أو

الدخول بواسطة حسابك بمواقع التواصل

#1

افتراضي قصة نبي الله سليمان بن داود عليهما السلام

قصة نبي الله سليمان بن داود عليهما السلام

قصة نبي الله سليمان بن داود عليهما السلام

قصة نبي الله سليمان بن داود عليهما السلام


قصة نبي الله سليمان بن داود عليهما السلام
قال الحافظ ابن عساكر: هو سليمان بن داود بن إيشا بن عويد بن عابر بن سلمون بن نحشون بن عمينا داب بن ارم بن حصرون بن فارص بن يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم أبي الربيع نبي الله بن نبي الله. جاء في بعض الآثار أنه دخل دمشق، قال ابن ماكولا: فارص بالصاد المهملة، وذكر نسبه قريبا مما ذكره ابن عساكر.
*قال الله تعالى: { وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ } [النمل: 16] أي: ورثه في النبوة والملك، وليس المراد ورثه في المال، لأنه قد كان له بنون غيره، فما كان ليخص بالمال دونهم.
_ولأنه قد ثبت في الصحاح من غير وجه عن جماعة من الصحابة أن رسول الله ﷺ قال:
« لا نورث ما تركنا فهو صدقة ».
وفي لفظ: « نحن معاشر الأنبياء لا نورث »، فأخبر الصادق المصدوق أن الأنبياء لا تورث أموالهم عنهم كما يورث غيرهم، بل يكون أموالهم صدقة من بعدهم على الفقراء والمحاويج، لا يخصون بها أقرباؤهم لأن الدنيا كانت أهون عليهم، وأحقر عندهم من ذلك، كما هي عند الذي أرسلهم واصطفاهم وفضلهم.

_________________________________________________
*وقال: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ } الآية يعني أنه عليه السلام كان يعرف ما يتخاطب به الطيور بلغاتها، ويعبر للناس عن مقاصدها وإرادتها.
وقد قال الحافظ أبو بكر البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ: أنبأنا علي بن حمشاد، حدثنا إسماعيل بن قتيبة، حدثنا علي بن قدامة، حدثنا أبو جعفر الاستوائي، يعني محمد بن عبد الرحمن، عن أبي يعقوب العمي، حدثني أبو مالك قال:
_مر سليمان بن داود بعصفور يدور حول عصفورة، فقال لأصحابه: أتدرون ما يقول؟
قالوا: وما يقول يا نبي الله؟
قال: يخطبها إلى نفسه ويقول: زوجيني، أسكنك أي غرف دمشق شئت.
قال سليمان عليه السلام: لأن غرف دمشق مبنية بالصخر لا يقدر أن يسكنها أحد، ولكن كل خاطب كذاب.
رواه ابن عساكر، عن أبي القاسم زاهر بن طاهر، عن البيهقي به.
_وكذلك ما عداها من الحيوانات وسائر صنوف المخلوقات والدليل على هذا قوله بعد هذا من الآيات { وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ } أي: من كل ما يحتاج الملك إليه من العدد والآلات، والجنود، والجيوش، والجماعات من الجن، والإنس، والطيور والوحوش، والشياطين السارحات، والعلوم والفهوم، والتعبير عن ضمائر المخلوقات،

من الناطقات والصامتات.
_-ثم قال: { إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ } أي: من بارئ البريات، وخالق الأرض والسموات.
_كما قال تعالى: { وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * فَتَبَسَّمَ ضَاحِكا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ } [النمل: 17-19] .
*يخبر تعالى عن عبده، ونبيه، وابن نبيه سليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام، أنه ركب يوما في جيشه جميعه من الجن والإنس والطير، فالجن والإنس يسيرون معه، والطير سائرة معه تظله بأجنحتها من الحر وغيره، وعلى كل من هذه الجيوش الثلاثة وزعة، أي: نقباء يردون أوله على آخره، فلا يتقدم أحد عن موضعه الذي يسير فيه، ولا يتأخر عنه.
قال الله تعالى: { حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ } فأمرت، وحذرت، وأعذرت عن سليمان وجنوده بعدم الشعور.


قصة نبي الله سليمان بن داود عليهما السلام


والمقصود أن سليمان عليه السلام فهم ما خاطبت به تلك النملة لامتها من الرأي السديد، والأمر الحميد، وتبسم من ذلك على وجه الاستبشار، والفرح والسرور، بما أطلعه الله عليه دون غيره،

*ولهذا قال: { رَبِّ أَوْزِعْنِي } أي: ألهمني وأرشدني: { أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ }

_فطلب من الله أن يقيضه للشكر على ما أنعم به عليه وعلى ما خصه به من المزية على غيره، وأن ييسر عليه العمل الصالح، وأن يحشره إذا توفاه مع عباده الصاحين. وقد استجاب الله تعالى له.
_ والمراد بوالديه: داود عليه السلام وأمه، وكانت من العابدات الصالحات، كما قال: سنيد بن داود عن يوسف بن محمد بن المنكدر، عن أبيه،

_عن جابر عن النبي ﷺ قال: « قالت أم سليمان بن داود: يا بني لا تكثر النوم بالليل، فإن كثرة النوم بالليل تدع العبد فقيرا يوم القيامة ». رواه ابن ماجه عن أربعة من مشايخه عنه به نحوه.
_وقال عبد الرزاق عن معمر، عن الزهري، أن سليمان بن داود عليه السلام خرج هو وأصحابه يستسقون، فرأى نملة قائمة رافعة إحدى قوائمها تستسقي، فقال لأصحابه: ارجعوا فقد سقيتم، إن هذه النملة استسقت فاستجيب لها.
_وقال السدي: أصاب الناس قحط على عهد سليمان عليه السلام، فأمر الناس فخرجوا، فإذا بنملة قائمة على رجليها، باسطة يديها، وهي تقول: اللهم إنا خلق من خلقك، ولا غناء بنا عن فضلك. قال:

فصب الله عليهم المطر.

_____________________________________________________________________________________

قال تعالى:
{ وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ * لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابا شَدِيدا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ * فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ * إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ * أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ * اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ * قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ * إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرا حَتَّى تَشْهَدُونِ * قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ * قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ * وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ * فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ * ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ } [النمل: 20-37] .

قصة نبي الله سليمان بن داود عليهما السلام
_يذكر تعالى ما كان من أمر سليمان والهدهد، وذلك أن الطيور كان على كل صنف منها مقدمون، يقدمون بما يطلب منهم، ويحضرون عنده بالنوبة، كما هي عادة الجنود مع الملوك.
_وكانت وظيفة الهدهد على ما ذكره ابن عباس وغيره أنهم كانوا إذا أعوزوا الماء في القفار في حال الأسفار يجيء فينظر له هل بهذه البقاع من ماء، وفيه من القوة التي أودعها الله تعالى فيه أن ينظر إلى الماء تحت تخوم الأرض، فإذا دلهم عليه حفروا عنه واستنبطوه وأخرجوه واستعملوه لحاجتهم، فلما تطلبه سليمان عليه السلام ذات يوم فقده، ولم يجده في موضعه من محل خدمته.
_{ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ } أي: ماله مفقود من ههنا، أو قد غاب عن بصري فلا أراه بحضرتي. { لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابا شَدِيدا } توعده بنوع من العذاب، اختلف المفسرون فيه، والمقصود حاصل على كل تقدير. { أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ } أي: بحجة تنجيه من هذه الورطة.
_قال الله تعالى: { فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ } أي: فغاب الهدهد غيبة ليست بطويلة ثم قدم منها { فَقَالَ } لسليمان { أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ } أي: اطلعت على ما لم تطلع عليه { وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ } أي: بخبر صادق { إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ } يذكر ما كان عليه ملوك سبأ في بلاد اليمن من المملكة العظيمة، والتبابعة المتوجين، وكان الملك قد آل في ذلك الزمان إلى امرأة منهم ابنة ملكهم،

لم يخلف غيرها، فملَّكوها عليهم.
_وقد ثبت في صحيح البخاري، من حديث عوف، عن الحسن، عن أبي بكرة أن رسول الله ﷺ لما بلغه أن أهل فارس ملكوا عليهم ابنة كسرى، قال: « لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ». ورواه الترمذي، والنسائي، من حديث حميد، عن الحسن، عن أبي بكرة، عن النبي ﷺ بمثله، وقال الترمذي: حسن صحيح.
_وقوله: { وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ } أي: مما من شأنه أن تؤتاه الملوك { وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ } يعني: سرير مملكتها كان مزخرفا بأنواع الجواهر، والآلي، والذهب، والحلي الباهر.
_ثم ذكر كفرهم بالله، وعبادتهم الشمس من دون الله، وإضلال الشيطان لهم، وصده إياهم عن عبادة الله وحده لا شريك له، الذي يخرج الخبء في السموات والأرض، ويعلم ما يخفون وما يعلنون أي: يعلم السرائر، والظواهر من المحسوسات والمعنويات.
{ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ } أي: له العرش العظيم الذي لا أعظم منه في المخلوقات، فعند ذلك بعث معه سليمان عليه السلام، كتابه يتضمن دعوته لهم إلى طاعة الله، وطاعة رسوله، والإنابة والإذعان إلى الدخول في الخضوع لملكه وسلطانه، ولهذا قال لهم: { أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ } أي: لا تستكبروا عن طاعتي وامتثال أوامري { وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ } أي: وأقدموا علي سامعين مطيعين، بلا معاودة ولا مراودة.
_فلما جاءها الكتاب مع الطير، ومن ثم اتخذ الناس البطائق، ولكن أين الثريا من الثرى، تلك البطاقة كانت مع طائر سامع مطيع فاهم عالم بما يقول ويقال له، فذكر غير واحد من المفسرين وغيرهم، أن الهدهد حمل الكتاب وجاء إلى قصرها فألقاه إليها، وهي في خلوة لها، ثم وقف ناحية ينتظر ما يكون من جوابها عن كتابها.
فجمعت أمراءها، ووزراءها، وأكابر دولتها إلى مشورتها { قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ } ثم قرأت عليهم عنوانه أولا:
{ إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ } ثم قرأته وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ } ثم شاورتهم في أمرها، وما قد حل بها، وتأدبت معهم، وخاطبتهم وهم يسمعون { قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرا حَتَّى تَشْهَدُونِ } تعني: ما كنت لأبت أمرا إلا وأنتم حاضرون.
{ قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ } يعنون: لنا قوة وقدرة على الجلاد والقتال ومقاومة الأبطال، فإن أردت منا ذلك فإنا عليه من القادرين { وَ } مع هذا { اَلْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ } فبذلوا لها السمع والطاعة، وأخبروها بما عندهم من الاستطاعة، وفوضوا إليها في ذلك الأمر لترى فيه ما هو الأرشد لها ولهم، فكان رأيها _أتم وأسد من رأيهم، وعلمت أن صاحب هذا الكتاب لا يغالب، ولا يمانع، ولا يخالف، ولا يخادع.
{ قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ } تقول برأيها السديد: إن هذا الملك لو قد غلب على هذه المملكة لم يخلص الأمر من بينكم، إلا إلي، ولم تكن الحدة

والشدة والسطوة البليغة إلا علي.
_{ وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ } أرادت أن تصانع عن نفسها وأهل مملكتها، بهدية ترسلها، وتحف تبعثها، ولم تعلم أن سليمان عليه السلام لا يقبل منهم، والحالة هذه صرفا ولا عدلا، لأنهم كافرون وهو وجنوده عليهم قادرون.
_ولهذا: { فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ } هذا وقد كانت تلك الهدايا مشتملة على أمور عظيمة، كما ذكره المفسرون.
_ثم قال لرسولها إليه ووافدها الذي قدم عليه والناس حاضرون يسمعون { ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ } يقول: ارجع بهديتك التي قدمت بها إلى من قد من بها فإن عندي مما قد أنعم الله علي وأسداه إلي من الأموال والتحف والرجال، ما هو أضعاف هذا وخير من هذا، الذي أنتم تفرحون به، وتفخرون على أبناء جنسكم بسببه.
_{ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا } أي: فلأبعثن إليهم بجنود لا يستطيعون دفاعهم، ولا نزالهم، ولا مما نعتهم، ولا قتالهم، ولأخرجنهم من بلدهم، وحوزتهم، ومعاملتهم، ودولتهم أذلة { وَهُمْ صَاغِرُونَ }

عليهم الصغار، والعار، والدمار.
_فلما بلغهم ذلك عن نبي الله، لم يكن لهم بد من السمع والطاعة، فبادروا إلى إجابته في تلك الساعة، وأقبلوا صحبة الملكة أجمعين، سامعين، مطيعين، خاضعين، فلما سمع بقدومهم عليه، ووفودهم إليه، قال لمن بين يديه ممن هو مسخر له من الجان، ما قصَّه الله عنه في القرآن.
{ قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38)قَالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ ۖ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39)قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ۚ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ۖ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40) قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ(41) فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَٰكَذَا عَرْشُكِ ۖ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ ۚ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42) وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ (43)قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ ۖ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا ۚ قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ ۗ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44)|النمل: 38-44}}.


قصة نبي الله سليمان بن داود عليهما السلام

_لما طلب سليمان من الجان أن يحضروا له عرش بلقيس، وهو سرير مملكتها التي تجلس عليه وقت حكمها قبل قدومها عليه { قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ } يعني: قبل أن ينقضي
مجلس حكمك.
_وكان فيما يقال من أول النهار إلى قريب الزوال، يتصدى لمهمات بني إسرائيل، وما لهم من الأشغال { وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ } أي: وإني لذو قدرة على إحضاره إليك، وأمانة على ما فيه من الجواهر النفيسة لديك { قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ } .
{ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ } قيل: معناه قبل أن تبعث رسولا إلى أقصى ما ينتهي إليه طرفك من الأرض، ثم يعود إليك، وقيل: قبل أن يصل إليك أبعد من تراه من الناس، وقيل: قبل أن يكل طرفك إذا أدمت النظر به قبل أن تطبق جفنك، وقيل: قبل أن يرجع إليك طرفك إذا نظرت به إلى أبعد غاية منك ثم أغمضته، وهذا أقرب ما قيل.
_{ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّا عِنْدَهُ } أي: فلما رأى عرش بلقيس مستقرا عنده في هذه المدة القريبة من بلاد اليمن إلى بيت المقدس في طرفة عين { قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ } أي: هذا من فضل الله علي، وفضله على عبيده، ليختبرهم على الشكر أو خلافه { وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ } أي: إنما يعود نفع ذلك عليه { وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ } أي: غني عن شكر الشاكرين، ولا يتضرر بكفر الكافرين.
ثم أمر سليمان عليه السلام أن يغير حلى هذا العرش، وينكر لها، ليختبر فهمها وعقلها، ولهذا قال:
{ نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ * فَلَمَّا جَاءتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ } وهذا من فطنتها وغزارة فهمها، لأنها استبعدت أن يكون عرشها، لأنها خلفته وراءها بأرض اليمن، ولم تكن تعلم أن أحدا يقدر على هذا الصنع العجيب الغريب.
_قال الله تعالى إخبارا عن سليمان وقومه: { وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ * وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ } أي: ومنعها عبادة الشمس التي كانت تسجد لها هي وقومها من دون الله، اتباعا لدين آبائهم وأسلافهم، لا لدليل قادهم إلى ذلك، ولا حداهم على ذلك.
_وكان سليمان قد أمر ببناء صرح من زجاج، وعمل في ممره ماء، وجعل عليه سقفا من زجاج وجعل فيه من السمك وغيرها من دواب الماء، وأمرت بدخول الصرح، وسليمان جالس على سريره فيه.
_{ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } وقد قيل: إن الجن أرادوا أن يبشعوا منظرها عند سليمان، وأن تبدي عن ساقيها ليرى ما عليها من الشعر، فينفره ذلك منها، وخشوا أن يتزوجها لأن أمها من الجان،

فتتسلط عليهم معه.
إلا أن سليمان قيل: إنه لما أراد إزالته حين عزم على تزوجها، سأل الإنس عن زواله فذكروا له الموسى، فامتنعت من ذلك، فسأل الجان فصنعوا له النورة، ووضعوا له الحمام، فكان أول من دخل الحمام، فلما وجد مسه قال: أوه من عذاب أوه أوه، قبل أن لا ينفع أوه. رواه الطبراني مرفوعا، وفيه نظر.
وقد ذكر الثعلبي وغيره أن سليمان لما تزوجها أقرها على مملكة اليمن وردها إليه، وكان يزورها في كل شهر مرة، فيقيم عندها ثلاثة أيام، ثم يعود على البساط، وأمر الجان فبنوا له ثلاثة قصور باليمن: غمدان، وسالحين، وبيتون، فالله أعلم.
وقد روى ابن إسحاق عن بعض أهل العلم عن وهب بن منبه أنه سليمان لم يتزوجها، بل زوجها بملك همدان، وأقرها على ملك اليمن، وسخر زوبعة ملك جن اليمن، فبنى لها القصور الثلاثة التي ذكرناها باليمن، والأول أشهر وأظهر، والله أعلم.
وقال تعالى في سورة ص:

{ وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ * إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ * فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ * رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ * وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدا ثُمَّ أَنَابَ * قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ * فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ * وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ * وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ * هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } [ص: 30-39] .

قصة نبي الله سليمان بن داود عليهما السلام

_يذكر تعالى أنه وهب لداود سليمان عليهما السلام، ثم أثنى الله عليه تعالى فقال: { نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ } أي: رجاع مطيع لله، ثم ذكر تعالى ما كان من أمره في الخيل الصافنات، وهي التي تقف على ثلاث، وطرف حافر الرابعة، الجياد: وهي المضمرة السراع.
_{ فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ } يعني: الشمس، وقيل: الخيل على ما سنذكره من القولين. { رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ } قيل: مسح عراقيبها وأعناقها بالسيوف، وقيل: مسح عنها العرق، لما أجراها وسابق بينها وبين يديه على القول الآخر.
-والذي عليه أكثر السلف الأول، فقالوا: اشتغل بعرض تلك الخيول حتى خرج وقت العصر وغربت الشمس، روي هذا عن علي بن أبي طالب وغيره، والذي يقطع به أنه لم يترك الصلاة عمدا من غير عذر، اللهم إلا أن يقال: إنه كان سائغا في شريعتهم فأخر الصلاة لأجل أسباب الجهاد وعرض الخيل من ذلك.
وقد ادعى طائفة من العلماء في تأخير النبي ﷺ صلاة العصر يوم الخندق، أن هذا كان مشروعا إذ ذاك، حتى نسخ بصلاة الخوف، قاله الشافعي وغيره.
_وقال مكحول، والأوزاعي: بل هو حكم محكم إلى اليوم أنه يجوز تأخيرها بعذر القتال الشديد، كما ذكرنا تقرير ذلك في سورة النساء عند صلاة الخوف.
_وقال آخرون: بل كان تأخير النبي ﷺ صلاة العصر يوم الخندق نسيانا، وعلى هذا فيحمل فعل سليمان عليه السلام على هذا، والله أعلم.
وأما من قال: الضمير في قوله حتى توارت بالحجاب، عائد على الخيل، وأنه لم تفته وقت صلاة، وإن المراد بقوله: { رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ }
يعني: مسح العرق عن عراقيبها وأعناقها، فهذا القول اختاره ابن جرير، ورواه الوالبي،

عن ابن عباس في مسح العرق.
_ووجه هذا القول ابن جرير بأنه ما كان ليعذب الحيوان بالعرقبة، ويهلك مالا بلا سبب ولا ذنب لها، وهذا الذي قاله فيه نظر، لأنه قد يكون هذا سائغا في ملتهم، وقد ذهب بعض علمائنا إلى أنه إذا خاف المسلمون أن يظفر الكفار على شيء من الحيوانات من أغنام ونحوها، جاز ذبحها وإهلاكها، لئلا يتقووا بها، وعليه حمل صنيع جعفر بن أبي طالب يوم عقر فرسه بموته.
_وقد قيل إنها كانت خيلا عظيمة، قيل: كانت عشرة آلاف فرس، وقيل: عشرين ألف فرس، وقيل: كان فيها عشرون فرسا من ذوات الأجنحة.

_______________________________
وقد روى أبو داود في سننه: حدثنا محمد بن عوف، حدثنا سعيد بن أبي مريم، أنبأنا يحيى بن أيوب، حدثني عمارة بن عزية أن محمد بن إبراهيم حدثه، عن محمد بن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة قالت:

قدم رسول الله ﷺ من غزوة تبوك أو خيبر، وفي سهوتها ستر، فهبت الريح فكشفت ناحية الستر عن بنات لعائشة تلعب، فقال: « ما هذا يا عائشة؟ ». فقالت: بناتي، ورأى بينهن فرسا له جناحان من رقاع. فقال: « ما هذا الذي أرى وسطهن؟ ». قالت: فرس. قال: « وما الذي عليه هذا؟ ». قالت: جناحان. قال: « فرس له جناحان؟ ». قالت: أما سمعت أن لسليمان خيلا لها أجنحة. قالت: فضحك حتى رأيت نواجذه ﷺ.
وقال بعض العلماء: لما ترك الخيل لله، عوضه الله عنها بما هو خير له منها، وهو الريح التي كانت غدوها شهرا ورواحها شهرا كما سيأتي الكلام عليها.
كما قال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل، حدثنا سليمان بن المغيرة، عن حميد بن هلال، عن أبي قتادة، وأبي الدهماء، وكانا يكثران السفر نحو البيت قالا: أتينا على رجل من أهل البادية، فقال البدوي: أخذ بيدي رسول الله ﷺ فجعل يعلمني مما علمه الله عز وجل، وقال:

« إنك لا تدع شيئا اتقاء الله عز وجل إلا أعطاك الله خيرا منه ».
وقوله تعالى: { وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدا ثُمَّ أَنَابَ } ذكر ابن جرير، وابن أبي حاتم، وغيرهما من المفسرين ههنا آثارا كثيرة عن جماعة من السلف، وأكثرها أو كلها متلقاة من الإسرائيليات، وفي كثير منها نكارة شديدة، وقد نبهنا على ذلك في كتابنا التفسير، واقتصرنا ههنا على مجرد التلاوة، ومضمون ما ذكروه أن سليمان عليه السلام غاب عن سريره أربعين يوما، ثم عاد إليه، ولما عاد أمر ببناء بيت المقدس،

فبناه بناء محكما.
وقد قدمنا أنه جدده، وأن أول من جعله مسجدا إسرائيل عليه السلام، كما ذكرنا ذلك عند قول أبي ذر، قلت: يا رسول الله أي مسجد وضع أول؟
قال: « المسجد الحرام ».
قلت: ثم أي؟
قال: « مسجد بيت المقدس ».
قلت: كم بينهما؟
قال: « أربعون سنة ».
_ومعلوم أن بين إبراهيم الذي بنى المسجد الحرام، وبين سليمان بن داود عليهما السلام، أزيد من ألف سنة. دع أربعين سنة وكان سؤاله الملك الذي لا ينبغي لأحد من بعده بعد إكماله البيت المقدس كما قال الإمام أحمد، والنسائي، وابن ماجه، وابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، بأسانيدهم عن عبد الله بن فيروز الديلمي، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله ﷺ: « إن سليمان لما بنى بيت المقدس سأل ربه عز وجل خلالا ثلاثا، فأعطاه اثنتين ونحن نرجو أن تكون لنا الثالثة، سأله حكما يصادف حكمه فأعطاه إياه، وسأله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأعطاه إياه، وسأله أيما رجل خرج من بيته لا يريد إلا الصلاة في هذا المسجد خرج من خطيئته مثل يوم ولدته أمه، فنحن نرجو أن يكون الله قد أعطانا إياها ».

___________________________________________
فأما الحكم الذي يوافق حكم الله تعالى، فقد أثنى الله تعالى عليه وعلى أبيه في قوله:

{ وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلّا آتَيْنَا حُكْما وَعِلْما... } [الأنبياء: 78-79] .
وقد ذكر شريح القاضي، وغير واحد من السلف: أن هؤلاء القوم كان لهم كرم، فنفشت فيه غنم قوم آخرين أي: رعته بالليل، فأكلت شجره بالكلية، فتحاكموا إلى داود عليه السلام فحكم لأصحاب الكرم بقيمته، فلما خرجوا على سليمان قال: بما حكم لكم نبي الله؟
فقالوا: بكذا وكذا.
فقال: أما لو كنت أنا لما حكمت إلا بتسليم الغنم إلى أصحاب الكرم، فيستغلونها نتاجا ودرا حتى يصلح أصحاب الغنم كرم أولئك ويردوه إلى ما كان عليه، ثم يتسلموا غنمهم. فبلغ داود عليه السلام ذلك فحكم به.
وقريب من هذا ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال:

قال رسول الله ﷺ:
« بينما امرأتان معهما ابناهما إذ عدا الذئب فأخذ ابن إحداهما، فتنازعتا في الآخر.
فقالت الكبرى: إنما ذهب بابنك.
وقالت الصغرى: بل إنما ذهب بابنك.
فتحاكمتا إلى داود فحكم به للكبرى، فخرجتا على سليمان فقال: ائتوني بالسكين أشقه نصفين لكل واحدة منكما نصفه، فقالت الصغرى: لا تفعل يرحمك الله هو ابنها فقضى به لها ».
ولعل كلا من الحكمين كان سائغا في شريعتهم، ولكن ما قاله سليمان أرجح، ولهذا أثنى الله عليه بما ألهمه إياه، ومدح بعد ذلك أباه فقال: { وَكُلّا آتَيْنَا حُكْما وَعِلْما وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ * وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ } [الأنبياء: 79-80] .
ثم قال: { وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً } أي: وسخرنا لسليمان الريح عاصفة {.. تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ * وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ } [الأنبياء: 81-82] .
وقال في سورة ص: { فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ * وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ * وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ * هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ * وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ } [36-40]
لما ترك الخيل ابتغاء وجه الله، عوضه الله منها الريح التي هي أسرع سيرا، وأقوى وأعظم، ولا كلفة عليه لها، تجري بأمره رخاء { حَيْثُ أَصَابَ } أي: حيث أراد من أي البلاد، كان له بساط مركب من أخشاب بحيث إنه يسع جميع ما يحتاج إليه من الدور المبنية، والقصور، والخيام، والأمتعة، والخيول، والجمال، والأثقال، والرجال من الأنس والجان، وغير ذلك من الحيوانات والطيور، فإذا أراد سفرا أو مستنزها، أو قتال ملك،

أو أعداء من أي بلاد الله شاء.
_فإذا حمل هذه الأمور المذكورة على البساط، أمر الريح فدخلت تحته فرفعته، فإذا استقل بين السماء والأرض، أمر الرخاء فسارت به، فإن أراد أسرع من ذلك، أمر العاصفة فحملته أسرع ما يكون فوضعته في أي مكان شاء، بحيث إنه كان يرتحل في أول النهار من بيت المقدس، فتغدو به الريح فتضعه باصطخر مسيرة شهر فيقيم هناك إلى آخر النهار، ثم يروح من آخره فترده إلى بيت المقدس.
كما قال تعالى: { وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ * يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ } [سبأ: 12-13] .
قال الحسن البصري: كان يغدو من دمشق، فينزل باصطخر فيتغدى بها، ويذهب رائحا منها، فيبيت بكابل، وبين دمشق وبين اصطخر مسيرة شهر، وبين اصطخر وكابل مسيرة شهر.
قلت: قد ذكر المتكلمون على العمران والبلدان: أن اصطخر بنتها الجان لسليمان، وكان فيها قرار مملكة الترك قديما، وكذلك غيرها من بلدان شتى كتدمر، وبيت المقدس، وباب جبرون، وباب البريد، اللذان بدمشق على أحد الأقوال. وأما القطر فقال ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، وقتادة، وغير واحد: هو النحاس.
قال قتادة: وكانت باليمن أنبعها الله له.
قال السدي: ثلاثة أيام فقط، أخذ منها جميع ما يحتاج إليه للبنايات وغيرها، وقوله: { وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ } [سبأ: 12] أي: وسخر الله له من الجن عمالا يعملون له ما يشاء، لا يفترون ولا يخرجون عن طاعته، ومن خرج منهم عن الأمر عذبه { يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ } وهي: الأماكن الحسنة، وصدور المجالس { وَتَمَاثِيلَ } وهي: الصور في الجدران، وكان هذا سائغا في شريعتهم وملتهم { وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ } .
_قال ابن عباس: الجفنة كالجوبة من الأرض وعنه كالحياض، وكذا قال مجاهد، والحسن، وقتادة، والضحاك وغيرهم. وعلى هذه الرواية يكون الجواب جمع جابية، وهي الحوض الذي يجبي فيه الماء، كما قال الأعشى:
تروح على آل المحلق جفنة * كجابية الشيخ العراقي يفهق
وأما القدور الراسيات فقال عكرمة: أثافيها، منها. يعني: أنهن ثوابت لا يزلن عن أماكنهن، وهكذا قال مجاهد، وغير واحد.
ولما كان هذا بصدد إطعام الطعام، والإحسان إلى الخلق من إنسان وجان، قال تعالى: { اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ } [سبأ: 13] .
وقال تعالى: { وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ * وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ } يعني أن منهم من قد سخره في البناء، ومنهم من يأمره بالغوص في الماء لاستخراج ما هنالك من الجواهر، والآلي،

وغير ذلك مما لا يوجد إلا هنالك.
وقوله: { وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ } أي: قد عصوا فقيدوا، مقرنين: اثنين اثنين في الأصفاد، وهي القيود، هذا كله من جملة ما هيأه الله، وسخر له من الأشياء التي هي من تمام الملك، الذي لا ينبغي لأحد من بعده، ولم يكن أيضا لمن كان قبله.

___________________________________________
_ وقد قال البخاري: ثنا محمد بن بشار، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة،

عن النبي ﷺ قال:
« إن عفريتا من الجن تفلت عليّ البارحة ليقطع علي صلاتي فأمكنني الله منه، فأخذته فأردت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد حتى تنظروا إليه كلكم، فذكرت دعوة أخي سليمان:
رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي) فرددته خاسئا ».
وكذا رواه مسلم والنسائي من حديث شعبة.
وقال مسلم: حدثنا محمد بن سلمة المرادي، حدثنا عبد الله بن وهب، عن معاوية بن صالح، حدثني ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي الدرداء قال: قام رسول الله ﷺ فصلى فسمعناه يقول:
« أعوذ بالله منك، ألعنك بلعنة الله ثلاثا » وبسط يده كأنه يتناول شيئا، فلما فرغ من الصلاة قلنا يا رسول الله: سمعناك تقول في الصلاة شيئا لم نسمعك تقوله قبل ذلك، ورأيناك بسطت يدك.
قال: « إن عدو الله إبليس جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي.
فقلت: أعوذ بالله منك ثلاث مرات.
ثم قلت: ألعنك بلعنة الله التامة فلم يستأخر ثلاث مرات، ثم أردت أخذه والله لولا دعوة أخينا سليمان، لأصبح موثقا يلعب به ولدان أهل المدنية ». وكذا رواه النسائي عن محمد بن سلمة به.
وقال أحمد: حدثنا أبو أحمد، حدثنا مرة بن معبد، ثنا أبو عبيد حاجب سليمان قال: رأيت عطاء بن يزيد الليثي قائما يصلي، فذهبت أمر بين يديه فردني، ثم قال: حدثني أبو سعيد الخدري أن رسول الله ﷺ قام فصلى صلاة الصبح وهو خلفه، فقرأ فالتبست عليه القراءة، فلما فرغ من صلاته قال:
« لو رأيتموني وإبليس فأهويت بيدي فما زلت أخنقه حتى وجدت برد لعابه بين أصبعي هاتين: الإبهام والتي تليها، ولولا دعوة أخي سليمان لأصبح مربوطا بسارية من سواري المسجد يتلاعب به صبيان المدينة، فمن استطاع منكم أن لا يحول بينه وبين القبلة أحد فليفعل ».




روى أبو داود منه: « فمن استطاع » إلى آخره عن أحمد بن سريج، عن أحمد الزبيري به.

_______________________________________________
_وقد ذكر غير واحد من السلف أنه كانت لسليمان من النساء ألف امرأة، سبعمائة بمهور، وثلاثمائة سراري، وقيل: بالعكس ثلاثمائة حرائر، وسبعمائة من الإماء. وقد كان يطيق من التمتع بالنساء أمرا عظيما جدا.
قال البخاري: حدثنا خالد بن مخلد، حدثنا مغيرة بن عبد الرحمن، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ قال:
« قال سليمان بن داود: لأطوفن الليلة على سبعين امرأة تحمل كل امرأة فارسا يجاهد في سبيل الله.
فقال له صاحبه: إن شاء الله، فلم يقل فلم تحمل شيئا إلا واحدا ساقطا أحد شقيه، فقال النبي ﷺ لو قالها لجاهدوا في سبل الله ».
وقال شعيب، وابن أبي الزناد: تسعين وهو أصح. تفرد به البخاري من هذا الوجه.
وقال أبو يعلى: حدثنا زهير، حدثنا يزيد، أنبأنا هشام بن حسان، عن محمد، عن أبي هريرة قال:

قال رسول الله ﷺ:
« قال سليمان بن داود لأطوفن الليلة على مائة امرأة، كل امرأة منهن تلد غلاما يضرب بالسيف في سبيل الله، ولم يقل إن شاء الله، فطاف تلك الليلة على مائة امرأة فلم تلد منهن امرأة إلا امرأة ولدت نصف إنسان.
فقال رسول الله ﷺ: لو قال إن شاء الله لولدت كل امرأة منهن غلاما يضرب بالسيف في سبيل الله عز وجل ».
إسناده على شرط الصحيح ولم يخرجوه من هذا الوجه.
وقال الإمام أحمد: حدثنا هشيم، ثنا هشام، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة قال: قال سليمان بن داود: لأطوفن الليلة على مائة امرأة تلد كل واحدة منهن غلاما يقاتل في سبيل الله ولم يستثن، فما ولدت إلا واحدة منهن بشق إنسان، قال: قال رسول الله ﷺ:
« لو استثنى لولد له مائة غلام كلهم يقاتل في سبيل الله عز وجل ».
تفرد به أحمد أيضا.
وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر، عن ابن طاووس، عن أبيه، عن أبي هريرة قال:

قال رسول الله ﷺ:
*« قال سليمان بن داود لأطوفن الليلة بمائة امرأة، تلد كل امرأة منهن غلاما يقاتل في سبيل الله.
قال: ونسي أن يقول إن شاء الله، فطاف بهن.
قال: فلم تلد منهن امرأة إلا واحدة نصف إنسان.
فقال رسول الله ﷺ: لو قال إن شاء الله لم يحنث، وكان دركا لحاجته ».
وهكذا أخرجاه في الصحيحين من حديث عبد الرزاق به مثله.
_______________________________________________________________________
*وقد كان له عليه السلام من أمور الملك، واتساع الدولة، وكثرة الجنود وتنوعها، ما لم يكن لأحد قبله، ولا يعطيه الله أحدا بعده كما قال: { وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ } [النمل: 16] { قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ } [ص: 35] وقد أعطاه الله ذلك بنص الصادق المصدوق.
ولما ذكر تعالى ما أنعم به عليه وأسداه، من النعم الكاملة العظيمة إليه قال: { هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } أي: أعط من شئت، واحرم من شئت، فلا حساب عليك، أي تصرف في المال كيف شئت، فإن الله قد سوغ لك كلما تفعله من ذلك ولا يحاسبك على ذلك.
وهذا شأن النبي الملك بخلاف العبد الرسول، فإن من شأنه أن لا يعطي أحدا، ولا يمنع أحدا إلا بإذن الله له في ذلك، وقد خير نبينا محمد صلوات الله وسلامه عليه بين هذين المقامين، فاختار أن يكون عبدا رسولا.
وفي بعض الروايات أنه استشار جبريل في ذلك، فأشار إليه أن تواضع، فاختار أن يكون عبدا رسولا صلوات الله وسلامه عليه، وقد جعل الله الخلافة والملك من بعده في أمته إلى يوم القيامة، فلا تزال طائفة من أمته ظاهرين حتى تقوم الساعة، فالله الحمد والمنة.
ولما ذكر تعالى ما وهبه لنبيه سليمان عليه السلام، من خير الدنيا نبه على ما أعده له في الآخرة من الثواب الجزيل، والأجر الجميل، والقربة التي تقربه إليه، والفوز العظيم والإكرام بين يديه، وذلك يوم المعاد والحساب، حيث يقول تعالى: { وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ }


ذكر وفاته وكم كانت مدة ملكه وحياته
قصة نبي الله سليمان بن داود عليهما السلام


قال الله تبارك وتعالى:
{ فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ
أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ } [سبأ: 14] .

*وقال أصبغ بن الفرج، وعبد الله بن وهب، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال: قال سليمان لملك الموت: إذا أمرت بي فأعلمني، فأتاه فقال: يا سليمان قد أمرت بك، قد بقيت لك سويعة، فدعا الشياطين فبنوا عليه صرحا من قوارير، ليس له باب، فقام يصلي فاتكأ على عصاه، قال: فدخل عليه ملك الموت فقبض روحه وهو متوك على عصاه، ولم يصنع ذلك فرارا من ملك الموت.
قال: والجن تعمل بين يديه، وينظرون إليه يحسبون أنه حي، قال: فبعث الله دابة الأرض - يعني - إلى منسأته فأكلتها، حتى إذا أكلت جوف العصا ضعفت وثقل عليها فخر، فلما رأت الجن ذلك انفضوا وذهبوا، قال فذلك قوله: { مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ }
قال أصبغ، وبلغني عن غيره: أنها مكثت سنة تأكل في منسأته حتى خرَّ. وقد روي نحو هذا عن جماعة من السلف وغيرهم، والله أعلم.
*قال إسحاق بن بشر، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، وغيره:
أن سليمان عليه السلام عاش ثنتين وخمسين سنة، وكان ملكه أربعين سنة.
وقال إسحاق: أنبأنا أبو روق، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن ملكه كان عشرين سنة، والله أعلم.
وقال ابن جرير: فكان جميع عمر سليمان بن داود عليهما السلام نيفا وخمسين سنة.
وفي سنة أربع من ملكه ابتدأ ببناء بيت المقدس فيما ذكر، ثم ملك بعده ابنه رحبعام مدة سبع عشرة سنة فيما ذكره ابن جرير، وقال: ثم تفرقت بعده مملكة بني إسرائيل.
انتهى من البداية والنهاية بتصرف
قصة نبي الله سليمان بن داود عليهما السلام
المرجع
البداية والنهاية/الجزء الثاني/قصة سليمان بن
داود عليهما السلام
حصرى من عملي



قصة نبي الله سليمان بن داود عليهما السلام




إظهار التوقيع
توقيع : أم أمة الله
#2

افتراضي رد: قصة نبي الله سليمان بن داود عليهما السلام

جزاكِ الله خير واثابك الجنة

إظهار التوقيع
توقيع : العدولة هدير
#3

افتراضي رد: قصة نبي الله سليمان بن داود عليهما السلام


المشاركة الأصلية كتبت بواسطة العدولة هدير
جزاكِ الله خير واثابك الجنة
جزانا واياكِ وبارك الله فيكِ واسعدكِ برضاه

إظهار التوقيع
توقيع : أم أمة الله
#4

افتراضي رد: قصة نبي الله سليمان بن داود عليهما السلام

عليه السلام سيدنا سليمان

شكرا لكم ولطرحكم الرائع
بارك الله فيك
وجزاك خير الجزاء
على م قدمته من طرح قييم
شكرا من الاعماق



قد تكوني مهتمة بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى
قصة المسيح الدجال ... كتابة الشيخ الألباني أم أمة الله السنة النبوية الشريفة
الملوك الأربعة الذين حكموا الأرض اسيرة دموعى قصص الانبياء والرسل والصحابه
هل السلطان العثماني سليمان القانوني "سلطان الحريم" أم "رجل الفتوحات الفذ"؟ ,السلطان سليمان القانونى,شخصية سليمان القانونى نَقاء الرُّوح شخصيات وأحداث تاريخية
تأملات تربوية في سورة النمل نسيم آڸدکَريآت القرآن الكريم
قصة نبي الله زكريا وابنه يحيى عليهما السلام ريموووو قصص الانبياء والرسل والصحابه


الساعة الآن 01:08 AM


جميع المشاركات تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع


التسجيل بواسطة حسابك بمواقع التواصل