خطة المكر الأنثوية المضادة في مغامرات عابدات الشهوات
كما انتشر خبر امرأة العزيز إلى نساء من قومها سريعاً، فقد وصل إليها خبر كلامهن ومكرهن بصورةٍ أسرع، وصورت ذلك (الفاء) في قوله تعالى: {فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ} [يوسف:31] وما وراء السطور والكلمات في قول هؤلاء المترفات بادٍ للسامعين والسامعات اللواتي لا أهداف حقيقية في حياتهن إلا قصص اللهو وأحاديث المستهترين والمستهترات، وقد وصف ذلك الطبري -رحمه الله- فقال: "وإنما كان قيلهن ما قلن من ذلك، وتحدُّثهن بما تحدثن به من شأنها وشأن يوسف
، مكراً منهن، فيما ذكر لتريَهُنَّ يوسف"، عليه السلام، فقد بدأت شهوة السوء تتملكهن، فأردن بذلك أن يبلغ قولهن إليهِا، فيغرِيها بعرضها يوسف -عليه السلام- عليهن، فيرين جماله؛ لأنهن أحببن أن يرينه، كأنهن أضمرن حسدها على اقتناء مثله.
وعلمن أنها إذا سمعت بحديثهن فإنها ستعرض يوسف عليهن ليتمهّد عذرها عندهن، فهن ما قلن هذا إنكاراً للمنكرِ وكرها للرذيلة، ولا حباً لقول المعروف ولا نصراً للفضيلة، وإنما قلنه مكراً وحيلة، ليصل إليها فيحملها على دعوتهن، وإراءتهن بأعين أبصارهن ما يبطل ما يدعين رؤيته بأعين بصائرهن، فيعذرنها فيما عذلنها عليه، فهو مكر شديد لَا نصح رشيد، وذلك هو عين ما حدث {فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ}، وكان من المتوقّع أن تسمعه لما اعتيد بين هذه البيوت من التواصل بالزيارات، واختلاف الخدم من كل منها إلى الْآخر، وهن ما قلنه إِلّا لتسمعه، فَإن لم يصل إليها عَفوا احتلن في إيصاله قصداً، فكان ما أردنه. والمعهود في اللغة أن الفعل (سمع) يُعدى إلى المسموع بنفسه، ولكنه هنا تعدى بحرف (الباء) {فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ} فقد تكون تعدية الفعل بـ (الباء) لأنه ضُمِّن معنى أُخبرت، كقول المثل: «تسمع بالمعيديّ خير من أن تراه» أي تخبر عنه، فهي لم تسمع ذلك منهن مباشرة، وإنما نُقل إليها وأُخبِرتْ به عبر وسائل التواصل الإعلامي المعتادة مما يتم به نقل أحداث الإثارة في المجتمعات الفارغة، وَقد تكون (الباء) مزِيدة للتوكيد مثل قوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ} [سورة المائدة:6].
يا لدهاء هذه المرأة.. ولكنه دهاء لا يفيء إلى خير، أو يقوم على نشر النافع للناس، بل على التآمر والهدم، ففطنت أسيرة ذنوبها وشهواتها بما يخبئه الفضول المستعر، والشهوات المخبأة خلف عبارات الاستنكار، فأرادت أن تشركهن في حمأة المجون، ومهرجانات العفن ومواقف الفتون، ولذلك {أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} لأنهن لم يتذوقن طعم الإيمان، وحقيقة الطهارة، وجمال مبدأ {مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [يوسف:23].