دولي، وافق اليهود على المشروع كله مع الاعتراض على دولية القدس ورفض العرب المشروع كله بما في ذلك دولية القدس.
وعدت الجمعية العامة إلى مجلس الوصاية بوضع نظام للوصاية الدولية على القدس ففعل على أساس ايجاد إدارة موحدة. يشترك فيها العرب واليهود وممثلوا الأمم المتحدة، وتستند إلى مجلس استشارى مثشرك والى حاكم عام له صلاَحيات واسعة تعينه الأمم المتحدة.
وقبل نهاية الانتداب، وفى أثناء الحصار الذي فرضه المناضلون العرب على القدس بسيطرتهم على طريق باب الواد كما مر معنا سابقا - قدمت عدة مشاريع بتجنيب القدس ويلات الحرب، فكان اليهود ميالين للاخذ بها بسبب حالتهم الخطيرة، ولكنهم كانوا يشترطون دوما تأمين الاتصال بين القدس والساحل اليهودى. ومع أن العرب لم يوافقوا على دولية القدس باعتبار ذلك جزءا من التقسيم الذي يرفضونه فقد أظهروا رغبة في تجنيب القدس ويلات الحرب بموافقتهم على تعيين رئيس مشترك لبلدية القدس، كان يمثله في المدينة السنيور أسكراتى الذي كان سكرتيرا للجنة القنصلية للهدنة، وبموافقتهم كذلك على الهدنة التي رتبها المندوب السامى مع الأمين العام للجامعة العربية في أريحا في اليوم السابع من شهر مايو 1948، ووافق اليهود عليها وسرت بالفعل من صباح الثامن من أيار- مايو- حتى نهاية الانتداب.
سوء الحالة وخطورتها في القدس بعد 1948/5/14
استطاعت لجنة الهدنة القنصلية التي عينها مجلس الأمن من قناصل فرنسا والولايات المتحدة وبلجيكا لتعمل على ايجاد هدنة فْي القدس، أن تحصل على موافقة العرب واليهود على تمديد تلك الهدنة التي رتبها المندوب السامى، و لا سيما بعد أن فشلت مساعى وفد الصليب الأحمر الدولي الأعتبار القدس مدينة مفتوحة.

إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#54

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

معركة رأس العش

هي إحدى معارك حرب 1967 التي خاضها الجيش المصري في مواجهة جيش العدو الإسرائيلي في العام 1967، وانتصر المصريون في المواجهة الأمر الذي كان له أثرا بالغا في نفوس الجنود المصريين.
أحداث المعركة
في الساعات الأولى من صباح 1 يوليو 1967 ، وبعد ثلاثة أسابيع من النكسة ، تقدمت قوة مدرعة إسرائيلية على امتداد الضفة الشرقية لقناة السويس من القنطرة شرق في اتجاه الشمال بغرض الوصول إلى ضاحية بور فؤاد المواجهة لمدينة بورسعيد على الجانب الآخر للقناة كان الهدف احتلال بور فؤاد، وكانت المنطقة الوحيدة في سيناء التي لم تحتلها إسرائيل أثناء حرب يونيو 1967 ، وتهديد بورسعيد ووضعها تحت رحمة الاحتلال الإسرائيلي.
وعندما وصلت القوات الإسرائيلية إلى منطقة رأس العش جنوب بور فؤاد وجدت قوة مصرية محدودة من قوات الصاعقة عددها ثلاثون مقاتلا مزودين بالأسلحة الخفيفة.
في حين كانت القوة الإسرائيلية تتكون من عشر دبابات مدعمة بقوة مشاة ميكانيكية في عربات نصف مجنزرة ، وحين هاجمت قوات الاحتلال قوة الصاعقة المصرية تصدت لها الأخيرة وتشبثت بمواقعها بصلابة وأمكنها تدمير ثلاث دبابات معادية.
فوجئت القوة الإسرائيلية بالمقاومة العنيفة للقوات المصرية التي أنزلت بها خسائر كبيرة في المعدات والأفراد أجبرتها على التراجع جنوبا.
عاود جيش الاحتلال الهجوم مرة أخرى، إلا انه فشل في اقتحام الموقع بالمواجهة أو الالتفاف من الجنب، وكانت النتيجة تدمير بعض العربات نصف المجنزرة وزيادة خسائر الأفراد، اضطرت القوة الإسرائيلية للانسحاب.
بعد الهزيمة التي تعرض لها جيش الاحتلال الإسرائيلي لم تحاول إسرائيل بعد ذلك محاولة احتلال بور فؤاد مرة أخرى وظلت في أيدي القوات المصرية حتى قيام حرب أكتوبر 1973، وظلت مدينة بور سعيد وميناؤها بعيدين عن التهديد المباشر لإسرائيل .
أحداث المعركة
فى اليوم الأول الذى تولى فيه اللواء أحمد إسماعيل قيادة الجبهة فى أول يوليو 1967 تقدمت قوة إسرائيلية شمالا من مدينة القنطرة شرق ـ شرق القناة ـ فى اتجاه بور فؤاد ـ شرق بورسعيد ـ لاحتلالها ، وهى المنطقة الوحيدة فى سيناء التى لم تحتلها إسرائيل أثناء حرب يونيو . تصدت لها قواتنا، ودارت معركة رأس العش.
كان يدافع فى منطقة رأس العش ـ جنوب بور فؤاد ـ قوة مصرية محدودة من قوات الصاعقة عددها ثلاثون مقاتلا . تقدمت القوة الإسرائيلية ، تشمل سرية دبابات ( عشر دبابات ) مدعمة بقوة مشاة ميكانيكا فى عربات نصف جنزير ، وقامت بالهجوم على قوة الصاعقة التى تشبثت بمواقعها بصلابة وأمكنها تدمير ثلاث دبابات معادية . عاود العدو الهجوم مرة أخرى ، إلا انه فشل فى اقتحام الموقع بالمواجهة أو الالتفاف من الجنب ، وكانت النتيجة تدمير بعض العربات نصف جنزير وزيادة خسائر الأفراد. اضطرت القوة الإسرائيلية للانسحاب، وظل قطاع بور فؤاد هو الجزء الوحيد من سيناء الذى ظل تحت السيطرة المصرية حتى نشوب حرب أكتوبر 1973.

***-
معركة رأس العش
يقول محمد عبد الغنى الجمسى فى مذكراته ( فى اليوم الأول الذى تولى فيه اللواء أحمد إسماعيل قيادة الجبهة فى أول يوليو 1967 تقدمت قوة إسرائيلية شمالا من مدينة القنطرة شرق ـ شرق القناة ـ فى اتجاه بور فؤاد ـ شرق بورسعيد ـ لاحتلالها ، وهى المنطقة الوحيدة فى سيناء التى لم تحتلها إسرائيل أثناء حرب يونيو . تصدت لها قواتنا ، ودارت معركة رأس العش
كان يدافع فى منطقة رأس العش ـ جنوب بور فؤاد ـ قوة مصرية محدودة من قوات الصاعقة عددها ثلاثون مقاتلا . تقدمت القوة الإسرائيلية ، تشمل سرية دبابات ( عشر دبابات ) مدعمة بقوة مشاة ميكانيكا فى عربات نصف جنزير ، وقامت بالهجوم على قوة الصاعقة التى تشبثت بمواقعها بصلابة وأمكنها تدمير ثلاث دبابات معادية . عاود العدو الهجوم مرة أخرى ، إلا انه فشل فى اقتحام الموقع بالمواجهة أو الالتفاف من الجنب ، وكانت النتيجة تدمير بعض العربات نصف جنزير وزيادة خسائر الأفراد
اضطرت القوة الإسرائيلية للانسحاب ، وظل قطاع بور فؤاد هو الجزء الوحيد من سيناء الذى ظل تحت السيطرة المصرية حتى نشوب حرب أكتوبر 1973
كانت هذه المعركة هى الأولى فى مرحلة الصمود ، التى أثبت فيها المقاتل المصرى ـ برغم الهزيمة والمرارة ـ أنه لم يفقد إرادة القتال ، وكان مثلا للصمود والقتال بمهارة والتشبث بالأرض )

***-

البطل حسني سلامة يروي ذكرياته عن معركة رأس العش

البطل حسني سلامة من غير الممكن أن نتحدث عن معركة رأس العش التي وقعت بعد أيام قليلة من نكسة 67 دون أن نتعرض للنكسة ذاتها وما شابها من أحداث، فقد اتُهم الجندي المصري بالفشل والهزيمة بينما نحن لم نحارب ولم نقابل جندي إسرائيلي واحد.
لكننا برغم ذلك تلقينا قرارا غريبا بالانسحاب من ارض المعركة بدون نظام، فعدنا منهزمين نفسيا كبقايا لوحدات عسكرية، فمثلا كتيبة الصاعقة التي كان قوامها يزيد على 350 فرد عاد منها ما لا يتعدى 140 فرد!
عدنا إلى بورسعيد حيث أقمنا في مدرسة "أشتوم الجميل" الخاصة ببورسعيد نحاول استيعاب ما حدث، وبعد يومين وصلت إلينا كميات من أسلحة مضادة للدبابات عبارة عن rbj من طراز جديد يدعى rbj7 عديم الارتداد بينما كان الجنود مدربون فقط ونظريا على طراز rbj2 العتيق وهو سلاح استخدمه الاتحاد السوفيتي في الحرب العالمية الأولى وكان ضعيف التأثير والمدى، بينما استخدم rbj7 في الحرب العالمية الثانية ومع ذلك لم يصل إلينا إلا بعد النكسة أي بعد ما يزيد عن عشرين عاما على استخدامه في الحرب العالمية الثانية.
بعد أن استلمنا شحنات الـ rbj7 أدركت انه وصل إلينا بدون ذخيرة، فقمنا بالاتصال بقيادة الجيش فاخبرونا أن الذخيرة ستصل في اليوم التالي وهو ما حدث بالفعل، لكن السلاح برغم ذلك وصل بدون دلائل الاستخدام (الكتالوجات) التي من المفترض أن تشرح أسلوب استخدام السلاح وقاعدة التصويب الخاصة به لأنه يختلف تماما عن الطراز القديم الذي تلقى الجنود تدريبهم عليه.
لكنني بعد فحص السلاح اكتشفت تطابقا بين تلسكوب التصويب الخاص به وبين تلسكوب المدفع الرشاش 14.5 المضاد للطائرات الذي تلقيت فرقة في استخدامه عام 1962 في مدرسة المدفعية وحصلت فيها على تقدير امتياز.
فأعلنت لقائد سريتي النقيب/ احمد عبد الحميد سعودي قدرتي على استخدام السلاح الجديد لكنه لم يقتنع إلى أن توصلنا لاتفاق بان اجري تجربة عملية أمامه في مطار الجميل بغرب بورسعيد وبعد نجاح التجربة كلفتني قيادة الكتيبة بتدريب جميع الجنود من حملة الـ rbj2 على السلاح الجديد اعتبارا من صباح اليوم التالي.. طبعا التدريب يبدأ من تعليم فك وتركيب السلاح وحركته الميكانيكية ثم قاعدة التصويب الخاصة به .. الخ.
وبعد ثلاثة أيام من التدريب النظري وقبل أن يبدأ التدريب العملي وصل الملازم/ تحسين عبد القادر في العاشرة من صباح اليوم الرابع وطلب مني جمع الجنود المتواجدين في المدرسة من أي فئة بعد أن وصلت معلومات بأن اليهود في طريقهم إلى مدينة بور فؤاد الواقعة في مواجهة بورسعيد على الضفة الشرقية للقناة.
وبالفعل جمعنا كل من وجدناه فكنا حوالي 18 مجند إضافة إلى ضابط واحد برتبة ملازم ويدعى فتحي على عبد الله، وكل منا حمل ما استطاع من أسلحة وذخائر واستقللنا عربة عسكرية وسلكنا طريق المعاهدة بورسعيد الإسماعيلية حتى وصلنا إلى نقطة إرشاد السفن المسماة برأس العش وترجلنا حتى شاطئ القناة وتولى نقلنا للضفة الشرقية أحد اللنشات الصغيرة الخاصة بهيئة قناة السويس.
وكانت المهمة واضحة تماما وهي منع اليهود من دخول بورفؤاد إلا فوق أجسادنا، وكانت بورفؤاد خلفنا بحوالي 8 كم بينما أمامنا على بعد 2 كم تقريبا كنا نرى اليهود بالعين المجردة يتحركون بين مجنزراتهم وكأنهم ذاهبون إلى نزهة بينما نحن بإمكانيات شبه منعدمة بمعداتنا الخفيفة، بدون أدوات حفر، أو وسائل إعاشة أو حتى باقي معدات القتال.
طبيعة الأرض التي جرت عليها المعركة كانت غاية في الصعوبة فهي عبارة عن لسان من الأرض موازي للقناة وسط المياه لا يزيد عرضه على 60 أو 70 متر على يمينه قناة السويس وعلى يساره منطقة ملاحات يصعب الخوض فيها، وكان هذا اللسان هو الطريق الوحيد للوصول إلى بورفؤاد وهو ما يعني أنه لكي يحتل اليهود المدينة يجب أن يمروا من هذا الطريق وعلى الأخص الجانب الأقرب للقناة لأنه الجزء الأصلب من الأرض.
بحكم دراستي للفنون العسكرية كنت على يقين أن اليهود يستخدمون دائما أسلوب "الالتفاف والتطويق" لمحاصرة العدو بدلا من المواجهة المباشرة التي يخشونها ولذلك وعند توزيع الأفراد على الموقع وضعت فردين في المؤخرة بمدافع رشاشة خفيفة تحسبا لتطويقنا من الخلف.
كان ينبغي علينا أن نمهد الأرض عسكريا استعداد لملاقاة العدو فكان على كل جندي ان يحفر لنفسه ما يسمى بالحفرة البرميلية وهي حفرة مستديرة قطرها نحو 80 سم بعمق يسمح للجندي بالنزول فيها بحيث لا يظهر منه إلا رأسه وأكتافه، ونظرا لغياب أدوات الحفر كان الجنود يحفرون بأيديهم حقيقة لا مجازا في الأرض الصلبة وبسونكي البندقية والدبشك الحديدي لتكوين الحفر البرميلية والسواتر الترابية، وتم حفر حفرة برميلية أكبر قليلا للملازم فتحي عبد الله في المؤخرة ومعه جندي الاتصال ليبقى على صلة بالقيادة طوال الوقت.
وبحلول الساعة الرابعة عصرا كان قد وصل إلينا دعم ممثل في مدفع من طراز ب10 المضاد للدبابات عديم الارتداد بطاقم مكون من 3 أفراد، وهو مدفع أكبر حجما وابعد مدى ويعمل عليه فردان، فرد للتعمير وفرد للضرب وهو يطلق صوت مرعب لذا ينبغي لمن يعمل عليه أن يرتدي كاتم للصوت لحماية أذنيه.
كما وصل التالي:
- 4 رشاش خفيف + أربعة أفراد
- 1 جهاز إشارة r105 من فصيلة الإشارة بفرد يحمله
- مدفع رشاش متوسط (يعمل بشريط طلقات بعدد 250 طلقة) بعدد فردين من سرية المعاونة

وهكذا أصبح عدد القوة بالضفة الشرقية 24 مقاتل بقيادة الملازم/ فتحي عبد الله وهو ضابط حديث التخرج قليل الخبرة لم يشترك من قبل في أعمال قتالية حيث تم دفعه إلى الجبهة في نهاية شهر مايو 1967 أي قبل النكسة بأيام.
وتم الدفع بجماعة من المهندسين العسكريين في منتصف المسافة بيننا وبين اليهود لزراعة الألغام المضادة للدبابات والأفراد في عجالة.. كل هذا تحت سمع وبصر اليهود.
كما احتلت فصيلة هاون بقيادة الملازم/ نادر عبد الله خلف نقطة الإرشاد على الضفة المقابلة وصعد أحد أفراد الاستطلاع إلى صهريج المياه الخرساني لتوجيه النيران متى بدأ الاشتباك.
كذلك احتلت فصيلة قوامها 26 مقاتل بقيادة النقيب سيد إسماعيل إمبابي خلف أعواد البوص على طريق معاهدة القناة بالمنطقة المقابلة لبداية تقدم اليهود.
بالطبع كل هذه التحركات كانت مكشوفة وبالعين المجردة لليهود لكنهم برغم ذلك أرسلوا طائرة استطلاع صغيرة (سوبر بكب) حلقت فوق مواقعنا على ارتفاع منخفض جدا حتى أنني رأيت من موقعي قائد الطائرة وهو ينظر لنا ويضحك ولابد أنه أحصانا كلنا فردا فردا وعرف ما نحمله من معدات، فضلا عن بث الرعب في نفوسنا... هذا الطيار لابد أنه أبلغهم على الجانب الآخر ألا يقيموا لنا أي حساب فلابد أننا سنفر عند أول مواجهة !
في هذه الأثناء رأيت بالعين المجردة على خط الأفق في الجانب الآخر من الملاحات جنود إسرائيليين وهم ينفخون أحد القوارب المطاطية في حركة يعرفها جيدا أفراد الصاعقة حيث يتم نفخ هذا النوع من القوارب عن طريق جهاز يعمل بالقدم فيقوم فرد بالارتكاز على أكتاف فردين آخرين ويبدأ في الصعود والهبوط في حركة ميكانيكية حتى ينتهي من مهمته، هنا تأكد لدي حدسي بأنه يستعدون لعملية تطويق من الخلف في حالة تعزر الاقتحام من الأمام، فقمت بلفت نظر قائد الفصيلة الذي بادر إلى وضع فردين في المؤخرة تحسبا لهذا الاحتمال، لكن أحد قادة العمليات لقيادة مجموعة الصاعقة عبر إلى القناة للإطمئنان على أوضاع الفصيلة ورفض فكرة أن يقوم اليهود بالالتفاف على الموقع عبر الملاحات فقام بتعديل وضع الأفراد قبل أن يعود إلى الضفة الأخرى، فراجعت الملازم/ فتحي عبد الله في أن يعود الفردين إلى مؤخرة الموقع لكنه رفض الفكرة تماما، وكان هذا خطأ جسيما دفعت الفصيلة ثمنه غاليا.
وانقضت الساعات الأخيرة من النهار في تحسين الأوضاع واستكمال الذخائر دون راحة أو طعام أو شراب، برغم توفر هذا كله، لكن التركيز كان من الجميع على المعركة وحدها.
ومع آخر ضوء، تحديدا قبل المغرب بنحو 10 دقائق بدأت القوات الإسرائيلية في فتح نيرانها علينا على سبيل اكتشاف المدى الذي ستصل إليه لتحديد موقعنا بدقة، ثم وجهت نيران دباباتها نحو فصيلة النقيب سيد إسماعيل إمبابي الذي كان يشكل خطرا اكبر على اليهود، لكن هذه المجموعة الصغيرة التي لا يتعد قوامها 26 مقاتل نجحت في تعطيل اليهود لنحو ثلاث ساعات كاملة إلى أن سكتت نيرانهم فبدأ في التقدم وتوجيه نيرانه لضرب صهريج المياه على الضفة الأخرى لإسقاط نقط توجيه النيران وضرب المنطقة المحيطة به المنتشر بها مدافع الهاون، وبالفعل تمكن من ضرب الصهريج الخرساني وإسكات مدافع الهاون ولم يبق أمامه غيرنا.
بدأ العدو في التقدم نحونا وفتح نيرانه علينا في الوقت الذي لم نكن نملك فيه أي أسلحة يمكنها أن تصل إليه لذا لم يكن أمامنا إلا أن ندخر الذخيرة حتى يتقدم العدو أكثر، وبالفعل اقترب العدو أكثر وأكثر حتى وصل إلى منطقة الألغام وانفجر بعدها بالفعل بالرغم من انه كان يرى زرعها بعينية لكن تفاديها كان صعبا.
في وسط هذا الصخب، كان الملازم فتحي عبد الله يرقد في حفرته خلف الحفرة ، وبسبب حداثته بالمعارك كان ينادي علي كلما سمع صوتا ليسأل "إيه ده يا حسني يا سلامة؟!.." فأجيب: " 5 دانات هاون جايين في السكة .. وطي دماغك.. ".
بعد أن تخطى العدو منطقة الألغام ليصل إلى نحو 800 متر منا أصبح في مدى نيران المدفع ب10 الذي وصل إلينا بعد أن غادرت طائرة الاستطلاع الخاصة بهم بمعنى أنهم لم يكونوا على علم بوجوده، وبالفعل شكل هذا المدفع مفاجأة لهم قبل أن يركزوا نيرانهم عليه ليصيبوا طاقمه المكون من فردين ويحطموا تلسكوب التنشين الخاص به، وحينما وصلت لموقع المدفع لم أجد طاقمه ويبدو أنهم انسحبوا إلى الخلف ووجدت الذخيرة الخاصة به لكن جهاز التنشين كان معطلا فلجأت إلى التصويب عن طريق ماسورة المدفع بشكل تقريبي، بحيث كنت استعين بفتح كتلة المدفع من الخلف وأوجه الماسورة قبل التعمير ثم أعمر المدفع وأطلقه، كل هذا بدون كاتم صوت.
قبل النكسة كنت قد قضيت 3 سنوات كاملة في اليمن فاكتسبت خبرات أهلتني لاستخدام معظم أنواع الأسلحة، وكان علي في هذه المعركة أن أتولى استخدام 9 مدافع rbj لان الجنود لم يتموا بعد تدريبهم عليها فكنت أطلق القذيفة واترك السلاح لحامله ليتولى إعادة تعميره واذهب للآخر بنفس الطريقة، وهكذا.. وقد أصاب ذلك العدو بالتخبط وعطله عن التقدم لنحو ساعتين.
وكان أن بدأ العدو في استعمال القذائف الفسفورية لإضاءة أرض المعركة وهي طلقات حارقة إذا سقطت على الجلد تصيب المقاتل بحروق بالغة من الدرجة الأولى أما إذا أصابت الثياب فهي تجعل المقاتل هدفا سهلا للإصابة لأنها تجعله مميزا وواضحا وسط الظلام، لذلك أمرت المقاتلين بان يخلعوا ملابسهم ويلقونها على الناحية العكسية إذا أصابتهم أي قذيفة من هذا النوع.
وفي الساعة الثانية صباحا أجرى الرئيس عبد الناصر اتصالا تليفونيا مباشرا بالموقع حيث أبلغ القائد بترقية جميع المقاتلين في الضفة الشرقية للدرجة الأعلى ومنحهم نوط الشجاعة، وحثنا على ألا نسمح لليهود بالمرور إلى بورفؤاد إلا فوق جثثنا.



فى هذه الأثناء بدا أن العدو أدرك صعوبة المرور بشكل مباشر فلجأ للخداع، فأولا تقدم أحد أفراد استطلاع العدو ووضع جهازا صوتيا بين أشجار عشبية قريبة لكي نصوب أسلحتنا الصغيرة إليه وبما انه من المستحيل أن تصل إمدادات إلينا فتوقع أن نفر هاربين بعد أن تنفد ذخيرتنا لكنني أدركت الخدعة بفضل من الله فمنعت الجنود من إطلاق أي طلقة على الأشجار وتقدمت قرابة المائة ياردة وبأحد مدافع الـ rbj وبغريزة التوجيه على الصوت أطلقت أحد الدانات ليصمت الصوت إلى الأبد.

وخلال التبادل النيراني الكثيف وفي لحظة شديدة الغرابة توقفت القوات المعادية عن الضرب فجأة وأسكتت كافة نيرانها وكان لهذا معنى واحد هو أن العدو له قوات خلفنا يخشى إصابتها وانه قام بتطويقنا بالفعل كما كنت أخشى فنبهت الملازم فتحي عبد الله وأشرت عليه بإرسال حاملي الرشاشات الخفيفة لتأمين المؤرخة لكنه رفض!، وخلال هذا الجدل رأيت 7 أفراد على خط الأفق خلف الموقع موجهين نيران أسلحة صغيرة علينا وقال صوت ينطق بعربية سليمة (ارمي السلاح، كل واحد يسلم نفسه ويرفع ايديه فوق!) فتأكدت أن الواقعة وقعت وتم تطويقنا.. كان الأقرب إلى المهاجمين من الخلف بالطبع هو ضابط الموقع/ فتحي عبد الله وفرد الإشارة الملازم له في الحفرة، وسمعت صوتا يسأل: (انتو مين؟.. انتو يهود والا سودانيين!) فصرخت بأعلى صوتي (أنزل يا فتحي دول يهود) في الوقت ذاته تحركت بسرعة ووجهت رشاش خفيف (جرونوف) إلى اتجاه الملاحات لضرب أي شئ يتحرك مهما كان، وضغطت على زناد المدفع موجها إياه إلى الجميع ولم أتوقف إلا بعد انتهاء شريط الرصاص المكون من 250 طلقة، ولم أتحقق من مقتل المهاجمين إلا بعد أن سمعت أصوات الدبابات والمجنزرات تتقدم من جديد، لقد فشل التطويق ولم يعد أمامهم إلا الهجوم من الأمام..
وبدون لحظة تفكير وجهت الرشاش إلى القوات المهاجمة وصرخت في الجنود للاشتباك مع المجنزرات التي كانت عديمة الفائدة في الحقيقة مع هذا المدى القريب، لكن العدو كان يستخدمها لبث الرعب في الجنود، ومع ذلك دمرنا دبابة وعربتان مجنزرتان على بعد 80 إلى 100 متر واشتعلت النيران ودوت الانفجارات وأنا أتنقل وثبا من موقع إلى موقع مثل الكانجارو ، وعاقت هذه المركبات المحترقة تقدم من خلفها واستمر التراشق قرابة نصف الساعة قبل أن يفر اليهود هاربين!
بعدها ساد صمت طويل.. لا صوت بشري واحد من الطرفين.. لا أصوات رصاص.. لا أصوات قنابل.. أو محركات.. ليس سوى صوت النيران المشتعلة هنا وهناك.
لا اعرف ماذا حدث بعد ذلك، لكنني أفقت مع أول ضوء لاكتشف أنني الحي الوحيد في هذا المكان وان المهمة نُفذت بنجاح وان العدو فر هاربا.
أفقت على صوت الرائد/ السيد الشرقاوي قائد كتيبتي وهو يناديني من الضفة الغربية للقناة ويأمرني بالعبور إليه سباحة قبل أن يجذبني من يدي ويخرجني من مياه القناة إلى سيارته الجيب التي كانت تختبئ خلف الأحراش، متجهين إلى بورسعيد.
وفي اليوم التالي وجدت طلبا لمقابلتي من النقيب أشرف مروان صهر الرئيس جمال عبد الناصر رحمه الله ، وما إن رآني حتى احتضنني بقوة وعرفت انه كان مع الرئيس جمال عبد الناصر في مكتبه يتابعان المعركة مباشرة، واتضح أن خط اللاسلكي كان مفتوحا طوال الوقت وموصلا بنقطة الإرشاد ومنها بشكل مباشر إلى الرئيس جمال عبد الناصر شخصيا في مكتبه حيث ظل مستيقظا طوال الليل يتابع المعركة ويخط على الورق تصوراته حول سير المعركة، وعلمت أنه خط أسمي حوالي 12 مرة فلما سأله من هذا قال: "في واحد هناك اسمه حسني سلامة، هو اللي شايل المعركة على أكتافه.. ".
كان هذا هو الجندي المصري الذي لم يتملكه الشعور بالهزيمة في عام 1967 لأنه لم يقاتل فعلا في هذه الحرب بل فرض عليه موقف الانسحاب في معركة لم يدخلها..
فلما سنحت له فرصة القتال لم يتردد..
واستخدم أسلحة لم يتدرب عليها..
وحفر الأرض بيديه..
بدون طعام ..
بدون شراب..
بدون خطة مسبقة..
لكن اليهود فشلوا في تخطيهم حتى ولو على جثثهم ..

وخلال الليل قمنا بإخلاء الجرحى والمصابين ، ولا اعلم إن كان العدو قد أخلى جرحاه وقتلاه أم لا، لكنه حاول تعديل أوضاعه والهجوم في اليوم التالي في مواجهة منطقة التبين فتصدت له احد وحدات الصاعقة من الكتيبة 103 وهرب العدو مرة أخرى بالقرب من قطاع القنطرة شرق وفي داخل عمق سيناء.

_________________

إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#55

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

معركة كربلاء

قبل المعركة

استنادا لبعض المصادر التاريخية فإن الخلافة استقرت لمعاوية بن أبي سفيان بعد تنازل الحسن بن علي بن أبي طالب عن الخلافة وقيامه مع أخوه الحسين بمبايعة معاوية. ويعتقد البعض أن مجموعة من العوامل أدت إلى تنازل الحسن لمعاوية منها:
  • تقديرات الحسن لموقف أهل البيت الذي كان في موضع لايحسد عليه بعد اغتيال علي بن أبي طالب.
  • محاولة لحقن الدماء وتوحيد الكلمة بعد سلسلة من الصراعات الداخلية بين المسلمين ابتداء من فتنة مقتل عثمان إلى معركة الجمل ومعركة صفين وقد أثنى الكثير على هذه المبادرة وسمي العام الذي تم فيه الصلح "عام الجماعة"
  • مبادرة الصلح والتنازل كانت مشروطة بعودة طريقة الخلافة إلى نظام الشورى بعد موت معاوية.
أعقب هذاالصلح فترة من العلاقات الهادئة بين أعداء الأمس في معركة صفين ولما مات الحسن ظل أخوه الحسين ملتزما ببنود الصلح بل إن الحسين اشترك في الجيش الذي بعثه معاوية لغزو القسطنطينية بقيادة ابنه "يزيد" في سنة 49 هـ[5].

عندما قام معاوية وهو على قيدالحياة بترشيح ابنه "يزيد بن معاوية" للخلافة من بعده قوبل هذا القرار بردود فعل تراوحت بين الاندهاش والاستغراب إلى الشجب والاستنكار فقد كان هذا في نظر البعض نقطة تحول في التاريخ الإسلامي من خلال توريث الحكم وعدم الالتزام بنظام الشورى الذي كان متبعا في اختيار الخلفاء السابقين وكان العديد من كبار الصحابة لايزالون على قيد الحياة واعتبر البعض اختيار يزيد للخلافة يستند على عامل توريث الحكم فقط وليس على خبرات المرشح الدينية والفقهية. وبدأت بوادر تيار معارض لقرار معاوية بتوريث الحكم تركز بالحسين بن علي، وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر بن الخطاب[6][7].
عند وفاة معاوية بن أبي سفيان أصبح إبنه يزيد بن معاوية خليفة ولكن تنصيبه جوبه بمعارضة من قبل بعض المسلمين وكانت خلافة يزيد التي دامت ثلاث سنوات وصلة حروب متصلة، ففي عهده حدثت معركة كربلاء ثم حدثت ثورة في المدينة إنتهت بوقعة الحرة و نهبت المدينة. كما سار مسلم بن عقبة المري إلى مكة لقتال عبد الله بن الزبير وأصيبت الكعبة بالمنجنيقات. حاول يزيد بطريقة أو بأخرى إضفاء الشرعية على تنصيبه كخليفة فقام بإرسال رسالة إلى والي المدينة يطلب فيها أخذ البيعة من الحسين الذي كان من المعارضين لخلافة يزيد إلا أن الحسين رفض أن يبايع "يزيد" وغادر المدينة سرًا إلى مكة واعتصم بها، منتظرًا ما تسفر عنه الأحداث.
وصلت أنباء رفض الحسين مبايعة يزيد واعتصامه في مكة إلى الكوفة التي كانت أحد معاقل القوة لشيعة علي بن أبي طالب وبرزت تيارات في الكوفة تؤمن أن الفرصة قد حانت لأن يتولى الخلافة الحسين بن علي واتفقوا على أن يكتبوا للحسين يحثونه على القدوم إليهم، ليسلموا له الأمر، ويبايعوه بالخلافة. بعد تلقيه العديد من الرسائل من أهل الكوفة قرر الحسين أن يستطلع الأمر فقام بإرسال ابن عمه مسلم بن عقيل بن أبي طالب ليكشف له حقيقة الأمر. عندما وصل مسلم إلى الكوفة شعر بجو من التأييد لفكرة خلافة الحسين بن علي ومعارضة لخلافة يزيد بن معاوية وحسب بعض المصادر الشيعية فإن 18,000 شخص بايعوا الحسين ليكون الخليفة وقام مسلم بإرسال رسالة إلى الحسين يعجل فيها قدومه. حسب ما تذكر المصادر التاريخية، ان مجيء آل البيت بزعامة الحسين كان بدعوة من أهل الكوفة. قام أصحاب واقارب واتباع الحسين بأسداء النصيحة له بعدم الذهاب إلى ولاية الكوفة ومنهم عبد الله بن عباس وعبد الله بن جعفر بن ابي طالب وأبو سعيد الخدري وعمرة بنت عبد الرحمن، حيث حذر أبو سعيد الخدري من إعطاء الخصم الذريعة بالخروج عن الطاعة لولي الأمر مانصه "غلبني الحسين على الخروج وقد قلت له، اتق الله والزم بيتك، ولاتخرج على امامك" إستنادا على تاريخ الإسلام للذهبي ج 2 ص 342. وكذلك عمرة بنت عبد الرحمن، نفس المصدر ص 343. ولكن الحسين وإستنادا إلى الطبري ج 4 ص 292 "كان مصراً إصراراً كبيراً على الخروج"، كما أسدى له ابن عباس النصح برأي آخر مهم، "فان أبيت إلا أن تخرج فسر إلى اليمن فان بها حصوناً وشعاباً ولأبيك بها أنصار (الشيخ الخضري، محاضرات تاريخ الأمم الإسلامية).
لكن هذا الخبر وصل بسرعة إلى الخليفة الأموي الجديد الذي قام على الفور بعزل والي الكوفة النعمان بن بشير بتهمة تساهله مع الإضطرابات التي تهدد الدولة الأموية وقام الخليفة يزيد بتنصيب والٍ آخر كان أكثر حزماً إسمه عبيد الله بن زياد الذي وحسب المصادر الشيعية قام بتهديد رؤساء العشائر والقبائل في منطقة الكوفة بإعطائهم خيارين إما بسحب دعمهم للحسين أو انتظار قدوم جيش الدولة الأموية ليبيدهم على بكرة أبيهم. وكان تهديد الوالي الجديد فعالاً فبدأ الناس يتفرّقون عن مبعوث الحسين، مسلم بن عقيل شيئاً فشيئاً لينتهى الأمر بقتله [8] وإختلفت المصادر في طريقة قتله فبعضها تحدث عن إلقائه من أعلى قصر الإمارة وبعضها الآخر عن سحله في الأسواق وأخرى عن ضرب عنقه. بغض النظر عن هذه الروايات فإن هناك إجماع على مقتله وعدم معرفة الحسين بمقتله عند خروجه من مكة إلى الكوفة بناءً على الرسالة القديمة التي إستلمها قبل تغير موازين القوى في الكوفة[9].
هناك رواية مشهورة لا يمكن التحقق من صحتها تقول بأن الحسين وهو في طريقه إلى الكوفة لقي الشاعر الفرزدق وقال الفرزدق للحسين "قلوب الناس معك وسيوفهم مع بني أمية" ولما وصل الحسين كربلاء في طريقه إلى الكوفة أقبل عليه مبعوث من والي الكوفة عبيد الله بن زياد وكان اسمه الحرّ بن يزيد فحذره الحر بن يزيد من أن أي قتال مع الجيش الأموي سيكون انتحارا ولكن الحسين وحسب المصادر الشيعية جاوبه بهذا البيت من الشعر [10]
سأمضي وما بالموت عارٌ على الفتىإذا ما نوى حقاً وجاهد مسلماوآسى الرجـال الصـالحين بنفسـهوفارق خوفاً أن يعيش ويرغمافيما تشير روايات أخرى إلى أن الحسين لما علم بمقتل مسلم بن عقيل وتخاذل الكوفيين عن حمايته ونصرته، قرر العودة إلى مكة، لكن إخوة مسلم بن عقيل أصرّوا على المضي قدما للأخذ بثأره، فلم يجد الحسين بداً من مطاوعتهم [11] واستنادا إلى الطبري فإن أبناء مسلم بن عقيل قالوا: "والله لانرجع حتى نصيب بثأرنا أو نقتل"، ثم قال الحسين: "لا خير في الحياة بعدكم" فسار [12].
وقائع المعركة

استمر الحسين وقواته بالمسير إلى أن اعترضهم الجيش الأموي في صحراء كانت تسمى الطف واتجه نحو الحسين جيش قوامه 4000 مقاتل يقوده عمر بن سعد الذي كان ابن سعد بن أبي وقاص ووصل هذا الجيش الأموي بالقرب من خيام الحسين وأتباعه في يوم الخميس التاسع من شهر محرم. في اليوم التالي عبأ عمر بن سعد رجاله وفرسانه فوضع على ميمنة الجيش عمر بن الحجاج وعلى ميسرته شمر بن ذي الجوشن وعلى الخيل عروة بن قيس وكانت قوات الحسين تتألف من 32 فارسا و40 راجلا وأعطى رايته أخاه العباس بن علي وقبل أن تبدأ المعركة لجأ جيش ابن زياد إلى منع الماء عن الحسين وصحبه، فلبثوا أياماً يعانون العطش.
بدأ رماة الجيش الأموي يمطرون الحسين وأصحابه بوابل من السهام وأصيب الكثير من أصحاب الحسين ثم اشتد القتال ودارت رحى الحرب وغطى الغبار أرجاء الميدان واستمر القتال ساعة من النهار ولما انجلت الغبرة كان هناك خمسين صريعا من أصحاب الحسين واستمرت رحى الحرب تدور في ميدان كربلاء وأصحاب الحسين يتساقطون الواحد تلو الآخر واستمر الهجوم والزحف نحو من بقي مع الحسين وأحاطوا بهم من جهات متعددة وتم حرق الخيام فراح من بقي من أصحاب الحسين وأهل بيته ينازلون جيش عمر بن سعد ويتساقطون الواحد تلو الآخر: ولده علي الأكبر، أخوته، عبد الله، عثمان، جعفر، محمد، أبناء أخيه الحسن أبو بكر القاسم، الحسن المثنى، ابن أخته زينب، عون بن عبد الله بن جعفر الطيار، آل عقيل: عبد الله بن مسلم، عبد الرحمن بن عقيل، جعفر بن عقيل، محمد بن مسلم بن عقيل، عبد الله بن عقيل [13].
بدأت اللحظات الأخيرة من المعركة عندما ركب الحسين جواده يتقدمه أخوه العباس بن علي بن أبي طالب حامل اللواء.الا ان العباس ذهب إلى بحر العلقمي وهو جزء من نهر الفرات ليأخذ الماء إلى الحسين واصحاب ولكن العباس لم يستطع ان يشرب شربة ماء واحدة إثاراً لأخوه الحسين ولكن العباس وقع صريعا غدراً من جنود العدو ولم يبق في الميدان سوى الحسين الذي أصيب بسهم فاستقر السهم في نحره، وراحت ضربات الرماح والسيوف تمطر جسد الحسين وحسب رواية الشيعة فإن شمر بن ذي جوشن قام بفصل رأس الحسين عن جسده بضربة سيف كما وانهم جعلو خيلا ً تسمى بخيل الاعوجي تمشي وتسير فوق جسد الحسين بن علي وكان ذلك في يوم الجمعة من عاشوراء في المحرم سنة إحدى وستين من الهجرة وله من العمر 56 سنة [14]. ولم ينج من القتل إلا علي بن الحسين، فحفظ نسل أبيه من بعده [15].
بعد المعركة



إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#56

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

هناك الكثير من التضارب حول التفاصيل الدقيقة لوقائع المعركة وماحدث بعد المعركة ولايوجد مصادر محايدة يمكن الاعتماد عليها ولكن هناك إجماع على أن رأس الحسين قد قطع وتم إرساله مع نساء أهل بيت الحسين إلى الشام إلى بلاط يزيد بن معاوية فبعض المصادر تشير إلى أنه أهان نساء آل بيت رسول الله وأنهن أخذن إلى الشام مسبيات وأُهِنّ هناك ولكن هناك مصادر أخرى على لسان ابن تيمية تقول نصا "إن يزيد بن معاوية لم يأمر بقتل الحسين باتفاق أهل النقل، ولكن كتب إلى ابن زياد أن يمنعه عن ولاية العراق، ولما بلغ يزيد قتل الحسين أظهر التوجع على ذلك، وظهر البكاء في داره ولم يسب لهم حريما بل أكرم بيته وأجازهم حتى ردهم إلى بلادهم" وهذه الرواية يرفضها الشيعة وبعض من أهل السنة.
هنالك أيضا جدل أزلي حول من كان المسؤول عن قتل الحسين، ففي نظر الشيعة والذي يوافق بعض المؤرخين من أهل السنة مثل ابن كثير في البداية والنهاية، وابن الأثير في الكامل، وابن خلدون في العبر والإمام الذهبي في تاريخ الإسلام فإن يزيد لم يكن ملتزما بمبادئ الإسلام في طريقة حياته وحكمه وكان هو المسؤول الأول عن مقتل الحسين [16].
اما موقف يزيد المعادي لال البيت هنالك واقعة تنفي ذلك طرحا لمختلف الاراء فيذكر الطبري ج 4 ص 286 ان يزيدا أرسل رسالة إلى عبد الله بن زياد قائلا " بلغني ان الحسين بن علي قد توجه إلى العراق، فضع المناظر (العيون او المراقبون) والمسالح (جيوش تحمي الطرقات) واحترس على الظن وخذ على التهمة غير لا تقتل إلا من قاتلك ". اما اهتمامه باهل بيت الحسين وحزنه على استشهاده فيمكن الرجوع للطبري ج 4 ص 352 وتاريخ الإسلام للذهبي ج 2 ص 350.
رد: موسوعة معارك اسلامية(3)رد: موسوعة معارك اسلامية(3)
مسجد الإمام الحسين بالقاهرة


لنقطة الأخرى المثيرة للجدل هي الموضع الذي دفن به رأس الحسين بن علي فهنالك العديد من الآراء حول هذا الموضوع منها: [17][18]
  • أن الرأس دفن مع الجسد في كربلاء وهو مع عليه جمهور الشيعة حيث الاعتقاد بأن الرأس عاد مع السيدة زينب إلى كربلاء بعد أربعين يوما من المقتل أي يوم 20 صفر وهو يوم الأربعين الذي يجدد فيه الشيعة حزنهم.
  • أن موضع الرأس بـالشام وهو على حسب بعض الروايات التي تذكر أن الأمويين ظلوا محتفظين بالرأس يتفاخرون به أمام الزائرين حتى أتى عمر بن عبد العزيز وقرر دفن الرأس واكرامه، كما ذكر الذهبي في الحوادث من غير وجه أن الرأس قدم به على يزيد "[5]. ومازال المقام هناك إلى اليوم يزار.
  • أن موضع الرأس بـعسقلان وهذا الرأي امتداد للرأي الثاني حيث لو صح الثاني من الممكن أن يصح الثالث والرابع، تروي بعض الروايات ومن أهمها المقريزي أنه بعد دخول الصليبيين إلى دمشق واشتداد الحملات الصليبية قرر الفاطميين أن يبعدوا رأس الحسين ويدفوننها في مأمن من الصليبيين وخصوصا بعد تهديد بعض القادة الصليبيين بنبش القبر، فحملوها إلى عسقلان ودفنت هناك.
  • أن موضع الرأس بالقاهرة وهو أيضا امتداد للرأي السابق حيث يروي المقريزي أن الفاطميين قرروا حمل الرأس من عسقلان إلى القاهرة وبنوا له مشهدا كبيرا وهو المشهد القائم الآن بحي الحسين بالقاهرة، وهناك رواية محلية بين المصريين ليس لما مصدر معتمد سوى حكايات الناس وكتب المتصوفة أن الرأس جاء مع زوجة الحسين شاه زنان بنت يزدجرد الملقبة في مصر بأم الغلام التي فرت من كربلاء على فرس. انظر مسجد الإمام الحسين بالقاهرة
  • أن موضع الرأس بالبقيع بـالمدينة وهو الرأي الثابت عند أغلب أهل السنة خاصة السلفيين منهم نظراً لرأي ابن تيمية حين سئل عن موضع رأس الحسين فأكد أن جميع المشاهد بالقاهرة وعسقلان والشام مكذوبة مستشهداً بروايات بعض رواة الحديث والمؤرخين مثل القرطبي والمناوي.
  • أن موضع الرأس مجهول كما في رواية قال عنها الذهبي أنها قوية الإسناد: "وقال أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة: حدثني أبي، عن أبيه قال: أخبرني أبي حمزة بن يزيد الحضرمي قال: رأيت امرأة من أجمل النساء وأعقلهن يقال لها ريا حاضنة يزيد بن معاوية، يقال: بلغت مائة سنة، قالت: دخل رجل على يزيد، فقال: يا أمير المؤمنين أبشر فقد مكنك الله من الحسين، فحين رآه خمر وجهه كأنه يشم منه رائحة، قال حمزة: فقلت لها: أقرع ثناياه بقضيب? قالت: إي والله، ثم قال حمزة: وقد كان حدثني بعض أهلها أنه رأى رأس الحسين مصلوباً بدمشق ثلاثة أيام، وحدثتني ريا أن الرأس مكث في خزائن السلاح حتى ولي سليمان الخلافة، فبعث إليه فجيء به وقد بقي عظماً أبيض، فجعله في سفط وكفنه ودفنه في مقابر المسلمين، فلما دخلت المسودة سألوا عن موضع الرأس فنبشوه وأخذوه، فالله أعلم ما صنع به."
من الناحية السياسية لم تكن ثورة الحسين على خلافة يزيد آخر الثورات فقد تلاها ثورة في المدينة المنورة التي انتهت بوقعة الحرة ثم ثورة عبد الله بن الزبير ولم تصبح البلاد الإسلامية تابعة بصورة كاملة لحكم الأمويين إلا في عهد عبد الملك بن مروان وبواسطة الحجاج بن يوسف الثقفي الذي استطاع القضاء على ثورة عبد الله بن الزبير في سنة 73 هـ.


إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#57

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

معركة شيكان/المعجزة الحربية السودانية

تمثل معركة شيكان يوم النصر الكبير على جيش الجنرال وليام هكس باشا.
وتكاد تكون معجزة حربية ومعنوية في تاريخ السودان، لقد أورد المحقق زلفو أن اللورد مورس قال معلقاً عنها في مجلس العموم البريطاني:
«لعل التاريخ لم يشهد منذ أن لاقي جيش فرعون نحبه في البحر الاحمر، كارثة مثل تلك التي حلت بجيش هكس في صحاري كردفان. حيث افنى عن آخره. وقضي عليه قضاء مبرماً».
واقعة شيكان معركة خالدة في تاريخ السودان.. سيروي التاريخ في كل حقبة اعجازها. ويقول الفاتح النور: «معركة شيكان معركة خاضها كل ابناء السودان من كل القبائل فكانت وحدة وطنية سودانية مجسمة، فأستطاعت شأن كل وحدة وطنية - ان تهزم التفوق في العدد والعتاد. وان تفل بالسيوف المدافع.
بدأت شيكان بعد سقوط مدينة الأبيض في ايدي الإمام المهدي عليه سلام الله. وفي 8 سبتمبر 1883م وجهت الحكومة البريطانية «الحكم الثنائي» هكس باشا بتجهيز تجريدة للقضاء على المهدي. ووصل هكس الى اراضي كردفان في اكتوبر، وكان الامام المهدي قد ارسل ثلاثة من قواده بقواتهم لاستطلاع تحركات جيش هكس. وتمكن قواد الإمام المهدي من زرع الرعب في قلوب جنود وضباط جيش هكس. وحرموهم من مصادر المياه.
لقد اختار الامام المهدي مكان وزمان المعركة. وكان ذلك يوم الاثنين الخامس من نوفمبر 1883م في شيكان، والتي اشتق اسمها من الوادي الشائك، الملئ بأشجار الشوك. وكان الإمام القائد المجاهد العابد يقضي يومه في تدريب قواته ويقضي ليله متهجداً.
وفي مكان الواقعة شهد للإمام بأنه كان يصلي ركعة الوتر بالقرآن كله، اي من العشاء الى الفجر واقفاً. وهي الحادثة التي يقول فيها الشريف نور الدائم عن الإمام المهدي:
كم صام وكم قام
وكم ختم القرآن
في ركعة الوتر
ويورد الفاتح ما قاله ونجت باشا وهو عدو عن معركة شيكان:
«كان كل شئ معداً من جانب الأنصار. وكان المهدي في الانتظار، وجاء جيش هكس الذي كان من الممكن رؤية مقدمته من بعيد... وجمع المهدي قواده الأمراء. وبعد صلاة أداها - صلاة الجهاد- اصدر اليهم تعليماته النهائية، ثم امتطى فرسه واستل سيفه وهتف ثلاث مرات الله اكبر.. الله اكبر.. الله اكبر.. النصر لنا.. ثم بدأ الهجوم الذي اسفر عن إبادة كاملة لجيش هكس ماعدا مائتين أو ثلاثمائة كانوا يختفون تحت جثث الموتى».
وكان إثر هذا الانتصار، ان اصيب الحكم الأجنبي في السودان بصدمة افقدته رشده، فبادر بإجلاء قواته عن فشودة والكوة والدويم ثم من دارفور وبحر الغزال وأم درمان. وبعد مضي عام واحد على موقعة شيكان سقطت العاصمة الخرطوم في يدي الإمام محمد احمد المهدي، واصبح بذلك- ولأول مرة- السودان مستقلاً.

منقول

إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#58

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

خارطة معركة عين جالوت
عن موقع التاريخ

رد: موسوعة معارك اسلامية(3)



إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#59

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

مخطط غزوة الأحزاب

رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#60

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

صورة جبل أحد
منقول عن موقع المعرفة
رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#61

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

صورة أخرى لموقع غزوة الأحزاب(معركة الخندق)
منقول
رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#62

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

مخطط معركة أحد
منقول

رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#63

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

معركة لسان بورتوفيق الأولى

بقلم المساعد حسني سلامة

رد: موسوعة معارك اسلامية(3)





خاص للمؤرخ - رسم كروكي لموقع الإغارة على موقع لسان بورتوفيق


تاريخ المعركة: أثناء فترة حرب الإستنزاف يوم 10/7/1969
القوة المنفذة: الكتيبة 43 صاعقة بقوة 5 فصائل = 140 مقاتل + جماعة قاذف لهب
نوع العملية: الإغارة على موقع حصين للعدو
مدة التنفيذ: ساعتان
ميدان المعركة: موقع حصين أقامه العدو على لسان بورتوفيق بالضفة الشرقية للقناة به دشم حصينة ودبابات ومدافع مجنزرة وأفراد مشاة واستطلاع ويقع عند نهاية الطرف الجنوبي للقناة في مواجهة موانئ السويس ومعامل البترول.

التمهيد: في شهر مايو من منفس العام أتم العدو عملية الإغارة على نقطة لقوات الحدود بمنطقة لسان الادبية، وقتل جميع من فيها وكان عددهم 6 من كبار السن، ودمر باعث ضوء مجهز لأضاءة سطح المياه لمدخل الميناء، وفي نفس الشهر قام بضرب تنكات البترول بمنطقة الزيات والمراكب.

الإعداد للعملية: كان لابد من الرد. واسكات هذا الموقع والذي اطلقت اليهود على أحد افراده انه "قناص الاقتصاد المصري".

الخطة: صدرت الأوامر بتنفيذ إغارة مؤثرة على هذا الموقع لتدميره بما لا يسمح بعودته للعمل مجددا.
التدريب: تم تدريب جميع فصائل الكتيبة على العملية على أرض مشابهة بدون مياه في حصن بجبل عتاقة على الرغم من أن ذلك يفوق المطلوب بكثير، وذلك لاختيار افضل العناصر للتنفيذ .. وبسبب عدم معرفة التوقيت الفعلي للعملية بما لا يتناقض مع التوقيتات الروتينية للاجازات الميدانية.
القرار والتنفيذ: صدرت الأوامر بتحديد ساعة الصفر ويوم التنفيذ للأغارة، وتم جمع القوة كالتالي:
- مجموعة قطع شمال
- 3 مجموعات هجوم بالمواجهة
- مجموعة قطع يمين على الطرف الجنوبي للسان

المرحلة الأولى من التنفيذ: تم فيها التحرك ليلا للأختباء في بدرومات عمارات الهيئة ومدرسة آمون بمدينة بورتوفيق. وعدم السماح بأي تحرك خارج هذه الأماكن إلا لعناصر قليلة جدا للضرورة والأستطلاع حتى لا يكتشف أحد وجود القوة ، وتمت عودة السيارات ليلا. مع التشديد على عدم الظهور في المدينة أو الحديث خلال نهار التواجد قبل العملية.

المرحلة الثانية للتنفيذ: تمت إعادة التلقين واستكمال التجهيزات من أجهزة أتصال حديثة كذلك إعاشة الأفراد، كذلك العبوات الثاقبة لتدمير أبواب الدشم والقنابل البراشوت لتدمير الدبابات وكلها كانت أسلحة حديثة تستخدم لأول مرة في المعركة مع طوربيد البنجالور والقنابل اليدوية وقاذفات اللهب وغيره.

المرحلة الثالثة من التنفيذ: تم التحرك عصر نفس اليوم إلى خنادق المواصلات الموازية للقناة والمعدة سلفا في قطاع كتيبة المشاة المكلفة بحماية المدينة. كذلك المعدات وقوارب العبور، كل ذلك أثناء تمهيد نيراني بالمدفعية ليس على الموقع وحده بل على طول الجبهة الجنوبية. وفي نفس موعده اليومي التكراري منذ أيام. لمنع عناصر أستطلاع العدو من أكتشاف المفاجأة ولاعطاء الفرصة لنفخ القوارب استعدادا للعبور.

بداية عملية الهجوم للأغارة: كانت ساعة الصفر لحظة رائعة. تم فتح أجهزة الأتصال اللاسلكي وحمل القوارب إلى شاطئ القناة وإنزالها المياه. بالمعدات والأفراد كلٌ في الأتجاه المحدد له. وحسب التدريبات السابقة.
كل ذلك خلال الخمس دقائق الأخيرة من ضربات المدفعية، وعندما توقف التمهيد المدفعي كانت قوة الأغارة أجتازت منتصف المسافة في القناة .. وعند الوصول لشاطئ لسان بورتوفيق بالضفة الشرقية تم تركيب طوربيد البنجالور أمام كل مجموعة لفتح ثغرة في الأسلاك الشائكة والألغام والموانع على الساتر الترابي العالي على طول اللسان. وقد تم ذلك بنجاح وقفزت كل مجموعة من قواربها إلى الثغرة التي أمامها ولم يبق سوى مقاتل واحد بكل قارب لحراسته وتثبيته حتى لا يجرفه التيار بعيدا عن اللسان أو الشاطئ وأعلى الساتر الترابي أنطلقت نيران وقنابل قوة الاغارة من قنابل براشوت إلى RBG على كل الآليات المتطورة .. وأقتحمت كل مجموعة في قطاعها المحدد وقامت بتدمير ما به من تحصينات أو دشم أو آليات أو مخازن تشوين أو ذخيرة وكان بمواجهة مجموعة القطع اليمين.

ثلاث علامات بارزة:
أولها المدفع 155 المجهز على جنزير والذي كان يتولى ضرب البواخر الداخلة لميناء الأدبية أو الزيتيات، كذلك ضرب ثكنات البترول في معمل السويس والذي لقب بقناص الاقتصاد المصري.
ثانيها دشمة حصينة متوسطة الحجم بجوارها منطقة تشوين ذخائر للمدفع.
ثالثها العلم الإسرائيلي الخاص بالموقع والذي كان يداعبه الهواء تبكي جنودنا في الضفة الغربية من الغيظ حين تراه وصهريج المياه الخاص بالموقع، وبعون الله وبشجاعة هذه المجموعة تم تدمير كافة الموجودات والجنود والمدافع والذخائر وتم انزال العلم الاسرائيلي وجلبه الى الضفة الشرقية بل تم زرع علم مصر عاليا خفاقا أعلى صهريج المياه وظل يرفرف ثلاثة أيام متوالية وتم تصويره في اليوم التالي بواسطة أحد الطائرات المصرية ونُشر بكل الصحف المصرية تحت عنوان (علم مصر يرفرف على الضفة الشرقية للقناة .. بشارة النصر الذي أتى) ولم تستطع اليهود التخلص من العلم المصري طوال ثلاثة أيام تالية إلا بنسف الصهريج من الأسفل.

كما تمت زراعة علم آخر على زاوية السلك الشائك أعلى الساتر الترابي وبواسطة قواذف اللهب تم احراق كافة التجهيزات والتشوينات بالموقع ولم يستطع العدو تقديم أي دعم سواء أرضي أو جوي للموقع بسبب هول المفاجأة وسرعة الأداء.

وقد استشهد في هذه العملية عدد 4 مقاتلين تم جلب جثثهم مع القوة أحدهم المصري المسيحي/ سامي ذكي مسعد مقاتل مجموعة القطع اليمين (من قرية طنان بشبين القناطر)، وعبد الحليم رياض محمد، وعبد الحميد.....، وأحمد.....

وكان اهم تتويج لعمل مجموعة القطع اليمين كلمة مخطط العميد المقدم/ صلاح أحمد فضل رئيس عمليات المجموعة أنه قال لي: "لم أرى في الضفة الشرقية غير مجموعتك". وداس العلم الإسرائيلي بقدمه وبصق عليه ( العلم الذي جلبته معي) .
عند انتهاء التوقيت المحدد للعملية بدأت القوات في العودة إلى القوارب حاملة معها أسير في أحد المجموعات اسره الملازم/ معتز الشرقاوي فضلا عن وثائق وغيره إلى جانب جثث شهدائنا.

وما أن انطلقت القوارب عائدة حتى بدأت المدفعية المصرية الضرب من جديد على الموقع والجبهة في تزامن دقيق حتى تؤمن عبورا آمنا لقوة الاغارة التي عادت الى التجمع مرة ثانية من نفس أماكنها في البدرومات كما بدأت للتقييم وحصر الشهداء والمصابين ونتائج العملية.

وخلال نفس الليلة تم سحب القوة من مدينة بورتوفيق إلى أماكن تمركزها الأصلي بمنطقة حوض الأدبية.

و برغم محاولات محاولات الطيران الليلي الإسرائيلي لاصطياد القوة لكنه فشل ووصل الجميع سالمين ولم تفلح مشاعله التي القاها او قنابله ان تنال من احدهم لكن الله سلم الجميع لكي تأمن منطقة الزيات حتى النهاية كذلك المراكب القادمة من الخليج والمواني والبقية الباقية من المدنيين بمدينة السويس وبورتوفيق.

بعد هذه الإغارة الصادمة بكت جولدا مائير وقالت في تعبير تناولته وكالات الأنباء في جينها: لقد قطع المصريين لساني (تقصد بذلك لسان بورتوفيق) رغم أنه بالضفة الشرقية للقناة.


أسماء وأوضاع:
المقدم/ صالح فضل رئيس عمليات المجموعة والمخطط لها
النقيب/ أحمد شوقي المفتي رئيس عمليات الكتيبة
النقيب/ سيد كمال إمبابي قائد السرية
ملازم أول/ معتز محمد سعيد الشرقاوي قائد مجموعة اقتحام 1
ملازم أول/ حمدي السعيد الشوربجي قائد مجموعة قطع شمال
ملازم أول/ رؤوف ابراهيم أبوسعدة قائد مجموعة اقتحام 2 (اصيب )
ملازم أول/ حامد ابراهيم جلفون قائد مجموعة اقتحام 3 (اصيب )
رقيب أول/ حسني السيد سلامه قائد مجموعة قطع يمين (تمت ترقيته استثنائيا وحصل على نوط الشجاعة )
رقيب / ابراهيم الدسوقي محمد موسى
رقيب/ سامي محمد حسنين بلاه
رقيب/ طلعت محمد خليل

فضلا عن كثير من الجنود منهم الشهداء ومنهم المصابين.

========== ===========
كاتب المقال المساعد حسني سلامة أحد أبطال قوات الصاعقة المصرية وبخاصةمعركة رأس العش

عن موقع المؤرخ

إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#64

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

اللواء معتز الشرقاوي يروي قصة الإغارة على لسان بور توفيق

هو اللواء أركان حرب/ معتز محمد سعيد السيد الشرقاوي
بعض أعماله:
- الإشتراك في حرب عام 1967
- الإشتراك في معركة رأس العش عام 1967
- الإشتراك في حرب الإستنزاف والعبور إلى الضفة الشرقية 9 مرات
- الإشتراك في الإغارة على موقع لسان بورتوفيق الحصين عام 1969 حيث حصل على أول أسير إسرائيلي لمصر
- قام بقتل الجنرال الإسرائيلي/ جافتش قائد جبهة سيناء في كمين نصب له بسيناء عام 1969
- الإشتراك في حرب أكتوبر 1973
- قام خلال حرب أكتوبر بالإغارة للمرة الثانية على موقع لسان بورتوفيق وحصل على 127 أسير إسرائيلي لمصر
- اشترك في حصار الجيش الثالث
- حصل على 9 أنواط شجاعة من الطبقة الأولى ونوطي واجب من الطبقة الأولى

-------------------
نعرف انك شاركت في معركة رأس العش فهل لك ان تقص علينا هذه المعركة؟
وقعت معركة رأس العش بعد أيام من نكسة يونيو وتحديدا في أول يوليو عام 1967، وهي معركة قلبت الموازين العسكرية إذ تعرضت فيها القوات الإسرائيلية لضربة عنيفة وقت أن كانت في أوج عظمتها بعد النكسة.. في هذه المعركة هجم طابور مكون من 8 دبابات و12 عربة مدرعة على بورفؤاد بهدف احتلالها وهو شئ بحسب الموازين العسكرية سهل وبسيط أو Piece of cake كما يقولون.

8 دبابات تعد قوة عظمى جدا لا يستهان بها، فضلا عن 12 عربة مدرعة مليئة بالجنود، كل ذلك في مقابل فصيلة صاعقة مصرية مكونة من 12 فرد مسلحون بأسلحة خفيفة، وفصيلة الصاعقة ليس من مهامها اصلا الدفاع .. فماذا كانت نتيجة هذه المعركة المعروفة سلفا؟
كانت النتيجة اجهاز فصيلة الصاعقة المصرية على القوات الإسرائيلية بأكملها!

ماذا عن عملية لسان بورتوفيق؟
بعدما بدأت حرب الاستنزاف واشتباكات المدفعية والعبور لتنفيذ مهام وعمل كمائن لامدادات الذخيرة او الاغارة على المدفعية المضادة، في هذا التوقيت عرفنا ان الموضوع سهل وتعودنا على العبور للضفة المحتلة واكتشفنا ان الجندي الاسرائيلي يكون مقاتلا طالما كان خلف ساتر ومدعوم بالسلاح والتكنولوجيا المتفوقة اما اذا وصلت الى عنده فقد انتهى تماما.

ولسان بورتوفيق هو مخرج القناة الجنوبي وهو قطعة من الارض ممتدة داخل الماء بين القناة وبحيرة المسحور ، طولها 2 كيلو متر تقريبا.

في عام 69 كان الجزء الجنوبي من اللسان بطول حوالي 600 متر محتل من قبل القوات الإسرائيلية، وقاموا بتجهيزه بالملاجئ الخاصة (كان ذلك قبل بناء خط برليف) فكانت الملاجئ مكونة من عربات السكك الحديدية ويتم الحفر لها ثم دفنها ومن فوقها يتم حمايتها بقضبان السكك الحديدية بالطول والعرض ثم بشكائر الرمال، ولهذا الملجئ المحصن باب خشبي سميك فضلا عن فتحات صغيرة في الشكائر يتمكن من الجنود من خلالها من الضرب.

ومن قوة وتحصين هذة الملاجئ كانت المدفعية لا تؤثر فيها، فأصبح موقع لسان بورتوفيق عصيا على الاختراق، وهو ما دفعهم لاستغلاله في القيام بضربات ضد الزيتية (شركات البترول في السويس) وسببت هذه الضربات احتراق خزانات البترول الواحدة بعد الاخرى.

وكان هذا هو رد الاسرائيليين الدائم على اي عملية نقوم بها ضدهم، ومات المئات من افراد الاطفاء اثناء محاولة اطفاء والسيطرة على هذه الحرائق .. ماتوا حرقا وليس بسبب الضرب.

من هنا بدأ التفكير وتقرير القيام بإغارة على هذا الموقع، والإغارة تعني الهجوم على الموقع المعادي فتقتل من تقتل وتأسر من تأسر.

وتبعا لعمليات الاستطلاع اكتشفنا ان الموقع محاط بكميات مرعبة من السلك الشائك والمواسير والقضبان فضلا عن انه محمي بـ 4 دبابات.

بعد الاستطلاع بدأ التفكير في كيفية القيام بالإغارة، وكان الطبيعي أن تكون الإغارة ليلا لكن بعد الدراسة تبين اننا لو قمنا بالإغارة ليلا فستفشل العملية فشلا ذريعا نتيجة لأننا لن تتمكن من الرؤية والتحرك في ظل كمية المعوقات الهائلة المحاط بها الموقع، فمثلا التعثر في السلك الشائك شئ مرعب، إذا تعثرت فيه لن تتمكن ابدا من الخروج حيا وستموت ميتة رهيبة، كما ان العدو كان يضع كل يوم كميات من الألغام في مواجهتنا بحيث تحول الجزء المواجه لنا لحقل الغام.

فكان لابد اذا ان تتم الإغارة نهارا لنتمكن من الرؤية وسنستفيد حينها من عنصر المفاجأة لأن العدو لن يتوقع ان نهاجم – اذا فكرنا اصلا في الهجوم - نهارا.

لذا قمنا بتصميم موقع مماثل لموقع لسان بورتوفيق تماما وبدلا من اختيار مجموعة بعينها للتنفيذ تم وضع ثلاث كتائب في منافسة بحيث تقوم كل كتيبة بتنفيذ الهجوم من وجهة نظرها على الموقع الشبيه لتحقيق النتائج المرجوة على ان تختار القيادة كتيبة واحدة منها ثم تختار افضل سرية فيها لتنفيذ المهمة.. بمعنى تصفية التصفية لاختيار افضل العناصر.

كنا كتيبتي صاعقة (ك33) و(ك43) وكنت عضوا فيها، وكتيبة مظلات (ك90)
فأما كتيبة المظلات فلم تكن متمرسة على الاعمال الخاصة باعتبارها في الأصل قوات مشاة تُبرّ جوا وتعمل بأسلحة ثقيلة، وكانت اساليبهم نمطية في الهجوم والتغطية وبالتالي استبعدوا بعد أول تجربة .. كان الأمر بالنسبة لهم أشبه بملاكم ضخم جدا يحاول العراك مع شخص صغير جدا.

فاصبحت المنافسة بين كتيبتي الصاعقة، ومنافسات الصاعقة تعمل تحت شعار "لا يفل الحديد الا الحديد" .. بمعنى "دبح" بلا مبالغة .. انت تقاتل زميلك لتحوز شرف القيام بالمهمة.

في النهاية تم اختيار سرية (س2) لتنفيذ المهمة، وكنت أنا عضوا في كتيبة (ك43) سرية (س1) فتم اختيار فصيلتي للمشاركة في العملية داخل (س2) بدلا من فصيلة فتحي عبدالله التي قامت بالمقاومة في راس العش بعد ان غادر للأجازة، فتم استبدال فصيلته بفصيلتي
ففصيلة من (س1) وفصيلتين من (س2) وفصيلة من (س3) = (140 فرد)
فكانت توليفة اشبه بدستة أشرار .. مصيبة!
كنا وقتها ملازمين اول، وكان قائد الكتيبة برتبة رائد وقائد المجموعة برتبة مقدم.

وذهبنا للتدريب في احد المناطق النائية في حلوان ، واستدعوا القيادة للاطلاع على تدريباتنا، ومن فرط الحماسة والقوة في التدريبات والاتقان في الأداء اصيب القادة بالذهول حتى انهم احتموا بالعربات لأننا كنا نتدرب بالذخيرة الحية، وكل فرد يحفظ دوره جيدا والطلقات تذهب في اماكنها تماما، فلم يتخيل القادة ان هناك مقاتلين بهذا الشكل.

وتبعا لحقيقة ان العرق في السلم يوفر الدم في الحرب فقد كنا نتدرب لمدة شهرين بواقع خمس او ست تجارب يوميا حتى وصلنا لمرحلة من الملل فكنا مثلا نبدأ التدريب وننهيه لكي نعود لإنهاء دور شطرنج!
ثم ذهبنا للمعاينة على الطبيعة من عمارات بورتوفيق ورأينا مواضع الدبابات في الموقع الحقيقي.
وبدأ التخطيط للتنفيذ بالفعل وكنا نحتاج لتأمين العناصر التالية:
- الهجوم في وضح النهار.
- الهجوم من اقصر طريق وهو المواجهة فاللص عادة يهجم من النافذة، فإذا اردنا المفاجأة فسنهجم من الباب الرئيسي.
- عبور حقل الألغام
- عدد المشاركين في الهجوم لن يقل عن 140 فرد فكيف سيتم عبورهم دون لفت الانظار؟

وبدأنا في ابتكار حلول فقلنا انه حلا لمشكلة الألغام سنلجأ لاستخدام تكنيك يُعرف بتوربيد بنجالور كان يستخدم في الحرب العالمية وهو عبارة عن ماسورة محشوة بمفرقعات TNT تقوم بدفعها داخل حقل الألغام ثم تفجرها فينشأ لك خط آمن تعبر من خلاله وسط الحقل.

كما حملنا معنا ايضا قاذفات لهب لنجربها للمرة الأولى.

وبقيت المشكلة الكبيرة كيف سنعبر في وضح النهار ومن اعرض منطقة في القناة (حوالي 400 متر) حيث سرعة التيار الجانبي قوية جدا بمعنى انك لو استخدمت التجديف اليدوي قد تصل بعيدا عن الموقع بنحو 4 كيلومتر!

فقلنا اذن نستخدم المواتير في القوارب، لكننا 140 فرد بمعنى 14 قارب بـ 14 موتور فكيف سنقترب بهذا الصوت المدوي؟

فتم تحديد وقت الاقتحام الساعة الخامسة عصرا يوم 10 يوليو عام 1969 بمعنى ان المغرب يؤذن الساعة الثامنة مساء تقريبا واخر ضوء بعد المغرب بساعة بمعنى اننا سنعمل 4 ساعات خلال النهار.

في نفس الوقت انت موضع مراقبة من الامام والخلف.. من الامام من الاسرائيليين ومن الخلف من نقطة مراقبة الأمم المتحدة التي كانت تبلغ الاسرائيليين بكل تحركاتنا أولا بأول.

فمن ناحية الامم المتحدة تم التحايل على فرد المراقبة وقمنا بتحييده، اما الاسرائيليين فكان لديهم ايضا نقاط مراقبة متقدمة ستكتشف اي تحرك من جانبنا لذا كان لابد من خطة تموية اضافية تم تنفيذها كالتالي:

بدأت مدفعية الجيش الثالث المصري في الضرب على الموقع قبل تنفيذ العملية بأسبوع يوميا في تمام الساعة 4 عصرا وحتى الساعة الخامسة بالضبط ثم تتوقف تماما، فاثناء الضرب ينزل الاسرائيليين للملاجئ ثم يعودوا بعد انتهاء الضرب حتى اعتادوا الأمر فكانوا في اليوم الرابع ينزلوا للملاجئ في تمام الرابعة ، ثم اليوم الخامس، والسادس، وفي اليوم السابع بدأ الضرب ونزلنا نحن القناة للتنفيذ.

وهذا اعطانا ميزتين الاولى اننا لم نُكتشف مبكرا ، ثانيا ان ضرب المدفعية الهادر طغى بالتأكيد على اصوات المواتير حتى وصلنا للشاطئ المقابل بحيث اصبحنا في نقطة ميتة بالنسبة للإسرائيليين.

وكنا قبل ذلك قد نفذنا خطة تمويه عسيرة ومرهقة اثناء تحركنا إلى بورتوفيق ليلا بدون ان نكتشف ومعنا 50 فرد اضافي لخدمتنا.

وحان وقت النفيذ فقمنا بنفخ القوارب بشكل يدوي (كل هذا اثناء ضرب المدفعية المصرية)، ووصلنا بالفعل ووضعنا للشاطئ المقابل ووضعنا توربيد بنجالور وفجرنا 7 ثغرات لكل قاربين خلال ما كنا نظنه حقل الغام لكننا اكتشفنا ان كل هذا خداع وان الالغام الحقيقية في الجهة الاخرى للقادمين من عمق سيناء بحيث اننا اذا هجمنا فسنتحاشى بالطبع ما نظن انه حقل الغام وسنحاول الالتفاف من الجهة الاخرى وهنا يأتي دور الألغام الحقيقية.

كان من المفترض حسب الاستطلاع ان الموقع يضم أربع دبابات فقط لكننا اكتشفنا وقت الهجوم ان هناك دبابة خامسة، والدبابة الواحدة قد تقلب موازين اي معركة وليست كما تظهر في الأفلام ..

شخصيا.. تسلقت الساتر الترابي ففوجئت بماسورة الدبابة التي كان من المفترض انها الرابعة والاخيرة امام وجهي فخطفت الـ Rpj من احد الزملاء ودمرتها ثم هبطنا الساتر من الجهة الاخرى لننفذ الاقتحام لكنني فوجئت بدبابة خامسة لم تكن في الحسبان عبرت امامي فجلست على الأرض فصوبت فوهة مدفعها وضربت على فصيلة ناحية الساتر فسببت دوي هائل وتطايرت الرمال الملتهبة في وجه الجميع وسببت حروقا مؤلمة لكن أحدا لم يتحرك من مكانه وبعد ان ضربت انطلقت ناحيتها قذائف الـ Rpj فدمرتها تماما وخرج منها احد الجنود فقُتل على الفور ثم خرج اخر فعدوت نحوه وحملته حملا على كتفي برغم ضخامة جسده وتسلقت به الساتر الترابي ثم هبطت به من الناحية الاخرى والقيته في القارب لعامل الموتور وعدت مرة اخرى للموقع..

كانت الخطوة التالية هي نسف الملجئ الحصين بمن فيه فبدأنا في تجهيز شكائر المتفجرات ووضعناها على باب الملجئ والجنود الإسرائيليين بالداخل بالطيع ثم وضعنا عليها شكائر من الرمل فيما يسمى بالعبوة المدفونة وهو تكنيك يضاعف من قوة التدمير 10 مرات ، ثم فجرنا .. تدمير هائل شوه الملجئ لدرجة اننا لم نتمكن من الدخول من فرط الحرارة والغاز فالقينا عدة قنابل يدوية لتأكيد مقتل الجميع..

قائد سريتنا كان يدعى السيد اسماعيل امبابي وكان اصلا من حي المدبح فاختار كلمة سر لطيفة للانسحاب بعد تنفيذ العملية هي "ستك تخاف م الجوافة!" فلما سمعناها من خلال اللاسلكي لم نستوعب على الفور انها كلمة سر الانسحاب، ثم بدأنا الانسحاب بالفعل من خلال القوارب ومعنا الأسير حتى الضفة الاخرى ثم استقللنا العربات في طريق الخروج من بورتوفيق في الوقت الذي بدأ فيه الطيران الإسرائيلي في الهجوم وكان هذا اليوم هو بداية دخول الطيران الإسرائيلي الخدمة في الإغارة على الجبهة بعد ان قمنا بهذا العمل المفاجئ.

وكان علينا ان ننسحب ليلا من بورتوفيق بصحبة كتيبة هاوزارت تضم حوالي 18 وحدة، والهاوزر هو مدفع كبير 152 ملي (وهو مدفع قوي جدا) يتم تركيبه على دبابة طراز جوزيف ستالين التي تعد اثقل دبابة في العالم (حوالي 80 طن).

وبالتالي كان انسحابنا بطيئا جدا، في الوقت الذي كان علينا ان نخوض الطريق الصعب بين بورتوفيق والسويس وطوله حوالي 4 كيلو وهو طريق تحوطه الماء من الجانبين، وبالفعل بدأنا التحرك على هذا الطريق الساعة 12 او الواحدة بعد منتصف الليل في الظلام الدامس بدون اي ضوء، وحينما وصلنا لمنتصف الطريق فوجئنا بدخول الطيران الإسرائيلي وقذفه للمشاعل ليتحول الليل إلى نهار ساطع!

كنا في شهر يوليو كما ذكرت .. حر رهيب .. لا فرصة 1 في المليون لسقوط أمطار .. لكننا فوجئنا بسحابة سوداء معتمة لحد غريب اتت من حيث لا ندري على ارتفاع منخفض جدا لتظلل الدبابات كلها!

الطائرات اصابها السعار فبرغم المشاعل لا يستطبعون الرؤية فالقوا قنابلهم كيفما اتفق لكنها نزلت جميعا في الماء المحيط بالطريق في الوقت الذي كانت فيه الدبابات قد اكملت الكيلومترات الأربعة بسيرها البطئ في ظل السحابة الغامضة حتى انهينا الطريق فانقشعت السحابة تماما!

لا حرائق ولا اشتباكات قريبة .. فمن اين اتت هذه السحابة .. بهذا لاعتام .. بهذه الكثافة .. بهذا الارتفاع المنخفض.. هذا هو الاعجاز الالهي.

عن موقع المؤرخ

إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#65

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

غزوة شنت ياقب
غزوة المنصور لمدينة شنت ياقب قاصية غليسية وأعظم مشاهد النصارى الكائنة ببلاد الأندلس وما يتصل بها من الأرض الكبيرة وكانت كنيستها عندهم بمنزلة الكعبة عندنا وللكعبة المثل الأعلى فيها يحلفون وإليها يحجون من أقصى بلاد رومة وما وراءها ويزعمون أن القبر المزور فيها قبر ياقب الجواري أحد الاثنى عشر وكان أخصهم بعيسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام وهم يسمونه أخاه للزومه إياه وياقب بلسانهم يعقوب وكان أسقفا ببيت المقدس فجعل يستقري الأرضين داعيا لمن فيها حتى انتهى إلى هذه القاصية ثم عاد إلى أرض الشام فمات بها وله مائة وعشرون سنة شمسية فاحتمل أصحابه رمته فدفنوها بهذه الكنيسة التي كانت أقصى أثره ولم يطمع أحد من ملوك الإسلام في قصدها ولا الوصول إليها لصعوبة مدخلها وخشونة مكانها وبعد شقتها فخرج المنصور إليها من قرطبة غازيا بالصائفة يوم السبت لست بقين من جمادى الآخرة سنة سبع وثمانين وثلاثمائة وهي غزوته الثامنة والأربعون ودخل على مدينة قورية فلما وصل إلى مدينة غليسية وافاه عدد عظيم من الفوامس المتمسكين بالطاعة في رحالهم وعلى أتم احتفالهم فصاروا في عسكر المسلمين وركبوا في المغاورة سبيلهم وكان المنصور تقدم في الأندلس وجهزه برجاله البحريين وصنوف المترجلين وحمل الأقوات والأطعمة والعدد والأسلحة استظهارا على نفوذ العزيمة إلى أن خرج بموضع برتقال على نهر دويره فدخل في النهر إلى المكان الذي عمل المنصور على العبور منه فعقد هنالك من هذا الأسطول جسرا بقرب الحصن الذي هنالك ووجه المنصور ما كان فيه من الميرة إلى الجند فتوسعوا في التزود منه إلى أرض العدو ثم نهض منه يريد شنت ياقب فقطع أرضين متباعدة الأقطار وقطع بالعبور عدة أنهار كبار وخلجان يمدها البحر الأخضر ثم أفضى العسكر بعد ذلك إلى بسائط جليلة من بلاد فرطارش وما يتصل بها ثم أفضى إلى جبل شامخ شديد الوعر لا مسلك فيه ولا طرق ولم يهتد الأدلاء إلىسواه فقدم المنصور الفعلة الجديدة لتوسعة شعابه وتسهيل مسالكه فقطعه العسكر وعبروا بعد وادي منيه وانبسط المسلمون بعد ذلك في بسائط عريضة وأرضين أريضة وانتهت مغيرتهم إلى دير قسطان وبسيط بلنبو على البحر المحيط وفتحوا حصن شنت بلاية وغنموه وعبروا سباحة إلى جزيرة من البحر المحيط لجأ إليها خلق عظيم من أهل تلك النواحي فسبوا من بها ممن لجأ إليها وانتهى العسكر إلى جبل مراسية المتصل من أكثر جهاته بالبحر المحيط فتخللوا أقطاره واستخرجوا من كان فيه وحازوا غنائمه ثم أجاز المسلمون بعد هذا خليجا في معبرين أرشد الأدلاء إليهما ثم نهر أيلة ثم أفضوا إلى بسائط واسعة العمارة كثيرة الفائدة ثم انتهوا إلى موضع من أقاصي بلادهم ومن بلاد القبط والنوبة وغيرهما فغادروا المسلمون قاعا وكان النزول بعده على مدينة شنت ياقب البائسة وذلك يوم الأربعاء لليلتين خلتا من شعبان فوجدها المسلمون خالية من أهلها فحاز المسملون غنائمها وهدموا مصانعها وأسوارها وكنيستها وعفوا آثارها ووكل المنصور بقبر ياقب من يحفظه ويدفع الأذى عنه وكانت مصانعها بديعة محكمة فغودرت هشيما كأن لم تغن بالأمس وانتسفت بعوثه بعد ذلك سائر البسائط وانتهت الجيوش إلى جزيرة شنت مانكش منقطع هذا الصفع على البحر المحيط وهي غاية لم يبلغها قبلهم مسلم ولا وطئها لغير أهلها قدم فلم يكن بعدها للخيل مجال ولا وراءها انتقال وانكفأ المنصور عن باب شنت ياقب وقد بلغ غاية لم يبلغها مسلم قبله فجعل في طريقه القصد على عمل برمند بن أردون ليسقريه عائثا ومفسدا حتى وقع في عمل الفوامس المعاهدين الذين في عسكره فأمر بالكف عنها ومر مجتازا حتى خرج إلى حصن بليقية من افتتاحه فأجاز هنالك القوامس بجملتهم على أقدارهم وكساهم وكسا رجالهم وصرفهم إلى بلادهم وكتب بالفتح من جليقية وكان بلغ ما كساه في غزواته هذه لملوك الروم ولمن حسن غناؤه من المسلمين ألفين ومائتين وخمسا وثمانين شقة من عنبرتين وأحد عشر سقلاطونا وخمس عشرة مريشا وسبعة أنماط ديباج وثوبي ديباج رومي وفروي فنك ووافى جميع العسكر قرطبة غانما وعظمت النعمة والمنة على المسلمين ولم يجد المنصور بشنت ياقب إلا شيخا من الرهبان جالسا على القبر فسأله عن مقامه فقال أونس يعقوب فأمر بالكف عنه قال وحدّث شعلة قال: قلت للمنصور ليلة طال سهره فيها قد أفرط مولانا في السهر وبدنه يحتاج إلى أكثر من هذا النوم وهو أعلم بما يتركه عدم النوم من علة العصب فقال يا شعلة الملك لا ينام إذا نامت الرعية ولو استوفيت نومي لما كان في دور هذا البلد العظيم عين نائمة .

إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#66

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

فتح سمرقند


في سنة 93هـ وبعد أن فتح قتيبة بن مسلم الباهلي بخارى وما حولها، قال المجشر بن مزاحم السلمي لقتيبة : إن لي حاجة فأخلني ، فأخلاه ، فقال : إن أردت الصغد يوماً من الدهر فالآن ، فإنهم آمنون من أن تأتيهم من عامك هذا وإنما بينك وبينهم عشرة أيام ، قال: أشار بهذا عليك أحد ؟ قال : لا ، قال : فأعلمته أحداً ؟ قال :لا ، قال : والله لئن تكلم به أحد لأضربن عنقك .
فأقام يومه ذلك ، فلما أصبح من الغد دعا أخاه عبد الرحمن بن مسلم الباهلي فقال : سر في الفرسان والرماة ، وقدم الأثقال إلى مرو . فوجهت الأثقال إلى مرو يومه كله ، فلما أمسى كتب إليه : إذا أصبحت فوجه الأثقال إلى مرو ، وسر في الفرسان والرماة نحو الصغد ، واكتم الأخبار ، فإني بالأثر .
عبر عبد الرحمن ومن معه النهر ، وسار إلى سمرقند ، وعبر قتيبة بالأثر ، وعبر ومن معه نهر جيحون ، وحوصرت سمرقند .
استنجد ( غورك ) ملك الصغد بعد خوفه من طول الحصار بملك الشاش وبملك فرغانة ، وكتب إليهما : إن العرب إن ظفروا بنا عادوا عليكم بمثل ما أتونا به فانظروا لأنفسكم . فأجمع ملك الشاش وفرغانة على نجدة الصغد ، وأرسلا أن شاغلوا قتيبة ومن معه كي نفاجئهم على حين غرة .
انتخب أهل الشاش وفرغانة كل شديد السطوة من أبناء الملوك والأمراء والأشداء الأبطال وأمروهم أن يسيروا إلى قتيبة ليفاجئوه ، ولكن استطلاع قتيبة يقظ فجاءته الأخبار ، فانتخب ستمائة من أهل النجدة وجعل عليهم أخاه صالح بن مسلم أميراً ، ووضع على العدو عيوناً حتى إذا قربوا منه قدر ما يصلون إلى عسكره من الليل أدخل الذين انتخبهم فكلمهم وحضهم ، فخرجوا من العسكر عند المغرب ، فساروا ، فنزلوا على فرسخين من العسكر على طريق القوم الذين وصفوا لهم ، ففرق صالح خيله، وأكمن كميناً عن يمينه ، وكميناً عن يساره ، وأقام هو وبعض فرسانه على قارعة الطريق ، حتى إذا مضى نصف الليل أو ثلثاه ، جاء العدو باجتماع وإسراع وصمت ، وصالح واقف في خيله ، فلما رأوه شدوا عليه ، حتى إذا اختلفت الرماح ، شد الكمينان عن يمين وعن شمال ، فلم نسمع إلا الاعتزاء ، فلم نر قوماً كانوا أشد منهم .
لم يفلت من هذه النجدات إلا النفر اليسير ، وغنم المسلمون أسلحتهم ، وقال بعض الأسرى : تعلمون أنكم لم تقتلوا في مقامكم هذا إلا ابن ملك ، أو بطل من الأبطال المعدودين بمئة فارس ، أو بألف فارس .
وقال فارس مسلم من الجند الذين كانوا في كمين صالح : إنا لنختلف عليهم بالطعن والضرب إذ تبينت تحت الليل قتيبة ، وقد ضربت ضربة أعجبتني وأنا أنظر إلى قتيبة ، فقلت : كيف ترى بأبي أنت وأمي ! قال: اسكت دق الله فاك ! قال: فقتلناهم فلم يفلت منهم إلا الشريد ، وأقمنا نحوي الأسلاب ونحتز الرؤوس حتى أصبحنا ، ثم أقبلنا إلى العسكر ، فلم أر جماعة قط جاؤوا بمثل ما جئنا به ، ما منا رجل إلا معلق رأساً معروفاً باسمه ، وأسير في وثاقه.

لقد منع قتيبة بهذا الكمين وصول النجدات إلى ميدان المعركة ، مع إشغال النجدات قبل وصولها بكمين ليلي ، ريثما يتسنى له سحب قطعاته من حوالي أسوار سمرقند ، والقيام بحركة خاطفة ليلية للقضاء على أرتال النجدات في معركة ليلية ، في الوقت الذي يكون الكمين قد أوقف تقدمها.
نصب قتيبة المجانيق حول سمرقند ، ورمت بتركيز دقيق على سور المدينة ، فثلمت فيها ثملة ، فرممها المدافعون عنها بسرعة كبيرة ، وجاء رجل قام على الثلمة ، فشتم قتيبة ( بعربية فصيحة ) ، وكان مع قتيبة قوم رماة ، يُسمون ( رماة الحدق) لدقة تصويبهم ، فقال لهم قتيبة : اختاروا منكم رجلين ، فاختاروا ، فقال : أيكما يرمي هذا الرجل ، فإن أصابه فله عشرة آلاف ، وإن أخطأه قطعت يده ، فتلكأ أحدهما وتقدم الآخر ، فرماه فلم يخطئ عينه ، فأمر له بعشرة آلاف.
قال خالد مولى مسلم بن عمرو : كنت في رماة قتيبة ، فلما افتتحنا المدينة صعدت السُّور ، فأتيت مقام ذلك الرجل الذي كان فيه ، فوجدته ميتاً على الحائط ، ما أخطأت النشابة عينه حتى خرجت من قفاه.

قال غوزك( ملك الصُّغد) لقتيبة: إنما تقاتلني بإخواني وأهل بيتي ، فاخرج إليّ في العرب ، فغضب قتيبة عند ذلك ، وميز العرب من العجم ، وأمر العجم باعتزالهم ، وقدم الشجعان من العرب ، وأعطاهم جيد السلاح ، وزحف بالأبطال على المدينة ، ورماها بالمجانيق ، فثلم فيها ثلمة ، وقال قتيبة: ( ألحوا عليها حتى تعبروا الثلمة ) ، فقاتلوهم حتى صاروا على ثلمة المدينة ، عندها قال غوزك لقتيبة : ارجع عنا يومك هذا ونحن نصالحك غداً ، فقال قتيبة : لا نصالحهم إلا ورجالنا على الثلمة ، ومجانيقنا تخطر على رؤوسهم ومدينتهم.
وسمع قسم من المسلمين قتيبة يناجي نفسه: حتى متى يا سمرقند يعشعش فيك الشيطان ، أما والله لئن أصبحت لأُحاولن من أهلك أقصى غاية.
وفي اليوم التالي ، والمسلمون على الثلمة ، عاود غوزك يطالب بالصلح ، فصالحه قتيبة على : الجزية ، وتحطيم الأصنام وما في بيوت النيران ، وإخلاء المدينة من المقاتلة ، وبناء مسجد في المدينة ووضع منبر فيه.
وتم الصلح ، وأخلوا المدينة ، وبنوا المسجد ، واستلم قتيبة ما صالحهم عليه ، وصلى في المسجد وخطب فيه ، وأتى بالأصنام ، وألقيت بعضها فوق بعض . حتى صارت كالقصر العظيم ، ثم أمر بتحريقها ، فتصارخ الأعاجم وتباكوا ، وقالوا: إن فيها أصناماً قديمة ، من أحرقها هلك ، فقال قتيبة: أنا أحرقها بيدي ، وجاء غوزك فنهى عن ذلك ، وقال لقتيبة: أيها الأمير ، إني لك ناصح ، وإن شكرك عليّ واجب ، لا تعرض لهذه الأصنام ، فقام قتيبة ، ودعا بالنار ، وأخذ شعلة بيده ، وقال : أنا أحرقها بيدي ، فكيدوني جميعاً ثم لا تنظرون ، وسار إليها وهو يكبر الله عز وجل ، وألقى فيها النار ، فاحترقت ، فوجدوا من بقايا ما كان فيها من مسامير الذهب والفضة خمسين ألف مثقال.
وصنع غوزك طعاماً ، ودعا قتيبة ، فأتاه غي عدد من أصحابه، فلما تغدى ، استوهب منه المدينة ، فقال قتيبة: إني لا أريد منكم أكثر مما صالحتكم عليه ، ولكن لا بد من جند يقيمون عندكم من جهتنا ، وأن ينتقل عنها غوزك ، فانتقل عنها ملكها غوزك ، فتلا قتيبة ( وأنه أهلك عاداً الأولى ، وثمود فما أبقى ) ، ثم ارتحل قتيبة راجعا إلى مرو ، مستخلفاً على سمرقند أخاه عبد الله بن مسلم ، وخلّف عنده عدداً من الجند كبيراً ، وآلة من آلة الحرب كثيرة ، مع تعليمات حازمة تتعلق بالداخلين إلى سمرقند ، والخارجين منها.
وكان أهل خراسان يقولون : إن قتيبة غدر بأهل سمرقند ، فملكها غدراً .

إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#67

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

فتـح الديبل والسند

في خلافة الوليد بن عبد الملك بن مروان أرسل ملك جزيرة الياقوت ( سرانديب ، سيلان) سفينة إلى الحجاج بن يوسف الثقفي أمير العراقين، محملة بالتحف والهدايا من الدر والياقوت والجواهر الثمينة والعبيد، مع نسوة ولدن في بلاده مسلمات ومات آباؤهن، وكانوا تجــاراً ، فأراد التقرب بهن إلى قطب العالم آنذاك ومحوره الخليفـة الأمـوي.
حيث أرسل إلى دار الخـلافة بدمشـق بالإضـافة إلى ما سبق تحفاً وطــرائف لا مثيل لها ، كما كان هدف النســاء المسلمات زيارة الكعبة المشرفة ، وهبت رياح عاتية فقذفت بالسفينة إلى سواحل ( الديبل ) – بلدة على ساحل ماء السند تبعد 50 كم جنوب شرق ( كرا تشي ) – حيث كان يقطـنهـا مجموعة من القراصنة فهاجموا السفينة ، وقتلوا بعض ركابها وبحارتها ، وأخذوا الباقين من النساء والرجال والأطفال أسرى ، كما سلبوا جميع التحف والأموال، فصـاحت امرأة من بين الأسرى : يا حجاج يا حجاج أغثني أغثني ، وفر بعض النـاس والتجـار من الذين كانوا على متن السفينة ، وجاء بعضهم إلى الحجاج وذكروا له ما حدث ، مع استغاثة تلك المرأة به فقال : لبيك لبيك .
فكتب الحجاج إلى داهر بن صصة ملك السند بإرجاع النساء والتحف إلى دار الخلافة ،فرد عليه داهر : إن هذه الطائفة مجموعة من اللصوص والخارجين عن سلطتنا ، وهم أشـرار أقوياء ، لا يستطيع أحد ملاحقتهم والتغلب عليهم.
فكتب الحجاج رسالة إلى الخليفة يطلب فيها الإذن بغزو السند والهند ، ولكن الوليد لم يأذن له فكرر الحجاج طلبه حتى وافق الخليفة ، فأرسل الحجاج عبد الله بن نبهان السلمي لفتح الديبل فاستشهد ، ثم أرسل بديل بن طهفة البجلي بثلاثة آلاف فاستشهد ، فحـزن الحجـاج حتى قال لمؤذنه : يا مؤذن اذكر اسم بديل كلما أقمت الأذان ، لأتذكره وآخذ بثأره .
واستأذن الحجاج الخليفة في إرسال جيش كبير ومنظم لغزو السند فوافق، فعين الحجاج محمد بن القاسم الثقفي الذي كان عمره آنذاك سبعة عشر عاماً ، وطلب من الخليفة ستة آلاف مقاتل من أشراف الشام وأبنائهم فجاءه العدد الذي طلبه .
ووصى الحجاج محمد بن القاسم قائلاً : اخرج عن طريق ( شيراز) ، واطو المنازل واحداً تلو الآخر، حتى يأخذ منك الغضب مأخذاً شديداً . وجهز الحجاج الجيش بكل ما احتاج إليه حتى الخيوط والقطن المحلوج ، وسير محمد بن القاسم ، وأمره أن يقيم بمدينة شيراز من أرض فارس كي يلتحق به جند الشام والعراق ، فتحرك ، فلما وصـل شـيراز عسكر بظاهرها .
وأمر الحجاج بجمع ما هو موجود من المنجنيقات والسهـام والرماح ووضعها في السـفن الحربية ، وعين علها قائدين من خيرة القواد ، وكتب إلى محمد بن القاسم أن ينتظر وصـول السفن إلى الديبل، وبعد استكمال الاستعدادات في شيزر ووصول ستة آلاف فارس وثلاثة آلاف بعير لحمل الأثقال والعتاد انطلق محمد بن القاسم ومعه اثنا عشر ألف مقاتل إلى الشرق حتى وصل (مكران) ، فأقام بها أياماً ، ثم توجـه منها إلى (فنزبور) ، ثم إلى (أرمائيـل) ، وهناك وصلت السفن .
ونزل ابن القاسم بعد ذلك في سواد الديبل ، وحفر الخـنادق ، ورفع الرايات والأعـلام ، ونصب المنجنيقات ، ونصب منجنيقاً يعرف بالعروس كان يعمل لتشغيله خمسـمائة رجل ، وكان في وسط الديبل معبد كبير للأصنام تتوسطه قبة عالية ترفرف عليها راية خضـراء ، وكان ارتفاع المعبد أربعين ذراعاً وسعة القبة أربعون ذراعاً وارتفاع الراية مثلها وكان للراية أربعة ألسن تتطاير في الهواء ، ودعا ابن القاسم أمير جـند منجـنيق العروس وقال له : إذا أمكنك أن تكسر رأس معبد الأصنام هذا وعمود الراية التي ترفرف فوقه أعطيتك عشرة آلاف درهم .
وفي اليوم المحدد للقتال بدأ أمير المنجنيق الرمي ، وطارت راية المعبد وبعض قاعدته ، ثم رمى الحجر الثاني فأصاب قبة المعبد فانهارت تماماً ، وفي الحجر الثالث أصبح أنقاضاً مع الأرض سواء ، ثم قرعت الطبـول في الديبل، وبدأ هجوم الجيش هجـمة واحدة ، وثلم المنجنيق سور الديبل فوصل المجاهدون إلى أعلى السور وأبراجه ، ثم فتح أهل الديبل أبواب مدينتهم وطلبوا الأمان ، فدخلها ابن القاسم واستباحها ثلاثة أيام ، وتوجه إلى السـجن الذي ضم الأسرى المسلمين فحررهم ووضع بدلاً عنهم مجموعة من قراصنة الديبل .
ثم توجه ابن القاسم إلى فتح ( نيرون ) – وموقعها الآن حيدرآباد - عبر مياه السند في ستة أيام ، وحينما وصلها أرسل حاكمها رسولين محملين بالغذاء والأعلاف ، وفتح لابن القاسم باب المدينة ، وأخذ يبيع ويشتري البضائع مع جيش المسلمين ، ودخل ابن القاسم المدينة ، وهدم معبد الأوثان ، وبنى مكانه مسجداً ، ثم سار إلى حصن ( سيوستان ) المدينة المحصنة المرتفعة ، وأراد أهل المدينة الأمان ولكن حاكم المدينة رفض بشدة واستعد للحرب ، ونصب ابن القاسم المنجنيقات وبدأ الحصار ، وحينما تيقن حاكم المـدينة من الهزيمة وضاق ذرعاً بالحصار فر ليلاً ففتحت المدينة أبوابها .
ثم سار ابن القاسم نحو حصن (سيويس) وفتحه ، ثم عاد إلى نيرون ، واتخذ قراره بعبـور نهر مهران للقاء داهر ملك السند ، وأرسل رسولين له لدعوته للطاعة فرفض ، وعندئذ تخير ابن القاسم أفضل معابر النهر وهيأ السفن لذلك ، وخلال هذه المراسلات والاستعدادات التي استمرت خمسين يوماً نفدت أرزاق المسلمين ، وقلت أعلاف الخيل والدواب ، ونفق عدد من الخيل بعد إصابتها بالجذام ، واشتكى الجيش من قلة الغذاء ، فاضطر الجند إلى أكل لحوم الخيل المريضة ، فكتب ابن القاسم رسالة للحجاج بالأوضاع فأرسل له الحجاج ألفي حصان ملكاً للمجاهدين وليست عارية مسترجعة .
ثم تجول ابن القاسم ليرى أفضل وأضيق مكان للعبور على نهر مهران، ثم أمر بإحضـار السفن وربط بعضها ببعض ليصنع منها جسراً للعبور ، وتقدمت جماعة من جند داهر وقادته ليمنعوا ابن القاسم من ربط أجزاء النهر ، ولما وصلت طلائع السفن على مقربة من الساحل الشرقي بدأ المقاتلون المسلمون برمي السهام والرماح بكثافة ، مما أدى لتراجع قوات داهر مما سهل عبور الجيش المسلم ، وفر جند داهر ، وسار ابن القاسم إلى منطقة (جيور) ، ونزل بجيشه على مقربة من نهر ( ددهاواه ) ، والتحم الجمعان من بداية الصباح وحتى المساء ثم تراجع كل إلى موضعه ، وكان عدد الفيلة ستين فيلاً وقيل مائة، وكان داهر على أكبرها ، وقد عملت في المسلمين الأفاعيل .
وظل الحال هكذا خمسة أيام ، وفي اليوم السادس غير الجيشان تنظيم صفوفهما ، وفي اليوم السابع شجع ابن القاسم رجاله وحرضهم على القتال ، وبدأت سهام المسلمين المشتعلة بالنار تتساقط على هودج داهر، ورمى أحد الرماة بسهمه فأصاب قلب الهودج وأشعل فيه النار، فعاد جيش داهر بفيله إلى الوراء وقد اشتعل بالنيران وسقط معه في الماء، وعندها وصل الفرسان المسلمون إليه وقد تشردم جيشه من حوله وحلت به الهـزيمة ، وحـاول داهر الخروج من الماء فصوب إليه أحد الرماة المسلمين المهرة سهماً فأصابه ولكنه تحامل على نفسه وتمكن من الظهور من الماء ، فتقدم منه عمرو بن خالد الكلابي فعلاه بسيفه وضرب به رأس داهر فشقه نصفين حتى الرقبة ، وتتبع المسلمون فلول جيش داهر المقتول حتى حصن ( راؤر ) ففتحوه ، ثم فتح ابن القاسم مدين ( دهليله ) ، ثم توجه إلى ( برهمناباذ) ففتحها وأعطى أهلها الأمان الذي طلبوه ، وفرض الجزية على من لم يسلم ، ثم عين البراهمة في المناصب التي تناسبهم وخصص لهم المال ، وأجلسهم في المحافل في الأماكن التي كانت مخصصة لأمراء الهند وملوكها ، وأعطى لعوام الناس الأمان في ممارسة طقوسهم الدينية .
ثم واصل محمد بن القاسم جهاده ففتح العديد من المدن بعضها صلحاً وبعضها عنوة ، وكان أهمها مدينة ( ملتان ) - وهي أعظم مدن السند الأعلى وأقوى حصونه - فامتنعت عليهم شهوراً نفدت خلالها مؤنتهم فطعموا الحمر حتى أتاهم رجل مستأمن دلهم على مدخل الماء الذي يشرب منه السكان فقطعوه عليهم ، وقاتل الهنود المسلمين قتالاً شديداً استمر سبعة أيام اقتحم المسلمون الأسوار من بعدها وفتحوا الملتان ، وكان في كل مدينة يفتحها يبني المساجد والمنابر ، حتى وصلت فتوحاته إلى حدود كشمير ، واستطاع أن يخضع السند لحكم الخلافة الإسلامية في مدة لم تتجاوز ثلاث سنين فقط .
وأصاب محمد مالاً كثيراً وعظمت فتوحاته ، فراجع الحجاج حساب نفقاته على هذه الحملة فكانت ستين ألف ألف درهم ، فحمل إليه محمد ابن القاسم ضعف هذا المبلغ ، فقال الحجاج : ( شفينا غيظنا ، وأدركنا ثأرنا ، وازددنا ستين ألف ألف درهم ورأس داهر ) .
لقد أنجز محمد بن القاسم الثقفي هذا الفتح كله بين سنة تسع وثمانين وسنة أربع وتسعين للهجرة ، فأي عظمة في هذا القائد ، وأي عظمة في هؤلاء الجند الفاتحين ، وأي سر في هذا الدين العظيم .



إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#68

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

من تاريخ تركستان الشرقية : فتح كاشغر

للمرحوم اللواء الركن محمود شيث خطاب

»لا يزال أهل تركستان الشرقية (سينكيانج) مسلمين حتى اليوم، ولكن القابض منهم على دينه كالقابض على الجمر«.

المدينة والسكان..

كاشغر: مدينة من أشهر مدن تركستان الشرقية وأهمها، وكانت عاصمة تركستان الشرقية، ولها مركز عظيم في التجارة مع روسيا من جهة والصين من جهة ثانية وبلاد ما وراء النهر [1] من جهة ثالثة، وتشتهر بمنسوجاتها الصوفية الجميلة.
وكانت كاشغر تعتبر قديماً من بلاد ما وراء النهر، وهي تضم قرى ومزراع كثيرة، يسافر إليها من سمرقند وإقليم الصغد، وهي في وسط بلاد الترك، وأهلها مسلمون.
وينسب إلى كاشغر علماء كثيرون، منهم أبو المعالي طفرل شاه محمد بن الحسن بن هاشم الكاشغري الواعظ، وكان عالماً فاضلاً، سمع الحديث الكثير، وطلب الأدب والتفسير، ومولده سنة 490 هـ، وتجاوز سنة 550 هـ في عمره.
ومنهم أبو عبد الله الحسين بن علي خلف بن جبرائيل بن الخليل بن صالح بن محمد الألمعي الكاشغري، كان شيخاً فاضلاً واعظاً، وله تصانيف كثيرة بلغت في الحديث وحده ما تصانيف كثيرة بلغت في الحديث وحده مائة وعشرين مصنفاً وأكثر، وتوفي ببغداد سنة 484 هـ.
وهكذا كان المسلمون في أيام عزهم، ينتقلون لطلب العلم والرزق من كاشغر شرقاً إلى الأندلس غرباً، إلى سيبيريا شمالاً، إلى المحيط جنوباً، بدون جوازات سفر ولا سمات دخول وبغير حدود ولا سدود، وقد أصبحت دولة الإسلام اليوم، دولة الإسلام الواحدة، سبعاً وثمانين دولة ما بين ملكية وجمهورية وإمارة ومشيخة ومستعمرة، يحتاج الذي يريد زيارتها –إن استطاع وسمح له- إلى عشرات سمات الدخول ومئات العراقيل وآلاف العقبات، وأصبح المسلم في دار الإسلام غريباً.
وتركستان الشرقية التي تقع فيها مدينة كاشغر، يحدها من الجنوب: الباكستان والهند (كشمير) والتبت، ومن الجنوب الغربي والغرب: أفغانستان وتركستان الغربية، ومن الشمال: سيبيريا، ومن الشرق والجنوب الشرقي: الصين ومنغوليا.
وقد اجتاحت تركستان الشرقية القوات الصينية الشيوعية سنة 1949م واحتلتها، فأطلق عليها الصينيون اسم (سينكيانج) وهي كلمة صينية تعني: المستعمرة الجديدة، وتبعهم بهذه التسمية الأوروبيون وبعض المصادر العربية الحدينة، إلا أن أهل تركستان الشرقية المسلمون يحبون أن تسمى بلادهم باسمها القديم: تركستان الشرقية، ولا يحبون تسميتها بالاسم الصيني الجديد.
وقد لعبت تركستان الشرقية دوراً تاريخياً مهماً في التجارة العالمية. وكان طريق الحرير المشهور يمر بها، وهو الطريق الذي كان يربط بين الصين، أبعد بلاد العالم القديم، والدولة البيزنطية.
وبدأ الإسلام يدخل تركستان الشرقية على عهد عبد الملك بن مروان سنة ست وثمانين الهجرية (705م)، ولكن البلاد أصبحت إسلامية حكومة وشعباً سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة الهجرية (964م) بدخول السطان ستوق بغراخان الإسلام، فشمل الإسلام البلاد كافة.
ولا يزال أهل تركستان الشرقية مسلمين حتى اليوم، ولكن القابض على دينه كالقابض على الجمر.

التمهيد للفتح..

قطع قتيبة بن مسلم الباهلي النهر –نهر جيحون- في سنة أربع وتسعين للهجرة (712م) متوجهاً إلى فرغانة. وفرغانة اسم مدينة واسم إقليم. وإقليم فرغانة من أقاليم نهر سيحون في بلاد ما وراء النهر، متاخمة لتركستان، وليس فما وراء النهر أكثر قرى من فرغانة، وربما بلغ حد القرية مرحلة لكثرة أهلها وانتشار مواشيهم وزروعهم.
أما فرغانة المدينة فكثيرة الخيرات، كثيرة القرى والحقول والمزارع، بينها وبين سمرقند خمسون فرسخاً.
واصطدمت قوات قتيبة بقوات أهل فرغانة في مدينة خجندة إحدى مدن إقليم فرغانة، فقاوم أهل فرغانة ومن معهم من الترك القادمين مدداً لهم من مدينة كاشغر المجاورة، وكانت مقاومتهم شديدة اضطر قتيبة على الاشتباك بهم مراراً، وفي كل مرة يكون الظفر فيها للمسلمين. وأخيراً انتهت مقاومة أهل فرغانة وحلفائهم الباسلة، ففتح المسلمون الإقليم كافة.
وكان سبب حشد أهل فرغانة قواتهم الضاربة في خجندة، هو لأنها أول مدن إقليم فرغانة من الغرب، وهي على حدود إقليم الصغد الشرقية التي فتحها المسلمون من قبل، فهي الخط الدفاعي الأول عن إقليم فرغانة.
وخُجندة، بلدة مشهورة بما وراء النهر، تقع على شاطئ سيحون، بينها وبين سمرقند عشرة أيام شرقاً، وهي مدينة نزهة، ليس بذلك الصقع أنزه منها، وفي وسطها نهر جار، ولأهلها سفن يسافرون بها في سيحون، وتقوم على ضفة سيحون اليسرى.
ولعل موقع هذه المدينة القريب من إقليم الصغد الذي فتحه المسلمون قبل اليوم، وتيسر وسائط النقل فيها، وكثرة موادها الغذائية، وأهميتها القصوى لإقليم فرغانة، هي أهم أسباب حشد قوات إقليم فرغانة على أرضها، وقبول المعركة الدفاعية الحاسمة عن إقليم فرغانة في ربوعها.

الفتح

كان الاحتفاظ بإقليم فرغانة بيد المسلمين، يقضي على المسلمين فتح منطقة كاشغر التي تقع شرقي إقليم فرغانة، ويقطنها الترك كما يقطنون إقليم فرغانة. وفي سنة ست وتسعين الهجرية (714م) غزا قتيبة مدينة كاشغر، وهي أدنى مدائن الصين وأقربها إلى فرغانة.
وسار قتيبة من مرو عاصمة خراسان على رأس جيشه، وحمل الناس عيالاتهم لتستقر في سمرقند.
وعبر الجيش الإسلامي نهر جيحون، فاستعمل قتيبة رجلاً على معبر النهر، ليمنع من يرجع من جنده إلا بجواز منه وبموافقته الخطية.
ومضى جيش المسلمين إلى فرغانة، مروراً بسمرقند، حيث أبقى الناس عيالاتهم فيها بحماية المسلمين من أهل سمرقند، وكان الإسلام قد انتشر فيها انتشاراً سريعاً موفقاً.
وفي فرغانة، أكمل قتيبة استعدادات جيشه للقتال، وأرسل إلى (شعب عصام) الفَعَلَة لتمهيده، حتى يجتاز الجيش بسهولة ويسر وسرعة، فأكمل الفعلة مهمتهم، وأخبروا قتيبة بإكمالها.
والفعلة هم سلاح الهندسة، كما نطلق عليه اليوم في المصطلحات العسكرية الحديثة: وهم الذين يمهدون الطرق، ويبنون القناطر والجسور، ويزيلون العقبات الطبيعية، ويؤمّنون وسائط عبور الأنهار، ويشرفون على العبور والمعابر.
ويبدو أن (شِعب عصام) أو وادي عصام، عارض من العوارض الطبيعية الوعرة، يعرقل مسيرة الجيش بقوات كبيرة، ويقع بين فرغانة والحدود الصينية القديمة.
وتقدم قتيبة على رأس جيشه من فرغانة، سالكاً الطريق التجارية التي تربط مدينة فرغانة بمدينة كاشغر، ماراً بجنوب بحيرة (جاتيركول) السوفييتية حالياً، على الحدود الصينية-السوفييتية، مقتحماً ممر (تيترك) في تركستان الشرقية.
وبعث قتيبة مقدمة أما جيشه إلى كاشغر، فتقدمت حتى وصلت إلى هدفها، بعد أن أزاحت المقاومات الطفيفة التي صادفتها في طريقها، وغنمت وسبت.
وأوغل قتيبة حتى قارب حدود الصين القديمة، ففتح كاشغر، وجنغاريا الواقعة على حدود منغوليا، وترفان على مقربة من الحدود المنغولية، وخوتن الواقعة شمالي التبت وكشمير، وقانو التي تقع تماماً في منتصف الصين الحالية.
ولكن المصادر العربية المعتمدة تقتصر على فتح كاشغر في هذه السنة ولا تقدم التفاصيل الإضافية الأخرى عن فتوح المدن الصينية الأخرى.

المفاوضات

بات الاصطدام بين المسلمين من جهة وبين ملك الصين من جهة ثانية وشيكاً، فطلب ملك الصين التفاوض بين الجانبين، وعرض التفاوض على قتيبة، فقد أوغل قتيبة حتى قارب الصين واخترق حدودها الغربية، فكتب إليه ملك الصين: «ابعث إلي رجلاً شريفاً يخبرني عنم وعن دينكم»، فوافق قتيبة على طلب ملك الصين.
واختار قتيبة من بين رجال جيشه اثني عشر رجلاً، لهم جَمال وألسن وبأس وتجمّل وصلاح، وأمر لهم بعُدّة حسنة ومتاع حسن من الخز والوشى وغير ذلك وخيول حسنة، وكان منهم هُبيرة بن المشمرج الكلابي مفوّهاً سليط اللسان، وقال لهم: «إذا دخلتم على ملك الصين، فأعلموه أني حلفتُ أني لا أنصرف حتى أطأ بلادهم، وأختم ملوكهم، وأجبي خراجهم»..
وسار وفدُ قتيبة إلى ملك الصين، عليهم هبيرة بن المشمرخ الكلابي، فلما قدموا الصين، دعاهم ملكها، فلبسوا ثياباً بياضاً تحتها الغلائل، وتطيبوا ولبسوا الأردية، ودخلوا على الملك، وكان عنده عظماء قومه، فأخذوا أماكنهم في مجلسه، فلم يكلم الملك الوفد ولا أحد ممن عنده.
ولما انصرف الوفد من مجلس الملك، قال الملك لمن حضره: «كيف رأيتم هؤلاء؟» قالوا: «رأينا قوماً ما هم إلا نساء».
وبالطبع قال من حول الملك ما يحب الملك أن يسمع، لا ما يجب على الملك أن يسمع، أسوة من حول أصحاب السلطان في كل زمان وكل مكان.
وفي غد دعاهم الملك إلى مجلسه، ولبسوا الوشي وعمائم الخز والمطارف –ألبسة من خزّ مربعة لها أعلام- وغدوا عليه، فلما دخلوا عليه قيل لهم: ارجعوا.
وقال الملك لأصحابه بعد انصراف وفد المسلمين: كيف رأيتم؟ فقالوا: هذه أشبه بهيئة الرجال من تلك.
وفي اليوم الثالث دعاهم الملك إلى مجلسه أيضاً، فشدوا سلاحهم، ولبسوا البيض –الخوذ والمغافر- (جمع مِغفر)، وهو زرد ينسج على قدر الرأس، يلبس تحت القلنسوة.. وأخذوا السيوف والرماح والقسي، وركبوا خيولهم العربية المطهمة الأصيلة.
ونظر إليهم ملك الصين، فرأى أمثال الجبال المقبلة، فلما دنوا من مجلس الملك، ركزوا رماحهم ثم أقبلوا مشمرين.
وقيل لهم قبل أن يدخلوا على الملك: »ارجعوا..« لِما دخل في قلوب الملك ومن معه من رجال الصين وقادتها من خوف ورهبة.
وانصرف الوفد عائداً إلى مستقره، بعد أن أخذوا رماحهم واستعادوا سلاحهم وامتطوا خيولهم، ثم دفعوا الخيل حضراً –عدْو ذو وثب، وهو ركض الخيل بأقصى سرعتها، كالذي يجري في سباق الخيل- كأنهم يتطاردون، فقال الملك لأصحابه: كيف ترونهم؟ فقالوا: ما رأينا مثل هؤلاء!
وفي مساء ذلك اليوم، بعث ملك الصين إليهم، أن ابعثوا إليّ زعيمكم. فبعثوا إليه هبيرة، فقال له الملك: قد رأيتم عظم ملكي، وأنه ليس أحد يمنعكم مني، وأنت في يدي بمنزلة البيضة في كفي، وإني سائلكم عن أمر، فإن لم تصدقوني قتلتكم.
وما كان هبيرة بحاجة إلى التهديد والوعيد، وليس هو من الرجال الذين يخيفهم التهديد والوعيد، فهو لا يكذب أبداً حتى ولو قتل على أن يكذب لا على ألا يكذب، فلا مجال لتهديده بالقتل إذا لم يصدق.
وسأل الملك هبيرة: لماذا صنعوا في الزي الأول ما صنعوا، ثم الزي الثاني، والزي الثالث؟
وكان جواب هبيرة: أما زيّنا الأول، فلباسنا في أهالينا وريحنا عندهم، وأما يومنا الثاني فإذا أتينا أمراءنا، وأما الثالث فزيّنا لعدوّنا.
وقال الملك: ما أحسن ما دبرتم دهركم، فانصرفوا إلى صاحبكم، فقولوا له: ينصرف، فإني قد عرفت حرصه وقلة أصحابه، وإلا بعثتُ عليكم من يهلككم ويهلكه.
وإذا كانت الجبال الراسيات تهتز قيد أنملة من خطرات النسيم العليل، فإن هبيرة قد اهتز يومئذ من وعيد الملك وتهديده، فلا بد له من أن يبلغ هذا الملك رسالة قتيبة بقوة وأمانة وصدق، فقال للملك في ثقة كاملة وهدوء تام: كيف يكون قليل الأصحاب مَن أول خيوله في بلادك، وآخرها في منابت الزيتون! وكيف يكون حريصاً من خلّف الدنيا وغزاك؟
وأما تخويفك بالقتل، فإن لنا آجالاً إذا حضرت فأكرمها القتل، فلسنا نكرهه ولا نخافه.
واستخذى الملك في مجابهة قولة الحق، فنسي تهديده ووعيده، ثم تساءل في قول ليّن رقيق: فما الذي يُرضي صاحبك؟ فأجابه هبيرة بقول فصل لا مساومة فيه: إنه حلف ألا ينصرف حتى يطأ أرضكم، ويختم ملوككم، ويُعطَى الجزية.
واستخذى الملك إلى درجة الانهيار بعد أن سمع كلمة الحق تزهق الباطل، فقال: فإنا نخرجه من يمينه: نبعث إليه بتراب من تراب أرضنا فيطأه، ونبعث أبناءنا فيختمهم، ونبعث له مالاً يرضاه..
ودعا الملك بصحاف من ذهب فيها تراب من أرض الصين، وبعث بحرير وذهب وأربعة غلمان من أبناء ملوكهم، ثم أجاز الوفد فأحسن جوائزهم، فقدموا على قتيبة الذي قبل الجزية، وختم الغلمان، وردّهم إلى الملك، ووطئ تراب الصين.
وقد لجأ الوفد الإسلامي إلى تبديل أزيائهم للتأثير في معنويات ملك الصين ومن معه، مما أدّى إلى انهيار معنويات الصينيين واستجابتهم لمطالب المسلمين.

حقيقة الفتح

المؤرخون العرب يذكرون أن مدينة كاشغر هي أدنى مدائن الصين، ولكن البلدانيين العرب يذكرون أنها من مدن تركستان. وما أخطأ المؤرخون العرب، لأن حدود الصين كانت تمتد غرباً فتضمّ حدودُها تركستان الشرقية بكاملها، أو جزءاً منها في حالة اشتداد قوة ملوك الصين، وتنحسر تلك الحدود نحو الشرق، فتستقل تركستان الشرقية بحدودها الطبيعية، أو تمتد حدود تركستان الشرقية فتضم إليها أجزاء من الصين، في حالة قوة ملوك تركستان وضعف ملوك الصين. وما أخطأ البلدانيون العرب القدامى في ذكرهم أن مدينة كاشغر من مدن تركستان الشرقية، فهي في الواقع كذلك أصلاً، ولكنها تدخل في حدود الصين تارة، وتكون خارج حدودها تارة أخرى.
وقد ظلت تركستان الشرقية خاصة عرضة لهجمات الصينيين حتى أصبحت اليوم من أجزاء الصين كما هو معلوم.
ومن مراجعة تاريخ تركستان الشرقية القديم يتضح لنا أن منطقة كاشغر والمناطق التي حولها التي امتدت الفتوحات الإسلامية إليها، كانت ضمن دولة (كول تورك) التي كانت من سننة 552 م إلى سنة 745 م، ومعنى هذا أن الفتح الإسلامي في تركستان سنة ست وتسعين الهجرية (714 م) كان على عهد تلك الدولة التركية التي كانت في عداء مستمر مع جارتها الشرقية الصين، وكانت على ولاء كامل مع بلاد ما وراء النهر، وخاصة مع إقليم فرغانة، لأن العنصر التركي كان يسيطر على هذا الإقليم، فكان تعاونه مع تركستان الشرقية تعاوناً وثيقاً.
ويذكر لنا تاريخ تركستان الشرقية القديم، أن الاضطرابات شملت تركستان الشرقية سنة إحدى وعشرين ومائة الهجرية (738 م)، فاستغل الصينيون هذه الاضطرابات واعتدوا على تركستان الشرقية وضمّوها إلى بلادهم.
ولكن الأتراك من سكان تركستان الشرقية تمكنوا من الحصول على المعونات العربية الإسلامية سنة أربع وثلاثين ومائة الهجرية (751 م) على عهد الدولة العباسية في بغداد، وتمكنوا بهذا العون من إنقاذ بلادهم من حكم الصين، و هزموا الصينيين في معركة (تالاس) المشهورة. [2]
يتضح من ذلك أن الفتح الإسلامي في كاشغر والمدن الأخرى جرى في تركستان الشرقية لا في الصين، ولكن ملك الصين الذي وجد سرعة تقدم الفتوح الإسلامية ووصولها إلى حدوده الغربية مباشرة في حينه، سعى لإرضاء الفاتحين خوفاً من اختراق بلاده وفتحها، فقدم ما قدم لقتيبة إرضاء له ولمن معه من المجاهدين، وصدّاً لتيارهم الجارف بالتي هي أحسن.

الشهيد..

والسبب الحقيقي لعودة قتيبة وجيشه عن حدود الصين الغربية، كما تذكر المصادر التاريخية المعتمدة، هو وصول خبر وفاة الوليد بن عبد الملك، وتولّي سليمان بن عبد الملك الخلافة بعده، وكان ذلك سنة ست وتسعين الهجرية [3] وكان الوليد مؤيداً لقتيبة وسنداً له أسوة بقادة الحجاج بن يوسف الثقفي كافة، وكان سليمان يكرههم ولا يميل إليهم، لأن الوليد بن عبد الملك أراد أن ينزع أخاه سليمان بن عبد الملك عن ولاية العهد ويجعل بدله عبد العزيز بن الوليد بن عبد الملك ابنه، فبايعه على خلع سليمان الحجاجُ وقتيبة وقادة الحجاج الآخرون.
وعاد قتيبة بمن معه من جيش المسلمين، فقتل في فرغانة سنة ست وتسعين الهجرية، وهي في طريق عودته إلى خراسان، فقال رجل من العجم: ما معشر العرب، قتلتم قتيبة! والله لو كان قتيبة منا فمات لجعلناه في تابوت فكنا نستسقي به ونستفتح إذا غزونا!
وقال أحد رجالات العجم بعد مقتل يزيد بن المهلب بن أبي صفرة: يا معشر العرب، قتلتم قتيبة ويزيد وهما سيدا العرب!

ورثا قتيبة كثير من شعراء العرب، فقال الفرزدق:
أتاني ورحلي بالمدينة وقعة * لآل تميمٍ أقعدتْ كل قائم
وقال عبد الرحمن بن جمانة الباهلي:
كأنّ أبا حفص قتيبة لم يَسْرِ * بجيشٍ إلى جيش ولم يَعْلُ منبرا
ولم تخفق الرايات والقوم حوله * وقوف، ولم يشهد له الناسُ عسكرا
دعته المنايا فاستجاب لربّه * وراح إلى الجنات عِفّاً مطهّرا
فما رزئ الإسلامُ بعدَ محمّد * بمثل أبي حفص، فيبكيه عبْهَرا
وعبهرا: اسم ولد لقتيبة.
وقال جرير في رثاء قتيبة:
ندمتم على قتل الأمير ابن مسلمٍ * وأنتم إذا لاقيتم الله أندَمُ
لقد كنتم في غزوه في غنيمة * وأنتم لمن لقيتم اليومَ مغنَمُ
على أنه أفضى إلى حور ربّه * وتُطبق بالبلوى عليكم جهنمُ
والشعر في رثائه كثير، والثناء عليه أكثر، ولكنه كان أكبر من كل رثاء وثناء، فآثاره باقية، وفتوحه عظيمة، وأعماله لا تبلى.

يكفي أن نذكر أن مساحة فتوحه تبلغ أربعين بالمائة من مساحة الاتحاد السوفييتي [4] وثلاثاً وثلاثين بالمئة من مساحة الصين الشعبية في الوقت الحاضر.وأن سكان المناطق التي فتحها في بلاد ما وراء النهر وتركستان الشرقية ضمن الاتحاد السوفييتي والصين لا يزالون مسلمين حتى اليوم، يتبركون بقراءة القرآن الكريم، ويعتزون بالعربية لغة والإسلام ديناً، بالرغم مما يلاقونه من عنت شديد ومحن وعناء.

ولا أزال أذكر مضيفة على إحدى الطائرات الصينية، صادفتها في إحدى الرحلات في المشرق الإسلامي. فقد رأتني أتلو ما تيسر من القرآن بالمصحف –والطائرة في الجو- فوجدتها تحتفي بي حفاوة خاصة، ولا تنفك تحيطني برعايتها الفائقة. وسألتني على استحياء أن أهدي لها المصحف لأنها مسلمة، فأهديته لها، فجثت على ركبتيها ووضعته على رأسها، وعيناها تذرفان قائلة: هذه أعظم هدية تسلمتها في حياتي، وسأقدم هذا المصحف الشريف إلى والدتي المريضة فور عودتي إلى بلدي، وستفرح بهذه الهدية العظيمة فرحاً عظيماً. ومضت إلى سبيلها تؤدي عملها، وما مرت بي إلا وهتفت: الحمد لله.. أنا مسلمة.
ويومها تذكرت قتيبة الذي لم يقتله أعداء العرب والمسلمين، بل قتله المسلمون.. وترحّمتُ عليه كثيراً وأنا بين السماء والأرض –في الطائرة- وترحّمتُ على شهداء المسلمين.

الهوامش:

[1] بلاد ما وراء النهر كان نهر جيحون القديم يعد الحد الفاصل بين الأقوام الناطقة بالفارسية والتركية، أي إيران وتوران، فما كان من شماله، أي وراءه، من أقاليم سمّاها العرب: ما وراء النهر، وهو نهر جيحون، وكذلك سمّوها: الهيطل.
[2] إسماعيل حقي شن كولر – قضية تركستان الشرقية، ص 64-65.
[3] الذهبي ، العبر ص 114
[4] هذا قبل سقوطه في أوائل التسعينات من القرن الماضي

عن موقع الفسطاط

إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#69

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

ملحمة القصر الكبير

أنور عبد العزيز الحمدوني

في زمن كانت فيه الجيوش الصليبية تغير على الطرف الشرقي لدار الإسلام، فتحتل، وتنهب، وتشر، وفي زمن كانت فيه البرتغال، أقوى إمبراطورية في العالم، إلى جانب إسبانيا حيث تمتد رقعتها إلى مناطق شاسعة من العالم، في هذا الزمن حين بلغ الصليبيون قمة قوتهم، فكان لا بد –في نظرهم- من كسر شوكة الإسلام في جناحه الغربي.
في سنة 981 هـ تولى ملك المغرب محمد المتوكل [1]، وبقي على العرش حوالي السنتين، إذ انقلب عليه أبو مروان عبد الملك السعدي، وأخوه أحمد (وهما من عائلة المتوكل) بمساعدة العثمانيين الذين كانوا على الحدود الشرقية للمغرب، في الجزائر. فما كان من المتوكل إلا أن فرّ إلى البرتغال طالباً النجدة من إمبراطورها دونْ سباستيان على أن يسلمه كل شواطئ المغرب على المحيط الأطلسي دون استثناء.
هكذا وجد سباستيان فرصته الذهبية للقضاء على الإسلام في جناحه الغربي، وتنصير المسلمين فيه تطبيقاً لوصايا إيزابيلا الكاثوليكية. وبدأ الإمبراطور البرتغالي مشاوراته مع أباطرة أوروبا وملوكها، فاتصل أول الأمر بخاله فيليب الثاني عاهل إسبانيا، الذي سمح للمتطوعين من كل ممالكه بمرافقة سباستيان إلى المغرب للقتال في سبيل الصليب، وتحرك سباستيان بجيوش نظامية من ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا والفاتيكان البابوية ومتطوعين من إنجلترا وفرنسا بالإضافة إلى جيوشه البرتغالية.
وعلم عبد المالك ملك المغرب بالمخطط الذي يحاك ضد بلاده، فبعث رسالة إلى إمبراطور إسبانيا يدعوه إلى حسن الجوار وإقامة علاقات صداقة، كما بعث لسباستيان يؤنّبه فيها على العمل الذي ينوي الإقدام عليه، ويهدده بسوء المصير،ويدعوه في الوقت نفسه إلى الدخول في السلم، والشروع في المفاوضات، ومما جاء في الرسالة:
»إنّ عزمك على محاربتي في عقر داري ظلم وعدوان، وأنت تعلم أني لا أضمر لك شراً، ولم أقم بحركة ضدك، فكيف تبيح لنفسك أن تسطو على حقوق وهبني الله إياها وتقدمها لشخص آخر هو محمد المتوكل، مقابل وعود (تسليم شواطئ الأطلسي)، لا يستطيع أن يفي لك بها ما دمت على قيد الحياة، وباستثناء العاصمة مراكش فإنني مستعد أن أتنازل لابن أخي (محمد المتوكل) على أي قضية، وإنك بإغرائك مغربياً على أخيه تقوم بعمل مشين لن يخدم سمعة البرتغال. إني أعلم أنك في طريقك لإبعادي عن مملكتي، ولكنك لا تعلم أنك بكل ما تملك وبما يوجد تحتك من ممالك لن تقدر على ذلك، ولا تظن أن الجبن هو الذي يملي علي ما أقول لك، فإن فعلتَ فإنك تعرض نفسك للهلاك، وإنني مستعد للتفاهم معك رأساً لرأس في المحل الذي تريده، وإنني أفعل كل هذا سعياً في عدم هلاكك المحقق عندي، ولا يملي علي هذه المشاعر إلا محبّتي للعدل، وإنني أقبل أن أتحاكم معك لدى محكمتك التي لا تستطيع ان تنتزع من أحد حقاً من حقوقه ظلماً وعدواناً لتعطيه لغيره، وإنني أقبل حكمها مسبقاً، وإنني أشهد الله على ما أقول، وأعلم أنك شاب لا تجربة لك، وأن في حاشيتك من يشير عليك بآراء فاشلة، لكن هيهات أن يمتنع الذي عزم«.

بداية المعركة واستراتيجية عبد المالك في الحوار مع إمبراطور البرتغال..

بدأت الحملة الصليبية في السابع من تموز (رمضان) 986 هـ، وانطلقت المراكب من ميناء قادس متوجهة صوب المغرب، حاملة جيوشاً صليبية هي أقوى جيوش العالم آنذاك عدداً وعدة.
وصلت الجيوش إلى مدينة أصيلة فاحتلتها ونواحيها، وكان ملك المغرب عبد المالك في مراكش آنذاك، فبعث إلى سباستيان برسالة قال فيها: »إنني أعترف بشجاعتك وشهامتك يا سباسيتان، ودليلنا على ذلك هو هجومك على بلادنا الآمنة، إنني أنحي عليك باللوم لآنك انتهزت فرصة غيابي وهجمت على المدن والقرى الوديعة تفتك بالمدنيين والفلاحين العزّل، وهذا لم أكن أعهده فيك، والآن ففي إمكانك أن تنتظرني أياماً أقدم عليك«.
وتأثر سباستيان بالرسالة بفعل الغرور، وكان هذا شيئاً هاماً ينم عن ذكاء عبد المالك، وذلك لكي لا تتوغل جيوش سباستيان في الآراضي المغربية، فيكسب سكانها الذي سيحاربون إلى جانبه بالإكراه.
وسافر عبد المالك إلى مدينة القصر الكبير، فكتب مرة إخرى إلى سباستيان: »لقد قطعت أنا المراحل والمسافات الطويلة لمقابلتك، أفلا تتحرك أنت يا سباستيان لمقابلتي، لتبرهن على شجاعتك وشدة مراسك؟« وكانت هذه أيضاً خطة ناجحة لإبعاد الجيوش الأوروبية عن مراكز التموين على البحر.

الملحمة..

وفعلاً تحركت الجيوش الأوروبية الصليبية مهاجمةً المغاربة الذي استدرجوا هذه الجيوش إلى سهل القصر الكبير في مكان استراتيجي بين وادي المخازن في الخلف ونهر لوكوس على اليمين ووادي وارور في الأمام.
ثم كان الشطر الثاني من خطة المسلمين للمعركة، إذ هدموا جسر وادي الخازن لقطع خط الرجعة على الفلول الصليبية، وأخيراً كان الملتقى بعد فجر يوم الاثنين 30 جمادى الأولى سنة 986 هـ (4 آب/أغسطس 1578م). ويصف لنا المؤلف المغربي الأفراني المعركة في كتابه »نزهة الحادي في أخبار القرن الحادي« قائلاً: »نزل العدو علىوادي المخازن، وقطعه بجيوشه وعبر جسر الوادي، فأمر عبد المالك بالقنطرة أن تهدم، ووجه لها كتيبة من الخيل فهدموها، ثم زحف بجيوش المسلمين وخيل الله المسوّمة، فالتقت الفئتان، وحمي الوطيس، واسودّ الجو بنقع الغبار، ودخان مدافع البارود، إلى أن هبّت على المسلمين ريح النصر، فولّى المشركون الأدبار، وقُتِل الطاغية البرتغالي غريقاً في الوادي، ولم ينجُ من الروم إلا عدد نذر وشرذمة قليلة«.
وصدق الله العظيم: { إن تنصروا الله ينصركم ويثبّت أقدامكم } [محمد ـ 7]، صدق الذي أعزّ عبده، ونصر جنده، وهزم الأحزاب وحده. وسبحانه، ففي يوم واحد –في هذه المعركة- مات ثلاثة ملوك، الأول معتدٍ هو سباستيان، الذي قُتِل من جراء جرحين أصيب بهما في رأسه، وجرح آخر في ساعده، ثم غرق في الوادي، والثاني هو محمد المتوكل، غرق أيضاً فأخذوه وطافوا به في القصر الكبير، وفاس ومراكش، أما الأخير فهو أبو مروان عبد المالك، صعدت روحه إلى ربها راضية مرضية، بعد المرض الذي أصابه وهو يوجّه أوامره ويسيّر المعركة من داخل خيمته. [2]


نتائج معركة القصر الكبير

هل كانت معركة صليبية؟ لقد غيّرت معركة القصر الكبير مجرى مهماً في التاريخ، إذ فقدت البرتغال –مثلاً- استقلالها، وفقدت ممتلكاتها الواسعة في العالم وأوقفت الهجمات الصليبية الشرسة الأوروبية عموماً والبرتغالية خصوصاً على الخليج العربي. أما المغرب فقد جنى غنائم طائلة، وكسب سمعة عالية، حتى بدأت دول أوروبا نفسها تخطب ودّه، وهذا ما أوجد في نفس الأوروبيين عقدة حاصة، ذهبوا معها إلى أن المعركة لم تكن صليبية، ومن بين هؤلاء المؤرخ الفرنسي هنري تيراس الذي يقول: »إنها لم تكن من الصدمات الكبرى بين النصرانية والإسلام، بل كانت –حسب تواريخ البرتغال والمغاربة معاً- حادثاً عرَضياً بدون مقدمة ولا نتائج«.
وهذا خطأ، وإلا كيف نفسر ما ترتبت على المعركة من نتائج لا يجهلها هذا المؤرخ نفسه؟ وكيف نفسر الاستعدادات طويلة الأمد، ومشاركة جيوش كثيرة من أوروبا بلغ تعدادها 35 ألف مقائل صليبي [3] عدا المتطوعين الذين يزيدون على عشرة آلاف، على متن ألفي مركب شراعي، في الوقت الذي كان فيه تعداد المسلمين 37 ألف مقاتل ضمنهم أربعة آلاف من الجيوش العثمانية التي تكوّن فرق المدفعية والبارود.
ولعل من المفيد هنا أن أورد ما قاله كاستوني دوفوس [4] حول نظرة البرتغال إلى المعركة: »إن من المؤكد أن رجال البلاط في لشبونة كانوا ينظرون إلى تلك الحرب وكأنها رحلة من رحلات الساحة، وليس أدل على ذلك من أنهم كانوا يهيئون الصلبان لتعليقها على مساجد فاس ومراكش. وقد أبدى كثير من نساء الطبقة النبيلة رغبتهن في مصاحبة الجيش البرتغالي وكأنهن سيحضرن إلى ملعب لسباق الخيل، وكان الشاعر الكبير كاموانس، الذي اشتهر بكونه أنبغ الشعراء وأكثرهم قصائد في الحث على القضاء على المغاربة، على فراش الموت، وحيث لم يستطع ركوب البحر فإنه بعث مع الجنود أغنية مجّد فيها المحاربين الذي باركهم البابا، وصلى من أجل انتصارهم«.
وأورد مؤرخون آخرون حالة الاستعداد التي كانت عليها أوروبا قبل المعركة، إذ ذهب الخبال ببعض المهندسين إلى درجة أنهم وضعوا تصميمات لتحويل قبة القرويين إلى مذبح كنائسي تعلّق فيه صورة العذراء.
وهذا فقط يكفي للدلالة على أن معركة القصر الكبير كانت صداماً حاسماً بين الإسلام والنصرانية المزيفة، أي وبتعبير آخر: كانت معركة صليبية فاصلة في التاريخ.

الهوامش :

[1] محمد المتوكل: من ملوك دولة السعديين بالمغرب، وعبد المالك هو ابن عمه.
[2] بعض الروايات تقول: إنه سُقي سماً من طرف أحد خدامه الأتراك.
[3] بعض الوثائق الأجنبية تذكر أنهم كانوا ستة آلاف مقاتل، انظر الجزء 3 من سلسلة دي كاسطري، ص 397.
[4] مؤرخ فرنسي من القرن الماضي.

عن موقع الفسطاط

إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#70

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

فتح صقلية

مقتطعة من موضوع حضارة العرب في صقلية وأثرها في النهضة ألأوربية للدكتور عبد الجليل شلبي


ترجع صلة العرب بصقلية إلى عهد معاوية بن أبي سفيان، فقد أرسل إليها سميّه معاوية بن خديج الكندي، فكان أول عربي غزاها، ثم لم تزل تغزى حتى فتحها الأغالبة، وكان معاوية بن أبي سفيان، كما قال البلاذري، يغزو براً وبحراً، وهو أول من أسس أسطولاً إسلامياً، ووجه إلى صقلية أيضاً عبد الله بن قيس بن مخلد الدزقي فأصاب منها أصنام ذهب وفضة مكللة بالجواهر، ووجه بها معاوية إلى البصرة ثم إلى الهند لتباع هناك، وأغزى جنادة بن أمية الأزدي أيضاً جزيرة رودس ففتحها، وأقام المسلون بها سبع سنين في حصن اتخذوه لهم. وقد استرد يزيد بن معاوية جيش المسلمين وعادت الجزيرة الكبرى صقلية وما حولها إلى الحكومة البيزنطية. وكان من حسنات معاوية أنه أقام في الجزر التي فتحها جاليات إسلامية، وبنى فيها مساجد، وترك مقرئين يعلمون ويقرأون القرآن، هذا مع أن فتوحه كانت جزئية.
وتوقفت غزوات المسلمين البحرية بعد معاوية، وشغلت الدولة بحروب داخلية مدة كبيرة، ولما هدأت الأحوال بها لم يكن غزوها البحري نشيطاً، وكانت نهاية موسى بن نصير نهاية له وللإسلام وللدولة الإسلامية، ولكن البحريين من المسلمين في الشرق وفي إسبانيا ناوشوا جزر البحر الأبيض وشواطئ أوروبا، ولم تأت أعمالهم بفتوح ذات قيمة تاريخية ولكنهم لفتوا أنظار هذه البلاد إلى قوة العرب.

.
فتح صقلية..

كان قد مضى على صقلية ثلاث قرون وهي تحت حكم الدولة البيزنطية، وكانت سنين عجافاً سادها الفقر الفكري، وترتب على سيادة الجهل وجمود الأذهان: تفرق بين السكان، فكان كبار الملاك والتجار يتبادلون المكايد وينشطون في دس الدسائس وبث أسباب العداء، وكان من بين هؤلاء الكبار في المال والصغار في النفس رجل يدعى إيو فيموس (Euphemius) وكان مغيظاً من حاكم الجزيرة، فرأى الانتقام منه أن يستعين بالأمير الأغلبي الثالث، وهو زيادة الله، في غزو الجزيرة والقضاء على الحكم البيزنطي كله. وتردد الأمير الأغلبي في بادئ الأمر في غزو بلد مهادن له، وكان على رأسه القاضيان المسنان: ابن الفرات وأبو محرز. وكان ابن الفرات متحمساً لهذا الغزو مستدلاً بالآية القرآنية: »فلا تهِنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلونَ والله معكم ولن يتركم أعمالكم«. وكان ابن الفرات فقيهاً مالكياً طالت رحلته وتنقلاته في الشرق، وتلقى الفقه المالكي والحنفي، وجعل من مدونتي مالك وابن القاسم وآرائه الخاصة مدونة فقهية باسمه، وكان أيضاً محارباً شجاعاً، ورأى زيادة الله أن يجعله على رأس هذه الحملة، ويظهر أن إخلاصه في الجهاد أضفى على الجيش كله روح التضحية وحب الاستشهاد. ووصل الجمع إلى ميناء مزارا التي في جنوب الجزيرة، فألقى ابن الفرات فيهم خطبة لم تشر إلى شيء من الحرب والغنائم كما فعل طارق بن زياد عندما نزل جيشه بأرض الأندلس [1]، بل حثهم فقط على التقوى وتحصيل العلوم.
استهل خطبته بالشهادة، وأقسم لجيشه أنه ما كان من آبائه من ولي جيشاً، ثم قال: »فأجهدوا أنفسكم، وأتعبوا أبدانكم في طلب العلم وتدوينه، وكاثروا عليه واصبروا على شدته، فإنكم تنالون به خيري الدنيا والآخرة..« والخطبة بوجه عام توحي بالزهد، وتؤذن بأن الدنيا تخضع لذوي العلم والدين.
لم يكن فتح هذه الجزيرة هيناً ولا سريعاً، مع أن الحملة كان بها سبعون سفينة عليها عشرة آلاف مقاتل، وسبعمائة فرس، ولكنها اعتمدت على الحصار، وشقت طريقها إلى باليرمو Palermo، فاتخذها عاصمة، وهي في مستعمرة فينيقية، فجعلوها قاعدة حربية توجه منها الحملات، وأخذت الجزيرة تسقط تدريجياً في أيديهم، ولم يتم فتحها نهائياً إلا في العهد الفاطمي.

صقلية بعد الفتح..

صارت صقلية بعد فتحها إمارة أغلبية، يتولى أمرها والٍ من قبلهم، وكان الأغالبة في نزاع ومناوشات مستمرة مع الدولة الفاطمية [2] التي نشأت بالمغرب، وتريد الزحف نحو الشرق، وكان هناك أقوى بين المذهبين السني والشيعي، وكان ذلك ينعكس على جزيرة صقلية، وكان بين سكانها نزاع بين العرب والبربر من قبل.
ونوجز القول فنقول: إن الفاطميين تغلبوا على بني الأغلب في إفريقية، وحلوا محلهم في متسهل القرن الحادي عشر الميلادي، ثم انتزعوا منهم صقلية، وهي على انقسامها وتفرقها، فاضطروا إلى إعمال الشدة، فشهدت الجزيرة أياماً قاسية سوداً، حتى عين الخيلفة المنصور الفاطمي الحسنَ بن علي بن أبي الحسن والياً عليها، فبدأ عهداً جديداً عرف بعهد الكلبيين، والذي امتد قرناً من الزمان، كانت الدولة فيه كلبية فعلاً وإن لم تنقطع عن الفاطميين، ولم يدم هذا العهد طويلاً، ولسنا بسبيل الأسباب التفصيلية لسقوط الكلبيين، غير أن نهاية عهدهم كانت بداية فوضى واضطراب، وتقسمت الجزيرة الصغيرة إلى دويلات وأشتات قبائل وأحزاب، وعادوا جميعاً بعد الإسلام كفاراً يضرب بعضهم رقاب بعضهم. وكان بين رؤوسهم رجل يدعى ابن الثمنة ففعل فعلة أيو فيميوس وطلب تدخل النورمانديين، فوجدوا الجزيرة فريسة سهلة، فاستولوا عليها وضموها إلى جنوب إيطاليا، وبذا انتهى العهد الإسلامي في هذه الجزيرة بعد قرنين ونصف قرن أو ما يزيد عن ذلك ببضعة عشر عاماً.
وكان موقف المسلمين في صقلية كموقف المسلمين في إسبانيا، إذ ترقبوا نجدة من الدول الإسلامية، وعلى الأخص بني زيري الذين خلفوا الفاطميين على غرب إفريقية، ولكن لم يمد أحد لهم يد المساعدة، فاضطروا إلى التسليم والاستسلام.

إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#71

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

معركة جلناباد Battle of gulnabad

بداء السلطان حسين سلطان فارس في التجهيز للحرب وأصدر قراراً بإعفاء كل من يتطوع في الجيش ولمدة ستة أشهر من الضرائب المالية المفروضة على الشعب .
تمكن السلطان حسين في خلال أيام من تجميع جيش ضخم من مختلف عرقيات المجتمع, جورجيون, قزلباش , ارمن, فرس, عرب وغيرهم تحت قيادات مشهورة مثل رستم خان الجورجي( أخو جورجين حاكم قندهار) والذي كان يقود فرقة من المقاتلين الجورجيين المدربين تدريباً حديثاً والمشهورون بالانضباط والشجاعة, وكذلك سيد عبدالله والي عربستان والذي كان تحت إمرته إثناعشرة ألفاً من الخيالة العرب, وعلي مردان خان القائد العسكري المشهور, تجمع كل هؤلاء تحت قيادة رئيس الوزراء محمد قلي خان.

وفي 3/3/1722م خرج محمد قلي خان من أصفهان بجيشه البالغ تعداده ثمانون ألفاً والمجهز ب 24 مدفعاً كبيراً تحت إمرة المدفعي الفرنسي المشهور فيليب كولمب, بالإضافة الكثير من المدافع الصغيرة.
اختلفت المصادر التاريخية في تقدير تعداد الجيشين, لكن الأوسط هو 80000 من الفرس وأعوانهم مقابل 14000 من الأفغان
تحرك الجيش الإيراني نحو الشرق وفي اليوم الأول خيم في قرية شهرستاني القريبة من أصفهان وفي اليوم التالي زحف نحو الشرق حتى وصل للطريق العام الواصل بين أصفهان ويزد, وعندما وصل لمرتفعات خراسكان اتجه يميناً وعبر مضيق خورت فوصل للفلاة التي تقع فيها بلدتي محمدأباد وجلناباد(جيم مصرية) فأمر محمدقلي خان قواته بالتجمع في ميدان واسع هناك, وفي 7 مارس عبر الجيش الإيراني نهر برزون لمسافة كيلومتر واحد حتى أصبح على بعد ميل واحد غربي الجيش الأفغاني, في هذا اليوم حدث إشتباك سطحي بين قوات علي مردان ومقاتلي محمود.
كان المنجمون في بلاط السلطان حسين قد تنبؤا للسلطان بأن نجم سعده والنصر لن يحل إلا في الثامن من مارس, بالإضافة إلى ذلك عمل السلطان المخرف على توصية أحد المقربين بأن يقوم بتقديم مرق سحري للجيش قبيل خوض القتال, لان ذلك سيجعل بعض الجنود الفرس غير مرئيين في ساحة المعركة, أما طريقة تجهيز المرق السحري, هو أن يضع في كل قدر عدد إثنين من مقادم تيس و325 حبة حمص خضراء ويغلى في الماء حتى تستوي ثم تقوم فتاة بكر بقراءة كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) 325 مرة وتنفث في القدرثم تقدم للعسكر, نفذ السلطان التوصية خطوة بخطوة وتم تقديم المرق للعسكر والذي تسبب بإسهال الكثيرين منهم أثناء المعركة .

ومع شروق شمس الثامن من مارس 1722م أتى اليوم الموعد المليء بالرعب ورأى كل جيش الأخر.

كان هناك فرق كبير وفادح بين الجيشين
لم يكن الإيرانيون أكثر تعداداً فحسب بل كان جيشهم بزي موحد, ومنظم تنظيماً جيداً ومجهز بأحدث الأسلحة والعتاد في ذلك الزمان وكان لمنظره هيبة كبيرة, كانت خيولهم قوية مليئة يزين سروج بعضها الذهب, وكانت حركات وسكنات العسكر منظمة.
بإختصاركان منظر الجيش الإيراني وكأنه يؤدي عرض عسكري وليس في معركة, فكانت كل حركاتهم إستعراضات عسكرية.

وعلى الخلاف الأفغان كانوا في أرثى حال ملابسهم رثة ممزقة ولا يجمعهم زي موحد لا يملكون من الأسلحة إلا السيوف والرماح وبعض البنادق وخيولهم هزيلة نحيفة بعضها ليس عليهن سروج من الاصل.

يشبه البرفيسور برون معركة جلناباد بمعركة القادسية عام 635م وكذلك بمعركة بغداد بين العباسين والمغول.

يقول في هذه المعارك الثلاثة كانت الهيبة والعظمة والكثرة في صالح المدافعين أما المهاجمون فيظهر عليهم الضعف والوهن وقلة العدد والعدة.
ففي معركة القادسية كان الفرس يفوقون العرب في التعداد أربعة أضعاف وفي معركة بغداد كان التفاوت أكبر, وكذا في معركة جلناباد.
وفي كل تلك المعارك تغلبت الشجاعة والثبات والعزم والتصميم على تلك الفروق وكان النصر حليف المهاجمين.

نظام وترتيب الجيشين

الجيش الصفوي الفارسي:
سيد عبدالله والي عربستان وخيالته العرب الإثناعشر ألف في الميمنة في الخلف
رستم خان الجورجي مع مقاتليه الجورجين في قلب الميمنة
القائد العام محمدقلي خان مع أربعون ألف مقاتل في الوسط
علي مردان فيلي(معه فييلة) وعلي رضا خان على الميسرة

الغلزيون الأفغان

أمان الله سلطان على الميمنة
الشاه محمود في الوسط
نصرالله(مجوسي أسلم) على الميسرة

     
مضى اليوم ولم يتجرأ أحدٌ على بدء القتال , أعتمد محمدقلي خان قائد الفرس على الحفاظ على الوضع الدفاعي حتى عصر ذاك اليوم
وكذا لم يتجرأ الأفغان أيضاً ببدء القتال فلقد كان للجيش الفارسي هيبة عظيمة.
لكن في الساعة الرابعة عصراً قام رستم خان الجورجي بكسر حاجز الرهبة وهجم عل ميسرة جيش محمود والذي كان تحت قيادة نصرالله , كان الهجوم مباغتاً وشديداً فأضطر نصر الله للتقهقر بشكل عشوائي , في نفس الوقت تحرك سيدعبدالله بحركة دائرية حتى وصل خلف جيش محمود وهجم على خيام محمود واستولى عليها, لما رأى محمود أن نصرالله لا يستطيع مقاومة الجيش الفارسي تردد فيما يفعله فصاح عليه أمان الله سلطان بلهجة أمرة دع عنك المقدمة وأهجم على رستم ( تمثل محمود لأمر أمان الله سلطان ولم يعتبرها إهانة أن يأمره أحد قادته وهو الملك) فهجم فوراً على رستم خان , كان محمود يتقدم مقاتليه ب 200 متر حتى إلتحم مع العدو, عندما رأى نصرالله قدوم محمود رجع وأمر مقاتليه بالثبات, حوصر رستم بين الطرفين فأستغاث طالباً المساعدة لكنه لم يلقاء أذاناً صاغية من سيدعبدالله المنشغل بجمع الغنائم, تمكن محمود ونصرالله من قطعة صلة رستم الجورجي مع بقية الجيش الفارسي فأحس رستم بالخطر وانقطع أمله عن قدوم المدد فاثر الهرب والفرار لينجي بنفسه ويرجع للجيش الفارسي, أشتد ضرب الأفغان وثخنوا في الجورجين فتشتت الجورجين وفر رستم خان حتى وصل نهر برزون وعندما قفز جواده ليعبر النهر وقع في الماء وسقط رستم خان عنه وقبل أن يمطيه من جديد لحقه الأفغان ومزقوه إرباً إربا.
هنا لقي رستم خان مصير إبن أخيه خسرو الذي قتل بنفس الطريقة في قندهار قبل أحدعشر عاماً ولحق رستم باخيه جورجين وإبن أخيه خسرو.

أما ميسرة الجيش الفارسي فقد هجم علي مردان على ميمنة جيش الأفغان والذي كان بقيادة أمان الله سلطان فتظاهر أمان الله سلطان بالهزيمة وتقهقر للخلف فتقدم علي مردان بجيشه يلاحق الأفغان حتى وصل أمان الله سلطان للنقطة المحدد, حيث أنه كان قد جهز مدفعيته الخفيفة والمحمولة على الجمال الباركة خلف ساحة المعركة
فأمر مقاتليه بتخلية المقدمة والتوجه يميناً ويسارا حتى يتمكن المدفعيون من استهداف مقاتلي علي مردان وبالفعل قصفت المدفعية مقاتلي علي مردان قصفاً مكثفاً أدى إلى خسا ئر فادحة في صفوف الجيش الصفوي, وكان من ضمن القتلى أخ لعلي مردان وأصيب علي مردان نفسه بإصابات بالغة وبشق النفس تمكن من الفرار والنجاة بنفسه من الموت.
أما محمد قلي خان قائد الفرس الصفويين فشاهد بأم عينيه نهاية رستم خان و إبادة جيش الجورجيين وكذلك شاهد هزيمة علي مردان وفراره من ساحة المعركة, فبعد إشتباك قصير مع الافغان قرر هو الأخر الفرار ورأه مناسباً للنجاة بجيشه ونفسه من الإبادة المحتمة.
وعندما رأى الأفغان جبن الفرس وفرارهم أشتدوا في طلبهم ولاحقوهم فهجموا على المدفعية الفارسية هجمة خاطفة سريعة كالبرق وقبل أن يتمكن فيليب من ترصدهم تمكن الأفغان من الإستيلاء على المدفعية كاملةً وقتلوا فيليب وقائد المدفعية العام احمدخان.
رأى الجيش الفارسي الهارب إستيلاء الأفغان على مدفعيتهم الثقيلة لكنهم من الرعب والرهبة لم يكونوا يستطيعون حتى النظر للخلف وبسرعة كبيرة وعشوائية تامة تمكنوا من عبور مضيق خورت ودخلوا أصفهان ومن شدة إضطرابهم وخوفهم نسوا حتى أن يغلقوا
أبواب المدينة خلفهم .
تأثر أهل أصفهان من حال جيشهم وما حكاه لهم العسكر من قوة ووحشية الأفغان فتملكهم الرعب والخوف الشديد من الاتي وتعالت صياح النساء في المدينة التي لم تشهد الحرب منذ قرون.
ولو أن محمود تابع ولحق الجيش المنهزم حتى المدينة لكان إستولى عليها دون مقاومة لكنه فضل البقاء خوفاً من يقع في كمين فهم لا يعلمون تضاريس المنطقة جيداً وخاصتاً أن الليل كان قد أستل ستاره.

نتائج المعركة:
إختلفت المصادر التاريخية في تقدير خسائر الجانبين في معركة جلناباد.
الفرس/ الأفغان
1- زوزب سالميان (باللغة التركية)5000 /500
2-كلراك 6000 /700
3- شركة هولندا الشرقية 5000 /400
4- محمد محسن الإيراني خسائر فادحة/ ......
5- لورانس لوكارت 5000 /500
6- حسب الويكيبيديا 15000 / ......
https://en.wikipedia.org/wiki/Battle_of_Gulnabad


تحليل الدكتور لورانس لوكهارت( Laurence Lockhart ) للمعركة ونتائجها:

بنظر لورانس لوكارت أن سبب هزيمة الفرس هو أنهم كانوا غير متفقين ولم تكن لهم قيادة موحدة قوية.
ويعلل نصر الأفغان بأن
الشاه محمود لم ترهبه كثرة عدد الفرس ولم ترعبه هول المعركة لكنه أصابه التردد في إتخاذ القرار بداية المعركة وزال هذا التردد بواسطة أمان الله سلطان الذي أرشده على ما يجب فعله في مثل هذا الوقت.
كان الشاه محمود في بداية العشرينات من عمره, وكان بينه وبين قادته ثقة وإتحاد كبير, كان يحترمهم وهم يرشدونه وهو يتقبل, أما عسكره فقاتلو بشجاعتهم وصلابتهم المعروفة عنهم حتى نهاية المعركة والتي أدت لانتصارهم.

إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#72

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

أمجاد الأسطول الإسلامي في معركة ذات الصواري



اللواء الركن محمد جمال الدين محفوظ


بيزنطة والبحر الأبيض المتوسط


كان للدولة البيزنطية في العصور الوسطى السيطرة والسيادة على البحر الأبيض المتوسط بلا منافس، فعلى شواطئه الشمالية امتدت أملاكها إلى شبه جزيرة البلقان والجزر الملحقة بها وآسيا الصغرى، ومن الشرق كان تتبعها سورية وفلسطين، ومن الجنوب مصر وشمالي إفريقية، كذلك امتد سلطانها السياسي إلى وسط وجنوبي إيطاليا، وبعض بلاد محددة ولفترة قصيرة على الساحل الجنوبي لإسبانيا القوطية.
وكان لبيزنطة أسطول دائم ومهيب، وعدة قواعد بحرية، ودور للصناعة (صناعة السفن) في القسطنطينية وعكا والإسكندرية وقرطاجة، وسرقوسة بصقلية ورافنا بإيطاليا وغيرها، فقد بلغت عنايتها بالسلاح البحري أقصاها منذ عهد «جستنيان» (يوستانيوس) في منتصف القرن السادس الميلادي، وعهد هرقل قبل منتصف القرن السابع ومن جاء بعده من الأباطرة.
وإلى جانب الأسطول البحري، كان لبيزنطة عدد من السفن التجارية تستخدم في عمليات نقل الجند والإمدادات، وكان تتحكم في منافذ البحر الأبيض: القسطنطينية ومصر وسبتة، مما استحال معه دخول أية تجارة خارجية إلى هذا البحر دون موافقتها، وشملت تجارتها العالم كله آنذاك.

الأسطول الإسلامي

ولم يكن للمسلمين عهد بركوب البحر أو الحرب في أساطيله، لكنهم وجدوا - خلال فتوح الشام – أن الأسطول البيزنطي مصدر تهديد خطير ومباشر لأمنهم وأمن المناطق المفتوحة واستقرار الإسلام فيها، فأدركوا أن بناء أسطول إسلامي ضرورة «استراتيجية» حيوية، فكان نواة هذا الأسطول من السفن التي وجدوها في موانئ االشام ومصر، ثم انطلقوا إلى صناعة السفن في دور الصناعة، وهكذا دخل السلاح البحري في «الاستراتيجية» العسكرية الإسلامية لأول مرة في تاريخ المسلمين،[1] وبدأ هذا السلاح الناشئ بسرعة مذهلة في ممارسة العمليات البحرية.
وكان من الطبيعي ألا تقف بيزنطة مكتوفة الأيدي أمام تلك القوة البحرية التي قامت في البحر الأبيض المتوسط، وأصبح تحت يدها أغلى ما كانت تملك من دور للصناعة وقواعد بحرية في عكا والإسكندرية، مما يشكل تهديداً خطيراً لسيادتها التي امتدت زمناً بلا منافس.
واتخذت العمليات البحرية للأسطول الإسلامي شكلين: الأول، عمليات تستهدف غزو جزر البحر الأبيض ذات الأهمية «الاستراتيجية» في تأمين الشام ومصر؛ والثاني، عمليات القتال البحري ضد أسطول بيزنطة مثل معركة ذات الصواري موضوع هذا البحث.
أسباب المعركة
تقدم المصادر والمراجع العربية والأجنبية أسباباً مختلفة لمعركة ذات الصواري البحرية، نذكر أهمها فيما يلي:
1.إجهاض قوة البحرية الإسلامية النامية. يقول أرشيبالد. د. لويس بعد أن تحدث عن غزو الأسطول الإسلامي لقبرص: "ويظهر أن الغارات التي انتهت باحتلال الجزيرة أثارت حماسة الدولة البيزنظية نحو البحر، ودفعتها للقيام بعمليات بحرية جديدة، وكان هذه العمليات قد توقفت منذ فشلها في معركة الإسكندرية عام 645 م – 25 هـ. أعدّ قنسطانز الثاني خليفة هرقل أسطولاً كبيراً تراوح عدده من 700 إلى 1000 سفينة شراعية، والتقى هذا الأسطول في السنة ذاتها بأسطول صغير مشترك بين العرب والمصريين مكون من 200 سفينة أقلعت من شواطئ سورية قرب موضع يقال له فونيكس بآسيا الصغرى Phoenicus ، وتعرف هذه الواقعة بواقعة ذات الصوراي." [2]
ويقول إرنست وتريفور ديبوي: "لقد بدأ العرب بشدة في تحدي سيادة بيزنطة البحرية، وهزموا أساطيل الإمبراطور قنسطانز الثاني واستولوا على بعض الجزر شرقي البحر الأبيض المتوسط." وفي موضع آخر يقول: "وفي البحر استولى المسلمون على رودس 654 م، وهزموا أسطولاً بيزنطياً يقوده قنسطانز بنفسه في معركهة بحرية عظمى خارج ساحل ليكيا (655 م)."
ويقول الدكتور عبد المنعم ماجد: "ويظهر أن النشاط المتزايد من قبل العرب أخاف بيزنطة بحيث إن الإمبراطور قنسطانز الثاني (642-668 م) جمع عدداً من المراكب لم يجمعها من قبل تزيد على ألف مركب، وسار بها بقصد ملاقاة أسطول العرب، أو بقصد احتلال الإسكندرية العظمى كبرى موانئ البحر الأبيض، فخرجت إليه أساطيل العرب في أعداد كبيرة بقيادة عامل مصر عبد الله بن سعد بن أبي سرح." [3]
2.انتقام البيزنطيين لما أصابهم على أيدي المسلمين في إفريقية واسترداد مصر. وذلك ما يراه الطبري حيث يقول: "وخرج عامئذٍ قسطنطين بن هرقل لما أصاب المسلمون منهم بإفريقية."[4] ويتفق معه في ذلك ابن الأثير فيقول: "وأما سبب هذه الغزوة فإن المسلمين لما أصابوا من أهل إفريقية وقتلوهم وسبوهم، خرج قسطنطين بن هرقل في جمع له لم تجمع الروم مثله مذ كان الإسلام." [5]
وقال عبد الرحمن الرافعي وسعيد عاشور: "وفي سنة 34هـ - 654 م خرج الإمبراطور قنسطانز الثاني على رأس حملة بحرية كبرى في محاولة للاستيلاء على الإسكندرية واسترداد مصر من العرب." [6]
3. إجهاض تدابير المسلمين لغزو القسطنطينية عاصمة بيزنطة. وذلك هو ما يراه المؤرخ البيزنطي تيوفانس حيث يقول: "في هذا السنة جهز معاوية –رضي الله عنه- الجيش وزوده بأسطول ضخم قاصداً محاصرة القسطنطينية، وأمر بتجميع الأسطول كله في طرابلس فينيقيا. فلما علم بذلك أخوان نصرانيان [7] من أهل المدينة، هاجما السجن وحطما الأبواب وأطلقا سبيل المحجوزين جميعاً، ثم هاجموا رئيس المدينة وقاتلوه ورجاله كلهم وهربوا إلى تخوم الروم، غير أن معاوية لم يغير رأية في حصار القسطنطينية، بل جاء بجيشه –يقصد أسطولي الشام ومصر- إلى قيصرية وكيادوكيا، وعيّن أبولا باروس Abula Barus-يقصد عبد الله بن سعد بن أبي سرح – قائداً للأسطول، فقدم هذا فينيقيا إلى مكان في ليكيا Lycia [8] حيث كان الإمبراطور قنسطانز مقيماً بمعسكره وأسطوله ودخل معه في معركة بحرية."[9]
4.حرمان المسلمين من الحصول على الأخشاب اللازمة لصناعة السفن. وهذا السبب ذكره أرشيبالد لويس كسبب محتمل لمعركة ذات الصواري، حيث قال: "ومما يلفت النظر أن المكان الذي دارت فيه المعركة، وهو ساحل الأناضول، يزدحم بغابات السرو الكثيفة، وهو الشجر المستخدم في صواري السفن، ولعل البيزنطيين قرروا القيام بتلك المعركة ليحولوا بين الخشب اللازم لصناعة السفن هناك، وبين وقوعه في قبضة العرب، وإذا صح هذا الزعم فإنه يقوم دليلاً على أهمية الخشب في الصراع البحري بين العرب وبيزنطة."[10]
أحداث المعركة
والواقع أن الأسباب التي ذكرناها كما وردت في المصادر والمراجع التاريخية أسباب مقبولة، لأنها جميعاً تعبر عن الدوافع المنطقية التي لا بد وأن تنشأ في عقول البيزنطيين الذين رأوا أغلى ممتلكاتهم تسقط في أيدي المسلمين في الشام ومصر وإفريقية، وأدركوا خطر الأسطول الإسلامي الناشئ الذي يهدد سيادتهم البحرية في البحر المتوسط الذي أطلق على بحر الروم دليلاً على تلك السيادة.
وأيا كانت الأسباب التي ذكرت، فقد التقى الأسطول الإسلامي بقيادة عبد الله بن سعد بن أبي سرح والي مصر، وكان يتألف من مائتي سفينة، بالأسطول البيزنطي بقيادة الإمبراطور قسطنطين الثاني خارج ساحل ليكيا في آسيا الصغرى (انظر الخريطة) ويمكن وصف أحداث المعركة باختصار على النحو التالي:
[1] نزلت نصف قوة المسلمين إلى البر بقيادة بُسر بن أبي أرطأة للقيام بواجبات الاستطلاع وقتال البيزنطيين المرابطين على البر، وذلك تطبيقاً لواجبات أمير البحر عندما تكون المعركة البحرية قرب البر والسوائل والجزائر، فعليه "ألاَّ يهجم على المراسي لئلا تكون مراكب العدو بها كامنة، ولا يتقدم إلى البر إلا بعد المعرفة والاحتراز من الأحجار والعشاب والأحارش التي تنكسر عليها المراكب، وإن كان القتال قرب البر والسواحل والجزائر فيجعل عيونه وطلائعه على الجبال فيتأهب لذلك.." [11]
[2] بدأ القتال بين الأسطولين – عندما أصبحت المسافة بينهما في مرمى السهام – بالتراشق بالسهام.
[3] وبعد أن نفدت السهام جرى التراشق بالحجارة، ومن أجل ذلك كانوا "يجعلون في أعلى الصواري صناديق مفتوحة من أعلاها يسمونها التوابيت يصعد إليها الرجال قبل استقبال العدو فيقيمون فيها للكشف ومعهم حجارة صغيرة في مخلاة معلقة بجانب الصندوق يرمون العدو بالأحجار وهم مستورون بالصناديق.
[12]
[4] وبعد أن نفدت الحجارة ربط المسلمون سفنهم بسفن البيزنطيين وبدأ القتال المتلاحم بالسيوف والخناجر فوق سفن الطرفين.
[5] انتهت المعركة بعد قتال شديد بانتصار المسلمين بإذن الله. ونذكر فيما يلي روايات المؤرخين عن أحداث المعركة.

رواية ابن عبد الحكم

وهي توضح مراحل المعركة، وكيف نجا عبد الله بن سعد قائد الأسطول من الأسر الذي كاد يقع فيه، فيقول: "إن عبد الله بن سعد لما نزل ذات الصواري، أنزل نصف الناس مع بسر بن أبي أرطأة سرية في البر، فلما مضوا أتى آتٍ إلى عبد الله بن سعد فقال: ما كنت فاعلاً حين ينزل بك هرقل - يقصد قسطنطين- في ألف مركب فافعله الساعة." أي: أنه يخبره بحشد قسطنطين لأسطوله لملاقاته، وإنما مراكب المسلمين يومئذ مائتا مركب ونيف، فقام عبد الله بن سعد بين ظهراني الناس، فقال: قد بلغني أن هرقل قد أقبل إليكم في ألف مركب، فأشيروا علي، فما كلّمه رجل من المسلمين، فجلس قليلاً لترجع إليهم أفئدتهم، ثم قام الثانية، فكلمهم، فما كلمه أحد، فجلس ثم قام الثالثة فقال: إنه لم يبق شيء فأشيروا علي، فقال رجل من أهل المدينة كان متطوعاً مع عبد الله بن سعد فقال: أيها الأمير إن الله جل ثناؤه يقول: { كم من فئةٍ قليلةٍ غلبتْ فئةً كثيرةً بإذن اللهِ والله مع الصابرين } فقال عبد الله: اركبوا باسم الله، فركبوا، وإنما في كل مركب نصف شحنته، وقد خرج النصف إلى البر مع بُسْر، فلقوهم [أي أسطول البيزنطيين] فاقتتلوا بالنبل والنشاب، فقال: غلبت الروم [أي انتصرت] ثم أتوه، فقال: ما فعلوا؟ قالوا: قد نفد النبل والنشاب، فهم يرتمون بالحجارة وربطوا المراكب بعضها ببعض يقتتلون بالسيوف، قال: غُلِبَتْ. وكانت السفن إذ ذاك تقرن بالسلاسل عند القتال، فقرن مركب عبد الله يومئذ، وهو الأمير، بمركب من مراكب العدو، فكاد مركب العدو يجتر مركب عبد الله إليهم [أي يجذبه نحوهم] فقال علقمة بن يزيد العطيفي، وكان مع عبد الله بن سعد في المركب فضرب السلسلة بسيفه فقطعها."[13]
رواية ابن الأثير
قال: "فخرجوا [أي البيزنطيين] في خمسمائة مركب أو ستمائة، وخرج المسلمون وعلى أهل الشام معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، وعلى البحر عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وكان الريح على المسلمين لما شاهدوا الروم، فأرسى المسلمون والروم، وسكنت الريح، فقال المسلمون: الأمان بيننا وبينكم. فباتوا ليلتهم والمسلمون يقرؤون القرآن ويصلون ويدعون، والروم يضربون بالنواقيس. وقربوا من الغد سفنهم، وقرب المسلمون سفنهم، فربطوا بعضها مع بعض واقتتلوا بالسيوف والخناجر، وقتل من المسلمين بشر كثير، وقتل من الروم ما لا يحصى، وصبروا صبراً لم يصبروه في موطن قط مثله، ثم أنزل الله نصره على المسلمين فانهزم قسطنطينن جريحاً ولم ينجُ من الروم إلا الشريد، وأقام عبد الله بن سعد بذات الصواري بعد الهزيمة أياماً ورجع." [14]
رواية المؤرخ البيزنطي تيوفانس
وهي توضح هزيمة البيزنطيين وفداحة خسائرهم، وكيف فرّ الإمبراطور ناجياً بنفسه: "ضم [أي قسطنطين] صفوف الروم إلى المعركة، وأخذ يتحرّش بالعدو، فنشبت المعركة بين الطرفين، وهزم الروم واصطبغ البحر بدمائهم، فغيّر الإمبراطور ملابسه مع أحد جنوده، وقفز أحد الجنود على مركبه واختطفه وذهب به هنا وهناك ونجا بمعجزة." [15]
لماذا سمّيت بذات الصواري؟
بعض المؤرخين يرجع سبب تسمية المعركة بذات الصواري إلى كثرة عدد صواري السفن التي اشتركت فيها من الجانبين؛ وبعضهم الآخر يذكر أن هذا الاسم نسبة إلى المكان الذي دارت قريباً منه، وهو ما نميل إليه وما يستنتج مما يلي:
1- قول الطبري: "فركب من مركب وحده ما معه إلا القبط حتى بلغوا ذات الصواري، فلقوا جموع الروم في خمسمائة مركب أو ستمائة." وقوله أيضاً: "وأقام عبد الله بذات الصواري أياماً بعد هزيمة القوم."
2- قول ابن الأثير: (وأقام عبد الله بن سعد بذات الصواري بعد الهزيمة أياماً ورجع.)
3- ويضاف إلى ذلك أن المكان الذي دارت المعركة قريباً منه اشتهر بكثرة الأشجار التي تستخدم أخشابها في صناعة صواري السفن، وقد أشار إلى ذلك أرشيبالد لويس بقوله: (ومما يلفت للنظر أن المكان الذي دارت فيه هذه المعركة، وهو ساحل الأناضول، يزدحم بغابات السرو الكثيفة وهو الشجر المستخدم في صواري السفن.)

الآثار الاستراتيجية لذات الصواري

أولاً: تأكيد النظرية الإسلامية في النصر على العدو المتفوق.
لقد كانت المقارنة المجردة بين قوة الأسطول الإسلامي وقوة الأسطول البيزنطي تكشف التفوّق الساحق للبيزنطيين، وتدفع أي خبير في فن الحرب إلى أن يتوقع أن ينهزم المسلمون في تلك المعركة غير المتكافئة بالنظر إلى العوامل الآتية:
1- الأسطول الإسلامي أسطول ناشئ لا يزيد عمره على بضعة سنوات، ورجاله حديثو عهد بركوب البحر فضلاً عن القتال فيه، ولا يتعدى عدد سفنه المائتين إلا قليلاً.
2- والأسطول البيزنطي أسطول عريق مهيب له السيادة على البحر، وله تاريخ طويل في العمليات البحرية، ورجاله على أعلى درجة من الكفاءة فيها، وعدد سفنه يزيد على ثلاثة أضعاف عدد سفن المسلمين.
لكن المسلمين حين قبلوا التحدي، وقاتلوا أسطول بيزنطة المتفوق، وانتصروا عليه، يقدمون للمسلمين في كل عصر التأكيد على أن النظرية الإسلامية في مواجهة العدو المتفوق وقهره – التي وضع عناصرها وطبقها الرسول القائد e في معاركه مع أعدائه المتفوقين – كفيلة بترجيح كفتهم على أعدائهم المتفوقين في موازين القوى.
وفي ذات الصواري برزت عناصر تلك النظرية:
1- الإيمان وقوة العقيدة:
فقد ذكر المسلمون قول الله تعالى: { كم من فئةٍ قليلةٍ غلبتْ فئةً كثيرة بإذن الله واللهُ مع الصابرين }، ورأينا كيف امتلأت نفوسهم بأقوى الدوافع المعنوية، وكيف صبروا يومئذ صبراً لم يصبروا في موطن قط مثله، وكيف قاتلوا أشد القتال كما ورد في المصادر التاريخية التي ذكرناها حتى أنزل الله عليهم نصره. فهذا الدرس يؤكد أن الإيمان وقوة العقيدة من أهم العوامل التي ترجح كفة المسلمين في موازين القوى، مهما كان ثقل أعدائهم في تلك الموازين.
2- الإدارة السليمة والاستثمار الأمثل للقدرات المتاحة:
لقد أدرك المسلمون أنهم أمام عدو متفوق فكانت إدارتهم للمعركة على النحو الذي يجرده من هذا التفوق، وليس من شك في أن جوهر تفوق البيزنطيين هو كفاءتهم العالية في فن القتال البحري وقدرتهم الفائقة في المناورة البحرية.[16] ويكفي للدلالة على ذلك أن المسلمين حين عرضوا - قبل المعركة- على البيزنطيين أن يختاروا بين القتال على البر والقتال في البحر، فإنهم اختاروا البحر بإجماع الأصوات، وهذا ما رواه الطبري على لسان شاهدعيان هو مالك بن أوس بن الحدثان، قال: (كنتُ معهم، فالتقينا في البحر فنظرنا إلى مراكب ما رأينا مثلها قط.. ثم قلنا للبيزنطيين إن أحببتهم فالساحل حتى يموت الأعجل منا ومنكم، وإن شئتم فالبحر، قال: فنخروا نخرة واحدة وقالوا: الماء. فدنونا منهم فربطنا السفن بعضها إلى بعض حتى كنا يضرب بعضنا بعضاً على سفننا وسفنهم..) [17] فالبيزنطيون اختاروا الميدان الذين يجيدون القتال فيه وهو البحر، والذي يعلمون تماماً انه هو الميدان الذي سوف ينتصرون فيه على المسلمين لضعف خبرتهم فيه. لكن المسلمون – رغم ذلك – كانوا يعلمون أن كفاءتهم في القتال على البر تفوق البيزنطيين، فأداروا المعركة البحرية على النحو الذي حولها إلى معركة برية وذلك بربط سفنهم إلى سفن البيزنطيين ومباشرة القتال المتلاحم بالأسلحة البيضاء، واستغلوا مهارتهم في هذا الفن إلى الحدّ الذي جعل الإمبراطور وهو يتابع المعركة يوقن بانتصار المسلمين حين علم بذلك – وهو ما ورد في رواية ابن عبد الحكم السابق ذكره – فقال: غُلِبَت الروم.
وقد شهد للمسلمين بذلك بعضُ المؤرخين الأجانب، فيقول أرشيبالد لويس: (ويبدو أن انتصارهم –أي المسلمين- جاء نتيجة لخطط غير عادية، إذ ربطوا سفنهم بعضها إلى بعض بسلاسل ثقيلة، فاستحال على أعدائهم اختراق صفوفهم واستخدموا في تلك المعركة خطاطيف طويلة يصيبون بها صواري وشرع سفن الأعداء، الأمر الذي انتهى بكارثة بالنسبة للبيزنطيين. [18]
3- التعاون والتكامل:
لقد كان الانتصار الإسلامي في مجال البحر ثمرة للتعاون والتكامل وحشد الطاقات بين الشام ومصر؛ ابتداءً من إنشاء الأسطول وصناعة السفن إلى قيام أسطول الشام مع أسطول مصر بالعمليات البحرية المشتركة في هيئة أسطول مشترك، فكانت أغلب العمليات تتم على هذا النحو.
ثانياً: انتهاء عصر السيادة البيزنطية في البحر المتوسط.
إذا كانت موقعة أكتيوم سنة 31 قبل الميلاد جعلت من البحر الأبيض بحيرة رومانية وأصبحت من المعارك الفاصلة في التاريخ، فإن معركة ذات الصواري البحرية قد دخلت التاريخ من أوسع أبوابه، حين سجلت انتصار الأسطول الإسلامي الناشئ على أسطول بيزنطة ذي التاريخ البحري الطويل. وليس هذا فحسب، بل كان من أهم نتائجها الاستراتيجية انتهاء عصر السيادة البيزنطية في البحر الأبيض المتوسط، وبروز المسلمين قوة مؤثرة ذات ثقل عسكري وسياسي واقتصادي في عالم هذا البحر

الهوامش

[1] انظر مقالنا (السلاح البحري في الاستراتيجية العسكرية الإسلامية) المنشور في العدد(68) من المجلة.
[2] أرشيبالد لويس: (القوى البحرية والتجارية في حوض البحر المتوسط) ترجمة: أحمد محمد عيسى؛ ص 91
[3] عبد المنعم ماجد: (التاريخ السياسي للدولة العربية) ص244-245
[4] الطبري: (تاريخ الأمم والملوك) ج4، ص290
[5] ابن الأثير: (الكامل في التاريخ) ج3، ص58
[6] عبد الرحمن الرافعي وسيد عبد الفتاح وسعيد عاشور: (مصر في العصور الوسطى من الفتح العربي حتى الغزو العثماني) ص 71
[7] يعتقد أنهما من عملاء بيزنطة، وأنهما أبلغا الإمبراطور بنوايا معاوية رضي الله عنه.
[8] (ليكيا) موضع على الساحل بآسيا الصغرى.
[9] ثيوفانس: (كرونوجرافيا) عمود 703 لاتيني، في حوادث سنة 646 م.
[10] أ رشيبالد لويس: (القوى البحرية والتجارية في حوض البحر المتوسط) ترجمة: أحمد محمد عيسى؛ ص 92
[11] عبد الفتاح عبادة: (سفن الأسطول الإسلامي) ص: 15
[12] المرجع السابق: ص 8
[13] ابن عبد الحكم: (فتوح مصر وأخبارها) ص: 129-130
[14] ابن الأثير: (الكامل في التاريخ) ج 3، ص 58
[15] ثيوفانس: (كرونوجرافيا) عمود 706 لاتيني.
[16] يطلق لفظ المناورة على عملية تحريك القوات والوسائل من موضع إلى آخر وفي مختلف الاتجاهات، بقصد تهيئة ظروف أفضل لصالح المعركة، والمناورة الناجحة بالقوات والوسائل تدل على براعة القائد في إدارة المعركة.
[17] الطبري (تاريخ الأمم والملوك) ج 4، ص290-291
[18] أرشيبالد لويس (القوى البحرية في حوض البحر المتوسط) ص 92

إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#73

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

حصار القسطنطينية الثاني
حصار المسلمين الثاني للقسطنطينية تم ما بين عامي 98 - 100هـ/ 717-718م في محاولة لفتح القسطنطينية عاصمة الإمبراطورية البيزنطية بجيش بري واسطول بحري من قبل الأمويون زمن الخليفة سليمان بن عبد الملك وبقيادة مسلمة بن عبد الملك، وقد دام الحصار 12 شهرا ولم يتمكن من دخولها بسبب مناعة أسوارها، وهجوم البلغار وكثافة النار الإغريقية التي تنهمر من المدينة، وبسبب خيانة إليون الذي طلب من المسلمين احراق الطعام، وقد جهد المسلمون جهدا عظيما حتى توفي الخليفة سليمان وتولى من بعده عمر بن عبد العزيز الخلافة وطلب من مسلمة العودة بجيشه وقد ينظر إلى تلك المعركة بأنها شبيهة بمعركة بلاط الشهداء حيث أوقفت تقدم المسلمين إلى أوروبا جهة المشرق لمدة 700 عام حتى زمن العثمانيين.
البداية
بعد فشل المحاولة الأولى لفتح القسطنطينية عام 54-60 هـ (674-679 م)، حاول الخليفة سليمان بن عبد الملك أن يرسل العساكر إلى القسطنطينية، فاشار عليه موسى بن نصير بان يفتح ما دونها من المدن والرساتيق والحصون، حتى يبلغ المدينة فلا ياتيها إلا وقد هدمت حصونها ووهنت قوتها، فاذا فعلت ذلك لم يبق بينك وبينها مانع، فيعطوا بأيديهم ويسلموا لك البلد، ثم استشار اخاه مسلمة فاشار عليه بان يدع ما دونها من البلاد ويفتحها عنوة، فمتى ما فتحت فان باقي ما دونها من البلاد والحصون بيدك، فقال سليمان‏:‏ هذا هو الراي ثم اخذ في تجهيز الجيوش من الشاموالجزيرة السوريةوالموصل نحواً من مائة وعشرين ألف مقاتل، وبعث من اهل مصروأفريقية ألف مركب في البحر عليهم عمر بن هبيرة، وعلى الناس كلهم اخوه مسلمة، ومعه ابنه داود بن سليمان بن عبد الملك في جماعة من اهل بيته، وذلك كله عن مشورة موسى بن نصير.
ثم سار سليمان حتى نزل مرج دابق قرب حلب، فاجتمع اليه الناس أيضا من المتطوعة، فاجتمع له جند عظيم لم ير مثله، ثم امر مسلمة ان يرحل بالجيوش واخذ معه اليون الرومي المرعشي، ثم ساروا حتى نزلوا على القسطنطينية، فحاصرها إلى ان برح بهم وعرض اهلها الجزية على مسلمة فابى إلا أن يفتحها عنوة، قالوا‏:‏ فابعث الينا إليون نشاوره، فارسله اليهم، فقالوا له‏:‏ رد هذه العساكر عنا ونحن نعطيك ونملكك علينا، فرجع إلى مسلمة، فقال‏:‏ قد اجابوا إلى فتحها غير انهم لا يفتحونها حتى تتنحى عنهم، فقال مسلمة‏:‏ اني اخشى غدرك، فحلف له ان يدفع اليه مفاتيحها وما فيها، فلما تنحى عنهم اخذوا في ترميم ما تهدم من اسوارها واستعدوا للحصار‏.
مساعدة البلغار للقسطنطينية
لما ضيق مسلمة ابن عبد الملك بمحاصرته على اهل القسطنطينية، وتتبع المسالك واستحوذ على ما هنالك من الممالك، كتب اليون ملك الروم إلى ملك البرجان يستنصره على مسلمة، ويقول له‏:‏ ليس لهم همة الا في الدعوة إلى دينهم، الاقرب منهم فالاقرب، وانهم متى فرغوا مني خلصوا اليك، فمهما كنت صانعاً حينئذ فاصنعه الآن، فعند ذلك شرع لعنه الله في المكر والخديعة، فكتب إلى مسلمة يقول له‏:‏ ان اليون كتب اليّ يستنصرني عليك، وانا معك فمرني لما شئت‏.‏ فكتب اليه مسلمة‏:‏ اني لا اريد منك رجالاً ولا عدداً، ولكن ارسل الينا بالميرة فقد قلَّ ما عندنا من الازواد‏.‏ فكتب اليه‏:‏ اني قد ارسلت اليك بسوق عظيمة إلى مكان كذا وكذا، فارسل من يتسلمها ويشتري منها‏.‏ فاذن مسلمة لمن شاء من الجيش ان يذهب إلى هناك فيشتري له ما يحتاج اليه، فذهب خلق كثير فوجدوا هنالك سوقاً هائلةً، فيها من أنواع البضائع الامتعة والاطعمة، فاقبلوا يشترون، واشتغلوا بذلك، ولا يشعرون بما ارصد لهم الخبيث من الكمائن بين تلك الجبال التي هنالك، فخرجوا عليهم بغتة واحدة فقتلوا خلقاً كثيراً من المسلمين واسروا اخرين، وما رجع إلى مسلمة الا القليل منهم، وتقول المراجع اليونانية بأن قتلى المسلمين من تلك العملية ما بين 12,000-15,000 رجل، فكتب مسلمة بذلك إلى اخيه سليمان يخبره بما وقع من ذلك، فارسل جيشاً كثيفاً صحبة شراحيل بن عبيدة هذا، وامرهم ان يعبروا خليج القسطنطينية اولاً فيقاتلوا ملك البرجان، ثم يعودوا إلى مسلمة، فذهبوا إلى بلاد البرجان وقطعوا اليهم تلك الخلجان، فاقتتلوا معهم قتالاً شديداً، فهزمهم المسلمون باذن الله، وقتلوا منهم مقتلة عظيمة، وسبوا واسروا خلقاً كثيراً، وخلصوا اسرى المسلمين، ثم تحيزوا إلى مسلمة فكانوا عنده حتى استقدم الجميع عمر بن عبد العزيز خوفاً عليهم من غائلة الروم وبلادهم، ومن ضيق العيش، وقد كان لهم قبل ذلك مدة طويلة
شتاء القسطنطينية
وماكاد يمضي ستة شهور على دخول ليو إلى القسطنطينية (25 مارس 717)‏، أي في سبتمبر من نفس العام حتى تحرك المسلمون من برجاموس نحو الشمال، فبلغوا ابيدوس الواقعة على بوغاز الدردنيل، ولما عبروا الشاطئ الأوربي، وجدوا انفسهم أمام أسوار القسطنطينية، وفي الوقت نفسه كان الإسطول البحري يجتاز الدردنيل وبحر مرمرة محاصرا المدينة جهة البحر. واستمات إليون (ليو الثالث) بالدفاع عن المدينة، إذ أغلق مداخل البوسفور بسلسلة ضخمة من الحديد وشحن الجنود على الأسوار لمنع المسلمين من اقتحامها. وقد عمل مسلمة بيوتا من خشب أمضى بها الشتاء، غير أن برد الشتاء بلغ من القسوة والشدة ماعانى منه المسلمون كثيرا من الجوع والأمراض، حتى أنهم أكلوا الجمال والخيول والبغال. وأيضا محاولة إليون مفاوضة البلغار، فهاجموا المسلمين الذين حاصروا المدينة من الجانب الأوربي، وردوهم عنها، وما سببته النيران الإغريقية من خسائر فادحة بالإسطول. وزاد الأمر سوءا تواطؤ البحارة المسيحيين الذين يعملون بالإسطول الإسلامي مع البيزنطيين، وقد هرب معظمهم. وقد وصلت إمدادات من مصر حوالي 400 سفينة ومن أفريقية 360 سفينة خلال ربيع من عام 718/ 99هـ، ولكن ذلك لم يغير من مجريات الحرب، وظلت أسوار المدينة مستعصية على المسلمين فترتبت تلك العوامل على تراجع الإسطول الإسلامي نحو الجنوب، وفي أثناء تراجعه صادفته عواصف شديدة، فتحطمت سفن عديدة ونفذت أقوات الجند، مما أدى إلى اضطرار المسلمين إلى رفع الحصار والعودة إلى الشام في أغسطس عام718

إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#74

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

معركة المنصورة

الدكتور عثمان على عطا

هي معركة حربية دارت أحداثها بمدينة المنصورة بين الأيوبيين والحملة الصليبية السابعة بقيادة لويس التاسع ملك فرنسا سنة (647هـ/ 1250م)، وتعد هذه المعركة من أهم العوامل لبزوغ فجر الدولة المملوكية وأفول نجم الدولة الأيوبية، حيث نجح جنود الملك الصالح أيوب -الذي اشتراهم بكثرة واهتم بتدريبهم عسكريًّا حتى أصبحوا عماد جيشه- في تحطيم آمال لويس التاسع وإفشال الحملة الصليبية السابعة، أما عن أسباب هذه المعركة وأحداثها فنستعرضها في السطور الآتية.

بعد أن استطاع الصالح نجم الدين أيوب الانفراد بحكم مصر سنة (637هـ/ 1238م)، ونجح في استرداد بيت المقدس من أيدي الصليبين بمساعدة الخوارزمية في (3 صفر 642هـ/ 11 يوليو 1244م) وهزم الصليبيين في معركة غزة في (جمادى الأولى 642هـ/ أكتوبر 1244م)، وكانت هذه الهزيمة أضخم كارثة حلت بالصليبيين بعد معركة حطين سنة (583هـ/ 1187م)، وبلغ من أثرها أن أطلق عليها "حطين الثانية"، ونجح أيضًا في استرداد قلعة طبرية (645هـ/ 1247م)، ثم استولى على عسقلان في العام نفسه، وبذلك نجح الصالح أيوب في توحيد مصر والشام تحت سلطانه بعد أن أصبحت القاهرة ودمشق وبيت المقدس في قبضة يده.
وقد أثار استرداد المسلمين بيت المقدس حفيظة الغرب الأوربي، وارتفعت الأصوات هناك تدعو إلى ضرورة إرسال حملة صليبية جديدة إلى مصر بعد أن ساد الاعتقاد هناك أن مصر ما دامت على قوتها وبأسها فلا سبيل إلى نجاح الحملات الصليبية واستعادة بيت المقدس من أيدي المسلمين، واستجاب لهذه الصيحات الغاضبة "لويس التاسع" ملك فرنسا الذي عقد مجلسًا عامًّا في باريس في خريف سنة (643هـ/ 1245م) حضره كبار رجال المملكة، ورجال الكنيسة على رأسهم البابا "إنوسنت الرابع"، وفي هذا المؤتمر أخذ العهود والمواثيق على الراغبين في الانخراط في الحملة، وبدأ بنفسه؛ فكان أول من أدرج نفسه في سجل الحرب الصليبية، وتتابع الأمراء في الاقتداء به.
وفي (20من ربيع الآخر 646هـ/ 12 من أغسطس 1248م) أبحرت الحملة من ميناء "يجور" جنوبي فرنسا؛ قاصدة قبرص حيث مكثت بها زهاء ثمانية أشهر.
ولما علم الصالح أيوب بأخبار الحملة الصليبية وهو في بلاد الشام من الإمبراطور الألماني "فريدريك الثاني"، الذي كان يرتبط به بعلاقات طيبة، فتحرك الملك الصالح بسرعة على الرغم من مرضه، فغادر دمشق محمولاً على الأكتاف في مِحَفَّة، ونزل بأشموم طناح التي تُسمى الآن (أشمون الرمان) بمركز دكرنس التابع لمحافظة الدقهلية بمصر في (3 من صفر 647هـ/ 18 من مايو 1249م)، وجعل من هذه البلدة الصغيرة معسكره الرئيسي، ومركز عملياته الحربية.

وبدأ في الاستعداد لمواجهة العدو، فعمل على تحصين دمياط؛ لعلمه أنها كانت هدف الصليبيين في حملاتهم السابقة، وتزويدها بالمؤن والعتاد، وعَهِد إلى طائفة بني كنانة -وهم قوم مشهورون بالشجاعة والإقدام- بحماية المدينة والدفاع عنها، وأرسل إليها جيشًا بقيادة الأمير فخر الدين يوسف إلى البر الغربي لدمياط حتى يكون في مقابلة الصليبيين عند وصولهم إلى الشاطئ المصري؛ ليحول دون نزولهم إليه، فعسكر تجاه المدينة، وأصبح النيل بينه وبينها.
فلما وصلت الحملة الصليبية إلى الشواطئ المصرية في صبيحة يوم الجمعة الموافق (20 من صفر 647هـ/ 4 من يونيو 1249م)، نزلت إلى البر بالرغم من وقوع بعض المناوشات بين الحملة والمسلمين، وانسحب الأمير فخر الدين بجيشه، وعَبَر النيل إلى دمياط نفسها، ثم غادرها إلى المعسكر السلطاني بأشموم طناح.
ولما رأى أهالي دمياط انسحاب الحامية العسكرية، فروا بنسائهم وأطفالهم وشيوخهم؛ فدخل الصليبيون دمياط بغير قتال.
استقبل الصالح نجم الدين أيوب أنباء سقوط دمياط بمزيج من الألم والغضب، فأنّب الأمير فخر الدين على تهاونه وضعفه، واضطر إلى نقل معسكره إلى مدينة المنصورة، ورابطت السفن الحربية في النيل تجاه المدينة، وتوافد على المدينة أفواج من المجاهدين الذين نزحوا من بلاد الشام والمغرب الإسلامي.
واقتصر الأمر على بعض الغارات التي يشنها الفدائيون المسلمون على معسكر الصليبيين، واختطاف كل من تصل إليه أيديهم، وابتكروا لذلك وسائل تثير الدهشة والإعجاب، وتعددت مواكب أسرى الصليبيين في شوارع القاهرة على نحو زاد من حماسة الناس، ورفع معنويات المقاتلين.

وفي الوقت نفسه قامت البحرية المصرية بحصار الحملة وقطع خطوط إمدادها في فرع دمياط، واستمر هذا الوضع ستة أشهر منذ قدوم الحملة، ولويس التاسع ينتظر في دمياط قدوم أخيه الثالث كونت دي بواتيه، فلما حضر عقد الملك مجلسًا للحرب لوضع خطة الزحف، واستقروا فيه على الزحف صوب القاهرة؛ فخرجت قواتهم من دمياط في يوم السبت الموافق (12 من شعبان 647هـ= 20 من نوفمبر 1249م)، وسارت سفنهم بحذائهم في فرع النيل، حتى وصلوا إلى قناة أشموم المعروف اليوم باسم "البحر الصغير"، فصار على يمينهم فرع النيل، وأمامهم قناة أشموم التي تفصلهم عن معسكرات المسلمين القائمة عند مدينة المنصورة.
وفي الوقت الذي تحركت فيه الحملة الصليبية توفي الملك الصالح أيوب في ليلة (النصف من شعبان سنة 647هـ/ 22 من نوفمبر 1249م)، فقامت زوجته شجر الدر بتدبير شئون الدولة بعد أن أخفت خبر موته، وفي الوقت نفسه أرسلت إلى ابنه توران شاه ولي عهده تحثه على سرعة القدوم إلى مصر ليعتلي عرش البلاد خلفًا لأبيه.
وتعين على الصليبيين لمواصلة الزحف أن يعبروا فرع دمياط أو قناة أشموم، فاختار لويس التاسع القناة، فعبرها بمساعدة بعض الخونة، ولم يشعر المسلمون إلا والصليبيون يقتحمون معسكرهم، فانتشر الذعر بين المصريين، واقتحمت فرقة من الصليبيين بقيادة "روبرت أرتوا" أحد أبواب المنصورة، ونجحوا في دخول المدينة وأخذوا يقتلون المصريين حتى وصلت طلائعهم إلى أبواب قصر السلطان نفسه، وانتشروا في أزقة المدينة، حيث أخذ الناس يرمونهم بالأحجار والطوب والأسهم.

وانقض المماليك البحرية بقيادة "بيبرس البندقداري" على الصليبيين في (4 من ذي القعدة 647هـ/ 8 من فبراير 1250م)، فانقلب نصرهم إلى هزيمة، وقُتلت الفرقة وقائدها الكونت أرتوا نفسه.
وفي فجر يوم الجمعة (8 من ذي القعدة 647هـ/ 11 من فبراير 1250م) بدأ الجيش المصري هجومه على معسكر الفرنج، لكن الملك لويس تمكن من الثبات بعد أن تكبد خسائر فادحة، وبذلك انتهت معركة المنصورة الثانية، وهي المعركة التي أيقن الصليبيون بعدها أن عليهم الانسحاب إلى دمياط قبل القضاء عليهم.

وفي (23 من ذي القعدة 674هـ/ 27 من فبراير 1250م) وصل توران شاه، وتولى قيادة الجيش، وأخذ في إعداد خطة لإجبار لويس التاسع على التسليم، بقطع خط الرجعة عليه، فأمر بنقل عدة سفن مفككة على ظهور الجمال وإنزالها خلف الخطوط الصليبية في النيل، وبهذه الوسيلة تمكن من مهاجمة السفن الصليبية المحملة بالمؤن والأقوات، والاستيلاء عليها وأسر من فيها، وأدى هذا إلى سوء الحال بالفرنسيين، وحلول المجاعة بمعسكرهم وتفشي الأمراض والأوبئة بين الجنود، فطلب لويس التاسع الهدنة وتسليم دمياط مقابل أن يأخذ الصليبيون بيت المقدس وبعض بلاد ساحل الشام، فرفض المصريون ذلك، وأصروا على مواصلة الجهاد.
لم يجد الصليبيون بدًّا من الانسحاب إلى دمياط تحت جنح الظلام، ولكن المصريين تعقبوهم وطاردوهم حتى فارسكور، وأحدقوا بهم من كل جانب في (المحرم سنة 648هـ/ إبريل 1250م)، وقتلوا منهم أكثر من عشرة آلاف، وأُسر عشرات الألوف، وكان من بين الأسرى أنفسهم الملك لويس التاسع نفسه، حيث تم أسره في قرية "منية عبد الله" شمال مدينة المنصورة، وتم نقله إلى دار القاضي "فخر الدين بن لقمان"، حيث بقي بها أسيرًا فترة حتى أفرج عنه لقاء فدية مالية كبيرة، وجلاء الفرنج عن دمياط، وأن يستمر الصلح بين الطرفين لمدة عشر سنوات.

أهم المراجع:

* ابن واصل الحموي - مفرج الكروب في أخبار بني أيوب – تحقيق: حسنين محمد ربيع - مطبعة دار الكتب - 1977م.
* محمد مصطفى زيادة - حملة لويس التاسع - المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب - القاهرة - 1381هـ/ 1961م.
* سعيد عبد الفتاح عاشور - الحركة الصليبية - مكتبة الأنجلو المصرية - القاهرة - 1982م.
* ستيفن رنسيمان - تاريخ الحروب الصليبية - ترجمة: السيد الباز العريني - دار الثقافة - بيروت - 1969م.
* السيد الباز العريني - مصر في عصر الأيوبيين - مطبعة الكيلاني الصغير - القاهرة - 1960م.

عن موقع التاريخ.

إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#75

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

معركة مرج دابق

الدكتور عثمان علي عطا

مرج دابق.. معركة حربية وقعت بين الدولة العثمانية بقيادة السلطان سليم الأول والدولة المملوكية بقيادة السلطان قانصوه الغوري في يوم 25 من رجب 922هـ الموافق 24 من أغسطس 1516م في مكان يسمى دابق, وهو اسم لقرية تقع بالقرب من مدينة حلب في شمال سوريا, بالقرب من الحدود التركية.
وكان السلطان سليم الأول اتجه لتوحيد الأمصار الإسلامية لتكون تابعة للدولة العثمانية, وخاصة بعد أن تنامى الوجود الصليبي في المنطقة وسقوط الأندلس التي لم تحاول الدول الإسلامية الموجودة في ذلك الوقت إنقاذها, وأيضًا ظهور البرتغاليين الذين احتلوا بعض القواعد في اليمن وعمان بعد اكتشافهم لطريق رأس الرجاء الصالح, وعملوا على أن تكون هذه القواعد لمواصلة زحفهم إلى المدينة النبوية؛ حتى ينبشوا قبر رسول الله ويساوموا المسلمين على القدس الشريف بالجثمان الطاهر. وكذلك ظهور الدولة الصفوية الشيعية ومحاولتها مهاجمة الدولة العثمانية من ناحية الشرق، وقيامهم بعقد حلف مع البرتغاليين أعداء الإسلام على المسلمين السُّنَّة عمومًا وعلى العثمانيين خصوصًا. وأيضًا بسبب الضعف الشديد الذي أصاب دولة المماليك في مصر والشام بحيث أصبحت غير قادرة على صد هجمات البرتغاليين من الجنوب، وهجمات الأسبان من ناحية الغرب.
كما كان السلطان سليم شديد الغضب على السلطان الغوري ودولته في مصر؛ بسبب مساعدتها للصفويين أثناء قتالهم مع العثمانيين, وأيضًا لتخاذل المماليك في التصدي لتهديدات البرتغاليين للأمة الإسلامية, وأيضًا لوجود نزاعات بين العثمانيين والمماليك على إمارة ذي القادر في شمال سوريا على الحدود الفاصلة بين الدولتين.
وحاول السلطان قانصوه الغوري تهدئة الأمور بعدما أحس بعزم سليم الأول على مهاجمة دولته, فأرسل إليه سفيرًا ليمتص غضبه, ولكن سليم الأول طرد السفير وتوجه بجيوشه سريعًا إلى الشام, وعندما علم السلطان الغوري بذلك لم يجد مفرًّا من إعداد العدة لمواجهته, فأعد جيوشه وتوجه للقاء العثمانيين.
وقد نجح السلطان سليم الأول في استمالة ولاة بلاد الشام المماليك إلى جانبه ووعدهم ببقائهم في إماراتهم إذا ما تم له النصر على السلطان الغوري, ثم سار بجيشه لملاقاة المماليك عند "مرج دابق" بالقرب من حلب في (25 من رجب 922هـ/ 24 من أغسطس 1516م)، واحتدم القتال العنيف بينهما, وأبدى المماليك في بداية هذه المعركة ضروبًا من الشجاعة والبسالة, وقاموا بهجوم خاطف زلزل العثمانيين, وأنزل بهم خسائر فادحة..
ولكن سرعان ما دبَّ الخلاف بين فرق المماليك المحاربة, وانحاز بعضها إلى الجيش العثماني بقيادة الأمير المملوكي "خايربك"؛ فتسلل ولاة الشام بجيوشهم وانضموا للعثمانيين، فضعف أمر المماليك وهزموا هزيمة منكرة وتمزقت قواتهم, وسرت إشاعة في جيش المماليك أن الغوري سقط قتيلاً, فخارت عزائمهم ووهنت قواتهم, وفرّوا لا يلوون على شيء, ولم تفلح محاولات الغوري في تجميع جيشه بنداءاته وصيحته في جنوده بالثبات والصمود، وسقط عن فرسه جثة هامدة من هول الهزيمة، وتحقق للعثمانيين النصر الذي كان بداية لأنْ يستكمل سليم الأول فتوحاته في الشام, وأن يستولي على مدنه واحدة بعد أخرى, بعدها سلَّم معظمها له بالأمان دون قتال.
وبهذه المعركة أصبحت الشام في قبضة سليم الأول, أي ما يعادل نصف دولة المماليك, وأول سقوط هذه الدولة ذات الأمجاد السابقة, ثم واصل السلطان سليم زحفه إلى القاهرة، وتمكّن من دخولها بعد أن انتصر على المماليك في موقعة الريدانية , وبذلك قضت الدولة العثمانية على الدولة المملوكية في مصر والشام, وأصبحت مصر إحدى الولايات العثمانية.

أهم المراجع:

- ابن إياس (محمد بن أحمد): بدائع الزهور في وقائع الدهور - الهيئة المصرية العامة للكتاب - القاهرة - الطبعة الثانية - 1402هـ/ 1982م.
- ابن طولون (شمس الدين محمد, المتوفي سنة 953هـ): مفاكهة الخلان في حوادث الزمان, تحقيق محمد مصطفى, المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والنشر, القاهرة 1962م.
- عبد المنعم ماجد: التاريخ السياسي لدولة سلاطين المماليك - مكتبة الأنجلو المصرية - القاهرة - 1988م.
- إبراهيم علي طرخان: مصر في عصر دولة المماليك الجراكسة - مكتبة النهضة المصرية - القاهرة - 1960م.
- محمد سهيل طقوش: تاريخ المماليك في مصر وبلاد الشام - دار النفائس - بيروت - 1418هـ/ 1997م.
- بسام العسلي: فن الحرب الإسلامي - المجلد الخامس دار الفكر العربي سوريا - بدون تاريخ.
- ماجد اللحام: معجم المعارك الحربية - دار الفكر المعاصر - بيروت - 1990م.

عن موقع قصة الإسلام

إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#76

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

معركة طلاس .. نهاية النفوذ الصيني في آسيا الوسطى

علاء فاروق

كان للصين على مر التاريخ نفوذ كبير في منطقة آسيا الوسطى، والتي تضم اليوم جمهوريات (أوزباكستان, تركمانستان, طاجيكستان, قرغيستان, كازاخستان, أذربيجان). وكانت هذه المناطق مجالاً حيويًّا للصين منذ أقدم العصور, كما كانت لها أهميتها الجغرافية؛ حيث إنها تقع على طريق الحرير, وقد سكنت تلك المناطق قبائل تركية كانت شبه مستقلة، لكنها كانت تدين بالولاء لإمبراطور الصين، وكانت تدفع له الجزية.
ومنذ القرن السابع الميلادي ظهرت تطورات جديدة على الساحة العالمية, فقد ظهر الإسلام، وصاحب ذلك بداية الفتوحات الإسلامية التي لم تهتم بها الصين في أول الأمر لعدة أسباب؛ منها: بُعد الفتوحات الإسلامية عن الصين, ورغبة حكام الصين في التخلص من ملوك فارس (الساسانيين)، المنافس الأكبر لهم في آسيا الوسطي, بل إنهم -أي حكام الصين- تجاهلوا استغاثة ملك فارس بهم.

بداية الصراع بين المسلمين والصينيين

كانت البداية الحقيقية للصراع بين المسلمين والصينيين بعدما أكمل المسلمون فتح إيران، وما تلا ذلك من تطلع المسلمين إلى فتح آسيا الوسطى؛ لتأمين الفتوحات الإسلامية التي حققها المسلمون, ففتحت جيوش الدولة الأموية كلاًّ من (كابول وهرات وغزنة)، وكلها تقع الآن في أفغانستان. وكان لولاة المسلمين على إقليم خراسان أثرٌ بالغ الأهمية في التشجيع على الفتوحات, فقد كانت لمجهودات المهلب بن أبي صفرة (والي خراسان) أكبر الأثر في فتح ما يُعرف الآن بأفغانستان.

دور الحجاج بن يوسف في الفتوحات

وقد قام الحجاج بن يوسف الثقفي بدور كبير في التشجيع على الفتوحات الإسلامية لبلاد ما وراء النهر، عندما حشد الجيوش وقال قولته المشهورة: "أيكما سبق إلى الصين فهو عامل عليها". ووجد الحجاج في قتيبة بن مسلم الباهلي غايته، فقد كان قائدًا بارعًا, ولاّه الحجاج خراسان سنة (85هـ/704م)، وعهد إليه بمواصلة الفتح وحركة الجهاد، فأبلى بلاءً حسنًا، ونجح في فتح العديد من النواحي والممالك والمدن الحصينة، مثل: بلخ، وبيكند، وبخارى، وشومان، وكش، والطالقان، وخوارزم، وكاشان، وفرغانة، والشاش، وكاشغر الواقعة على حدود الصين المتاخمة لإقليم ما وراء النهر. وانتشر الإسلام في هذه المناطق، وأصبح كثير من مدنها مراكز مهمة للحضارة الإسلامية مثل بخارى وسمرقند.
لم تستطع الصين وقف موجات الفتوحات الإسلامية في آسيا الوسطى عسكريًّا، واكتفت بدعم زعماء القبائل، وتحريضهم على القتال ضد المسلمين دون أن تحقق نجاحًا يذكر.
وفي هذا الوقت لم يكن بمقدور الصين مواجهة المسلمين عسكريًّا؛ نظرًا للمشكلات والثورات التي عاشتها الصين في تلك الفترة, إضافة إلى سمعة الجيش المسلم الذي لا يُقهر، فقد هزم الفرس، وأسقط دولتهم، كما قلّم أظافر الدولة الرومانية، واستولى على أكثر أملاكها، حتى بلاد الغال البعيدة (فرنسا حاليًا) لم تستثنها غزوات المسلمين.

المعركة الفاصلة

وعلى الرغم من استيلاء المسلمين على معظم مناطق آسيا الوسطى, إلا أن الصين احتفظت ببعض المناطق المهمة الباقية، والتي تتمثل في قرغيزيا.
لكن الصين كانت تطمح دائمًا في استعادة نفوذها المفقود، فاستغلت الأزمة التي تعيشها الدولة الأموية، وانشغالها بمقاومة الثورات والمعارضين, وقامت (الصين) بإرسال حملة عسكرية بقيادة القائد (جاو زيانزي) استطاعت تلك الحملة استرجاع بعض المدن المهمة من المسلمين، مثل كش والطالقان وتوكماك -تقع الآن في جمهورية أوزباكستان- بل وصل الأمر إلى تهديد مدينة كابول إحدى كبريات مدن المسلمين في آسيا الوسطى، وذلك في سنة 748م/130هـ.

استقرار الدولة الإسلامية

أدى وصول العباسيين إلى سدة الخلافة إلى استقرار الدولة الإسلامية، وبالتالي التفكير في تأمين حدودها, فأرسل الخليفة أبو جعفر المنصور إلى أبي مسلم -واليه على خراسان- بالتحضير لحملة لاستعادة هيبة المسلمين في تركستان الشرقية (أي آسيا الوسطى)، فقام أبو مسلم بتجهيز جيش زحف به إلى مدينة "مرو"، وهناك وصلته قوات دعم من إقليم طخارستان (يقع هذا الإقليم في أفغانستان)، وسار أبو مسلم بهذا الجيش إلى سمرقند، وانضم بقواته مع قوات زياد بن صالح -الوالي السابق للكوفة- وتولى زياد قيادة الجيش.

أحداث معركة طلاس

حشد الصينيون 30 ألف مقاتل طبقًا للمصادر الصينية، و100 ألف مقاتل طبقًا للمصادر العربية, وكان "جاو زيانزي" على رأس الجيش الصيني, وفي يوليو 751م اشتبكت الجيوش الصينية مع الجيوش الإسلامية بالقرب من مدينة "طلاس" أو طرار، والتي تقع على نهر الطلاس بجمهورية قرغيزيا.
اشتبكت الجيوش الإسلامية مع الجيوش الصينية, وحاصر فرسان المسلمين الجيش الصيني بالكامل، وأطبقوا عليه الخناق؛ مما أدى إلى سقوط آلاف القتلى من الجانب الصيني, وهرب "جاو زيانزي" من المعركة، بعد أن خسر زهرة جنده. أما زياد بن صالح فقد أرسل الأسرى -وكانوا 20 ألفًا- إلى بغداد، وتم بيعهم في سوق الرقيق.

أهمية معركة طلاس

ترجع أهمية المعركة في أنها كانت أول وآخر صدام عسكري حدث بين المسلمين والصينيين, كما أنها أنهت نفوذ الصين في آسيا الوسطى بعد أن سقطت قرغيزيا في أيدي المسلمين؛ حيث تم صبغ تلك المنطقة (آسيا الوسطى) بصبغة إسلامية، بعد أن أسلم أكثر قبائلها، وغدت مناطق إشعاع إسلامي وحضاري، وأنجبت علماء مسلمين عظام كالإمام البخاري والترمذي وأبي حنيفة وغيرهما, وأنها أدت إلى وصول الورق الصيني إلى دول الشرق الإسلامي بعد أن أسر المسلمون عددًا كبيرًا من صُنَّاع الورق الصينيين, وتم نقلهم إلى بغداد.
وبنهاية هذه المعركة انتشر الإسلام سريعًا في بلاد آسيا الوسطى، واختفى النفوذ الصيني بما يحمله من أفكار ضد الإسلام نهائيًّا, كما أدت هذه المعركة إلى تثبيت أركان الدول الإسلامية خارج أراضي آسيا الوسطى؛ لما عرفه الناس عن الجيش الإسلامي من أنه "قوة لا تقهر"، مما جعل القبائل تخشى من التعرض للمسلمين على أرضها.
ومن ثَمَّ كانت معركة طلاس بمنزلة فتحٍ عظيم ليس للإسلام في آسيا الوسطى فقط، بل في بقية البلاد المحيطة بها.

المصدر: موقع آسيا الوسطى.
عن موقع قصة الإسلام


إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#77

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

معركة الريدانية.. سقوط دولة المماليك


الزمان / 29 ذي الحجة ـ 922هـ.
المكان / الريدانية (العباسية الآن) - القاهرة - مصر.
الموضوع / العثمانيون بقيادة سليم الأول ينتصرون على المماليك ويستولون على مصر.

إن حياة الدول إنما هي تمامًا مثل حياة الإنسان تمر بنفس أطواره من ولادة ثم ترعرع ثم قوة ثم ضعف ثم شيخوخة ثم موت؛ لأن الله تعالى كتب على نفسه البقاء وعلى غيره الفناء، وبقاء الدول وطول مدتها إنما يتوقف على تعاطي أسباب القوة والبقاء والصمود واجتناب أسباب الزوال والهلاك، لذلك ترى دولاً تعمر طويلاً، ودولاً هلاكها سريع، ويبقى المسلم بين هذه وذاك متدبرًا معتبرًا.

دولة المماليك :

كان المماليك دائمًا أهل طعان ونزال كانوا أشقاء للسيف والرمح قهروا التتار والصليبيين أبطال عين جالوت ووقعة حمص وشقحب وفتحوا قبرص، ولكن لما نسوا تلك الرسالة السامية التي عاشوا من أجلها في الذود عن حياض الأمة المسلمة، وانقلبوا إلى متسلطين على شعوبهم فقدوا دورهم في التاريخ وحانت نهايتهم المحتومة وموت دولتهم السريع، تنقسم دولة المماليك إلى مرحلتين وهما:

دولة المماليك البحرية أو المعزية، واستمرت من سنة 648هـ، حتى سنة 784هـ، تعاقب فهيا 24 سلطان أشهرهم سيف الدين قطز قاهر التتار والظاهر بيبرس قاهر الصليبيين، والناصر محمد بن قلاوون.

دولة المماليك الشراكسة أو البرجية،

واستمرت من سنة 784هـ حتى سنة 922هـ، تعاقب فيها 23 سلطانًا أشهرهم الظاهر برقوق والأشرف برسباي فاتح قبرص والأشرف قايتباي، وقنصوه الغوري، وآخرهم طومان باي الذي قاد المماليك في معركة الريدانية.
وقد قام المماليك بجهود مشكورة في خدمة الأمة الإسلامية وذلك كما يلي:

1- صد هجمات التتار وردهم إلى بلادهم بعد أن كادوا أن يستولوا على كل بلاد المعمورة.
2- تطهير سواحل الشام والثغور الإسلامية من بقايا وفلول الصليبيين في عكا وطرابلس وبيروت حتى لم يبق بها أثر ولا ذكر لعباد الصليب، مما أثار الحمية للإسلام عند عموم المسلمين في أيامهم.
3- قدموا نهضة حضارية كبيرة، ونشطوا عمرانيًّا فبنوا المدن والقلاع والمساجد والقصور والمعاهد والمدارس، واهتموا بالعلم اهتمامًا كبيرًا، وكان لبعضهم مشاركات علمية مثل الغوري, وانبرى أهل العلم في مدنهم للتدوين والتأليف حتى عدت فترتهم أخصب وأنتج الفترات الإسلامية ونبغ في أيامهم الكثير من العلماء الأفذاذ مثل: النووي وابن تيمية والعز بن عبد السلام وابن القيم وابن حجر والحافظ المزي والذهبي وابن كثير والمقريزي والسخاوي والقلقشندي وابن جماعة وغيرهم كثير.
4- أحيوا الخلافة العباسية مرة أخرى بعد أن زالت ببغداد ونقلوها إلى القاهرة.

العلاقة بين الدولة العثمانية ودولة المماليك :

في الوقت التي كانت فيه الدولة المملوكية تدخل طور الشيخوخة وللهرم كانت هناك على الطرف الآخر شمال شرق بلادهم دولة أخرى تدخل في طور القوة والشباب، وهذا أدى قطعًا لنوع من الخلافات لكون الدولتين متجاورتين وتعتبر جبال طوروس هي الحد الفاصل بينهما، وقد وقعت عدة حوادث وقامت عدة أسباب أدت في النهاية لتوتر العلاقة بين الدولتين ثم الامتثال بينهما وهي:

1- موقف المماليك العدائي من العثمانيين حيث كان يقوم سلاطين المماليك بإيواء المتردين والمعارضين للحكم العثماني، كما أدى الأشرف قايتباي الأمير (جم) المعارض لأخيه السلطان بايزيد الثاني، وكما أدى قنصوه الغوري الأمير (أحمد) أخو سليم الأول.
2- الموقف السلبي للدولة المملوكية في وقوفها المعنوي مع الشاه إسماعيل الصفوي بل تمادوا أكثر من ذلك، وراسل المماليك الصفويين للتعاون ضد العثمانيين, هذا رغم أن المماليك والعثمانيين أهل سنة والصفويين شيعة متعصبون يكرهون الاثنين.
3- الخلاف الحدودي بين الدولتين في منطقة طرسوس الواقعة بين الطرف الجنوبي الشرقي لآسيا الصغرى وبين شمالي الشام، والنزاع الدائم بين قبائل تلك المنطقة.
4- تفشي ظلم الدولة المملوكية ورغبة أهل الشام وعلماء مصر في التخلص من هذا الظلم والانضواء تحت لواء الدولة العثمانية، وقد كتب قضاة المذاهب الأربعة والأشراف عريضة نيابة عن الجميع يخاطبون فيها سليم الأول بالقدوم إلى بلادهم لأخذها ورفع ظلم المماليك الذي يخالفون الشرع الشريف, وقد جاءت رسائل من سوريا ومصر بهذا المعنى لسليم الأول، فاستشار علماء وفقهاء دولته فأشاروا عليه بضم الشام ومصر لأملاكه لرفع المظالم وتطبيق الشرائع.
5- ضعف المماليك عن رد عارية البرتغاليين الصليبيين الذين نزلوا الخليج العربي استولوا على عدن وفي نيتهم الزحف إلى الأراضي المقدسة والاستيلاء على المدينة، ونبش القبر الشريف للمقايضة بالجسد الطاهر على بيت المقدس، ونجاحهم في الاستيلاء على العديد من مدن جنوب الجزيرة مما أوجب سرعة التحرك قبل سقوط الأماكن المقدسة.

موقعة مرج دابق :

كان السلطان سليم الأول، ذا عقلية عسكرة فذة، وهمة ونشاط في التحركات الحربية، وفي أثناء انشغاله في القتال مع الدولة الصفوية الشيعية التقطت مخابراته الحربية رسائل متبادلة بين الشاه إسماعيل الصفوي وقنصوه الغوري، مما أكد الشكوك القديمة من تحالف الطرفين على العثمانيين فقرر سليم الأول التوجه للمماليك فور الانتهاء من الصفويين..
وبالفعل زحف السلطان سليم بجموع غفيرة إلى الشام، وارع قنصوه الغوري للقاءه خارج مصر، وفي يوم 25 رجب سنة 922هـ التقى الجيشان عند مرج دابق على مشارف حلب، وانتصر العثمانيون رغم المقاومة الباسلة التي أبداها الغوري وكان في الثمانين من العمر، وقتل الغوري، ودخل حلب ثم دمشق وسانده الأعيان وأمراء الشام مثل جان برولي الغزالي وفخر الدين المعني، وكلاهما سيكون له خيانة بعد ذلك للعثمانيين يقتل بها، وأكرم العثمانيون الغوري بعد مقتله وكفنوه وصلوا عليه ثم دفنوه في مكان لائق ثم واصل سليم زحفه إلى مصر.

معركة الريدانية :

قبل أن يتحرك سليم الأول من الشام أرسل إلى زعيم المماليك بمصر وهو طومان باي برسالة يدعو فيها للطاعة للدولة العثمانية، ولكنه سخر من هذه الرسالة، تمادى أكثر من ذلك بأن قتل الرسول وهذا يعد إعلانًا بالحرب كما هو معروف.
أسرع سليم بجيوشه ومن دخل في طاعته من أهل الشام إلى مصر، واستعد طومان باي للقتال وفي يوم 29 ذي الحجة سنة 922هـ، التقى الجيشان في منطقة الريدانية، (وهي حي العباسية الآن في القاهرة)، وحاول المماليك صد الهجوم، وكانوا من قبل أرباب السيف والرمح واستبسلوا في القتال خاصة كبيرهم طومان باي الذي قاد مجموعة فدائية بنفسه واقتحم معسكر سليم الأول وقبض على وزيره سنان باشا وقتله بيده ظانًّا منه أنه سليم الأول..
ولكن الخطة العسكرية الذكية التي وضعها العثمانيون وأبطلت مفعول المدفعية المملوكية إضافة للتفوق العسكري المادي والخططي لصالح العثمانيين والروح المعنوية العالية لدى العثمانيين كل ذلك حسم المعركة لصالح العثمانيين.

وبذلك زالت دولة المماليك العظيمة لما حق عليها القول ووجبت جنوبها وركبت أسباب الهلاك وتعاطف مقومات الزوال، فأذن الله تعالى في ذهابها، وأخذتها سنة الاستبداد وسبحان من يبقى وغيره يفنى.

عن مفكرة الإسلام

إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#78

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

الفرنسيون يدمرون حي سيدي عامود

شمس الدين العجلاني


لنرفع صوتنا عاليا نريد حقنا من الاستعمار الغاشم عما اقترفه بحق أجدادنا وآبائنا

رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

لم ترحم نيران مدفعيتهم و طائراتهم الحجر أو البشر ، الأخضر أو اليابس ، بوحشيه لا توصف قصفت قوات الانتداب الفرنسي دمشق لأول مره في عام 1925 م ، ودمرت المنازل و المتاجر و الشوارع ، وقتلت الأطفال و النساء و الشيوخ . ثلاثة أيام و حمم النيران الغادرة تتساقط على مدينة الياسمين ، و المدينة تأن من عمق الجراح و لكنها لم تنحن بل وقفت شامخة كقاسيون تقاوم العين المخرز ، و سجل أهل سورية أروع البطولات و التضحيات في عشق مدينتهم دمشق .
هذه الوحشية للمستعمر الفرنسي أدت إلى تدمير حي دمشقي من أغنى أحياء دمشق و أروعها ضربته نيران وحشيه و أبادته عن بكره أبيه فلم يبق فيه حجر على حجر ، كان هذا الحي يدعى في أيام زمان حي سيدي عامود و بعد تدميره و إحراقه دعي حي الحريقه و هو نموذج عما اقترفته فرنسا من وحشيه و تدمير بحق مدن و قرى سوريه ، لنرفع صوتنا عاليا نريد حقنا من الاستعمار الغاشم عما اقترفه بحق أجدادنا و آبائنا ، بحق أشجار غوطتنا و نهر بردى ، بحق بيوت كانت قائمة و اندثرت ، بحق أشجار الياسمين التي أحرقتها نيران غاشمة لم تفرق بين الحجر و البشر ، بين الأبيض و الأسود نريد اعتذاراً فرنسياً عن تسعه آلاف و أربعمائة و سبع و ثمانين يوما جثم المستعمر الفرنسي خلالها على صدورنا و تمتع بجمال بلادنا ، و نهب و سرق خيرات سورية ، نريد اعتذاراً فرنسياً عن فتره استعماره لبلادنا من الساعة الرابعة بعد ظهر يوم الأحد الواقع في 25 تموز 1920 م حين دخلت قوات الانتداب الفرنسي دمشق بقياده المدعو غوابية إلى الساعة التاسعة من صباح 15 حزيران 1946 م حين رحل أخر جندي فرنسي مستعمر ارض الوطن ، فخلال تلك الفترة دفعت سوريه ثمنا غاليا و غاليا جدا لنيل حريتها ، نريد اعتذاراً فرنسياً عما اقترفته فرنسا من مجازر وحشيه في سورية خلال تسعه آلاف و أربعمائة و سبع و ثمانين يوما ، و حي سيدي عامود نموذجا عن وحشية الانتداب الفرنسي :

التدمير الوحشي :

ثلاثة أيام من عصر يوم الأحد 18 تشرين الأول عام 1925 إلى مساء الثلاثاء 20 تشرين الأول و دمشق عرضه لوحشيه المستعمر الفرنسي و نيران مدفعيته و حمم طائراته التي لم تفرق بين الحجر و البشر و أصبحت دمشق على حد قول اليس بوللو ( تظهر دمشق من قمم هذه الجبال و كأنها كومة حطب مشتعلة .. الخراب يعم كل أرجاء المدينة ) .
لقد دمر و نهب الجنود الفرنسيون و أعوانهم من المرتزقة بيوتات و أسواق دمشق ومتاجرها كسوق الطويل الذي دمرت مدافع المصفحات متاجره بالكامل ( لم يبق به أي شيء أبدا فكل مخزن قد خلع " غلقه " و نهب ما فيه تماما ) ، و قصر العظم ، وحي المسكية والدرويشية ( أصيبت مآذن و قباب جامع الدرويشية بصدوع من جراء القصف ) ، وقصفوا بشدة الشاغور والميدان ( هنا منظرا جديدا يدمي القلب : فقبة جامع السنانية الرائع ثقبت بفعل قذيفة ، ثقبا ضخما شوها ) و حي العمارة، واحترقت البزورية ( عم الخراب بشكل يحير ) ، والسنانية، وجزء من باب سريجة وجزء من القنوات، و سوق مدحت باشا ( آثار رصاص المصفحات تظهر على الجدران و الأبواب و واجهات المخازن ) و منطقة السنجقدار ( كل حمامات و مخازن الجانب اليميني من الشارع الواصل إلى جامع الدرويشية قد دمرت أما مخازن الجانب الأيسر فقد تهدمت بكاملها و أصبحت رمادا .. و مازال دخان الحرائق ينبعث من هنا و هناك ) لقد استباحت قوات الانتداب الفرنسي دمشق : ( الجنود كانوا ينهبون كل شيء دون رحمة في ذلك ). القذائف كانت تنهال على دمشق و الناس في هرج و مرج فالنسوة يتصايحن و يخرجن إلى الحارات و الأزقة حاسرات الرؤوس و حافيات الأقدام ، و الرجال خرجوا هربا من الحمامات التي قصفت نصف عراة ، هرج و مرج فظيع عاشته دمشق قتل من جراء نيران المستعمر من قتل و قتل الباقي محترقا بالنار او داسته الاقدام ، أو اختنق محاصرا تحت الأنقاض .!؟

حي سيدي عامود :

حي دمشقي قديم عريق كان من أغنى أحيائها يقطنه أعيان و رجالات دمشق و سورية ، يقع في المنطقة الواقعة جانب سوق الحميدية من جهة الجنوب في دمشق، وسوق مدحت باشا من جهة الشمال؛ بين جادة الدرويشية غرباً وسوق الخياطين شرقاً. كانت أجمل البيوت و القصور الدمشقية المبنية على الطراز العربي و السلجوقي والمملوكي و العثماني تقع ضمن هذا الحي ، إضافة إلى العديد من المنشآت التراثية والتاريخية ،اختلف في سبب تسميته فقيل نسبة لضريح أحد الأولياء الذي يعتقد بدفنه في هذا المكان واسمه ( أحمد عامود ) و قيل أطلق علية هذا الاسم لوجود ضريح أحد الأولياء إلى جانب أحد الأعمدة الأثرية أختصره العامة من الناس إلى سيدي عمود و سمي الحي بهذا الاسم لجهلهم بصاحبه .
هذا الحي الدمشقي العريق تعرض لوحشيه المستعمر الفرنسي حين قصف دمشق بنيران مدفعيته و وطائراته فدمر هذا الحي بالكامل و لم يبق منه سوى البيمارستان النوري (بيمارستان نور الدين الشهيد) الذي يعد من أهم البيمارستانات الباقية في العالم الإسلامي، و يقع إلى الجنوب الغربي من الجامع الأموي، ويضم اليوم متحف تاريخ الطب عند العرب .

لم يكد الليل يسدل ستاره على مدينة دمشق يوم الأحد الواقع في 18 تشرين الثاني من عام 1925 م حتى بدأت قوات الانتداب الفرنسي بقصف دمشق بنيران مدفعيتها التي نصبتها في العديد من الأماكن المرتفعة و الحساسة بدمشسق مثل قلعه دمشق و قلعه المزه و قبة السيار على جبل قاسيون ، و في منطقة البرامكة و شارع النصر ، و جابت طائرات الغدر الغاشم سماء دمشق لتلقي على أحيائها و أزقتها حمم النار الحاقد ، و كان حي سيدي عامود العريق من أولى أهداف الحقد الأعمى على دمشق فتعرض إلى قصف و تدمير وحشيين و أبيد هذا الحي بالكامل ، و اندثرت القصور الدمشقية الرائعة التي كان يزخر بها كبيت عبد الغني القوتلي جد الرئيس شكري القوتلي و هو البيت الذي ولد وترعرع فيه الرئيس القوتلي و بيت مراد القوتلي شقيق عبد الغني ، و بيت البكري و هو من أهم قصور دمشق في تلك الأيام خرج العديد من المجاهدين و الزعماء الوطنيين ومن أهم مجاهدي آل البكري الأشقاء الأربعة فوزي و نسيب و مظهر و بشير ، و كان نسيب البكري من كبار المجاهدين والساسة السوريين في القرن العشرين وعميد آل البكري الدماشقة وعين وجهاء دمشق، ووزير ونائب, كان من أقطاب الثورة العربية إذ كان من المخططين لها مع الشريف حسين والأمير فيصل، وكان من المقربين لديهما، وشارك في إقامة الحكومة العربية، وعينه الملك فيصل مستشاراً خاصاً به حتى خروجه من البلاد في تموز عام 1920م. ولما رأى أهالي بلاد الشام أن الملك فيصل رضي بعرش العراق رشحوا نسيب البكري لعرش الشام لكونه من سلالة أعرق أسرها العربية ولأنه كان من كبار الوجهاء العرب ومن أعظم مناضليهم، فكتبوا العرائض في ذلك وكاد أن يتم الأمر لولا أن الفرنسيين وقفوا في هذا الطريق ، وقد شارك بالثورة السورية بنفسه وماله وعقله وتدبيره وحارب الفرنسيين أعتى حرب، فانتقموا منه بهدم قصر آل البكري في منطقة سيدي عمود بل أكثر من ذلك فقد انتقم الفرنسيون منه بهدم الحي بكامله حسب قول الكاتبة الفرنسية ( أليس بوللو ) في كتابها دمشق تحت القنابل الذي ترجمة إحسان الهندي إن حي سيدي عامود دمر : ( إكراماً لعائلة البكري ) بسبب مواقفهم الوطنية الصلبة و دعمهم لثوار سوريه ضد الانتداب الفرنسي ، إن مأساة حي سيدي عامود يجب أن لا تغيب عن أذهان أهل سورية فقد ارتكب في هذا الحي أفظع أنواع الجرائم ضد البشرية و هذه شهادة الفرنسية أليس بوللو التي عاشت بدمشق عامي 1925 و 1926 و كانت شاهدا على جرائم أبناء جلدتها فتقول : ( في المنطقة الواقعة بين سوق الحميدية و سوق الطويلة ، و قرب مصرف سوريا. كان هناك حي آخر تعرض لتدمير رهيب، إذ لم يعد فيه شيء قائم على الإطلاق، و قد انتشرت فيه رائحة الموت بسبب الجثث. و قد دمر هذا الحي إكراماً لعائلة البكري، ها قد أعيدت فاجعة "بومبي" و لكن بمفعول القنابل هذه المرة ) و بومبي هي مدينه ايطاليه أصابها بركان ضخم أخذ سكان هذه المدينة بحممه ورماده منذ أكثر من ألفي سنة . و بقي ان نقول ان حي سيدي عامود بعد تدميره بالكامل أعيد اعمارة و أطلق عليه اسم الحريقه و هو لم يزل ماثلا أمامنا بدمشق .
و أخيرا نتساءل أليس من حقنا نحن أبناء وعشاق دمشق أن نطالب فرنسا التي تدّعي الحرية وحماية حقوق الإنسان بالاعتذار عن جرائم وحشية ارتكبت بحق آبائنا وأجدادنا، بحق بيوتنا وآثارنا، ألا يحق لدمشق أن تطالب باعتذار رسمي من دولة تعتبر نفسها أنها دولة الحق والقانون، وتدافع عن حقوق الإنسان والحيوان.؟! لنرفع صوتنا عاليا نريد حقنا من الاستعمار الغاشم عما اقترفه بحق أجدادنا و آبائنا ، بحق أشجار غوطتنا و نهر بردى ، بحق بيوت كانت قائمة و اندثرت ، بحق أشجار الياسمين التي أحرقتها نيران غاشمة لم تفرق بين الحجر و البشر ، بين الأبيض و الأسود نريد اعتذاراً فرنسياً عن تسعه آلاف و أربعمائة و سبع و ثمانين يوما جثم المستعمر الفرنسي خلالها على صدورنا و تمتع بجمال بلادنا ، و نهب و سرق خيرات سورية .
ملاحظة كل ما وضع ضمن قوسين نقلا عن كتاب الفرنسية ( أليس بولو ) في كتابها دمشق تحت القنابل و أليس بولو هذه صحفية فرنسية شاهدت أحداث الثورة يوما بيوم ، ترجم الكتاب د. احسان الهندي

عن موقع رابطة أدباء الشام

إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#79

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

معركة جبل الكاشف

حسن أحمد

المقاومة هزمت القوات الصهيونية الخاصة على تلة استراتيجية :
معركة جبل الكاشف خاضتها أذرع المقاومة العسكرية وعلى رأسها كتائب القسام الذراع العسكرية لحركة حماس مع القوات الإسرائيلية، فكان الإبداع في التصدي من قبل الكتائب التي كادت أن تختطف جنودًا إسرائيليين من (اللواء الفاخر) في دولة الاحتلال، وذلك لولا كثافة نيران الطيران الحربي الذي يستقوون به.
محللون وسياسيون فلسطينيون وعرب وإسرائيليون أيضًا، أكدوا أن هذه المعركة كانت شرسة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، حيث استطاعت المقاومة من خلالها أن تقلب نظرية الجيش الذي لا يقهر، وكسر أنف ما تعرف بالألوية على اختلاف أسمائها في الدولة العبرية، حيث إنها لم تحقق أهدافها المرجوة منها بل زادت الطين بلة، وأصبحت صواريخ المقاومة التي كانت تصل لبلدة سديروت المحتلة تصل إلى عسقلان والمجدل.

منطقة جبل الكاشف :
لماذا اختارت قوات الاحتلال الإسرائيلية هذه المنطقة لتنفيذ مخططاتها ضد قطاع غزة والنيل من المقاومة الفلسطينية؟! هذا السؤال وغيره الكثير دار بخلد كل من سمع بتلك المعركة الساخنة.
منطقة جبل الكاشف تقع شرق بلدة جباليا الواقعة شمال قطاع غزة، وتعتبر أعلى تلة في القطاع حيث من خلالها يمكن كشف جميع مدن القطاع، كما أن الكثافة السكانية فيها قليلة وأغلب الأراضي مكشوفة.
بالإضافة إلى العنصر الأهم هو أنها منطقة ضعف عسكري للمقاومة بحكم أنها مفتوحة ومحاذية للحدود مع دولة الاحتلال، وأن إمكانيات المناورة فيها ضعيفة الأمر الذي دفع عددًا كبيرًا من مجاهدي المقاومة من كافة أنحاء القطاع للنزول إليها للتصدي للقوات الإسرائيلية الغازية.
كما أنه يسهل من خلال هذه المنطقة الدخول إلى عمق القطاع والوقوف على أبواب أكبر تجمع سكاني فيه وهو معسكر جباليا.

التخطيط للمعركة :
كان واضحًا مع بداية دخول القوات الإسرائيلية الخاصة إلى جبل الكاشف بأنها ستكون خطة متدحرجة، تتطور يومًا بعد يوم وصولاً إلى إنهاك المقاومة واحتلال القطاع مؤقتًا لإنهاء حكم حركة حماس فيه، ويبدو أن كل عناصر الخطة تم اختيارها بعناية وعن دراسة مسبقة.
دخلت القوات الإسرائيلية الخاصة بكثافة في منطقة عزبة عبد ربه قبل أن تصل جبل الكاشف للسيطرة على المنطقة وصولاً إلى شارع صلاح الدين غربًا، ومنها ستتجه شمالاً نحو بيت حانون وجنوبًا نحو مدينة غزة وحي الشجاعية بالتحديد، ووصولاً لمفترق الشهداء (نتساريم) والاتجاه غربًا حتى شاطئ البحر.
ليتم بذلك محاصرة مدينة غزة والشمال التي تشكل مركز الثقل السياسي والعسكري الأكبر لحركة حماس، وليتم إنهاكها جويًّا وإشاعة الفوضى الداخلية من خلال العناصر العميلة للاحتلال التي تم ضبط بعض مجموعاتها التي كانت تعمل لتنفيذ هذا السيناريو، أما وسط وجنوب القطاع فسيكون التعامل معه أسهل إذا ما تم انهيار حكم حماس في غزة والشمال.

بداية المعركة :
في الساعة الثانية عشر من فجر يوم الأربعاء السابع والعشرين من شباط/فبراير ، بدأت العملية العسكرية الإسرائيلية ضد منطقة شمال قطاع غزة وبالتحديد في منطقة جبل الكاشف عندما اندفع المئات من الجنود الإسرائيليين من الوحدات الخاصة نحو المنطقة المذكورة.
ويبدو أن عملية الرصد التي تقوم بها كتائب القسام كانت ناجحة إلى حدٍ بعيد، حيث تم تسهيل مهمة دخول القوات الخاصة في بعض المحاور لإيقاعها في شرك تم نصبه في المنطقة، وبالفعل حدث ما تم التخطيط له من قبل المقاومة ووقعت القوات الإسرائيلية الخاصة في الشرك حيث تم إطلاق النار على القوات الإسرائيلية من مسافات قريبة جدًّا أدت إلى قتل وجرح الكثيرين منهم بخلاف ما اعترفت به قوات الاحتلال.

محاولة ولكن!
وفي خضم المعركة الحامية الوطيس التي خاضتها المقاومة العنيدة، أوشك عدد من مجاهدي كتائب القسام على أسر جنود إسرائيليين لولا كثافة النيران التي تعرض لها المقاومون من قبل طائرات الأباتشي التي تدخلت لإنقاذ الموقف، لكنها لم تستطع الهبوط لإنقاذ الجرحى، وأُجبرت على التقهقر، ومن ثم تم استدعاء الآليات العسكرية من دبابات وناقلات جند، وقد استطاعت المقاومة أيضًا أن تتعامل معها من خلال تدمير بعض هذه الآليات.

وجهًا لوجه!
غرفة العمليات المركزية التابعة لكتائب القسام، كانت تعمل على قدم وساق منذ اللحظات الأولى لبدء المعركة، حيث أكدت في حينه أن مجاهدي كتائب القسام تمكنوا من الجنود الإسرائيليين الذين وقعوا في الكمين المحكم الذي أعدته الكتائب، مشيرة إلى أن أحد المجاهدين القساميين تمكن من تفريغ مخزن ذخيرة كامل (30 رصاصة) من سلاحه الخاص في جسد جندي صهيوني لم يبعد عنه سوى متر واحد.
وأوضحت غرفة العمليات المركزية أن مجاهدي كتائب القسام تمكّنوا من تفجير عدة عبوات ناسفة في الجنود الصهاينة بشكل مباشر، وأنهم سمعوا لمدة طويلة أصوات استغاثة الجنود الصهاينة المصابين جراء الاشتباكات العنيفة في معركة جبل الكاشف.

معلّقون صهاينة: كتائب القسام قاتلت ببسالة وأولمرت تراجع عن إسقاط حكومة حماس :
تنافس كبار معلقي قنوات التلفزة الإسرائيلية في تبرير تراجعهم عن المواقف التي كانوا يرددونها قبل شن عملية الشتاء الساخن، وما تبعها من عمليات للمقاومة الفلسطينية، وتحديدًا عملية القدس الاستشهادية، فمعظم المعلقين الصهاينة كانوا يعتبرون أن الحل الوحيد لمواجهة عمليات المقاومة في قطاع غزة هو استخدام مزيد من القوة.
عاموس هارئيل المعلق العسكري في صحيفة هآرتس ينقل عن جنود وحدات النخبة العسكرية التي نفذت الشتاء الساخن قولهم: إن أعضاء كتائب عز الدين القسام قاتلوا ببسالة وتصميم كبيرين، معتبرين أنهم واجهوا جنودًا أشداء ومدربين.
وفي مقابلة مع القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي، قال ضابط لواء الصفوة جفعاتي، الذي كان له دور في عملية الشتاء الساخن: إن ما واجهه في شمال قطاع غزة يدلل على مدى التطور الذي بات يميز فنون القتال الميدانية لدى نشطاء الجهاز العسكري في حركة حماس، وأضاف لقد واجهنا جيشًا مدربًا تتطلب مواجهته استعدادًا خاصًا.
وفي المقابل، أجمعت وسائل الإعلام الإسرائيلية أنه على الرغم من اللهجة المتشددة التي يتحدث بها رئيس الوزراء الصهيوني إيهود اولمرت ووزير حربه إيهود باراك، فإن أغلبية صناع القرار في المؤسستين السياسية والعسكرية باتت تعتبر أنه يتوجب بحث إمكانية التوصل لتهدئة مع حركة حماس في قطاع غزة، سواء عبر اتصالات مباشرة أم غير مباشرة، اللافت للنظر أن العمليات الأخيرة أقنعت الحكومة الإسرائيلية بالتخلي عن العمل على إسقاط حكومة حماس، رغم أنها أعلنت أن هذا كان هدفًا رئيسيًّا لعملياتها العسكرية في القطاع.
تشيكو منشيه، المعلق السياسي المعروف، قال: إن أحدًا من وزراء الحكومة الإسرائيلية لم يعد يرى أن إسقاط حكومة حركة حماس بات هدفًا واقعيًّا، مؤكدًا أن الحكومة الإسرائيلية تخلت عن العمل لتحقيق هذا الهدف، وأضاف منشيه أن تراجع الحكومة الإسرائيلية عن التشبث بهذا الهدف يرجع إلى حقيقة أن إسقاط حكومة حماس يتطلب شن حملة عسكرية يتم خلالها احتلال جميع مناطق قطاع غزة، مشيرًا إلى أن العمليات العسكرية الإسرائيلية الأخيرة وما نجم عنها من ردود أفعال فلسطينية أقنعت المستوى السياسي والعسكري بأن إعادة احتلال قطاع غزة سيكون مقترنًا بسقوط عدد كبير من الجنود الإسرائيليين.
وكان ثمة إجماع بين كبار المعلقين الإسرائيليين على أن إسرائيل يمكنها فقط انتظار الأسوأ في حال تواصل سقوط الضحايا الفلسطينيين بنيران الاحتلال الإسرائيلي، رفيف دروكير، المعلق السياسي لقناة التلفزة الإسرائيلية العاشرة، يعتبر أن ما يحدث حاليًا في أرجاء الضفة الغربية والقدس وغزة يمثل مقدمات أولية لانتفاضة ثالثة، أضاف ليس من الحكمة أن تساهم العمليات العسكرية في قطاع غزة في اندلاع انتفاضة ثالثة، يتوجب على الحكومة أن تبحث عن كل وسيلة لإطفاء النيران المشتعلة في غزة، وإلا فإنه ليس فقط مدن الضفة الغربية ستشتعل، بل إن هناك أساسًا للاعتقاد أن مدننا ستتحول إلى ساحة للعمليات الانتحارية من جديد.
من ناحيته حذّر عوفر شيلح، مقدم البرامج الحوارية في القناة نفسها، من أن إسرائيل من خلال تصعيدها غير المحسوب في غزة تخاطر بالقضاء على كل الإنجازات التي حققتها في العامين الماضيين، لا سيما على صعيد عزل حركة حماس وتشريع الحصار عليها.
وأضاف أن إسرائيل حققت إنجازًا كبيرًا عندما نجحت في تكريس الانقسام بين حركتي فتح وحماس، وتحديدًا عندما اقتنع أبو مازن بتوجيه قواته في الضفة الغربية لضرب حركة حماس. لكن في حال نشبت انتفاضة جديدة، فإن حماس وفتح ستتوحدان في مواجهتنا، وسنخسر أبو مازن وكل التيار المعتدل في منظمة التحرير، وتبقى الساحة الفلسطينية تحت سيطرة حماس المطلقة.
من ناحيته، قال يوسي بيلين، زعيم حركة ميريتس اليسارية ووزير القضاء الصهيوني الأسبق: إن المشاهد التي عرضتها شاشات التلفزة لمسرح العملية التي نفذها علاء أبو دهيم في مدرسة مركاز هراب الدينية، جاءت في الوقت الذي ظن فيه المجتمع الإسرائيلي أن هذه الفترة هي الفترة الأكثر هدوءًا. وأضاف بالأمس فقط أعربنا عن ارتياحنا بسبب الهدوء النسبي الذي شهده عام 2007م، لكنا مرة أخرى تصدمنا مشاهد سيارات الإسعاف وهي تنقل القتلى والجرحى. ومع ذلك، علينا ألا نعود للخطأ الكبير الذي وقعنا فيه في خريف عام 2000م، عندما اندلعت أحداث انتفاضة الأقصى، حيث اعتقدنا حينها أنه بإمكان قبضتنا الحديدية أن تقطع اليد الفلسطينية التي استهدفتنا. فلم تجرّ سياسة القبضة الحديدية علينا إلا المزيد من الكراهية وروح الانتقام التي أصبحت متجذرة في نفوس الفلسطينيين، على حد تعبيره.
وأعاد بيلين للأذهان أنه لم يسبق في تاريخ إسرائيل أن يقتل هذا العدد من الإسرائيليين كما حدث في انتفاضة الأقصى. وحذر قائلاً: كلما يقتل ويجرح الفلسطينيون كلما عربد الغضب، وسرعان ما تتعاظم الدعوات في الساحة الفلسطينية للمسّ بإسرائيل والانتقام من جيشها وجباية ثمن كبير من مواطنيها، ولسع وعينا الجمعي.

المصدر: موقع فلسطين المسلمة.
عن موقع قصة الإسلام

إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#80

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

إنسانية الرسول في حروبه

الدكتور عبد الحليم عويس

عندما جاء الإذن للرسول والمسلمين من الله سبحانه وتعالى بالقتال بعد أربعة عشر عامًا من الصبر على أقسى صور الإذلال والملاحقة، لم يتوان الرسول صلى الله عليه وسلم في الخروج بالمسلمين على شكل سرايا وغزوات؛ وذلك لتأمين حياتهم في المدينة، في مواجهة القبائل المتربصة بهم، وفي مواجهة قريش التي لا تريد أن تعترف بكيانهم الجديد، ولا أن ترفع سياطها عن المستضعفين المعتقلين لديها الممنوعين من الهجرة، ولا أن تكفّ عن مصادرة أموالهم، وعن ملاحقة الدولة الجديدة بصورة التآمر والتأليب والتحريض لليهود والمنافقين في المدينة، وللقبائل الأخرى في الجزيرة..

وكانت السرايا أشبه بالدوريات الاستطلاعية التي تسعى لفرض الهيبة وإشعار الآخرين باليقظة، وأيضًا لاستكشاف الطرق المحيطة بالمدينة، والتي يمكن أن ينفذ منها الأعداء، وعقد معاهدات السلام مع القبائل التي تقع مساكنها على هذه الطرق، فضلاً عن جمع المعلومات عن هذه القبائل وصلتها بقريش، والتفاهم معها لتزويد المسلمين بالمعلومات عن تحركات أهل مكة ضد دولة الإسلام في المدينة.

ومن متابعة حركة السرايا يبدو أن السرايا التي يقل عدد أفرادها عن عشرة أفراد كان هدفها استقصاء الأخبار وجمع المعلومات، إلا إذا فرض الأعداء عليها الدفاع عن نفسها.. أما السرايا الأكثر عددًا فكانت سرايا مسلحة ومدربة هدفها إرهاب العدوّ حتى لا يفكر في غزو المدينة، وكانت على استعداد للاشتباك عند اللزوم -مع جمعها للأخبار والمعلومات أيضًا- وكان عدد بعض هذه السرايا يتجاوز مائتي مقاتل[1].

وثمة ملمح هنا نسوقه لتأكيد الطبيعة الإنسانية الأخلاقية لهذه السرايا، فمن المعروف أن جزيرة العرب كانت في عصور كثيرة، ومنها العصر الذي نتكلم عنه، تعج بكثير من قوافل السلب والنهب (لنتذكر هنا قصة سلمان الفارسي، وزيد بن حارثة وغيرهما).. وكانت الصحراء تبدو ملكًا لهذه القوافل -التي يمكن أن تستغل أيضًا- عن طريق المال لقريش وغيرها لجمع المعلومات عن المسلمين وترويع أهل المدينة.. فكانت السرايا هي الحلّ الأمثل للوقوف ضدَّ هذه القوافل -من جانب- ومن جانب آخر سوف يرى الناس في الجزيرة أن قوافل أو سرايا رسول الله، على العكس من هذه السرايا في سلوكها وتعاملها، فهي لا تمدُّ يدها بسوء لأي شخص، لا لماله ولا لعرضه.

ولعلها المرة الأولى في الجزيرة التي تمرّ فيها قوافل على هذا النحو من أمام البيوت والمساكن، تبعث على الأمن لا الخوف، وتدعو إلى التعاهد على السلم.. وتقاوم قوافل السلب والنهب.. وسوف يشعر العرب بأن هناك من يمكن أن يطمئنوا إليه ويجدوا في ظلالها الأمن إذا وضعوا أيديهم في يده. كما أن قريشًا التي كانت تريد أن تبقى مسيطرة على الجزيرة كلها، لم يعد الظرف الجديد يسمح لها بذلك.. فهناك من يتربصون بها وبتجارتها، ولن يكفوا عنها حتى تسالمهم وتعترف بكيانهم وحقهم في الحياة والدعوة لعقيدتهم.. وهذه المعاني السامية كلها حققتها السرايا أولاًَ، والغزوات ثانيًا.

وكانت السرية الأولى في رمضان من السنة الأولى للهجرة، جعل الرسول عليها عمه حمزة بن عبد المطلب، ومعه ثلاثون شخصًا، أرسلوا إلى سيف البحر، فلقوا عيرًا لقريش بقيادة أبي جهل فيها ثلاثمائة مشرك.. ولم يحدث قتال.. إلا أن أبا جهل -بالطبع- قد فهم الرسالة الموجهة إلى أهل مكة، وهي أن هناك قوة جديدة تفرض عليهم السلام والاعتراف بها، وإلا ستهدد مصالحهم التجارية.

وفي شوال خرجت السرية الثانية في ثمانين راكبًا على رأسها عبيدة بن الحارث، وفيها سعد بن أبي وقاص.. ولم يحدث قتال، إلا أن سعدًا رمى بأول سهم في الإسلام، وفرَّ إلى المسلمين المقداد بن عمرو (الأسود)، وعتبة بن غزوان، وكانا قد أسلما وحبسا في مكة.

وفي السنة الثانية للهجرة خرج الرسول الكريم -قبل بدر- بقيادة ثلاث غزوات وسرايا، فقد خرج ليعترض عيرًا لقريش عند (ودان)، فلم يدرك العير، وعاهد بني صخرة على الأمان والتناصر.. ثم بلغه أن عيرًا لقريش يقودها أمية بن خلف في مائة من قريش ذاهبة إلى الشام، فخرج لملاقاتهم في مائتين من المهاجرين حتى بلغ بواط، فوجد العير قد فاتته، ولم يلق كيدًا. وكذلك خرج الرسول ومعه مائة وخمسون في غزوة العشيرة، لملاقاة عير لقريش يقودها أبو سفيان، ففاته العير، ووادع بني مدلج وحلفائهم ثم عاد إلى المدينة ينتظر رجوع القافلة... فرجعت وأفلت بها أبو سفيان.. ثم كانت -بسبب هذه العير- غزوة بدر الكبرى.

ونلاحظ أن السرايا السابقة خلت من الاشتباكات الدموية؛ مما يؤكد طبيعتها ووضوح أهدافها التي أشرنا إليها سابقًا.

وقد أغار على المدينة كرز بن جابر الفهري، وهرب، فخرج الرسول في طلبه، ولم يدركه، وهذه تسمى غزوة بدر الأولى. ثم خرج عبد الله بن جحش على رأس سرية من ثمانين رجلاً، حتى نزلوا (نخلة) في طريق البصرة بأمر الرسول، ولقوا عيرًا لقريش تريد مكة فيها عمرو بن الحضرمي، فقتلوه في آخر أيام رجب، وأسروا عثمان بن المغيرة والحكم بن كيسان... فكَرِه الرسول ذلك منهم وقال: "لم آمركم بقتال"، وأفرج عن الأسيرين، وأرسل دية القتيل. ومع ذلك شهَّر المشركون بالمسلمين وقالوا إنهم قاتلوا في الأشهر الحرم، فنزلت آيات سورة البقرة تدافع عنهم: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ القَتْلِ } [البقرة: 217].

وفي غزوة بدر الكبرى (17 رمضان- 2 هجرية) عدّل رسول الله صفوف المسلمين، وكان في يده قدح يعدل به، وكان سواد بن غزية مستنصلاً من الصف، فطعنه الرسول في بطنه بالقدح وقال: "استو يا سواد". فقال سواد: يا رسول الله، أوجعتني فأقدني. فكشف عن بطنه، وقال: "استقد". فاعتنقه سواد، وقبَّل بطنه، فقال: "ما حملك على هذا يا سواد ؟" قال: يا رسول الله، قد حضر ما ترى، فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمسّ جلدي جلدك. فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير. وهذه لمسة إنسانية تدل على الطابع الأخلاقي الكريم للرسول القائد، الرحيم مع أصحابه وأعدائه.
ومع بداية المعركة أخذ الرسول يتضرع إلى ربِّه في إلحاح وخضوع.. فقد روى الإمام أحمد بسنده عن علي بن أبي طالب أنه قال: لقد رأيتنا وما فينا إلا نائم، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة يصلي ويبكي حتى أصبح، وذلك ليلة بدر.. وهو يكثر من قول: يا حي يا قيوم ، ويكررها وهو ساجد.. وكان صلى الله عليه وسلم يرفع يده ويهتف بربه ويقول: " اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد بعد في الأرض اللهم أنجز لي ما وعدتني اللهم نصرك ".. ويرفع يده إلى السماء حتى سقط رداؤه عن منكبيه، وجعل أبو بكر يقول له مشفقًا عليه: يا رسول الله، بعض مناشدتك ربك، فإنه منجز لك ما وعد.

وهذا الموقف أيضًا دليل من الأدلة التي تدل على الطبيعة الإيمانية لحروب الرسول صلى الله عليه وسلم.
وفي غزوة أحد، وبعد خيانة عبد الله بن أبي بن سلول، وعودته بثلاثمائة (ثلث الجيش) قام النبي ببقية الجيش -وهم سبعمائة مقاتل- ليواصل سيره نحو العدوّ، وكان معسكر المشركين يحول بينه وبين أحد في مناطق كثيرة، فقال: " من رجل يخرج بنا على القوم من كثب -أي من قريب- من طريق لا يمر بنا عليهم؟".
فقال أبو خيثمة: أنا يا رسول الله. ثم اختار طريقًا قصيرًا إلى أحد، ومرَّ الجيش من هذا الطريق بحائط مربع بن قيظى -وكان منافقًا ضرير البصر- فلما أحس بالجيش المسلم قام يحثو التراب في وجوه المسلمين، ويقول: لا أحلّ لك أن تدخل حائطي إن كنت رسول الله. فابتدره القوم ليقتلوه، فقال: " لا تقتلوه فهذا أعمى القلب أعمى البصر ". وترفّع الرسول عن قتل الأعمى، مع إساءته للرسول والجيش، وهذه لمسة إنسانية نراها جديرة بالتقدير.
ومن المعروف أنه بعد انتصار المسلمين في موقعة أحد -في أول المعركة- خالف الرماة أمر الرسول لهم بألاّ يتركوا مواقعهم قائلاً لهم ولقائدهم عبد الله بن جبير: " انضح الخيل عنا بالنبل لا يأتونا من خلفنا إن كانت لنا أو علينا فاثبت مكانك لا نؤتينَّ من قبلك "[2]، وفي رواية للبخاري أيضًا: " إن رأيتمونا يخطفنا الطير فلا تبرحوا وإن رأيتمونا ظهرنا فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم ". ومع ذلك نزل أربعون منهم، مُعرِّضين قائدهم عبد الله بن جبير وتسعة معه للإبادة.

وعندما أدرك هذه الثغرة خالد بن الوليد، انقض منها على المسلمين، ثم ركّز المشركون جهودهم ضدَّ النبي صلى الله عليه وسلم ، وطمعوا في القضاء عليه، فرماه عتبة بن أبي وقاص بالحجارة فوقع لشقه، وأصيبت رباعيته اليمنى والسفلى، وشفته السفلى، وتقدم إليه عبد الله بن شهاب الزهري، فشَجَّه في جبهته، وجاء فارس عنيد هو (عبد الله بن قمئة) فضربه على عاتقه بالسيف ضربة عنيفة، شكا لأجلها أكثر من شهر، ثم ضرب على وجنته صلى الله عليه وسلم ضربة أخرى عنيفة كالأولى، حتى دخلت حلقتان من حلق المغفر في وجنته، وقال: خذها وأنا ابن قمئة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم له وهو يمسح الدم عن وجهه: " أقمأك الله ". فلم يلبث أن هلك عندما نطحه تيس أثناء عودته!!

وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم كسرت رباعيته، وشج في رأسه، فجعل يسلت الدم عنه ويقول: " كيف يفلح قوم شجوا وجه نبيهم، وكسروا رباعيته وهو يدعوهم إلى الله ".
ومع كل ذلك كان لا يفتأ صلى الله عليه وسلم أن يقول: " اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ". وفي رواية مسلم: " ربِّ اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ".
ومع أن منظر الشهداء كان مريعًا يفتت الأكباد، فحمزة -رضي الله عنه- لم يوجد له كفن إلا بردة ملحاء، إذا جعلت على رأسه قلصت عن قدميه، وإذا جعلت على قدميه قلصت عن رأسه حتى مدت على رأسه، وجعل على قدميه الإذخر، ومع أن هندًا بنت عتبة مثـَّلت به، وأخرجت كبده لتأكلها ثم لفظتها..
ومع أن الداعية العظيم مصعب بن عمير -رضي الله عنه- كُفن في بردة إن غطى رأسه بدت رجلاه، وإن غطى رأسه بدا رأسه، وروى مثل ذلك عن خباب، وفيه: فقال لنا النبي صلى الله عليه وسلم: " غطوا بها رأسه واجعلوا على رجله الإذخر " (وهو نبات)..

مع كل هذا العناء الذي كابده الرسول فإنه صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه -بعد أن انصرف المشركون- بأن يقفوا صفوفًا، وقال لهم: " استووا حتى أثني على ربي عز وجل "، فصاروا خلفه صفوفًا، فقال: " اللهم لك الحمد كله، اللهم لا قابض لما بسطت، ولا باسط لما قبضت، ولا هادي لمن أضللت، ولا مضل لمن هديت، ولا معطي لما منعت، ولا مانع لما أعطيت، ولا مقرب لما باعدت، ولا مبعد لما قربت، اللهم ابسط علينا من بركاتك ورحمتك وفضلك ورزقك..
اللهم إني أسألك النعيم المقيم، الذي لا يحول ولا يزول، اللهم إني أسألك العون يوم العيلة، والأمن يوم الخوف، اللهم إني عائذ بك من شر ما أعطيتنا وشر ما منعتنا، اللهم حبِّب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين. اللهم توفّنا مسلمين وأحينا مسلمين وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين. اللهم قاتل الكفرة الذين يكذبون رسلك، ويصدون عن سبيلك، واجعل عليهم رجزك وعذابك ".

المصدر: صحيفة الوسط الإلكترونية.

الهوامش:

[1] أقرب الآراء إلى القبول أن السرية هي التي لم يخرج فيها الرسول، والغزوة هي التي قادها الرسول.
[2] البخاري وأبو داود باب الجهاد.

عن موقع قصة الإسلام

إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#81

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

معركة عين التمر.. أسرع هزيمة في التاريخ


المكان: عين التمر - شمال غرب الحيرة - العراق.

الموضوع: جيوش الإسلام بقيادة خالد بن الوليد تقضي على الحاميات الفارسية بالعراق.

الأحداث والدروس المستنبطة :

بعد أن فتح الله تعالى معظم بلاد العراق للمسلمين، وذلك في أربعين يومًا فقط، وبعد أن فتحت "الحيرة" عاصمة الفرس العربية، وأهم مدينة بالعراق بعد "المدائن"، جاء الأمر من الخليفة "أبو بكر الصديق" "لخالد بن الوليد" أن يتوجه سريعًا لإنقاذ المسلمين المحاصرين في منطقة "دومة الجندل"، وكنا قد عرضنا من قبل في أثناء سردنا لبداية الحملة الجهادية لفتح العراق أن الخليفة "أبا بكر" قد كلف كلاً من "خالد بن الوليد" من ناحية الجنوب، و "عياض بن غنم" من ناحية الشمال، ليوجد بذلك حالة من التنافس بينهما، حيث جعل من يصل أولاً هو القائد العام، فتقدم "خالد"، وتعثر "عياض" ومن معه، وحوصروا في منطقة "دومة الجندل"، حاصرتهم أعداد ضخمة من القبائل العربية الموالية للفرس، وكان القائد "خالد بن الوليد" تواقًا لأن يهجم على المدائن عاصمة الفرس، لينهي الوجود الفارسي تمامًا في العراق، ولكنه امتثل لأوامر قائده العام الخليفة "أبى بكر".

** النظام والانضباط والجدية، وطاعة أولي الأمر في غير معصية الله تعالى من أهم عوامل النجاح، والله تعالى علم أمة الإسلام درسًا عظيمًا في عاقبة مخالفة الأوامر، وذلك يوم أحد، وبين ذلك بقوله تعالى: { أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [آل عمران: 165].

خطر الحاميات الفارسية:
كان القائد الحربي "خالد بن الوليد" من الطراز النادر في إدارة العمليات الحربية، بل ربما هو نسيج وحده، فقد رأى قبل التوجه لإنقاذ المسلمين المحاصرين "بدومة الجندل" ضرورة تأمين وضع المسلمين في المدن المفتوحة، خاصة في ظل وجود حاميات فارسية قوية في المناطق المحيطة بمدينة "الحيرة" أهم مدن العراق، وعاصمة الفرس العربية، والتي كان لسقوطها في أيدي المسلمين دويّ كبير في أركان البيت الفارسي، وكانت هذه الحاميات تتركز في منطقتين هما: منطقتا "الأنبار" و"عين التمر"، وبالفعل قرر "خالد" الهجوم على تلك الحاميات، وإزالة التهديد الفارسي للوجود الإسلامي بالحيرة.
لم يكن "خالد" من القواد الذين ينتظرون المفاجآت، بل كان يعمل دائمًا على بث عيونه واستخباراته قبل خوض أية معركة، وقد نقل له سلاح الاستطلاع أوضاع المدينة من حيث موقعها، وموقفها التحصيني، وكانت هذه المدينة شديدة التحصين مما يجعل مسألة السيطرة عليها أمرًا صعبًا، وذلك لعدة أسباب منها: موقع هذه المدينة على الشاطئ الشرقي لنهر "الفرات"، مما يجعل بين المسلمين والفرس حاجزًا مائيًّا يهابه المسلمون، ومنها وجود أسوار منيعة حول المدينة، هذا غير وجود خندق عميق متسع يحيط بالمدينة من كل ناحية، ولكن كل ذلك لم يفت في عضد المسلمين وخطتهم الجهادية، وكان معظم أهل المدينة من النصارى، وعليهم قائد فارسي اسمه "شيرازاد"، وقد جعل "خالد بن الوليد" قائدًا على هذه المعركة، وهو الصحابي "الأقرع بن حابس"، رغم أنه ليس من السابقين في الإسلام، ولكنه صاحب كفاءة حربية ممتازة.

** الحكمة تقتضي أن يتولى قيادة العمل من عنده الخبرة والكفاءة اللازمة لذلك العمل، فالأصلح قد يكون ليس هو الأفضل دينيًّا، ولقد علمهم ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم عندما ولى "عمرو بن العاص" قيادة جيش فيه "أبو بكر" و"عمر" و"أبو عبيدة" ولم يكن مر على إسلام "عمرو" أربعة أشهر.

ذات العيون:
بدأ المسلمون زحفهم على المدينة الحصينة، فبدءوا أولاً باجتياز نهر "الفرات" على الرغم من فيضان مائه في ذلك الوقت، وعلى الضفة الأخرى كان الرعب مستوليًا على أهل المدينة، فلم يجرؤ أحد على الخروج من المدينة لصد العبور الإسلامي، وذلك للسمعة الكبيرة للمسلمين وفتوحاتهم السريعة والهائلة في أيام معدودات، والتي جعلت الجميع مكتوفي الأيدي، وبعد أن عبر المسلمون ظهرت أولى محاولات المقاومة عندما قامت مجموعة من أهل المدينة بارتقاء أسوارها، ورشق المسلمين بالسهام، وكان هذا الرمي وبالاً عليهم، إذ اكتشف القائد الفذ "خالد بن الوليد" أن هؤلاء المقاتلين سذج لا يعرفون شيئًا من فنون القتال والرمي، ولا خبرة لهم بالحرب.
أمر "خالد بن الوليد" كتيبة خاصة في الجيش الإسلامي مكونة من أمهر رماة العرب برمي المحاربين رميًا واحدًا كثيفًا، ويركزون على عيون المحاربين، وبالفعل انطلقت تلك السهام كالطير الأبابيل، وأصابت هدفها بدقة بالغة، وفقأت قرابة الألف عين، فصاح أهل المدينة جميعًا: "ذهبت عيون أهل الأنبار", وسمي هذا اليوم بذات العيون، وصاحوا وماجوا، وعمتهم الفوضى وخرج "شيرازاد" يسأل عن الخبر، فلما علم أسرع لعقد صلح مع المسلمين، ولكنه اشترط شروطًا لا يقرها الإسلام في الحرب، فلم يوافق "خالد" عليها.

** ليس كل صلح يوافق عليه، وليست كل معاهدة يصدق عليها، دون النظر لأوامر الإسلام، وكم من معاهدة واتفاقية أخذت مطية لسلب الحقوق، واغتصاب الأرض المسلمة، وما اتفاقية "كامب ديفيد" و"أوسلوا" منكم ببعيد.

جسر الجمال:
كان الخندق المائي يمثل مشكلة حقيقية للمسلمين؛ لأنه عميق ومتسع، ويحيط بالمدينة من كل مكان، ولكن ذلك لم يكن ليمنع الأسد الضاري "خالد" صاحب العقلية العسكرية الفذة، حيث قام بالدوران حول سور المدينة لدراسة هذا الخندق جيدًا، حتى وقف عند نقطة معينة من الخندق وتأملها طويلاً، ثم تفتق ذهنه عن فكرة عبقرية، حيث وقف على أضيق نقطة في الخندق، وأمر بذبح كل الجمال الهزيلة والمريضة، وإلقائها عند هذه النقطة، فردم تلك النقطة بصنع جسر من الجمال، واستطاع المسلمون أن يعبروا بسهولة، وأصبح الجيش المسلم محيطًا بأسوار المدينة من كل مكان استعدادًا لاقتحامها، فأسرع "شيرازاد" وطلب الصلح من "خالد" بشروط الإسلام، على أن يخرج "شيرازاد" سالمًا بأهله وماله إلى مكان آمن، فوفى له "خالد" ذلك الشرط، وأبلغه مأمنه، ودخل المسلمون المدينة وأمن الناس على معايشهم.

** الوفاء بالعهد أصل قرآني حافظ عليه المسلمون في كل موطن، وكان سبب إسلام كثير من الناس.

عندما عاد "شيرازاد" إلى قائد الفرس العام على العراق "بهمن جاذويه" مهزومًا من الأنبار لامه "بهمن" بشدة على مصالحة المسلمين، والتفريط في هذه المدينة الحصينة رغم ضخامة قواته، وكان "شيرازاد" رجلاً عاقلاً فقال: "إن هؤلاء القوم -يعني أهل الأنبار- قد قضوا على أنفسهم بالهزيمة عندما رأوا جيش المسلمين، وإذا قضى قوم لأنفسهم بالهزيمة كاد هذا القضاء أن يلزمهم", ففهم "بهمن" كلامه واقتنع به.

** وصدق شيرازاد فيما قاله، فإن الهزيمة النفسية هي الهزيمة الحقيقية، هي الهزيمة التي تحطم القلوب، وتفل العزائم، وتخور معها الهمم، فلا يستطيع صاحبها معها أن يتقدم ولو خطوة واحدة للأمام، بل يظل عمره أسير ضعفه، ورهين وهمه، فهلا تدبر ذلك المسلمون؟!.

الغرور الصليبي:
كانت الحامية الأخرى متمركزة في مدينة عين التمر، وكانت على طريق "دومة الجندل" تراقب الأوضاع عن كثب، وكانت الحامية الموجودة "بعين التمر" مكونة من قوتين كبيرتين: قوة فارسية بقيادة "مهران بن بهرام"، وقوة عربية نصرانية مكونة من خليط من قبائل "تغلب" و"إياد" بقيادة "عقة بن أبي عقة"، وكان أحمقًا مغرورًا، دفع ثمن هذا الحمق والغرور غاليًا، حيث طلب هذا الصليبي الحاقد المغرور "عقة" من القائد الفارسي "مهران" أن يخلي الساحة؛ ليقاتل هو المسلمين وحده دون مساعدة من الفرس، وقال له: "إن العرب أعلم بقتال العرب، فدعنا وخالدًا"..
ولنا أن نفهم النفسية المريضة التي دفعت "عقة" لهذا الطلب الغريب، فالغرور والحقد والرغبة في الفخر والزهو، وتحقيق الأمجاد بالانتصار على المسلمين، وقائدهم "خالد بن الوليد" صاحب الراية الميمونة، والانتصارات الباهرة, كل ذلك دفع "عقة" لهذا الطلب، بل تمادى في غيه وغروره، وقرر الخروج لقتال المسلمين خارج المدينة, في الصحراء المفتوحة، كأنه بذلك يسعى لحتفه بقدميه كما يقولون؛ لأن الصحراء المفتوحة هي أصلاً ميدان المسلمين المفضل في القتال، وعندما سمع "مهران" هذا الكلام من "عقة" قال له: "صدقت لعمري لأنتم أعلم بقتال العرب، وإنكم مثلنا في قتال العجم، دونكموهم، وإن احتجتم إلينا أعناكم"، وكان "مهران" قد بيت في نفسه أمرًا، وهو الانسحاب من أمام المسلمين لعلمه أنهم لا يقهرون، وقد انتقد قادة الفرس ذلك الأمر من "مهران" وقالوا له: "ما حملك على أن تقول هذا القول لهذا الكلب" يعنون عقة، فقال لهم "مهران": "دعوني، فإني لم أرد إلا ما هو خير لكم وشر لهم، إنه قد جاءكم من قتل ملوككم، وفل حدكم، فاتقيته بهم، فإن كانت لهم على "خالد" فهي لكم، وإن كانت الأخرى لم تبلغوا منهم حتى يهنوا، فنقاتلهم ونحن أقوياء وهم ضعفاء ".

** إن أعداء الدين مهما حاول أحد خدمتهم -ولو بروحه- فلن يعدوا قدره عندهم إلا قدر الكلب، كما قالت الفرس عن أعوانهم من العرب، وهكذا وصل أعداء الإسلام لمآربهم الخبيثة قديمًا وحديثًا على أكتاف طابور طويل من الكلاب، وما أكثرهم!!

أسرع هزيمة في التاريخ:
خرج "عقة" المغرور ومن معه من العرب المتنصرة من المدينة للصدام مع المسلمين، وأوغل في الصحراء غرورًا منه لمبادرة المسلمين بالهجوم، ووصل إلى منطقة "الكرخ" وعبأ قواته النصرانية، ووصل المسلمون إلى أرض المعركة وعبأ "خالد" الجيش بسرعة، واستعد للقتال، ولم يكن "خالد" قد رأى "عقة" من قبل، ونظر إليه نظرة الفاحص الخبير بنفوس المحاربين، فعلم أن هذا الرجل شديد الغرور..
فقرر القيام بحيلة بارعة شجاعة، جريئة في نفس الوقت، وهي خطف القائد "عقة" نفسه في عملية فدائية أشبه ما تكون بعمليات الصاعقة، فانتخب مجموعة خاصة من أبطال المسلمين، وأطلعهم على الفكرة الجريئة، فوافق عليها الجميع، فالكل أبطال، والجميع "خالد"، وبالفعل انقض "خالد" ومجموعته الفدائية على صفوف العدو -وهم يقدرون بعشرات الآلاف- كما ينقض الأسد على فريسته، وكان "عقة" مشغولاً بتسوية الصفوف، واندهش العدو من هذه المجموعة الصغيرة التي تهجم على عشرات الآلاف، ولم يفيقوا من هول الصدمة وإلا و"خالد" قد أسر "عقة" وحمله بين يديه كالطفل الصغير وعاد به إلى صفوف المسلمين، وعندها تجمدت الدماء في عروق العرب المتنصرة، وركبهم الفزع الشديد، ففروا من أرض المعركة دون أن يسلوا سيفًا واحدًا في أسرع هزيمة في التاريخ.
واصل المسلمون سيرهم بعد هذه الضربة الخاطفة حتى وصلوا إلى أسوار المدينة، وكان "مهران" وحاميته الفارسية قد عرفوا بما حل للمغرور "عقة" ومن معه، ففروا هاربين تاركين أعوانهم النصارى لمصيرهم المحتوم, عندها أسقط في يد النصارى في المدينة فأرسلوا لطلب الصلح مع خالد، ولكن "خالدًا" علم أن هؤلاء الذين يطلبون الصلح هم المحاربون الذين انهزموا في أرض المعركة وهم بالتالي لا يستحقون الأمان والصلح، وإنما أجبرهم على ذلك قرب أجلهم، ودنوا هزيمتهم..
فرفض "خالد" الصلح معهم، إذ لا أمان مع هؤلاء الخونة الكفرة، الذين باعوا أنفسهم للمشركين الأصليين عباد النار، وقاتلي بني جلدتهم وأهل كتاب مثلهم، لا لشيء إلا بدافع الحقد والحسد، أصر "خالد" على عدم الصلح حتى ينزلوا على حكمه، وهذا معناه في عرف الحروب أن يكون "خالد" مخيرًا في فعل أي شيء معهم: يقتلهم، يسبيهم، يعفو عنهم، المهم أنهم تحت حكمه وأمره، فلما يئس المتنصرة من نجدة الفرس لهم نزلوا على حكم "خالد بن الوليد"، فألقى القبض على جميع من يقدر على حمل السلاح ثم حكم في الحال بإعدام المحاربين، وبدأ بزعيمهم الأحمق "عقة" وسبى الذرية والأموال.

** ليس في ذلك قسوة ولا غدر كما يظن البعض ممن يتعاطفون مع المنهزم وينسون إجرامه، فما حدث لهم جزاء وفاقًا لهؤلاء المحاربين الذين خرجوا وفي نيتهم استئصال المسلمين بدافع من الحقد الصليبي المحض، كما أن هذا الحكم هو حكم الله تعالى كما حدث يوم أن حكم الصحابي "سعد بن معاذ" بنفس الحكم على إخوانهم في الحقد والشقاء يهود بني قريظة، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: " لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات ".

وقد وجد المسلمون بمدينة "عين التمر" كنيسة يتعلم فيها أربعون صبيًّا الإنجيل، فلم يتعرض لهم "خالد" بالقتل، بل اعتبرهم من جملة السبي، وذلك من عدل الإسلام، فلم يأخذ هؤلاء بجريرة بني جلدتهم المقاتلين، وكان من بينهم شاب اسمه "نصير" هو أبو الفاتح الكبير "موسى بن نصير" فاتح الأندلس، وأيضا "سيرين" أبو عالم زمانه، ومفتى الأمة في عصره "محمد بن سيرين".

** وبتلك المعركة استطاع المسلمون إخلاء المنطقة الواقعة بين الحيرة ودومة الجندل من أية قوات معادية للمسلمين، وهي مساحة تقدر بخمسمائة كيلومتر مربع.
المصادر:

- تاريخ الرسل والملوك.
- تاريخ الخلفاء.
- فتوح البلدان.
- المنتظم.
- محاضرات في الأمم الإسلامية.
- الكامل في التاريخ.
- البداية والنهاية.
- موسوعة التاريخ الإسلامي.
- التاريخ الإسلامي.
- الخلفاء الراشدين.

إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#82

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

معركة النمارق..ثورة الأسد

المكان: منطقة النمارق - الحيرة - العراق

الموضوع: المسلمون بقيادة أبي عبيد الثقفي يقضون على جيوش فارس الجرارة.

الأحداث والدروس المستنبطة:
عندما أصدر الخليفة أبو بكر أوامره لخالد بن الوليد القائد العام على الجبهة العراقية بالتحرك لإنقاذ المسلمين بالجبهة الشامية لوصول جحافل رومية تقدر بأكثر من مائتي ألف مقاتل, كان على الخليفة تعويض النقص الحادث في صفوف المسلمين بالجبهة العراقية وكان أبو بكر قد جعل عليها المثنى بن حارثة خليفة لخالد بن الوليد لمقدرة المثنى على القيادة بجانب خبرته العسكرية والواقعية بتلك البلاد؛ لأنه من قبيلة ربيعة, أجرأ الناس على الفرس..

وكان خروج خالد من العراق فرصة ذهبية للفرس الذين تنفسوا الصعداء بعد خروج خالد وفرحوا فرحًا عظيمًا وقويت عزائمهم ضد المسلمين, وخلال هذه الفترة حدثت فتنة دامية داخل البلاط الملكي الفارسي بعد مقتل كسرى شهر براز وتولي أخته "دخت" والتي كانت ضعيفة فخلعت ثم تولى سابور بن شهر براز وكان هو الآخر ضعيفًا فتآمرت عليه بنت عمه "آزر ميدخت" وقتلته هو وقائده "فرخراز بن مبذوان" وهو والد القائد الشهير "رستم" الذي سارع وكان حاكم خراسان وتحالف مع بوران بنت كسرى ودخلا المدائن وقتلوا "آزر ميدخت", وعيّن رستم "بوران" على ملك فارس.

لم يغتر المثنى بن حارثة القائد الجديد للجبهة العراقية بنزاعات البلاط الدامية في المدائن وشعر أن حجم جيوش المسلمين "تسعة آلاف فقط" في وضع حرج على الجبهة العراقية, خاصة أنهم متناثرون في نقاط متفرقة مما يسهل على عدوهم المتربص الوثوب عليهم والفتك بهم, فقرر المثنى التحرك سريعًا والتوجه للمدينة لشرح خطورة الموقف وطلب إمدادات سريعة وكبيرة للحفاظ على مكاسب المسلمين..

فوصل المثنى المدينة والخليفة أبو بكر في النزع الأخير ولكنه استطاع أن يجتمع مع أبي بكر وشرح له خطورة موقف المسلمين في العراق وضرورة إرسال إمدادات للمسلمين, وما لبث أبو بكر حتى مات من غد بعدما أوصى الخليفة بعده عمر بن الخطاب بندب الناس للجهاد ضد الفرس, وبالفعل من أول يوم لولاية الفاروق جمع الناس في المسجد وقام فيهم خطيبًا ومعه المثنى بن حارثة يندب الناس للجهاد ضد الفرس فتلكأ الناس لكرههم لحرب الفرس المشهورين بالبأس والشدة..

وحاول المثنى أن يبين لهم ضعف أمر الفرس وخطأ الصورة الكاذبة المرسومة في أذهان الناس عن الفرس وظل عدة أيام يدعو الناس للجهاد ولكن الاستجابة كانت معدومة حتى بادر رجل من عامة الصحابة بالتطوع وهو "أبو عبيد الثقفي" ثم قام آخر وهو سعيد بن عبيد الأنصاري ثم آخر وآخر حتى بلغ عددهم في النهاية ألف رجل لا غير, وأثر هذا الموقف في نفسية الفاروق وحزن لضعف استجابة الصحابة للجهاد في سبيل الله, لذلك عندما اجتمع عنده المتطوعون للقتال بقي أن يؤمر عليهم أميرًا للجهاد فاختار لتلك المهمة الخطيرة والحساسة أول الناس انتدابًا للجهاد وهو أبا عبيد الثقفي ولما قيل له: هلا اخترت أحدًا من كبار الصحابة أو السابقين رفض بشدة وقال وهو متأثر: "لا والله لا أفعل يا أصحاب النبي لا أندبكم وينتدب غيركم فأؤمركم عليهم والله لا أؤمر عليكم إلا أولهم انتدابًا" ثم أمر أبا عبيد الثقفي ووصاه بوصايا نافعة, ولا شك أن أبا عبيد كان من الأبطال الشجعان المشهورين بذلك, ولكن القيادة تحتاج بجانب الشجاعة إلى الخبرة الحربية والدهاء والصبر والمناورة وهذه أمور لم تكن متوفرة في أبي عبيد البطل الشجاع, لذلك عد ذلك من هفوات الفاروق وما أقلها وإن كانت هذه الهفوة ثمنها باهظًا جدًّا كما سنعلم من أحداث معركة الجسر في 23 شعبان إن شاء الله.

انطلق المثنى إلى العراق ليلحق بجنوده لرفع معنوياتهم أمام عدوهم ولم ينتظر حتى يتم المتطوعون استعدادهم للسير فوصل المثنى إلى الحيرة في 5 رجب 13هـ, وفي هذه الأثناء كان أهل فارس قد اصطلحوا فيما بينهم على تولية يزدجرد من ولد كسرى وهو ابن خمسة عشر سنة على أن يكون مشيره وأستاذه القائد الكبير "رستم" الذي فوض إليه أهل فارس الأمر لمدة عشر سنوات يكون فيها الحاكم الفعلي لفارس, فأعد رستم خطة شريرة للقضاء على الوجود الإسلامي في العراق تقوم على إشعال الثورات وتأليب رعايا الدولة الفارسية الذين دخلوا في ذمة المسلمين وعهدهم لخلع هذه الأمة ونقض عهد المسلمين في كل مكان, وحتى يشعل رستم حماس الثائرين قال لهم: "إن الأمير عليكم في العراق هو أول من يعلن الثورة على المسلمين في السواد"..

ولكن هذه الخطط الشريرة لم تكن لتغيب عن ذهن القائد العسكري الفذ المثنى بن الحارثة الذي أدرك خطورة الموقف وقرر الانسحاب من كل المناطق الخاضعة للمسلمين وعن العراق كله والانحياز إلى حدود الجزيرة العربية وكان المثنى لا تهمه الأرض بقدر ما تهمه أرواح جنوده فنفذ الانسحاب بسرعة ولم يخسر رجلاً واحدًا وتألم رستم جدًّا لفشل خطته التي رسمها لإبادة المسلمين بفضل الله ثم ذكاء المثنى رحمه الله[1].

قدم المسلمون المتطوعون للجهاد ضد الفرس بقيادة أبي عبيد الثقفي الذي اطلع على خطة الانسحاب التي قام بها المثنى بن حارثة فأعجبته وأقرها, وأما على الجبهة الفارسية فقد طاش سهمها إذ تمكن المسلمون من الانسحاب دون أن ينال أحد منهم أي أذى, وكان "جابان" كبير القادة المكلفين بتصفية المعسكر الإسلامي وكان يمني نفسه بأن يكون أمير العراق؛ لأنه أول من ثار على المسلمين عملاً بوعد رستم, ولما لم يقدر على تنفيذ خططه الشريرة بالفتك بالمسلمين شجعه حزنه وطمعه في الرياسة على الإقدام على مطاردة المسلمين حتى الصحراء لتدمير جيشهم الصغير الذي لا يزيد على عشرة آلاف بعد انضمام المدد إليهم ومما شجعه على ذلك أيضًا موافقة الأمير "نرسي" المغرور على فكرة المطاردة تلك, فأرسلا إلى رستم يخبرانه بعزمهم وفي نفس الوقت يطلبان إمدادات جديدة لتكون سندًا لهم في تصفية القوات المسلمة بصحراء خفان.

نقل سلاح الاستخبارات الإسلامية الخبر للقائد "أبي عبيد" وذكروا ضخامة الجيش الفارسي وذلك قبل أن يشرع هذا الجيش بالتحرك إلى المسلمين وعندها قرر أبو عبيد ومعه المثنى مبادأة الفرس قبل أن يقبلوا عليهم, وكان جابان واثقًا من النصر فجيشه يجاوز المائة ألف وسلاحهم جيد مما جعله يسير بسرعة ولكن في نفس الوقت بلا حذر, وتحرك أبو عبيد بجيشه الصغير وعبأه جيدًا وسارع للصدام مع الفرس ليأخذ زمام الهجوم من يد القائد الفارسي جابان الذي وصل إلى منطقة النمارق وعسكر بها وعبأ جنده فلم يمهله أبو عبيد ومن معه, فوقع المسلمون كالصاعقة على جيش الفرس الذين أخذتهم الدهشة والذهول من هجوم المسلمين السريع والخاطف عليهم فحاولوا في بادئ الأمر مقاومة الصعقة ولكن ولات حين مناص, فقد كان المسلمون في هجومهم يتهافتون على الموت طمعًا في الشهادة, فلم يطق الفرس ذلك وأخذت صفوفهم في التصدع..

وحاول القائد "جابان" الانسحاب بشكل منظم ولكن الفوضى عمت جيشه بصورة كبيرة أدت في النهاية لوقوع جابان نفسه في الأسر عندما تخلى عنه حراسه وفروا عنه, فأسره رجلان من المسلمين, وكان جابان شيخًا متقدمًا في السن فزهدا المسلمان في قتله, واتفقا معه وهم لا يعرفانه على أخذ الفدية, وكان جابان يخاف القتل جدًّا فاشترط عليهما أن يعطيهما الجزية في خيمة القائد؛ لأنه يعرف أن العرب مشهورون بالوفاء بالعهد فوافقاه على شرطه, فلما دخلوا على أبي عبيد وأخبروه بالقصة قال: "أوفيا للرجل بعهده بعد دفع ما عليه". وكان أبو عبيد لا يعرف جابان وقبل أن يخرج جابان من خيمة أبي عبيد, جاء قوم من ربيعة فعرفوا جابان وقالوا لأبي عبيد: "هذا الملك جابان الذي لقينا بهذا الجمع", وأشاروا بقتله فقام أحد المسلمين اللذان أسر جابان وقال: "أسرته أنا وصاحبي من غير أمان", وهم بقتله فمنعه أبو عبيد من ذلك وقال لهم: "لا تفعل ما ترونني فاعلاً معاشر ربيعة أيؤمنه صاحبكم-وكان المسلم الآخر من قبيلة ربيعة- وأقتله أنا؟ معاذ الله من ذلك إني أخاف أن أقتله وقد أمنه رجل من المسلمين, المسلمون في التواد والتناصر كالجسد ما لزم بعضهم فقد لزمهم كلهم", فقالوا: "إنه الملك ", فقال أبو عبيد: " لا أغدر".

هكذا تكون أخلاق الإسلام وفرسان الإسلام التي جعلت الأعداء يشهدون والفضل ما شهد به الأعداء، ويقولون بأعلى صوت: "إن دولة الظلم ساعة ودولة العدل إلى قيام الساعة".

[1] في ذلك درس وعبرة لنا في عدم التهور والحكم على الأمور بعاطفية تفسد أكثر مما تصلح فالمثنى لم يتسرع ويدخل حرباً يعلم تمام العلم أنها خاسرة فكيف لتسعة آلاف أن يواجهوا نصف مليون مقاتل فالمسلم أسد عندما تكون المواجهة في صالحه وثعلب لا يترك عدوه ينال منه عندما يضطر إلى الثعلبة والحرب كما قال الحبيب خدعة وإنما نقول هذا للذين استعجلوا الصدام مع الباطل المنتفش قبل الأخذ بالأسباب وخاضوا حروباً خاسرة لا لشيء إلا لئلا يقال إنهم هربوا.

المصدر: موقع مفكرة الإسلام.

إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#83

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

موقعة الأنبار.. جسر الجمال


المكان: الأنبار - شمال غرب الحيرة - العراق

الموضوع: جيوش الإسلام بقيادة خالد بن الوليد تؤمن فتوحات العراق.

الأحداث:

بعد أن فتح الله تعالى معظم بلاد العراق للمسلمين وذلك في أربعين يومًا فقط حتى فتحت الحيرة عاصمة الفرس العربية وأهم مدينة بعد المدائن, جاء الأمر من الخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه لخالد بن الوليد بأن يتوجه لإنقاذ المسلمين المحاصرين في دومة الجندل وكان خالد تواقًا لأن يهجم على المدائن لينهي الوجود الفارسي في العراق ولكنه امتثل لأوامر قائده العام الخليفة أبي بكر..
ولكن خالد رأى أنه إذا توجه لإنقاذ المسلمين في دومة الجندل فإن ذلك سوف يعرض المسلمين في الحيرة لخطر داهم, خاصة في ظل وجود قوات فارسية ضخمة ترابط في منطقة الأنبار وعين التمر, لذلك قرر خالد مهاجمة تلك المنطقتين وإزالة ما بهما من حاميات فارسية وذلك وهو في طريقه لإنقاذ المسلمين بدومة الجندل ورأى خالد أن يبدأ بمدينة الأنبار أولاً.
لم يكن خالد من القواد الذين ينتظرون المفاجآت بل كان يعمل دائمًا على بث عيونه واستخباراته قبل خوض أي معركة وهو ما يسمى في الجيوش الحديثة بـ "سلاح الاستطلاع" وهو يعد من أهم أسلحة الجيوش وقد نقلت استخبارات خالد له شكل المدينة وحالها وموقفها التحصيني وكانت المدينة شديدة التحصين, مما يجعل مسألة السيطرة عليها ليست سهلة وذلك لسببين الأول موقع هذه المدينة على الشاطئ الشرقي لنهر الفرات وهذا يجعل بين الفرس والمسلمين حاجزًا مائيًا يهابه المسلمون..
الثاني وجود أسوار منيعة حول المدينة, ذلك بالإضافة لوجود خندق عميق يحيط بالمدينة من كل ناحية وكان أهل هذه المدينة عامتهم من النصارى عليهم قائد فارسي عاقل هو "شيرازاذ" في حين أن خالدًا قد عين قائدًا له على جيشه في هذه المعركة 'الأقرع بن حابس' رغم أنه ليس من السابقين ولكنه صاحب كفاءة حربية ممتازة.
بدأ خالد يزحف بجيشه الصغير على هذه المدينة الحصينة فبدأ أولاً باجتياز نهر الفرات على الرغم من فيضان مائه في هذا الوقت وكان الرعب مستوليًا على الفرس والمتنصرة فلم يجرؤ أي منهما على الخروج للقاء جيش المسلمين على الرغم من خبرتهم بالنهر عن المسلمين, ولكن سمعة خالد وفتوحاته السريعة والقوية في العراق جعلت الجميع في حالة من الرعب الشديد..
وبعد أن عبر المسلمون كانت أول بوادر المقاومة هي قيام مجموعة من أهل المدينة برشق المسلمين بالسهام من على أسوار المدينة وكان هذا الرمي وبالاً عليهم إذ كشف خالد من خلاله أن هؤلاء المحاربين سذج لا يعرفون شيئًا عن علم الحرب والرمي فأمر كتيبة الرماة في جيشه -وكانوا من أمهر رماة العرب- برمي المحاربين رشقًا واحدًا كثيفًا على أن يوجهوا سهامهم إلى عيون هؤلاء المحاربين وبالفعل انطلقت السهام دفعة واحدة وكأنها لكثافتها كسرب من الطير فأصابت هدفها بدقة فقأت هذه السهام قرابة الألف عين فسميت هذه المعركة "ذات العيون", فصاح أهل المدينة: "ذهبت عيون أهل الأنبار", وصاحوا وماجوا وعمتهم الفوضى فسأل القائد الفارسي عما حدث, فلما علم أسرع لعقد صلح مع خالد ولكنه اشترط شروطًا تختلف مع شروط الإسلام في الحرب فلم يوافق خالد.
كان الخندق المائي يمثل مشكلة حقيقية أمام جيش المسلمين فالخندق عميق ويحيط بالمدينة من كل الجوانب ولكن ذلك لم يكن ليمنع الأسد الضاري خالد صاحب العقلية العسكرية الفذة حيث قام بالدوران حول سور المدينة لدراسة هذا الخندق جيدًا حتى وقف عند نقطة معينة في الخندق وتفتق ذهنه عن فكرة عبقرية حيث وقف على أضيق نقطة في الخندق وأمر بذبح كل الجمال الهزيلة والمريضة وإلقائها عند هذه النقطة فردم تلك النقطة وصنع جسرًا من الجمال استطاع الجيش المسلم أن يعبر عليه بسهولة وأصبح الجيش المسلم محيطًا بأسوار المدينة استعدادًا لاقتحامها..
وعندما رأى القائد الفارسي"شيرازاد" ذلك سارع وعقد الصلح مع خالد بشروط الإسلام المعروفة على أن يخرج هو سالمًا بماله وعياله ويبلغ مأمنه, فوفى له خالد ذلك وبلغه مأمنه ودخل خالد وجيشه المدينة وأمن الناس على معايشهم.
عندما عاد القائد "شيرازاد" إلى القائد العام الفارسي للعراق "بهمن جاذويه" لامه بهمن بشدة على الصلح مع خالد والتنازل عن هذه المدينة الحصينة رغم ضخامة قواته وكان "شيرازاذ" عاقلاً فقال له: "إن هؤلاء القوم -يقصد أهل الأنبار- قد قضوا على أنفسهم بالهزيمة عندما رأوا جيش المسلمين وإذا قضى قوم لأنفسهم بالهزيمة كاد هذا القضاء أن يلزمهم", ففهم بهمن كلامه واقتنع به.

المصدر: موقع مفكرة الإسلام.


إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#84

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

معركة جالديران

د. خالد أحمد الشنتوت


معركة جالديران هي معركة وقعت في 23 أغسطس 1514 في جالديران بين قوات الدولة العثمانية بقيادة السلطان سليم ياوز الأول ضد قوات الدولة الصفوية بقيادة إسماعيل الأول. انتهت بانتصار القوات العثمانية واحتلالها مدينة تبريز عاصمة الدولة الصفوية، وأدت إلى وقف التوسع الصفوي لمدة قرن من الزمان وجعلت العثمانيين سادة الموقف، وأنهت ثورات العلويين داخل الإمبراطورية. وترتب على المعركة بالإضافة إلى الاستيلاء على تبريز عاصمة الدولة الصفوية، سيطرة السلطان العثماني على مناطق من عراق العجم وأذربيجان ومناطق الأكراد وشمال عراق العرب، ثم توجهه صوب الشام حيث أكمل انتصاراته على المماليك حلفاء الصفويين بمعركة مرج دابق.
كانت كفة المعركة منذ البداية لصالح الجيش العثماني فقد كانوا أكثر عددا وأفضل تسليحا من الصفويين, وقد أصيب الشاه إسماعيل حتى كاد أن يقضى عليه لولا فراره من المعركة تاركا كل ما يملكه لقمة سائغة لسليم وجنده, كما وقعت زوجته في أسر القوات العثمانية[6] ولم يقبل السلطان أن يردها لزوجها بل زوجها لأحد كاتبي يده انتقاما من الشاه[7].

البداية

حينما فرض الشاه إسماعيل المذهب الشيعي على شعبه, وأعلنه مذهبا رسميا للدولة في إيران, وكانت ردود الفعل عنيفة خاصة وأن كثيرا من سكان المدن الرئيسية في إيران مثل تبريز كانواسنة[8]. فقام باستمالة قبائل القزلباش التركية العلوية المذهب إلى جانبه مما جعلهم عماد جيشه, وهي كانت بالأساس متذمرة من التدابير المالية والإدارية العثمانية بل وهيأت السبيل لحدوث اضطرابات كبيرة في الأناضول[9] مما جعله يعتمد عليهم بالقضاء على جميع معارضيه وفرض المذهب الشيعي بالقوة, فقضى على دولة آق قويونلو وقد كانت تشكل حاجزا بينه وبين العثمانيين. فباتت الدويلات الكردية والقبائل التركية في جبال طوروس الصغرى, والأقليات المسيحية في أرمينية كلها من ممتلكات الشاه حسب ادعائهم[10]. حتى احتل بغداد عام 1508 فهدم ما كان فيها من قبور أئمة سنة وذبح جماعة من علمائهم, فسرت شائعة في البلاد التركية بأن مذبحة عظيمة أصابت السنة ببغداد على يد الصفويين[11].
في هذه الفترة اتسمت العلاقات بين الصفويين والعثمانيين بالفتور، فمنذ بداية تسلم السلطان سليم الحكم وصله سفراء البندقية والمجر ومصر وروسية لتقديم التهاني له وأبرم معهم جميعا هدنة لمدد طويلة[12] ولم يصله سفير من إيران, فأدرك الجميع في هذا الوقت بالذات أن الحرب ستقع بين سليم وخصمه الشاه إسماعيل[13]. وكان سليم الأول ينظر بعين الارتياب إلى تحركات الصفويين، لاسيما بعد إرسال الشاه إسماعيل وفدا ضخما إلى قانصوه الغوري سلطان مصر ضم 200 عبد لإبلاغه عن تلك الحرب المتوقعة ودعوته للتحالف معه ضد السلطان سليم[14], بين له إنه إن لم يتفقا حاربت الدولة العثمانية كلا منهما على حدة وقهرته وسلبت أملاكه[15], فعزم على مهاجمة خصمه الصفوي وتسديد ضربة قوية قبل أن يستعد للنزال. لذلك أرسل هو الآخر وفدا إلى المماليك دعاهم إلى التحالف, لكن بعد مباحثات طويلة آثر المماليك التزام الحياد[16], وإن كانوا يميلون لجانب الصفويين.

الاستعدادات للمعركة ( الاستعداد الداخلي)

بعدما فرغ السلطان سليم من مشاكله مع إخوته، وعقد الصلح مع جيرانه الأوربيين لا سيما مع المجر. أمر بحصر عدد الشيعة المنتشرين في الولايات المتاخمة لبلاد العجم بشرق الأناضول وقتلهم جميعا ويقال إن عددهم حوالي 40 ألفا من القزلباش[17] ردًا على مجازر الصفويين للسنة بالعراق وتبريز وأذربيجان،[18] وحتى يقضي على أي تمرد قد يحدث مستقبلا.
ثم جمع السلطان سليم الأول رجال الحرب والعلماء والوزراء في مدينة أدرنة في (19 من المحرم 920هـ= 16 من شهر مارس 1514م)، وذكر لهم خطورة إسماعيل الصفوي في إيران، وأنه اعتدى على حدود الدولة العثمانية، وأنه عامل بعنصرية في دولته أهل السنة والجماعة في وسط آسيا والهند وأفغانستان ويجب الذب عن إخوانهم في تركيا والعراق ومصر. ولهذا يرى ضرورة الجهاد المقدس ضد الدولة الصفوية[19]. ولم يجد السلطان العثماني صعوبة في إقناع الحاضرين بضرورة محاربة الصفويين، وخرج بعد 3 أيام من هذا الاجتماع على رأس جيش كبير من أدرنة إلى إسطانبول متجها إلى الأناضول الشرقي فتبريز بعد أن أوكل أمر إستانبول لابنه سليمان[20].

الاستعداد الخارجي

أراد سليم منذ بداية حكمه الهدوء التام على الجبهة الغربية، وهذا الهدوء تمثل في علاقاته الدبلوماسية المستقرة مع الدول المجاورة له وهم النمسا وهنغاريا وروسيا[21] لم ينس السلطان سليم وهو في طريقه إلى الحرب أن يكتب إلى عبيد الله خان الأوزبك يذكره بقتل عمه شيباني، ويحثه على الانتقام من إسماعيل الصفوي، ويعلمه عن النوايا بالتحرك ضد إيران, ويوصيه بمهاجمة خراسانبمجرد وصول الجيش العثماني إلى إيران، وكان هدف سليم من ذلك أن يجعل إيران بين شقي الرحى من الغرب بهجومه، ومن الشرق بهجوم عبيد الله خان على خراسان. فكان رد عبيد الله خان علىسفارة السلطان بعد أشهر بسفارة أخرى, يعلمه بالموافقة وأنه انتصر على القوات الصفوية في سمرقند[22].

المسير إلى جالديران

تحرك السلطان سليم على رأس جيش يبلغ عدده مائة وأربعين ألف مقاتل من مدينة "أدرنة" في 22 من المحرم 920هـ= 19 من مارس 1514م, فسار بجيشه حتى وصل قونية في 7 من ربيع الآخر 920= 1 من يونيو 1514م, فاستراح لمدة ثلاثة أيام، ثم واصل سيره حتى وصل آرزنجان في أول جمادى الآخرة 920 هـ= 24 من يوليو 1514م، ثم واصل المسير نحو أرضروم، فبلغها في 13 من جمادى الآخرة 920 هـ= 5 من أغسطس 1514. وحين وصل إلى مشارف قيصرية, بعث برسوله إلى علاء الدولة ذلقادر حاكم مرعش وألبستان, طالبا منه المساهمة في حرب الصفويين, لكن علاء الدولة اختلق الأعذار في عدم المجيء إليه, متعللا بكبر سنه وإنه لا يستطيع القيام بأي مجهود لكونه تحت الحماية المملوكية. وماإن مضى السلطان في طريقه حتى هاجم علاء الدولة ساقة الجيش بإيعاز من السلطان قانصوه الغوري[23]. وبسبب ذلك ترك السلطان سليم 40 ألفا من جنده ما بين سيواس وقيصرية, للحفاظ على الأمن بالأناضول من أي اختراق قد يحصل من أي جهة من الجهات التي تنافسه, ولحماية مؤخرة الجيش من أنصار الشاه وقوات ذلقادر[24], مع ذلك فالسلطان لم ينس فعلة ذلقادر فانتقم منه عند عودته[25].

مراسلات السلطان

قبل وصوله لجالديران أرسل السلطان إلى قانصوه الغوري رسالة فيها تهديد مبطن يخبره بأن الدولة الصفوية غدت قاب قوسين أو أدنى من الزوال[26].
وقد تبادل مع الشاه إسماعيل عدة رسائل. ففي 23 محرم 920 هـ الموافق 19 مارس 1514 أرسل رسالة بالفارسية من إسكدار مع من يدعى قليج بعد أن تحرك قاصدا بلاد فارس[27], ثم أرسل رسالة أخرى بالفارسية من ازميد في شهر صفر 920 هـ إلى الشاه مفادها:
...إن علماءنا ورجال القانون قد حكموا عليك بالقصاص يا إسماعيل, بصفتك مرتدا, وأوجبوا على كل مسلم حقيقي أن يدافع عن دينه, وأن يحطم الهراطقة في شخصك, أنت وأتباعك البلهاء, ولكن قبل أن تبدأ الحرب معكم فإننا ندعوكم لحظيرة الدين الصحيح قبل أن نشهر سيوفنا وزيادة على ذلك فإنه يجب عليك أن تتخلى عن الأقاليم التي اغتصبتها منا اغتصابا, ونحن حينئذ على استعداد لتأمين سلامتك...[28]
وأرسل مع رسالته خرقة ومسبحة وكشكولا وعصا رمز فرق الدراويش يذكره بأصله, فكان رد إسماعيل شاه على هذا الخطاب بأن أرسل إليه هدية عبارة عن علبة من الذهب مليئة بالأفيون قائلا: أعتقد أن هذا الخطاب كتب تحت تأثير المخدر[28][29][30].
وجاء في خطاب آخر أرسله يقول فيه:
... أنا زعيم وسلطان آل عثمان، أنا سيد فرسان هذا الزمان، أنا الجامع بين شجاعة وبأس افريدون الحائز لعز الإسكندر, والمتصف بعدل كسرى, أنا كاسر الأصنام ومبيد أعداء الإسلام, أنا خوف الظالمين وفزع الجبارين المتكبرين، أنا الذي تذل أمامه الملوك المتصفون بالكبر والجبروت, وتتحكم لدى قوتي صوالج العزة والعظموت, أنا الملك الهمام السلطان سليم خان ابن السلطان الأعظم مراد خان, أتنازل بتوجيه إليك أيها الأمير إسماعيل, يا زعيم الجنود الفارسية... ولما كنت مسلما من خاصة المسلمين وسلطانا لجماعة المؤمنين السنيين الموحدين... وإذ أفتى العلماء والفقهاء الذين بين ظهرانينا بوجوب قتلك ومقاتلة قومك فقد حق علينا أن ننشط لحربك ونخلص الناس من شرك..[31]
مع ذلك لم يبد إسماعيل الصفوي حماسا للمعركة بسبب التفوق العددي، وحاول أن يتجنب ملاقاة العثمانيين فأرسل إليه بطلب الهدنة وتجديد علاقات السلم والصداقة بين الدولتين[32], فلم يقبل سليم وقتل الرسول وأرسل إليه برسالة إعلان الحرب بشكل رسمي يقول فيها وباللغة التركية:

إن كنت رجلا فلاقني في الميدان, ولن نمل انتظارك.[33]


وأرفقها بمجموعة من الألبسة النسائية والعطور وأدوات الزينة وذلك استهزاء بشخص الشاه لتهربه وتقاعسه من المسير إليه ويستعجله بالحرب[34][35], وهو ما حدا بالشاه إسماعيل بقبول التحدي وواعده بجالديران قائلا له:

وأنا أيضا أعد العدةللحرب [36]


وبدأت حرب استطلاع بين الطرفين, وبدأ سليم بالتحرك وعسكر في صحراء ياس جمن على مقربة من جالديران, ووصلته الأنباء التي أتت بها عيونه وجواسيسه تقول: إن الشاه إسماعيل الصفوي لا ينوي القتال وإنه يؤخره إلى أن يحل الشتاء كي يهلك العثمانيون بردا وجوعا.

المعركة

أسرع السلطان سليم بالمسير إلى جالديران بعدما علم أن الشاه على وشك الوصول إليها, وقد وصلها في أغسطس 1514 واحتل المواقع الهامة بها واعتلى الأماكن الهضبية فيها, مما مكنه من السيطرة على مجرى المعركة بعد ذلك[37].
في صبيحة يوم الأربعاء 2 رجب 920 هـ/ الموافق 23 أغسطس 1514 م, كان الطرفان قد أعدا العدة للحرب واصطفا استعدادا لبدء المعركة. وما إن أعلنت ساعة البدء حتى هدرت المدافع العثمانية وتعالت أصوات الجند من كلا الفريقين. وبعد معركة حامية الوطيس, انتصر العثمانيون بمساعدة الطوبجية (رماة البنادق), وانكسر جيش القزلباش وسقط أقوى قادته محمد خان استاجلو صريعا في أرض المعركة ووقع الكثير من قادته بالأسر, وأسرت أيضا إحدى زوجاته وتسمى تاجلو خانم[38], فلم يقبل السلطان أن يردها لزوجها بل زوجها لأحد كتابه تشفيا بالشاه, وأما الشاه فقد جرح في ذراعه وفر من المعركة متجها صوب تبريز بعد أن أنقذه أحد ضباطه ويدعى ميرزا سلطان علي من الأسر, مما حدا السلطان بأمر قائده أحمد باشا دوقاقين أوغلو بتعقب الشاه, الأمر الذي جعله يترك تبريز ويلوذ بخوي[39][40][41]. أما من وقع بالأسر من قوات الشاه إسماعيل، فقد أمر السلطان بإعدامهم جميعا، وأن يصنع من جماجم القتلى هرم لينصب في ساحة المعركة[42].
وذكر الدكتور حسن كريم الجاف بأن المقاتلين الأكراد كان لهم دورا مهما في المعركة، وذلك بأن جمعا منهم قد تركوا صفوف الجيش الصفوي وانحازوا إلى العثمانيين بسبب الظلم الذي وقع عليهم تحت يد قوات القزلباش بسبب انتمائهم للمذهب السني، وقد كافئ السلطان سليم بعد المعركة الأكراد بإعطائهم الحكم الذاتي لمناطقهم، واعترف بإماراتهم[42].

ما بعد المعركة

دخل السلطان سليم مدينة تبريز بتاريخ 16 رجب 920 هـ واستولى على خزائن الشاه, ولكنه لم يستطع التقدم أكثر من ذلك, فقد لقي معارضة شديدة من أمراء جيشه, وكان المحرض الأول لهم قاضي عسكر الإنكشارية جعفر چلبي, الذي أعدمه السلطان بعد رجوعه إلى الأستانة، وأعدم معه قواد الجيش الذين كانوا سببا في عدم تقدم الجيش ضد الصفويين، ليكونوا عبرة لمن بعدهم. ورغم ذلك فقد كانت الظروف غير مواتية بسبب قلة المؤن لديه, وخلو تبريز من الأطعمة لجيشه الضخم حيث أحرق جنود القزلباش المنسحبين من المعركة وبأمر من الشاه إسماعيل جميع المؤن والأرزاق والمحصولات الزراعية في تبريز وضواحيها[42], ثم حلول فصل الشتاء عليهم، وعدم وجود الألبسة الملائمة لجنده لهذا الفصل[43][44]. وكذلك أثرت الغارات الليلية الي كان يشنها جنود القزلباش على القوات العثمانية، ودخولهم تبريز لخطف وقتل الجنود العثمانيين[42][45], لذلك فقد قرر إخلاء المدينة بعد اسبوع فقط من احتلالها ناقلا معه آلافا من أبرز تجارها وحرفييها وعلمائها إلى الأستانة. وكانت تلك عادتهم وعادة المغول من قبلهم في كل بلدة يحتلونها[46].

التوسع ما بعد جالديران

وترتب على انتصار سليم الأول أن نهض رؤساء كردستان -وكانوا من السنة- لمساندة العثمانيين وأعلنوا ولاءهم له، ولم يمض وقت طويل حتى انضمت 23 مدينة للحكم العثماني, على الرغم من الاستحكامات العسكرية التي أقامها الصفويون بها, فعقد السلطان معهم اتفاقية صداقة وتحالف وذلك بفضل جهود الشيخ إدريس البدليسي[47][48] والذي نصبه السلطان كمفوض للإدارة الأهلية بتلك الأقاليم كمكافأة لما قدمه من خدمات للسلطنة.
توسع العثمانيون فضموا إليهم أرمينيا وسائر مدن كردستان من ديار بكر وماردين والموصل وسنجار وحصن كيفا والعمادية وجزيرة ابن عمر[49] حتى أصبح الجزء الأكبر من مناطق الأكراد سواء بالعراق أو بإيران في يد العثمانيين، وأصبح الصفويون وجها لوجه مع العثمانيين، فبات من الصعب عليهم التوسع على حساب العثمانيين.

آثار المعركة على العثمانيين

مكنت تلك المعركة العثمانيين من التحكم بالطرق الرئيسية الإستراتيجية من الأناضول عبر القوقاز وسوريا وإيران[50], كما مكنتهم من تنظيم خطوط الدفاع والهجوم لتلك المناطق, وكذلك السيطرة على طرق التجارة العالمية وخاصة الحرير الفارسي من تبريز إلى حلب وبورصة وهو ما در عليهم دخلا مهما من المكوس المفروضة من تلك التجارة, وأخيرا فبسيطرته على المصدر الرئيسي لتجارة الرقيق في القوقاز أمكنه أن يضغط على المماليك من عدة اتجاهات خلال تلك الفترة المهمة[51].
• أدت معركة جالديران إلى تغيير الاستراتيجية التوسعية العثمانية، فبعدما كان اهتمامهم منصبا أساسا على أوروبا الشرقية اتجهوا نحو الاهتمام بالمشرق العربي وشمال إفريقيا. وكان من نتائج ذلك أن ضموا البلدان العربية الواحدة تلك الأخرى، في حين ضعف توسعهم في أوروبا.

أثار المعركة على الصفويين

• أدت معركة جالديران إلى اهتزاز صورة الشاه بالعراق مما أدى لانضمامها لاحقا للعثمانيين[52].
• وأدى أيضا انسحاب السلطان سليم القسري من تبريز إلى أن يستمر الشاه قويا داخل إيران. فقد استطاع الشاه أن يُلملم قواته, وأن يقوم ببعض المناوشات الخفيفة إبان انشغال السلطان في الشام ومصر[53].
• كان لسياسة الخنق الاقتصادي التي مارسها السلطان سليم ضد الصفويين أن جعلت الشاه يبحث عن حليف قوي, وقد توفر ذلك مع البرتغاليين النشطين بالبحار, فعقد معهم معاهدة عوضته خسارة بعض النقاط الإستراتيجية التي أخذها العثمانيون[54].


إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#85

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)


المصادر

1. Keegan & Wheatcroft, Who's Who in Military History, Routledge, 1996. p. 268
يقول فيها "توجه السلطان سليم شرقا مع 60000 جندي من الإنكشارية ويعتبرون من أفضل المشاة بآسيا وبالتساوي مع السيباهي وهم من الخيالة الشديدي الانضباط والعسكرية. [...] الجيش الأذري الخاضع للشاه إسماعيل يحتوي بالكامل من القبائل التركمانية المجندة مدعومة من الخيالة ولكن فيهم ضعف. وهم أقل من عدد من الترك, وقد كسرت قوتهم أمام الإنكشارية والذين اتخذوا مواقعهم الثابتة قبل بدء المعركة."
2. H.A.R. Gibb & H. Bowen, "Islamic society and the West", i/2, Oxford, 1957, p. 189
3. Roger M. Savory, دائرة المعارف الإسلامية, "صفويون", Online Edition 2005
4. اسلام اون لاين: جالديران.. الطريق إلى المشرق الإسلامي
5. أصول التاريخ العثماني. أحمد عبد الرحيم مصطفى. دار الشروق. القاهرة. ط3 2003.ص:79
6. دراسات في تاريخ العرب في العهد العثماني. الطبعة الأولى 2003 ISBN 9959-29-164-2 دار الكتب الوطنية/بنغازي ليبيا. ص:18 للدكتور فاضل بيات المحاضر بالجامعة الأردنية, نقلا عن معلومات مستقاة من مخطوطات عثمانية مذكورة بمراجع الكتاب.
7. تاريخ الدولة العلية العثمانية للأستاذ محمد فريد المحامي. دار الجيل ط 1977 ص:74
8. الدولة العثمانية عوامل النهوض والسقوط. للدكتور علي الصلابي| دار المعرفة بيروت|الطبعة الثانية 2005| ص:200 و 201
9. فاضل البيات ص:16
10. أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث. ستيفن لونكيرك (المفتش الإداري السابق في الحكومة العراقية). ونقله إلى العربية جعفر الخياط. ط. الخامسة 2004 ص:33
11. ستيفن لونكيرك ص:32
12. تاريخ الدولة العلية العثمانية|محمد فريد المحامي| ط 1977| ص: 73
13. فاضل بيات. ص:17
14. فاضل البيات ص:17، نقلا عن مخطوطة (هاممه ر, دولت عثمانية تاريخي, استانبول 1330, ج4، ص 112
15. محمد فريد المحامي ص:74
16. ابن إياس. بدائع الزهور: ورأى المماليك أنه من المناسب إرسال قوات إلى أطراف حلب لمرابطتها هناك
17. فاضل البيات ص: 17
18. علي الصلابي ص:201
19. علي الصلابي ص:202
20. عباس صباغ ص:129 نقلا عن هامر ف ب: تاريخ امبراطوري عثماني, ترجمة: ميرزا زكي علي مازندراني، به اهتمام: جمشيد كيان فر, تهران, 1367هـ
21. عادل صباغ. ص:128
22. تاريخ العلاقات العثمانية الإيرانية: الحرب والسلام بين العثمانيين والصفويين. للدكتور عباس إسماعيل صباغ المحاضر بجامعة بيروت العربية وجامعة الإمام الأوزاعي. دار النفائس. بيروت ط الأولى 1999 ص:128
23. عباس صباغ ص:129 نقلا عن V.Parry. A History of Ottoman Empire to 1730< Cambridge P:70. وراغب الطباخ: أعلام النبلاء في تاريخ حلب الشهباء, حلب, 1988, (3/103), وقد أرسل لقانصوه الغوري يخبره بما فعل علاء الدولة, فرد عليه الغوري بكتاب:" إن علاء الدولة عاص فإن ظفرت به فاقتله" وفي نفس الوقت أرسل إلى علاء الدولة يشكره على فعله ويغريه بالاستمرار بتصلبه تجاه العثمانيين.
24. عباس الصباغ ص:129
25. عباس الصباغ. ص:133 وذكر فيها أن السلطان انتدب عند عودته من جالديران صدره الأعظم وعلي بن شاهسوار (وهو ابن أخي علاء الدولة ذلقادر) لإنهاء غائلة علاء الدولة كرد انتقامي لفعلته قبل معركة جالديران, ولإتمام سيطرته على التخوم الشمالية للشام من جهة أخرى, ولم يعد الصدر الأعظم لسيده إلا بعد قتل ذلقادر بالمعركة
26. ابن اياس. بدائع الزهور في وقائع الدهور. القاهرة 1984 (ج4/ص384)
27. تاريخ الدولة العثمانية. د أحمد فؤاد متولي. القاهرة 2005
28. نقلا عن كتاب: جهود العثمانيين لإنقاذ الأندلس في مطلع العصر الحديث. د نبيل عبد الحي رضوان. مكتبة الطالب الجامعي. ط 1988. ص 435
29. تاريخ الدولة العثمانية. ص:186
30. فلسفة التاريخ العثماني. محمد جميل بيهم بيروت 1954. ص:115 ويقصد بهذا أن الولد كأبيه, فقد كان بايزيد الثاني يتعاطى الأفيون
31. فتح العثمانيين عدن وانتقال التوازن من البر إلى البحر. محمد عبد اللطيف البحراوي. دار التراث. ط 1979 القاهرة. ص: 113.
32. علي الصلابي. ص: 204
33. تاريخ الدولة العثمانية. د أحمد متولي ص:188 نقلا عن كتاب منشآت الملوك والسلاطين, لأحمد فريدون. مخطوط بمكتبة طوبقبو سراي تحت رقم R1960. ص:359
34. عباس صباغ. ص:130 نقلا عن المرجع الفارسي عبد الرضا هوشنك مهدوي. تاريخ روابط خارجي إيران. تهران 1369 هـ
35. في أصول التاريخ العثماني. أحمد مصطفى. يذكر فيها: كان الشاه إسماعيل يتجنب القتال هربا من تفوق قوات سليم وعازما على سحبه إلى الأراضي الجبلية حيث تمكنه طبيعة الأراضي ومشاكل التموين من موازنة القوتين, ولكن ضغط قبائل القزلباش التي أغضبها اتهام العثمانيين لهم بالجبن فطالبت بخوض غمار القتال.
36. أحمد فريدون. ص:357
37. علي الصلابي. ص:204
38. تاريخ الدولة العثمانية. د أحمد متولي ص:188
39. عباس صباغ ص:130
40. محمد جميل بيهم. العرب والترك في الصراع بين الشرق والغرب. بيروت 1957. ص:103
41. محمد فريد ص:74
42. موسوعة تاريخ إيران السياسي، ج:3 من بداية الدولة الصفوية إلى نهاية الدولة القاجارية.ص: 23-24 د حسن كريم الجاف. الدار العربية للموسوعات. بيروت. ط:الأولى 2008م - 1428هـ
43. عباس صباغ. ص:130
44. فاضل بيات. ص:18
45. حبيب الله شاملوني: تاريخ إيران ازماد تابهلوي. ص:615 وذكر فيها: أن أهالي تبريز والقزلباش الموجودين فيها قد شكلوا خلايا سرية في منطقة شام غازان وكانت تغير ليلا على القوات الإنكشارية وتمعن فيهم تقتيلا.
46. الدكتور, محمد التونجي (2004). بلاد الشام إبان العهد العثماني. دار المعرفة. ISBN 9953-429-79-0. ‎
47. عباس صباغ ص:132
48. يذكر فاضل بيات عنه بأنه عالم ومؤرخ كردي, كان يعمل كاتبا في ديوان دولة الأقويونلي قبل سيطرة الصفويين, وبعد معركة جالديران دخل في خدمة الدولة العثمانية
49. نبذة في ذكر ملوك آل عثمان. مخطوط مجهول المؤلف موجود بمكتبة الأسد الوطنية. دمشق. رقم 8434. ص:51
50. أحمد عبد الرحيم مصطفى، في أصول التاريخ العثماني. ص:81
51. تاريخ الدولة العثمانية. أحمد فؤاد متولي. ص:194
52. تاريخ الدولة العلية. لمحمد فريد بيك. ص:90, ذكر فيها: دخل السلطان سليمان القانوني مدينة بغداد فاتحا إياها بدون حرب بتاريخ 24 جمادى الآخرة عام 941 هـ / 31 ديسمبر عام 1534
53. عباس الصباغ.ص: 134
54. علي الصلابي. ص:206
مراجع عربية
• الدكتور عباس إسماعيل صباغ، تاريخ العلاقات العثمانية الإيرانية الحرب والسلام بين العثمانيين والصفويين، دار النفائس.
• محمد فريد المحامي، تاريخ الدولة العلية العثمانية، دار الجيل.
• د فاضل بيات، دراسات في تاريخ العرب في العهد العثماني رؤية جديدة في ضوء الوثائق والمصادر العثمانية، دار المدار الإسلامي. ISBN 9959-29-164-2.
• د علي محمد الصلابي، الدولة العثمانية عوامل النهوض والسقوط دار المعرفة. بيروت. ISBN 9953-446-15-6
• سيد محمد السيد، دراسات في التاريخ العثماني، القاهرة.
• د.أحمد فؤاد متولي ود.هويدا محمد فهمي، تاريخ الدولة العثمانية منذ نشأتها حتى نهاية العصر الذهبي، كلية آداب عين شمس، ايتراك للنشر والتوزيع. القاهرة ISBN


عن موقع رابطة أدباء الشام

إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#86

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

اللواء محمد عكاشة يكشف أكذوبة صاحب الضربة الجوية الأولى


ثلاث عقود مضت ارتبطت حرب أكتوبر المجيدة في أذهان المصريين وبخاصة الشباب بالضربة الجوية الأولى وبالدور الذي لعبه الرئيس السابق حسني مبارك فيها، وطوال هذة السنوات لم يتح الإعلام الحكومي الفرصة لأحد لتعديل هذا المفهوم أو لإلقاء الضوء على دور مئات الآلوف من المقاتلين الذين شاركوا في حرب أكتوبر.
فما حقيقة الضربة الجوية بالضبط وما هو الدور الحقيقي الذي لعبه الرئيس السابق فيها؟

للحقيقة وللتاريخ توجهنا بهذة الأسئلة إلى اللواء طيار أركان حرب المتقاعد محمد ذكي عكاشة وهو أحد الطيارين القلائل الذين شاركوا في الحروب المصرية كافة منذ حرب اليمن وحتى حرب أكتوبر، كما أنه أحد الباحثين في التاريخ العسكري وله عدة كتب في تأريخ الحروب العربية الإسرائيلية خاصة.
بداية يقول اللواء محمد عكاشة أنه شعر بالصدمة حينما سأله أحد الشباب في ميدان التحرير عن حقيقة ما إذا كان مبارك بالفعل قد استقل طائرته وقاد القوات الجوية في حرب أكتوبر أو أنه كان صاحب أول قنبلة تلقى على إسرائيل!، مضيفا أن جيل الشباب وقع ضحية وسائل إعلام ومناهج تعليم خبيثة.
ويتابع بقوله أن حسني مبارك نفسه لا يستطيع ان يقول ان الضربة الجوية الأولى بدأت في السادس من أكتوبر فقد بذل الجنود والقادة العرق والدماء على مدى سنوات حتى تتحقق بهذا الشكل. فلا يمكن فهم الضربة الجوية الأولى دون إلقاء النظر على الهزيمة الفادحة التي تعرضت لها مصر في يونيو 1967 وهي الهزيمة التي خرجت القوات الجوية منها شبه منتهية حيث تم تدمير نحو 90 بالمائة من الطائرات المصرية ، لكن من حكمة الله تعالى ان عدد الشهداء من الطيارين لم يتجاوز 24 طيارا استشهدوا جميعا في الجو بعد قتال مرير في محاولات لإفشال العدوان الإسرائيلي في بطولات فردية منقطعة النظير لكن حجم الهزيمة لم يتح الفرصة لإبراز حجم هذة البطولات.
أحد هؤلاء كان هو الشهيد طيار فتحي سليم الذي خرج بتشكيله المقاتل في اليوم الثاني للعدوان فوق منطقة شرم الشيخ وتمكن من اسقاط طائرتين “نور أطلس” محملتين بنحو 120 جندي من جنود المظلات الإسرائيلي واشتبك مع تشكيل الحماية المعادي واسقط منهم طائرة، لكنه استشهد اثناء هبوطه بعد ان ارتطم بإحدى الحفر الناتجة عن القصف.
اذكر ذلك لأوكد على ان الطيران الذي اشير اليه بأصبع الإتهام في الهزيمة لم يكن مسئولا عنها، على العكس فقد ظُلم ظُلما بينا خاصة بعد الهزيمة وهو ما شكل ضغطا نفسيا رهيبا على الطيار المصري المقاتل الذي شعر بالإهانة البالغة لأن الطيار الإسرائيلي ليس أفضل منه في شئ .

وكيف تغلبتم على اثر هذة الهزيمة الساحقة؟

بعد هزيمة يونيو تخلصنا من اثار الهزيمة وتماسكنا بأسرع ما يمكن وبدأنا في مرحلة شاقة في غياب تام للدفاع الجوي، ولمدة ثلاثة أشهر وقع العبء على القوات الجوية لحماية سماء مصر ومطاراتها فكنا نقوم بعمل مظلات جوية لمدة 14 ساعة يوميا، وهو ما أدى لإرهاق وإجهاد كبير جدا للطيارين وعدم وجود وقت للتدريب لرفع الكفاءة فضلا عن تأثير هذا التحليق المتواصل على الطائرات ، مما دفع بالقيادة إلى الإكتفاء بتكثيف طياري ما يعرف بالحالة الأولى حيث يتم ربط الطيار داخل الطائرة في وضع الاستعداد على الممر للإنطلاق فورا في حالة الخطر.
وكان أول ظهور للقوات الجوية بعد الهزيمة يومي 14 و15 يوليو 1967 حين صدرت لنا الأوامر بضرب مواقع إسرائيلية في شرق القناة ، وكان لهذا الظهور اثر عظيم في قواتنا البرية التي كانت تظن ان قواتها الجوية قد انتهت.
بعد ذلك بدأت القوات الجوية الإسرائيلية في القيام بطلعات استطلاع على الجبهة المصرية، وكان من المطلوب وقتها ان نقوم نحن ايضا باستطلاع الضفة الشرقية لمعرفة اماكن تمركز العدو في الوقت الذي لم نكن نمتلك فيه اي طائرات استطلاع، وهنا ظهرت عبقرية المقاتل المصري حيث ابتكرنا اساليب مدهشة للإستطلاع ، أحد هذة الطرق كان ان تقوم طائرة هليكوبتر بالطيران على ارتفاع منخفض للغاية للهروب من مدفعيات العدو ومن باب الطائرة المفتوح يتدلى جندي من قسم التصوير ويقوم بتصوير المواقع يدويا بينما يمسك به زملائه من الداخل حتى لا يسقط!
لكن هذة الطريقة كانت برغم براعتها غير مجدية في استطلاع المواقع العميقة بسبب عدم قدرة الهليكوبتر على التحليق في عمق العدو ، وهنا ابتكر الجندي المصري وسيلة اخرى بحيث يتم رسم مسار ملاحي لإحدى الطائرات المقاتلة وكانت من طراز سوخوي ويقوم الطيار بحمل مسجل صوتي يدون فيه صوتيا ما يراه على المسار المرسوم له وبعد العودة يتم تفريغ هذا التسجيل وبمقارنة المسار والاحداثيات مع سرعة الطائرة المعروفة يمكن رسم صورة لما هو موجود بالفعل على الجبهة الاخرى.

وهل استمرت جهودكم في خانة الدفاع فقط؟

لا، ففي ديسمبر 68 ورغبة منا في كبح جماح العدو وسيطرته الجوية قمنا بكمين جوي بسيط عن طريق الدفع بطائرتين كطعم لسحب الطائرات الإسرائيلية إلى حيث تكمن اربعة طائرات اخرى على ارتفاع منخفض للغاية لتجنب الكشف الراداري . وتم تنفيذ هذا الكمين بقيادة اللواء ممدوح طليبة بشكل مبهر واسقطنا يومها اربع طائرات إسرائيلية دفعة واحدة وعادت طائراتنا كلها سالمة. وشكلت هذة العملية فرحة عارمة بين الطيارين وثقة بالنفس لا توصف.
وفي هذة المرحلة بدأنا في تدريب الطيارين بشكل جديد كليا مقارنة بما كان يتم قبل 67 حيث كان التدريب وقتها كلاسيكيا وفرديا وضعيفا في الوقت ذاته، فقد كان الطيار يطير نحو 6 ساعات شهريا ، وابان هزيمة يونيو كان هناك طيارين لم يطلقوا النار منذ سنة او سنة ونصف. وتبعا لنظام التدريب الجديد كان الطيار يطير 20 ساعة شهريا ويطلق النار من الطائرة 10 مرات شهريا وأدى كل هذا الى طفرة في مستوى وكفاءة الطيار المصري.
ومع بداية حرب الاستنزاف كانت القوات البرية وبخاصة قوات الصاعقة تخوض معارك عنيفة وبطولية إلى اقصى حد مع القوات الإسرائيلية وكانت تعبر إلى الضفة الشرقية فتدمر مواقع وتأسر جنود حتى وصل الأمر إلى العبور في “عز الظهر” لتنفيذ عملية “لسان بورتوفيق” الشهيرة التي تم فيها تدمير هذا الموقع تماما وقتل كل من فيه في العاشر من يوليو 1969.
في هذة المرحلة قررت إسرائيل الدفع بالطيران للضرب في الجبهة المصرية وكان ذلك في يوم 20 يوليو 1969 وضربت بورسعيد الساعة 2 ظهرا ، وبعد ساعتين صدرت لنا الأوامر بالهجوم على موقعين إسرائيليين في سيناء احدهما موقع شئون إدارية والاخر موقع لصواريخ الهوك التي كانت تشكل احدث تكنولوجيا في الترسانة الأمريكية في هذا الوقت ، وكان بإمكان هذا الصاروخ الانطلاق على ارتفاعات منخفضة جدا لا تتجاوز 30 متر وعلى جانبنا كانت الطائرات التي انطلقنا بها وهي الميج 17 مصنعة عام 1948!
لكن لإيماننا بقدرة الطيار المصري فقد انطلقت بالسرب في السادسة مساءا زحفا على ارتفاع 15 متر وعبرنا سيناء لأول مرة منذ عامين وبرغم هذا الارتفاع المنخفض جدا انطلق صاروخ الهوك علينا بالفعل ومر على بعد امتار من طائرتي ووصلنا للموقع ودمرناه كما تم اسقاط طائرتين اسرائيليتين من طراز ميراج بواسطة طائرات الميج 21 المصرية واستشهد لنا طيار واحد.
واستثمارا لهذا النجاح الكبير تم استغلال هذا التكتيك في تدمير هذا الموقع بالذات كلما اعيد بناءه ولمدة سنة كاملة نظرا لأنه كان يعوق دخول القوات الجوية المصرية من المحور الشمالي. وطوال هذا العام لم يتمكن العدو من التعامل مع هذا التكتيك لأنه كان محسوبا بالثانية حيث كان يتم تدمير الموقع في تسع دقائق بالضبط ثم تقوم طائراتنا بالدخول استغلالا لهذة الثغرة وضرب تمركزات العدو قبل ان يتم اعادة بناء الموقع والذي كان يستغرق 12 ساعة. واستمر هذا الوضع حتى وقف اطلاق النار في 8 أغسطس 70 بعد مبادرة روجرز. وبنهاية حرب الإستنزاف بدأنا التفرغ للتدريب المتواصل والتحضير لمعركة التحرير.

واين كان مبارك من كل هذا؟

نتيجة خلافات متراكمة بين قائد القوات الجوية في ذلك الوقت الفريق مدكور ابوالعز وبين وزير الدفاع الفريق اول محمد فوزي قرر الرئيس جمال عبد الناصر عزل قائد القوات الجوية الفريق مدكور أبو العز وإحالة 19 من قادة القوات الجوية إلى المعاش وتعيين ضابط برتبة اقل من وزير الدفاع في هذا المنصب، فتولى العميد مصطفى الحناوي قيادة القوات الجوية وتولى العميد علي بغدادي رئاسة الأركان.
ونتيجة لهذة المصادفة البحتة أصبح مبارك رقم 3 في القوات الجوية بعد أن كان رقم 22 وتولى في أكتوبر 1967 إدارة الكلية الجوية نتيجة جهوده المعروفة في الانضباط . في هذا الوقت كان مطلوبا من الكلية الجوية تخريج عدد كبير من الطيارين نتيجة العجز المتراكم منذ سنوات، كما ان مقر الكلية نُقل من بلبيس إلى ثلاث مقرات بديلة في امبابة والمنيا ومرسى مطروح بعيدا عن الجبهة . وفي هذا الوقت الحرج قام العميد حسني مبارك بدور هائل في ادارة الكلية من ثلاث مواقع فضلا عن التدريب المتواصل لتخريج الدفعات في اقصر وقت ممكن.
وفي مايو 1969 عُين العميد طيار محمد حسني مبارك رئيسا لأركان حرب القوات الجوية ليصبح الرجل المسئول عن العمليات طوال حرب الإستنزاف حيث لعب دورا جيدا جدا وسط الطيارين دعما وتشجيعا ومناقشة في نتائج الطلعات.
هل ترى ان مبارك هو صاحب الفضل الأول في هذة الحرب؟
بداية حرب أكتوبر 73 في رأيي ليست من أروع حروب التاريخ ولكنها بالفعل أروع وأعظم حرب في التاريخ ، لعدة أسباب علمية
أولا: فقد دخلنا المعركة في ظل تفوق إسرائيلي واضح في السلاح والتكنولوجيا ففي الوقت الذي كانت تمتلك فيه قوات العدو آخر ما انتجته العقول في الولايات المتحدة وفرنسا كنا نعاني من المعدات السوفيتية العتيقة.
ثانيا: القوات الإسرائيلية متحصنة بأقوى خط دفاعي عرفه التاريخ (خط بارليف) المكون من 35 نقطة حصينة بطول القناة عبارة عن قلعة لا يمكن اختراقها. هذا الخط قال عنه الخبراء السوفييت انه لا يمكن اختراقه الا بقنبلة ذرية.
ثالثا: هناك ايضا اصعب مانع مائي في العالم وهو قناة السويس.
رابعا: اسرائيل دولة نووية.
خامسا: اسرائيل تتلقى دعما أمريكيا مفتوحا.
لكن الإنسان المصري هو الذي تغلب على كل هذة الصعاب بأفكار مدهشة وعبقرية.. وهو نفسه الذي خاض هذة الحرب جنديا وقائدا ومدنيا ايضا.
بعد كل هذا لا يمكننا اختزال هذة المعزوفة السيمفونية في قرار او في ضربة جوية لأن هذا مجهود مئات الالوف ولا يمكننا حتى ان نقول ان فلانا هو الذي ادى اكبر او افضل دور. حينما نقول ان حرب أكتوبر هي الضربة الجوية الأولى فنحن بذلك نسطح الأمور جدا ونظلم حرب أكتوبر التي هي اعظم واكبر شأنا من مجرد ضربة جوية أولى.
حسنى مبارك قام بأعمال جيدة ولاشك لكن اخطاءه العسكرية كانت فادحة ايضا وان كان هذا ليس الوقت المناسب للحديث عنها.
والضربة الجوية الأولى لم تكن من تصميم او تخطيط حسني مبارك وإنما قام بالتخطيط لها فرع العمليات بأكمله برئاسة اللواء طيار محمد شبانة رحمه الله.
والاعلام الساذج الخبيث نفسه حينما يتحدث عن الضربة الجوية الأولى فهو ينسب الفضل إلى غير أهله ويتناسى جهود جنود عظام فالضربة الجوية الأولى قام بها 6 الاف فرد بينهم 200 طيار و500 مهندس و5000 ميكانيكي ، وهناك من قام بأضعاف الجهد الذي قام به مبارك لكن احدا لا يذكرهم على الاطلاق.
فعلى سبيل المثال المهندس اللواء جمال محمد علي رئيس الهيئة الهندسية التي قامت ببناء كمية تفوق الخيال من المباني طوال السنوات الست التي سبقت الحرب ضمت بناء مطارات جديدة بالكامل وتطوير المطارات القديمة وبناء دشم حماية الطائرات في كل المطارت ، وهذة الدشم كانت فكرة مصرية خالصة عبارة عن غرفة اسمنتية لحماية الطائرات قام ببناءها المهندسين والعمال المصريين بينهم اولاد وبنات في عمر الزهور رأيناهم بأعيننا .. ألم يشارك هؤلاء في حرب أكتوبر؟ وقد كان نتيجة عملهم ان القوات الإسرائيلية لم تستطع تدمير طائرة واحدة على الأرض.
اللواء محمد علي فهمي قائد قوات الدفاع الجوي الذي استطاع في ليلة واحدة ان ينقل كل وحداته الى القناة بطول 180 كيلو متر.
اللواء محمود فهمي قائد القوات البحرية الذي لم يحضر للأسف حرب أكتوبر نتيجة ابعاده في اكتوبر 1972. هذا الرجل هو الذي صنع تاريخ القوات البحرية بالعمليات التي اشرف على تنفيذها بنفسه خلال حرب الاستنزاف ومنها عمليات ايلات المشهورة.
فصائل المهندسين العسكريين الذين قاموا بتجريف الساتر الترابي بمدافع المياه وهي الفكرة التي ابتكرها المهندس باقي ذكي يوسف.
هناك ايضا اللواء ابراهيم شكيب الذي ابتكر فكرة سد فتحات النابالم تحت مياة القناة.
وقبل كل هؤلاء لا يمكن ان ننسى مهندس هذة الحرب العظيمة الفريق سعدالدين الشاذلي رحمه الله الذي اهين ومحيت ذكراه عمدا. هذا الرجل الذي ظل يعد لكل تفصيلة دقيقة من الحرب على مدى ثلاث سنوات.
فاختزال حرب أكتوبر في الضربة الجوية الأولى يغطى على اعمال كل هؤلاء.

كيف ترد على من يقول أنه يكفي الرئيس مبارك أنه جنب مصر خطر الحروب على مدى ثلاثين عاما؟

الحرب ليست كلها شر ففيها خير كثير جدا فالتقدم العلمي كله كان نتاج للحروب فالقنبلة الذرية ظهرت نتيجة للحرب، ولو كنا حاربنا خلال الثلاثين سنة الماضية كنا على الاقل سنموت بشكل كريم لا ان نموت في عبّارة او بفيرس سي او في قطار مشتعل.

هل كنت تتوقع ما فعله الشباب في ثورة يناير؟

فوجئت طبعا بما فعله الشباب، وأرى ان هذة الثورة تقف على قدم وساق مع حرب أكتوبر فنحن حررنا الأرض لكن ارادة الوطن لم تتحرر واختطف الوطن منا للأسف بواسطة رجال اعمال وامن وعصابات ، فهؤلاء الثائرين اعادوا الوطن المخطوف.

عن موقع المؤرخ

إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#87

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)


غزوة الأحزاب .. قراءة معاصرة

سلام عبد التواب

لا شك أن قراءة السيرة لا بد أن ترتبط بالتعلم من دروسها؛ ذلك لأن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم:
أولاً: جزء من سنته التي أمرنا الله -عزَّ وجلَّ- باتباعها.
وثانيًا: لأنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم قد مَرَّ في جهاده من أجل إعلاء كلمة الله تعالى، وإنشاء الدولة الإسلامية الأولى بكل ما يمكن أن تمر به الأمة في سعيها نحو إعادة تمكين الشريعة الإسلامية، وإقامة دولة الخلافة من جديد، وتحقيق مفهوم الأمة الواحدة كما أراد الله تعالى.

من هنا فإن قراءة أحداث السيرة بمفهوم عصري، أي إسقاط الأحداث على ما يجري حاليًّا هي خطوة ضرورية لفهم ما يجري، وما يمكن أن يحدث بعد ذلك
ومن ثَمَّ يمكننا من خلال إعادة قراءة أحداث غزوة الأحزاب فَهْم ما جرى في غزة، وما يحدث في المنطقة.
لقد كانت صدمة المشركين في غزوة بدر 2هـ ضخمة؛ إذ لم يتوقعوا أن تُهزَم جحافلهم المدججججججججججججة بجميع أنواع الأسلحة من ثلث عددها الذين لا يحملون إلا السيوف، وكذلك كانت صدمة اليهود في المدينة المنورة الذين كانوا يتابعون الأحداث بعد أن قبلوا مضطرين إلى القبول بالمعاهدات مع النبي صلى الله عليه وسلم، آملين أن تتغلب قوى الشرك على دولة الإسلام الوليدة.
من هنا قامت قريش بالاستعداد لغزوة أُحُد التي جرت في العام التالي 3هـ، وكان النصر متراوحًا بين المسلمين في بداية المعركة، والمشركين في نهايتها بعد مخالفة أغلب الرماة الشهير لأوامر النبي صلى الله عليه وسلم.
هدأت قريش قليلاً بعد هذه المعركة؛ فقد حققت شبه انتصار حاولت أن تجد فيه سلوى وتعويضًا عن هزيمة بدر، وسكنت جراحها شيئًا ما، وإن لم تندمل تمامًا، ولكن كان هناك من كان قلقهم يتعاظم من ترسخ وجود دولة الإسلام، وهم اليهود.

اليهود يحركون قوى الكفر:
لقد وجد اليهود -وخاصة يهود بني النضير الذين طردهم النبي صلى الله عليه وسلم إثر بعض خياناتهم- أن تعاظم قوة الدولة المسلمة ليس في صالحهم، ولا يخدم أهدافهم الإستراتيجية المتمثلة في القضاء على الفكرة الإسلامية من الأساس، والسيطرة على المدينة المنورة كبداية من خلال إثارة الحروب والنزاعات بين الأوس والخزرج، ثم السيطرة على بقية الجزيرة العربية وقبائلها من خلال ترسيخ أنهم أفضل من بقية العرب لأنهم أهل كتاب، ومن خلال سيطرتهم على المال، والسلاح، واستخدام الربا في السيطرة على الأفراد والزعماء، واستخدام الجنس وإشاعة الفاحشة كذلك.

من هنا بدأ اليهود وقد أقلقهم مرور الأيام والشهور دون حروب من قريش ضد المسلمين، فبدءوا في إرسال وفود إلى قبائل العرب تدعوهم وتحرضهم على ضرب الوجود الإسلامي في المدينة المنورة ضربة تجتثه تمامًا، وتقضي عليه، وكان على رأس الوفود حُيَيُّ بن أخطب سيِّد بني النضير.

التحريض:
بدأت تلك الوفود بقريش -لأنها صاحبة العداوة الأولى والمصلحة المباشرة في القضاء على الإسلام- وبدأ الوفد يحرض قادتها، وبالتأكيد قد قالوا لهم: إن استمرار وجود المسلمين قد أفقدكم هيبتكم، ويوشك أن يقضي على مصالحكم باعتباركم سدنة بيت الله الحرام، والمتحكمين في زوَّاره، والمستفيدين من موسم الحج بالتجارة، وبيع الأصنام، وقد كانت العرب تدين لكم بالطاعة، أما إن استمر المسلمون فسيدخل الجميع في الإسلام، وتفقدون كل شيء.
واقتنعت قريش بالأمر، ورغم صلات القربى التي تجمع أفرادها بالمسلمين إلا أن الكيد اليهودي آتى ثماره، وأخذت المراجل تغلي في الصدور تشوقًا لليوم الفصل، ولكن اليهود لم تكتفِ بقريش؛ فقد كانت تريد توجيه ضربة قاصمة للدولة الإسلامية لا تقوم بعدها أبدًا. ومِن ثَمَّ فقد جابت الجزيرة العربية تطلب التأييد من كل القبائل، بل تطلب المشاركة الكاملة في الحشد والقتال، والحصار الاقتصادي إن لزم الأمر.
استطاع اليهود إقناع القبائل بنفس ما أقنعوا به قريشًا، وتشكل الحشد العربي غير المسبوق -لا في مناصرة الحق، وذوي رحمهم من المسلمين، ولكن- من أجل إعلان الحرب الشاملة عليهم.
ولكن أدرك اليهود أنه لا بد من وجود مساعدة داخلية تسهل للحشد العدوان، وتحقيق الانتصار..
لا بد من عنصر خائن عميل يضرب المسلمين في ظهورهم بينما هم مطمئنون إليه، ووجدوا بغيتهم في يهود بني قريظة المرتبطين بمعاهدة مع النبي صلى الله عليه وسلم.
ولكن هل يقبل بنو قريظة أن يخونوا الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين؟
لقد رفضوا في البداية، ولكن حيي بن أخطب ظلَّ يحاول إقناع سيدهم كعب بن أسد القرظي، ويذكر له الحُلم اليهودي في السيطرة وامتطاء الأمم؛ حتى وافق كعب على شرط أنه إذا لم يستطع العرب الانتصار على المسلمين، وتركوا المدينة ورجعوا أن يدخل حيي بن أخطب مع بني قريظة، ويجري عليهم معًا ما سيجري لهم من عقاب الرسول صلى الله عليه وسلم.

وبقي في التخطيط المتكامل للعدوان إعداد الترتيبات التالية للغزو والانتصار؛ فلو تم الهدف من المعركة، وقُتِلَ الرسول صلى الله عليه وسلم، وأكابر الصحابة، ورجع الباقون عن الإسلام، أو خضعوا لسلطان المشركين؛ فمن سيتولى الأمر في المدينة؟
مَن السلطة التي ستتولى حكم المدينة تحت وصاية اليهود؟ وكان البديل متوافرًا في المنافقين، وعلى رأسهم عبد الله بن أُبَيّ بن سلول، ومن ثَمَّ اكتمل التخطيط.

كان اكتمال الحشد يحتاج لوقت طويل؛ فهذا اجتياح لم يسبق له مثيل، والهدف كبير، ولا بد من إعداد طويل قد يحتاج شهورًا؛ لذا لا بد من خداع المسلمين حتى لا يتنبهوا للأمر، فلا مانع إذن من التهدئة معهم؛ حتى يصرفوا فكرة الحرب والاستعداد لها من عقولهم.
ولكن على الجانب الآخر كان النبي صلى الله عليه وسلم مُتيقِّظًا؛ لذا أخبرته عيونه بما يُدَبَّر؛ فعقد مجلسًا تشاوريًّا خرج منه باقتراح سلمان الفارسي -رضي الله عنه- بحفر الخندق لحماية المدينة، ومنع المشركين من اقتحامها، وتم الحفر بمشاركة الرسول صلى الله عليه وسلم.

الحصار:
وتكون أكبر جيش عرفته الجزيرة العربية -عشرة آلاف مقاتل- ووصلت الجيوش المشركة، وعجزت أمام الخندق، وأمام العزائم الصلبة التي تحلَّى بها المسلمون، وبدأت محاولات اقتحام الخندق التي باءت بالفشل أمام بسالة المسلمين في الدفاع عنه.
انتهزت وسائل إعلام المنافقين فرصة الحصار والتضييق، وبدأت في العمل { هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيدًا * وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُورًا } [الأحزاب: 11، 12].
وبدءوا يحرضون المسلمين على الفرار من الخندق؛ { قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً } [الأحزاب: 18].
أمَّا المؤمنون فكان الحصار الشديد دافعًا لهم إلى زيادة الإيمان والتسليم؛
{ وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا }
[الأحزاب: 22] .
وجاهر بنو قريظة بالعداوة، وهم المحتلون للجبهة الجنوبية للمدينة، ويستطيعون تمكين المشركين من دخول المدينة من جهتهم، وأخذت وسائل إعلامهم تشوِّه صورة المسلمين، وتُظهرهم أنهم كانوا هم السبب فيما حدث من حصار للمدينة، وأن المدينة قبل مجيء الرسول والإسلام كانت آمنة مطمئنة؛ فلما أتوا أصابها الخطر، وتجمع العرب حولها يريدون تدميرها.

الانتصار:
لم يكن الله عزَّ وجلَّ ليترك المؤمنين على ما هم فيه من الحصار، ويُشْمِت بهم الأعداء، وما كان الله لينصر المشركين على دينه، ولكنه -سبحانه وتعالى- أراد أن يُعلِّمَنا درسًا جديدًا بليغًا في قواعد النصر والهزيمة؛ فليس معنى النصر دائمًا أن تقضي على عدوك تمامًا، أو أن تقتل منه عددًا كبيرًا، فقد تكون قواتك أقل عددًا وعُدَّة من قواته؛ لذا فحينها يكون صمودك أمام عدوك، وثباتك على دينك ومبدئك هو النصر، وسوف يُكمِل الله تعالى لك الباقي.
جاء نصر الله عزَّ وجلَّ في هذا الوقت بشكل جديد؛ فأرسل ريحًا كفأت قدور المشركين، واقتلعت خيامهم، وقذف الله في قلوبهم الرعب؛ فصاروا لا يستطيع الواحد منهم الخروج وحده، ولم يعودوا يحاولون اقتحام الخندق؛ حتى أيقنوا أنهم لا مقام لهم، فرجعوا خائبين لم يحققوا هدفهم { وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا * وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا * وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا } [ الأحزاب: 25-27].
ونحن قد شاهدنا النصر في غزة كما شاهده المسلمون في الخندق، ونرجو من الله استكمال النصر بإذنه، وأن يهزم اليهود ومن عاونهم، ويورثنا أرضهم، وديارهم وأموالهم، وأن يمكِّن لنا ديننا الذي ارتضى لنا،
{ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا } [الأحزاب: 27] .

عن موقع قصة الإسلام

إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#88

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

معركة قوص أوه (كوسوفو) الأولى


المكان: سهل كوسوفو - البلقان - وسط أوربا
الموضوع: العثمانيون بقيادة مراد الأول ينتصرون على الصرب انتصارًا مدويًا.

الأحداث:عندما أعلن الرئيس الصليبي الحاقد سلوبدان ميلوسوفيتش الصربي عن قيام دولة صربيا الكبرى في سنة 1989م بعد أن ضم إقليم كوسوفا المسلم لحدود دولته الصليبية قال في خطبته الشهيرة التي قالها بهذه المناسبة: "أستطيع أن أقول وبكل فخر الآن وبعد ستمائة سنة أن حرب كوسوفا قد انتهت", ولم يفطن المسلمون لمعنى تلك المقولة لغفلتهم عن تاريخ أمتهم التليد وأيضًا غفلتهم وللأسف الشديد عن البعد الديني في طبيعة الصراع بين المسلمين وغيرهم, فأعداء الإسلام على اختلاف رايتهم وعداوتهم فيما بينهم إلا أن الأمر إذا تعلق بالإسلام فلابد من التوحد عليه, وكتاب التاريخ به العديد من الصفحات الدالة على ذلك الأمر منها صفحتنا هذه.
عندما تولى السلطان مراد الأول أمر الدولة العثمانية سنة 761هـ عمل على توسيع رقعة الدولة العثمانية سواء من جهة الأناضول أم من جهة أوربا, ورأى أن يبدأ بالأناضول قبل أوربا لأنها أقرب وظل يعمل على توحيد الأناضول ودخل في صراع طويل مع أمراء الأناضول استمر حتى سنة 782هـ استخدم خلالها مراد الأول الطرق السلمية مثل مصاهرة الأمراء والتزوج ببناته وكان هدف مراد الأول من هذه المحاولات توحيد المسلمين لمنازلة أعداء الإسلام, ولما استقرت الأمور على الجبهة الداخلية التفت مراد الأول إلى أوربا ففتح أولاً مدينة أدرنة، وجعلها عاصمته لتكون نقطة التحرك والجهاد في أوربا, وظلت أدرنة هذه عاصمة للعثمانيين حتى فتحوا القسطنطينية سنة 857هـ, ثم قام مراد بعد ذلك بفتح مدينة فليبه "جنوبي بلغاريا اليوم", وفتح جمينا ووردار, وبذلك صارت القسطنطينية محاطة بالعثمانيين من كل جهة في أوربا.
خاف أمراء أوربا الذي يجاورون العثمانيين من المد العثماني فكتبوا إلى البابا يستنجدونه وذهب إمبراطور القسطنطينية إلى البابا وركع أمامه وقبل يديه ورجليه وطلب منه الدعم ضد المسلمين على الرغم من أن هذا أرثوذكسي والبابا كاثوليكي وبينهما عداوة شديدة واختلافات وبغضاء ولكنهما ضد الإسلام يتحدون.
وافق البابا على نصرة الإمبراطور بغضًا في الإسلام وليس حبًّا للإمبراطور, وأرسل البابا لملوك أوربا يطلب منهم الاستعداد لشن حرب صليبية جديدة لوقف المد الإسلامي في قلب أوربا وكأن البابا قد نكأ جرحًا غائرًا لم يندمل أبدًا فلم ينتظر ملك الصرب "أوروك الخامس" دعم البابا وانطلق تجاه مدينة أدرنة هو وأمراء البوسنة والأفلاق "جنوبي رومانيا" ومعه أعداد من فرسان المجر المرتزقة الذين رحبوا بالإغارة على المسلمين, وهجم الصليبيون مستغلين انشغال السلطان ببعض حروبه في الأناضول ولكن الحامية العثمانية في أوربا اصطدمت بهم عند نهر مارتيزا الذي يمر بأدرنة وهزمتهم هزيمة منكرة فولوا الأدبار.
اتفق ملك الصرب "أوروك الخامس" واسمه لازار مع أمير البلغار "سيسمان" على عمل حلف صليبي يكون قاعدة هجومية على العثمانيين في أوربا وبدءوا عدوانهم برفض دفع الجزية المقررة عليهم سنويًّا من هزيمتهم السابقة فاندفعت إليهم الجيوش العثمانية ففتحت بعض المدن الصربية في جنوبي يوغوسلافيا اليوم وتمكنت الجيوش من فتح مدينة صوفيا عام 784هـ بعد حصار دام ثلاث سنوات وتم فتح مدينة سالوتيك المقدونية والتي تقع الآن في اليونان, وقوي أمر السلطان مراد جدًّا وعظم شأن الإسلام والمسلمين في عهده وذل الصليبيون جدًّا حتى إن السلطان مراد الأول أرسل لإمبراطور بيزنطة يوحنا ليقتل ولده أندروبيكوس لأنه تحالف مع ساوجي ابن مراد الأول وأعلنا التمرد, فلم يكن بوسع يوحنا إلا أن نفذ أمر مراد الأول وقتل ولده أندروبيكوس مما يوضح مدى قوة ونفوذ الإسلام وقتها.
كان الصرب دائمًا على مر العصور أهل غدر وخيانة وتربص بالمسلمين فلقد استغل الصرب انشغال المسلمين بمحاربة بعض المتمردين بالأناضول وهجموا على الدولة العثمانية واستطاعوا أن يحققوا بعض الانتصارات جنوب الصرب مما أغرى بعض الصليبيين مثل أمير البلغار سيسمان للهجوم على الدولة العثمانية ولكن السلطان مراد تدارك الأمر سريعًا وتحرك بجيوشه وصدم أمير البلغار ففر الصليبي إلى الشمال واعتصم في مدينة نيكوبلي في شمال بلغاريا ونظم صفوفه وجمع ما بقي من جيوشه وهجم على القوات العثمانية فهزم شر هزيمة ووقع أسيرًا ولكن السلطان أحسن إليه وعفا عنه وأبقاه أميرًا على نصف بلاده وضم النصف الآخر للدولة العثمانية..
ولما علم ملك الصرب الجبان ما لحق بسيسمان انسحب بجيوشه إلى الغرب فارًّا من الطوفان العثماني ولكن الجيوش العثمانية أدركته عند سهل قوص أوه "كوسوفو" ودارت رحى حرب هائلة وكان القتال فيها سجالاً حتى انحاز صهر الملك الصربي لازار وكان شديد البغض له ويطمع في الملك من بعده, انحاز إلى العثمانيين وشق صف الصليبيين فأدى هذا لهزيمة الملك الصليبي لازار وأسره المسلمون وقتلوه جزاءً لخيانته وأفاعيله الدنيئة بأسارى المسلمين, وبينما يتفقد السلطان مراد الأول أرض المعركة وهو سائر بين قتلى الصرب قام إليه جندي صربي خنزير من بين الجثث وطعنه بخنجره فصرعه في الحال, وقتل الجنود العثمانيون الصربي على الفور ولكن بعد فوات الأوان, فلقد كانت الطعنة غادرة قاتلة فمات رحمه الله من فوره.
ومما يذكر في هذه المعركة دعاء مراد الأول في الليلة التي سبقت يوم المعركة: "يا إلهي إنني أقسم بعزتك وجلالك أنني لا أبتغي من جهادي هذه الدنيا الفانية ولكني أبتغي رضاك ولا شيء غير رضاك, يا إلهي قد شرفتني بأن هديتني إلى طريق الجهاد في سبيلك فزدني تشريفًا بالموت في سبيلك". وكانت هذه المعركة هي أشهر معارك العثمانيين في تاريخ أوربا وأساس العداوة الدائمة بين الأرثوذكس عمومًا والصرب خصوصًا مع المسلمين كما ظهر جليًّا من حرب البوسنة في التسعينات.
المصدر: موقع مفكرة الإسلام.

عن موقع قصة الإسلام

إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#89

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

معركة كوسوفو الثانية.. جزاء الخيانة

المكان: سهل كوسوفو - ألبانيا.
الموضوع: المسلمون بقيادة السلطان مراد الثاني ينتصرون على الصليبيين بقيادة ملك المجر.

الأحداث: كان الانتصار الهائل للمسلمين بقيادة مراد الثاني على التحالف الأوربي الصليبي بقيادة بابا الفاتيكان في موقعة فارنا سنة 848هـ أكبر مؤثر على المستويين الإسلامي والصليبي, وحرك كثيرًا من السواكن وأقلق مضاجع الحاقدين والكارهين لدين الإسلام, فظل هؤلاء يتربصون بالمسلمين الدوائر؛ لعل أن تأتيهم الفرصة السانحة للوثوب مرة أخرى على المسلمين، وقبل موقعة فارنا كان قد وقع حادث للسلطان مراد الثاني جعله يعتزل الحياة العامة ويعتكف في قصره في ولاية أيدني غرب الأناضول..
هذا الحادث هو وفاة ولي عهده وأكبر أولاده الأمير علاء الدين، فاعتزل مراد الثاني السلطنة وعهد بالأمر لولده الصغير الأمير محمد الثاني "الفاتح" -وكان عمره 14 سنة- فاجتمع الصليبيين بقيادة البابا للهجوم على بلاد المسلمين, فخرج مراد من عزلته وقاد المسلمين للانتصار الهائل في فارنا ثم عاد لخلوته, ولكنه اضطر للخروج مرة أخرى لمعاقبة الجنود الانكشارية الذين استخفوا بالسلطان الصغير محمد الثاني, فأدبهم مراد وشغلهم بحرب في بلاد اليونان ثم عاد مرة أخرى لخلوته.
تيمور إسكندر بك:
في خضم هذه الأحداث المتلاحقة ظهرت شخصية مريبة استغلت خلو الساحة من أسدها وهو إسكندر بك -وهو ابن أمير ألبانيا السابق- وكانت ألبانيا قد خضعت للعثمانيين سنة 836هـ, وقد سلم أميرها أولاده الأربعة رهينة عند السلطان مراد الثاني, وكان إسكندر هذا أحد الأربعة, وقد أعلن إسلامه أو بالأحرى تظاهر بالإسلام؛ ليصل عن طريق ذلك لأغراضه الشريرة.
إن قصة النفاق والمنافقين تتكرر على مر العصور, فلا يكاد يخلو عصر منهم فهم الطابور الخامس المندس داخل الصف المسلم؛ من أجل الوثوب عليه في اللحظة المناسبة, وهذا يؤكد الحاجة لدراسة نفسية المنافقين وسلوكياتهم ودوافعهم؛ ليكون بين أيدينا ملف وتصور كامل عن هؤلاء العقارب المندسة تحت ثياب أمتنا.
استغل إسكندر بك الأحداث الجارية على الساحة فهرب إلى ألبانيا, ودعا زعماء القبائل هناك وأغراهم ووسوس إليهم بعودة الملك القديم وطرد العثمانيين فوافقوه؛ لأنهم كانوا حديثي عهد بجاهلية وكفر وأمدوه بالسلاح والرجال, واستطاع إسكندر بك طرد الحامية العثمانية من ألبانيا وذلك سنة 851هـ, وأثار إسكندر هذا الخائن الفتنة الصماء في وسط أوربا..
ووقتها كان مراد الثاني قد فرغ من موقعة فارنا وحرب اليونان, فقرر قمع هذا الخائن وبشدة وبسرعة أيضًا, فتوجه لألبانيا بجيش جرار قوامه مائة ألف مقاتل, فانتصر على هذا الخائن واسترد منه على مدينتين, وقد أبدى إسكندر بك ومن معه من زعماء القبائل مقاومة باسلة أمام العثمانيين, وفي تلك الأثناء حدث ما لم يكن في الحسبان.
معركة كوسوفو الثانية:
كان الذي يقود الصليبيين في موقعة فارنا الشهيرة هو ملك المجر بدافع من بابا روما كما ذكرنا من قبل, وكان القائد العام العسكري للجيوش الصليبية هو القائد "هونياد" المجري, والذي لم يهزم من قبل في أي موقعة, حتى كانت الهزيمة المدوية في فارنا والتي قتل فيها ملك المجر نفسه, فشعر "هونياد" بالخزي والعار من هزيمته وقتل مليكه, فقرر الانتقام وظل يتربص بالمسلمين الدوائر من سنة 848هـ حتى حانت له الفرصة سنة 852هـ, عندما توجه السلطان مراد الثاني لتأديب الخائن إسكندر, فأعد جيشًا قوامه أربعة وعشرين ألفًا, وقرر الهجوم على بلاد الصرب؛ ليسترد بعض ما فقده من الشرف والكرامة في موقعة فارنا..
إن أعداء الإسلام لا يتركون فرصة تمر هكذا دون الطغي والنيل من الإسلام, فإن أعداء الإسلام لهم هدف محدد يعيشون من أجله ويخططون له ليل نهار وهم لا ينسون هزيمتهم بسهولة, وهذا يذكرنا بالصليبي الإنجليزي اللورد "اللنبي" عندما دخل القدس سنة 1917م, فقال عند دخوله: "الآن انتهت الحروب الصليبية", فما زالت أمة الإسلام ذاكرتنا ضعيفة.
تصل الأخبار للسلطان مراد الثاني بعزم هونياد على الهجوم على صربيا, تحرك بسرعة وترك محاصرة الخائن إسكندر بك واتجه نحو هونياد وفلول الصليبيين, والتقى الجيشان في سهل قوص أوه أو كوسوفو, ودارت رحى حرب طاحنة انتصر فيها المسلمون انتصارًا لا يقل روعة عن الانتصار في موقعة كوسوفو الأولى سنة 791هـ، وذلك في يوم 18 شعبان سنة 852هـ, وقتل الصليبي حتى لا يبقى له آمال يعقدها مرة أخرى على المسلمين..
ثم عاد مراد مرة أخرى للخائن إسكندر بك وضرب عليه الحصار, وعرض عليه دفع الجزية ويبقى أميرًا لألبانيا, ولكنه رفض واغتر بهذا العرض, فظنه من ضعف, فقرر السلطان مراد الثاني العودة لأدرنة عاصمة العثمانيين؛ للتجهيز لحرب الخائن مرة أخرى, ولكن السلطان وافته المنية قبل أن ينفذ هدفه بقمع الخائن إسكندر الذي استمر على خيانته وعدوانه للإسلام والمسلمين, حتى هلك سنة 871هـ.

المصدر: موقع مفكرة الإسلام.
عن موقع قصة الإسلام

إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#90

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)


معركة نيكوبوليس

تامر بدر

رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

معركة نيكوبوليس وقعت سنة (800هـ/1396م) بين العثمانيين بقيادة السلطان بايزيد الأول وبين التحالف الصليبي بقيادة الملك سيجسموند ملك المجر, وكان النصر فيها لصالح المسلمين.

قبل المعركة
كان لسقوط بلغاريا عام (797هـ/1393م) في يد السلطان العثماني بايزيد الأول صدى هائل في أوربا، وانتشر الرعب والفزع والخوف في أنحائها, وتحركت القوى المسيحية الصليبية للقضاء على الوجود العثماني في البلقان، خاصة ملك المجر سيجسموند والبابا بونيفاس التاسع، فقد اتفق عزم الرجلين على تكوين حلف صليبي جديد؛ لمواجهة الصواعق العثمانية المرسلة، واجتهد سيجسموند في تضخيم حجم هذا الحلف وتدويله، باشتراك أكبر قدر ممكن من الجنسيات المختلفة.
وبالفعل جاء الحلف ضخمًا يضم مائة وعشرين ألف مقاتل من مختلف الجنسيات؛ مثل: ألمانيا، وفرنسا، وإنجلترا، وإسكتلندا، وسويسرا، وإيطاليا، ويقود الحلف سيجسموند ملك المجر. وتحرَّكت الحملة الصليبية الجرارة عام (800هـ/1396م) إلى المجر، ولكن بوادر الوهن والفشل قد ظهرت على الحملة مبكرًا؛ ذلك لأن سيجسموند قائد الحملة كان مغرورًا أحمقَ، لا يستمع لنصيحة أحد من باقي قواد الحملة، وقد بلغ به الغرور والاعتداد بجيشه وقوته أن قال: "لو انقضت السماء من عليائها لأمسكناها بحرابنا".
وحدث خلاف شديد على استراتيجية القتال؛ فسيجسموند يُؤْثِر الانتظار حتى تأتى القوات العثمانية، وباقي القواد يرون المبادرة بالهجوم. وبالفعل لم يستمعوا لرأي سيجسموند، وانحدروا مع نهر الدانوب حتى وصلوا إلى مدينة نيكوبوليس في شمال البلقان.

المعركة
بدأ الصليبيون في حصار مدينة نيكوبوليس، وتغلبوا في أول الأمر على القوات العثمانية، ولم يكد الصليبيون يدخلون المدينة حتى ظهر بايزيد ومعه مائة ألف مقاتل، كأنما الأرض قد انشقت عنهم، وكان هذا العدد يقل قليلاً عن التكتل الأوربي الصليبي، ولكنه يتفوق عليهم نظامًا وسلاحًا. وكان ظهور العثمانيين فجأة كفيلاً بإدخال الرعب والهول في قلوب الصليبيين, وبدأت المعركة التي تُعَدُّ من أشرس معارك التاريخ, وقاتل المسلمون يومها قتال مَنْ لا يخشى الموت, وأنزل الله على المسلمين الرحمة والسكينة، وأيدهم بجند من عنده, فقذف في قلوب الذين كفروا الرعب.
وانتهت المعركة بنصر مُبين للمسلمين، ذكرهم بأيام المسلمين الأولى بدر واليرموك, فانهزم معظم النصارى، ولاذوا بالفرار والهرب، وقُتل وأُسر عدد من قادتهم, فقد وقع كثير من أشراف فرنسا -منهم الكونت دي نيفر نفسه- في الأسر، فقبل السلطان بايزيد دفع الفدية، وأطلق سراح الأسرى والكونت دي نيفر، وكان قد ألزم بالقسم على أن لا يعود لمحاربته، وقال له: "إني أجيز لك أن لا تحفظ هذا اليمين، فأنت في حلٍّ من الرجوع لمحاربتي, إذ لا شيء أحب إليَّ من محاربة جميع مسيحيي أوربا والانتصار عليهم".
أما سيجسموند ملك المجر فقد ولّى هاربًا ومعه رئيس فرسان رودس، ولما بلغا في فرارهما شاطئ البحر الأسود، وجدا هناك الأسطول النصراني، فوثبا على إحدى السفن وفرت بهما مسرعة لا تلوي على شيء.
وعلى الرغم من القضاء على القوات الصليبية، إلا أن السلطان بايزيد انزعج لكثرة قتلى المسلمين في المعركة، التي قُدرت بثلاثين ألف قتيل!! وتذكر السلطان بايزيد ما فعله الصليبيون بالحاميات الإسلامية في بلغاريا والمجر, فأمر السلطان بايزيد بقتل الأسرى كلهم ثلاثة آلاف أسير، وفي رواية أخرى عشرة آلاف, ولم يُبْقِ إلا أكابر وعِلية القوم؛ للحصول على فدية ضخمة منهم.

نتائج النصر
تضاءلت مكانة المجر في عيون المجتمع الأوربي بعد معركة نيكوبوليس، وتبخَّر ما كان يُحيط بها من هيبة ورهبة، لقد كان ذلك النصر المظفر له أثر على بايزيد والمجتمع الإسلامي؛ فقام بايزيد ببعث رسائل إلى كبار حكام الشرق الإسلامي؛ يُبشرهم بالانتصار العظيم على النصارى، واصطحب الرسل معهم إلى بلاطات ملوك المسلمين مجموعة منتقاة من الأسرى المسيحيين؛ باعتبارهم هدايا من المنتصر، ودليلاً ماديًّا على انتصاره، واتخذ بايزيد لقب "سلطان الروم"؛ كدليل على وراثته لدولة السلاجقة، وسيطرته على كل شبه جزيرة الأناضول.
كما أرسل إلى الخليفة العباسي المقيم بالقاهرة، يطلب منه أن يقر هذا اللقب؛ حتى يتسنى له بذلك أن يُسبغ على السلطة التي مارسها هو وأجداده من قبل طابعًا شرعيًّا رسميًّا؛ فتزداد هيبته في العالم الإسلامي. وبالطبع وافق السلطان المملوكي برقوق حامي الخليفة العباسي على هذا الطلب؛ لأنه يرى بايزيد حليفه الوحيد ضد قوات تيمورلنك، التي كانت تهدد الدولة المملوكية والعثمانية.
بعد الانتصار العظيم الذي حققه العثمانيون في هذه المعركة ثَبَّتَ العثمانيون أقدامهم في البلقان؛ حيث انتشر الخوف والرعب بين الشعوب البلقانية، وخضعت البوسنة وبلغاريا للدولة العثمانية، واستمرَّ الجنود العثمانيون يتتبعون فلول النصارى في ارتدادهم، وعاقب السلطان بايزيد حكام شبه جزيرة المورة، الذين قَدَّموا مساعدة عسكرية للحلف الصليبي.
وعقابًا للإمبراطور البيزنطي على موقفه المعادي، طلب بايزيد منه أن يُسَلِّم القسطنطينية، وإزاء ذلك استنجد الإمبراطور مانويل بأوربا دون جدوى. والحق أن فتح القسطنطينية كان هدفًا رئيسًا في البرنامج الجهادي للسلطان بايزيد الأول؛ لذلك فقد تحرك على رأس جيوشه وضرب حصارًا محكمًا حول العاصمة البيزنطية القسطنطينية، وضغط عليها ضغطًا لا هوادةَ فيه، واستمر الحصار حتى أشرفت المدينة في نهايتها على السقوط، وبينما كانت أوربا تنتظر سقوط العاصمة العتيدة بين يومٍ وآخر؛ إذ ينصرف السلطان عن فتح القسطنطينية؛ لظهور خطر تيمورلنك على الدولة العثمانية.

المصدر: كتاب (أيام لا تنسى.. صفحات مهمة من التاريخ الإسلامي) تأليف تامر بدر، تقديم: الدكتور راغب السرجاني، دار أقلام للنشر والتوزيع والترجمة، الطبعة الأولى، 1432هـ/2011م.
عن موقع قصة الإسلام

إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#91

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

معركة أقليش


هي واحدة من معارك الإسلام الكبرى في الأندلس، ولكنها لم تنل نفس شهرة الزلاقة أو الأرك وإن كانت لا تقل عنهما روعة، وتبدأ فصولها مع انتشار خبر مرض أمير المسلمين يوسف بن تاشفين وقرب وفاته، وهذا الأمر شجع الإسبان الصليبيين وملكهم العجوز ألفونسو السادس على استئناف غاراتهم المخربة ضد أراضي المسلمين، وكان الملك العجوز يضطرم برغبة عارمة للانتقام من هزيمته الثقيلة في الزلاقة قبل عشرين سنة، فهاجم الإسبان أحواز إشبيلية سنة 499هـ وعاثوا فيها فسادًا واستولوا على كثير من الأسرى والغنائم، وانشغل المسلمون عنهم بوفاة أمير المسلمين بعد ذلك بقليل.
وبعد وفاة الأمير يوسف بن تاشفين سنة 500هـ تولى مكانه ابنه الأمير علي بن يوسف والذي قرر تأديب الإسبان بصورة قوية تردهم عن مثل هذا العدوان السابق، فأصدر أوامره لأخيه الأمير تميم قائد الجيوش المرابطية بالأندلس بالاستعداد لغزو أراضي قشتالة، فصدع الأمير تميم بالأمر وأعد جيوشًا كبيرة وضم إليه اثنين من أمهر قادة المرابطين، وهما محمد بن عائشة ومحمد بن فاطمة وتم تحديد الهدف الذي سيهاجمه المسلمون، وكان مدينة أقليش الحصينة، وهي من أمنع معاقل الإسبان في شمال جبال طليطلة وقد أنشأها في الأصل المسلمون، واستولى عليها الإسبان لما سقطت طليطلة في صفر سنة 478هـ.
وتحركت الجيوش المسلمة في أواخر رمضان سنة 501هـ، وتوجهت إلى أقليش لفتحها وفي نفس الوقت عندما اقتربت هذه الجيوش من المدينة، أرسلت حامياتها الإسبانية برسالة استغاثة لألفونسو السادس لنجدتهم، فجهز حملة قوية بقيادة أشهر قادة ألبرهانس صاحب التجربة الكبيرة والخبرة الواسعة في قتال المسلمين، وأرسل معه ولده الوحيد وولي عهده سانشو وكان صبيًّا في الحادية عشرة وذلك ليثير حفيظة وعزيمة جنوده كنوع من الشحن المعنوي للحملة، وقد أرسل معه سبعة كونتات من أشراف قشتالة لحمايته ومشورته.
وصلت القوات المسلمة أولاً قبل الإسبانية إلى أقليش وهاجمتها بمنتهى العنف حتى فتحتها وذلك يوم الخميس 15 شوال 501هـ، وكان في المدينة الكثير من المسلمين المدجّنين وهم المسلمون الذين ظلوا في المدن التي استولى عليها الإسبان، فبقوا تحت حكم النصارى، فلما فتحها المسلمون انضم كثير من المدجنين للمعسكر الإسلامي، وشرحوا لإخوانهم المسلمين أوضاع المدينة وخصوصًا الحامية الإسبانية التي ما زالت موجودة بالقلعة ومنتظرة وصول نجدة ألفونسو لهم.
لم تمر سوى ساعات قلائل حتى وصل الجيش الإسباني وكان تعداده أضعاف الجيش الإسلامي، مما جعل قائده الأمير تميم يتردد ويحجم عن الصدام وربما فكر في الانسحاب، ولكن القائدين الكبيرين محمد بن عائشة ومحمد بن فاطمة نصحوه بالبقاء وملاقاة العدو وهونوا عليه الأمر، فقويت عزيمة الأمير تميم، واتفق الجميع على الصدام.
وفي فجر يوم الجمعة 16 شوال سنة 501هـ اصطدم الجيشان في قتال بالغ العنف حتى اختلفت أعناق الخيول، وصبر كل فريق للآخر صبرًا شديدًا، ولم تظهر بوادر النصر لأي منهما، حتى وقعت حادثة غيرت مجرى القتال، ذلك أن الصبي سانشو ولي عهد ألفونسو السادس، انفلت من خيمته ونزل أرض القتال وكان يرتدي زي الفرسان، ووقع وسط ثلة من فرسان المسلمين فقتلوه وحاول بعض الكونتات إنقاذه فقتل معه، فدب الهرج والمرج في صفوف الإسبان وانهارت عزائمهم وهم يرون مقتل ولي عهدهم وقائد جيشهم، فكثر القتل فيهم..
وحاول الكونتات السبعة الذين كانوا يؤلفون حاشية الأمير المقتول الفرار لأحد الحصون القريبة، فلحق بهم جماعة من المدجنين وقتلوهم جميعًا، وهكذا تمت الهزيمة الساحقة للإسبان، وتوطدت سمعة ومكانة المرابطين في الأندلس، ولقد عرفت هذه المعركة في التاريخ باسم موقعة الكونتات السبعة، وقد وقع خبر الهزيمة ومقتل الأمير سانشو على ألفونسو مثل الصاعقة، حتى إنه استسلم إلى التأوه والنوح بمحضر من حاشيته، ولم يستطع أن يحتمل الصدمة فتوفي مقتولاً بالهم والغم والحزن[1].

المصدر: موقع مفكرة الإسلام.
عن موقع قصة الإسلام

[1] راجع: البيان المغرب، نفح الطيب، تاريخ ابن خلدون، الحلل الموشية، دولة الإسلام في الأندلس.

إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#92

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)


موقعة فارسكور .. الحملة الصليبية السابعة

المكان: مدينة فارسكور – المنصورة - مصر.
الموضوع: توران شاه الأيوبي ينتصر على لويس التاسع، وينهي الحملة الصليبية السابعة.
الأحداث:

أصل الحروب الصليبية متى ولماذا؟
أصل الحروب الصليبية التي انهالت على أمة الإسلام خاصة الشام ومصر يرجع في المقام الأول إلى كرسي البابوية المرجعية الدينية لكل نصارى العالم، وكان أول من فكر في ذلك البابا جويجوري السابع، وكان رجلاً طموحًا نشيطًا استغل نفوذه القوي داخل أوربا وشرع في التخطيط لحملات صليبية دعوية لنشر الدين النصراني بين أرجاء المعمورة كلها ولكن العمر لم يمتد به وأخذه الله تعالى أخذ عزيز مقتدر، وخلفه تلميذه النجيب أوربان الثاني، وذلك سنة 478هـ، وهو الذي أطلق شرارة الحروب الصليبية سنة 488 هـ، ولكن لماذا؟ لعدة أسباب:

1- الحمية الدينية الصليبية التي انتشرت بأوربا في تلك الفترة والرغبة العارمة لمنازلة المسلمين.
2- حرب الاسترداد الإسبانية والتي بدأت بسقوط طليطلة في 1 صفر سنة 478هـ، مما حفز الصليبيون في أوربا لتحقق نفس الانتصارات بالشام.
3- الأباطيل التي روجها بطرس الناسك عن اضطهاد الحجاج النصارى بالشام.
4- انتصار المسلمين في ملاذكرد على البيزنطيين وانسياح السلاجقة في منطقة آسيا الصغرى، واقترابهم من القسطنطينية.
5- زيادة أعداد السكان الأوربيين في هذا القرن واحتياجهم لأراضي وثروات جديدة.

الحملة الصليبية السابعة:
استمرت الحملات الصليبية تنهال على الشام ومصر منذ عام 489هـ حتى سنة 647هـ، وقد مضى منها ست حملات صليبية قادها معظم ملوك أوربا مثل ريتشارد قلب الأسد ملك إنجلترا، وفيليب أغسطس ملك فرنسا وفردريك الثاني ملك ألمانيا وبها ميو ملك صقلية وقبرص وغيرهم، حتى وصلنا إلى الحملة الصليبية السابعة، وكان المحرك الأكبر لهذه الحملة الصليبية هو ملك فرنسا لويس التاسع الذي يلقب بلويس التقي، ولكن ما السبب وراء تلك الحملة؟
السبب وراء ذلك أن لويس التاسع قد أصابه مرض شديد كاد أن يهلك بسببه, فنذر إن شفاه الله أن يقوم بشن حملة صليبية ضد الكفار يعني المسلمين، وكان ذلك بإشارة القساوسة والرهبان، مما يوضح الروح الدينية الخالصة التي تسيطر على عقول صليبيي أوربا.
أعد لويس التاسع حملته بعناية كبيرة وزودها بخيرة الفرسان الفرنسيين والخيول والسلاح وتوجه إلى الشام حيث ما زالت هناك بعض الإمارات والنقاط الصليبية فنزل إلى عكا وبقي بها قليلاً استعدادًا للهجوم على الديار المصرية التي كانت في هذا الوقت أقوى الممالك الإسلامية عمومًا بعد اجتياح التتار الكاسح لديار الإسلام على الجبهة الشرقية، وقرر لويس التاسع أن تكون دمياط هي أولى أهداف الحملة الصليبية, ودمياط عمومًا كانت محط أنظار كل الحملات الصليبية القادمة من أوربا على مصر.
الأوضاع داخل الديار المصرية:
في تلك الفترة كان يحكم مصر والشام معًا الملك الصالح أيوب، وكان رجلاً صالحًا من عظماء بني أيوب, تولى الأمر بعد أخيه الكامل محمد, فصحح كثيرًا من أخطائه خاصة جنايته العظيمة بالتنازل عن بيت المقدس للملك فريدريك الثاني سنة 625هـ، واستطاع الصالح أيوب أن يعيد بيت المقدس للمسلمين سنة 642هـ، واسترد دمشق سنة 643هـ وعسقلان سنة 645هـ، وأعاد للدولة الأيوبية هيبتها ومجدها السابق الذي فرط فيه أخوه الكامل محمد.
عانى الصالح أيوب كثيرًا بسبب عمه إسماعيل الذي كان واليًا على دمشق، وكان نكبة على الإسلام وأهله, حالف الصليبيين وأدخلهم دمشق وتعاون ضد ابن أخيه أيوب، ودخل في حروب طويلة معه من أجل الاستيلاء على مصر؛ مما أضعف من قوة الصالح أيوب وأنهك جيوشه من كثرة القتال مع الصليبيين ومن عاونهم.

احتلال دمياط:
وصل لويس التاسع بجيش جرار يقدر بمائة ألف مقاتل إلى مدينة دمياط وذلك بحرًا وهجم على المدينة بسرعة ففر كل من فيها من الجند والحراس ومعهم بعض العامة، واستولى الصليبيون بسهولة على المدينة وقاموا بارتكاب مذابح مروعة بحق أهل البلد المسلمين وحولوا الجوامع والمساجد إلى كنائس وذلك في شهر ربيع الأول 647هـ.
أعلن الصالح أيوب النفير العام في الديار المصرية، وأتته الجنود من كل مكان، وأسرع لمنازلة الصليبيين، وقام ببناء مدينة مقابلة لدمياط حيث معسكر الصليبيين وسماها "المنصورة", وقام بالقبض على الجنود الفارين من وجه الصليبيين بدمياط وشنق بعضهم تعزيرًا لهم على التولي يوم الزحف، ولام الباقي على ترك المصابرة قليلاً ليرهبوا عدو الله وعدوهم، وكان الصالح أيوب في تلك الفترة مريضًا، ولكنه لشدة شجاعته وجلده لم يظهر التوجع أو الألم أمام أحد.
تقدم الملك الصليبي نحو المنصورة حيث معسكر المسلمين محاذرًا الاقتراب من ضفة فرع دمياط حتى لا يقع في نفس خطأ الحملة الصليبية الخامسة عندما دخل قائدها "جان دي بريين" في اتجاه خاطئ أفشل الحملة بأسرها، ولكن جماهير المصريين المتطوعين للجهاد ضد الصليبيين أقبلوا بأعداد كبيرة، وذلك لشن حرب عصابات ضد الجيش الصليبي، وقام المصريون ببطولات رائعة وأعمال فدائية في غاية الشجاعة والمكر والطرافة أيضًا ضد الصليبيين.

وفاة الصالح أيوب:
في تلك الأثناء تزايدت العلة والمرض على الصالح أيوب حتى مات رحمه الله في 15 شعبان سنة 647هـ، ولم يكن عنده ساعة موته سوى جاريته وأم ولده خليل "شجرة الدر"، وكانت امرأة عاقلة ذات حزم ودهاء فأخفت موته على الناس, حتى لا يفت ذلك في عضد الناس وهم أمام عدوهم, فعد ذلك في غاية الحكمة والتعقل, وأظهرت أنه مريض مدنف لا يقوى على الحركة, وبقيت تعلم عنه بعلامته, وأرسلت إلى كبار الأمراء وأطلعتهم على خبر موته وتشاوروا فيمن يولونه على الجيش بعده, فاجتمعوا على تولية ابنه توران شاه.
أرسلوا إلى توران شاه وكان واليًا على "كيفا"، وكان مجافيًا لأبيه حال حياته, فأرسلوا إليه فجاء سريعًا فملكوه عليهم وبايعوه جميعًا، وكان الصليبيون في هذا الوقت قد اقتربوا من قرية "شرمساح", والتي عرفت بعد ذلك بمدينة "فارسكور".

معركة فارسكور:
جاء توران شاه وقاد جموع المسلمين واستعد للصدام مع الصليبيين عند مدينة "فارسكور", وبالفعل كان الصدام يوم الأربعاء 3 محرم سنة 648هـ، ودارت جيوش المسلمين حول الصليبيين واستولوا على مراكبهم التي جاءوا بها من الشام في حملتهم الصليبية, وشعر الصليبيون أنهم محاصرون بين البحر والمسلمين فاستماتوا في القتال، ولكن هيهات هيهات أخذتهم سيوف المسلمين من كل جانب, حتى قتل منهم ثلاثون ألفًا وغرق الكثيرون, ووقع في الأسر الملك لويس التاسع وأخوه.
وضع لويس التاسع سجينًا في دار ابن لقمان بالمنصورة حتى ينظر توران شاه في أمره وأخذ ردائه الذي كان يلبسه أثناء القتال وأرسله مع رسول إلى دمشق ليبشر به الناس بالانتصار الكبير على الصليبيين, ودخل المسلمون كنيسة مريم فأقاموا بها فرحًا لما علموا بالنصر وكادوا أن يخربوها، وكانت النصارى ببعلبك قد فرحوا حين أخذ الصليبيون دمياط فلما وصلت أخبار هزيمتهم لبسوا السواد وأعلنوا الحداد, فأرسل والي البلد إليهم فجمعهم وأوقفهم صفًّا, وأمر يهود البلد أن يصفعوهم ففعلوا.
أرسلت مرجريت زوجة لويس التاسع الملهوفة على زوجها بفدية ضخمة لتوران شاه ليفك أسره فقبل المسلمون ذلك، ودفع لويس التاسع لفدائه هو وعساكره مبلغ عشرة ملايين فرنك، وقد أقسم بأغلظ الأيمان ألا يعود لحرب المسلمين مرة أخرى،

المصدر: موقع مفكرة الإسلام.
عن موقع قصة الإسلام

إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#93

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)



معركة وادي لكة.. وثبة الإسلام إلى أوربا


فتح الأندلس:

إسبانيا قبل الإسلام:
تمثل شبه جزيرة "أيبيريا" الطرف الغربي لأوربا من ناحية الجنوب قليلاً، وهي تشمل: كلا من إسبانيا، والبرتغال، وكان سكان هذه البلاد خليط من القبائل الجرمانية والرومانية؛ مثل قبائل السيوف والآلان والوندان، وظلوا هكذا لفترات طويلة حتى تغلبت قبائل القوط الغربية، وأصلها من جنوب فرنسا على هذه القبائل الجرمانية والرومانية، وانفردت بحكم البلاد، وذلك ابتداء من سنة 410م، وكانت قبائل القوط على المذهب الأريوسي في النصرانية، وهو المتعارض تماما مع المذهب الكاثوليكي؛ لذلك دخلت هذه القبائل في صراع طويل مع بابوية روما رأس الكاثوليكية في أوربا؛ استمر قرابة القرنين، وانتهى بدخول هذه القبائل في المذهب الكاثوليكي، وذلك سنة 587 م؛ وهو التاريخ الحقيقي للديانة النصرانية بإسبانيا؛ أي أن النصرانية لم تكن عميقة الجذور بالبلاد عند دخول المسلمين كما يدعي مؤرخو أوربا.
أما عن الأوضاع الاجتماعية والسياسية بالبلاد؛ فكانت تشير وتبرهن على قرب سقوط وانهيار، وذلك لأن الحكم كان مقصورًا على الأسرة المالكة وكان المجتمع فاسدًا يقوم على نظام الطبقات على الطراز الهندي البغيض؛ وانقسم أهل إسبانيا إلى:

أ- طبقة النبلاء: وهم سلالة القوط الفاتحين، والتي استولت على أكثر الأرض الخصبة الزراعية، مع إعفائها من الضرائب، وكانت لهم مناصب الجيش والرياسة، وتستأثر هذه الطبقة بغالب خيرات البلاد الوفيرة.
ب- طبقة رجال الدين: وهي المسئولة عن السيادة الدينية، والزعامة الروحية، ولكن الفساد كان متغلغلاً بها حتى النخاع؛ فقد كانت تمتلك قسطًا كبيرًا من الأراضي الزراعية المعفاة من الضرائب، وكانت تشارك النبلاء في حكم البلاد، وتبرر الظلم والطغيان من قبل الحاكم على الرعية.
ج- الطبقة الوسطى: وتضم التجار وأصحاب الضياع الصغيرة وموظفي الدولة، وهذه الطبقة كان يقع عليها معظم العبء المالي للدولة؛ فمعظم الضرائب مفروضة عليهم، وغالبية احتياجات ورغبات الطبقتين السابقتين تقع عليها.
د- طبقة الأقنان -عبيد الأرض-: وهؤلاء كانوا يفلحون الأرض لكبار الملاك، ويدخلون بأنفسهم وعائلاتهم في عداد ثروة المالك، ولم تكن لهم أية حقوق، وكانوا ينتقلون مع ملكية الأرض من سيد لآخر.
هـ - طبقة اليهود: وكان لهم دور كبير في الحياة الاقتصادية للبلاد كعادتهم؛ حتى سيطروا على أهم المرافق والصناعات، حتى أحس الحكام بوطأتهم؛ فراحوا يناصبونهم العداء حتى أرغموهم على التنصر.
وهكذا نرى أن الطبقات العاملة في المجتمع الإسباني كانت محرومة من الحقوق، وهذا ما جعل الحياة فاسدة، وأدى إلى قيام الثورات إثر الثورات؛ لأن هؤلاء المحرومين ليس عندهم أية اعتبارات وطنية أو قومية، ولا انتماء عندهم مما سهل طريق الفتح أمام المسلمين.
مقدمات فتح الأندلس:
كان تولي القائد العظيم موسى بن نصير قيادة الفتوحات الإسلامية لبلاد المغرب بمثابة النقطة الفارقة والحاسمة في مسار الفتوحات الإسلامية؛ حيث بدأ موسى بن نصير في التوجه للضفة الأخرى من المحيط حيث بلاد إسبانيا وبلاد القوط؛ ذلك لأن القائد المحنك قد استطاع بسط راية للفتح الإسلامي حتى آخر بلاد المغرب، ووصل لضفاف المحيط الأطلنطي ولم يبق هناك بلد لم يفتحه المسلمون إلا منطقة "سبتة" الحصينة على شاطئ البحر الأبيض المتوسط، وكانت سبتة محكومة من قبل القوط في إسبانيا وعليها وال من عندهم اسمه "يوليان", وقيل: جوليان.
كما قلنا من قبل كانت إسبانيا أرض قلاقل واضطرابات وثورات إثر ثورات؛ فوافق الفتح الإسلامي لبلاد المغرب أيام موسى بن نصير ثورة كبيرة بإسبانيا قام بها أحد رجال الملك "وامبا" القوطي، واسمه "رودريجو"، فاستولى على الملك، وطرد وامبا عن الحكم؛ فثار أنصار "وامبا" ضد "رودريجو" وبدأت حرب أهلية طاحنة بإسبانيا.
كان يوليان والي سبتة من مؤيدي الملك المخلوع وامبا؛ وكان من أشد الناس عداوة لرودريجو لقيام رودريجو باغتصاب ابنة يوليان التي كانت تعمل في بلاط الملك المخلوع وامبا لذلك التجأ وامبا إليه، وأقام عنده بسبتة فترة من الزمن، كان رودريجو خلالها قد أحكم قبضته على مقاليد الأمور بإسبانيا، ولكن بالحديد والنار وقد كان رجلاً طاغية سفاكًا للدماء، أدت غطرسته لاضطراب الأوضاع داخل إسبانيا بشدة حتى غدت على حافة الانفجار، وهذا الأمر دفع وامبا لأن يفكر في الاستعانة بالقوة الجديدة الناشئة بالمغرب: وهي قوة المسلمين، وبالفعل فوض وامبا واليه يوليان في التفاوض والاتصال بالمسلمين لهذا الغرض، وبالفعل اتصل جوليان بطارق بن زياد والي مدينة طنجة وعرض عليه تسليم سبتة مع إشارة بفكرة فتح الاندلس.
ولخطورة هذا القرار رفع طارق بن زياد الأمر لقائده موسى بن نصير الذي رفعه بدوره لأمير المؤمنين الوليد بن عبد الملك لاتخاذ قرار حاسم؛ فأرسل إليه الوليد بن عبد الملك يقول: "اختبرها بالسرايا، ولا تغرر بالمسلمين"، أي لا يهجم بالجيوش الكبيرة، بل يختبر قوتها وصمودها بالسرايا الصغيرة أولا.

دورية استطلاعية:
بعد وصول الأمر الصادر من الخليفة بدأ موسى بن نصير يحضر لغزو الأندلس؛ فأرسل أول دورية استطلاعية يقودها بطل من أبطال البربر المسلمين واسمه طريف بن مالك، ويكنى بأبي زرعة ومعه مائة فارس وأربعمائة راجل؛ فجاز البحر في أربعة مراكب مبحرًا من مدينة طنجة حتى نزل على أرض الأندلس في منطقة عرفت بعد ذلك بجزيرة طريف، وما زال هذا الاسم حتى وقتنا الحاضر، وكانت هذه السرية أول أقدام مسلمة تطأ أرض الأندلس، وقد استطاعت هذه السرية أن تحقق انتصارًا سريعًا، ثم عادت سالمة دون أن تخسر رجلاً واحدًا مما أظهر سهولة الفتح.
في شهر رجب سنة 92هـ قرر موسى بن نصير التحضير لحرب شاملة وغزو كبير للأندلس بعدما استبان ضعفها وتشتت أهلها، فجهز جيشًا كبيرًا من العرب والبربر يقدر بسبعة آلاف مقاتل يقودهم طارق بن زياد؛ فعبر البحر من مدينة سبتة هذه المرة، وفي سفن يوليان الذي اتفق معه على حرب رودريجو نظير أملاك وإقطاعات كبيرة بالأندلس، وبالفعل وصل المسلمون إلى الشاطئ المقابل لسبتة على أرض الأندلس في المنطقة الصخرية التي عرفت من يومها لوقتنا بجبل طارق.

المعارك الطاحنة:
من جبل طارق انطلقت جيوش الفتح الإسلامي لفتح بلاد الأندلس، وتوالت الانتصارات؛ ففتح المسلمون مدينة قرطاجنة؛ وهي في ناحية الشرق، ومنها انطلق إلى ناحية الغرب يستولي طارق بن زياد على الحصون والقرى المجاورة لقرطاجنة، وأقام قاعدة حربية في موضع يقابل الجزيرة الخضراء.
أفاق "رودريجو" من غفلته، ومن حربه ضد خصومه، وقرر توحيد الصفوف من أجل التصدي لغزو المسلمين لبلاده، واصطلح مع أشد منافسيه "إيفا وسيزبوت" واستطاع أن يحشد جيشًا كبيرًا يقدر بمائة ألف مقاتل يتقدمهم الأساقفة والرهبان توجه به سريعًا نحو الجزيرة الخضراء؛ فكتب طارق بن زياد إلى القائد موسى بن نصير يطلب منه الإمدادات؛ فأرسل له موسى مدد يقدر بخمسة آلاف مقاتل؛ يقودهم طريف بن مالك؛ فأصبح الجيش الإسلامي اثنا عشر ألفًا ويقود الجميع طارق بن زياد.
وفي يوم الأحد 28 رمضان سنة 92هـ التقى الجيشان على ضفاف نهر وادي "لكة" واسم النهر بالإسباني "جوادليتي"، وقيل: عند ضفاف نهر آخر اسمه نهر "بارباتي" ومنه جاءت التسمية العربية برباط قرب مدينة "شذونة" في ناحية الجنوب الغربي للأندلس، واستمرت المعركة الطاحنة بين الفريقين قرابة ثمانية أيام، وانتهت بهزيمة ساحقة لـ "القوط الغربيين"، وفروا من أرض المعركة.
استمر زحف طارق بن زياد والمسلمين، وفتحت المدن الواحدة تلو الأخرى، حتى وصل إلى مدينة "طليطلة": وهي عاصمة "القوط" الأسبان، وهناك التقى طارق بن زياد مع الملك المخلوع وامبا، وأعطاه ما اتفقا عليه، وكانت أوامر القائد موسى بن نصير لطارق بن زياد ألا يتجاوز الحد في التوغل في بلاد الأندلس؛ خوفًا على جند الإسلام، ولكن يبدو أن سهولة الفتح أغرت طارق بن زياد وأطمعته في مواصلة الفتح، حتى وقع في حصار كبير من قبل "القوط"، وقد قلَّ عدد جنده بسبب ما كان يتركه من حاميات في كل بلد يفتحها؛ فبعث برسالة استغاث فيها بالقائد موسى بن نصير يقول فيها: "إن الأمم تداعت علينا من كل ناحية؛ فالغوث الغوث".
بعد هذه الرسالة قرر القائد موسى بن نصير أن يعبر بنفسه لنصرة المسلمين بالأندلس؛ فاندفع بجيش كبير يقدر بثمانية عشر ألفًا من عرب الشام واليمن إلى أرض الأندلس من ناحية الجنوب والغرب، وكان يفتح كل المدن الكبيرة التي تقع في طريقه لنجدة المسلمين المحاصرين، وهو بذلك يهدف لعدة أمور منها: فتح كل باقي أجزاء الأندلس، وتخفيف الضغط على المسلمين المحاصرين، وتحطيم معنويات "القوط" المدافعين عن البلاد، وانشغالهم بقتاله عن حصار المسلمين، فلما تم ما أراده موسى توجه إلى مكان المسلمين، وفك الحصار عنهم، واجتمعت القوتان الإسلاميتان وأكملا فتح بلاد الأندلس، وبعث موسى بكتاب الفتح لأمير المؤمنين الوليد بن عبد الملك فلما قرأه خر ساجدًا لله تعالى.
تعتبر بلاد الأندلس أسهل بلاد فتحها المسلمون، والسبب الحقيقي وراء ذلك -كما شهد أعداء الإسلام-: العدل والفضل والرحمة؛ يقول "توماس أرنولد" في كتابه "الدعوة إلى الإسلام": "الحق أن سياسة التسامح الديني التي أظهرها هؤلاء الفاتحون تجاه المسيحية كان لها أكبر الأثر في تسهيل استيلائهم على هذه البلاد"، ويقول "ويل ديورانت" في قصة الحضارة: "لم تشهد بلاد الأندلس في تاريخها كله أكثر حزمًا وعدالة وحرية مما شهدته أيام فاتحيها العرب".

هل أحرق طارق بن زياد السفن؟
من الأمور التاريخية الشائقة في أحداث معركة وادي "لكة"، ما تناقلته الأخبار عن قيام القائد طارق بن زياد بإحراق سفن الحملة حتى يستبسل المسلمون في القتال، ويحتجون على ذلك بخطبة طارق بن زياد الشهيرة في الجند قبل القتال عندما قال لهم: "أين المفر العدو أمامكم والبحر من وراءكم"؟.
والتحقيق التاريخي لهذه الواقعة يكشف عن عدم صحتها أو أسطوريتها وذلك لعدة أسباب:

1- أن السفن في واقع الأمر لم تكن ملك المسلمين بل كانت ملك حاكم مدينة سبتة الإسباني (يوليان) فكيف يحرق طارق ما ليس ملكه ولا ملك المسلمين؟
2- أن المصادر التاريخية كلها أجمعت على ذكر أحداث الفتح دون ذكر حادثة إحراق السفن، ولم يذكرها سوى "الإدريسي" في كتابه "نزهة المشتاق" وهو كتاب جغرافيا كُتب بعد فتح الأندلس بثلاثة قرون؛ فكيف يقدم على المصادر الأندلسية المتخصصة والمعاصرة للفتح؟
والمراجع الأوربية التي تذكر الحادثة إنما نقلتها في الأساس من كتاب الإدريسي الذي عاش في صقلية معظم حياته، بل كتب هذا الكتاب لملك صقلية "روجر الثاني".
3- إن تحفيز المسلمين في القتال وتشجيعهم لا يكون بتلك الصورة الغريبة؛ فمن الممكن أن يأمر السفن بالعودة أو حتى يخرقها بخرق معين فتبقى معها عاجزة عن الحركة حتى إصلاحها، وهناك العديد من الحلول غير إتلاف المال بغير وجه حق.

أهم الدروس والعبر:
1- الإسلام دين الحرية والعدل والمساواة، الجميع أمام الله والأمة سواسية، والنظام الطبقي في الأندلس أيام حكم الأسبان كان من أهم أسباب فسادها وضعفها وسهولة فتح المسلمين لها.
2- جواز التعاون مع غير المسلمين من أجل نفع الإسلام والمسلمين، وذلك من غير أي خروج عن الثوابت الشرعية، مثال تعاون موسى بن نصير مع يوليان الأسباني لفتح الأندلس.
3- الطاعة والانضباط والنظام عناوين وأسرار نجاح المسلمين في فتح أجزاء كبيرة من العالم القديم في وقت وجيز، فقد استأذن موسى بن نصير الخليفة الوليد بن عبد الملك قبل فتح الأندلس.
4- حنكة الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك عندما أصدر أوامره بعدم التسرع في غزو الأندلس بجيوش كبيرة قبل معرفة أحوالها ومصادر قوتها وضعفها بالسرايا والدوريات الاستطلاعية.
5- معادن المسلمين لا تظهر إلا وقت الشدائد والمحن، فقد انتصروا وهم 12 ألفًا على الإسبان وهم أكثر من مائة ألف.
6- الاستعجال والاغترار ببعض المكاسب السريعة قد تورط الأمة في نكبات كبيرة؛ مثلما حدث مع طارق بن زياد عندما خالف أوامر موسى بن نصير وتوغل في الأندلس دون إذنه, فكاد أن يهلك وجنوده.

المراجع والمصادر:
1- تاريخ الرسل والملوك.
2- البداية والنهاية.
3- المعجب.
4- المنتظم.
5- دولة الإسلام في الأندلس.
6- التاريخ الإسلامي.
7- نفخ الطيب.
8- موسوعة التاريخ الإسلامي.
9- الكامل في التاريخ.
10- البيان المغرب.
11- محاضرات في تاريخ الأمم.
12- أطلس تاريخ الإسلام.
13- تاريخ الخلفاء.

المصدر: موقع ملتقى الخطباء.

عن موقع قصة الإسلام

إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#94

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)


معركة النوبة... فتح من الفتوحات الرمضانية

مجدي داود

من ضمن المعارك والفتوحات العظيمة التي حفل بها شهر رمضان المبارك معركة فتح النوبة التي حدثت في العام الحادي والثلاثين من الهجرة النبوية المباركة والتي كان من أهم آثارها معاهدة القبط التي كانت فاتحة خير على المسلمين في البلاد الأفريقية.
لما قام عمرو بن العاص بفتح في مصر في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أرسل عمرو بن العاص حملة عسكرية بقيادة عقبة بن نافع لفتح بلاد النوبة التي تقع في جنوب مصر، لكن المسلمين فوجئوا في هذه المعركة بأن النوبيين يجيدون رمى السهام، فقد أصاب النوبيون من المسلمين عدد كبير بتلك السهام وأصيب كثير من المسلمين في حدق عينهم من جراء النبل فسموا (رماة الحدق).
وكان من نتيجة هذه الحملة أن تم التوافق على هدنة بين المسلمين والنوبيين، واستمر الصلح حتى كان عصر خلافة أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه، وكان قد عزل عمرو بن العاص عن مصر وولى مكانه عبد الله بن أبى سرح، فنقض النوبيون الصلح وهاجموا صعيد مصر، فما كان من ابن أبى سرح إلا أن خرج في جيش تعداده عشرين ألف مقاتل وسار إلى دنقلة عاصمة النوبيين وحاصرها وضربها بالمنجنيق حتى استسلموا وطلبوا الصلح.
وتصالح المسلمون والنوبيون في شهر رمضان من العام الحادي والثلاثين بعد الهجرة على بنود من أهمها:-

1- حفظ من نزل بلادهم من مسلم أو معاهد حتى يخرج منها.
2- رد من لجأ إليهم من مسلم محارب للمسلمين وإخراجه من ديارهم.
3- حفظ المسجد الذي بناه المسلمون في فناء المدينة وألا يمنعوا منه مسلما.
4- أن يدفعوا للمسلمين كل عام ثلاثمائة وستون رأسا من أوسط رقيق بلادهم، وكان القوم مشهورين بكثرة الرقيق عندهم.
5- في مقابل ذلك لهم عند المسلمين أمان فلا يحاربونهم ولا يغزونهم.

وقد قيل إنه في مقابل الرقيق الذي يأخذه المسلمون منهم يعدونهم بدلا منه قمحا وعدسا، هذا كان العهد الذي تم بين المسلمين وأهل النوبة، وقد رفع هذا الصلح إلى أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه فأقره.
وإن هذا لعهد إن أمعنَّا النظر فيه وتأملناه جيدا نرى في بنوده معالم للسياسة الشرعية في الإسلامية ومعالم واضحة للعلاقات الخارجية للدولة الإسلامية.
فنرى أن رد النوبيين المسلم المحارب للمسلمين وإخراجه من ديارهم يعد أمرا هاما جدا، فهو يمنع من تكتل وتجمع الخارجين عن النظام الشرعي للدولة الإسلامية وعلى ولاة الأمر الذين يحكمون بما أنزل الله، وبالتالي لا تكون هذه الجهة مركزا للاعتداء على الدولة الإسلامية من بعض الأفراد الخارجين على ولاة الأمر، وبالتالي حماية الدولة الإسلامية والتأكيد على وحدتها.
ونرى أن حفظهم للمسجد الذي بناه المسلمون في فناء المدينة هو الأثر الأهم والنتيجة الأعظم لهذا الصلح الطيب، فوجود المسجد وعدم التعرض للمسلمين في المدينة يعنى انتشار الإسلام بين الناس، ولأن المسجد في الإسلام مكانته عظيمة وهو منطلق الدعوة ومركزها وكان أول شيء يقوم به المسلمون في أي مكان يخلونه هو بناء المسجد اقتداء بنبيهم صلى الله عليه وسلم الذي بنى مسجدا بالمدينة بمجرد وصوله إليها، ومع اشتراط حفظهم لمن يدخل بلادهم من المسلمين فهذا يعني انتشار الإسلام بسهولة ويسر، حيث إن تجار المسلمين والمسافرين الذي لا يتوقفون عن الحركة على مدار العام سيعملون على دعوة الناس إلى الإسلام، في حين أن هؤلاء الدعاة من التجار وغيرهم يكونون في مأمن طالما كانوا في أرض النوبة فلا يتعرض لهم أحد.
وهنا شبهة يرددها الصليبيون الحاقدون على الإسلام وأهله، يجب أن نفندها ونبين كذبهم وافتراءهم فيها، فهم يدعون أن هذه الاتفاقية كانت تجبر أهل النوبة –وهم نصارى على حد زعمهم- على بيع أولادهم للمسلمين كي يتقوا شرهم، فيحاولون إيهام الناس أن ذلك العدد من الرقيق الذي يجب على النوبيين إرساله للمسلمين سنويا، كانوا أبناء النصارى، وهذا كذب وافتراء فالاتفاقية تنص على تسليم ثلاثمائة وستين رأسا من أوسط رقيقهم، ولا تنص على ثلاثمائة وستين رأسا من أوسط فتيانهم أو شبابهم، والمعنى واضح والفرق شاسع بين اللفظين، فشتان شتان بين الرقيق والفتى أو الشاب.

لقد كان لهذا الصلح أثر عظيم في انتشار الإسلام في بلاد السودان وجنوبها، لقد استغل المسلمون الأوائل هذه المعاهدة في نشر الإسلام في تلك البلاد، وكان المسجد الذي بناه المسلمون في فناء دنقلة مركزا لنشر الإسلام في بلاد النوبة وجنوبها، وإن هذا الصلح ليؤكد كذب الذين يدعون بأن انتشر بحد السيف؟!، فليخبرونا إذاً كيف أسلم أهل النوبة والسودان وتلك البلاد النائية في أفريقيا التي لم تصلها جيوش المسلمين في أي عصر من العصور؟!
إن هذا الصلح ليؤكد براعة وذكاء وفهم المسلمون الأوائل للواقع الذي يعيشونه وكيفية التعامل مع هذا الواقع بشكل يخدم مصالح الأمة الإسلامية ويعمل على نشر الدين الإسلامي ولا يتعارض مع أحكام شريعة رب السماء جل في علاه، ولا سنة نبيه المصطفى محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، وإن هذه هي السياسة التي يجب أن نتعامل بها ويجب أن نتعلمها، فلن يعود للإسلام عزه ومجده ولن تعود للأمة كلها القيادة والريادة في هذا العالم إلا باتباع هدى المصطفى، والنظر في أفعال سلفنا الصالح الصحابة والتابعين.

المراجع
♦ من معارك المسلمين في رمضان للعبيدي.
♦ الكامل في التاريخ لابن الأثير
♦ فتوح البلدان للبلاذري.

المصدر : موقع الألوكة
عن موقع قصة الإسلام

إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#95

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)


معركة موهاكس

تامر بدر


معركة موهاكس وقعت سنة (932هـ/1526م) بين الخلافة العثمانية بقيادة سليمان القانوني, وبين مملكة المجر بقيادة فيلاد يسلاف الثاني جاجليو, وانتصر فيها المسلمون انتصارًا ساحقًا؛ مما أدَّى إلى ضم المجر إلى الدولة العثمانية.

أسباب معركة موهاكس
كان ملك المجر فيلاد يسلاف الثاني جاجليو قد عزم على نقض أي تعهدات كانت قد أُعطيت من قِبل أسلافه لسلاطين الدولة العثمانية، وذهب إلى حدِّ قتل مبعوث السلطان سليمان إليه، وكان المبعوث يُطالب بالجزية السنوية المفروضة على المجر, ولهذا ردَّ سليمان بغزوة كبيرة ضد المجر.

التحرك لمعركة موهاكس
سار السلطان سليمان من إستانبول في (11 رجب 932هـ/23 إبريل 1526م) على رأس جيشه، الذي كان مُؤَلَّفًا من نحو مائة ألف جندي، وثلاثمائة مدفع وثمانمائة سفينة، حتى بلغ بلجراد، ثم تمكَّن من عبور نهر الطونة بسهولة ويسر؛ بفضل الجسور الكبيرة التي تمَّ تشييدها.
وبعد أن افتتح الجيش العثماني عدة قلاع حربية على نهر الطونة وصل إلى "وادي موهاكس" بعد 128 يومًا من خروج الحملة، قاطعًا ألف كيلومتر من السير، وهذا الوادي يقع الآن جنوبي بلاد المجر على مسافة 185 كم شمال غربي بلجراد، و170 كم جنوبي بودابست، وكان في انتظاره الجيش المجري البالغ نحو مائتي ألف جندي، من بينهم 38 ألفًا من الوحدات المساعدة التي جاءت من ألمانيا، ويقود هذه الجموع الجرارة الملك "فيلاد يسلاف الثاني جاجليو".

اللقاء المرتقب
وفي صباح يوم اللقاء (21 ذي القعدة 932هـ/29 أغسطس 1526م) دخل السلطان سليمان بين صفوف الجند بعد صلاة الفجر، وخطب فيهم خطبة حماسيَّة بليغة، وحثَّهم على الصبر والثبات، ثم دخل بين صفوف فيلق الصاعقة، وألقى فيهم كلمة حماسية استنهضت الهمم، وشحذت العزائم، وكان مما قاله لهم: "إن روح رسول الله صلى الله عليه وسلم تنظر إليكم". فلم يتمالك الجند دموعهم التي انهمرت تأثُّرًا مما قاله السلطان.
وفي وقت العصر هجم المجريون على الجيش العثماني، الذي اصطف على ثلاثة صفوف، وكان السلطان ومعه مدافعه الجبارة وجنوده من الإنكشاريين في الصف الثالث، فلما هجم فرسان المجر وكانوا مشهورين بالبسالة والإقدام، أمر السلطان صفوفه الأولى بالتقهقر حتى يندفع المجريون إلى الداخل، حتى إذا وصلوا قريبًا من المدافع، أمر السلطان بإطلاق نيرانها عليهم..
فحصدتهم حصدًا، واستمرَّت الحرب ساعة ونصف الساعة، في نهايتها أصبح الجيش المجري في ذمة التاريخ، بعد أن غرق معظم جنوده في مستنقعات وادي موهاكس، ومعهم الملك فيلاد يسلاف الثاني جاجليو وسبعة من الأساقفة، وجميع القادة الكبار، ووقع في الأسر خمسة وعشرون ألفًا، في حين كانت خسائر العثمانيين مائة وخمسين شهيدًا، وبضعة آلاف من الجرحى.

نتائج معركة موهاكس
كانت معركة موهاكس من المعارك النادرة في التاريخ، حيث هُزم أحد أطرافها على هذا النحو من مصادمَة واحدة، وفي وقت قليلٍ لا يتجاوز ساعتين، وترتب عليها ضياع استقلال المجر بعد ضياع جيشها على هذه الصورة في هزيمة مروعة. وبعد اللقاء بيومين في (23 ذي القعدة 932هـ/31 أغسطس 1526م) قام الجيش العثماني بعمل استعراض أمام السلطان سليمان، وقام بأداء التحية له وتهنئته، وقام القادة بدءًا من الصدر الأعظم بتقبيل يد السلطان.
ثم تحرك الجيش نحو الشمال بمحاذاة ساحل الطونة الغربي، حتى بلغ بودابست عاصمة المجر، فدخلها في (3 ذي الحجة 932هـ/10 سبتمبر 1526م)، وشاءت الأقدار أن يستقبل في هذه المدينة تهاني عيد الأضحى في سراي الملك، وكان قد احتفل بعيد الفطر في بلجراد في أثناء حملته الظافرة.
مكث السلطان في المدينة ثلاثة عشر يومًا يُنَظِّم شئونها، وعَيَّن "جان زابولي" أمير ترانسلفانيا ملكًا على المجر، التي أصبحت تابعة للدولة العثمانية، وعاد السلطان إلى عاصمة بلاده، بعد أن دخلت المجر في سلطان الدولة العثمانية.

المصدر: كتاب (أيام لا تنسى.. صفحات مهمة من التاريخ الإسلامي) تأليف تامر بدر، تقديم: الدكتور راغب السرجاني، دار أقلام للنشر والتوزيع والترجمة، الطبعة الأولى، 1432هـ/2011م.

عن موقع قصة الإسلام

إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#96

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

قازان.. معركة المائة يوم

المكان: دمشق - الشام.
الموضوع: التتار يحتلون دمشق لمدة مائة يوم.

الأحداث:
ارتبط اسم التتار أو المغول في أذهاننا بالبربرية والفظاعة والقسوة والغلظة وسفك الدماء وانتهاك الأعراض، وفوق كل ذلك سقوط الخلافة العباسية عام 656هـ, ولقد أصاب المسلمين الجزء الأكبر من تلك الفظائع، فلقد عظمت مصيبتهم على المسلمين حتى إننا نجد أن المؤرخ ابن الأثير في تاريخه الكامل يرفض كتابة تلك الأحداث إلا بعد إلحاح كبير من تلاميذه، لأنه يظن أنه نعي للإسلام وأهله! غير أنه رويدًا ما دخل التتار في الإسلام، خاصة أفراد القبيلة الذهبية المعروفة بمغول الشمال وقائدهم "بركة خان"، الذي حارب ابن عمه "هولاكو" من أجل الإسلام.
ولقد قسم جنكيز خان البلاد على أولاده الأربعة، وكانت بلاد الإسلام من نصيب هولاكو بن أوغطاي، الذي كان في قمة الحقد والكفر والبغض للإسلام، وهو الذي أسقط الخلافة، واستمر أولاده من بعده على هذا الخط حتى جاء الدور على "قازان بن أرغون بن أيغا بن تولي بن جنكيز خان" الذي اعتنق الإسلام سنة 694هـ على يد الأمير توزون رحمه الله، وأسلم مع قازان الذي سمى نفسه "محمود" حوالي سبعون ألفًا من التتار! وكان يوم إسلامه مشهودًا، وظهرت شعائر الإسلام في التتار، وخرب قازان الكنائس في بلده، وضرب الجزية على النصارى، ورد المظالم إلى أهلها.
إلا أنه مع الأسف لم يغير الإسلام كثيرًا في طبائع هؤلاء المتبربرين؛ حيث واصل قازان هجومه على بلاد المسلمين على عادة أسلافه من التتار، وقرر قازان الهجوم على بلاد الشام، وعندما وصلت الأخبار إلى أهل الشام دخلهم خوف عظيم، وخرج كثير من أهل الشام إلى بلاد مصر ودمشق.
سلطان مصر والشام يقرر التحرك سريعًا إلى الشام حتى يمنع تقدم جيوش التتار إلى بلاد الشام، وكان سلطان البلاد هو الناصر محمد بن قلاوون ونائبه على الشام الأمير قوش الأفرم، دخل السلطان الناصر دمشق في 8 ربيع أول سنة 699 هـ، ومكث فيها تسعة أيام، ثم خرج للقاء التتار عند بلدة حماة، وخرج معه آلاف المتطوعين، وأخذ الناس في الدعاء والبكاء والقنوت.
في يوم الأربعاء 27 ربيع أول 699هـ، وفي وادي الخزندار بقرية سلمية -مسقط رأس الباطنية- التقت الجيوش الإسلامية مع الجيوش التتارية -المسلمة ظاهرًا- وهُزم المسلمون شر هزيمة، وهرب السلطان، وقتل عدد كبير من الأمراء والفقهاء والمتطوعة، وعندما وصلت الأخبار إلى أهل دمشق ركبهم هم وحزن وخوف شديد، وهرب من دمشق الأعيان والقضاة والوالي والنواب، وبقيت دمشق لا حاكم لها سوى أمير القلعة الأمير أرجواش، بيّض الله وجهه.
في هذا الوقت العصيب قرر شيخ الإسلام ابن تيمية التحرك سريعًا لإنقاذ دمشق من الدمار الشامل، فجمع عددًا من الأعيان، وساروا إلى معسكر التتار حتى يكلموا "قازان" ويأخذوا لأهل دمشق الأمان، فدخلوا عليه، وكلمه ابن تيمية بكلام شديد فيه قوة وجراءة نفعت المسلمين، في هذا الوقت عاث المفسدون واللصوص من الفساد في دمشق، ونهبت الدور، وعظم الخطب، واشتد الغلاء، ثم دخلت جيوش التتار ضواحي مدينة دمشق، وأعلن ضمها لممالك الدولة الإلخانية –التتار- وسلطانها "قازان"، وعين قازان على دمشق واليها السابق "قبحق المنصوري" والذي كان قد فر من السلطان والتحق بالتتار.
خطب للسلطان "قازان" على منابر دمشق، وأذن لهم في نهب ضواحي دمشق، فنهبوا دير الحنابلة، قتلوا رجاله وسبوا نسائه، ثم قتلوا من أهل الصالحية أربعمائة، وأسروا أربعة آلاف، وكذلك أهل بداريا، وعندها حاول ابن تيمية الدخول مرة أخرى على "قازان" ولكن وزيره اليهودي المسلماني منعه.
أراد التتار احتلال دمشق كلها بعد أن أخذوا ضواحيها وما جاورها، ولكن أمير القلعة أراجون وقف لهم بالمرصاد، وفرضت على أهل دمشق أموالاً عظيمة، ونصبوا المجانيق على القلعة لفتحها، وامتنع الناس من الخروج من ديارهم، ومن يخرج يُؤخذ للعمل في السخرة لضم خندق القلعة الحصينة لفتحها، والأمير أرجواش مستميت في الدفاع عنها عملاً بنصيحة شيخ الإسلام ابن تيمية.
عندما تولى الأمير قبجق دمشق نائبًا عن "قازان" أمر بفتح المحال وممارسة الحياة بصورة طبيعية، وشعر بنفسه كأنه سلطان بعد أن كان مطاردًا هاربًا من قبل، ثم أنه أساء السيرة جدًّا، وفتح الخمارات والمواخير، وانتشر الفسق والفساد، هذا وشيخ الإسلام مشغول بفك أسارى المسلمين عند التتار، واستطاع أن يستنقذ كثيرًا منهم بفضل الله.
جاء الفرج من عند الله عندما قرر "قازان" ترك نوابه بالشام والتوجه إلى العراق، وفي نيته العودة مرة أخرى لاحتلال باقي بلاد الشام، ثم أخذ البلاد المصرية، فلما انصرف قازان أغار الأمير أرجواش على التتار، وكسر المجانيق، وقتل بعض من كان يناصح التتار على المسلمين، ثم بانت بوادر البشرى عندما جاءت الأخبار بسير العساكر المصرية إلى الشام لمحاربة التتار، وواكب ذلك رحيل باقي قوات قازان التي تركها للحراسة في الشام، فقام أرجواش وسيطر على دمشق وحفظ الأبواب والأسوار، وأمر كل الرجال بحمل السلاح والصمود أمام التتار لو أرادوا العودة.
أعيدت الخطبة مرة أخرى للسلطان الناصر وقطعت عن "قازان" بعد أن سيطر على دمشق وبلاد الشام مائة يوم، وقام شيخ الإسلام ابن تيمية وتلاميذه بحرق الخمارات والحانات وإراقة الخمور، وكسر آلات المعازف، وفرح الناس بذلك، وأخذ الوالي عددًا ممن كان يساعد التتار على المسلمين، وقتلوا بعضهم وقطعوا بعضهم وسمروا آخرين، ثم قاد ابن تيمية عددًا من المتطوعين وقاتلوا أهل جبال الجرد وكسروان بدمشق لفسادهم وبطلان عقائدهم وكفرهم وضلالهم، وقمع الله شرهم، ثم كان من توابع تلك المعركة الكبيرة "معركة قازان" أن أفتى ابن تيمية أن يتعلم الناس الرمي والقتال وتعليق الأسلحة بالدكاكين والاستعداد للقتال في أي وقت.

المراجع:
1. البداية والنهاية 14/8.
2. النجوم الزاهرة 8/59.
3. التاريخ الإسلامية 7/173.
4. الموسوعة الميسرة ص474.

المصدر: موقع مفكرة الإسلام.
عن موقع قصة الإسلام

إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#97

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)


معركة سومنات.. فتح الهند الأعظم


المكان: مدينة "سومنات" - نهر "الجانح" الهند
الموضوع: المسلمون بقيادة "محمود بن سبكتكين" يفتحون بلاد "الهند".

الأحداث:
يعتبر دخول الإسلام إلى بلاد الهند الشاسعة أشبه ما يكون بالملاحم الأسطورية التي سطرها كبار المؤلفين والمؤرخين، والإسلام قد دخل بلاد الهند الضخمة والواسعة منذ القرن الأول الهجري، ولكنه ظل في بلاد السند بوابة الهند الغربية فترة طويلة من الزمان، حتى جاء العهد الذي اقتحم فيه الإسلام تلك البلاد الكبيرة المتشعبة الأفكار والعادات، والمبنية على نظام الطبقات، فاصطدم الإسلام ليس فقط مع القوة المادية والجيوش الحربية, ولكنه اصطدم أيضا مع الأفكار الغربية والانحرافات الهائلة والضلالات المظلمة, لذلك فإن معركة الإسلام مع الكفر بأنواعه الكثيرة بالهند ظلت لمئات السنين، وما زالت قائمة حتى وقتنا الحاضر والذي نلمسه جليًّا في المذابح والمجازر السنوية والموسمية التي يقوم بها عباد البقر من الهندوس ضد المسلمين، الذين تحولوا من قادة وحكام للبلاد إلى أقلية وذلك رغم ضخامة أعدادهم مقارنة بغيرهم من بلدان العالم.

الإسلام والهند:
بلاد الهند قديمًا قبل التقسيم الحالي كانت تشمل بجانب الهند كلاًّ من "باكستان، وأفغانستان، وبورما", وغيرهم إلى حدود الصين، وكانت منقسمة إلى بلاد الهند وبلاد السند، لذلك فلقد عرفت عند الجغرافيين باسم "شبه القارة الهندية" لضخامتها، ولقد دخل الإسلام إلى بلاد السند منذ الأيام الأولى للدولة الإسلامية، وبالتحديد سنة 15 هجرية في خلافة "عمر بن الخطاب"عن طريق الحملات الاستكشافية التي قادها "الحكم بن العاص" الذي وصل إلى ساحل الهند، وتواصلت الحملات الاستكشافية أيام أمير المؤمنين "عثمان بن عفان", ولكنه t رفض إرسال جيوش كبيرة خوفًا على المسلمين لبعد البلاد واتساعها.
ظل الأمر هكذا حتى صدر الدولة الأموية, وعندما تولى "زياد بن أبيه" العراق وما بعدها، فقرر أن يجعل سواحل الهند ولاية منفصلة سميت بالثغر، وتشمل المساحة التي تلي: (سجستان, وزابلستان, وطخارستان) أفغانستان الآن, وكان أول من تولاها رجل اسمه "راشد بن عمرو" ومن يومها بدأت الحملات الجهادية القوية للفتح الإسلامي للهند، وبرز رجال في تلك الحملات أمثال: "عباد بن زياد وسعيد بن أسلم ومحمد بن هارون", وكلهم أكرمهم الله بالشهادة في ميادين الجهاد.
كان التحول الكبير في مسيرة الفتح الإسلامي للهند عندما تولى الشاب القائد "محمد بن القاسم الثقفي" رحمه الله قيادة الحملات الجهادية بناحية السند، وحقق انتصارات هائلة بالقضاء على ملك السند "داهر البرهمي", وفتح معظم بلاد "السند" وضمها للدولة الإسلامية، وأزال عنها شعائر الشرك والكفر والبوذية والبرهمية، وذلك سنة 89 هجرية، ولكن "محمد بن القاسم" ما لبث أن راح ضحية لمؤامرة دنيئة قامت بها "صيتا ابنة داهر", حيث ادعت وافترت عليه كذبًا أنه اغتصبها، وسجن "ابن القاسم" ومات في سجنه، وحزن عليه أهل "السند" حزنًا شديدًا، وبموته توقفت حركة الفتح الإسلامي للهند.
وبعد ذلك انتفض ملوك "الهند" و"السند" وعادوا إلى عروشهم، فلما تولى الخليفة الراشد "عمر بن عبد العزيز" كتب إلى ملوك "السند" يدعوهم إلى الإسلام والطاعة على أن يظل كل ملك منهم مكانه، وله ما للمسلمين وعليه ما عليهم، فأجابوه، ودخلت بلاد "السند" كلها في الطاعة للمسلمين، وأسلم أهلها وملوكها وتسموا بأسماء العرب، وبهذا أصبحت بلاد "السند" بلاد إسلام، وقد اضطرب أمر "السند" في أواخر أيام بني أمية، ولكنها عادت إلى الطاعة والانتظام في أيام "أبي جعفر المنصور" وفي أيامه افتتحت "كشمير" ودخلت في دولة الإسلام، ولكن ظلت بلاد "الهند" الغربية بعيدة عن الإسلام حتى ظهرت عدة دول محلية موالية للخلافة العباسية، ولكنها مستقلة إداريًّا وسياسيًّا وماليًّا، ومن أعظم تلك الدول المحلية التي ساعدت على نشر الإسلام دولة الغزنويين وقائدها الفاتح الكبير "محمود بن سبكتكين".

الدولة الغزنوية:
اسمها مشتق من اسم عاصمتها وهى مدينة "غزنة" الموجودة حاليًا بأفغانستان وأصل هذه الدولة يرجع إلى القائد "سبكتكين" الحاجب التركي الذي عمل في خدمة الأمير "عبد الملك بن نوح الساماني" وترقى في المناصب وارتفعت به الأطوار حتى نال رضا أمراء "السامانية" فعينوه واليًا على "خراسان" و"غزنة" و"بيشاور"، فكون نواة الدولة "الغزنوية" وتفرغ لمحاربة أمراء وملوك "الهند" وخاصة ملوك شمال "الهند"، وأكبرهم الملك "جيبال" الذي قاد ملوك وأمراء الشمال الهندي، واصطدم مع المسلمين بقيادة "سبكتكين" سنة 369هـ، وكان النصر حليفًا للمسلمين، فرسخ بذلك "سبكتكين" الوجود الإسلامي وكذا أركان دولته الوليدة ببلاد الأفغان و"طاجيكستان".

وكل ما قام به "سبكتكين" كان باسم "السامانيين" وملوك ما وراء النهر، ولم يعلن استقلاله حتى وقتها، ثم قام بأداء أعظم مهمة لصالح الدولة "السامانية" عندما قضى على قوة "البويهيين" الشيعة بنيسابور سنة 383هـ، فقام الأمير نوح بن نصر الساماني بتعين "محمود بن سبكتكين" واليًا على نيسابور، وبالتالي غدت الدولة الغزنوية أوسع من الدولة السامانية نفسها، ومات سبكتكين سنة 388هـ، وخلفه ابنه محمود لتدخل المنطقة عهدًا جديدًا من الفتوحات، لم تعرف مثله منذ أيام الخليفة "الفاروق".

الفاتح الكبير:
لم يكد الأمر يستقر للقائد الجديد "محمود بن سبكتكين" حتى بدأ نشاطًا جهاديًّا واسعًا أثبت أنه من أعاظم الفاتحين في تاريخ الإسلام، حتى قال المؤرخون: إن فتوحه تعدل في المساحة فتوح الخليفة "عمر بن الخطاب"، وقد اتبع سياسة جهادية في غاية الحكمة تقوم أساسًا على تقوية وتثبيت الجبهة الداخلية عسكريًّا وسياسيًّا وعقائديًّا وهو الأهم فعمل على ما يلى:

1- القضاء على كل المذاهب والعقائد الضالة المخالفة لعقيدة أهل السنة والجماعة مثل الاعتزال والتشيع والجمهية والقرامطة والباطنية، والعمل على نشر عقيدة السلف الصالح بين البلاد الواقعة تحت حكمه.

2- قضى على الدولة "البويهية" الشيعية والتي كانت من عوامل التفرق والانحلال في الأمة الإسلامية كلها، حتى بلغ بها الأمر في التفكير بالعودة للعصر الساساني الفارسي، واتخاذ ألقاب المجوس مثل: شاهنشاه, وبالقضاء على تلك الدولة الرافضية قدم السلطان محمود أعظم خدمة للإسلام.

3- أزال الدولة السامانية التي بلغت حالة شديدة السوء من الضعف والانحلال أثرت بشدة على سير الحملات الجهادية والفتوحات على الجبهة الهندية.

4- أدخل بلاد الغور وسط أفغانستان وهي مناطق صحراوية شاسعة في الإسلام، وأرسل إليهم معلمين ودعاة وقراء، وقضى على دولة القرامطة الصغيرة بالملتان، وكان يقودها رجل اسمه أبو الفتوح داود وأزال عن هذه البلاد العقائد الضالة والفرق المنحرفة مثل الباطنية والإسماعيلية.

5- أعلن خضوع دولته الضخمة وتبعيتها للخلافة العباسية ببغداد وخطب للخليفة العباسي القادر بالله وتصدى لمحاولات وإغراءات الدولة الفاطمية للسيطرة على دولته، وقام بقتل داعية الفاطميين التاهرتي الذي جاء للتبشير بالدعوة الفاطمية ببلاد "محمود بن سبكتكين"، وأهدى بغلته إلى القاضي "أبي منصور محمد بن محمد الأزدي", وقال: "كان يركبها رأس الملحدين، فليركبها رأس الموحدين".
وهكذا ظل السلطان "محمود بن سبكتكين" يرتب البيت من الداخل ويقوي القاعدة إيمانيًّا وعقائديًّا وعسكريًّا، ويكون صفًّا واحدًا استعدادًا لسلسلة الحملات الجهادية الواسعة لفتح بلاد "الهند".

فتوحات الهند الكبرى:
بدأ السلطان محمود فتوحاته الكبيرة ببلاد الهند من مركز قوة بعد أن ثبت الجبهة الداخلية لدولته، فقد كان يسيطر على سهول البنجاب فكانت مداخل الجبال وممر خيبر الشهير في يده، وكذلك لم يكن هناك مناوئ أو معارض داخلي للسلطان "محمود" يعيق حملاته الجهادية، والهضبة الإيرانية كلها تحت حكمه وسيطرته، لذلك البداية في غاية القوة.
بدأت الحملات الجهادية بحملة كبيرة على شمال "الهند" سنة 392هـ، حيث انتصر السلطان "محمود" على ملك الهند الكبير والعنيد "جيبال" وجيوشه الجرارة، ووقع جيبال في الأسر، فأطلقه السلطان محمود لحكمة يعلمها الله ثم هو, وهي إذلاله نتيجة حروبه الطويلة ضد المسلمين منذ أيام والده السلطان "سبكتكين"، وكان من عادة الهنود أنه إذا وقع أحد منهم في أيدي المسلمين أسيرًا لا تنعقد له بعدها رياسة، فلما رأى جيبال ذلك حلق رأسه ثم أحرق نفسه بالنار، فاحترق بنار الدنيا قبل الآخرة.

غزا السلطان محمود بعد ذلك أقاليم: ويهنده، والملتان، وبهاتندة، ثم حارب أناندابال، وانتصر عليه، وأزال حكمه من شمال الهند تمامًا وقضى على سلطانه في البنجاب, وبعد ذلك مباشرة عمل على نشر الإسلام الصحيح في كل نواحى السند إلى حوض البنجاب.
تصدى السلطان محمود لمحاولة أمراء شمال الهند استعادة ما أخذ المسلمون، وانتصر عليهم في معركة هائلة سنة 398هـ، وفتح أحصن قلاع الهند قلعة بيهيمنكر على جبال الهملايا، وأخضع مدينة ناردبين أحصن وأقوى مدن إقليم الملتان.

وفي سنة 408هـ فتح السلطان محمود إقليم كشمير، وحوله لبلد مسلم، وكان لهذا الفتح صدى بعيد نتج عنه دخول العديد من أمراء الهند في الإسلام، وعبر السلطان محمود بجيوشه نهر الكنج أو الجانح وهدم نحو عشرة آلاف معبد هندوسى، ثم هاجم أكبر مراكز البراهمة في موجهاوان وواصل تقدمه وهو يحطم أية قوة هندية تبرز له، ويحول المعابد الهندوسية إلى مساجد يعبد الله فيها وحده، وقد أخذ السلطان محمود على عاتقه نشر الإسلام في بلاد الهند والقضاء على الوثنية فيها، وبلغ في فتوحاته إلى حيث لم تبلغه في الإسلام راية ولم تتل به قط سورة ولا آية.

فتح سومنات:
استمر السلطان محمود بن سبكتكين في حملاته وفتوحاته لبلاد الهند وكان كلما فتح بلدًا أو هدم صنمًا أو حطم معبدًا قال الهنود: إن هذه الأصنام والبلاد قد سخط عليها الإله سومنات ولو أنه راضٍ عنها لأهلك من قصدها بسوء، ولم يعر السلطان محمود الأمر اهتمامه حتى كثرت القالة، وأصبحت يقينًا عند الهنود، فسأل عن سومنات هذا, فقيل له: إنه أعظم أصنام وآلهة الهنود، ويعتقد الهنود فيه أن الأرواح إذا فارقت الأجساد اجتمعت إليه على عقيدة التناسخ فيعيدها فيمن شاء، وأن المد والجزر الذي عنده إنما هو عبادة البحر له.

يقع سومنات على بعد مائتي فرسخ من مصب نهر الجانح بإقليم الكوجرات في غرب الهند، ولهذا الصنم وقف عشرة آلاف قرية، وعنده ألف كاهن لطقوس العبادة، وثلاثمائة رجل يحلقون رءوس ولحى زواره، وثلاثمائة رجل وخمسمائة امرأة يغنون ويرقصون على باب الصنم، وأما الصنم سومنات نفسه فهو مبني على ست وخمسين سارية من الصاج المصفح بالرصاص، وسومنات من حجر طوله خمسة أذرع، وليس له هيئة أو شكل بل هو ثلاث دوائر وذراعان.
عندما اطلع سلطان الإسلام السلطان محمود على حقيقة الأمر عزم على غزوه تحطيمهن وفتح معبده؛ ظنًّا منه أن الهند إذا فقدوه ورأوا كذب ادعائهم الباطل دخلوا في الإسلام، فالسلطان "محمود" لا يبغي من جهاده سوى خدمة ونشر الإسلام, فاستخار الله تعالى وخرج بجيوشه ومن انضم إليه من المتطوعين والمجاهدين وذلك في 10 شعبان سنة 416هـ، واخترق صحاري وقفار مهلكة لا ماء فيها ولا ميرة، واصطدم بالعديد من الجيوش الهندية وهو في طريقه إلى "سومنات"، مع العلم أنه أعلم الجميع بوجهته وهدفه، ليرى الهنود إن كان "سومنات" سيدفع عن نفسه أو غيره شيئًا.
بلغ السلطان محمود بجيوشه مدينة دبولواره على بعد مرحلتين من سومنات، وقد ثبت أهلها لقتال المسلمين ظنًّا منهم أن إلههم سومنات يمنعهم ويدفع عنهم، فاستولى عليها المسلمون، وحطموها تمامًا، وقتلوا جيشها بأكمله، وساروا حتى وصلوا إلى سومنات يوم الخميس 15 ذي القعدة سنة 416هـ، فرأوا حصنًا حصينًا على ساحل النهر، وأهله على الأسوار يتفرجون على المسلمين واثقين أن معبدوهم يقطع دابرهم ويهلكهم.
وفي يوم الجمعة 16 ذي القعدة وعند وقت الزوال كما هي عادة المسلمين الفاتحين زحف السلطان محمود ومن معه من أبطال الإسلام، وقاتلوا الهنود بمنتهى الضراوة، بحيث إن الهنود صعقوا من هول الصدمة القتالية بعدما ظنوا أن إلههم الباطل سيمنعهم ويهلك عدوهم، ونصب المسلمون السلالم على أسوار المدينة وصعدوا عليها وأعلنوا كلمة التوحيد والتكبير وانحدروا كالسيل الجارف داخل المدينة، وحينئذ اشتد القتال جدًّا وتقدم جماعة من الهنود إلى معبدوهم سومنات وعفروا وجوههم وسألوه النصر، واعتنقوه وبكوا، ثم خرجوا للقتال فقتلوا جميعًا, وهكذا فريق تلو الآخر يدخل ثم يقتل, وسبحانه من أضل هؤلاء حتى صاروا أضل من البهائم السوائم، قاتل الهنود على باب معبد الصنم سومنات أشد ما يكون القتال، حتى راح منهم خمسون ألف قتيل، ولما شعروا أنهم سيفنون بالكلية ركبت البقية منهم مراكب في النهر وحاولوا الهرب، فأدركهم المسلمون فما نجا منهم أحد، وكان يومًا على الكافرين عسيرًا، وأمر السلطان محمود بهدم الصنم سومنات وأخذ أحجاره وجعلها عتبة لجامع غزنة الكبير شكرًا لله تعالى.

أعظم مشاهد المعركة:
لهذا المشهد نرسله بصورة عاجلة لكل الطاعنين والمشككين في سماحة وعدالة الدين الإسلامي، وحقيقة الجهاد في سبيل الله وأن هذا الجهاد لم يرد به المسلمون أبدًا الدنيا وزينتها، بل كان خالصًا لوجه الله، ولنشر دين الإسلام وإزاحة قوى الكفر وانطلاقًا من طريق الدعوة الإسلامية.
أثناء القتال الشرس حول صنم سومنات رأى بعض عقلاء الهنود مدى إصرار المسلمين على هدم سومنات وشراستهم في القتال حتى ولو قتلوا جميعًا عن بكرة أبيهم، فطلبوا الاجتماع مع السلطان محمود، وعرضوا عليهم أموالاً هائلة، وكنوزًا عظيمة في سبيل ترك سومنات والرحيل عنه، ظنًّا منهم أن المسلمين ما جاءوا إلا لأجل الأموال والكنوز فجمع السلطان محمود قادته، واستشارهم في ذلك، فأشاروا عليه بقبول الأموال للمجهود الضخم والأموال الطائلة التي أنفقت على تلك الحملة الجهادية، فبات السلطان محمود طول ليلته يفكر ويستخير الله تعالى ، ولما أصبح قرر هدم الصنم سومنات، وعدم قبول الأموال وقال كلمته الشهيرة: "وإني فكرت في الأمر الذي ذكر، فرأيت إذا نوديت يوم القيامة أين محمود الذي كسر الصنم؟ أحب إليَّ من أن يقال: الذي ترك الصنم لأجل ما يناله من الدنيا؟!".

وهكذا نرى هذا الطراز العظيم من القادة الربانيين الذين لم تشغلهم الدنيا عن الآخرة، ولا أموال الدنيا وكنوزها عن نشر رسالة الإسلام وخدمة الدعوة إليه، والذين ضربوا لنا أروع الأمثلة في بيان نصاعة وصفاء العقيدة الإسلامية، وأظهروا حقيقة الجهاد في سبيل الله وغاياته النبيلة.

المصادر:
الكامل في التاريخ/ التاريخ الإسلامي / تاريخ الخلفاء
أطلس تاريخ الإسلام/ البداية والنهاية / النجوم الزاهرة
أيعيد التاريخ نفسه/ سير أعلام النبلاء / فتوح البلدان
وفيات الأعيان/ موسوعة التاريخ الإسلامي

المصدر: موقع مفكرة الإسلام.
عن موقع قصة الإسلام

إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#98

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)


خديعة أخرت فتح القسطنطينية ثمانية قرون

الدكتور خالد الخالدي


حرص المسلمون على فتح القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية منذ وقت مبكر؛ لأن النبي بشَّر بفتحها، وأثنى على فاتحيها فقال:
" لَتُفْتَحَنَّ الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ، فَلَنِعْمَ الأَمِيرُ أَمِيرُهَا، وَلَنِعْمَ الْجَيْشُ ذلك الْجَيْشُ ".
ولأن بقاءها دون فتح يعني بقاء خطر الإمبراطورية البيزنطية التي تطمع في استعادة الشام ومصر، وقد بذلوا في عهد معاوية جهودًا كبيرة لفتحها؛ فغزوها سنة 49هـ بجيش كبير، شارك فيه بعض كبار الصحابة كابن عباس وابن عمر وابن الزبير وأبي أيوب الأنصاري الذي توفي ودُفن قرب سورها..
لكنهم لم ينجحوا في فتحها؛ بسبب حصانة أسوارها، وإحاطة المياه بها من ثلاث جهات، وشدة البرودة حولها، ثم شدة التيارات المائية القادمة من البحر الأسود، والتي كانت تعوق حركة السفن وتردها على أعقابها. ثم غزوها مرة أخرى سنة 54هـ بأسطول ضخم وجيش بري كبير، وحاصروها سبع سنوات، ثم انسحبوا حيث اضطر معاوية لعقد هدنة مع البيزنطيين سنة 60هـ.

وعندما تولى الخلافة سليمان بن عبد الملك (96-99هـ) جعل فتح القسطنطينية هدفه الكبير، وكرَّس كل جهوده لتحقيقه، فأعد جيشًا بريًّا ضخمًا بلغ عدد جنوده نحو ثمانين ألفًا، وآخر بحريًّا حملته أكثر من ألف وثمانمائة سفينة، وزوَّده بالعتاد والمؤن الذي يكفيه لسنوات عديدة، وأوكل قيادة الجيش لأخيه "مَسْلَمة" الخبير بالقتال في أرض الروم، وقرر أن يقيم هو في مرج دابق ويتخذها مركز قيادة متقدمًا لقربها من القسطنطينية، "وأعطى الله عهدًا ألا ينصرف حتى يدخل الجيش الذي وجهه إلى أرض الروم القسطنطينية".

سار مسلمة بجيشه نحو القسطنطينية، وكان كلما فتح مدينة للروم أو حصنًا خربه؛ حتى لا يحتمي به الروم من جديد، وعندما وصل إلى عمورية عاصمة إقليم الأناضول، أحكم عليها الحصار، فاتصل به ليون الأيسوري حاكم الإقليم، وبعث إليه كتابًا عرض فيه المساعدة في فتح القسطنطينية مقابل فك الحصار عن عمورية وعدم تخريبها، "فقرأ مسلمة كتاب ليون على الأمراء وأهل مشورته، فاجتمع رأيهم جميعًا على إجابته إلى ما سأل، وسكت مسلمة بن حبيب بن مسلمة -وهو أمير الجند- فقال مسلمة بن عبد الملك: أيها الشيخ، ما لك لا تتكلم؟ فقال: إن رسول الله ذكر الروم فقال: "أصحاب صحر ونحر ومكر"، وهذه إحدى مكرهم، فلا تعطه إلا السيف. فتضاحك به أمراء الأجناد، وقالوا: كَبِّر الشيخ. وقالوا: ما عسى أن يكون عند ليون مع هذه الجموع!".
وافق مسلمة بن عبد الملك على العرض، فنزل ليون، وسار معه نحو القسطنطينية، وعندما وصلها المسلمون أحكموا حصارها، فطلب ليون السماح له بالدخول إلى القسطنطينية لإقناع قيادتها بالاستسلام، فسمح له، فدخلها، والتقى بقادتها وأهلها، وأكَّد لهم أن المسلمين عازمون على فتح المدينة، وأنهم لن يعودوا قبل تحقيق هدفهم، وأن لديهم إمكانات هائلة تعينهم على النصر والفتح، وبيَّن لهم قدرته على إفشال المسلمين إن توَّجوه ملكًا على القسطنطينية، وإمبراطورًا على الدولة البيزنطية، فوافقوا، وتوجوه ملكًا وإمبراطورًا، فخرج والتقى بمسلمة، وقال له: إن أهل المدينة عازمون على الصمود وعدم الاستسلام؛ لأنهم يعتقدون أن المسلمين غير مصممين على البقاء..
ونصح مسلمة أن يتصرف بشكل يقنع أهل القسطنطينية بعزم المسلمين الأكيد على اقتحام المدينة، وأنهم مستميتون لتحقيق الفتح، واقترح أن يجمع المسلمون كل ما لديهم من طعام ومؤن ويحرقونه؛ ليصدق الروم أن الهجوم على المدينة بات وشيكًا فيستسلموا.

وصدّق مَسْلَمة! وأحرق كل طعام الجيش ومؤنه. وطلب ليون العودة إلى الروم لإقناعهم بأنهم سيتعرضون لهجوم كاسح إذا لم يستسلموا، ودخل إلى المدينة، وأغلق الأبواب، ولم يعُدْ، وأدرك المسلمون أن ليون قد خدعهم، ونفد طعامهم، وجاعوا حتى أكلوا جلود الدواب، يقول الطبري: "وقد خدعه خديعة لو كان امرأة لعيب بها، فلقي الجند ما لم يلق جيش، حتى إن كان الرجل ليخاف أن يخرج من العسكر وحده، وأكلوا الدواب والجلود وأصول الشجر والورق وكل شيء غير التراب".
وعندما علم سليمان بالخديعة التي تعرض لها المسلمون غضب، وأقسم ألا يعود إلى دمشق حتى يجهز الجيش من جديد ويفتح به القسطنطينية، وبدأ الإعداد، لكنه تُوفِّي. وعندما تولى عمر بن عبد العزيز الخلافة، أمر بفك الحصار عن القسطنطينية والعودة؛ بسبب الجوع والإرهاق الذي حلَّ بجيش المسلمين نتيجة لخديعة ليون الأيسوري.
وهكذا فشل المسلمون في فتح القسطنطينية، فتأخر فتحها إلى سنة 857هـ/ 1453م؛ بسبب تصديقهم وعدًا تعهد به أحد قادة الروم.
فهلاّ تعلم القادة في زماننا، وتوقفوا عن تصديق وعود أحفاد الروم وتعهداتهم؟!

المصدر: موقع بصائر، نقلاً عن صحيفة فلسطين (غزة).
عن موقع قصة الإسلام

إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#99

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

معركة الخرطوم


أصبحت السودان تابعة لولاية مصر ومحمد علي باشا كما نص على ذلك الفرمان العثماني 1257هـ/ 1841م، وعندما تولى الخديوي إسماعيل الحكم كانت الحركة الاستعمارية في عنفوانها، فخاف أن يقع السودان فريسة احتلال أوربي، فوضع خطة واسعة المدى لاستكشاف منابع النيل وحماية الوطن السوداني، ولكنه ارتكب خطأ فادحًا؛ إذ عيَّن رجلاً إنجليزيًّا هو السير "صمويل بيكر" حاكمًا عامًّا على السودان..
ذلك لأن صمويل بيكر هذا كان شخصية استعمارية صليبية شديدة الحقد على المسلمين، اتبع سياسة خبيثة ترمي لهدفين: الأول هو اقتطاع منطقة منابع النيل وجعلها مستعمرة إنجليزية. والثاني الإساءة إلى أهل السودان وتأليبهم على المصريين؛ وذلك للحد من انتشار الإسلام في جنوب السودان بعدما أصبح الشمال كله مسلمًا خالصًا. بعد انتهاء ولاية صمويل بيكر خلفه رجل لا يقل حقدًا وصليبية هو "تشارل جورج جوردون".
سار جوردون على نفس السياسة؛ مما أدى لظهور الحركة المهدية بقيادة محمد بن عبد الله المهدي وذلك سنة 1293هـ/ 1876م، وبدأت الثورة المهدية تكسب أنصارًا يومًا بعد يوم حتى قويت شوكتها، وبدأت في العمل والكفاح المسلح. وفي هذه الفترة احتلت إنجلترا مصر سنة 1299هـ/ 1882م، فازدادت الحركة المهدية قوة خاصة بعدما طلب الإنجليز من الجيش المصري الخروج من السودان سنة 1301هـ/ 1884م، وحقق المهديون عدة انتصارات باهرة حتى دانت لهم معظم الولايات السودانية.
طلب اللورد كرومر المندوب السامي البريطاني بمصر من "جوردون" الإشراف على إخلاء السودان من القوات المصرية تمهيدًا لاحتلالها، ولكن "جوردون" رفض ذلك الطلب، وأعلن أن القوات الإنجليزية والمصرية المشتركة بالخرطوم سوف تتحرك للقضاء على الثورة المهدية، وكان ذلك منه غطرسة وتكبرًا دفع ثمنهما عمره ورأسه.
تحركت قوات المهدي باتجاه الخرطوم أواخر سنة 1301هـ/ 1884م، وأرسل المهدي مندوبًا من عنده يطلب من جوردون تسليم الخرطوم، فرفض جوردون وأبى واستكبر بشدة، فضرب المهديون حصارًا شديدًا على المدينة، وعندها تحركت الحكومة الإنجليزية برياسة "جلادستون" وأرسلت قوات لنجدة المحاصرين، وذلك في أوائل سنة 1302هـ/ 1885م..
وعندها قرر المهديون اقتحام المدينة، فاقتحموها في 12 ربيع الآخر سنة 1302هـ/ 1885م، وكان رأس جوردون هي أول رأس تُقطع في هذه المعركة، التي أصبحت بعدها السودان كلها خاضعة للحركة المهدية، وكان لسقوط الخرطوم ومقتل جوردون رجَّة عظمى في إنجلترا، ولكن ثمار الحركة لم تكتمل؛ إذ مات زعيمها بعد ذلك بقليل.

المصدر: موقع مفكرة الإسلام.
عن موقع قصة الإسلام

إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#100

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

معركة دمشق الرهيبة


المكان: دمشق - الشام.
الموضوع: نور الدين محمود وجيوشه يمنعون الفرنج من الاستيلاء على دمشق.

الأحداث: منذ أن وطئت أرجل الفرنج النجسة بلاد المسلمين في سنة 491هـ، وذلك عندما احتلوا أنطاكية على سواحل الشام، وهم يعملون على تحقيق حلمهم الأكبر بالاستيلاء على بلاد المسلمين كلها، ثم ازدادت ثقتهم عندما استولوا على بيت المقدس سنة 492هـ، وثبتوا أقدامهم في الشام، وشرعوا في الاستيلاء على بلاد الشام، وكان لا مراغم لهم ولا ممانع؛ لانتشار الفساد والرفض في تلك المناطق، وكثرة تغيير الولاة، مما سهل مهمة الفرنجة في الشام.
وعلى الرغم من شراسة الحملة الصليبية على الشام، ظلت مدينة دمشق حصنًا منيعًا على الصليبيين، لوجود أمير قوي في المدينة، هو الأمير "ظغتكين" الذي وقف بالمرصاد لهم، ودخل معهم في معارك كبيرة، حفظ خلالها دمشق من السقوط، وساعده في ذلك الأمير الكبير "مودود" صاحب الموصل.
بعد وفاة "ظغتكين" واغتيال مودود على يد الباطنية ظن الفرنجة أن الجو قد خلا لهم، ولكن الله تعالى قيض لبلاد المسلمين رجلاً فذًّا حمل راية الجهاد ضد الفرنج، وكان له ولذريته من بعده الأثر الكبير في جهاد الفرنج، وذلك الرجل هو عماد الدين زنكي، الذي وحّد بلاد الشام والجزيرة، وتفرغ لقتال الفرنج، وحرر كثيرًا من الحصون التي كانت في أيديهم، وعادت الثقة مرة أخرى للمسلمين..
وتغيرت سياسة الفرنج في الشام بعد محاولة التوسع وضم بلاد جديدة، أصبح همهم حفظ ما هو في أيديهم، واستطاع عماد الدين زنكي أن يستعيد مدينة "الرها" سنة 539هـ بعد أن حاصرها فترة قصيرة، وكانت هذه المدينة عندهم من أشرف المدن عند الفرنج، وكان هذا العمل من أعظم أعمال عماد الدين زنكي.
لما اشتدت أصابع الإثم والبغي والشر، واغتالت عماد الدين زنكي أثناء حصاره لقلعة جعبر تنفس الفرنج الصعداء، وظنوا أن الجو قد خلا لهم مرة أخرى، ولكن الأسد قد خلف وراءه أسودًا! فعند موت عماد الدين زنكي, حمل الراية من وراءه ولداه سيف الدين غازي ونور الدين محمود.
كانت أول بوادر الصحوة الصليبية ورد فعل الفرنج, أن مدينة "الرها" أعلنت العصيان، وحاول الفرنج احتلالها مرة أخرى، ولكن نور الدين وقف لهم بالمرصاد، وعندها شعر الفرنج أنهم لن يقووا على حرب نور الدين وسيف الدين، فأرسلوا إلى ملك الألمان يستدعونه إلى الشام.
لبى ملك الألمان نداء الصليب! وجاء من بلاده في جمع عظيم، عازمًا على قصد بلاد الشام والمسلمين، وهو لا يشك في ملكها بأيسر قتال لكثرة جموعه وأمواله، فلما وصل إلى الشام قصده كل من فيها من الصليبيين، وخدعوه وأطاعوه، ومن غرور هذا الصليبي أنه قرر أن يبدأ بمدينة دمشق حصن الإسلام ومعقل الشام الحصين الذي لم يقع قط في أيديهم، وكانت دمشق تحت ولاية "معين الدين إنز"، فجمع المقاتلين، ونظم صفوفه، وقرر الصمود أمام الصليبيين، ولكنه لما أحس بكثرة جموع الصليبيين أرسل مستغيثًا بسيف الدين غازي ونور الدين محمود.
تقدم ملك الألمان بجيوشه الجرارة حتى نزل بالميدان الأخضر على بعد نصف فرسخ من دمشق، وأيقن الجميع أنه سيملك دمشق، ولكن كان لوصول جيوش سيف الدين غازي ونور الدين محمود الأثر الطيب في معنويات المسلمين, ودارت رحى حرب طاحنة هائلة جدًّا, حمد المسلمون فيها صمودًا عجيبًا واستمالوا في الدفاع عن المدينة، وطموح كل كبير وصغير لجهاد الصليبيين..
وكان فيمن خرج للقتال حجة الدين يوسف بن ذي باس الغندلاوي المعزي شيخ المالكية، وقد جاوز التسعين من عمره! فلما رآه معين الدين وهو خارج للقتال قال له: "يا شيخ! إنك معذور لكبر سنك", وطلب منه العودة؛ فقال حجة الدين: "لقد بعت واشترى مني، فوالله لا أقلته ولا استقلته!", يعني قول الله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ } [التوبة:111], فتقدم فقاتل حتى قُتل شهيدًا رحمه الله، وقد رآه بعض العلماء في المنام يتقلب في نعيم الجنة.
وأخرج مصحف عثمان وسط صحن الجامع، واجتمع الناس حوله يدعون ويبكون ويتضرعون إلى الله أن ينصرهم على الفرنجة، ولما دخلت جيوش سيف الدين غازي ونور الدين محمود حلبة القتال استطاعت أن تحقق النصر على الأعداء الصليبيين، وقتلوا منهم جمًّا غفيرًا، وكان ممن قتلوا قسيسًا معهم اسمه "إلياس" وهو الذي أغراهم بدمشق، وذلك بأنه افترى منامًا عن المسيح أنه وعده فتح دمشق، فقتل لعنه الله، ورد الله تعالى الصليبيين خائبين خاسرين..
ومدينة دمشق لا سبيل للأعداء عليها من الكفرة؛ لأنها المحلة التي أخبر الرسول تعالى أنها معقل الإسلام عند الملاحم والفتن، وبها ينزل عيسى ابن مريم عليه السلام.

المراجع:
1 - الكامل 9/353.
2 - البداية والنهاية 12/242.
3 - الروضتين في تاريخ الدولتين 1/190.
4 - شذرات الذهب 2/136.
5 - الطريق إلى بيت المقدس 1/68.

المصدر مفكرة الإسلام
عن موقع قصة الإسلام

إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#101

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

الزَّلاَّقة معركة كسبها الإيمان وضيَّع ثمارها الخلاف

الدكتور محمد عبد الحميد عيسى


التاريخ ذاكرة الشعوب، وحاستها المنبهة، ومن ثَمَّ فهو أهم عوامل تحريك هذه الشعوب نحو غاياتها، والادراك الواعي بالتاريخ ليس عملية سهلة أو بسيطة، لكنه أقسى من آلام الميلاد نفسها إن لم يشكل هذا الادراك وهذا الوعي جديداً بكل ما يصاحبه من آلام ومن تمخضات.
وربما كان هذا هو السبب في سعي القوى الاستعمارية والعدائية عامة إلى التعتيم على تاريخ الأمة العربية الإسلامية، وإلى العمل على طمس هذا التاريخ وتزييفه، وليست غريبة تلك الأصوات الناعقة بقطع صلتنا بالماضي، بل ووصول بعضها إلى القول بإلقاء تراثنا في البحر ثم تمضي بعد ذلك.
أقول: إن هذه الأصواب –بنيّة أو بغير نية- إنما تخدم مصالح أعداء هذه الأمة حين توصي بإهمالها لتراثها، ومن ثم لتاريخها.
وأهمية التاريخ الحقيقية تكمن في دراسته واستيعابه لكي نتمكن، على ضور الإفادة من تجاربه من تصحيح الحاضر، والاستعداد للمستقبل.
ومعركة الزلاقة التي وقعت في شهر رجب من عام 479هـ الموافق أكتوبر من عام 1086م هي درس التاريخ الذي لا يُنسى، وإنما يدق بقوة على أفئدة وعقول أمتنا العربية الإسلامية لكي ينبهها إلى أن النصر والغلبة ليسا بحاجة إلى كثرة العدد والعدة فحسب، وإنما يجب أن يسبقهما الإيمانُ الكامل بالمبدأ، والاستعداد للتضحية من أجله، ومن ثَمَّ إذا ما توافر عنصر الإيمان واليقين والأخذ بالأسباب، فإن نصر الله قادم لا محالة.. بل هو رهن المؤمنين، فهو القائل عز وجل: { وكان حقاً علينا نصرُ المؤمنين } .
ولنستعرض معاً أيها القارئ الكريم قصةَ تلك المعركة وظروفها وتطوراتها والنتائج المترتبة عليها..

أحوال المسلمين قبل الزلاقة
شهد القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي، قمة التقدم الحضاري والسياسي في بلاد الأندلس، وأضحت قرطبة عروس الغرب، وحكامها خلفاء بني أمية يتمتعون بمكانة عالية، سياسياً وعسكرياً وحضارياً، ولم يدر بخلد أحد أن هذا الصراع الذي تسامى عالياً على عهد المنصور بن أبي عامر كان يحمل في طياته عوامل هدمه وفنائه، فما أن مات المنصور، ومن بعده ابنه عبد الملك، حتى ثار القرطبيون على عبد الرحمن بن المنصور، وبدأت سلسلة من الأحداث الدامية أدَّت في النهاية إلى تمزق هذه الدولة تمزقاً يؤلم الصدور، وقامت في جوانبها خلافات وممالك وسلطنات لا حول لها ولا قوة، بل إن قواها قد وجهت ضد بعضها بعضاً حتى أنهكت القوى واضمحلت الأندلس كما يقول الأستاذ محمد عبد الله عنان: »الصرح الشامخ، الذي انهارت أسسه وتصدع بنيانه، وقد انتقضت أطرافها، وتناثرت أشلاؤها، وتعددت الرياسات في أنحائها، لا تربطها رابطة، ولا تجمع كلمتها مصلحة مشتركة، لكن تفرق بينها، بل على العكس منافسات وأطماع شخصية وضيعة، وحروب أهلية صغيرة تضطرم بينها«.
وفي كل ناحية من نواحي الأندلس، قامت دويلة أو مملكة هشة، اتخذ أصحابها ألقاب الخلافة ورسوم الممالك، دون أن يكون لهم من ذلك حقيقته أو معناه، وقال الشاعر واصفاً هذه الحالة المؤسفة:
مما يزهدني في أرض أندلس * أسماء معتضد فيها ومعتمدِ
ألقابُ مملكة في غير موضعها * كالهرِّ يحكي انتفاخاً صورة الأسدِ
وكان تمزق الأندلس على هذا الشكل المأساوي ضرب لكيان الدولة الإسلامية لم تفق منها أبداً، بل إنها كانت البداية الحقيقية لانحلال الدولة الإسلامية رغم ما انتابها في بعض الأحيان من صحوات ويقظة مدت في عمرها هنا مئات الأعوام.
واكب هذا الضعف الأندلسي تولي الملك ألفونسو السادس عرش قشتالة، الذي عمل جهده للاستفادة من هذا التدهور الذي أحاط بالدولة الإسلامية هناك، فبدأ باستغلال الصراع الدائر بين هذه الممالك، وأخذ يضرب بعضها ببعض، ويفرض عليها الأتاوات والغرامات حتى يستنفد طاقتها، ومن ثم تسقط في يده كالثمرة الناضجة.

سقوط طليلطة
مدينة طليطلة، من أهم المدن الأندلسية، تتوسط شبه الجزيرة تقريباً، وكانت عاصمة القوط قبل الفتح الإسلامي لشبه الجزيرة، ومن هنا كانت أهميتها البالغة، وبالتالي أصبحت مطمعاً لآمال ألفونسو السادس، وخاصة أن حال المدينة كانت سيئة جداً على عهد ملوكها من الطوائف.. وهم أسرة ذي النون.
دبر ألفونسو خطته لغزو المدينة، وأرهب ملوك الطوائف الآخرين وتوعدهم إن قاموا بإنجادها، وحاصرها حتى اضطرها إلى التسليم، ومما يؤسف له وجود قوات ابن عباد ملك أشبيلية ضمن قوات الملك الإسباني، وضد المدينة التي حاولت الصمود أمام مصيرها المؤلم في خريف سنة 477 هـ/1085م.
وسقطت طليطلة بأيدي ألفونسو السادس، ونقل إليها عاصمة ملكه واستتبع سقوطها استيلاءُ الإسبان على سائر أراضي مملكة طليطلة، واستشعر الشاعر فداحة المأساة فهتف يقول:
حثوا رواحلكم يا أهل أندلس * فما البقاء بها إلا من الغلط
الثوب ينسل من أطرافه وأرى * ثوبَ الجزيرةِ منسلاً من الوسطِ
مَن جاورَ الشَّرَّ لا يأمنُ عواقبَه * كيف الحياة مع الحيَّاتِ في سفطِ
لقد كان أسوأ ما في مأساة طليطلة أن ملوك الطوائف المسلمين لم يهبوا لنجدتها أو مساعدتها، بل على العكس، لقد وقفوا موقفاً مخزياً، فاغرين أفواههم جبناً وغفلة وتفاهةً. بل إن عدداً منهم كان ترتمي على أعتاب ألفونسو السادس، طالباً عونه، أو عارضاً له الخضوع.. حتى قيل فيهم:
أرى الملوكَ أصابتهم بأندلس * دوائرُ السوءِ لا تُبقي ولا تذر [1]
وأطمع ذلك الملك ألفونسو السادس بباقي ممالك الطوائف، وانتشت أحلامه بالقضاء عليها الواحدة بعد الأخرى، وتجبر عليهم، وعلا وطغى.. فقام بنقض عهوده التي كان قد قطعها لأهل طليطلة، وحول مسجد طليطلة إلى كنيسة بقوة السلاح، وحطم المحراب ليقام الهيكل مكانه، ويقول ابن بسام في »الذخيرة«:
»وعتا الطاغية أوفونش –ألفونسو- قصمه الله، لحين استقراره بطليطلة واستكبر وأخلّ بملوك الطوائف بالجزيرة وقصر، وأخذ يتجنى ويتعتب، وطفق يتشوق إلى انتزاع سلطانهم والفراغ من شأنهم ويتسبب، ورأى أنهم قد وقفوا دون مداه، ودخلوا بأجمعهم تحت عصاه«.
وبدأ ألفونسو في تنفيذ خططه بالإيغال في إذلال الطوائف، وخاصة المعتمد بن عباد أكبر ملوك الطوائف وأشدهم بأساً، حيث أراد أن يمعن في إذلاله كأقوى أمراء الطوائف، فأرسل إليه رسالة يطلب فيها السماح لزوجته بالوضع في جامع قرطبة وفق تعليمات القسيسين، وقد أثارت هذه الرسالة ابن عباد حتى قيل: إنه قد قتل رسل الملك القشتالي وصلبهم على جدران قرطبة، مما أثار غضب ألفونسو السادس وصمم على الانتقام، وبدأت جيوشه في انتساف الأرض في بسائط إشبيلية وفي الأراضي الإسلامية.

الاستنجاد بالمرابطين
تعالت الأصوات في الأندلس تطالب بالارتفاع فوق الخلافات الشخصية، وتناسي المصالح الذاتية، والاستنجاد بالمرابطين الذين نمت قوتهم في ذلك الوقت على الضفة الأخرى من البحر المتوسط.
قام أبو الوليد الباجي وغيره من فقهاء الأندلس بالدعوة إلى التوحد، وضرورة الاستعانة بإخوة الإسلام الأفارقة من المرابطين، ولقيت الدعوة صدى عند أمراء الأندلس بسبب ازدياد عنف ألفونسو، ورغم كل التحذيرات التي وجهت إلى المعتمد بن عباد، وتخويفه من طمع المرابطين في بلاد الأندلس، إلا أن النخوة الإسلامية قد استيقظت في نفسه، فأصر على الاستنجاد بالمرابطين، وقال قولته التي سارت مثلاً في التاريخ: »لأن أكون راعي جمال في صحراء أفريقية خير من أن أكون راعي خنازير في بيداء قشتالة«.
وتقول بعض الروايات أن ألفونسو قد وصل في بعض حملاته إلى الضفة الأخرى من الوادي الكبير لأشبيلية. وأرسل رسالة سخرية إلى المعتمد بن عباد يقول فيها: »لقد ألمّ بي ذبابكم بعد أن طال مقامي قبالتكم، واشتد الحر، فهلا أتحفتني من قصرك بمروحة أروح بها عن نفسي وأبعد الذباب عن وجهي؟« وردّ ابن عباد على الرسالة بقوله: »قرأتُ كتابك، وأدركت خيلاءك وإعجابك، وسأبعث إليك بمراوح من الجلود المطلية، تريح منك لا تروح عليك«. ويقال إنه كان يقصد بذلك الجيوش المرابطية، ودعوتها إلى الأندلس.

عبور المرابطين
بدأت الجيوش المرابطية العبور من سبتة إلى الجزيرة الخضراء، ثم عبر أميرهم يوسف بن تاشفين في يوم الخميس منتصف ربيع الأول 479هـ/.3 يونية 1086م، ثم تحركت العساكر إلى أشبيبلة، وعلى رأسهم ابن تاشفين، ونزل بظاهرها، وخرج المعتمد وجماعته من الفرسان لتلقيه، وتعانقا، ودعوَا اللهَ أن يجعل جهادهما خالصاً لوجهه الكريم.
استقر الجيش أياماً في أشبيبلة للراحة، ثم اتجه إلى بطليوس في الوقت الذي تقاطرت فيه ملوك الطوائف بقواتهم وجيوشهم.
سار هذا الموكب من الجيش الإسلامي إلى موضع سهل من عمل بطليوس وأحوازها، ويسمى في المصادر الإسلامية بالزلاقة على مقربة من بطليوس.

معركة الزلاقة
لم تكن أعين الملك القشتالي غافلة عن تحرك الجيوش الإسلامية، ولذلك رفع حصاره عن مدينة سرقسطة الإسلامية، وكاتبَ أمراء النصرانية في باقي أنحاء إسبانيا وجنوبي فرنسا يدعوهم لمساعدته، وقدم إلى أحواز بطليوس في جيش كثيف، يقال بأنه حين نظر إليه همس: بهؤلاء أقاتل الجن والإنس وملائكة السماء.
اختلفت الآراء حول عدد الجيشين، لكنها اتفقت جميعها على تفوق ألفونسو السادس في عدد جيشه وعدته، وكانت كل الظروف في صالحه.
جرت الاستعدادات في المعسكرين بكل أشكالها، وبالبحث على الحرب والصبر فيها، وقام الأساقفة والرهبان بدورهم، كما بذل الفقهاء والعباد كل جهودهم.
حاول ألفونسو خديعة المسلمين، فكتب إليهم يوم الخميس يخبرهم أن تكون المعركة يوم الإثنين، لأن الجمعة هو يوم المسلمين، والسبت هو يوم اليهود، والأحد يوم النصارى.
أدرك ابن عباد أن ذلك خدعة، وفعلاً جاءت الأخبار بالاستعداد الجاري في معسكر النصارى، فاتخذ المسلمون الحذر، وبات الناس ليلتهم على أهبة واحتراس بجميع المحلات، خائفين من كيد العدو. وبعد مضي جزء من الليل انتبه الفقيه الناسك أبو العباس أحمد بن رميلة القرطبي، وكان في محلة ابن عباد، فرحاً مسروراً، يقول: إنه رأى النبيَّ [صلى الله عليه وسلم]، فبشره بالفتح والشهادة له في صبيحة غد، وتأهب ودعا، ودهن رأسه وتطيَّب.
فلما كان صباح الجمعة الثاني عشر من رجب سنة 479 هـ زحف ألفونسو بجيشه علىالمسلمين، ودارت معركة حامية، ازداد وطيسُها، وتحمَّل جنودُ الأندلس [من المسلمين] الصدمة الأولى، وأظهر ابنُ عباد بطولة رائعة، وجرح في المعركة، واختل جيش المسلمين، واهتزّت صفوفه، وكادت تحيق به الهزيمة، وعندئذ دفع ابن تاشفين بجيوشه إلى أتون المعركة، ثم حمل بنفسه بالقوة الاحتياطية إلى المعسكر القشتالي فهاجمه بشدة، ثم اتجه صوبَ مؤخرته فأثخن فيه وأشعل النار، وهو على فرسه يرغب في الاستشهاد، وقرْعُ الطبول يدوي في الآفاق، قاتل المرابطون في صفوف متراصة ثابتة، مثل بقية أجنحة المعركة.
ما أن حل الغروب حتى اضطر الملك القشتالي، وقد أصيب في المعركة، إلى الانسحاب حفاظاً على حياته وحياة من بقي من جنده، وطُورِدَ الفارُّون في كل مكان حتى دخل الظلام، فأمر ابنُ تاشفين بالكفِّ. استمرت المعركة يوماً واحداً لا غير – وقد حطم اللهُ شوكة العدو الكافر، ونصرَ المسلمين، وأجزل لديهم نعمه، وأظهر بهم عنايته، وأجمل لديهم صنعه.
وتجمِع المصادر الإسبانية على أن الملك القشتالي ألفونسو السادس قد نجا بأعجوبة في حوالي خمسمائة فارس فحسب، من مجموع جيوشه الجرارة التي كان سيهزم بها الجن والإنس والملائكة.
سَرَتْ أنباء النصر المبين إلى جميع أنحاء الأندلس والمغرب، وسرى البشرُ بين الناس، وأصبح هذا اليوم مشهوداً من أيام الإسلام، لا على أرض شبه الجزيرة فحسب، وإنما على امتداد الأرض الإسلامية كلها، ونجح ذلك اليوم في أن يمدّ في عمر الإسلام والمسلمين على الأرض الإسبانية ما يقرب من أربعة قرون من الزمان.

نصر مبين.. ونتائج أقل..
يعلق يوسف أشباخ في كتابه: »تاريخ الأندلس على عهد المرابطين والموحدين« على موقعة الزلاقة بقوله:
إن يوسف بن تاشفين لو أراد استغلال انتصاره في موقعة الزلاقة، لربما كانت أوروبا الآن تدين بالإسلام، ولَدُرِّس القرآن في جامعات موسكو، وبرلين، ولندن، وباريس.
والحقيقة أن المؤرخين جميعاً يقفون حيارى أمام هذا الحدث التاريخي الهائل الذي وقع في سهل الزلاقة، ولم يتطور إلى أن تتقدم الجيوش الإسلامية لاسترداد طليطلة من أيدي النصاري، خاصة وأن الملك الإسباني كان قد فقد زهرة جيشه في هذه المعركة، ولا يختلف أحد في الرأي بأن الطريق كان مفتوحاً تماماً وممهداً لكي يقوم المرابطون والأندلسيون بهذه الخطوة.
إن ما حدث فعلاً هو عودة المرابطين إلى إفريقية، وعودة أمراء الأندلس إلى الصراع فيما بينهم، وكأن شيئاً لم يقع، وقد أعطى ذلك الفرصة مرة ثانية للملك ألفونسو السادس أن يستجمع قواه، ويضمد جراحه، ويعمل على الانتقام من الأندلسيين، وكان حقده شديداً على المعتمد ابن عباد، فعاد إلى مهاجمة بلاده، وركز غاراته على أشبيلية، وتمكم من الاستيلاء على حصن لبيط مما اضطر ابن عباد إلى العودة مرة ثانية إلى الاستنجاد بالمرابطين.
وذهب المرابطون للمرة الثانية إلى الأندلس، لكنهم في هذه المرة لم يجدوا مساعدة من معظم أمراء الطوائف المسلمين، حيث تغلبت عليهم شهواتهم وأهواؤهم الشخصية، وخلافاتهم الضيقة، مما اضطر أمير المسلمين أن يستفتي الفقهاء في خلعهم، وضم بلاد الأندلس إلى طاعة المرابطين، والعودة مرة ثالثة إلى الجهاد ضد الإسبان.

دروس مستفادة
ليس من نافلة القول بأن الانقسام ضعف والوحدة قوة، فممالك الطوائف في الأندلس شربت المرارة والمذلة في تفرقها، وأحست بالعزة والنصر في اتحادها.
ليس بالعدد والعدة فقد تكتسب المعارك، وإنما بالإيمان بالهدف والاعداد له، والتنبه للخصم، والارتفاع إلى مستوى الأحداث.
قد يكون إحراز النصر شاقاً ومضنياً، لكن الأكثر عسراً وإجهاداً هو استغلال هذا النصر، وتطويعه لصالح الإسلامي والمسلمين.
وهذا هو درس التاريخ.

عن موقع الفسطاط
[1] ألا تذكرك هذه المواقف بحاضرنا هذه الأيام.

إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#102

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

عَيْنُ جالوتْ وانتصارُ الحقِّ على الطاغوتْ

الدكتور خالد يونس الخالدي

في الخامس والعشرين من رمضان، لعام 658 هـ ، الثالث من سبتمبر، لعام 1260 م، وقعت معركة عين جالوت الفاصلة، بين المسلمين بقيادة حاكم مصر سيف الدين قطز، والمغول بقيادة كتبغا نوين، ونصر الله المسلمين وهزم المغول هزيمة ساحقة، وحرر الشام وفلسطين نصراً مؤزراً، من رجسهم، وأنقذ الأمة المسلمة وحضارتها من الدمار.
ومن المفيد للمسلمين اليوم قادة وشعوباً أن يعوا الأسباب التي أدت إلى انتصار أجدادهم الأوائل، على جيش المغول الذي لم يهزم قط، ويستخلصوا منها الدروس والعبر، لأنها تفيد جداً في صراعنا الحاضر مع أعداء الأمة، وعلى رأسهم اليهود. وتلكم أهم أسباب النصر على المغول في عين جالوت:

ـ انتصر المسلمون لأنهم وجدوا قائداً مؤمناً شجاعاً، قرر بلا أي تردد مواجهة المغول، ولم ترهبه سمعة جيشهم الذي لا يُهزم، وجرائمهم غير المسبوقة، في قتل الأطفال والنساء والشيوخ بلا رحمة، وقتلهم لأكثر من مليون مسلم في بغداد، وتدميرهم لكل معالم الحضارة فيها، ولم تهزه رسالة هولاكو إليه التي جاء فيها: " اتعظوا بغيركم، وأسلموا إلينا أمركم، فنحن لا نرحم من بكى، ولا نرق لمن شكا، أيُّ أرض تؤويكم؟ وأيُّ طريقٍ ٍ تنجيكم؟ وأيُّ بلا دٍ تحميكم، فما لكم من سيوفنا خلاص، ولا من مهابتنا مناص، الحصون عندنا لا تمنع، والعساكر لقتالنا لا تنفع، ودعاؤكم علينا لا يُسَمْع" بل لقد أمر بقتل رسل المغول، بشقهم نصفين، وتعليقهم على أبواب القاهرة، وسمح لفتى صغير معهم بالعودة، ليحدث المغول بما رأى،فتهتز معنوياتهم، وتعلو معنويات المسلمين. وهذا القرار لا يقدر عليه إلا القادة المؤمنون الذين يعدون الموت -الذي يهدد به الأعداء-، أسمى أمانيهم.

ـ لأن قطز جعل مستشاره عالماً مجاهداً جريئاً، حتى في نصحه له، هو العز بن عبد السلام، فقد شجعه على الجهاد، ونصحه بعدم فرض الضرائب على الناس من أجل الحرب، إلا بعد أن يُسلِّم هو وغيره من المماليك في مصر، إلى بيت المال، كل ما لديهم من أموال، حتى مجوهرات وحلي نسائهم، فإذا لم تكفِ أخذ الضرائب من الناس، واستجاب المماليك لذلك، وجاءوا بكل أموالهم، فارتفعت معنويات الناس، والتفوا حول قيادتهم.

ـ لأن قطز لم يتأثر بالقادة والأمراء المثبطين المعوقين الذين يظهرون في وقت الخطر، ويقدمون آراء انهزامية، بل أصر على موقفه، وأعلنه صريحاً قوياً واضحاً، إذ جمع الأمراء والوجهاء، وقرأ عليهم رسالة هولاكو، وطلب رأيهم، فأشاروا بالهروب من مصر، أو التفاوض مع المغول من أجل الاستسلام والخضوع، بحجة التفوق العسكري للعدو، وضعف إمكانات البلاد الاقتصادية، وواقع الأمة الضعيفة، التي أصبحت بلا خليفة. فحرضهم، وذكرهم بأعراضهم، ومبادئ دينهم، وقال لهم بكل ثقة:" والله، لو لم أجد من ألقاهم به إلا نفسي، لخرجت إليهم وقاتلتهم "، فحميت نفوسهم، وتشجعوا، وقرروا القتال معه، وكان القرار الذي أجمع عليه الناس، الخروج لمواجهة المغول في فلسطين، وليس انتظارهم في مصر.

ـ لأن الأمة بكل عناصرها توحدت على الجهاد، فالقادة والأمراء والعلماء مع الجنود في الميدان، ومن المحال أن تتوحد الأمة بكل عناصرها، على هدف وتفشل في تحقيقه.

ـ لأن الراية التي رفعت في المعركة هي راية الإسلام، ولأن قلوب الجنود والقادة وألسنتهم، كانت تلهج بالصلاة والذكر والدعاء، وعندما التقى الجيشان، ولاحظ قطز كثرة جموع المغول، أمر جنوده بألا يبدءوا القتال إلا عندما يكون الخطباء على المنابر، يدعون لهم في صلاة الجمعة.

ـ لأن قطز نزل عن حصانه الذي أصيب بسهم، وأخذ يسجد لله تعالى، ويغبر جبينه بالتراب، ويصيح بأعلى صوته:" واإسلاماه"، " يا الله انصر عبدك قطز"، فتحركت المشاعر الإيمانية للجنود والأمراء، وزاد الخشوع، وسالت الدموع، وارتفعت الهمم، وحسن البلاء، فانهزم المغول، وهربوا، ولاحقهم المسلمون حتى أبادوا معظم جيشهم، وقتلوا قائدهم، وأسروا ولده، وحرروا الشام كلها.

إن الدروس التي يمكن استخلاصها من معركة عين جالوت كثيرة، لكنني أكتفي باثنين منها:

أولاً: إن بقاء المحتلين الغزاة يطول في أرض المسلمين، إذا أبعدت الأمة الإسلام عن ميدان المعركة مع العدو، وهذا ما أخر تحرير فلسطين من اليهود في زماننا، أما إذا أدخلت الأمة الإسلام إلى ميدان الصراع مع أعدائها مباشرة فإن عمر الاحتلال سيكون قصيراً، ففلسطين التي جاءها قطز بجيش مؤمن يرفع شعار"واإسلاماه" لم تمكث في أيدي المغول إلا خمسة أشهر، ودمشق لم تمكث تحت الاحتلال المغولي إلا سبعة أشهر وعشرة أيام.
ثانياً: إن النصر الكبير للمسلمين في عين جالوت، على أقوى جيوش العالم في ذلك الوقت، بعد نحو سنتين فقط من الهزيمة العسكرية والمعنوية الساحقة للمسلمين في بغداد_ وهي مدة قليلة غير كافية لإعادة بناء أمة مهزومة وتأهيلها، ورفع معنوياتها_ ليدل على أن الأمة دائماً بخير، لكنها بحاجة إلى قيادة جادة مجاهدة صادقة، تعرف كيف تحرك هذا الخير، فلقد هزمت الأمة في بغداد، عندما كان الخليفة المستعصم لاهياً عابثاً ضعيفاً، وها هي الأمة نفسها تنتصر بعد سنتين فقط عندما رزقت بحاكم مؤمن صادق مجاهد. وهذا درس ينبغي أن يعيه جيداً الإسلاميون في زماننا، فلا يزهدوا في الوصول إلى الحكم بحجة أن الأمة بحاجة إلى مزيد من الدعوة والتربية، لأن الأمة بخير، ووصول القيادة القوية إلى حكم الأمة، هو الذي يحرك الخير الكامن فيها، ويمكِّنها من استعادة أمجادها، والانتصار على أعدائها، وتحرير أرضها.

عن موقع التاريخ

إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#103

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

معركة وادي المخازن وأبعادها الدولية

مولاي المصطفى البرجاوي

معركة الملوك الثلاثة والانتصار الباهر على العدوان الصليبي:
تظل معركة وادي المخازن[1] التي وقعت في القرن 10هـ/16م، حدثًا تاريخيًّا غنيًّا بدلالاته، فهو الحقُّ الأبلج الذي انتصر على العدوان والباطل اللجلج، وهو الإسلام الذي ينتزع انتصارًا باهرًا في تلك السلسلة الطويلة من الحروب الصليبيَّة التي استهدفت بلاد المسلمين منذ أزمان.

تسمية المعركة:
تعدَّدت أسماء المعركة في الإسطوغرافية المغربيَّة، مثل: معركة الملوك الثلاثة، ومعركة القصر الكبير، ومعركة وادي المخازن، وهو الاسم الذي دَرَجَ على استعماله المؤرخون المغاربة في كتبهم، وربَّما خطر لبعض المؤرخين المعاصرين أنْ يسموها اليومَ بدافع تصحيح جاء متأخرًا عن موعده: "معركة الملوك الأربعة"؛ لأنَّها إضافةً إلى الملوك الثلاثة الذين ذهبوا ضحايا لها، كانت منطلقًا لبروز ملك رابع سطع نجمه عاليًا في المغرب، ألا وهو أحمد المنصور الذهبي[2].

الدولة السعدية: الدولة التي حكمت المغرب في هذه المرحلة:
يرجع أصل السعديِّين الذين كانوا يحكمون بلاد المغرب إلى الأشراف السعديين من الحجاز، ينتسبون إلى ولد محمد النَّفس الزَّكية، وسبب قدومهم من الحجاز إلى المغرب أنَّ أهل "درعة" كانت لا تصلح ثمارهم، وتعتريها الأمراض كثيرًا، فقيل لهم: لو أتيتم بشريف إلى بلادكم، كما أتى أهل "سجلماسة"، لصَلَحَت ثماركم كما صَلَحت ثمارهم، وكان أهل "سجلماسة" جاءوا من أرض ينبع بشريف من آل البيت، فأتى أهل "درعة" بالمولى زيدان بن أحمد؛ لذلك يقال: دولة الأشراف السَّعديين من آل زيدان.
وأمَّا تسميتهم بالسعديين، هذه النسبة التي لم تكُن لهم في القديم، ولم تظهر في سجلاتِهم ورسائلهم، بل لم يجترئ أحدٌ على مواجهتهم بهذه التسمية؛ لأنَّه إنَّما يصفهم بها مَن يقدح في نسبهم، ويطعن في شَرَفِهم، ويزعم أنَّهم من بني سعد بن بكر بن هوازن، الذين منهم حليمة السَّعدية مرضعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكثير من العامَّة يعتقدون أنَّهم إنَّما سموا بذلك؛ لأنَّ الناس سعدوا بهم.
قامت دولة السعديين بعد دولة بني وطَّاس، فوقعت على كاهلهم مهمة جهاد البرتغاليِّين الذين سيطروا على شواطئ المغرب الأقصى.
بعد أن توفي الغالب بالله، بويع ابنه محمد الذي لقَّب نفسه "المتوكل على الله"، وكان فظًّا غليظًا مستبدًّا ظالمًا، قَتل اثنين من إخوته عند وصوله إلى الحكم، وأمر بسَجن آخر، فكرهته الرَّعية، خصوصًا والمُلك يئول إلى أكبر أمراء الأسرة سنًّا؛ لذلك رأى عمه عبد الملك أنه أولى بالملك من ابن أخيه، فأضمر المتوكِّل الفتك بعمَّيه عبد الملك وأحمد، ففرَّا منه مستنجدين بالعثمانيين.
وُصف المتوكل بأنه كان فقيهًا أديبًا مشاركًا مجيدًا قويَّ العارضة في النَّظم والنثر، وكان مع ذلك متكبرًا تيَّاهًا غير مبالٍ بأحد، ولا متوقفًا في الدِّماء، عسوفًا على الرَّعية، ومن شعره قوله:
فَقُمْ بِنَا نَصْطَبِحْ صَهْباءَ صَافِيَةً * فِي وَجْهِهَا عَسْجَدٌ فِي وَجْهِهِ نُقَطُ
وَانْهَضْ إِلَيْهَا عَلَى رَغْمِ العِدَا قَلِقًا * فَإِنَّ تَأْخِيرَ أَوْقَاتِ الصِّبَا غَلَـطُ
وأما عمه عبد الملك فقد كانت سجاياه حميدة، وسيرته عطرة، جمع بين العلم والشَّجاعة، وهو سياسي محنَّك، أتقن عدة لغات أوربيَّة وشرقية، أمُّه "سحابة الرَّحمانيَّة"، سارت به مع أخيه أحمد إلى الجزائر، فهيَّأ الوالي العثماني لهم سُبُل السفر إلى الأستانة؛ حيث التجأ إلى السلطان سليم بن سليمان طالبًا نجدته ومعونته، فتثاقل عنه السلطان سليم، إلى أن بعث بأسطول بحري لفتح تونس، وتخليصها من يد الحفصيِّين الذين استنجدوا بالإسبان، واستطاعت هذه العمارة البحرية تحقيقَ هدفها، وفرَّ الحسن بن محمد الحفصي إلى قشتالة، بعد أن فتح "خير الدين بربروس" تونس..
فشهد عبد الملك الفتح، وعاد بالبشرى إلى السلطان العثماني فأنجده، وكتب أمرًا للدَّولاتي صاحب الجزائر؛ ليبعث معه خمسة آلاف من عسكر التُّرك، يدخلون معه أرض المغرب الأقصى؛ ليعيدوا إليه حقَّه في الحكم، وعندما دخل عبد الملك المغرب مع الأتراك، كاتب حاشية المتوكل وبطانته، ورءوس أجناده، يَعِد طائعهم، ويتوعَّد عاصيهم، وكتب الله النصر لعبد الملك في معركة قرب مدينة فاس، وفرَّ المتوكل من المعركة، وكان ذلك سبب خراب ملكه، وإقامة ملك عمه، ودخل عبد الملك مدينة فاس يوم الأحد 7 ذي الحجة سنة 983هـ، ثم ضمَّ مرَّاكش، ففرَّ المتوكل إلى جبال السُّوس..
وجعل يتنقَّل بين قبائلها وأحيائها، إلى أن اجتمعت عليه طائفة من الصَّعاليك، وشكَّل ما يشبه الجيش استهوتهم منه الأضاليل والوعود وقادهم إلى مرَّاكش فدخلها، إلاَّ أن أحمد أخا عبد الملك جاء من مدينة فاس ففرَّ المتوكل إلى السُّوس ثانية، ومنها إلى سبتة ثم دخل طنجة مستصرخًا بملك البرتغال، فكان ذلك سببًا من أسباب معركة وادي المخازن[3].

المعركة بين الفريقين :
المعركة بالنسبة للمغاربة معركة الفرقان :
شبَّه أغلبُ الإخباريين والمؤرخين المغاربة معركةَ وادي المخازن بغزوة بدر، التي كانت انتصارًا للإسلام وللملة المحمدية، واستبشر الفقهاء بهذا الانتصار ورأوا في موت ثلاثة ملوك رمزًا وإشارة إلى انهزام التَّثليث، وذكر المغاربة ذلك في نثرهم وشِعْرهم، وأشار ابن القاضي في كتابه "درة الحجال في أسماء الرجال"، إلى المسألة في شكل تعجُّب حين قال: "فانظر لحكمة الله القهار! أهلك ثلاثة ملوك في يوم واحد، وأقام واحدًا"، وفي قصيدة شعرية لأبي عبد الله محمد بن علي القشتالي نقرأ:
وَ
جَرَّدْتَ فِي ذَاتِ الإِلَهِ صَوَارِمًا * تَصُولُ بِهَا وَالْعَاجِزُونَ نِيَامُ
ضَرَبْتَ بِهَا التَّثْلِيثَ لِلْحَتْفِ ضَرْبَةً * فَلَمْ يَبْقَ بَعْدُ للصَّلِيبِ قِيَامُ
وَأَمْطَرْتَ وَيْلاً بِالْمَخَازِنِ قَطْرُهُ * بِمَوْتِ الأَعَادِي بُنْدُقٌ وَسِهَامُ[4]

المعركة بالنسبة للبرتغاليين عقاب من الله :
تناولت المصادر والوثائق البرتغالية المعركة من زاوية دينية تشاؤمية، على عكس المصادر المغربية والإسلامية؛ فرأى البرتغاليون في انهزامهم فيها عقابًا من الله، وحمَّلوا المسئولية للنُّبلاء ولرجال الدين (الإكليروس) الذين لم يعرفوا كيف يَحدُّون من اندفاعِ "دون سيباستيان" الناتج عن صغر سنِّه وقلة تجربته، وبالرغم من ذلك قدَّس البرتغاليون هذا الأمير، ونزَّهوه وجعلوا منه مثيرًا للمهدي المنتظر، وخلد الشاعر "فرناندو بْسُوَا" اسم "دون سيباستيان" بقصيدة في هذا المعنى سماها باسمه:
لتكن مآسي الرمال والموت والشقاء
فإني لن أعبأ بها ما دمت مصونًا في الرعاية الربانية
فمعنى ذلك أني عائد لا محالة
فالملِك حَسَبَ هذا المعتقد الخرافي لم يَمُت في معركة وادي المخازن، ولكنَّه ما زال أسيرًا عند المغاربة في جزيرة بعيدة، ومن هذه الجزيرة سيعود؛ ليحرر شعبه[5].

قادة المعركة :
يشهد التاريخ بالعظمة والحكمة والشجاعة لعبد الملك المعتصم بالله ولأخيه أحمد المنصور، كما يشهد أيضًا لعدد من القادة كان لهم دور بارز في تحقيق هذا النصر المظفر، وتنجلي المعركة عن نصر خالد في تاريخ الإسلام، وعن موت ثلاثة ملوك.
لكنْ هناك اختلاف كبير في نهايتهم :
الملك الأول: صليبي مجندل، هو "دون سبستيان" ملك أعظم إمبراطورية على الأرض في هذه المرحلة بلا منازع آنذاك.
الملك الثاني: خائن غريق مسلوخ، هو محمد المتوكل، الذي منح للملك البرتغالي أحسنَ فرصة للتدخل في شئون المغرب؛ إذ تعهد بالتنازُل له عن الشواطئ المغربية، لقاء مساندته.
الملك الثالث: شهيد -بإذن الله- بطل فاضت رُوحه، هو عبد الملك المعتصم بالله، ازداد سنة 1541م، فقد حاول المعتصم بالله أن يخرج المغرب من المتواتر المألوف؛ ليدخله إلى المؤسساتي، وتؤكد بعض المصادر أنَّ عبد الملك كان يسهر بنفسه على صَهْر الحديد الذي يستعمل في صناعة الأسلحة.
أمَّا الملك أحمد المنصور، فقد بويع بعد انتصار وادي المخازن، بعد الفراغ من القتال بميدان المعركة؛ إذ كلف الكاتب محمد بن عيسى بكتابة نص بيعته، ثم جمع كبار قادة الجيش ورجال الدولة والشرفاء، وأخبرهم بموت أخيه المعتصم، وتوليته هو شئون الحكم.

السياق الكرونولوجي الذي مهد للمعركة :
كل حدث تاريخي يتحتم وضعه في سياقه التاريخي يظلُّ غامضًا ومستعصيًا على الفهم الصحيح، الشيء الذي يلزمنا بالنسبة لهذا الحدث الذي نعالجه الآن أنْ نبحث عن الأسباب التي جعلت المغرب والعُدوان البرتغالي الصليبي يقفان وجهًا لوجه:
إنَّها في الواقع نهاية مسلسل بدأ مع تدهور الدولة المرينية في القرن الرابع عشر، وتفاقمت بضياع سبتة التي احتلتها البرتغال سنة 1415م، وبالحصار الذي ضربته الدول الإيبيرية (البرتغال وإسبانيا).
يضاف إلى ذلك ما عاشته الدولة المغربية من انحطاط ومشاكل داخليَّة مستعصية في تلك الفترة، فما أبعدنا عن عهد الدولة الموحدية التي كانت هيبتها سارية في غَرب البحر الأبيض المتوسط بكامله، وكذلك في ثُغُور لدى النصارى الإسبان.
كما شهد القرن العاشر للهجرة/ السادس عشر الميلادي صراعًا قويًّا بين ثلاث إمبراطوريات هي: الأتراك العثمانيون، والإسبان، ثم البرتغال؛ من أجل السيطرة والتحكُّم في حوض البحر الأبيض المتوسط.
وتَمرْكَز الصراع منذ منتصف ذلك القرن في الشمال الإفريقي، وفي بلاد المغرب الأقصى بوجه خاص، فقد سعى الأتراك إلى ضمِّ المغرب في مُحاولة منهم لتأمين حدود الخلافة العثمانيَّة، ثم توظيف الموقع المغربي في مهاجمة غربي أوربا.
كما اتَّجهت أطماع الإسبان والبرتغال نحو المغرب منذ الانتصارات الأولى، التي أحرزوها في الأندلس في إطار ما يسمونها "حروب الاسترداد"، وازداد اهتمامهم بالمغرب على إثر حركة الاكتشافات الجغرافيَّة وتوسُّعهم في ميدان الملاحة البحرية، وكانت بلاد المغرب مُغرية بثرواتها لهم، بثروتها الزراعية، ومعادنها وطرقها التِّجارية نحو إفريقيا السوداء، وموقعها الإستراتيجي المطل على حوض البحر المتوسط من جهة المحيط الأطلسي من جهة أخرى.
من هنا ظهرت المبادرة البرتغالية للاستعداد للهجوم على المغرب، ومُحاولة القضاء على القُوَّة السعدية الناشئة.

أسباب نشوب المعركة :
يؤكد كثير من المؤرخين على أنَّ استنجاد محمد المتوكل المخلوع عن العرش السعدي بملك البرتغال "دون سبستيان بن جان الثالث"، وطلبه الحماية والمساعدة ضد عمه أبي مروان عبد الملك -كان السبب الرئيس لقيام الحملة العسكرية البرتغالية على المغرب، والتي أدَّت إلى وقوع معركة وادي المخازن، وبذلك يُحمِّل هؤلاء المؤرخون محمد المتوكل الخائن مسئوليةَ حَمْلة الصليبي "سبستيان" على المغرب.
في المقابل، الوثائق التي عرضها "هنري دي كاستري" في مجموعة "المصادر الأصلية للتاريخ المغربي" تؤكد أنَّ عام 987هـ/1570م يحدد بداية مشروع الحملة البرتغالية على المغرب؛ أي: قبل إرسالها فعلاً بثماني سنوات، وتجدَّد الحماس لمشروع الحملة، عندما قام سبستيان بزيارة سبتة وطنجة، أهم مراكز الاحتلال البرتغالي بالمغرب، في عام 982هـ /1574م.
كانت هناك أيضًا اتِّصالات لإشراك متطوعين من الدُّول الأوربية، فانضمَّ إلى الحملة كثير من الألمان والإنجليز والإيطاليين والنمساويين، فضلاً عن الإسبان؛ مما أغدق على الحملة طابعًا صليبيًّا، باركه البابا وحض عليه[6].

قبيل المعركة :
اختار عبد الملك القصر الكبير مقرًّا لقيادته، وخصص مَن يراقب سبستيان وجيشه بدقَّة، ثم كتب إلى سبستيان مستدرجًا له: "إنِّي قد قطعت للمجيء إليك ستَّ عشرة مرحلة، فهلا قطعت أنت مرحلة واحدة لملاقاتي"، فنصحه المتوكل ورجاله ألاَّ يترك "أصيلا" الساحلية؛ ليبقى على اتِّصال بالمؤن والعتاد والبحر، ولكنه رفض النصيحة، فتحرك قاصدًا القصر الكبير، حتَّى وصل جسر وادي المخازن؛ حيث خيم قبالة الجيش المغربي، وفي جنح الليل أمر عبد الملك أخاه أحمد المنصور في كتيبة من الجيش أنْ ينسف قنطرة جسر وادي المخازن، فالوادي لا معبر له سوى هذه القنطرة.
وتواجه الجيشان بالمدفعيَّتين، وبعدهما الرُّماة المشاة، وعلى المجنبتين الفُرسان، ولدى الجيش المسلم قُوى شعبية متطوعة، إضافةً لكوكبة احتياطيَّة من الفرسان ستنقضُّ في الوقت المناسب.

المشاركون في المعركة، اختلاف التقديرات :
اختلفت تقديرات المؤرخين حول عدد المشاركين ضمن الحملة البرتغالية، إلاَّ أنَّ تقريرًا إسبانيًّا أفاد بأن الملك البرتغالي غادر لشبونة بـ (487) سفينة من مختلف الأنواع حملت 24 ألف جندي، بينهم ثلاثة آلاف فارس، والباقي من المشاة، وعند المؤرخين المغاربة أنَّ الحملة البرتغالية كانت ما بين ستين ألف و125 ألفَ مقاتل، وما يلزمهم من المعدات، وأقل ما قيل في عددهم ثمانون ألفًا، وكان منهم 20000 إسباني، 3000 ألماني، 7000 إيطالي، مع ألوف الخيل، وأكثر من أربعين مدفعًا، بقيادة الملك الشاب سبستيان، وكان معهم المتوكل بشرذمة تتراوح ما بين 300 - 6000 على الأكثر.
أمَّا الجيش المغربي، فكان بقيادة عبد الملك المعتصم بالله، ضم 40000 مجاهد من المغاربة المسلمين، يملكون إيمانًا قويًّا وتفوقًا في الخيالة، مدافعهم أربعة وثلاثون مدفعًا فقط، إضافة إلى القوات التي بعثها باشا الجزائر لصد الغزو البرتغالي؛ بناء على أوامر من السلطان العثماني مراد الثالث، والتي قدرت بنحو أربعة آلاف أو خمسة آلاف تركي.
لكن دائمًا نستحضر قوله تعالى: { كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ } [البقرة: 249].
نعم، فئة قليلة، مؤمنون، صادقون، يذلون أكبرَ جيش في العالم في تلك الفترة.
نعم، المعركة بين باطلين لا تنتهي، من هنا كان النصر الاستحقاقي والنَّصر التفضُّلي، وهناك نصر كوني إذا كان المتحاربان شاردين عن الله سبحانه وتعالى ، الأقوى ينتصر، الذي معه سلاح أحدث ينتصر، الذي يملك قدرة على الإصابة الدقيقة ينتصر، الذي يملك طيرانًا ينتصر، أمَّا إذا كان هناك إيمان وكفر، فالمؤمن ينتصر.

انطلاق المعركة :
في صباح الاثنين 30 جمادى الآخرة 986هـ، الموافق 4 أغسطس 1578م، وَقَف السُّلطان عبد الملك يُحرض الجيش على القتال، ولم يألُ القساوسة والرهبان جهدًا في إثارة حماس جند أوربا، مذكرين أن البابا أحل من الأوزار والخطايا أرواحَ مَن يَلْقَون حتفهم في هذه الحروب.
وانطلقت عشرات الطلقات النَّارية من الطرفين كليهما إيذانًا ببدء المعركة، وبرغم تدهور صحة السلطان عبد الملك الذي رافقه المرض وهو في طريقه من مراكش إلى القصر الكبير، فإنَّه خرج بنفسه؛ ليرد الهجوم الأول، ولكن المرض غالبه، فغلبه فعاد إلى محفته، وما هي إلا لحظات حتى لفظ أنفاسه الأخيرة، ومات وهو واضع سبابته على فمه مشيرًا أن يكتموا الأمر حتَّى يتم النَّصر، ولا يضطربوا، وكذلك كان فلم يطَّلع على وفاته إلا حاجبه وأخوه أحمد المنصور، وصار حاجبه يقول للجند: "السلطان يأمر فلانًا أن يذهب إلى موضع كذا، وفلانًا أن يلزم الراية، وفلانًا يتقدم، وفلانًا يتأخر"، وفي رواية: إنَّ المتوكل دسَّ السم لعمه عبد الملك قبل اللقاء؛ ليموت في المعركة، فتقع الفتنة في معسكر المغاربة.
ومال أحمد المنصور بمقدمة الجيش على مؤخرة البرتغاليين، وأوقدت النَّار في بارود البرتغاليين، واتَّجهت موجة مهاجمة ضد رماتهم أيضًا، فلم يقف البرتغاليون لقوة الصَّدمة، فتهالك قسم منهم صرعى، وولَّى الباقون الأدبار قاصدين قنطرة نهر وادي المخازن، فإذا هي أَثَرٌ بعد عين، نسفها المسلمون، فارتموا بالنَّهر، فغرق من غرق، وأسر من أسر، وقتل من قتل.
وصرع سبستيان وألوف مِن حوله، بعد أن أبدى صمودًا وشجاعة تُذْكَر، وحاول المتوكل الخائن الفرار شمالاً، فوقع غريقًا في نهر وادي المخازن، ووجدت جثته طافية على الماء، فسلخ وملئ تبنًا وطيف به في أرجاء المغرب حتى تمزق وتفسخ.
دامت المعركة أربعَ ساعات وثلث الساعة، ولم يكن النَّصر فيها مصادفة، بل لمعنويات عالية، ونفوس شعرت بالمسئولية، ولخطة مدروسة مقررة محكمة.

نتائج معركة وادي المخازن :
- تحتل معركة وادي المخازن مكانة في الصِّراع الطويل بين الإسلام والنَّصرانية، ففي الوقت الذي كان يظهر فيه العالم الإسلامي تحت قيادة الدَّولة العثمانية قويًّا بالجناح الشرقي في مجابهته للعالم النصراني، الذي كانت تمثله أسرة النمسا الإمبراطورية، ويفوز في كثير من الأحيان بانتصارات باهرة، نجده في الجناح الغربي يعاني شيئًا غير قليل من الضَّعف؛ إذ كان يلتزم مواقفَ الدِّفاع السلبية، فجاء الانتصار المغربي في معركة وادي المخازن؛ ليرد للغرب الإسلامي بعض هيبته، ويرفع من سمعة المغرب، ويضع حدًّا بصفة نهائية للمشاريع الصليبية.
- كتبت المعركة صفحة ناصعة للعسكريَّة المغربية الإسلامية، وأثبتت لأوربا النصرانية أنَّ أرض المغرب مقبرة للغُزاة.
- جنى المولى أحمد أُولى ثَمَرات النصر؛ إذ آل إليه الحكم عشية يوم المعركة، وتلقب بلقب المنصور بالله.
- زاد تسليح الجيش السعدي بما غنمه من أسلحة العدو، كما تدفقت النقود الذهبيَّة والفضية على الخزينة السعدية[7]، مقابل فك أسرى المعركة.
- اكتسب المغرب سمعة طيبة في العالم الإسلامي، وهيبة في العالم النَّصراني الأوربي، كما توافدت عليه سفارات التهنئة بالنصر، وسفارات كسب الوُدِّ والصداقة وحسن الجوار.
- فقدت البرتغال استقلالها ومستعمراتها؛ إذ احتلتها إسبانيا؛ نظرًا لضعف البرتغال بعد المعركة، وعدم وجود وريث للعرش.

وحتى هنري تيراس -المؤرخ الحاقد على الإسلام والمسلمين، الذي أظهر كثيرًا من التحفُّظ فيما يخص أهمية الحدث- لم يتمالك نفسه عن الاعتراف بانعكاساته الخطرة على المستوى الأوربي، وذلك حين يقول: "إنَّ انتصار المغرب على البرتغال في معركة واحدة خوَّله سُمعة دولة كبيرة، فربطت البلاطات الأوربيَّة العلاقات معه وطلبت -في بعض الأحيان- مساندته، وقد استفاد أبو العباس أحمد من هذا الخطأ في التقدير بأوربا، وكان لمعركة الملوك الثلاثة أثرها في إضفاء مجد مبالغٍ فيه على الدولة السعدية، حتَّى في وقت تدهورها".

والله أعلم وأحكم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربَّ العالمين.

المصدر: موقع الألوكة.
عن موقع قصة الإسلام

الهوامش:
[1] وادي المخازن: رافد من روافد نهر اللوكوس الذي يصب في مدينة العرائش (تقع في الشمال الغربي للمغرب).
[2] محمد زنيبر، "معركة الملوك الثلاثة، مذكرات من التراث المغربي"، الجزء الثالث: من تمتين الدولة إلى المخاطر، ص: 174، بتصرف يسير.
[3] "معركة وادي المخازن"، للشيخ ناصر بن محمد الأحمد، الشبكة العنكبوتية.
[4] أحمد بن محمد المقري، "روضة الآس العاطرة الأنفاس في ذكر من لقيته من أعلام الحضرتين مراكش وفاس"، المطبعة الملكية، الرباط، طبعة ثانية، 1983م.
[5] عبد المجيد قدوري، "المغرب وأوربا ما بين القرنين الخامس عشر والثامن عشر (مسألة التجاوز)"، ص: 175، بتصرف.
[6] إبراهيم علي حسن، "أحمد المنصور الذهبي"، سلسلة: خالدون في تاريخ المغرب، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 1407هـ /1987م، ص: 35 - 36، بتصرف يسير.
[7] نسبة إلى الدولة السعدية التي حكمت المغرب في هذه المرحلة.

إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#104

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

خارطة معركة وادي المخازن


رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#105

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

معركة حمص الكبرى

سطع نجم دولة المماليك في سماء البشرية عامة والأمة المسلمة خاصة، بعد أن نجحوا في وقف الانسياح الوحشي للتتار على أرجاء المعمورة كلها، وبرز الأبطال قطز ومن بعده بيبرس، وظل نجم الدولة في علو حتى أصابته السنن، حيث وقع الخلاف والشقاق بين أمراء الدولة بعد وفاة "بيبرس"؛ إذ تولى ابنه "السعيد" مكانه ولم يكن يصلح للملك، فعزلوه وجعلوا مكانه أخاه الصغير "سلامش" ابن السابعة، على أن يكون ولي أمر الأمير "قلاوون الصالحي"، الذي ما لبث أن خلع "سلامش" وتولى هو سلطنة المماليك، وتلقب بالملك المنصور..

فلم يعجب ذلك الأمير "سنقر الأشقر" وكان من المقربين لبيبرس، وفي نفس الوقت أميرًا على الشام، فأعلن نفسه سلطانًا على الشام، وتلقب بالملك الكامل، وجرت خطوب كثيرة، واقتتل المسلمون فيما بينهم، ونسوا عدوهم "الأصلي" الرابض على الطرف الآخر من نهر الفرات "التتار".

ولما دخلت سنة 679هـ/1280م كانت مهزلة تفرُّق المسلمين على أشدها؛ فـ"قلاوون الصالحي" الحاكم على مصر وبعض بلاد الشام، "وسنقر الأشقر" الحاكم على دمشق وأعمالها، و"مسعود بن الظاهر" الحاكم على الكرك، و"ناصر الدين محمد بن تقي الدين" الحاكم على حماة، و"يوسف بن عمر" الحاكم على اليمن، و"نجم الدين بن أبي نمي الحسني" الحاكم على مكة، و"عز الدين جماز الحسيني" الحاكم على المدينة.

أما العدو اللدود التتار فيحكمون العراق والجزيرة وخراسان وأذربيجان والموصل وإربل وديار بكر تحت زعامة الخان الأكبر للتتار "أبقا بن هولاكو"، وقائد جيوشه الشرير الحاقد "منكوتمر بن هولاكو"، وهو أخوه الأصغر.

كانت النتيجة الحتمية لهذا التفرق والتشرذم، أن قام التتار بالاستعداد لاكتساح بلاد الشام ومصر والثأر لهزيمة هولاكو الساحقة في عين جالوت، وكان "أبقا بن هولاكو" لا يريد هذه الحرب ويكرهها، ولكن أخاه "منكوتمر" أجبره على ذلك، فقد كان شديد الحقد والكراهية للمسلمين، لا يطيق أن يسمع كلمة مسلم. ولا عجب في ذلك، فهو ابن هولاكو الوثني الطاغية و"ظفر خاتون" الصليبيَّة الشهيرة.

زحف التتار على الشام بأعداد كبيرة، فشعر المسلمون بحرج موقفهم، إنْ هم ظلوا متفرقين مختلفين، فأرسل "قلاوون الصالحي" إلى "سنقر الأشقر" يقول له: "إن التتار قد أقبلوا إلى المسلمين، والمصلحة أن نتفق عليهم؛ لئلا يهلك المسلمون بيننا وبينهم".
فوافق سنقر بقلب المسلم الواعي الذي استرد وعيه، بعد أن مالت به الدنيا قليلاً، وقال له: "السمع والطاعة واليد الواحدة على عدو المسلمين". واستعاد المسلمون وعيهم، واستعدوا للقاء التتار، الذين قرروا العودة إلى العراق بعدما علموا أن المسلمين قد استعدوا لقتالهم، ولكنهم انسحبوا وهم يخططون للعودة مرة أخرى عندما تتاح الفرصة.
بالفعل عندما استشعر التتار هدوء الجبهة الشامية، واطمأن الناس عدة شهور، أعدوا جيشًا كبيرًا يقدر بمائة ألف يقوده "منكوتمر" بنفسه، وعبروا الفرات باتجاه الشام، ووصلت أخبار الهجوم التتاري الجديد للسلطان "المنصور قلاوون"، فكتب إلى ملوك المسلمين في كل مكان يستدعيهم للقاء العدو. وعَظُم الخطب على المسلمين، وقنت الخطباء والأئمة في الجوامع، والتتار يُقبلون شيئًا فشيئًا، حتى وصلوا إلى مدينة "حماة"، فأبادوها وأهلها بالكلية كما هي عادتهم الوحشية.
جهَّز السلطان "المنصور" الجيوش وعسكر في مدينة "حمص"، ومجمل الجيوش خمسون ألفًا، فأقبل الجيش التتاري العرمرم. وفي يوم الخميس 14 رجب سنة 680هـ/ 1281م ومع طلوع النهار، اصطدم التتار بالمسلمين مستغلين كثرتهم العددية، وسمعتهم المدويَّة في القتال، فاهتز المسلمون بشدة لصدمتهم، واستظهر التتار على المسلمين في أول النهار وكسروا ميسرة الجيش الإسلامي، وفرَّ كثير من المسلمين من المعركة..
فلما رأى السلطان "قلاوون" ذلك، برز للناس وحفَّز الجند على القتال، وثبت هو ثباتًا عظيمًا في طائفة قليلة من جنوده، وكان لهذا الثبات أثر عظيم في عودة الفارين، وثبات الخائفين، فحميت النفوس، وقويت العزائم، وتصاول الأبطال.
حدث تغيير كبير في سير المعركة عندما جاء أمير العرب "عيسى بن مهنا" بكتيبة من فرسان الصحراء، وصدم الجيش التتاري من ناحية العرض، فاضطرب الجيش التتاري لصدمته بشدة، وانقلبت دفة القتال لصالح المسلمين، وفرّ كثير من التتار وانهزموا من القتال، فأتبعهم المسلمون يقتلون ولا يأسرون أحدًا..

وكانت هزيمة مدوية للتتار أعادت للأذهان ذكريات "عين جالوت"، وظل التتار يفرون حتى وصلوا إلى نهر الفرات فغرق أكثرهم فيه، ونزل إليهم أهل مدينة "البيرة" فقتلوا منهم خلقًا كثيرًا، وسرايا الجيش الإسلامي خلفهم للتأكد من خروجهم من البلاد.
وقد أصيب منكوتمر في المعركة إصابة شديدة، أما "أبقا" خان التتار الأكبر فقد مات غمًّا وهمًّا بسبب هذه الهزيمة؛ لأن الحرب كانت على غير رأيه وهواه.

المصدر: موقع مفكرة الإسلام.
عن موقع قصة الإسلام

إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#106

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

معركة كاهنة المغرب

بعد أن غدرت قبائل البربر بالقائد المسلم "عقبة بن نافع" في معركة تهوذة سنة 64هـ، تضعضعت حركة الفتح الإسلامي بالشمال الإفريقي، ثم ازدادت الأمور تعقيدًا بعد استشهاد القائد زهير بن قيس الذي تولى بعد استشهاد عقبة بن نافع، فأرسل الخليفة عبد الملك بن مروان قائدًا جديدًا للمنطقة ذا كفاءة عالية، وهو "حسان بن النعمان"، الذي استهل ولايته بفتح مدينة قرطاجنة أعظم مدن المغرب وقتها وكانت تحت سيطرة الروم..
ثم سأل "حسان" بعدها عن أقوى ملوك إفريقية ليسير إليه، فيهزمه أو يُسلم، فقيل له: الكاهنة، وهي امرأة بجبل أوراس أصبحت زعيمة البربر بعد مقتل "كسيلة" الغادر، فأسرع إليها "حسان بن النعمان" ليقاتلها على عجل منه، فوقعت الهزيمة بقدر الله -عز وجل- على المسلمين عند نهر "نيني"، الذي أطلق عليه المسلمون بعدها اسم نهر البلاء، وذلك سنة 77هـ.
عاد "حسان بن النعمان" بفلول جيشه بعد هذه الهزيمة الشديدة إلى القيروان، ثم عسكر حسان خارج القيروان في منطقة عرفت بعد ذلك بقصور حسان، وظل مقيمًا بها خمس سنوات كاملة؛ عملاً بأمر الخليفة الذي أمره بالإقامة مكانه ولا يتحرك حتى تأتيه الأوامر، وظل هذه الفترة يستعد لقتال الكاهنة مرة أخرى، وأخذ في بثِّ العيون لتأتيه بأخبار الكاهنة، وأرسل يطلب من الخليفة الإمدادات.
ملكت الكاهنة المغرب كله خمس سنوات، قامت خلالها بعمل في غاية الغباء والحماقة؛ إذ أمرت رجالها بتخريب المزارع والمراعي والبساتين، بدعوى أن المسلمين ما غزوا بلادهم إلا من أجل هذه الثروات، وكان لهذا العمل الأحمق رد فعل قوي لصالح المسلمين؛ إذ خرجت الكثير من قبائل البربر عن طاعتها، واتصلوا بالمسلمين وطلبوا منهم المساعدة على التخلص من حكم الكاهنة الحمقاء.
بعد أن انتهى الخليفة "عبد الملك بن مروان" من القضاء على الفتن الداخلية، أرسل إمدادات كبيرة إلى المغرب لمساعدة حسان بن النعمان، فلما تكاملت استعدادات المسلمين، انطلق "حسان بن النعمان" بالجيوش الإسلامية إلى جبال "الأوراس" معقل الكاهنة، فلما اقترب حسان من الكاهنة، خرجت ناشرة شعرها، وأخذت تتكهن للبربر، ولكن هيهات هيهات، أين المفر من سيوف المسلمين؟
يقع الصدام بين المسلمين والبربر في 2 رمضان سنة 82هـ، وتُقتل الكاهنة ويُسلِم البربر وتنتهي فتنتها، ويأمن الناس مسلمهم وبربرهم من شرها.

المصدر: موقع مفكرة الإسلام.

عن موقع قصة الإسلام

إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#107

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

فتح أنطاكية.. حاضرة الروم تسلم

المكان: أنطاكية - الشام
الموضوع: جيوش الإسلام بقيادة أبي عبيدة بن الجراح تفتح أنطاكية أفضل مدن الروم في الشام.

الأحداث:
تعتبر موقعة اليرموك الشهيرة نقطة فاصلة في تاريخ الصراع بين المسلمين والروم على أرض الشام؛ لأنه ظهر بالدليل القاطع قوة جند الإسلام وقدرتهم الهائلة على تحطيم أعتى الجيوش على وجه الأرض وقتها, ومثلت هذه الموقعة البوابة التي عبر منها المسلمون للسيطرة على باقي بلاد الشام ولم يجد المسلمون مقاومة عنيفة في معظم بلاد الشام إلا ما كان في مدينة أنطاكية التي كانت تمثل للروم كرسي الملك في الشام بجانب كونها مدينة مقدسة عندهم, لذلك فإن فتح هذه المدينة كان مسألة مصيرية عند كل من المسلمين والروم وجاءت أحداث فتحها عجيبة حقًّا.
تبدأ أحداث هذا الفتح عندما جاء الأمر من الخليفة عمر بن الخطاب لأمير الشام أبي عبيدة بن الجراح بالتوجه لفتح حمص الحصينة لأنها أصبحت مأوى للمنهزمين الرومان وكثرت الأعداد بها فنزل أبو عبيدة والمسلمون على المدينة فحاصروها حصارًا شديدًا, وكان أمير الروم على المدينة رجل يقال له "يوقنا" وكان شديد التجبر والطغيان فرفض الصلح مع المسلمين وأصر على القتال وكان الزمان شتاء والبرد شديد وصبر المسلمون صبرًا بليغًا وتأذى أهل حمص بالبرد إيذاء شديدًا حتى سقطت أقدامهم..
ولكن الصحابة كانوا في سلام لم يصب منهم أحد بأذى واشتد الحصار على أهل حمص حتى كان يوم من الأيام كبر الصحابة تكبيرة عظيمة ارتجت منها المدينة حتى تفطرت منها بعض الجدران فاجتمع كبار أهل حمص وقرروا الصلح مع المسلمين ومخالفة أميرهم "يوقنا" وبالفعل صالحوهم وعندما علم يوقنا بذلك نصب لأهل حمص مذبحة عامة وأمعن فيهم القتل وعندما علم أبو عبيدة, أمر بالهجوم على المدينة من أجل الدفاع عن أهل ذمة المسلمين من شر الأمير يوقنا.
واستطاع المسلمون دخول المدينة وإنقاذ أهل الذمة بعد ما قتل يوقنا منهم ثلاثمائة وتحصن يوقنا في قلعة المدينة وأصر على القتال ولكنه ما لبث أن أدرك أنه لا قبل له بالمسلمين, فخرج من المدينة خائفًا يترقب وتوجه إلى مدينة أنطاكية.
حدث أمر عجيب في هذه الأثناء حيث دخل يوقنا في الإسلام وأشرق قلبه بنور الهداية بعد حادثة جرت له في حمص وأخرى في الطريق لأنطاكية, حيث كان له أخ راهب اسمه "يوحنا" كان عنده علم أهل الكتاب وقد نهاه أخوه عن قتال المسلمين وعن قتل أهل حمص ولكن يوقنا رفض ذلك ورفع السيف لقتل أخيه يوحنا وعندها أعلن يوحنا إسلامه فقتله أخوه يوقنا وتأثر بسبب ذلك جدًّا وعندما فر من حمص لأنطاكية قابل في الطريق أحد الرهبان الذي حدثه بما جرى بينه وبين أخيه وما حدث من المسلمين في الدفاع عن أهل الذمة في حمص, فكلمه هذا الراهب بكلمات جعلت نور الهداية يدخل في قلبه..
وما كان من يوقنا عندما أعلن إسلامه أن عاد للمسلمين في حمص وقابل أبا عبيدة وشهد شهادة الحق بين يديه وانتدب نفسه للدخول إلى أنطاكية ليسهل فتحها على المسلمين فرحب أبو عبيدة بالفكرة وانطلق يوقنا لتنفيذ هدفه.
دخل يوقنا أنطاكية وكان بها هرقل عظيم الروم وكانت الأخبار قد طارت لهرقل أن يوقنا قد أسلم فخدعه يوقنا وأفهمه أنه لم يسلم وإنما تظاهر بالإسلام ليخدع المسلمين فرضي هرقل عن الأمر وخل على يوقنا وعينه قائدًا لحامية أنطاكية, فقام يوقنا بتحصين المدينة وإعداد المؤن اللازمة للشتاء وفي هذه الفترة استولى المسلمون على مدينة قنسرين وقيسارية وغيرها من الحصون..
ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان ذلك أن الرومان كانوا يستعملون جواسيس من العرب المتنصرة ينقلون أخبار تحركات المسلمين وأدى ذلك لعمل كمين لفرقة مسلمة قوامها مائتي مقاتل مسلم بقيادة "ضرار بن الأزور" حيث هجم عليهم عشرة آلاف من العرب المتنصرة بقيادة "جبلة بن الأيهم" فأسر ضرار ومن معه بعد قتال شديد وحمل الأسرى إلى أنطاكية مما أحزن المسلمون ومعهم يوقنا جدًّا..
وعندها قرر أبو عبيدة وخالد بن الوليد التوجه سريعًا لأنطاكية لتشديد الحصار عليها لإنقاذ ضرار ومن معه من الأسرى, وكان هرقل من علماء أهل الكتاب يعلم علم اليقين أن المسلمين سيأخذون سائر البلاد فخرج حاجًّا إلى بيت المقدس ومنه إلى بلاد الروم وقد اصطحب معه أمواله وذخائره وأهل بيته جميعًا, وكان هرقل كلما حج إلى بيت المقدس وخرج منها يقول: "عليك السلام يا سورية تسليم مودع لم يقض منك وطرًا وهو عائد", فلما كانت هذه السنة قال وهو خارج منها: "عليك السلام يا سورية سلامًا لا اجتماع بعده إلى أن أسلم عليك تسليم المفارق ولا يعود إليك رومي أبدًا إلا خائفًا".
اضطرب أمر الرومان جدًّا داخل أنطاكية بعد خروج هرقل الذي وضع رجلاً يشبهه وألبسه تاجه وملابسه ولكن سرعان ما انكشفت حيلة هرقل, في حين أن أبا عبيدة وخالد قد شددوا الحصار على أنطاكية وراسلهم يوقنا بمواضع الضعف واتفق يوقنا مع حراس بعض الأبواب بعد أن دعاهم للإسلام وأرسل لأبي عبيدة يخبره بالأمر ويحدد اليوم الذي يهجم فيه على المدينة وبالفعل استطاع المسلمون دخول المدينة في 5 شعبان سنة 15هـ وفرح المسلمون بهذا الفتح فرحًا شديدًا وأرسل لعمر بن الخطاب بالبشارة فخطب بالناس على منبر رسول الله وبشرهم بالفتح.
والجدير بالذكر أن هذه المدينة ظلت في ذهن الصليبيين بعدها وكانت أولى الحملات الصليبية سنة 491هـ على بلاد المسلمين موجهة إلى هذه البلدة فاستولوا عليها في جمادى الآخرة سنة 491هـ وظلت في قبضة الصليبيين حتى حررها الظاهر بيبرس سنة 666هـ.

المصدر: موقع مفكرة الإسلام.
عن موقع قصة الإسلام

إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#108

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

فتح بلاد المجر

المكان: مدينة بود عاصمة المجر - أوربا
الموضوع: فتح السلطان العثماني سليمان بلاد المجر.

الأحداث:
في 25 إبريل سنة 1526م سافر السلطان سليمان من القسطنطينية لمحاربة المجر الذين كانت الحرب غير منقطعة بينهم وبين العثمانيين على التخوم, وكان الجيش العثماني مؤلفًا من نحو مائة ألف جندي و300 مدفع و800 سفينة في نهر "الطونة" لنقل الجيوش مـن بر إلى آخر, فسار الجيش تحت قيادة السلطان ووزرائه الثلاثة إلى بلاد المجر من طريق الصرب مارّين بقلعة "بلجراد" التي جعلت قاعدة لأعمالهم الحربية, وبعد أن افتتح الجيش عـدة قلاع ذات أهمية حربية على نهر "الطونة" وصل بأجمعه إلى وادي "موهاكس" في 20 ذي القـعدة سنـة 932هـ / 28 أغسطس سنة 1526م.
وفي اليوم الثاني اصطفت الجنود العثمانية على ثلاثة صفوف وكان السلطان ومعه كافة المدافع وفرقة الانكشارية في الصف الثالث, فهجم فرسان المجر المشهورون بالبسالة والإقدام تحت قيادة السلطان لويس على صفوف العساكر العثمانية الأول فتقهقر أمامهم العثمانيون خلف المدافع ولما وصلت فرسان المجر بالقرب من المدافع, أمر السلطان بإطلاقها عليهم فأطلقت تباعًا وتوالى إطلاقها بسرعة غريبة أوقعت الرعب في قلوب المجر فأخذوا في التقهقر تتبعهم العساكر المظفرة حتى قتل أغلب الفرسان المجرية وقتل ملكهم ولم يعثر على جثته, فكانت هذه الواقعة سبب ضياع استقلال بلاد المجر بأسرها لعدم وجود جيش آخر يقاوم العثمانيين في مسيرهم ولحصول الفوضى في البلاد بسبب موت سلطانهم..
ولذلك أرسل أهالي مدينة "بود" عاصمة المجر مفاتيح المدينة إلى السلطان فاستلمها وسار يحف به النصر ويحدوه الجلال حتى وصل إلى مدينة "بود" ودخلها في 3 ذي الحجة سنة 932هـ / 10 سبتمبر سنة 1526م مشددًا الأوامر على الجنود بعدم التعرض للأهالي والمحافظة على النظام لكن لم تجد تنبيهاته شيئًا, بل انتشرت الجنود في جميع أنحاء المدينة وفي جميع أرجاء بلاد المجر ناهبين قاتلين مرتكبين كل الفظائع التي ترتكبها الجيوش الغير منتظمة عقب الانتصار, كما شوهد ذلك في جميع البلاد حتى في هذا العصر الموسوم بعصر التمدن..

وبعد دخول السلطان إلى مدينة "بود" جمع أعيان القوم وأمراءهم ووعدهم بأن يعين جان "زابولي" أمير "ترانسيلفانيا" ملكًا عليهم ثم غادر رحمه الله إلى مقر خلافته مستصحبًا معه كثيرًا من نفائس البلاد وأهمها الكتب التي كانت موجودة في خزائن "متياس كورفن", وكذلك فعل نابليون الشهير حينما دخل مصر في أوائل القرن الثالث عشر من الهجرة فإنه أخذ كثيرًا من كتب الفقه وأحكام الشريعة الغراء, وتلك كانت عادته عند دخوله أي مملكة من ممالك أوربا, فإنه كان يحمل إلى فرنسا كل ما بها من التحف كالصور والتماثيل والكتب والآثار, ولولا هذه العادة لما أفعمت متاحفها بالآثار والنفائس, وفي أثناء عودته أقام أسبوعًا في مدينة أدرنة ووصل إلى مدينة القسطنطينية المحمية في 17 صفر سنة 933هـ / 23 نوفمبر سنة 1526م .

المصدر: موقع مفكرة الإسلام.
عن موقع قصة الإسلام

إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#109

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

انتهيت بحمدالله

وكل الملف منقووول

إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#110

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

بارك الله فيكي على اتمامك للموسوعة الرائعة
مجهود جبار
شكرا

إظهار التوقيع
توقيع : mahee
#111

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

منوووووووره غاليتى
إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#112

افتراضي رد: موسوعة معارك اسلامية(3)

رد: موسوعة معارك اسلامية(3)
إظهار التوقيع
توقيع : حياه الروح 5
أدوات الموضوع


قد تكوني مهتمة بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى
«الحوثيون» يوسعون نفوذهم ويخوضون معارك دامية مع قبائل «حاشد» ريموووو اهم الاخبار - اخبار يومية
في حرب شوارع بالجيزة:مقتل‏21‏ و إصابة‏400‏ في معارك بالأسلحة الآلية بالكيت كات و الملكة نفرتيتي اهم الاخبار - اخبار يومية
أكثر 5 معارك دموية في الحرب العالمية الأولى اماني 2011 شخصيات وأحداث تاريخية
طرق للتغلب على معارك الواجبات المدرسيه ريموووو العناية بالطفل
معارك زوجية ام ولودي الثقافة والتوجيهات الزوجية


الساعة الآن 04:12 PM


جميع المشاركات تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع


التسجيل بواسطة حسابك بمواقع التواصل