أو

الدخول بواسطة حسابك بمواقع التواصل

#1

افتراضي تفسير الربع التاسع والعاشر من سورة آل عمران بأسلوب بسيط

تفسير الربع التاسع والعاشر من سورة آل عمران بأسلوب بسيط


تفسير الربع التاسع من سورة آل عمران بأسلوب بسيط


الآية 152: ﴿ وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ ﴾ مِن نَصْرٍ على المشركين في أول القتال في غزوة "أُحُد" ﴿ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ ﴾: أي حين كنتم تقتلون الكفار، وذلك بإذنه تعالى بقتالكم لهم، ﴿ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ ﴾: يعني حتى إذا جَبُنتم وضعفتم عن القتال، ﴿ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْر ﴾: أي واختلفتم: هل تبقون فيمواقعكم؟، أو تتركونها لجمع الغنانم مع مَن يجمعها؟، ﴿ وَعَصَيْتُمْ ﴾ أمر رسولكم حين أمركم ألا تفارفوا أماكنكم بأي حال، فساعتها حلَّت بكم الهزيمة ﴿ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ ﴾ مِن النصر (في أول المعركة)،وتبيَّن أنّ﴿ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ ﴾، وقد أصابكم الخوف والرعب، حينما رأيتم أنفسكم محصورين بين رُماة المشركين ومُقاتلِيهم، ﴿ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ ﴾: يعني ثم صرفكم الله عن عدوكم، بأن فررتم من القتال لتنجوا بأنفسكم، وقد قدَّرَ اللهُ حدوث ذلك كله ﴿ لِيَبْتَلِيَكُم ﴾: أي ليختبركم، فيرى المؤمن الصادق من المنافق الكاذب، ويرى الصابر من غيره، ﴿ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُم ﴾ بعد أنْ عَلِمَ سبحانه ندمَكم وتوبتكم، ﴿ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾.

الآية 153: ﴿ إِذْ تُصْعِدُونَ ﴾: أي اذكروا حين كنتم تَصْعَدون الجبل هاربين من أعدائكم، ﴿ وَلَا تَلْوُونَ ﴾ رؤوسكم ﴿ عَلَى أَحَدٍ ﴾ يعني ولا تلتفتون إلى أحدٍ لِمَا اعتراكم من الدهشة والخوف والرعب، ﴿ وَالرَّسُولُ ﴾ ثابت في الميدان، و ﴿ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ) ﴾: أي يناديكم مِن خلفكم قائلاً: (إليَّ عبادَ الله)، وأنتم لا تسمعون ولا تنظرون،﴿ فَأَثَابَكُمْ ﴾: أي فكان جزاؤكم على فِعلكم أن أنزل الله بكم ﴿ غَمًّا بِغَمٍّ ﴾: يعني غَمَّاً يَتبَعُ غَمَّاً: (إذ أصابكم غَمٌّ بفوات النصر وفوات الغنيمة، وغَمٌّ آخر بانهزامكم، وغَمٌّ ثالث أنساكم كل غَمّ، وهو سماعكم أن محمداً صلى الله عليه وسلم قد قُتِل)، (وقد جعل الله اجتماع هذه الأمور من باب التربية لعباده المؤمنين لمكانتهم عنده)، ثم لَطَفَ الله تعالى بكم، فجعلكم تتأكدون أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يُقتَل، فهانت عليكم تلك المصائب، وفرحتم بوجوده المُهَوِّن لكل مصيبة ومِحنة، وذلك ﴿ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ ﴾ مِن نَصرٍ وغنيمة، ﴿ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ ﴾ مِن خوفٍ وهزيمة، ﴿ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾.

الآية 154: ﴿ ثُمَّ ﴾ كان من رحمة الله بكم أيها المؤمنون المخلصون أن ﴿ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً ﴾ أي ألقى في قلوبكم اطمئنانًا وثقة في وعد الله تعالى، مِن بعد ما نزل بها مِن همٍّ وغمٍّ، وكان مِن أثر هذا الأمن والاطمئنان أن أنزل عليكم ﴿ نُعَاسًا يَغْشَى ﴾: أي يُغطي ﴿ طَائِفَةً مِنْكُم ﴾ وهم أهل الإخلاص واليقين، ﴿ وَطَائِفَة ﴾ أُخرى ﴿ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ ﴾ أي أهمَّهم تخليص أنفسهم خاصَّةً دونَ المؤمنين، و ﴿ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّة ﴾: أي إنهم أساؤوا الظن بربهم وبدينه وبنبيه صلى الله عليه وسلم،وظنوا أن الله لن يُتِمُّ أمر رسوله، وأن الإسلام لن تقوم له قائمة، ولذلك تراهم نادمين على خروجهم للقتال، فـ ﴿ يَقُولُونَ ﴾ لبعضهم: ﴿ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ ﴾ يعني هل كان لنا مِن اختيار في الخروج للقتال؟، ﴿ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ﴾ فهو الذي قدَّرَ خروجكم وما حدث لكم، وهم ﴿ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَك ﴾ من الحسرة على خروجهم للقتال، فـ ﴿ يَقُولُونَ ﴾ سِرَّاً فيما بينهم:﴿ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا: يعني لو كان لنا الاختيار، ما خرجنا ولا قاتلنا ولا أصابنا الذي أصابنا، فأطْلَعَ الله رسوله على سِرِّهِم، وقال له: ﴿ قُلْ ﴾ لهم: إن الآجال بيد الله و ﴿ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ ﴾، وقدَّر الله لكم أن تموتوا: ﴿ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِم ﴾ أي لخرج الذين كَتب الله عليهم الموت إلى حيث يُقْتلون، ﴿ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ ﴾: أي وما جعل الله ذلك الذي حدث في "أُحُد" إلا ليختبر ﴿ مَا فِي صُدُورِكُمْ ﴾ من الشك والنفاق، ﴿ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ﴾: أي ولِيَمِيزَ الخبيث من الطيب، ويَظهر للناس أمر المنافق (مِن أقوالِهِ وأفعالِه)، ﴿ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾.

الآية 155: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ﴾: أي فرُّوا عن القتال يوم التقى المؤمنون والمشركون في غزوة "أُحُد": ﴿ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا ﴾: يعني إنما أوقعهم الشيطان في هذا الذنب العظيم (وهو الفرار من الجهاد)، بسبب بعض ما اكتسبوه مِن مُخالفة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث تركوا مواقعهم، ونزلوا لطلب الغنيمة، فخذلهم الله بسبب ذلك الذنب، فلم يُثبِّت أقدامهم في القتال، ﴿ وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ ﴾: أي تجاوز عنهم فلم يعاقبهم، ﴿ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ﴾، فيُمهِلُ عَبدَهُ حتى يتوبَ فيتوب عليه ويغفر له، ولو لم يكن حليماً: لعاقب مِن أول ذنب، فلا يُمَكِّنُ أحداً من التوبة والنجاة).

الآية 156: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْض ﴾: أي إذا خرجوا يبحثون في أرضالله عن معاشهم،﴿ أَوْ كَانُوا غُزًّى: يعني أو كانوا مع الغُزاة المقاتلين (ثم ماتوا أو قُتِلوا)، فإنهم يُعارضون القدَر، ويقولون: ﴿ لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا ﴾: أي لو لم يخرج هؤلاء، وأقاموا معنا ﴿ مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا ﴾﴿ لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ ﴾: يعني: وعندما يتذكر المنافقون الذين أُصِيبوا (أنهم لو كانوا قعدوا عن القتال مع أصحابهم المنافقين: ما أصابهم شيئاً)، فإنهم بذلك يزدادون حُزنًا وحسرة تُمزقهم، بسبب سخطهم على قضاء الله وقدره.

أما المؤمنون فإنهم يعلمون أنّ ذلك بقدرالله تعالى، فيَهدي الله قلوبهم، ويخفف عنهم المصيبة، ﴿ وَاللَّهُ يُحْيِي ﴾ مَن قدَّر له الحياة -وإن كان مسافرًا أو غازيًا،﴿ وَيُمِيتُ مَنِ انتهى أجله - وإن كان مقيمًا، ﴿ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾، وسيرى سبحانه: هل ستنتهون عَمَّا نَهاكم عنه أو لا، وسيُجازيكم على ذلك).

الآية 157: ﴿ وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ ﴾ مَوتةً (طبيعية) بانقضاء آجالكم أثناء المعركة: ﴿ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ ﴾: أي لَيَغفِرَنَّ الله لكم ذنوبكم، وليَرحَمَنَّكم رحمة مِن عندِه، فتفوزون بجنات النعيم، وذلك ﴿ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾: أي خيرٌ من الدنيا وما يَجمعه أهلها فيها).

الآية 158: ﴿ وَلَئِنْ مُتُّمْ ﴾ بانقضاء آجالكم في هذه الحياة الدنيا، فمُتُّم على فُرُشكم، ﴿ أَوْ قُتِلْتُمْ ﴾ في ساحةالقتال: ﴿ لَإِلَى اللَّهِ ﴾ وحده﴿ تُحْشَرُونَفيُجازيكم بأعمالكم).

الآية 159: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾: يعني فبسبب رحمةٍ مِن الله لك ولأصحابك، مَنَّ اللهُ عليك فكنتَ رفيقًا بهم، وهذا يُوضح كمال رسول الله صلى الله عليه وسلم الخُلُقِي، ويوضح أيضاً فضل الصحابة، وكرامتهم عند ربهم، ﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾: أي ولو كنت سيِّئ الخُلق قاسي القلب، لانْصَرَفَ أصحابك من حولك،﴿ فَاعْفُ عَنْهُمْ ﴾: أي فلا تؤاخذهم بما كان منهم في غزوة "أُحُد"، ﴿ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ ﴾ ﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ﴾ الذي يحتاج إلى مشورة، ﴿ فَإِذَا عَزَمْتَ ﴾ على أمر من الأمور - بعد الاستشارة - ﴿ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ﴾ : يعني فأَمْضِ هذا الأمر معتمدًا على الله وحده، ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ عليه).

الآية 161: ﴿ وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُل ﴾: أي يأخذ الغُلول، وهو أخْذ شيء من الغنيمة قبل تقسيمها، ﴿ وَمَنْ يَغْلُلْ ﴾ منكم: ﴿ يَأْتِ بِمَا غَلَّ ﴾ حاملاً له ﴿ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ لِيُفضَحَ به في الموقف المشهود، ﴿ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾.

الآية 162 ، والآية 163: ﴿ أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ ﴾ أي أفمن كان مُتبعاً لما يُرضي الله من الأقوال والأفعال والنيَّات، ﴿ كَمَنْ ﴾: أي هل يستوي مع مَن ﴿ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ ﴾: أي رجع بغضب من الله، لانغماسه في المعاصي، ﴿ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ ﴾:يعني فاستحق بذلك سكن جهنم ﴿ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾؟ لا يستويان أبداً، ﴿ هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ ﴾: يعني أصحاب الجنة المتبعون لما يُرضي الله متفاوتون في الدرجات، وأصحاب النارالمتبعون لما يُسخِط الله متفاوتون في الدركات، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ ﴾، ﴿ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ﴾).

الآية 165: ﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ ﴾ وهي جراحكم وقتلكم يوم "أُحُد"،﴿ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا مِن المشركين في يوم بدْر، ﴿ قُلْتُمْ ﴾ متعجبين: ﴿ أَنَّى هَذَا: يعني كيف يكون هذا ونحن مسلمون،ورسول الله فينا، وهؤلاء مشركون؟، ﴿ قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ﴾: يعني قد أصابكم ذلك بسبب مخالفتكم أمْرَ رسولكم وإقبالكم على جمع الغنائم، ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾، فيفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، لا مُعَقِّب ******لِحُكمه).

الآية 166، والآية 167، والآية 168: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ ﴾: يعني وكل ما أصابكم مِن جراح أو قتلٍ ﴿ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ﴾ في أُحُد: ﴿ فَبِإِذْنِ اللَّه ﴾: أي فذلك كله بقضاء الله وقدَره، ﴿ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾: أي وليظهر ما عَلِمَه اللهُ في قديم الأزَل لِيَتميَّز المؤمنون الصادقون منكم، ﴿ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا ﴾، وهم الذين كشف الله ما في قلوبهم عندما: ﴿ وَقِيلَ لَهُمْ ﴾: أي حين قال المؤمنون لهم: ﴿ تَعَالَوْا قَاتِلُوا ﴾ معنا ﴿ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا ﴾ المشركين عنا بتكثيركم لعددنا، حتى وإن لم تقاتلوا، ﴿ قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ ﴾: أي لَوْ نَعْلَمُ أنكم تقاتلون أحدًا لَكُنَّا معكم عليهم، ﴿ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ ﴾: أي في هذا اليوم ﴿ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ ﴾ لأنهم﴿ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ﴿ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ ﴾: أي بما يُخفون فيصدورهم، وهؤلاء المنافقون هم(الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ) الذين أصيبوا مع المسلمين أثناء قتالهم المشركين يوم "أُحُد" ﴿ وَقَعَدُوا ﴾ هم عن القتال: ﴿ لَوْ أَطَاعُونَا ﴾ وقعدوا معنا: ﴿ مَا قُتِلُوا ﴾، ﴿ قُلْ فَادْرَءُوا ﴾: أي فادفعوا ﴿ عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ في دعواكم أنهم لو أطاعوكم ماقتِلوا، وأنكم قد نجوتم من الموت بقعودكم عن القتال).

تفسير الربع العاشر من سورة آل عمران بأسلوب بسيط



الآية 169: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ﴾ ﴿ بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ ﴾: أي: في جوار ربهم (الذي جاهدوا مِن أجله، وماتوا فيسبيله)، ﴿ يُرْزَقُونَ ﴾: أي: يَجري عليهم رزقهم في الجنة، ويُنعَّمون).





الآية 170: (﴿ فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ﴾: يعني: لقد عَمَّتهم السعادة حين مَنَّ الله عليهم، فأعطاهم من النعيم والرضا ما تَقَرُّ به أعينهم، ﴿ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ ﴾: يعني: وهم يفرحون بإخوانهم المجاهدين(الذين فارقوهم وهم أحياء)، لِعِلْمِهم أن إخوانهم إذا استُشهِد في سبيل الله مُخلِصين له، فإنهم سوف ينالون من الخير الذي نالوه، و﴿ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ﴾ فيما يَستقبلونه مِن أمرالآخرة، ﴿ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ على ما فاتهم من أمور الدنيا).

الآية 171، والآية 172، والآية 173: (﴿ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ ﴾: يعني: وإنهم لفي فرحة غامرة بما أُعطاهم الله مِن عظيم جُودِه وواسع كرمه، ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ ﴾: أي: وَبأن الله (﴿ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ ﴿ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ﴾: أي: الذين لبُّوا نداء الله ورسوله، وخرجوا في أعقاب المشركين إلى "حمراء الأسد"، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى أن يَرفع معنويات أصحابه الذين جُرحوا وهُزِموا بأحُد، وأن يُرهِب أعداءه، فأمر مؤذناً يؤذن بالخروج في طلب أبي سُفيان وجيشه، فاستجاب المؤمنون وخرجوا معه (﴿ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ ﴾):أي: رغم ما كان بهم من آلام وجراح، وبذلوا غاية جهدهم،والتزموا بطاعة نبيهم، (﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ ﴾): أي: مِن هؤلاء المؤمنين، (﴿ وَاتَّقَوْا ﴾) ربهم، فلم يُشركوا به، ولم يَعصوه فيما أمرهم به أو نهاهم عنه، فأولئك لهم (﴿ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾)، وهؤلاء المؤمنون هم (﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ ﴾): أي: قال لهم بعض المشركين: (﴿ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ ﴾): أي: إنَّ أبا سُفيان ومَن معه قد أجمعوا أمرهم على الرجوع إليكم لقتلكم، فاحذروهم واخشوا لقاءهم، فإنه لا طاقة لكم بهم، (﴿ فَزَادَهُمْ ﴾) ذلك التخويف (﴿ إِيمَانًا ﴾): أي: يقينًا وتصديقًا بوعد الله لهم بالنصر عليهم، ولم يَثْنِهم ذلك عن عزمهم، فساروا إلى حيث شاء الله، (﴿ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ ﴾): أي: هو سبحانه كافينا شَرّ ما أرادوه بنا من الأذى، (﴿ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾) الذي نُوكل إليه أمورنا، ونفوضها إليه).

فلما قالوا ذلك، مَرَّ أحد حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بمعسكر أبي سفيان، فسأله أبو سفيان عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فأخبره أنه قد خرج في طلبكم ومعه جيش كبير وكُلُّهُم تَغَيُّظٌ عليكم، ونصحهم أن يرحلوا، فألقى الله الرعب في قلب أبي سفيان، فانهزم وهرب برجاله إلى مكة، خوفاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه.

واعلم أنّ في قوله تعالى: (﴿ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا ﴾): دليلٌ على أن الإيمان يزيد وينقص، فيزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية.

الآية 174: ((﴿ فَانْقَلَبُوا ﴾) من "حمراء الأسد" إلى "المدينة" مع نبيهم (﴿ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ ﴾): أي: بالثواب الجزيل، وبالمنزلة العالية،وبالنصر على أعداء الله، وبالتوفيق للخروج بهذه الحالة، و (﴿ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ ﴾): أي: وفازوا بالسلامة من القتل والقتال، (﴿ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ ﴾) وذلك بطاعتهم له ولرسوله، (﴿ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾) عليهم وعلى غيرهم).

الآية 175: ((﴿ إِنَّمَا ﴾) المُثبِّط لكم (الذي يصيبكم بالإحباط والكسل عن الجهاد) هو (﴿ ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ ﴾) الذي جاءكم (﴿ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ ﴾): أي: يُخوِّفكم أنصاره، (﴿ فَلَا تَخَافُوهُمْ ﴾) لأنّهم ضِعافٌ لا ناصرَ لهم، (﴿ وَخَافُونِ ﴾) بالإقبال على طاعتي (﴿ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾) بي ومُتبعينَ لرسولي).

الآية 176: ((﴿ وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ ﴾): أي: لا تحزن بسبب هؤلاء الكُفار لمسارعتهم في الجحود والضلال، (﴿ إِنَّهُمْ لن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا ﴾) بذلك الكُفر، إنما يضرون أنفسهم بحرمانها من الجنة ونعيمها، فأولئك (﴿ يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا ﴾) أي: نصيباً من الخير (﴿ فِي الْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾)).

الآية 178: ((﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ ﴾): يعني: ولا يَظُنَنَّ الجاحدون أننا إذا أَطَلْنا أعمارهم, ومتعناهم بمُتع الدنيا, ولم نؤاخذهم بكفرهم وذنوبهم, أنهم قد نالوا بذلك خيرًا لأنفسهم، (﴿ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا ﴾): يعني: إنما نؤخر عذابهم وآجالهم؛ ليزدادوا ظلمًا وطغيانًا، (﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾): أي: يُهينهم ويُذلُّهم في الآخرة).

الآية 179: ((﴿ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ ﴾) مِن التباس المؤمن منكم بالمنافق، (﴿ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ﴾) وذلك بالمِحَن والابتلاءات والتكاليف الشاقة (كالجهاد والهجرة والزكاة وصلاة الفجر)، (﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ ﴾) الذي يعلمه مِن عباده، فتعرفوا المؤمن منهم من المنافق،(﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ ﴾): يعني: غير أن الله تعالى يصطفي من رسله مَن يشاء لِيُطلِعَهُ على بعض علم الغيب بِوَحْيٍ منه سبحانه، (﴿ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾)).

الآية 181: ((﴿ لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ ﴾) يطلب منا أن نُقرِضَهُ أموالا(﴿ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ ﴾) (﴿ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا ﴾) (﴿ وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ﴾): أي: وسنكتب أيضاً أنهم راضون بما كانمِن قَتْل آبائهم لأنبياء الله ظلمًا وعدوانًا، وسوف نؤاخذهم بذلك في الآخرة، (﴿ وَنَقُولُ ﴾) لهم وهم في النار يُعَذَّبون: (﴿ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ﴾)).

(وقد أوضحنا معنى قول الله تعالى: (﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ﴾)، في تفسير الآية رقم (245)، في الربع السادس عشر من سورة البقرة، فراجعها إن شِئت).

الآية 182: ((﴿ ذَلِكَ ﴾) العذاب الشديد - وهو عذاب الحريق (﴿ بِمَا قَدَّمَتْ ﴾): أي: بسبب ما قدمته (﴿ أَيْدِيكُمْ ﴾) في حياتكم الدنيا من المعاصي القولية والفعلية والاعتقادية، وأن عذابكم ليس ظلما من الله لكم، (﴿ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾)).

الآية 183: ((﴿ الَّذِينَ قَالُوا ﴾): يعني: هؤلاء اليهود هم الذين قالوا - حين دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام -: (إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا):أي: أوصانا في التوراة، (﴿ أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ ﴾):أي: حَتَّى يَأْتِيَنَا بصدقةٍ يتقرب بها إلى الله، فتنزل نارٌ من السماء فتحرقها، (﴿ قُلْ ﴾): أنتم كاذبون فيقولكم لأنه (﴿ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ ﴾) (﴿ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾) في دَعواكم).

الآية 184: ((﴿ فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا ﴾) أقوامهم (﴿ بِالْبَيِّنَاتِ ﴾): أي: بالمعجزات الباهرات والحجج الواضحات، (﴿ وَالزُّبُرِ ﴾): أي: وجاءوهم بالكتب السماوية، (﴿ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ ﴾): أي: وهذه الكتب السماوية هي نورٌ يكشف الظلمات، ببيانها ووضوحها).

واعلم أن حرف الواو الذي بين كلمة: (﴿ الزُّبُرِ ﴾)، وبين كلمة: (﴿ الْكِتَابِ الْمُنِيرِ ﴾): تسمى (عطف بيان)، يعني: عطف توضيح، لتبين أن هذه الكتب هي كتب منيرة، وليس معناها أن (﴿ الزُّبُرِ ﴾)، شيئٌ، (﴿ وَالْكِتَابِ الْمُنِير ﴾) شيئٌ آخر، (فكأن المعنى: (وجاؤوا أقوامهم بالزُبُر التي هي كتب منيرة)، وهذا مِثل قوله تعالى: (﴿ الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ ﴾) يعني: (الكتاب الذي يفرق بين الحق والباطل)، ومِثل قوله تعالى: (﴿ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ﴾) يعني: (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ، وهو هذا الكتاب المبين).

الآية 185: ((﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ﴾) (﴿ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾) (﴿ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ﴾): يعني: فمَن أكرمه ربه ونجَّاه من النار وأدخله الجنة، فقد نال غاية ما يَطلب،(﴿ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾): أي: متعة زائلة، فلا تغترُّوا بها).

..........

من سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف أ.د. التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف) واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.

رامى حنفى محمود

شبكة الألوكه الشرعية



تفسير الربع التاسع والعاشر من سورة آل عمران بأسلوب بسيط







#2

افتراضي رد: تفسير الربع التاسع والعاشر من سورة آل عمران بأسلوب بسيط

بارك الله فيكِ

إظهار التوقيع
توقيع : أم أمة الله
#3

افتراضي رد: تفسير الربع التاسع والعاشر من سورة آل عمران بأسلوب بسيط

جزاك الله خيراً



قد تكوني مهتمة بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى
تحميل القرآن الكريم كاملا للقارئ فارس عباد mp3 حبيبة أبوها القرآن الكريم
مفاهيم سور القران الكريم الاميرة 1 القرآن الكريم
اسماء سور القران ,تعرفى على آسمآء سور القرآن ربي رضاك والجنة القرآن الكريم
القران الكريم كاملاً بصوت السديس .mp3 - استماع وتحميل Admin القرآن الكريم
الإعجاز العددي و العلمي المدهل في سورة الفاتحة عاشقة جواد الاعجاز العلمي


الساعة الآن 10:17 AM


جميع المشاركات تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع


التسجيل بواسطة حسابك بمواقع التواصل