1. حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2) مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (3)
2. مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقّ } أي: لا عبثا ولا سدى بل ليعرف العباد عظمة خالقهما ويستدلوا على كماله
أن خلقهما وبقاءهما مقدر إلى { أَجَلٍ مُسَمًّى }
هذه السماوات ستتشقق، والأرض ستزلزل، وتتبدل الارض غير الارض والسماوات.
3. قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (4)
أفحمهم بالأدلة العقلية المتمثلة في شهادة هذا الكون المفتوح، وبالأدلة النقلية المتمثلة في أنه لا يوجد عندهم كتاب أو ما يشبه الكتاب. يستندون إليه في استحقاق هذه الأصنام للعبادة. وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5)
4. وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (7)
لما عجزوا عن الإتيان بمثله، اتهموه بأنه ساحر، وأن ما جاء به سحر، وتلمح في الآية سرعة ردهم دون تفكر أو تأمل أو انتظار.
أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (8) قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (9)
5. وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ (11)
قال ابن كثير:
«وأما أهل السنة والجماعة، فيقولون في كل فعل وقول لم يثبت عن الصحابة: هو بدعة؛ لأنه لو كان خيرا لسبقونا إليه؛ لأنهم لم يتركوا خصلة من خصال الخير إلا وقد بادروا إليها».
6. وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً
7. وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا
هذه الىية تكريم لكل عربي، وتذكير له بنعمة الله عليه، حيث جعل القرآن الذي هو أجمع الكتب السماوية وآخرها بلسانه، فالأحرى أن يكون أكثر فهما له، وأكثر عملا به.
8. لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ (12)
بيان موجز لوظيفة هذا الكتاب، ففيه ترهيب وترغيب، وخوف ورجاء، وأخبار جحيم ونعيم.
9. إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا
الإيمان قول وعمل، قول باللسان، وعمل بالجوارح والأركان. قال ابن القيم: «إن الإيمان قول وعمل؛ والقول قول القلب واللسان، والعمل عمل القلب والجوارح».
10. في حديث ثوبان: «استقيموا ولن تحصوا».
أي لن تقدروا على الاستقامة كلها، فسدِّدوا وقاربوا. قال أبو علي القاري:
«ولن تطيقوا أن تستقيموا حق الاستقامة، ولكن اجتهدوا في الطاعة حق الإطاعة، فإن ما لا يدرك كله لا يترك كله، وفيه تنبيه نبيه على أن أحدا لا يظن بنفسه الاستقامة، ولا يتوهم أنه خرج بالكلية من صفة النفس اللوامة، فيقع في العجب والغرور اللذين هما أقبح من كل ما يترتب عليه الملامة، نسأل الله السلامة».
11. الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (1)
لا قيمة لأعمال البر والمعروف من غير إيمان.
12. وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ (2)
مغفرة الذنوب هي الطريق إلى إصلاح البال، وإصلاح البال نعمة عظمى لا يحس بها إلا من وهبه الله إياها.
13. وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8)
أضل أعمالهم بعكس شهداء المسلمين، حيث قال في حق الشهداء: ﴿فلن يضل أعمالهم﴾، بينما قال في موتى الكفار: ﴿وأضل أعمالهم﴾
14. كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ (15)
أنت على الخيار، بين نعيم الجنة أو لهيب النار، وليس لك غيرهما قرار، ولا منهما فرار، واختيارك يظهر اليوم بحسب ما تقضي به الأعمار من أعمال الأبرار أو أعمال الفجار.
15. وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا (15)
ليسوا على الخيار بل يسقون بالإجبار، ومن يسقيهم هم ملائكة العذاب في النار، فهنا القهر النفسي والألم البدني.
16. إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25)
يزيِّن الشيطان للمنتكسين سوء أعمالهم، ويمدُّ في آجالهم وآمالهم، فلا يعاجَلون بعقوبة، فيتابعون في ضلالتهم.
17. من علامات الانتكاس!
قال حذيفة بن اليمان : «من أحب أن يعلَم أصابتْه الفتنة أو لا: فلينظر، فإن رأى حلالا كان يراه حراما، أو يرى حراما كان يراه حلالا، فليعلم أن قد أصابته» .
18. لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ (32):
أعداء الإسلام يحاربون الله لا المسلمين، فاطمئنوا، لن يضروا الله شيئا؛ سيبطل كيدهم، ويحبط تدبيرهم.
19. يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ (33)
ما حدود طاعة الرسول؟!
قال ابن عاشور:
«فطاعة الرسول ﷺ التي أُمِروا بها هي امتثال ما أمر به ونهى عنه من أحكام الدين. وأما ما ليس داخلا تحت التشريع، فطاعة أمر الرسول ﷺ فيه طاعة انتصاح وأدب، ألا ترى أن بريرة لم تطع رسول الله ﷺ في مراجعة زوجها مغيث، لما علمت أنَّ أمره إياها ليس بعزم».
20. وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ (33)
سين:
هل السيئات والكبائر تمحو الحسنات؟!
جيم:
لا، بل الحسنات تمحو السيئات، وليس العكس، إلا أن تكون سيئة رياء أو مَنٍّ، فإنها بحبط العمل، وتضيع أجره.
21. إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (34)
بيان صريح أن الموت على الكفر يوجِب الخلود في النار.
22. فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ
قال السيوطي: قال الكيا: فيه دليل على منع مهادنة الكفار إلا عند الضرورة وتحريم ترك الجهاد إلا عند العجز.
23. فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ
قال ابن كثير:
«أي في حال علوكم على عدوكم، فأما إذا كان الكفار فيهم قوة وكثرة بالنسبة إلى جميع المسلمين، ورأى الإمام في المهادنة والمعاهدة مصلحة، فله أن يفعل ذلك، كما فعل رسول الله ﷺ حين صده كفار قريش عن مكة ودعوه إلى الصلح، ووضع الحرب بينهم وبينه عشر سنين، فأجابهم ﷺ إلى ذلك».
24. وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ
سبب علوكم هو استجلابكم معية ربكم، بطاعتكم له، وعدم مخالفة أمر نبيكم.
25. وَاللَّهُ مَعَكُمْ
قال صاحب الظلال:
«والله معكم، فلستم وحدكم، إنكم في صحبة العلي الجبار القادر القهار، وهو لكم نصير حاضر معكم، يدافع عنكم، فما يكون أعداؤكم هؤلاء والله معكم؟»
26. وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ (35)
وعد من الله بتسديد أعمال عباده وتوفيقهم للنجاح فيها، فتعبير عدم وتر الأعمال أي عدم نقصانها فيه كناية عن التوفيق فيها.
27. إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ
الحياة الدنيا لعب ولهو حين لا يكون وراءها غاية سامية، وحين تعاش لمحض اللذة المنقطعة عن منهج الله، والإيمان والتقوى وحدهما يخرجان الدنيا عن هذا الوصف وهذا العبث.
28. قال ابن عاشور:
«هذا تحذير من أن يحملهم حب لذائذ العيش على الزهادة في مقابلة العدو، ويتلو إلى مسالمته، فإن ذلك يغري العدو بهم».
29. إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ (37)
لو سألكم كل أموالكم، لبخلتم بها، وظهرت أضغان قلوبكم بكراهية ما أمر الله به، لذا كان من لطفه ورحمته بعباده أن راعى الطبيعة البشرية وسايرها حين فرض التكاليف، وهو الأعلم بمن خلق، وهو اللطيف الخبير.
30. هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ
31. وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ
ما تبذله اليوم إن هو إلا رصيد مدَّخر لك، ستجده في يوم أحوج ما تكون فيه إلى رصيد، يوم تُجرَّد من كل ما تملك، فلا تجد إلا هذها الرصيد المذخور، فإذا بخلت اليوم بالبذل، فإنما تبخل عن نفسك، وتخصم من رصيدك، وتضن بالمال عن ذاتك، وتغلق باب العطاء في وجهك!
32. ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر (2)
قال ابن كثير:
«هذا من خصائصه صلوات الله وسلامه عليه التي لا يشاركه فيها غيره، وليس في حديث صحيح في ثواب الأعمال لغيره غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وهذا فيه تشريف عظيم لرسول الله ﷺ، وهو صلوات الله وسلامه عليه في جميع أموره على الطاعة والبر والاستقامة التي لم ينلها بشر سواه لا من الأولين ولا من الآخرين، وهو أكمل البشر على الإطلاق وسيدهم في الدنيا والآخرة».
33. لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ
هذه الأعذار المقبولة للتخلف عن الجهاد، يبسطها الله رحمة بعباده وتخفيفا عنهم
34. إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ
وكانت حميتهم أي أنهم لم يقرّوا أنه نبيّ، ولم يقرّوا ببسم الله الرحمن الرحيم، وحالوا بينهم وبين البيت.
35. كل حمية بغير حجة هي حمية جاهلية، ومحض تعصب، قد برزت هنا؛ فقد كان المشركون يقولون: قتل محمد آباءنا وإخواننا، ثم يدخل علينا في منازلنا! والنبي ﷺ جاء معظِّما للبيت لا محاربا.
36. وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (26)
كان الصحابة أحق بكلمة التوحيد من كفار مكة؛ لأن الله اختارهم لدينه وصحبة نبيه، وكان الله بكل شيء عليما.
37. وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ
تعريض لطيف بأن الذين لا يطيعون الرسول ﷺ فيهم بقية من الكفر والفسوق والعصيان
38. فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (8):
حب الإيمان وكراهية العصيان فضل من الله لا فضل منكم، ونعمة منه سبحانه غير متعلقة بتقواكم أو صلاحكم.
39. قال صاحب الظلال:
«واختيار الله لفريق من عباده، ليشرح صدورهم للإيمان، ويحرك قلوبهم إليه، ويزينه لهم فتهفو إليه أرواحهم، وتدرك ما فيه من جمال وخير..هذا الاختيار فضل من الله ونعمة، دونها كل فضل وكل نعمة، حتى نعمة الوجود والحياة أصلا، تبدو في حقيقتها أقل من نعمة الإيمان وأدنى».
40. وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا
التعبير بقوله: ﴿وإن﴾ للإشعار بأنه لا يصح أن يقع قتال بين المؤمنين، فإن وقع على سبيل الندرة، فعلى المسلمين أن يعملوا بكل وسيلة على إزالته.
41. يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)
قال الآلوسي: «أي خلقناكم من آدم وحواء، فالكل سواء في ذلك، فلا وجه للتفاخر بالنسب، كما قال الشاعر:
الناس في عالم التمثيل أكفاء ... أبوهم آدم والأم حواء».
42. وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14)
أي لا ينقصكم من أجور أعمالكم شيئا، والرسالة: إن أتيتم بما يليق بضعفكم وتقصيركم من الطاعات، فالله سيؤتيكم ما يليق بجوده وكرمه من الحسنات.
43. مَنُّ العبد بعمله عقبة في طريق الجنة!
في الحديث: «لا يدخل الجنة مَنّان، ولا عاقٌّ، ولا مُدمِن خمر».
صحيح الجامع رقم: 7676
44. بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (17)
عن أنس أنَّه كان مع رسول الله ﷺ جالسًا ورجل يصلِّي، ثم دعا: اللَّهم إني أسألك بأنَّ لك الحمد، لا إله إلا أنت المنَّان، بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال واﻹكرام، يا حي يا قيوم، فقال النبي ﷺ: «لقد دعا اللهَ باسمِه العظيم، الذي إذا دُعي به أجاب، وإذا سُئل به أَعطى». صحيح سنن أبي داود رقم: 1342
45. إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18)
الله لا يخفى عليه أسراركم، ولا أعمال قلوبكم، ومستقبلكم لديه مثل ماضيكم، ونياتكم كتاب مفتوح أمام علمه.
46. ﴿ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ ﴾ [ق: 1]:
قال الرازي:
«هذه السورة تُقرأ في صلاة العيد، لقوله تعالى فيها ﴿ذلك يوم الخروج﴾ [ق: 42]، وقوله تعالى: ﴿كذلك الخروج﴾ [ق: 11]، وقوله تعالى: ﴿ذلك حشر علينا يسير﴾ [ق: 44]، فإن العيد يوم الزينة، فينبغي أن لا ينسى الإنسان خروجه إلى عرصات الحساب، ولا يكون في ذلك اليوم فرحا فخورا، ولا يرتكب فسقا ولا فجورا».
47. بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ (2)
جُبِلُوا عَلَى الْكُفْرِ، فلذلك تعَجَّبوا مما لا عجب منه، ولا شك أن الكفر يطمس فطرة العبد، فيحول الطبيعي شاذا، ويقلب الشاذ طبيعيا!
48. الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ (26)
في الحديث:
«يخرج عنق من النار يوم القيامة له عينان يبصران وأذنان يسمعان ولسان ينطق، يقول: إني وُكِّلتُ بثلاثة: بكل جبار عنيد، وبكل من دعا مع الله إلها آخر، وبالمصورين». صحيح الجامع رقم: 8051
49. قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (27):
أخبرك الله أن من أغواك اليوم سيتبرأ منك غدا، حتى تنفض يديك منه اليوم!
50. قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28)
قال ابن عباس: «إنهم اعتذروا بغير عذر، فأبطل الله حجتهم، وردَّ عليهم قولهم».
51. مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ
لا خلف لوعده، ولا معقِّب لحكمه، بل هو كائن لا محالة، ومن كان شاكا فيه في دنياه، فسيراه واقعا حاضرا بين يديه في أخراه.
52. وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (29)
لا يعذب الله أحدا بغير سبب.
لا يعذب أحدا إلا بعد إقامة الحجة.
لا يعذب أحدا بذنب غيره.
لا يعذب أحدا فوق ما يستحق.
53. وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31)
قال ابن عاشور: «والجنة موجودة من قبل وُرود المتَّقين إليها، فإزلافها قد يكون بحشرهم للحساب بمقربة منها، كرامة لهم عن كُلْفة المسير إليها ، وقد يكون عبارة عن تيسير وصولهم إليها بوسائل غير معروفة في عادة أهل الدنيا».
54. هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32)
هو من لا ينسى ذنوبه! سئل ابن عباس عن الأوّاب الحفيظ، فقال: «حفِظ ذنوبه حتى رجع عنها».
55. ﴿مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ ﴾ [ق: 33]:
لا تغتر بسعة رحمة الله، واجمع في قلبك مع رجاء الرحمة جرعة خشية.
56. ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34)
حتى لا يدخل قلوب المؤمنين أدنى خوف أو قلق من دوام هذا النعيم الرائع، فالجنة منزَّهة عن أي مشاعر سلبية.
57. لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35)
آية من ست كلمات تساوي عن مجلدات تصف نعيم الجنة، فكل ما خطر ببالك فالجنة أعلى من ذلك.
نتفع بالآيات، وهو بمنزلة البصير الذي حدَّق إلى جهة المنظور إليه، حتى رآه وتبيَّن له طريق الحق.
58. وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ (38)
قال سعيد بن جبير: «الله تعالى قادر على أن يخلق السموات والأرض وما بينهما في لمحة ولحظة، ولكنه سبحانه خلقهن في ستة أيام؛ ليعلم عباده التثبت في الأمور والتأنى فيها».
59. وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ (38)
المسُّ: اللَّمس، فعبَّر عن نفي أقل إصابة بالتعب، بنفي المسِّ، فتأمل في قدرة الله وعظمته.
60. فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39)
زاد الصبر لا يتم تحصيله إلا بااتصال بالله، وأعظم أسبابه: الصلاة، وأشار إليها هنا بالتسبيح، وأعظم الصلوات بركة ما كان قبل طلوع الشمس (الفجر)، ووقبل غروبها (العصر).
61. وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ (40):
صلاة الليل زاد الصابرين، ومستراح المكروبين، ,عدة السائرين في طريق رب العالمين.
62. وَأَدْبَارَ السُّجُودِ (40):
فيها قولان:
• قال ابن عباس ومجاهد: «هو التسبيح باللسان في أدبر الصلوات المكتوبات».
• وقال الإمام ابن جرير: «وأولى الأقوال في ذلك بالصحة قول من قال: هما الركعتان بعد المغرب».
63. وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (41)
قال قتادة: «قال كعب الأحبار: يأمر الله ملكا أن ينادى على صخرة بيت المقدس: أيتها العظام البالية، والأوصال المتقطعة، إن الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء».
64. يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (42)
في حديث أبي هريرة: «ما بين النفختين أربعون» صحيح الجامع رقم: 5585
ولم يصح في تحديدها شيء، وقد مال النووي والطبري والقرطبي والشوكاني والآلوسي إلى أن ما بينهما أربعون سنة.
65. إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (43):
بعد الموت ستعرف مصيرك، وترى نتيجة سعيك وثمرة كدِّك في هذه الحياة.
66. نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ
قال الإمام الرازي: «تسلية لقلب النبي ﷺ والمؤمنين، وتحريض لهم على ما أُمِر به النبي ﷺ من الصبر والتسبيح، أي اشتغل بما قلناه، ولا يشغلك الشكوى إلينا، فإنا نعلم أقوالهم ونرى أعمالهم».
67. وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ
لا تستطيع أن تجبر أحدا على الإيمان، فالإيمان قرار، وللبشر حرية الاختيار، وبحسب هذا يكون دخول الجنة أو النار.
68. فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ (45)
إنما يؤثِّر إنذار القرآن في الخائفين، لذا ليس كل من تُلِي عليه القرآن اتعظ.
69. من لا يخاف الوعيد لأنه لا يؤمن به لا يُذَكَّر، فمثل هذا لا تنفع فيه الذكرى.
71. أقسم الله بآيات أربعة بديعة خارقة لعادات الناس فوق ما تطيقه قدراتهم، فمن قدَرَ عليها، فهُو قادرٌ عَلى بعثِ الناس بعد الموت، لإنفاذ وعده ووعيده.
72. وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ (6)
كما تدين تدان، وكما تعمل ستُجازى، ومهما كان زرعك ستحصده، وسعيك ستلقاه.
73. وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ (7)
المحبوك في اللغة ما أُجِيد عمله، فهل رأيتم أحسن من السماء في استوائها، وقيامها بغير عمد، وانعدام خللها، وتزينها بالنجوم والكواكب.
74. ﴿إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ﴾ (8)
اختلافكم دليل افترائكم، فمن قائل عن محمد: ساحر، وآخر يقول: مجنون، وثالث: شاعر، ولو كنتم على حق، لاتفقتم على رأي.
75. ﴿يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ﴾ [الذاريات: 9]: أي يُصرَف عن القرآن من صرفه الله عقوبةً له على ذنوبه، وبسبب إعراضه عن ربه.
76. قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (10):
عن ابن عباس رضي الله عنهما: أي لُعِن المرتابون، وهكذا كان معاذ يقول في خطبته: هلك المرتابون.
77. دعاء عليهم يراد به لعنهم، إذ من لعنه الله فهو بمنزلة الهالك المقتول، فليحذر كل عاقل من التعرض لما يستحق به لعنة الله.
78. الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ (11)
بعض البشر مغمورون بالأوهام، غافلون عما ينفعهم، لا يستقبلون رسائل الله ولا نداءات الآخرة، كأنهم سكارى مذهولون!
79. يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (12)
ليس المهم: متى يوم الحساب؟ متى يوم الدين؟ الأهم: ماذا أعددت له؟!
80. يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (13)
أي يُحْرَقون، وهو من قولهم: فتنتُ الذهب أي أحرقتُه لأختبره، وأصل الفتنة الاختبار، فكما فتنوا المؤمنين بنار الابتلاء والإيذاء، فتنهم الله بنار العذاب.
81. وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18)
قال القشيري:
«أخبر عنهم أنهم- مع تهجدهم ودعائهم- يُنزِلون أنفسهم في الأسحار منزلة العاصين، فيستغفرون استصغارا لقدرهم، واستحقارا لفعلهم».
82. نالوا شرف عبادتين: القيام والاستغفار!
قال الحسن: «مدوا الصلاة من أول الليل إلى السحر، ثم استغفروا في السَّحَر».
83. وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19)
المراد بالحق هنا غير الزكاة من الصدقات، وهذا يناسب وصف حال المحسنين الذين بذلوا بعد الزكاة الصدقات، ولأن السورة مكية، والزكاة إنما فرضت في السنة الثانية من الهجرة.
84. هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24)
إشارة إلى الملائكة المكرمين لأنهم كذلك عند الله، أو إشارة إلى إكرام إبراهيم لهم.
85. إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25)
قال صاحب الكشاف: «أنكرهم للسلام الذي هو علم الإسلام، أو أراد أنهم ليسوا من معارفه، أو من جنس الناس الذين عهدهم، أو رأى لهم حالا وشكلا خلاف حال الناس وشكلهم، أو كان هذا سؤالا لهم، كأنه قال: أنتم قوم منكرون فعرِّفوني من أنتم».
86. فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26)
من آداب الضيافة!
قال القاسمي: «ذهب إليهم خفية من ضيوفه، ومن أدب المضيف أن يُخفِي أمره، وأن يبادر بالقِرى من غير أن يشعر به الضيف؛ حذرا من أن يكفَّه ويعذره».
87. فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26)
بعجلٍ سمين لا هزيل، يعلِّمك أن تقدِّم لضيوفك أغلى ما تملك.
88. فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (27)
خمسة من آداب الضيافة! قال ابن كثير: «وهذه الآيات انتظمت آداب الضيافة:
• فإنه جاء بطعامه من حيث لا يشعرون بسرعة.
• ولم يمتن عليهم أولا فقال: نأتيكم بطعام؟ بل جاء به بسرعة وخفاء.
• وأتى بأفضل ما وجد من ماله، وهو عجل سمين مشوى.
• فقرَّبه إليهم، لم يضعه وقال: اقتربوا، بل وضعه بين أيديهم.
• ولم يأمرهم أمرا يشق على سامعه بصيغة الجزم، بل قال: ﴿أَلا تَأْكُلُونَ﴾ على سبيل العرض والتلطف، كما يقول القائل اليوم: إن رأيت أن تتفضل وتحسن وتتصدق، فافعل».
يتبع