أو

الدخول بواسطة حسابك بمواقع التواصل

#1

افتراضي شرح رياض الصالحين الحديث السادس باب النية (لابن العثيمين)


شرح رياض الصالحين الحديث السادس باب النية (لابن العثيمين)

شرح رياض الصالحين الحديث السادس باب النية (لابن العثيمين)
شرح رياض الصالحين الحديث السادس باب النية (لابن العثيمين)


6- وعن أبي إسحاق سعد بن أبى وقاص بن أهيب بن عبد مناف ابن زهرة بن كلاب النبي صلي الله عليه وسلم مرة بن كعب بن لوي القرشي الزهري رضي الله عنه، أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، رضي الله عنهم، قال:
((جاءني رسول الله
صلي الله عليه وسلم عام حجة الوداع من وجع اشتد بين
فقلت: يا رسول الله إني قد بلغ بي من الوجع ما تري،
وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي، أفاتصدق بثلثي مالي؟
قال: لا، قلت: فالشطر يا رسول الله؟
قال: لا
قلت: فالثلث يا رسول الله،
قال: الثلث والثلث كثير - أو كبير-
إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس،
وإنك لن تنفق نفقة تلتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها،
حتى ما تجعل في في أمراتك
قال: فقلت: يا رسول الله اخلف بعد أصحابي،
قال: إنك لن تخلف فتعمل عملاً تبنغي به وجه الله؛ إلا أزدت به درجة ورفعة،
ولعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام ويضر بك آخرون.
اللهم أمض لأصحابي هجرتهم،
ولا تزدهم على أعقابهم، لكن البائس سعد بن خولة))
يرثي له رسول الله صلي الله عليه وسلم أن مات بمكة.
(متفق عليه) .


شرح رياض الصالحين الحديث السادس باب النية (لابن العثيمين)

قال المؤلف - رحمه الله تعالي -
فيما نقله عن سعد بن أبي وقاص- رضي الله عنه -
أن النبي صلي الله عليه وسلم جاءه يعوده في مرض ألم به،
وذلك في مكة،
وكان سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - من المهاجرين الذين هاجروا من مكة إلي المدينة،
فتركوا بلدهم لله عز وجل، وكان من عادة النبي صلي الله عليه وسلم أنه يعود المرضي من أصحابه،
كما أنه يزور منهم؛ لأن صلي الله عليه وسلم كانأحسن الناس خلقاً؛
على أنه الإمام المتبوع. صلوات الله وسلامه عليه،
كان من أحسن الناس خلقاً، وألينهم بأصحابه، واشدهم تحببا إليهم.
فجاءه يعوده،
فقال: يا رسول الله:
((إني قد بلغ بي من الوجع ما تري)) أي:
اصابه الوجع العظيم الكبير.
((وأنا ذو مال كثير أوكبير)) أي: أن عنده مالاً كبيراً
((ولا يرثني إلا ابنة لي)) أي: ليس له ورثة بالفرض إلا هذه البنت.
((أفأتصدق بثلثي مالي)) يعني بثلثيه: اثنين من ثلاثة!
((قال: لا قلت: الشطر يا رسول)) أي: بالنصف.
((قال: لا: قلت: بالثلث قال: الثلث والثلث كثير)) .


فقوله: ((أفأتصدق))
أي أعطيه صدقة؟
فمنع النبي صلي الله عليه وسلم من ذلك؛
لأن سعداً في تلك الحال كان مريضاً مرضاً يخشي منه الموت،
فلذلك منعه الرسول صلي الله عليه وسلم أن يتصدق بأكثر من الثلث.

لأن المريض مرض الموت المخوف لا يجوز أن يتصدق بأكثر من الثلث،
لأن ماله قد تعلق به حق الغير؛ وهم الورثة.

أما من كان صحيحاً ليس فيه مرض،
أو فيه مرض يسير لا يخشي منه الموت،
فله أن يتصدق بما شاء؛ بالثلث، أو بالنصف، أو بالثلثين، أو بماله كله، لا حرج عليه.

لكن لا ينبغي أن يتصدق بماله كله؛ إلا إن كان عنده شيء يعرف أنه سوف يستغني به عن عباد الله.

المهم أن الرسول صلي الله عليه وسلم منعه أن يتصدق بما زاد عن الثلث.
وقال: ((الثلث والثلث كثير - أو كبير))

وفي هذا دليل علي أنه إذا

نقص عن الثلث فهو أحسن وأكمل؛
ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما:
((لو أن الناس غضوا من الثلث إلي الربع)) ؛
لأن النبي صلي الله عليه وسلم قال: ((الثلث والثلث كبير))

وقال أبو بكر رضي الله عنه: ((أرضي ما رضيه الله لنفسه))
يعني: الخمس، فأوصي بالخمس رضي الله عنه.

وبهذا نعرف أن عمل الناس اليوم؛ وكونهم يوصون بالثلث؛ خلاف الأولي، وإن كان هو جائزاً.
لكن الأفضل أن يكون أدني من الثلث؛ أما الربع أو الخمس.

قال فقهاؤنا رحمهم الله

والأفضل أن يوصي بالخمس،
لا يزيد عليه؛ اقتداء بأبي بكر الصديق رضي الله عنه.

شرح رياض الصالحين الحديث السادس باب النية (لابن العثيمين)

ثم قال الرسول عليه الصلاة والسلام:
((إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من ان تذرهم عالة يتكففون الناس)) .
أي: كونك تبقي المال ولا تتصدق به؛
حتى إذا مت وورثه الورثة صاروا أغنياء به،
هذا خير من أن تذرهم عالة، لا تترك لهم شيئاً
((يتكففون الناس)) أي: يسألون الناس بأكفهم؛ أعطونا أعطونا.

وفي هذا دليل على أن الميت إذا خلف مالاً للورثة فإن ذلك خير له.
لا يظن الإنسان أنه إذا خلف المال،
وورث منه قهراً عليه،
أنه لا أجر له في ذلك!
لا بل له أجر،

حتى إن الرسول - عليه الصلاة والسلام - قال:
((إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة…ألخ))

_لأنك إذا تركت المال للورثة انتفعوا به، وهم أقارب،
وإن تصدقت به انتفع به الأباعد،

والصدقة على القريب أفضل علي البعيد، لأن الصدقة على القريب صدقة وصلة.

ثم قال ((إنك لن تنفق نفقة بها وجه الله إلا أجرت عليها، حتى ما تجعله في في أمرأتك))
يقول: لن تنفق نفقة؛
_أي: لن تنفق مالاً؛ دراهم أو دنانير أوثياباً، أو فرشاً أو طعاماً أو غير ذلك تبتغي به وجه الله إلا أجرت عليه.
_الشاهد من هذا قوله:
((تبتغي به وجه الله))
أي: تقصد به وجه الله عز وجل،
يعني تقصد به أن تصل إلي الجنة؛ حتى تري وجه الله عز وجل.

_لأن أهل الجنة - جعلني الله وإياكم منهم - يرون الله سبحانه وتعالي، وينظرون إليه عياناً بأبصارهم،
كما يرون الشمس صحواً ليس دونها سحاب، وكما يرون القمر ليللة البدر. يعني أنهم يرون ذلك حقا.

((حتى ما تجعله في في امرأتك)) أي:
_حتى اللقمة التي تطعمها امرأتك تؤجر عليها إذا قصدت بها وجه الله،
مع ان الإنفاق على الزوجة أمر واجب،
لو لم تنفق لقالت أنفق أو طلق،
ومع هذا إذا أنفقت على زوجتك تريد إذا أنفقت على نفسك تبتغي بذلك
وجه الله؛ فإن الله يثيبك علي هذا.

ثم قال رضي الله عنه:
((أخلف بعد أصحابي)) يعني أو خلف بعد أصحابي،
أي: هل أتأخر بعد أصحابي فأموت بمكة.
فبين النبي صلي الله عليه وسلم أنه لن يخلف فقال:
((إنك لن تخلف)) وبين له أنه أو خلف ثم عمل عملاً يبتغي به وجه الله إلا زادت به عن الله درجة ورفعة.
يعني: لو فرض أنك خلفت ولم تتمكن من الخروج من مكة،
وعملت عملاً تبتغي به وجه الله؛
فإن الله تعالي يزيدك به رفعة ودرجة،
رفعة في المقام والمرتبة، ودرجة في المكان.
فيرفعك الله عز وجل في جنات النعيم درجات.
_حتى لو عملت بمكة وأنت قد هاجرت منها.

_ثم قال النبي صلي الله عليه وسلم:
((ولعلك أن تخلف)) أن تخلف: هنا غير أن تخلف الأولي ((لعلك أن تخلف)) :
أي تعمر في الدنيا؛
وهذا هو الذي وقع فإن سعد ابن أبي وقاص عمر زماناً طويلاً،
حتى إنه- رضي الله عنه- كما ذكر العلماء، خلف سبعة عشر ذكراً واثنتي عشر بنتاً.

وكان في الأول ليس عنده إلا بنت واحدة،
ولكن بقي وعمر ورزق أولاداً. سبعة عشر ابنا واثنتي عشرة ابنة.

قال: ((ولعلك أن تخلف))
((حتى ينتفع بك أقواماً ويضر بك آخرون))
وهذا الذي حصل، فإن سعداً _ رضي الله عنه - خلف وصار له أثر كبير في الفتوحات الإسلامية،
وفتح فتوحات عظيمة كبيرة، فانتفع به أقوام وهم المسلمون، وضربه آخرون وهم الكفار.
ثم قال النبي صلي الله عليه وسلم:
((اللهم أمض لأصحابي هجرتهم))

_سأل الله أن يمضي لأصحابه هجرتهم
وذلك بأمرين
:
الأمر الأول: ثباتهم على الإيمان؛ لأنه إذا ثبت الإنسان على الإيمان ثبت على الهجرة.
الثاني: أن لا يرجع أحدهم منهم إلي مكة بعد أن خرج منها؛ مهاجراً إلي الله ورسوله.

لأنك إذا خرجت من البلد مهاجراً إلي الله ورسوله؛ فهو كالمال الذي تتصدق به.
يكون البلد مثل المال الذي تصدق به لا يمكن أن ترجع فيه.

_وهكذا كل شيء تركه الإنسان لله لا يرجع فيه.

_ومن ذلك:
ما وفق فيه كثير من الناس من إخراج التليفزيون من بيوتهم؛ توبة إلي الله، وابتعاداً عنه،
وعما فيه من الشرور. فهؤلاء قالوا هل يمكن أن نعيده إلي البيت؟
نقول: لا،
بعد أن أخرجتموه لله لا تعيدوه؛
لأن الإنسان إذا ترك شيئاً لله، وهجر شيئاً لله، فلا يعود فيه.
ولهذا سأل النبي - عليه الصلاة والسلام - ربه أن يمضي لأصحابه هجرتهم.


وقوله: ((ولا تردهم علي أعقابهم))
أي لا تجعلهم ينتكسون عن الإيمان فيرتدون علي أعقابهم؛
لأن الكفر تأخر، والإيمان تقدم،
_وهذا على عكس ما يقوله الملحدون اليوم؛
حيث يصفون الإسلام بالرجعية،
ويقولون إن التقدمية:
أن ينسلخ الإنسان من الإسلام، وأن يكون علمانياً؛
يعني أنه لا يفرق بين الإيمان والكفر - والعياذ بالله - ولا بين الفسوق والطاعة،
فالإيمان هو التقدم في الحقيقة.
المتقدمون هم المؤمنون، والتقدم يكون بالإيمان،
والرده تكون نكوصا لي العقبين؛
كما قال النبي _ عليه الصلاة والسلام - هنا:
((ولا تردهم علي أعقابهم)) .

شرح رياض الصالحين الحديث السادس باب النية (لابن العثيمين)
وفي هذا الحديث من الفوائد فوائد عظيمة كثيرة!!

شرح رياض الصالحين الحديث السادس باب النية (لابن العثيمين)
_منها: أن من هدي الرسول صلي الله عليه وسلم عيادة المرضي،
لأنه عاد سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه،
وفي عيادة المرضي فوائد للعائد وفوائد للمعود.
_أما العائد فإنه يؤدي حق أخيه المسلم؛ لأن من حق أخيك المسلم أن تعوده إذا مرض.
_ومنها: أن الإنسان إذا عاد المريض فإنه لا يزال في مخرفة الجنة، يعني يجني ثمار الجنة حتى يعود.
ومنها: أن في ذلك تذكيراً للعائد بنعمة الله عليه بالصحة، لأنه إذا رأي هذا المريض،
ورأي ما هو فيه من المرض، ثم رجع إلي نفسه، ورأي ما فيها من الصحة والعافية
عرف قدر نعمة الله عليه بهذه العافية؛ لأن الشيء إنما يعرف بضده.
_ومنها: أن فيها جلبا للمودة والمحبة، فإن الإنسان إذا عاد المريض صارت هذه العيادة
في قلب المريض دائماً، يتذكرها،
وكلما ذكرها أحب الذي يعوده،
وهذا يظهر كثيراً فيما إذا برأ المريض،
وحصلت منه ملاقاة لك تجده يتشكر منك، وتجد أن قلبه ينشرح بهذا الشيء.

_أما المعود: فإن له فيها فائدة أيضاً،
لأنها تؤنسه،
وتشرح صدره
ويزول عنه ما فيه من الهم والغم والمرض.
وربما يكون العائد موفقاً يذكره بالخير والتوبة والوصية؛
إذا كان يريد أن يوصي بشيء عليه من الديون وغيرها، فيكون في ذلك فائدة كبيرة للمعود.

ولهذا قال العلماء:
_ينبغي لمن عاد المريض أن ينفس له في أجله؛
تقدس اسمك، أمرك في السماء والأرض كما رحمتك في السماء، فاجعل رحمتك في الأرض، اغفر لنا حوبنا وخطايانا أنت رب الطيبين، أنزل رحمة من رحمتك وشفاء من شفائك على هذا الوجع فيبرأ))

_أو يقرأ عليه بسورة الفاتحة؛ لأن سورة الفاتحة رقية يقرأ بها علي المرضي،
وعلي الذين لدغتهم العقرب، أو الحية، أو ما أشبه ذلك، فمتي راي العائد من المريض أنه يحب ان يقرأ عليه فليقرأ لئلا يلجيء المريض علي طلب القراءة،
لأن النبي صلي الله عليه وسلم قال:
((رأيت مع أمتي سبعين ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب))
وقال: هم الذين لا يسترقون ولا يكتؤؤن ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون))

فقوله: ((لا يسترقون))
أي:
لا يطلبون أحداً يقرأ عليهم،
فأنت إذا رأيته يتشوق لتقرأ عليه، اقرأ عليه، لئلا تحرجه إلي طلب القراءة.


_كذلك أيضاً إذا رأيت أن المريض يحب أن تطيل المقام عنده، فأطل المقام؛
فأنت على خير وعلي أجر، فأطل المقام عنده، وأدخل عليه السرور،
ربما يكون في دخول السرور على قلبه سبباً لشفائه؛ لأن سرور المريض
وانشراح صدره من أكبر أسباب الشفاء،
_ فإذا رايت أنه يحبك تبقي فابق عنده، وأطل الجلوس عنده حتى تعرف أنه قد مل.

_أما إذا رأيت ان المريض متكلف ولا يحب أنك تبقي، أو يحب أن تذهب عنه حتى يحضر أهله ويأنس بهم فلا تتأخر، اسأل عن حاله ثم انصرف.
ومن فوائده:
_حسن خلق النبي صلي الله عليه وسلم،
ولا شك أن النبي صلي الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً؛
لأن الله تعالي: (نْ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ)
(مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ) (وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ) (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم: 1/4) .

فأعظم الناس خلقاً وأحسن الناس خلقاً رسول الله صلي الله عليه وسلم.
ولهذا كان يعود أصحابه، ويزورهم، ويسلم عليهم،
حتى إنه يمر بالصبيان الصغار فيسلم عليهم، صلوات الله وسلامه عليه.

شرح رياض الصالحين الحديث السادس باب النية (لابن العثيمين)
ومن فوائد هذا الحديث:

شرح رياض الصالحين الحديث السادس باب النية (لابن العثيمين)
_انه ينبغي للإنسان مشاورة أهل العلم،
لأن سعد بن أبي وقاص، - رضي الله عنه -
استشار النبي صلي الله عليه وسلم حينما أراد أن يتصدق بشيء منماله،
فقال: يا رسول الله: ((إني ذو مال كثير، ولا يرثني إلا ابنة لي أفاتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا …)) الحديث.
ففيه استشارة أهل العلم والرأي،

وكل إنسان بحسبهن فمثلاً إذا كنت تريد أن تقدم على شيء من أمور الدين،
فشاور أهل العلم؛ لنهم أعلم بأمور الدين من غيرهم، إذا أردت ان تشتري بيتاً فشاور أصحاب المكاتبالعقارية، إذا أردت أن تشتري سيارة فاستشر المهندسين في السيارات وهكذا.
ولهذا يقال: ((ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار)) .
_والإنسان بلا شك لا ينبغي له أن يكمل نفسه.
من ادعي الكمال لنفسه فهو الناقص،
بل لابد أن يراجع خصوصاً في الأمور الهامة
التي تتعلق بمسائل الأمة؛ فإن الإنسان قد يحمله الحما والعاطفة على فعل شيء هو في نفسه حق ولا باس به، لكن التحدث عنه قد يكون غير مصيب إما في الزمان، أو في المكان أو في الحال.

_ولهذا ترك النبي صلي الله عليه وسلم بناء الكعبة على قواعد إبراهيم؛ خوفاً من الفتنة.
فقال لعائشة رضي الله عنها:
((لولا أن قومك حديثو عهد بكفر لبنيت الكعبة
على قواعد إبراهيم ولجعلت بابين باباً يدخل منه الناس، وبابا يخرجون منه)) .

_من أجل أن يتمكن الناس من دخول بيت الله عز وجل، لكن ترك ذلك خوف الفتنة مع كونه مصحلة!!

بل أعظم من ذلك أن الله تعالي نهي أن نسب آلهة المشركين،
مع أن آلهة المشركين جديرة بأن تسب وتلعن وينفر منها،
لكن لما كان سبها يؤدي إلي سب الرب العظيم المنزه عن كل عيب ونقص،

قال الله عزوجل:
وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الأنعام: 108
)

_فالمهم إنه ينبغي أن نعلم أن الشيء قد يكون حسناً في حد ذاته وفي موضوعه،
لكن لا يكون حسناً، ولا يكون من الحكمة، لا من العقل، ولا من النصح، ولا من الأمانة أن يذكر في وقت من الأوقات، أو في مكان من الأماكن،
أو في حال من الأحوال،
_وإن كان هو في نفسه حقا وصدقاً وحقيقة واقعة،

_ومن ثم كان ينبغي للإنسان أن يستشير ذوي العلم والرأي والنصح في الأمر قبل أن يقدم عليه،
حتى لا يكون لديه برهان، لأن الله قال لأشرف خلقه
- عليه الصلاة والسلام- وأسدهم رأياً، وأبلغهم نصحاً محمد صلي الله عليه وسلم قال:
فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّه)
(آل عمران: من الآية159) .
_هذا وهو رسول الله صلي الله عليه وسلم أسد الناس رأياً،
وأرجحهم عقلاً، وأبلغهم نصحاً صلوات الله وسلامه عليه.

_والإنسان ربما تأخذه العطفة فيندفع، ويقول: هذا لله، هذا أنا أفعله،
ستصدع بالحق
سأقول: سوف لا تأخذني في الله لومة لائم وما أشبه ذلك من الكلام،
ثم تكون العاقبة وخيمة،
_ثم إن الغالب أن الذي يحكم العاطفة،ويتبع العاطفة، ولا ينظر للعواقب، ولا للنتائج، ولا يقارن بين الأمور، الغالب أنه يحصل علي يديه من المفاسد ما لا يعلمه إلا الله عز وجل،
مع أن نيته طيبة، وقصده حسن،
_لكن لم يحسن أن يتصرف، لأن هناك فرقاً بين حسن النية وحسن التصرف،
قد يكون الإنسان حسن النية، لكنه سيء التصرف،
وقد يكون سيء النية، والغالب أن سيء النية يكون سيء التصرف،
_ لكن مع ذلك: قد يحسن التصرف لينال غرضه السيء.

_فالإنسان يحمد على حسن نيته، لكن قد لا يحمد علي سوء فعله،
إلا أنه إذا علم منه أنه معروف بالنصح والإرشاد
النبي صلي الله عليه وسلم فإنه يعذر بسوء تصرفه، ويلتمس له العذر،
ولا ينبغي أيضاً أن يتخذ من فعله هذا، الذي لم يكن موافقاً للحكمة- لا ينبغي،
بل لا يجوز - أن يتخذ منه قدح في هذا المتصرف،
وأن يحمل ما لا يتحمله، ولكن يعذر ويبين له وينصح ويرشد،
ويقال: يا أخي هذا كلامك، أو فعلك حسن طيب وصواب في نفسه،
لكنه غير صواب في نحله أو في زمانه، أو في مكانه.


_المهم أن في حديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -
إشارة إلي أنه ينبغي للإنسان أن يستشير من هو أكمل منه رأياً، وأكثر منه علما.

وفيه أيضاً من الفوائد:

_ أنه ينبغي للمستشير ان يذكر الأمر على ما هو عليه حقيقة، وأسبابه، وموانعه وجميع ما يتعلق به،
حتى يتيبن للمستشار حقيقة الأمر، ويبني مشورته على هذه الحقيقة،
ولهذا قال سعد:
((إني ذو مال ولا يرثني إلا ابنة))
فقوله: ((إني ذو مال))
بيان لسبب العطية التي يريد أن يعطيها
((ولا يرثني إلا ابنة لي))
بيان لانتفاء المانع، يعني لا مانع من أن أعطي كثيراً لانتفاء الوارث.


_والمستشار، عليه أن يتقي الله - عز وجل- فيما أشار فيه،
وأن لا تأخذه العطفة في مراعاة المستشير؛
لأن بعض الناس إذا استشاره الشخص؛
_ورأي أنه يميل إلي أحد الأمرين، أو أحد الرأيين ذهب يشير عليه به.
ويقول: أنا أحب أن أوافق الذي يري أنه يناسبه؛ وهذا خطأ عظيم، بل خيانة.

_والواجب إذا أستشار: أن تقول له ما تري أنه حق، وأنه نافع، سواء أرضاه أم لم يرضه، وأنت إذا فعلت هذا كنت ناصحاً وأديت ما عليك،
_ثم إن أخذ ه، وراي أنه صواب فذاك،
_وإن لم يأخذ به فقد برئت ذمتك،

بل خيانة، مع أنك ربما تستنتج شيئاً خطأ، قد تستنتج أنه يريد كذا، وهو لا يريده فتكون خسرانا من وجهين:
الوجه الأول: من جهة الفهم السيء.
الوجه الثاني: من جهة القصد السيء.

_وفي قول الرسول عليه الصلاة والسلام
((لا)) دليل علي أنه لا حرج أن يستعمل الإنسان كلمة ((لا)) وليس فيها شيء.

فالنبي عليه الصلاة والسلام استعمل كلمة ((لا)) ومن ذلك أن جابراً- رضي الله عنه -
لما أعيا جملة ولحقه النبي عليه الصلاة والسلام،
لأن من عادة الرسول عليه الصلاة والسلام- لأنه راعي أمته- أنه يمشي في الآخر،
لا يمشي قدامهم؛ بل يمشي وراءهم،
لأجل أنه إذا احتاج أحد إلي شيء؛ يساعده عليه الصلاة والسلام،




فانظر إلي التواضع وحسن الرعاية.

((لحق جابراً - وكان جملة قد اعيا - لا يمشي _ فضرب النبي صلي الله عليه وسلم

الجمل، ودعا له،
وقال: ((بغنيه بأوقية))
فقال جابر: لا، ولم ينكر عليه الرسول عليه الصلاة والسلام قوله ((لا))
والنبي عليه الصلاة والسلام هنا عند ما قال له سعد: أتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا إذن: فلا مانع من كلمة ((لا)) فإنها ليست سوء أدب وخلق، وكثير من الناس الآن يأنف أن يقول ((لا)) ويقول بدلاً عنها سلامتك، وهذا طيب أن تدعو له بالسلامة، لكن إذا قلت ((لا)) فلا عيب عليك.

شرح رياض الصالحين الحديث السادس باب النية (لابن العثيمين)
ومن فوائد الحديث:

شرح رياض الصالحين الحديث السادس باب النية (لابن العثيمين)

_أنه لا يجوز للمريض مرضاً مخوفاً أن يعطي أكثر من الثلث إلا إذا أجازه الورثة؛
لأن الورثة تعلق حقهم بالمال لما مرض الرجل،
فلا يجوز أن يعطي أكثر من الثلث، لقول النبي صلي الله عليه وسلم في الثلثين: لا، وفي النصف: لا،
وقال: ((الثلث والثلث كثير)) .

_وفيه: دليل على أنه ينبغي أن يكون عطاؤه أقل من الثلث، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما:
أن الناس غضوا من الثلث إلي الربع لأن النبي صلي الله عليه وسلم قال: ((الثلث والثلث كثير)) .

شرح رياض الصالحين الحديث السادس باب النية (لابن العثيمين)
ومن فوائد الحديث:

شرح رياض الصالحين الحديث السادس باب النية (لابن العثيمين)

_ أنه لا يجوز للإنسان إذا كان مريضاً مرضاً يخشي منه الموت أن يتبرع بأكثر من الثلث من ماله، لا صدقة، ولا مشاركة في بناء مساجد، ولا هبة، ولا غير ذلك.
لا يزيد علي الثلث لأن النبي صلي الله عليه وسلم منع سعد بن أبي وقاص أن يتصدق بما زاد عن الثلث.

شرح رياض الصالحين الحديث السادس باب النية (لابن العثيمين)
ومن فوائده:

شرح رياض الصالحين الحديث السادس باب النية (لابن العثيمين)

_ أنه ينبغي أن يغض من الثلث؛ يعني: الربع، الخمس، دون ذلك.. لأن الرسول صلي الله عليه وسلم أشار إلي استحباب الغض من الثلث في قوله ((والثلث كثير)) ؛
وبهذا استدل عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - حيث قال
لو أن الناس غضوا من الثلث إلي الربع؛
لأن النبي صلي الله عليه وسلم قال: ((الثلث والثلث كثير)) .

_والوصية كالعطية، فلا يجوز أن يوصي الإنسان بشيء من ماله بعد موته زائدا على الثلث،
فليكن من الثلث فأقل.
_والأفضل في الوصية أن تكون بخمس المال؛
لأن أبا بكر -رضي الله عنه - قال: ارضي بما رضية الله لنفسه:
الخمس، فأوصي بالخمس - رضي الله عنه - ومن ثم فقاؤنا- رحمهم الله -: يسن أن يوصي بالخمس إن ترك مالاً كثيراً.

شرح رياض الصالحين الحديث السادس باب النية (لابن العثيمين)
ومن فوائد هذا الحديث أنه:

شرح رياض الصالحين الحديث السادس باب النية (لابن العثيمين)

_إذا كان مال الإنسان قليلاً، وكان ورثته فقراء؛ فالأفضل أن لا يوصي بشيء، لا قليل، ولا كثير؛
لقوله عليه الصلاة والسلام:
((إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة))
_خلافاً لما يظنه بعض العوام أنه لابد من الوصية، فهذا خطأ، والإنسان الذي ماله قليل وورثته فقراء ليس عندهم مال، لا ينبغي له أن يوصي، الأفضل أن لا يوصي.
_ويظن بعض العامة أنه لم يوص لم يكن له أجر، وليس كذلك،
_بل إذا ترك المال لورثته فهو مأجور في هذا،
وإن كان الورثة سوف يرثونه قهراً،
_ لكن إذا كان مسترشداً بهدي النبي صلي الله عليه وسلم، لقوله:
((إنك أن تذر ورثتك

أغنياء خير من أن تذرهم عالة))
فإن أجره في ذلك أفضل من أن يتصدق عنه بشيء من ماله.

شرح رياض الصالحين الحديث السادس باب النية (لابن العثيمين)
ومن فوائد هذا الحديث:

شرح رياض الصالحين الحديث السادس باب النية (لابن العثيمين)

_خوف الصحابة المهاجرين من مكة أن يموتوا فيها؛
لأن سعداً رضي الله عنه قال: ((أخلف بعد أصحابي)) وهذه الجملة استفاهمية
والمعني ((أخلف؟)) وهذا استفهام توقعي مكروه،
_يعني أنه لا يحب أن يتخلف فيموت في مكة وقد خرج منها مهاجراً إلي الله ورسوله،

وهكذا كل شيء تركه الإنسان لله لا ينبغي أن يرجع فيه،
وقد سبق لنا في شرح الحديث أن من ذلك ما فعله بعض الناس؛ حيث تخلصوا من جهاز التلفزيون لما رأوا من مضاره ومفاسده ما يربو على مصالحه ومنافعه، تركوه لله فكسروه، ثم جاؤوا يسألون: هل يعيدوه مرة ثانية؟ نقول: لا تعده مرة أخري ما دمت قد تخلصت منه ابتغاء وجه الله فلا ترجع فيما تركته لله.

شرح رياض الصالحين الحديث السادس باب النية (لابن العثيمين)
ومن فوائد الحديث:

شرح رياض الصالحين الحديث السادس باب النية (لابن العثيمين)

_ظهور معجزة لرسول الله صلي الله عليه وسلم؛ وهو أن الرسول صلي الله عليه وسلم قال له:
((إنك لن تخلف حتى يضر بك أقوام وينتفع بك آخرون))
_فإن الأمر وقع كما توقعه النبي صلي الله عليه وسلم،
فإن سعداً - رضي الله عنه- بقي إلي خلافة معاوية وعمر طويلاً بعد قول الرسول صلي الله عليه وسلم له،

_وهذا من آيات النبي صلي الله عليه وسلم؛ أن يخبر عن شيء مستقبل فيقع كما أخبر به عليه الصلاة والسلام، ولكن هذا ليس خبرا محضاً، بل توقع، لقوله: ((لعلك أن تخلف)) فلم يجزم، ولكن كان الأمر كما توقعه النبي صلي الله عليه وسلم.

شرح رياض الصالحين الحديث السادس باب النية (لابن العثيمين)
ومن فوائد هذا الحديث:

شرح رياض الصالحين الحديث السادس باب النية (لابن العثيمين)

_ انه ما من إنسان يعمل عملاً يبتغي به وجه الله
_إلا ازداد به رفعة ودرجة،
_حتى وإن كان في مكان لا يحل له البقاء فيه،
لأن العمل شيء والبقاء شيء آخر.

_ولهذا كان القول الراجح من أقوال العلم:
أن الإنسان إذا صلي في أرض مغصوبة فإن صلاته صحيحة،
_ لأن النهي ليس عن الصلاة بل النهي عن الغصب.
_فالنهي منصب على شيء غير الصلاة فتكون صلاته صحيحة في هذا المكان المغضوب،
لكنه آثم ببقائه في هذا المكان المغصوب. نعم نعود لو ورد عن الرسول صلي الله عليه وسلم انه قال:
((لا تصل في أرض مغصوبة))
لقلنا: ((إذا صليت في الأرض المغصوبة فصلاتك باطلة، كما نقول: إنك إن صليت في المقبرة والحمام))
هذا غير صلاة الجنازة؛ لأنها تجوز حتى في المقبرة.

شرح رياض الصالحين الحديث السادس باب النية (لابن العثيمين)
ومن فوائد هذا الحديث:

شرح رياض الصالحين الحديث السادس باب النية (لابن العثيمين)

_ أن الإنسان إذا أنفق نفقة يبتغي وجه الله فإنه يثاب عليها، حتى النفقات على أهله وعلى زوجته،
بل وعلى نفسه؛ إذا ابتغي بها وجه الله أثابه الله عليها.
وفيه إشارة إلي أنه ينبغي للإنسان أن يستحضر نية
_التقرب إلي الله في كل ما ينفق حتى لا يكون له في ذلك أجر.
_كل شيء تنفقه صغيراً كان أم كبيراً، على نفسك أو على أهلك أو على أصحابك أو على أي واحد من الناس؛ إذا ابتغيت به وجه الله أثابك الله على ذلك.

وقوله: ((لكن البائس سعد بن خولة..))
سعد بن خولة - رضي الله عنه - من المهاجرين الذين هاجروا من مكة
ولكن الله قدر أن يموت فيها؛ فمات فيها،
فرثي له النبي عليه الصلاة والسلام؛
_ أي: توجع له أن مات بمكة؛
وقد كانوا يكرهون للمهاجر أن يموت في الأرض التي هاجر منها.

هذا ما تيسر من الكلام على هذا الحديث، والمؤلف- رحمه الله تعالي- ذكره في باب النية؛
لأن النبي صلي الله عليه وسلم قال لسعد:
((إنك لن تعمل عملاً تبتغي به وجه الله إلا ازددت به درجة ورفعة))
وقال له: ((إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها))
_فأشار في هذا الحديث إلي الإخلاص في كون الإنسان يبتغي بعمله وبإنفاق ماله وجه الله؛ حتى ينال على ذلك الأجر وزيادة الدرجات والرفعة عند الله عز وجل. والله الموفق

شرح رياض الصالحين الحديث السادس باب النية (لابن العثيمين)
روابط الأحاديث السابقــــــــــــــة من باب الاخلاص واحضار النية
شرح رياض الصالحين الحديث الاول (لابن العثيمين)
رياض الصالحين لابن العثيمين (الحديث الثانى)
رياض الصالحين لابن العثيمين (الحديث الثالث)
رياض الصالحين الحديث الرابع من باب الإخلاص واحضار النية (لابن العثيمين)


شرح رياض الصالحين الحديث السادس باب النية (لابن العثيمين)



إظهار التوقيع
توقيع : أم أمة الله
#2

افتراضي رد: شرح رياض الصالحين الحديث السادس باب النية (لابن العثيمين)

جزاكي الله خيرا حبيبتي
إظهار التوقيع
توقيع : حياه الروح 5
أدوات الموضوع


قد تكوني مهتمة بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى
الطب النبوي لؤلؤة الاسلام 1 الطب البديل
رياض الصالحين لابن العثيمين (الحديث الثالث) أم أمة الله السنة النبوية الشريفة
النية تعريفها وحكمها ,ما هي النية وهل تنقض وما هي مبطلات النية جنا حبيبة ماما فتاوي وفقه المرأة المسلمة
كتاب رياض الصالحين ,تحميل كتاب رياض الصالحين كامل شقاوة آنثى مكتبة عدلات
شرح حديث إذا أحب الله عبدا نادى جبريل .. الحديث (للعلامة بن عثيمين) توتى 1 السنة النبوية الشريفة


الساعة الآن 05:19 AM


جميع المشاركات تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع


التسجيل بواسطة حسابك بمواقع التواصل