هو قس بن ساعدة بن عدي من قبيلة إياد بنجران ، كان زاهداً في الدنيا وخصوصاً بعد أن مات له أخوان و دفنهما بيده . و كان قس يحضر سوق عُكاظ و يسير بين الناس و ينذرهم .. ولقد ضرب به المثل في الخطابة و البلاغة و الحكمة فيقال إنه أول من كتب " من فلان إلى فلان " وأول من أقر بالبعث من غير علم ، وأول من قال " أما بعد " وأول من قال " البينة على مَن ادَّعَى واليمين على من أنكر " ، وأول من توكّأ على عصا ، ويقال أنه قد عاش مائة وثمانين سنة و قد توفي قبل بعثة النبي بحوالي عشر سنوات .
و قد رآه رسول الله عليه الصلاة و السلام وهو يخطب بعكاظ وقال : كأني أنظر اليه بسوق عكاظ وهو على جمل أورق و هو يتكلم بكلام عليه حلاوة .
يقول البيهقي سماع النبي صلى الله عليه وآله وسلم من قُس جاءت شواهد كثيرة وآثار تدل على أن لهذه القصة أصلا .
* خـَـطـَـبَ قـُــسُّ بنُ ساعدة َ الإياديُّ بسوقِ عُــكاظٍ ، فقالَ :
" أيها الناسُ ، اسمعوا وعوا ، مَنْ عاشَ ماتَ ، ومَنْ ماتَ فاتَ ، وكلُّ ما هو آتٍ آتٍ . ليلٌ داج ٍ (1) ، ونهارٌ ساج ٍ (2) ، وسماءٌ ذاتُ أبراج ٍ ، ونجومٌ تـَــزْهَــرُ(3) ، وبحارٌ تـَـزْخـَـرُ(4) ، وجبالٌ مُـرْسَاة ٌ ، وأرْضٌ مُدْحاة ٌ(5) ، وأنهارٌ مُجْـراة ٌ . إنّ في السماء ِ لـَخبَرًا ، وإنّ في الأرض ِ لعِـبَـرًا . ما بالُ الناس ِ يذهبون ولا يرجعون ؟ أرضوا فأقاموا ، أم تـُـرِكوا فناموا ؟!
يُقسِمُ قـُـسٌّ قسَمًا لا إثمَ فيه : إنّ للهِ دِينـًـا هو أرضى له ، وأفضلُ مِن دينِكم الذي أنتم عليه ، وإنكم لتأتون مِنَ الأمرِ مُنكرًا . ويُروى أنّ قـُـسًّا أنشأ بعدَ ذلك يقولُ :
في الذاهبين الأولين * من القرون ِ لنا بصائر
لما رأيتُ مواردًا * للموتِ ليسَ لها مصادر
ورأيتُ قومي نحوَها * تمضي الأكابرُ والأصاغر
لا يرجعُ الماضي إليّ * ولا من الباقين غابر(6)
أيقنتُ أني لا محالة َ حيثُ صارَ القومُ صائر
_______________________________
1- داج ٍ : مظلم .
2- ساج ٍ : دائم .
3- تزهر : تضيء وتتلألأ .
4- تزخر : تمتلئ وترتفع .
5- مدحاة : مدحوة : أي مبسوطة ، وإنما قال : مدحاة لمراعاة السجع .
6- غابر : مقيم .