وذكر مخلوف( يرحمه الله): أن... المراد هنا النجم البادي بالليل, وأضاف
النجم الثاقب) أي المضيء, كأنه يثقب الظلام بنوره فينفذ فيه, والمراد به الجنس, فإن لكل كوكب ضوءا ثاقبا, أو هو معهود وهو الثريا, أو النجم الذي يقال له( كوكب الصباح)...
ووافق كل من الصابوني( أمد الله في عمره), وأصحاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم( جزاهم الله خيرا), ما قال به ابن كثير( يرحمه الله), علي الرغم من أن القسم واضح الدلالة علي نجم محدد بذاته, وفيه من التحديد والتخصيص ما لا يمكن تجاهله, فلو كان الوصف بالطارق ينطبق علي كل نجم, ما خصص في هذه الآية الكريمة بهذا التحديد الدقيق, ولما أعطي اسما محددا الطارق, ولا صفة محددة النجم الثاقب, ولما ورد به القسم مع السماء بهذه الصورة المفخمة, ولما وجه السؤال إلي خاتم الأنبياء والمرسلين( صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين) عقب القسم مباشرة:
والسماء والطارق* وما أدراك ما الطارق*
ولما أتي الجواب قاطعا, حاسما من الله( تعالي) بقوله( عز من قائل): النجم الثاقب*
والنجوم قد ورد ذكرها في القرآن الكريم ثلاث عشرة مرة, أربع منها بالإفراد( النجم), وتسع بالجمع( النجوم), ولم يوصف أي منها بالطارق النجم الثاقب, إلا في هذه السورة المباركة التي نحن بصددها, والتي حملت اسم الطارق تأكيدا أن الطارق نجم محدد بذاته, ولكي نفهم حقيقة هذا النجم الطارق الثاقب, لابد لنا من التعرف علي أنواع النجوم, لنجد ما يمكن أن ينطبق عليه هذا الوصف القرآني المحدد.
ماهية النجوم؟:
النجوم هي مصابيح السماء الدنيا, وهذه المصابيح السماوية عبارة عن أجرام غازية في غالبيتها, ضخمة الحجم, ولكنها تبدو لنا ضئيلة لتعاظم أبعادها عنا, فأقرب النجوم إلينا وهي الشمس تبعد عنا بنحو مائة وخمسين مليون كيلومتر(149,6 مليون كيلومتر) وأقرب نجوم مجرتنا إلينا بعد الشمس واسمه الأقرب القنطوري
(Proxima Centauri)
يقدر بعده عنا بأكثر من أربعة آلاف مليون مليون كيلومتر(4,3 من السنين الضوئية), ومن النجوم ما يبعد عنا بأكثر من عشرة بلايين من السنين الضوئية.
والنجوم أجرام سماوية شديدة الحرارة, ملتهبة, مشتعلة, ومضيئة بذاتها, يغلب علي تركيبها غاز الإيدروجين, ويليه في الكثرة غاز الهيليوم, والقليل من العناصر الأخري الأثقل وزنا, وتحتوي مادة النجم الغازية( في أغلبها) بعملية التجاذب الداخلي إلي مركز النجم الناتجة عن دورانه حول محوره, وتؤدي هذه العملية إلي اتحاد نوي ذرات الإيدروجين مع بعضها البعض بالاندماج أو الانصهار النووي
(Nuclear Fusion)
وينطلق عن ذلك كميات هائلة من الطاقة علي هيئة عدد من الإشعاعات الكهرومغناطيسية التي من أهمها الضوء والحرارة.
ويؤدي تسلسل عملية الاندماج النووي من عنصر إلي آخر, إلي تكوين عناصر أعلي في وزنها الذري باستمرار, مما يؤدي بدوره إلي تعقيد كل من التركيب الكيميائي والبناء الداخلي للنجم, الذي يتقلص حجمه بالتدريج وتزداد كثافته بطريقة مطردة, وترتفع درجة حرارته باستمرار, فيمر بذلك في عدد من الأطوار المتتالية حتي نهاية حياته, وتسمي هذه المراحل المتتالية بدورة حياة النجم.
دورة حياة النجوم:
خلقت النجوم ابتداء من الدخان الكوني, الذي نشأ عن انفجار الجرم الأولي للكون( فتق الرتق), ولاتزال النجوم تتخلق أمام أنظار الفلكيين من دخان كل من السدم والمسافات بين النجمية وبين المجرية, عبر مراحل متتالية, وذلك بواسطة عدد من الدوامات العاتية التي تعرف باسم دوامات تركيز المادة
(Material Accretion Whorlsor Vertigos)
التي تعمل علي تكثيف المادة في داخل سحابات الدخان بفعل عملية التجاذب التثاقلي
(Gravitational Attraction)
فتؤدي إلي إحداث تصادمات متكررة بين جسيمات المادة ينتج عنها الارتفاع التدريجي في درجة حرارتها حتي تصبح قادرة علي بث الأشعة تحت الحمراء فيولد ما يسمي بالنجم الابتدائي
Pro-(or) Proto-Star
وتستمر جزيئات المادة في هذا النجم الأولي في التجمع والانجذاب أكثر نحو المركز حتي تتجمع الكتلة اللازمة لبدء عملية الاندماج النووي, فتزداد الاصطدامات بينها, ويزداد الضغط إلي الدرجة التي تسمح ببدء التفاعلات النووية الاندماجية بين نوي ذرات الإيدروجين, فيتوهج النجم الأولي وتنطلق منه الطاقة, وينبثق الضوء المرئي, وعند ذلك يكون النجم الابتدائي قد وصل إلي طور النضج المسمي باسم نجوم النسق الرئيسي
(Main Sequence Stars)
ويستمر النجم في هذا الطور غالبية عمره(90% من عمره), حيث يتوقف انكماش مادته نحو المركز بسبب الحرارة والضغط البالغين المتولدين في مركز النجم.
وينتج عن استمرار التفاعلات النووية في داخل نجم النسق الرئيسي استهلاك كميات كبيرة من غاز الإيدروجين الذي تحوله إلي الهيليوم, وبالتدريج تتخلق العناصر الأثقل من مثل الكربون, والنيتروجين, والأوكسجين, وفي مراحل لاحقة يتحول لب النجم إلي الحديد, فتتوقف عملية الاندماج النووي, ويدخل النجم في مرحلة الاحتضار علي هيئة النموذج الأول لانفجار المستعر الأعظم
(TypeI Supernova Explosion)
ينتهي به إلي دخان السماء عبر مراحل من العمالقة الحمر
(Red Giants)
ثم مرحلة النجوم الزرقاء شديدة الحرارة والمحاطة بهالة من الإيدروجين المتأين والمعروفة باسم السدم الكوكبية
(Planetary Nebulae)
ثم مرحلة الأقزام البيض
(White Dwarfs)