الاستقامة و
الثبات على ذلك، ولا يصبر على
الاستقامة إلا عظماء الرجال.
الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، قد أحكمت آياته كلّها، فلا خلل فيها ولا باطل، نظمت نظماً محكماً في اللوح المحفوظ، فلا تناقض فيها ولا خطأ، جمعت الأمر والنهي فأحكمت المطلوب، (ثم فُصّلت) بما فيها من الدلائل على وحدانية الله -تعالى- والنبوة والبعث وما إلى ذلك من
الإيمانيات، وذكرت الوعد والوعيد والثواب والعقاب، فليكن القرآن عظيماً في قلوبنا، عظيماً في نفوسنا، عظيماً في أعمالنا، فنلتزمه فهماً وعملاً، فنعظم عند الله -تعالى- وعند الناس، كما كان السلف الصالح -رضوان الله عليهم-.
الإيمان ب
الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم- نبياً ورسولاً، فهو البشير النذير.
التوبة إليه، والعبودية له وحده.
يوم القيامة، والعمل للقاء الله -تعالى-، فلا بد منه (إلى الله مرجعكم).
الدنيا (يمتعْكم متاعاً حسناً إلى أجل مسمّى)، والتكريم في الآخرة (ويُؤتِ كل ذي فضل فضله)، وإلا كان التهديد والوعيد بعذاب الآخرة الدائم (وإن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير)، وأسلوب الترغيب والترهيب واضح في تفاعل
النفسالإنسانية الواعية مع الأمور، وهذا هو الأسلوب الثالث الذي يدق على الوتر الحساس في الإنسان، ويعيش معه في كل آن، فبعد الحياة حساب، فإما ثواب وإما عقاب، وما يلتزم الصراط السويّ إلا ذووا الألباب.
الموت ليقولن الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين!)
الصبر مقتل يقع فيه الكثرة الكاثرة، فالإنسان خلق من عجل ولا بد من التحلي ب
الصبر وعمل الصالحات؛ كي يزداد المؤمن إيماناً، ويتجاوز ضعفه، وعلى رأس هذه السمات: اللجوء إلى الله والاتكال عليه (ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة ثم نزعناها منه إن ليؤوس كفور* ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات عني إنه لفرح فخور)، فتراه ينسى مشاقه، ويرفع رأسه خيلاء، وينسب الفضل لنفسه (لفرحٌ فخور)، وينسى الخالق المنعم، ويتجبر على أمثاله من البشر، وكأنه من طينة أخرى غير طينتهم (إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة وأجر كبير).
الدعوة والدعاة، فما ينبغي لحامل
الدعوة المؤمن بها أن يعتريه ضعف، أو تضيق نفسه بشرف حملها، والنفحِ عنها، وبذلِ ما يستطيع في سبيل الوصول إلى نجاحها...، عليه فقط أن يبذل جهده وأن يخلص نيته، فهو الأداة البشرية التي اختارها الله -تعالى-للتعامل مع أمثاله من الناس، أما الهداية وقلوب البشر فبيد الله يهديها إليه -سبحانه- إن شاء، ويضلها حين تستكبر وتجحد وتُعرض عن منهجـه القويـم (والله على كل شيء وكيل).
الحبيب محمد -عليه الصلاة والسلام- يتهمه كفار العرب ومشركوهم أنه افترى
القرآن الكريم، مع أن دعواهم ساقطة من أساسها. فهم قومه ولغته لغتهم، فلو كان القرآن تأليفه لاستطاعوا المجيء بمثله، ولكنهم لن يستطيعوا ذلك، ولن يستطيعوا المجيء بعشر سور مثله، ولا بسورة واحدة، وإن جهدوا، وإذا عجزوا عن ذلك فالقرآن إذاً من عند الله تعالى (فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أُنزل بعلم الله وأن لا إله إلا هو فهل أنتم مسلمون) نعم يا رب نحن بفضلك مسلمون، وهذا
النبي الكريم نوح يلقى من قومه اتهاماً بأنه يفتري على الله هذا الدين (أم يقولون افتراه قل إن افتريته فعليّ إجرامي وأنا بريء مما تجرمون)، وهذا الاتهام لأول الأنبياء وآخرهم يندرج تحته وصم الكفار للأنبياء جميعاً بهذه الفرية، وهذا هود -عليه السلام- الذي سميت السورة باسمه، يرد على الكفار بأنه ليس مفترياً، بل إنهم هم المفترون (... إن أنتم إلا مفترون)، وقوم صالح يعزفون اللحن
التكفيريّ نفسه فيقولون: (وإننا لفي شك مما تدعونا إليه مريب) فهم بهذا يتهمونه بالافتراء، وهؤلاء قوم لوط لما دعاهم إلى العفة، و
الزواج الحلال من الفتيات الطاهرات، كشفوا جانب الفجور، وأظهروا المستور دون رادع من أخلاق، قالوا: (لقد علمت مالنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد)، وتراهم يرفضون مع شعيب التعامل بالمال الحلال، ولا ينتهون عن تطفيف الكيل والميزان، ويهددونه بالقتل لولا رهطه الذين يمنعونه.
الدعوة إلى الله وإفراده بالعبادة، و
التوبة والإنابة إليه، وجدنا المقولة عند نوح -عليه السلام- (أن لا تعبدوا إلا الله إن أخاف عليكم عذاب يوم أليم)، ورأيناها نفسها عند هود -عليه السلام- (قال يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره، إن أنتم إلا مفترون)، وألفيناها نفسها عند صالح -عليه السلام- (قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها)، وكذلك نجد المقولة نفسها عند شعيب -عليه السلام- (يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره.).
الاستغفار و
التوبة (وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه..)، وكذلك يقول
النبي هود -عليه السلام- في الآية الثانية والخمسين، و
النبي صالح -عليه السلام- في الآية الواحدة والستين، و
النبي شعيب -عليه السلام- في الآية التسعين، ونتيجة
الاستغفار و
التوبة في الآية الثالثة الحياة الطيبة في
الدنيا والفضل العميم في الآخرة، ونتيجته في الآية الثانية والخمسين الحياة الرغيدة والقوة العظيمة، ونتيجته في الآية الواحدة والستين التمكن في الأرض ورضاء الله -تعالى-، ونتيجته في قصة شعيب الخير، والنماء، والرحمة، والود، والأمان من العذاب.
النبي -صلى الله عليه وسلم- المال الكثير، والزعامة، والسيادة، و
النساء، والطب، فأخبرهم أنه لا يريد منهم إلا أن يشهدوا لله بالوحدانية.
النار:
الجنة هم فيها خالدون)، نسأل الله -تعالى- أن نكون منهم، فالفريق الأول: الكفار مثلهم كمثل الأعمى الأصم، والفريق الثاني: المؤمنون كالبصير السميع، وشتان شتان بين هؤلاء وهؤلاء (.. هل يستويان مثلاً أفلا تَذَكّرون).
الكبر عند الكفار الذين يأنفون أن يؤمنوا بما آمن به الضعفاء من الناس (وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي..)، ويطلبون إليه أن يطردهم، ولن يؤمنوا بالله الواحد، ولا نبوة نوح ولو طرد الضعفاء والفقراء، وهذا يذكرنا بالشيء نفسه الذي احتج به كفار قريش، وطلبوا من
النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يطرد البسطاء من ضعفاء المسلمين، فكان رد القرآن سريعاً وحاسماً في
سورة الكهف (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعْدُ عيناك عنهم تريد زينة الحياة
الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطاً)، فاحتفى بهم
النبي-صلى الله عليه وسلم- وبالغ في إكرامهم، وكذلك فعل
النبي نوح -عليه السلام- حين قال للملأ الكافرين من قومه: (وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقوا ربهم)، ثم أنحى على الكافرين باللائمة، ونعتهم بما يستحقون من توبيخ فقال: (ولكني أراكم قوماً تجهلون).
النبي -صلى الله عليه وسلم- القدوة في كل شيء، ففي المعركة كان المقدّم، فقد روى الإمام علي -رضي الله عنه- قال: "كنا إذا حمي الوطيس، واحمرّت الحِدق؛ نتقي برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فما يكون أحد أقربَ إلى العدو منه"، وحين نهى عن
الربا، نهى عمه العباس أول الناس، وحين نهى عن الثأر في الدماء الجاهلية، بدأ بدم ابن عمه، وكان تلميذه النجيب
عمر الفاروق -رضي الله عنه- حين يأمر أو ينهى يجمع أهل بيته فيأمرهم وينهاهم أولاً، ويلوّح بالعقوبة المضاعفة لهم إن خالفوا، ومن هنا نجد قوله -تعالى- في الآية الثانية عشرة بعد المائة أمراً للنبي -صلى الله عليه وسلم- وهو قدوتنا ب
الاستقامة (فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغَوا إنه بما تعملون بصير)، فإذا استقام الرأس استقام ما بعده، وإن فسد الرأس فسد ما دونه، ولن يتبع أحد أحداً ولن يصدقه ما لم يره يبدأ بنفسه قبل الآخرين في كل شيء، وما لم يكن صادقاً في نفسه يتعهدها بالصلاح والتزكية قبل إصلاح الآخرين وتزكيتهم، ولن يثبت على
الاستقامة إلا عظماء الرجال.التوقيع لا يظهر للزوار ..
قد تكوني مهتمة بالمواضيع التالية ايضاً
|
||||
| الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
| تحميل القرآن الكريم كاملا للقارئ فارس عباد mp3 | حبيبة أبوها | القرآن الكريم | 5 | 15-06-2019 03:36 PM |
| ابن سيرين تفسير الاحلام في تأويل سورة القران الكريم | لولو حبيب روحي | منتدى تفسير الاحلام | 5 | 18-03-2019 01:58 PM |
| اسماء سور القران ,تعرفى على آسمآء سور القرآن | ربي رضاك والجنة | القرآن الكريم | 14 | 13-03-2019 07:34 PM |
| القران الكريم كاملاً بصوت السديس .mp3 - استماع وتحميل | Admin | القرآن الكريم | 9 | 11-01-2019 06:57 PM |
| اسماء سور القران ومعانيها | الرزان | القرآن الكريم | 10 | 26-07-2017 02:36 PM |
جميع المشاركات تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع