[size="6"]فالأول :
اسم من أسماء الله الحسنى ، يشتمل على صفة الأولية لله تعالى ، فليس قبله شيء .
وهذا فيه إبطال القول بقدم شيء من المخلوقات ، فالله لم يسبقه شيء بل هو الأول .
والآخر :
من أسماء الله الحسنى ، يشتمل على صفة الآخرية ، فليس بعد الله شيء وهذا
يدل على أبدية الله عز وجل وأنه عز وجل باق حي لا يفنى ولا يبيد.
والظاهر :
من أسماء الله الحسنى ، يتضمن صفة العلو والظهور على خلقه ، فليس فوق الله شيء بل هو العلي العالي على خلقه بذاته وقدرته وقهره.
والباطن :
من أسماء الله الحسنى ، يتضمن صفة الباطنية وهي بمعنى القرب والإحاطة العلمية والمكانية .
فالله عز وجل ليس دونه من عباده شيء إذ هو قريب منهم كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : ((أقرب ما يكون العبد لربه وهو ساجد))
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- : ((أيها الناس ، أربعوا على أنفسكم ، إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا ، إنكم تدعون سميعاً قريباً وهو معكم )) متفق عليه.
وفي رواية لمسلم : ((إن الذين تدعون أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته)).
وفي الختام أنقل لك كلاماً نفيساً لابن القيم -رحمه الله-
قال ابن القيم رحمه الله تعالى في أثناء كلامه على هذه الأسماء الأربعة
-وهي الأول و الآخر و الظاهر والباطن-
في كتابه طريق الهجرتين(ص/47) :
[هي أركان العلم والمعرفة ، فحقيق بالعبد أن يبلغ في معرفتها إلى حيث ينتهي به قواه و فهمه .
و اعلم أن لك أنت أولا و آخرا و ظاهرا و باطنا ، بل كل شيء فله أول و آخر
وظاهر و باطن ، حتى الخطرة و اللحظة والنفس ، و أدنى من ذلك و أكثر .
فأولية الله عز وجل سابقة على أولية كل ما سواه ، وآخريته ثابتة بعد آخريه
كل ما سواه ، فأوليته سَبْقه لكل شيء ، وآخريته بقاؤه بعد كل شيء ،
وظاهريته سبحانه فوقيته وعلوه على كل شيء ، ومعنى الظهور يقتضي العلو ،
وظاهر الشيء هو ما علا منه وأحاط بباطنه ، وبطونه سبحانه إحاطته بكل شيء ،
بحيث يكون أقرب إليه من نفسه ، وهذا قرب غير قرب المحب من حبيبه ، هذا لون
وهذا لون .
فمدار هذه الأسماء الأربعة على الإحاطة ؛ وهي إحاطتان : زمانية ومكانية .
فإحاطة أوليته وآخريته بالقَبلِ والبَعْدِ ، فكل سابق انتهى إلى أوليته ،
وكل آخر انتهى إلى آخريته ، فأحاطت أوليته وآخريته بالأوائل والأواخر ،
وأحاطت ظاهريته وباطنيته بكل ظاهر وباطن .
فما من ظاهر إلا والله فوقه ، وما من باطن إلا والله دونه ، وما من أول إلا والله قبله ، وما من آخر إلا والله بعده .
فالأول قدمه ، والآخر دوامه وبقاؤه ، والظاهر علوه وعظمته ، والباطن قربه ودنوه .
فسبق كل شيء بأوليته ، وبقي بعد كل شيء بآخريته ، وعلا على كل شيء بظهوره ، ودنا من كل شيء ببطونه .
فلا تواري منه سماءٌ سماءً ، ولا أرضٌ أرضاً ، ولا يحجب عنه ظاهرٌ باطناً ،
بل الباطن له ظاهر ، والغيب عنده شهادة ، والبعيد منه قريب ، والسر
عنده علانية.
فهذه الأسماء الأربعة تشتمل على أركان التوحيد ، فهو الأول في آخريته ،
والآخر في أوليته ، والظاهر في بطونه ، والباطن في ظهوره ، لم يزل أولاً
وآخراً، وظاهرا وباطناً]
فائدة:
ورد في الحديث الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول في دعائه:
اللهم رب السماوات السبع ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنوى، منزل التوراة والإنجيل والقرآن، أعوذ بك من شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها، أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عني الدين وأغنني من الفقر .
فتضمن هذا الدعاء العظيم تفسير هذه الأسماء الأربعة أحسن تفسير وأبينه،
وإذا ورد التفسير عن المعصوم- عليه صلوات الله وسلامه - فليس لأحد بعده مقال،
غير أنا نزيد الأمر بيانًا فنقول: إن هذه الأسماء الحسنى الأربعة دلت على إحاطته -سبحانه- بجميع الأزمنة، والأمكنة، فالأول والآخر دالان على الإحاطة الزمانية، حيث إنه الأول قبل كل شيء والآخر بعد كل شيء،
والظاهر والباطن دالان على الإحاطة المكانية .
حيث إنه الظاهر أي: العالي الذي فوق كل شيء،
والباطن أي: القريب الذي ليست دونه شيء،
بل هو أقرب بعلمه وقهره وحكمه إلى كل شيء من نفسه، فاسمه تعالى: الباطن دال على وصول علمه إلى كل خفي وإحاطته به، بحيث لا يفوته منه شيء، إذًا فلا تعارض أصلا بين اسمه الظاهر واسمه الباطن، فإن الأول دال على علوه على جميع خلقه، والثاني دال على وجوده بعلمه مع كل شيء من خلقه. والله تعالى أعلم
العلي ، الأعلى ، المتعال
قال الله تعالى : { ولا يئوده حفظهما وهو العلي العظيم } ، وقال تعالى : { سبح اسم ربك الأعلى } ، وقال تعالى : {عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال }
وذلك دال على أنَّ جميع معاني العلو ثابته لله من كل وجه ، فله علو الذات ، فإنه فوق المخلوقات ، وعلى العرش استوى أي علا وارتفع . وله علو القدر وهو
علو صفاته وعظمتها فلا يماثله صفة مخلوق ، بل لا يقدر الخلائق كلهم أن يحيطوا ببعض معاني صفة واحدة من صفاته، قال تعالى : { ولا يحيطون به علما }
وبذلك يعلم أنه ليس كمثله شيء في كل نعوته، وله علو القهر، فإنه الواحد القهار الذي قهر بعزته وعلوه الخلق كلهم ، فنواصيهم بيده، وما شاء كان لا يمانعه فيه
ممانع ، وما لم يشأ لم يكن ، فلو اجتمع الخلق على إيجاد ما لم يشأه الله لم يقدروا ، ولو اجتمعوا على منع ما حكمت به مشيئته لم يمنعوه ، وذلك لكمال اقتداره ،
ونفوذ مشيئته ، وشدة افتقار المخلوقات كلها إليه من كل وجه .
(الرحمن،الرحيم)
أولا /المعنى اللغوي :
الرحمن مشتق من الرحمة ، والرحمة في اللغة هي الرقة والتعطف والشفقة , وتراحم القوم أي رحم بعضهم بعضا والرحم القرابة .
وهو مبني على المبالغة ومعناه ذو الرحمة الذي لا نظير له فيها ، وهو لا يثنى ولا يجمع ولا يسمى به أحد غيره .
والرحمن هو من عمت رحمته الكائنات كلها في الدنيا سواء في ذلك المؤمن والكافر
وقد ذكر ابن القيم أن وصف فعلان يدل على سعة هذا الوصف وثبوت جميع معناه الموصوف به؛ ألا تري أنهم يقولون غضبان للممتليء غضبا وندمان وحيران وسكران ولهفان لمن مليء بذلك فبناء فعلان للسعة والشمول
ولهذا يقرن الله تعالي استواءه علي العرش بهذا الاسم كثيرا كقوله سبحانه : ( الرحمن على العرش استوى) طه:5 وكقوله أيضا : ( ثم استوى عى العرش الرحمن فاسأل به خبيرا) الفرقان:59
فاستوى على عرشه -سبحانه- باسمه الرحمن لأن العرش محيط بالمخلوقات وقد وسعها والرحمة محيطة بالخلق واسعة لهم علي اختلاف أنواعهم كما قال تعالي : ( ورحمتي وسعت كل شيء) الأعراف:156 فاستوى على أوسع المخلوقات بأوسع الصفات ومن ثم وسعت رحمته كل شيء
واسم الرحمن اختص به الله لا يتسمى به غيره فقد قال الله (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن ) فقرن بين اسمي الله والرحمن فكما أن لفظ الجلالة (الله ) لا يتسمى به غيره فكذلك اسم (الرحمن).
الرحيم :
مشتق أيضا من الفعل رحم فإذا قيل راحم فهو متصف بالرحمة والمبالغة رحمن ورحيم ويفترق هذا الاسم عن اسم الرحمن أنه يمكن تسمية غير الله به كما في قوله تعالى في وصف النبي صلى الله عليه وسلم ( بالمؤمنين رؤوف رحيم ) التوبة 128
ما الفرق بين الرحمن والرحيم ؟
قيل في ذلك عدة أقوال :
الرحمن معناه ذو الرحمة الشاملة التي وسعت الخلق في معايشهم ،
1- وعمت المؤمن والكافر والرحيم خاص بالمؤمنين كما في قوله : ( وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيما ً) الأحزاب:43 (لكن ورد قوله تعالى (إن الله بالناس لرؤوف رحيم ) البقرة 143
2- الرحمن في الدنيا والرحيم في الآخرة (لكن قد جاء في الدعاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما)
3- والراجح : أن الرحمن صفة للذات (ذات الله ) والرحيم صفة للفعل .
فالله في ذاته بلغت رحمته الكمال ، والرحيم دل على أنه يرحم خلقه برحمته
بيان سعة رحمة الله بعباده :
الله سبحانه (كتب على نفسه الرحمة ) الأنعام 12
وجاء في الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي أنه قال : ( لما قضى الله الخلق كتب كتابا فهو موضوع عنده فوق العرش : إن رحمتي سبقت غضبي)،
روى البخاري من حديث أبي هريرة أنه سمع رسول الله يقول :
(جَعَلَ الله الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ جُزْءًا وَأَنْزَلَ فِي الأَرْضِ جُزْءًا وَاحِدًا ، فَمِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ يَتَرَاحَمُ الْخَلْقُ حَتَّى تَرْفَعَ الْفَرَسُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ )
وفي رواية أخرى عند البخاري قال : ( إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الرَّحْمَةَ يَوْمَ خَلَقَهَا مِائَةَ رَحْمَةٍ ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً ، وَأَرْسَلَ فِي خَلْقِهِ كُلِّهِمْ رَحْمَةً وَاحِدَةً ، فَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ بِكُلِّ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الرَّحْمَةِ لَمْ يَيْأَسْ مِنَ الْجَنَّةِ ، وَلَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ بِكُلِّ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْعَذَابِ لَمْ يَأْمَنْ مِنَ النَّارِ ).
وورد عند البخاري أيضا من حديث عُمَر بن الخطاب أَنَّهُ قَالَ : ( قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ بِسَبْيٍ ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْيِ تَبْتَغِي إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ ، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ : أَتَرَوْنَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ ؟ قُلْنَا : لاَ وَاللَّهِ ، وَهِي تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لاَ تَطْرَحَهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا ) .
والله إن الإنسان ليتوقف طويلا مع هذا الحديث الرقراق الذي يبين فيه رسول الله مثالا حسيا لهذه المرأة فقدت طفلها في الحرب ، فكانت إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ وقد فعلت ذلك ليخفف ألم اللبن في ثديها ، وأخذت تبحث عن طفلها حتى وجدته فأخذته وضمته وأرضعته ، فرحمة الله بعباده أعظم من هذه الرحمة.
- ورحمة الله ليست قاصرة على ما وهب وأعطى، بل تمتد إلى ما حرم ومنع:
فما حرم شيئا إلا رحمة بخلقه، وما منع رزقا إلا لرحمته بعباده، حرم الربا، والزنا، والخمر، والقمار، رحمة بهم، حتى لاتفسد معيشتهم و حياتهم، ومنع بعض عباده المال والصحة رحمة بهم كيلا يطغوا، ويعيثوا في الأرض فسادا.
- رحمة الله لاتعز على طالب في أي مكان ولا في أي حال :
وجدها إبراهيم عليه السلام في النار..
ووجدها يوسف عليه السلام في الجب، كما وجدها في السجن ..
ووجدها يونس عليه السلام في بطن الحوت في ظلمات ثلاث ..
ووجدها موسى عليه السلام في اليم، وهو طفل مجرد من كل قوة،، كما وجدها في قصر عدوه فرعون..
الرحمة في قصة أهل الكهف :
ولعلنا لا ننسى أهل الكهف فروا بدينهم إلى كهف في الجبل .. والكهف مكان ضيق .. لا يستطيع الإنسان أن يمضى فيها إلا وقتا قصيرا .. وأقرأ قول الحق جل وعلا : ( وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا) سورة الكهف
هذا الكهف الضيق .. إن ضاق عليهم مساحة , فلن يضيق عليهم انعاما .. فرحمة الله سبحانه وتعالى ستجعل هذا المكان الضيق يبدو رحبا واسعا .
ورحمة الله تتمثل في مظاهر لايحصيها العد، ويعجز الانسان عن مجرد ملاحقتها وتسجيلها>
ولكن ما معنى كونه سبحانه رحيما وأرحم الراحمين ونجد البلاء والعذاب والمرض وهو يقدر على رفع ذلك عن عباده ؟
والجواب :أن ذلك من تمام حكمته سبحانه فمثلا لو أن طفلا صغيراً يحتاج إلى حقنة فبكى الابن خوفا من ألمها فرقّت له الأم ،وحمله الأب عليها قهرا !!!
فالجاهل يظن أن الرحيم الأم دون الأب .
والعاقل يعلم أن إيلام الأب لابنه من تمام رحمته وعطفه وأن الألم القليل إذا كان لمنفعة كبيرة لم يكن شرا بل هو خير .
_ولله المثل الأعلى _إذن فما يقدره الله لعباده من شدة ومرض هو رحمة منه بعباده إما لرفع درجاتهم أو لتكفير سيئاتهم أو لتذكيرهم بنعمه عليهم .
ثمار الإيمان بهذين الاسمين : الرحمن والرحيم
1- الدعاء بهما وسؤال الله الرحمة :
فنسأل أرحم الراحمين أن يرحمنا (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب )آل عمران 8
و{ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ }البقرة286
و(وقل رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين ) المؤمنون 118
وفي الصحيحين عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال يا رسول الله علمني دعاء أدعو به في صلاتي وفي بيتي قال : قل :
(اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم)
وكان عمر بن عبدالعزيز يقول “اللهم إن لم أكن أهلا لبلوغ رحتمك، فإن رحمتك أهلا لأن تبلغني، فرحمتك وسعت كل شيء وأنا شيء فلتسعني رحمتك يا أرحم الأرحمين”
2- أن تكون رحيما بالخلق :
فالاصل أن المسلم متصف بهذه الصفة في تعامله بين الخلق وقد وصف الله المؤمنين بذلك فقال {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ }الفتح29
فالأصل في المسلمين الرحمة فيما بينهم لكنهم صاروا في كثير من الأحيان أشداء بينهم ... وفي الحديث (من لا يرحم لا يرحم )رواه البخاري
وعن أبي هريرة (لا تنزع الرحمة إلا من شقي ) حسنه الألباني
ورحمة المؤمن لا تقتصر على إخوانه المؤمنين وإنما هو ينبوع يفيض بالرحمة على الناس جميعا :
وقد قال رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "لن تؤمنوا حتى ترحموا. قالوا: يا رسول الله، كلنا رحيم. قال: إنه ليس برحمة أحدكم صاحبه ولكنها رحمة العامة"، رواه الطبراني.
وكما في حديث ابن عمرو (الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى إرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ) صححه الألباني
ومن صفات المؤمنين في القرآن: "وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ" البلد:17.
3- الرحمة بالضعفاء والأطفال وسائر المخلوقات :
دخل الأقرع بن حابس على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما وهو يقبل الحسن ويقبل الحسين فقال : والله أنا لى عشرة من الآولاد ما قبلت واحدا منهم فغضب النبى وقال:" وما أملك أن نزع الله الرحمة من قلبك، من لا يرحم لا يرحم ) متفق عليه
بل كان صلى الله عليه وسلم إذا خرج من المسجد فقابله الصبيان وقف يسلم عليهم، فعن جابر بن سمرة يقول جابر: صليت مع النبى صلى الله عليه وسلم الصلاة الأولى، فخرج إلى أهله فقابله الصبيان، فجعل النبى صلى الله عليه وسلم يمسح خدى أحدهم واحدا واحداً، ثم مسح النبى صلى الله عليه وسلم على خدى فوجدت ليده بردا وريحا كأنه أخرجها من جوْنة عطار. صحيح مسلم" .
وتمتد هذه الرحمة لتشمل البهائم والطير.
وقد أعلن النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه أن الجنة فتحت أبوابها لبغي سقت كلبا فغفر الله لها، وأن النار فتحت أبوابها لامرأة حبست هرة حتى ماتت، فلا هي أطعمتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض. فإذا كان هذا عقاب من حبس هرة بغير ذنب، فماذا يكون عقاب الذين يحبسون عشرات الألوف من بني الإنسان بغير حق إلا أن يقولوا: ربنا الله.
الرحمة مع الأعداء
هذه الرحمة غلبت على أعمال المسلمين الأولين، حتى مع الأعداء المحاربين، فنجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يغضب حين مر في إحدى غزواته، فوجد امرأة مقتولة فقال: ما كانت هذه لتقاتل.
ويسير أصحابه على نفس النهج أبرارا رحماء ؛ فهذا أبو بكر يودع جيش أسامة بن زيد ويوصيهم قائلا: "لا تقتلوا امرأة ولا شيخا ولا طفلا، ولا تعقروا نخلا، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، وستجدون رجالا فرغوا أنفسهم في الصوامع، فدعوهم وما أفرغوا أنفسهم له".
ارجو ان ينال اعجابكم واتمنى ان تقيموه
والله ولي التوفيق
4- الرحمة بالعصاة :
يقول الإمام الغزالي في كتابه (المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى)
"وحظ العبد من اسم (الرحمن) أن يرحم عباد الله الغافلين، فيصرفهم عن طريق الغفلة إلى الله بالوعظ والنصح بطريق اللطف دون العنف، وأن ينظر إلى العصاة بعين الرحمة، لا بعين الإيذاء، وأن يرى كل معصية تجري في العالم كمعصية له في نفسه، فلا يألو جهدا في إزالتها بقدر وسعه؛ رحمة لذلك العاصي من أن يتعرض لسخط الله تعالى، أو يستحق البعد عن جواره.
وحظ العبد من اسم (الرحيم) ألا يدع فاقة لمحتاج إلا ويسدها بقدر طاقته، ولا يترك فقيرا في جواره أو في بلده، إلا ويقوم بتعهده ودفع فقره، إما بماله أو جاهه، أو الشفاعة إلى غيره، فإن عجز عن جميع ذلك، فيعينه بالدعاء، وإظهار الحزن، رقة عليه وعطفا، حتى كأنه مساهم له في ضره وحاجته".
ومرأبو الدرداء بجماعة تجمهروا على رجل يضربونه ويشتمونه، فقال لهم: ما الخبر؟ قالوا: وقع في ذنب كبير، قال: أرأيتم لو وقع في بئر أفلم تكونوا تستخرجونه منه؟ قالوا: بلى، قال: فلا تسبوه ولا تضربوه، لكن عِظُوه وبصِّروه، واحمدوا الله الذي عافاكم من الوقوع في مثل ذنبه، قالوا: أفلا تبغضه؟ قال: إنما أبغض فعله، فإذا تركه فهو أخي، فأخذ الرجل ينتحب ويعلن توبته وأوبته.
5- صلة الأرحام :
صلة الرحم تعني الإحسان إلى الأقربين وإيصال ما أمكن من الخير إليهم ودفع ما أمكن من الشر عنهم.
وقد عظم سبحانه قدر الأرحام فقال تعالى : (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ) النساء:1.
وعن أنس-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله : (يقول ـ تبارك وتعالى ـ : أنا الرحمن الرحيم ، و إني شققت للرحم من اسمي ، فمن وصلها وصلته،ومن نكثها نكثه)) رواه البزار وإسناده حسن
وعن عائشة_ رضي الله عنها_ قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الرحم معلقة بالعرش تقول : من وصلني وصله الله،ومن قطعني قطعه الله ) البخاري ومسلم
6- استحباب التسمية بعبد الرحمن :
عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أحب الاسماء الى الله تعالى عبدالله وعبد الرحمن) سنن أبي داود
7- طاعة الله ورسوله سبب الرحمة :
إن طاعة الله وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم من أسباب الرحمة في الدنيا والآخرة، كما في قوله تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ )آل عمران:132
وهذه الرحمة ذكرت مطلقة، فهي رحمة في الدنيا والآخرة، فيرحم الله سبحانه وتعالى من أطاعه وأطاع رسوله صلى الله عليه وسلم .
و قد بين لنا الله موجبات رحمته ، وعرفنا السبيل إلى استجلابها ؛ فقال تعالى ( إن رحمة الله قريب من المحسنين )
فأوضح بذلك أن رحمته تبارك وتعالى تكون قريبا من عباده المؤمنين به، الطائعين له .. فهؤلاء يتغمدهم برحمته .. فينجيهم من كروب الدنيا ويبعثهم يوم الفزع الأكبر آمنين .
إن طاعة الله لا تأتي إلا بالخير، ومعصية الله لا تأتي إلا بالشر، ولذلك جعل سبحانه الرحمة مرتبطة بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وجعل الشقاء والضنك لمن أعرض عن ذكره وعن متابعة رسوله صلى الله عليه وسلم، قال عز وجل: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى طه:124.
ورحمة الله لا تقتصر على المؤمنين الطائعين فقط بل تمتد لتشمل ذريتهم من بعدهم تكريما لهم وسكينة لأنفسهم .. وقد رأينا ذلك في قصة العبد الصالح والجدار والتي قال عنها المولى عز وجل : ( وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا)
اللهم انا نسألك رحمة من عندك تهدي بها قلوبنا وتجمع بها أمرنا وتلم بها شعثنا وتبلغنا بها رضاك في الدارين ياذا المن والعطاء يا أرحم الراحمين