أو

الدخول بواسطة حسابك بمواقع التواصل

#1

افتراضي صلاة العشاء من مكة اليوم ،تلاوة طيبة من سورة النساء للشيخ ياسر الدوسري عش



صلاة العشاء من مكة اليوم ،تلاوة طيبة من سورة النساء للشيخ ياسر الدوسري عش

صلاة العشاء من مكة اليوم ،تلاوة طيبة من سورة النساء
للشيخ ياسر الدوسري عشاء 12 ربيع الثاني 1445هـ
9 من ديسمبر 2024 .




تفسير الآيات التى قرأ بها الشيخ الدوسري
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بســــــــــــم الله الرحمن الرحيــــــــــــــــــــــم
إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا ( 105 )
إنا أنزلنا إليك - أيها الرسول- القرآن مشتملا على الحق; لتفصل بين الناس جميعًا بما أوحى الله إليك, وبَصَّرك به, فلا تكن للذين يخونون أنفسهم - بكتمان الحق- مدافعًا عنهم بما أيدوه لك من القول المخالف للحقيقة.
وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ( 106 )
واطلب من الله تعالى المغفرة في جميع أحوالك, إن الله تعالى كان غفورًا لمن يرجو فضله ونوال مغفرته, رحيمًا به.
وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا ( 107 )
ولا تدافع عن الذين يخونون أنفسهم بمعصية الله. إن الله - سبحانه- لا يحب مَن عَظُمَتْ خيانته, وكثر ذنبه.
يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا ( 108 )
يستترون من الناس خوفًا من اطلاعهم على أعمالهم السيئة, ولا يستترون من الله تعالى ولا يستحيون منه, وهو عزَّ شأنه معهم بعلمه, مطلع عليهم حين يدبِّرون - ليلا- ما لا يرضى من القول, وكان الله - تعالى- محيطًا بجميع أقوالهم وأفعالهم, لا يخفى عليه منها شيء.
هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلا ( 109 )
ها أنتم - أيها المؤمنون- قد حاججتم عن هؤلاء الخائنين لأنفسهم في هذه الحياة الدنيا, فمن يحاجج الله تعالى عنهم يوم البعث والحساب؟ ومن ذا الذي يكون على هؤلاء الخائنين وكيلا يوم القيامة؟
وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا ( 110 )
ومن يُقْدِمْ على عمل سيِّئ قبيح, أو يظلم نفسه بارتكاب ما يخالف حكم الله وشرعه, ثم يرجع إلى الله نادمًا على ما عمل, راجيًا مغفرته وستر ذنبه, يجد الله تعالى غفورًا له, رحيمًا به.
وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ( 111 )
ومن يعمد إلى ارتكاب ذنب فإنما يضر بذلك نفسه وحدها, وكان الله تعالى عليمًا بحقيقة أمر عباده, حكيمًا فيما يقضي به بين خلقه.
وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ( 112 )
ومن يعمل خطيئة بغير عمد, أو يرتكب ذنبًا متعمدًا ثم يقذف بما ارتكبه نفسًا بريئة لا جناية لها, فقد تحمَّل كذبًا وذنبًا بيّنا.
وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ( 113 )
ولولا أن الله تعالى قد مَنَّ عليك - أيها الرسول- ورحمك بنعمة النبوة, فعصمك بتوفيقه بما أوحى إليك, لعزمت جماعة من الذين يخونون أنفسهم أن يُزِلُّوكَ عن طريق الحق, وما يُزِلُّونَ بذلك إلا أنفسهم, وما يقدرون على إيذائك لعصمة الله لك, وأنزل الله عليك القرآن والسنة المبينة له, وهداك إلى علم ما لم تكن تعلمه مِن قبل, وكان ما خصَّك الله به من فضلٍ أمرًا عظيمًا.
التفسير الميسر
========================================================
إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا ( 105 ) .
يخبر تعالى أنه أنزل على عبده ورسوله الكتاب بالحق، أي: محفوظًا في إنزاله من الشياطين، أن يتطرق إليه منهم باطل، بل نزل بالحق، ومشتملا أيضا على الحق، فأخباره صدق، وأوامره ونواهيه عدل وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلا وأخبر أنه أنزله ليحكم بين الناس.
وفي الآية الأخرى: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ .فيحتمل أن هذه الآية في الحكم بين الناس في مسائل النزاع والاختلاف، وتلك في تبيين جميع الدين وأصوله وفروعه، ويحتمل أن الآيتين كلتيهما معناهما واحد، فيكون الحكم بين الناس هنا يشمل الحكم بينهم في الدماء والأعراض والأموال وسائر الحقوق وفي العقائد وفي جميع مسائل الأحكام.
وقوله: ( بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ) أي: لا بهواك بل بما علَّمك الله وألهمك، كقوله تعالى: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى وفي هذا دليل على عصمته صلى الله عليه وسلم فيما يُبَلِّغ عن الله من جميع الأحكام وغيرها، وأنه يشترط في الحاكم العلم والعدل لقوله: ( بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ) ولم يقل: بما رأيت. ورتب أيضا الحكم بين الناس على معرفة الكتاب، ولما أمر الله بالحكم بين الناس المتضمن للعدل والقسط نهاه عن الجور والظلم الذي هو ضد العدل فقال: ( وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا ) أي: لا تخاصم عن مَن عرفت خيانته، من مدع ما ليس له، أو منكرٍ حقا عليه، سواء علم ذلك أو ظنه. ففي هذا دليل على تحريم الخصومة في باطل، والنيابة عن المبطل في الخصومات الدينية والحقوق الدنيوية.
ويدل مفهوم الآية على جواز الدخول في نيابة الخصومة لمن لم يعرف منه ظلم.

وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ( 106 ) وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا ( 107 ) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا ( 108 ) هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلا ( 109 ) وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا ( 110 ) وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ( 111 ) وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ( 112 ) وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ( 113 ) .
( وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ ) مما صدر منك إن صدر.
( إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ) أي: يغفر الذنب العظيم لمن استغفره، وتاب إليه وأناب ويوفقه للعمل الصالح بعد ذلك الموجِب لثوابه وزوال عقابه.
( وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ ) « الاختيان » و « الخيانة » بمعنى الجناية والظلم والإثم، وهذا يشمل النهي عن المجادلة، عن من أذنب وتوجه عليه عقوبة من حد أو تعزير، فإنه لا يجادل عنه بدفع ما صدر منه من الخيانة، أو بدفع ما ترتب على ذلك من العقوبة الشرعية. ( إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا ) أي: كثير الخيانة والإثم، وإذا انتفى الحب ثبت ضده وهو البُغْض، وهذا كالتعليل، للنهي المتقدم.
ثم ذكر عن هؤلاء الخائنين أنهم ( يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ ) وهذا من ضعف الإيمان، ونقصان اليقين، أن تكون مخافة الخلق عندهم أعظم من مخافة الله، فيحرصون بالطرق المباحة والمحرمة على عدم الفضيحة عند الناس، وهم مع ذلك قد بارزوا الله بالعظائم، ولم يبالوا بنظره واطلاعه عليهم.
وهو معهم بالعلم في جميع أحوالهم، خصوصًا في حال تبييتهم ما لا يرضيه من القول، من تبرئة الجاني، ورمي البريء بالجناية، والسعي في ذلك للرسول صلى الله عليه وسلم ليفعل ما بيتوه.
فقد جمعوا بين عدة جنايات، ولم يراقبوا رب الأرض والسماوات، المطلع على سرائرهم وضمائرهم، ولهذا توعدهم تعالى بقوله: ( وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا ) أي: قد أحاط بذلك علما، ومع هذا لم يعاجلهم بالعقوبة بل استأنى بهم، وعرض عليهم التوبة وحذرهم من الإصرار على ذنبهم الموجب للعقوبة البليغة.
( هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلا ) أي: هبكم جادلتم عنهم في هذه الحياة الدنيا، ودفع عنهم جدالُكم بعض ما تحذرون من العار والفضيحة عند الخَلْق، فماذا يغني عنهم وينفعهم؟ ومن يجادل الله عنهم يوم القيامة حين تتوجه عليهم الحجة، وتشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون؟ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ .
فمن يجادل عنهم من يعلم السر وأخفى ومن أقام عليهم من الشهود ما لا يمكن معه الإنكار؟ وفي هذه الآية إرشاد إلى المقابلة بين ما يتوهم من مصالح الدنيا المترتبة على ترك أوامر الله أو فعل مناهيه، وبين ما يفوت من ثواب الآخرة أو يحصل من عقوباتها.
فيقول من أمرته نفسه بترك أمر الله ها أنت تركت أمره كسلا وتفريطا فما النفع الذي انتفعت به؟ وماذا فاتك من ثواب الآخرة؟ وماذا ترتب على هذا الترك من الشقاء والحرمان والخيبة والخسران؟
وكذلك إذا دعته نفسه إلى ما تشتهيه من الشهوات المحرمة قال لها: هبك فعلت ما اشتهيت فإن لذته تنقضي ويعقبها من الهموم والغموم والحسرات، وفوات الثواب وحصول العقاب - ما بعضه يكفي العاقل في الإحجام عنها. وهذا من أعظم ما ينفع العبدَ تدبرُه، وهو خاصة العقل الحقيقي. بخلاف الذي يدعي العقل، وليس كذلك، فإنه بجهله وظلمه يؤثر اللذة الحاضرة والراحة الراهنة، ولو ترتب عليها ما ترتب. والله المستعان.
ثم قال تعالى: ( وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا ) أي: من تجرأ على المعاصي واقتحم على الإثم ثم استغفر الله استغفارا تاما يستلزم الإقرار بالذنب والندم عليه والإقلاع والعزم على أن لا يعود. فهذا قد وعده من لا يخلف الميعاد بالمغفرة والرحمة.
فيغفر له ما صدر منه من الذنب، ويزيل عنه ما ترتب عليه من النقص والعيب، ويعيد إليه ما تقدم من الأعمال الصالحة، ويوفقه فيما يستقبله من عمره، ولا يجعل ذنبه حائلا عن توفيقه، لأنه قد غفره، وإذا غفره غفر ما يترتب عليه.
واعلم أن عمل السوء عند الإطلاق يشمل سائر المعاصي، الصغيرة والكبيرة، وسمي « سوءًا » لكونه يسوء عامله بعقوبته، ولكونه في نفسه سيئًا غير حسن.
وكذلك ظلم النفس عند الإطلاق يشمل ظلمها بالشرك فما دونه. ولكن عند اقتران أحدهما بالآخر قد يفسر كل واحد منهما بما يناسبه، فيفسر عمل السوء هنا بالظلم الذي يسوء الناس، وهو ظلمهم في دمائهم وأموالهم وأعراضهم.
ويفسر ظلم النفس بالظلم والمعاصي التي بين الله وبين عبده، وسمي ظلم النفس « ظلما » لأن نفس العبد ليست ملكا له يتصرف فيها بما يشاء، وإنما هي ملك لله تعالى قد جعلها أمانة عند العبد وأمره أن يقيمها على طريق العدل، بإلزامها للصراط المستقيم علمًا وعملا فيسعى في تعليمها ما أمر به ويسعى في العمل بما يجب، فسعيه في غير هذا الطريق ظلم لنفسه وخيانة وعدول بها عن العدل، الذي ضده الجور والظلم.
ثم قال: ( وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ ) وهذا يشمل كل ما يؤثم من صغير وكبير، فمن كسب سيئة فإن عقوبتها الدنيوية والأخروية على نفسه، لا تتعداها إلى غيرها، كما قال تعالى: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى لكن إذا ظهرت السيئات فلم تنكر عمت عقوبتها وشمل إثمها، فلا تخرج أيضا عن حكم هذه الآية الكريمة، لأن من ترك الإنكار الواجب فقد كسب سيئة.
وفي هذا بيان عدل الله وحكمته، أنه لا يعاقب أحدا بذنب أحد، ولا يعاقب أحدا أكثر من العقوبة الناشئة عن ذنبه، ولهذا قال: ( وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ) أي: له العلم الكامل والحكمة التامة.
ومن علمه وحكمته أنه يعلم الذنب وما صدر منه، والسبب الداعي لفعله، والعقوبة المترتبة على فعله، ويعلم حالة المذنب، أنه إن صدر منه الذنب بغلبة دواعي نفسه الأمارة بالسوء مع إنابته إلى ربه في كثير من أوقاته، أنه سيغفر له ويوفقه للتوبة.
وإن صدر منه بتجرئه على المحارم استخفافا بنظر ربه، وتهاونا بعقابه، فإن هذا بعيد من المغفرة بعيد من التوفيق للتوبة.
ثم قال: ( وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً ) أي: ذنبا كبيرا ( أَوْ إِثْمًا ) ما دون ذلك. ( ثُمَّ يَرْمِ بِهِ ) أي: يتهم بذنبه ( بَرِيئًا ) من ذلك الذنب، وإن كان مذنبا. ( فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ) أي: فقد حمل فوق ظهره بهتا للبريء وإثمًا ظاهرًا بينًا، وهذا يدل على أن ذلك من كبائر الذنوب وموبقاتها، فإنه قد جمع عدة مفاسد: كسب الخطيئة والإثم، ثم رَمْي مَن لم يفعلها بفعلها، ثم الكذب الشنيع بتبرئة نفسه واتهام البريء، ثم ما يترتب على ذلك من العقوبة الدنيوية، تندفع عمن وجبت عليه، وتقام على من لا يستحقها.
ثم ما يترتب على ذلك أيضا من كلام الناس في البريء إلى غير ذلك من المفاسد التي نسأل الله العافية منها ومن كل شر.
ثم ذكر منته على رسوله بحفظه وعصمته ممن أراد أن يضله فقال: ( وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ ) وذلك أن هذه الآيات الكريمات قد ذكر المفسرون أن سبب نزولها: أن أهل بيت سرقوا في المدينة، فلما اطلع على سرقتهم خافوا الفضيحة، وأخذوا سرقتهم فرموها ببيت من هو بريء من ذلك.
واستعان السارق بقومه أن يأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ويطلبوا منه أن يبرئ صاحبهم على رءوس الناس، وقالوا: إنه لم يسرق وإنما الذي سرق من وجدت السرقة ببيته وهو البريء. فهَمَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبرئ صاحبهم، فأنزل الله هذه الآيات تذكيرا وتبيينا لتلك الواقعة وتحذيرا للرسول صلى الله عليه وسلم من المخاصمة عن الخائنين، فإن المخاصمة عن المبطل من الضلال، فإن الضلال نوعان:
ضلال في العلم، وهو الجهل بالحق. وضلال في العمل، وهو العمل بغير ما يجب. فحفظ الله رسوله عن هذا النوع من الضلال [ كما حفظه عن الضلال في الأعمال ] .
وأخبر أن كيدهم ومكرهم يعود على أنفسهم، كحالة كل ماكر، فقال: ( وَمَا يُضِلُّونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ ) لكون ذلك المكر وذلك التحيل لم يحصل لهم فيه مقصودهم، ولم يحصل لهم إلا الخيبة والحرمان والإثم والخسران. وهذه نعمة كبيرة على رسوله صلى الله عليه وسلم تتضمن النعمة بالعمل، وهو التوفيق لفعل ما يجب، والعصمة له عن كل محرم.
ثم ذكر نعمته عليه بالعلم فقال: ( وَأَنزلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ) أي: أنزل عليك هذا القرآن العظيم والذكر الحكيم الذي فيه تبيان كل شيء وعلم الأولين والآخِرين.
والحكمة: إما السُّنَّة التي قد قال فيها بعض السلف: إن السُّنَّة تنزل عليه كما ينزل القرآن.
وإما معرفة أسرار الشريعة الزائدة على معرفة أحكامها، وتنزيل الأشياء منازلها وترتيب كل شيء بحسبه.
( وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ ) وهذا يشمل جميع ما علمه الله تعالى. فإنه صلى الله عليه وسلم كما وصفه الله قبل النبوة بقوله: مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَوَجَدَكَ ضَالا فَهَدَى .
ثم لم يزل يوحي الله إليه ويعلمه ويكمله حتى ارتقى مقاما من العلم يتعذر وصوله على الأولين والآخرين، فكان أعلم الخلق على الإطلاق، وأجمعهم لصفات الكمال، وأكملهم فيها، ولهذا قال: ( وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ) ففضله على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم أعظم من فضله على كل مخلوق .
وأجناس الفضل الذي قد فضله الله به لا يمكن استقصاؤها ولا يتيسر إحصاؤها .
تفسير السعدى
=========================================

الآية: 105 ( إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما )
في هذه الآية تشريف للنبي صلى الله عليه وسلم وتكريم وتعظيم وتفويض إليه، وتقويم أيضا على الجادة في الحكم، وتأنيب على ما رفع إليه من أمر بني أبيرق ! وكانوا ثلاثة إخوة: بشر وبشير ومبشر، وأسير بن عروة ابن عم لهم؛ نقبوا مشربة لرفاعة بن زيد في الليل وسرقوا أدراعا له وطعاما، فعثر على ذلك. وقيل إن السارق بشير وحده، وكان يكنى أبا طعمة أخذ درعا؛ قيل: كان الدرع في جراب فيه دقيق، فكان الدقيق ينتثر من خرق في الجراب حتى انتهى إلى داره، فجاء ابن أخي رفاعة واسمه قتادة بن النعمان يشكوهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ فجاء أسير بن عروة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن هؤلاء عمدوا إلى أهل بيت هم أهل صلاح ودين فأنبوهم بالسرقة ورموهم بها من غير بينة؛ وجعل يجادل عنهم حتى غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتادة ورفاعة؛ فأنزل الله تعالى: « ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم » [ النساء: 107 ] الآية. وأنزل الله تعالى: « ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا » [ النساء: 112 ] وكان البريء الذي رموه بالسرقة لبيد بن سهل. وقيل: زيد بن السمين وقيل: رجل من الأنصار. فلما أنزل الله ما أنزل، هرب ابن أبيرق السارق إلى مكة، ونزل على سلافة بنت سعد بن شهيد؛ فقال فيها حسان بن ثابت بيتا يعرض فيه بها، وهو:
وقد أنزلته بنت سعد وأصبحت ينازعها جلد استها وتنازعه
ظننتم بأني خفي الذي قد صنعتمو وفينا نبي عنده الوحي واضعه
فلما بلغها قالت: إنما أهديت لي شعر حسان؛ وأخذت رحله فطرحته خارج المنزل، فهرب إلى خيبر وأرتد. ثم إنه نقب بيتا ذات ليلة ليسرق فسقط الحائط عليه فمات مرتدا. ذكر هذا الحديث بكثير من ألفاظه الترمذي وقال: حديث حسن غريب، لا نعلم أحدا أسنده غير محمد بن سلمة الحراني. وذكره الليث والطبري بألفاظ مختلفة. وذكر قصة موته يحيى بن سلام في تفسيره، والقشري كذلك وزاد ذكر الردة. ثم قيل: كان زيد بن السمين ولبيد بن سهل يهوديين. وقيل: كان لبيد مسلما. وذكره المهدوي، وأدخله أبو عمر في كتاب الصحابة له، فدل ذلك على إسلامه عنده. وكان بشير رجلا منافقا يهجو أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وينحل الشعر غيره، وكان المسلمون يقولون: والله ما هو إلا شعر الخبيث. فقال شعرا يتنصل فيه؛ فمنه قوله:
أو كلما قال الرجال قصيدة نحلت وقالوا ابن الأبيرق قالها
وقال الضحاك: أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يقطع يده وكان مطاعا، فجاءت اليهود شاكين في السلاح فأخذوه وهربوا به؛ فنزل « ها أنتم هؤلاء » [ النساء: 109 ] يعني اليهود. والله أعلم.
قوله تعالى: « بما أراك الله » معناه على قوانين الشرع؛ إما بوحي ونص، أو بنظر جار على سنن الوحي. وهذا أصل في القياس؛ وهو يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى شيئا أصاب؛ لأن الله تعالى أراه ذلك، وقد ضمن الله تعالى لأنبيائه العصمة؛ فأما أحدنا إذا رأى شيئا يظنه فلا قطع فيما رآه، ولم يرد رؤية العين هنا؛ لأن الحكم لا يرى بالعين. وفي الكلام إضمار، أي بما أراكه الله، وفيه إضمار آخر، وامض الأحكام على ما عرفناك من غير اغترار باستدلالهم.
قوله تعالى: « ولا تكن للخائنين خصيما » اسم فاعل؛ كقولك: جالسته فأنا جليسه، ولا يكون فعيلا هنا بمعنى مفعول؛ يدل على ذلك « ولا تجادل » فالخصيم هو المجادل وجمع الخصيم خصماء. وقيل: خصيما مخاصما اسم فاعل أيضا. فنهى الله عز وجل رسول عن عضد أهل التهم والدفاع عنهم بما يقوله خصمهم من الحجة. وفي هذا دليل على أن النيابة عن المبطل والمتهم في الخصومة لا تجوز. فلا يجوز لأحد أن يخاصم عن أحد إلا بعد أن يعلم أنه محق. ومشى الكلام في السورة على حفظ أموال اليتامى والناس؛ فبين أن مال الكافر محفوظ عليه كمال المسلم، إلا في الموضع الذي أباحه الله تعالى.
قال العلماء: ولا ينبغي إذا ظهر للمسلمين نفاق قوم أن يجادل فريق منهم فريقا عنهم ليحموهم ويدفعوا عنهم؛ فإن هذا قد وقع على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفيهم نزل قوله تعالى: « ولا تكن للخائنين خصيما » وقوله: « ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم » [ النساء: 107 ] . والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد منه الذين كانوا يفعلونه من المسلمين دونه لوجهين: أحدهما: أنه تعالى أبان ذلك بما ذكره بعد بقوله: « ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا » [ النساء: 109 ] . والآخر: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان حكما فيما بينهم، ولذلك كان يعتذر إليه ولا يعتذر هو إلى غيره، فدل على أن القصد لغيره.
الآية: 106 ( واستغفر الله إن الله كان غفورا رحيما )
ذهب الطبري إلى أن المعنى: استغفر الله من ذنبك في خصامك للخائنين؛ فأمره بالاستغفار لما هم بالدفع عنهم وقطع يد اليهودي. وهذا مذهب من جوز الصغائر على الأنبياء، صلوات الله عليهم. قال ابن عطية: وهذا ليس بذنب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما دافع على الظاهر وهو يعتقد براءتهم. والمعنى: واستغفر الله للمذنبين من أمتك والمتخاصمين بالباطل؛ ومحلك من الناس أن تسمع من المتداعيين وتقضي بنحو ما تسمع، وتستغفر للمذنب. وقيل: هو أمر بالاستغفار على طريق التسبيح، كالرجل يقول: استغفر الله؛ على وجه التسبيح من غير أن يقصد توبة من ذنب. وقيل: الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد بنو أبيرق، كقوله تعالى: « يا أيها النبي اتق الله » [ الأحزاب: 1 ] ، « فإن كنت في شك » [ يونس: 94 ] .
الآية: 107 ( ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما )




أي لا تحاجج عن الذين يخونون أنفسهم؛ نزلت في أسير بن عروة كما تقدم. والمجادلة المخاصمة، من الجدل وهو الفتل؛ ومنه رجل مجدول الخلق، ومنه الأجدل للصقر. وقيل: هو من الجدالة وهي وجه الأرض، فكل واحد من الخصمين يريد أن يلقي صاحبه عليها؛ قال العجاج:
قد أركب الحالة بعد الحالة وأترك العاجز بالجدالة
منعفرا ليست له محاله
الجدالة الأرض؛ من ذلك قولهم: تركته مجدلا؛ أي مطروحا على الجدالة.
« إن الله لا يحب » أي لا يرضى عنه ولا ينوه بذكر. « من كان خوانا أثيما » خائنا. ( وخوانا ) أبلغ؛ لأنه من أبنية المبالغة؛ وإنما كان ذلك لعظم قدر تلك الخيانة. والله أعلم.
الآيتان: 108 - 109 ( يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا، ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا )
قال الضحاك: لما سرق الدرع اتخذ حفرة في بيته وجعل الدرع تحت التراب؛ فنزلت « يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله » يقول: لا يخفى مكان الدرع على الله « وهو معهم »
أي رقيب حفيظ عليهم. وقيل: « يستخفون من الناس » أي يستترون، كما قال تعالى: « ومن هو مستخف بالليل » [ الرعد: 10 ] أي مستتر. وقيل: يستحيون من الناس، وهذا لأن الاستحياء سبب الاستتار. ومعنى « وهو معهم » أي بالعلم والرؤية والسمع، هذا قول أهل السنة. وقالت الجهمية والقدرية والمعتزلة: هو بكل مكان، تمسكا بهذه الآية وما كان مثلها، قالوا: لما قال « وهو معهم » ثبت أنه بكل مكان، لأنه قد أثبت كونه معهم تعالى الله عن قولهم، فإن هذه صفة الأجسام والله تعالى متعال عن ذلك ألا ترى مناظرة بشر في قول الله عز وجل: « ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم » [ المجادلة: 7 ] حين قال: هو بذاته في كل مكان فقال له خصمه: هو في قلنسوتك وفي حشوك وفي جوف حمارك. تعالى الله عما يقولون ! حكى ذلك وكيع رضي الله عنه. ومعنى « يبيتون » يقولون. قال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس. « ما لا يرضى من القول » أي ما لا يرضاه الله لأهل طاعته. « من القول » أي من الرأي والاعتقاد، كقولك: مذهب مالك الشافعي. وقيل: « القول » بمعنى المقول؛ لأن نفس القول لا يبيت.
قوله تعالى: « ها أنتم هؤلاء » يريد قوم بشير السارق لما هربوا به وجادلوا عنه. قال الزجاج: « هؤلاء » بمعنى الذين. « جادلتم » حاججتم. « في الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة » استفهام معناه الإنكار والتوبيخ. « أم من يكون عليهم وكيلا » الوكيل: القائم بتدبير الأمور، فالله تعالى قائم بتدبير خلقه. والمعنى: لا أحد يقوم بأمرهم إذا أخذهم الله بعذابه وأدخلهم النار.
الآية: 110 ( ومن يعمل سوء أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما )
قال ابن عباس: عرض الله التوبة على بني أبيرق بهذه الآية، أي « ومن يعمل سوءا » بأن يسرق « أو يظلم نفسه » بأن يشرك « ثم يستغفر الله » يعني بالتوبة، فإن الاستغفار باللسان من غير توبة لا ينفع، وقد بيناه في « آل عمران » . وقال الضحاك: نزلت الآية في شأن وحشي قاتل حمزة أشرك بالله وقتل حمزة، ثم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إني لنادم فهل لي من توبة ؟ فنزل: « ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه » الآية. وقيل: المراد بهذه الآية العموم والشمول لجميع الخلق. وروى سفيان عن أبي إسحاق عن الأسود وعلقمة قالا: قال عبدالله بن مسعود من قرأ هاتين الآيتين من سورة « النساء » ثم استغفر له: « ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما » . « ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما » [ النساء: 64 ] . وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال: كنت إذا سمعت حديثا من رسول الله صلى الله عليه وسلم نفعني الله به ما شاء، وإذا سمعته من غيره حلفته، وحدثني أبو بكر وصدق أبو بكر قال: ما من عبد يذنب ذنبا ثم يتوضأ ويصلي ركعتين ويستغفر الله إلا غفر له، ثم تلا هذه الآية « ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما » .
الآيتان: 111 - 112 ( ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه وكان الله عليما حكيما، ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا )
قوله تعالى: « ومن يكسب إثما » أي ذنبا « فإنما يكسبه على نفسه » أي عاقبته عائدة عليه. والكسب ما يجر به الإنسان إلى نفسه نفعا أو يدفع عنه به ضررا؛ ولهذا لا يسمى فعل الرب تعالى كسبا.
قوله تعالى: « ومن يكسب خطيئة أو إثما » قيل: هما بمعنى واحد كرر لاختلف اللفظ تأكيدا. وقال الطبري: إنما فرق بين الخطيئة والإثم أن الخطيئة تكون عن عمد وعن غير عمد، والإثم لا يكون إلا عن عمد. وقيل: الخطيئة ما لم تتعمده خاصة كالقتل بالخطأ. وقيل: الخطيئة الصغيرة، والإثم الكبيرة، وهذه الآية لفظها عام يندرج تحته أهل النازلة وغيرهم.
قوله تعالى: « ثم يرم به بريئا » قد تقدم اسم البريء في البقرة. والهاء في « به » للإثم أو للخطيئة. لأن معناها الإثم، أولهما جميعا. وقيل: ترجع إلى الكسب. « فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا » تشبيه؛ إذ الذنوب ثقل ووزر فهي كالمحمولات. وقد قال تعالى: « وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم » [ العنكبوت: 13 ] . والبهتان من البهت، وهو أن تستقبل أخاك بأن تقذفه بذنب وهو منه بريء. وروى مسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أتدرون ما الغيبة ) ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم؛ قال: ( ذكرك أخاك بما يكره ) . قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ قال: ( إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته ) . وهذا نص؛ فرمي البريء بهت له. يقال: بهته بهتا وبهتا وبهتانا إذا قال عليه ما لم يفعله. وهو بهات والمقول له مبهوت. ويقال: بهت الرجل ( بالكسر ) إذا دهش وتحير. وبهت ( بالضم ) مثله، وأفصح منهما بهت، كما قال الله تعالى: « فبهت الذي كفر » [ البقرة: 258 ] لأنه يقال: رجل مبهوت ولا يقال: باهت ولا بهيت، قال الكسائي.
الآية: 113 ( ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما )
قوله تعالى: « ولولا فضل الله عليك ورحمته » ما بعد « لولا » مرفوع بالابتداء عند سيبويه، والخبر محذوف لا يظهر، والمعنى: « ولولا فضل الله عليك ورحمته » بأن نبهك على الحق، وقيل: بالنبوءة والعصمة. « لهمت طائفة منهم أن يضلوك » عن الحق؛ لأنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبرئ ابن أبيرق من التهمة ويلحقها اليهودي، فتفضل الله عز وجل على رسوله عليه السلام بأن نبهه على ذلك وأعلمه إياه. « وما يضلون إلا أنفسهم » لأنهم يعملون عمل الضالين، فوباله لهم راجع عليهم. « وما يضرونك من شيء » لأنك معصوم. « وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة » هذا ابتداء كلام. وقيل: الواو للحال، كقولك: جئتك والشمس طالعة؛ ومنه قول امرئ القيس:
وقد أغتدي والطير في وكناتهما
فالكلام متصل، أي ما يضرونك من شيء مع إنزال الله عليك القرآن. « والحكمة » القضاء بالوحي. « وعلمك ما لم تكن تعلم » يعني من الشرائع والأحكام وكان فضله عليك كبيرا. و « تعلم » في موضع نصب؛ لأنه خبر كان. وحذفت الضمة من النون للجزم، وحذفت الواو لالتقاء الساكنين.
تفسير القرطبي
وفقكم الله وأسعدكم بالقرآن العظيم
بحث من عملي

صلاة العشاء من مكة اليوم ،تلاوة طيبة من سورة النساء للشيخ ياسر الدوسري عش




إظهار التوقيع
توقيع : أم أمة الله
#2

افتراضي رد: صلاة العشاء من مكة اليوم ،تلاوة طيبة من سورة النساء للشيخ ياسر الدوسري

جزاكي الله خيرا حبيبتي

إظهار التوقيع
توقيع : حياه الروح 5


قد تكوني مهتمة بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى
60 سؤالا في أحكام الحيض والنفاس للشيخ بن عثيمين رحمه الله شوشو السكرة فتاوي وفقه المرأة المسلمة
القران الكريم كاملاً بصوت الحصري 2024 .mp3 - استماع وتحميل Admin القرآن الكريم
جميع مرئيات الشيخ الإمام علي جابر النادرة من تراويح وتهجد شهر رمضان من رووية ورهوف صوتيات ومرئيات اسلامية
انتى الحنان بدنيتى(روايتى الجديدة) ريموووو أقلام عدلات الذهبية
تحميل القرآن الكريم كاملاً لمشارى راشد mp3 حبيبة أبوها القرآن الكريم


الساعة الآن 10:28 AM


جميع المشاركات تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع


التسجيل بواسطة حسابك بمواقع التواصل