الخطبة الأولى:
الدنيا ويقربنا إلى الآخرة، يباعِدُنا من دار العمل ويقربنا من دار الجزاء أخرج
البخاري في صحيحه عن علي رضي الله عنه قال: (ارتحلت
الدنيا مدبرة، وارتحلت الآخرة مقبلة، ولكل منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء
الدنيا ، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل) .
الدنيا بزاد من التقى * فعمرك أيـام وهن قلائــلُ
الهم وأدناهم إلى لحظة لا يدرون ما مصيرهم فيها إما إلى جنة وإما إلى نار، وهم مشفقون مما أودعوه فيه من الأعمال: {يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً}.
الموت مجتهداً * فإنما الربح والخسران في العمـل
النفس فنتصفّح ما صدر من أفعالنا، فإن كانت محمودةً أمضيناها وأتبعناها بما شاكلها وضاهاها، وإن كانت مذمومةً استدركناها ب
التوبة وانتهينا عن مثلها في المستقبل.{إنَّ الَذِينَ اتَّقَوْا إذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإذَا هُم مُّبْصِرُونَ}.
الفاروق
عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، وتزيّنوا للعرض الأكبر: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيةٌ},
ابن القيم رحمه الله: (المحاسبة أن يميز العبد بين ماله وما عليه فيستصحب ما له ويؤدي ما عليه؛ لأنه مسافرٌ سَفَرَ من لا يعود). (
مدارج السالكين، 1/187(.
القلب وتفكره في أعماله وأعمال
اللسان وأعمال الجوارح ، فمن ترك نفسه تلغ في المعصية دون أن يحاسبها فكأنما قتلها، قال تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً}، قال
ابن كثير رحمه الله في تفسيرها: "أي لا تقتلوا أنفسكم بارتكاب محارم الله وتعاطي معاصيه وأكل أموالكم بينكم بالباطل".
النفس ونقائصها ومثالبها ، ومن اطلع على عيوب نفسه أنزلها منزلتها الحقيقية ومنعها من
الكبر والتغطرس فمعرفة قدر
النفس تورث العبد تذللاً لله وعبودية له فلا يمنُّ بعمله مهما عظُم ولا يحتقر ذنبه مهما صغُر وهذه علامة التوفيق، قال أبو الدرداء رضي الله عنه: "لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يمقت الناس في جنب الله ثم يرجع إلى نفسه فيكون لها أشد مقتاً".
النفس وتطهرها وتلزمها أَمْر ربها فيفلح صاحبها ويفوز ب
رحمة الله ورضوانه، قال تعالى {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}. قال مالك بن دينار رحمه الله: "رحم الله عبداً قال لنفسه: الست صاحبة كذا؟ ألست صاحبة كذا؟ ثم ذمها ثم خطمها ثم ألزمها كتاب الله عز وجل فكان لها قائداً".
ابن القيم رحمه الله محذراً من ترك المحاسبة: "أضرُّ ما على المكلف الإهمال وترك المحاسبة والاسترسال وتسهيل الأمور وتمشيتها، فإن هذا يؤول به إلى الهلاك، وهذا حال أهل الغرور: يغمض عينيه عن العواقب ويُمَشِّي الحال ويتكل على العفو فيهمل محاسبة نفسه والنظر في العاقبة، وإذا فعل ذلك سهل عليه مواقعة
الذنوب وأنس بها وعسر عليه فطامها "أ.هـ . ( المدارج).
النفس كالطفل إن تهمله شبَّ على * حب
الرضاع وإن تفطمه ينفطمِ
النفس و
الشيطان واعصهما * وإن هما محضاك النصح فاتهمِ
عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوماً وخرجت معه حتى دخل حائطاً فسمعته يقول وبيني وبينه جدار: عمر أمير المؤمنين، بخٍ بخٍ!! والله بُنيَّ الخطاب لتتقين الله أو ليعذبنك".
الجنة آكل من ثمارها وأشرب من أنهارها وأعانق أبكارها، ثم مثلت نفسي في
النار آكل من زقومها وأشرب من صديدها وأعالج سلاسلها وأغلالها، فقلت لنفسي: يا نفس أي شيء تريدين؟، فقالت: أريد أن أردَّ إلى
الدنيا فأعمل صالحاً، قلت: فأنتِ في الأمنية فاعملي!
الغفلة عنها نذير غرق الأمة في لجج الفساد والتيه المنتهية بنزول العقوبة في
الدنيا ونارٍ وقودها الناس و
الحجارة في الآخرة، وإنما تنتشر المعاصي حينما لا يتوقع المجتمع أو الفرد حساباً فينطلقون في حركاتهم كما يحبون ويموجون كما يشتهون بلا زمام ولا خطام: {إِنَّهُمْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ حِسَاباً * وَكَذَّبُواْ بِـئَايَـٰتِنَا كِذَّاباً}.
النفس سريعة التقلب ميالة إلى الشر كما أخبر بارئها عنها بقوله: {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ}.
الخطبة الثانية:
التقوى..
النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أفضل
الصيام بعد
رمضان : شهر الله المحرم ، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل".
الدنيا الفانية، واعلموا أنكم راحلون عما قريب ومفارقون لهذه
الدنيا، فالكيس من دان نفسه وعمل لما بعد
الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني. وليست الغبطة بطول العمر، وإنما الغبطة بما أمضاه العبد في طاعة مولاه وخير الناس من طال عمره وحسن عمله وشر الناس من طال عمره وساء عمله .
الدنيا إلا بقيام الدين ولا نال العز والكرامة والرفعة إلا من خضع لرب العالمين ولا دام الأمن والرخاء إلا باتباع منهج سيد المرسلين ولئن استمرت زهرة
الدنيا مع المعاصي والانحراف فإن ذلك استدراج يعقبه الإهلاك والاتلاف.التوقيع لا يظهر للزوار ..
التوقيع لا يظهر للزوار ..
قد تكوني مهتمة بالمواضيع التالية ايضاً
|
||||
| الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
| صور ورسائل وتواقيع وصور رمزية و sms لعيد الفطر المبارك كل عام وانتم بخير | شوشو السكرة | مضيفة عدلات | 11 | 06-02-2019 01:16 AM |
| من اهم الشخصيات التاريخية التى عرفها التاريخ | حياه الروح 5 | شخصيات وأحداث تاريخية | 12 | 21-02-2018 10:45 AM |
| القمة العربية .. فى دورتها ال26 | سارة سرسور | اهم الاخبار - اخبار يومية | 1 | 29-03-2015 09:40 PM |
| مرشحي الرئاسة المصرية 2025 + نبذه عنهم | كتكوتة | اهم الاخبار - اخبار يومية | 17 | 16-06-2014 02:42 AM |
| الدكتور محمد راتب النابلسي(لمحه عن حياته) | لؤلؤة الايمان | شخصيات وأحداث تاريخية | 9 | 12-04-2012 06:10 AM |
جميع المشاركات تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع