أو

الدخول بواسطة حسابك بمواقع التواصل

#1

افتراضي نعيم القبر وعذابه والأسباب المنجية منه ،حقيقة الموت ،الفتنة في القبر،نعيم ا



نعيم القبر وعذابه والأسباب المنجية منه ،حقيقة الموت ،الفتنة في القبر،نعيم ا

نعيم القبر وعذابه والأسباب المنجية منه ،حقيقة الموت ،الفتنة في القبر،نعيم القبر وعَذابه ،
الأسباب المنجية من عذاب القبر.

نعيم القبر وعذابه والأسباب المنجية منه ،حقيقة الموت ،الفتنة في القبر،نعيم ا

نعيم القبر وعذابه
أحوال الموت والبرزخ من الأمور الغيبيَّة التي ثبتَتْ بواسطة النقل لا من طريق العَقل، والعَقل لا يحيلُها، وحتى لو لم يقرَّ بها العقل
فإنَّ الشرع كافٍ في إثباتها ووُجوب اعتِقادها والعمل لها؛ لعِصمة النقل وقُصور العقل، وفيما يلي إشارةٌ إلى جُملةٍ منها، وذلك لما يلي:
1- لوجود مَن أنكر ذلك.
2- ولمسيس الحاجة إلى تذكير المسلمين به.
3- ولأنَّ القبر أوَّل مَنازل الآخِرة، فإنَّ الإيمان بما ثبَت في النُّصوص من أحوال الناس في البرزخ بعد الموت إلى قِيام الساعة من تحقيق الإيمان باليوم الآخِر.

حقيقة الموت:
الموت هو مُفارقة رُوح ابن آدم لجسَده إذا استَـكمَل أجله بأيِّ سببٍ قدَّره الله تعالى ومُفارقة الرُّوح للجسَد ليس فَناءً للروح، ولكنَّه انفِصالٌ لها عن البدن بأمر الله تعالى وليس انفِصالًا نهائيًّا، بل لها به نوعُ اتِّصالٍ الله أعلم بكيفيَّته وحقيقته، وتكون أمور البرزخ على الرُّوح أصلًا والبدن تابعٌ لها، حتى ولو تَلاشَى واضمحلَّ وصار رُفاتًا أو تُرابًا، أو تلف بحَرقِه أو نحوه وذُرِّي في الهواء ولم يبقَ له بقيَّة، فإنَّ الروح تبقى وهي التي تتعرَّض للعَذاب أو النعيم، ويصلُ البدنَ حظُّه من ذلك بقُدرة الله تعالى فإنَّ الله تعالى على كلِّ شيءٍ قديرٌ، لا يعجزه شيء؛ وقد قال تعالى: ﴿ قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ ﴾ [ق: 4].

الفتنة في القبر:
يجبُ الإيمان بما دلَّتْ عليه الأحاديث من أمر الملَكَيْن الفتَّانين الموكَّلين بسُؤال الميت في القبر، وصِفتهما وسُؤالهما عامَّة المقبورين، وكيفيَّة ذلك، وما يجيبُ به المؤمن وما يجيبُ به الكافر أو المُرتاب، وما يَعقُب ذلك من النعيم أو العَذاب، على التفصيل الذي جاءتْ به الأحاديث، ومن ذلك ما روى الترمذي وابن حبَّان عن أبي هريرة رضِي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا قُبِرَ الميت ـ أو قال: أحدكم ـ أتاه مَلَكَان أسودان أزرقان يُقال لأحدهما: منكر، وللآخَر: نكير..."[1].
وقد دلَّت النُّصوص الواردة في إثْبات نعيم القبر وعَذابه على أصل الفتنة فيه، وهي السؤال للميت: "مَن ربك؟ وما دينك؟ ومَن نبيك؟" فيُثبِّت الله مَن يشاء، وهو الذي يُنعَّم في قبره، ويضلُّ مَن يشاء، وهو الذي يُعذَّب في القبر إلى ما شاء الله.

نعيم القبر وعَذابه:
اتَّفق أهل السُّنَّة والجماعة على ما دلَّت عليه النُّصوص من أنَّ نعيم القبر وعَذابه حقٌّ، وأنَّه يكون للرُّوح والبدَن جميعًا، وهو مُترتِّب على فتنة القبر والسؤال فيه، فمَن ثبَّتَه الله نُعِّم، ومَن أضلَّه عُذِّب. فنعيم الروح أو عَذابها على أحوال:
1- فقد تكون متَّصلةً بالبدن تارةً؛ فيكون النَّعيم أو العَذاب عليهما جميعًا.
2- كما أنَّه قد يكون النعيم أو العَذاب للرُّوح منفصلةً عن الجسد؛ فيكون النعيم أو العَذاب للروح وحدَها تارةً أخرى.

أدلة نعيم القبر وعَذابه:
دلَّت نصوصٌ كثيرةٌ من القُرآن والسُّنَّة على نعيم القبر وعَذابه:
فمن القرآن:
1- قوله تعالى: ﴿ فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ ﴾ [الواقعة: 88، 89] ، وقوله تعالى: ﴿ وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ ﴾ [الواقعة: 92 - 94].
2- وقوله تعالى عن آل فرعون: ﴿ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ﴾ [غافر: 46] ، فدلَّت الآية على أنَّهم يُعرَضون على النار غُدُوًّا وعشيًّا قبلَ يوم القيامة، وهو عَذاب البرزخ.
قال ابن كثير رحمه الله: (هذه الآية أصلٌ كبيرٌ في استدلال أهل السُّنَّة على عَذاب القبر)، وقال القرطبي رحمه الله: "الجمهور على أنَّ هذا العرض يكون في البرزخ، وهو حجَّةٌ في تثبيت عَذاب القبر".
3- ومن الأدلة كذلك على عَذاب القبر قوله تعالى عن الكفَّار: ﴿ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ ﴾ [التوبة: 101] ، قال مجاهد: أي: بالجوع وعَذاب القبر، قال: ثم يردُّون إلى عَذاب عظيم يوم القيامة، وقد استدلَّ بهذه الآية والتي قبلها البخاريُّ رحمه الله في ترجمة الأحاديث في عَذاب القبر.

ومن السُّنَّة:
1- حديث البراء، وفيه قال - صلى الله عليه وسلم - في المؤمن: "فيُنادِي مُنادٍ من السماء أنْ صدَق عبدي فأفرِشُوه من الجنَّة، وألبِسُوه من الجنَّة، وافتَحوا له بابًا إلى الجنَّة، فيأتيه من رِيحها وطِيبها، ويُفسَح له في قبره مدَّ بصره..."[2].
2- ومن أدلَّة السنَّة على إثبات النعيم أو العَذاب في القبر ما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنَّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنَّ أحدَكم إذا مات عُرِضَ عليه مقعَدُه بالغَداة والعَشِيِّ، إنْ كان من أهل الجنَّة فمن أهل الجنَّة، وإنْ كان من أهل النار فمن أهل النار، فيُقال: هذا مقعدك حتى يبعَثك الله يوم القيامة"[3].




3- وكذلك ما ثبت في صحيح مسلم رحمه الله عن أنس رضِي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لولا ألاَّ تدافَنُوا لدعوتُ الله أنْ يُسمِعكم عَذابَ القبر"[4].
4- وما في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال في صاحبي القبرين: "إنهما ليُعذَّبان"[5].
5- وكذلك ما ثبَت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنَّ عامَّة عَذاب القبر من البول"[6]، يعني: من الاستِهانة به، وعدم التنزُّه والتحفُّظ منه.
6- وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتعوَّذ من عَذاب القبر[7].
وقد أجمع المسلمون على إثبات عَذاب القبر ونعيمه، ولم يُنكِرْه إلا مَن لا فقهَ له ولا أثَر لخِلافه.

فقد أنكَر الملاحدة والفَلاسفة ومَن اتَّبعهم من أهل الكلام نعيمَ وعَذاب القبر؛ لردِّهم الأحاديث الصحيحة فيه، وبدعوى عدًم مٌشاهدته في الدنيا، ويُردُّ عليهم بما يلي:
الأول: دلالة الكتاب والسُّنَّة وإجماع السلف عليه.
الثاني: أنَّ أحوال الآخِرة لا تُقاسُ بأحوال الدنيا.
الثالث: وجود أشياء في الدنيا لا تُشاهَد مثل: العقل والرُّوح والكهرباء، فكلُّ هذه يقرُّ العُقَلاء بوجودها ويؤمنون بأثَرها مع أنَّهم لم يُشاهِدوها على هيئتها، فما أخبر الله تعالى به من أمور الغَيْب في البرزخ والآخِرة وفوق السماوات أولى أنْ يُصدَّق به ويُقَرَّ بوجوده، ولو لم يُشاهَدْ؛ ذلك بأنَّ الله هو الحقُّ المبين.

نعيم القبر وعذابه والأسباب المنجية منه ،حقيقة الموت ،الفتنة في القبر،نعيم ا


الأسباب المنجية من عذاب القبر

عذاب القبر ونعيمه ثابت بالكتاب والسُّنَّة، وهو معلوم من الدين بالضرورة؛ قال تعالى: ﴿ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ﴾ [غافر: 46].
وقال تعالى عن المنافقين: ﴿ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ ﴾ [التوبة: 101]، قال ابن مسعود وغيرُه: العذاب الأوَّل في الدنيا، والثاني عذاب في القبر، ثم يُرَدُّون إلى عذاب عظيم في النار، إلى غير ذلك من الآيات.
أمَّا الأحاديث في إثبات عذاب القبر ونعيمِه فهي كثيرة، بل قد صرَّح ابن القيِّم وغيرُه أنها متواترة؛ ففي الصحيحين: أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم مرَّ بقبرين، فقال: ((إنهما ليُعَذَّبان وما يُعَذَّبان في كبير؛ أمَّا أحدهما فكان لا يستتر من البول، وأمَّا الآخَر فكان يمشي بالنميمة)).
وفي الصحيحين أيضًا أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم كان يقول في دعائه في الصلاة: ((اللهم إني أعوذ بك مِن عذاب القبر...)).
والقبر أوَّل منزلةٍ مِن منازل الآخرة؛ لذا كان عثمان بن عفان رضي الله عنه إذا وقف على قبرٍ بَكَى ما لا يَبكيه عند ذكْر الجَنَّة والنار، فقيل له في ذلك، فقال: سمعتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: ((القبر أوَّل منازل الآخِرة، فإنْ نجا العبدُ منه فما بَعْدَه أَيسَرُ منه))، قال الشيخ الألباني: (حسَن)، انظر حديث رقم: 1684 في "صحيح الجامع".
إنَّ الإنسان في قبره يتعرَّض لامتحانات وابتلاءاتٍ قاسية في جوٍّ لم يألفه مِن قبْل؛ حيث طُرِح وحيدًا، لا صاحبة ولا ولد، ولا أخ ولا صديق...
ووسط هذه الأجواء يأتيه الملكان (منكر ونكير)، فينهرانِه ويسألانه: مَن ربك؟ وما دينك؟ وماذا تقول في الرجل الذي بُعِث فيك؟ والإجابة عن هذه الأسئلة هي التي ستحدِّد مصير الإنسان، هل سينعم ويُفسَح له في قبره مدَّ البصر، أو يعذَّب ويضيَّق عليه قبره، فالقبر إمَّا روضة مِن رياض الجَنَّة، أو حُفرة مِن حُفَر النار، فكيف يتحصَّل العبدُ على هذه الروضة؟ وكيف ينجو مِن هذه الحفرة؟

الأسباب المنجية من عذاب القبر:
هناك وسائل كثيرةٌ إذا فعَلها العبدُ نجا مِن عذاب القبر، والتي منها:
الوسيلة الأولى: الإكثار مِن ذكْر هادم اللذات:
أوصى النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أمَّته بالإكثار مِن ذكْر الموت؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((أَكْثِروا مِن ذكْر هادِم اللذَّات))؛ يعني: الموت؛ رواه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، بأسانيد صحيحة.

وذكْر الموت له فوائد عظيمة منها:
1- يزجر العبدَ ويمنعه مِن الذنوب والمعاصي.
2- يدفعه إلى الإسراع إلى التوبة والعمل الصالح.
3- يجعله وجلًا خائفًا، فيأمَن في قبره وبين يدي ربه؛ لأن الله عزَّ وجلَّ لا يَجْمَع على عبدٍ خوفَين ولا أمنَين، فمَن أمِنَه في الدنيا أخافه في الآخرة، ومَن خافَه في الدنيا أمَّنه في الآخرة.
4- الإكثار مِن ذكر الموت يَدفع إلى المحاسبة، فإذا أصبح لا ينتظر المساء، وإذا أمسى لا ينتظر الصباح، فيجلس كلَّ ليلة يُحاسِب نفسَه، فيدفعه ذلك إلى التوبة والندم والاستغفار، يقول ابن القيِّم: "لا بُدَّ أن يجلس الرجل عندما يريد النوم لله ساعةً يُحاسِب نفسَه فيها على ما خسِرَه ورَبِحَه في يومه، ثم يجدِّد له توبة نصوحًا بينه وبين الله، فينام على تلك التوبة، ويعزم على ألَّا يُعاوِد الذنبَ إذا استيقَظ، ويَفعَل هذا كلَّ ليلة، فإنْ مات مِن ليلته مات على توبة، وإنِ استيقَظ استيقَظ مستقبِلًا للعمل، مسرورًا بتأخير أجَله، حتى يَستقبل ربَّه، ويَستَدرك ما فاته، وليس للعبد أنفع مِن هذه النومة، ولا سيَّما إذا عقَّب ذلك بذكْر الله، واستعمالِ السُّنن التي وردَت عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عند النوم حتى يغلَّه النوم".
الوسيلة الثانية: الإيمان والعمل الصالح:
الإيمان والعمل الصالح مِن أعظم الوسائل المنجية مِن عذاب القبر؛ قال تعالى: ﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ﴾ [إبراهيم: 27].
يقول العلَّامة السعدي: "يخبر تعالى أنه يثبِّت عبادَه المؤمنين؛ أي: الذين قاموا بما عليهم مِن إيمان القلب التامِّ، الذي يستلزم أعمالَ الجوارح ويثمِّرها، فيثبِّتهم الله في الحياة الدنيا عند ورود الشبهات بالهداية إلى اليقين، وعند عروض الشهوات بالإرادة الجازمة على تقديم ما يحبُّه الله على هوى النفسِ ومُراداتها، وفي الآخرة عند الموت بالثبات على الدِّين الإسلامي والخاتمة الحسَنة، وفي القبر عند سؤال الملَكَين، للجواب الصحيح، إذا قيل للميت: مَن ربك؟ وما دينك؟ ومَن نبيُّك؟ هداهم للجواب الصحيح؛ بأن يقول المؤمن: الله ربي، والإسلام ديني، ومحمد نبيِّي.
﴿ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ ﴾ عن الصواب في الدنيا والآخِرة، وما ظلَمهم الله ولكنهم ظلموا أنفسَهم، وفي هذه الآية دلالة على فتنة القبر وعذابه ونعيمه، كما تواترت بذلك النصوص عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في الفتنة، وصفتِها، ونعيم القبر وعذابه".

الوسيلة الثالثة: الاستقامة:
يقول تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ﴾ [فصلت: 30 - 32].
وأصل الاستقامة كما يقول ابن رجب: "استقامة القلب على التوحيد كما فسَّر أبو بكرٍ الصدِّيق وغيرُه قوله: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ﴾ [فصلت: 30] بأنهم لم يلتفتوا إلى غيرِه، فمتى استقام القلب على معرفة الله وعلى خشيته، وإجلاله ومهابته، ومحبَّته وإرادته، ورجائه ودعائه، والتوكُّل عليه والإعراض عمَّا سواه - استقامت الجوارح كلها على طاعته؛ فإن القلب هو ملِك الأعضاء وهي جنوده، فإذا استقام الملِك استقامت جنوده ورعاياه.
والاستقامة ترجمان الإيمان؛ والدليل على ذلك قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((قُلْ: آمنتُ بالله، ثم استقم))؛ رواه مسلم.

الوسيلة الرابعة: التقوى:
التقوى مِن أهمِّ الأسباب التي تُنجي العبدَ في الدنيا والآخِرة؛ قال تعالى: ﴿ وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴾ [النمل: 53]، وهي تَستَجلب معيَّة الله في كلِّ الأمور؛ ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 194]، والقبرُ وفتنتُه مِن الأمور العظام التي لا ينجو منها إلا أهل التقوى؛ لذا أمرَنا اللهُ بالتزوُّد منها؛ قال تعالى: ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 197].

الوسيلة الخامسة: الرباط في سبيل الله:
فقد ورد عنه صلَّى الله عليه وسلَّم؛ أنه قال: ((كلُّ ميتٍ يُختَم على عمله، إلاَّ الذي مات مُرابِطًا في سبيل الله، فإنه يُنمَى له عملُه إلى يوم القيامة، ويَأمَن فتنةَ القبر))؛ أخرجه الترمذي وأبو داود.

الوسيلة السادسة: الشهادة في سبيل الله:
فعن المقدام بن معديكرب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لِلشهيدِ عند الله ستُّ خصال: يغفر له في أوَّل دفعة مِن دمه، ويرى مقعده مِن الجَنَّة، ويُجَار مِن عذاب القبر، ويأمن مِن الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاجُ الوقار؛ الياقوتة منه خيرٌ مِن الدنيا وما فيها، ويُزَوَّج اثنتين وسبعين زوجة مِن الحور العين، ويشفع في سبعين مِن أقاربه))؛ أخرجه الترمذي.

الوسيلة السابعة: المداومة على قراءة سورة المُلْك، والعمل بمقتضاها:
عن ابن عباس رضي الله عنه قال: ضَرَبَ رجلٌ مِن أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم خباءه على قبرٍ وهو لا يحسب أنه قبر، فإذا بقبر إنسانٍ يَقرأ سورة المُلْك حتى ختمها، فأتى النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: يا رسول الله، ضربتُ خبائي على قبرٍ وأنا لا أحسب أنه قبر، فإذا فيه إنسان يقرأ سورة المُلْك حتى ختمها، فقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: ((هي المانعة، هي المنجية؛ تنجيه من عذاب القبر))؛ أخرجه الترمذي.

وممَّا ينجي من عذاب القبر أيضًا:
ما رواه الإمام أحمد وغيره؛ أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((ما مِن مسلمٍ يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه اللهُ تعالى فتنة القبر))؛ قال الشيخ الألباني: (حسن)، انظر حديث رقم: 5773 في "صحيح الجامع".

وما أخبر به محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا خالد، عن شعبة، قال: أخبرني جامِع بن شداد، قال: سمعتُ عبد الله بن يسار قال: "كنتُ جالسًا وسليمان بن صُرَد وخالد بن عُرْفُطَة، فذكروا أن رجلًا تُوفِّي مات ببطنه، فإذا هما يشتهيان أن يكونا شهداء جنازته، فقال أحدهما للآخر: ألم يقُل رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((مَن يقتله بطنُه فلن يُعذَّب في قبره))، فقال الآخَر: بلى"؛ قال الشيخ الألباني: (صحيح).

خاتمة المسك للموحدين، وسوء العذاب للكافرين:
أَختِم معك بخاتمة المسك للموحِّدين، وسوء العذاب للكافرين، ومع الحديث الذي جمَع أكثرَ الأسباب المنجية مِن عذاب القبر: عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: (( إنَّ الميت إذا وُضِع في قبره إنه يسمع خفْق نعالهم حين يُوَلُّوا مدْبرين، فإنْ كان مؤمنًا كانت الصلاة عند رأسه، وكان الصيام عن يمينه، وكانت الزكاة عن شماله، وكان فعْل الخيرات مِن الصدقة والصلاة والمعروف والإحسان إلى الناس عند رجليه، فيُؤتَى مِن قِبَل رأسه فتقول الصلاة: ما قِبَلي مدخل، ثم يُؤتَى عن يمينه فيقول الصيام: ما قِبَلي مدخل، ثم يُؤتَى عن يساره فتقول الزكاة: ما قِبَلي مدخل، ثم يُؤتَى من قِبَل رجليه فيقول فعْل الخيرات مِن الصدقة والمعروف والإحسان إلى الناس: ما قِبَلي مدخل، فيُقال له: اجلِس، فيجلس قد مُثِّلت له الشمس وقد دنَت للغروب، فيُقال له: أرأيتك هذا الذي كان قِبَلكم ما تقول فيه؟ وماذا تشهد عليه؟ فيقول: دعوني حتى أصلي، فيقولون: إنك ستفعل، أخبرْنا عمَّا نسألك عنه: أرأيتك هذا الرجل الذي كان قِبَلكم ماذا تقول فيه؟ وماذا تشهد عليه؟ قال: فيقول: محمد، أشهد أنه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وأنه جاء بالحق مِن عند الله، فيُقال له: على ذلك حييتَ، وعلى ذلك متَّ، وعلى ذلك تُبعَث إن شاء الله، ثم يُفتَح له بابٌ من أبواب الجنة، فيُقال له: هذا مقعدك منها وما أعدَّ الله لك فيها، فيزداد غبطة وسرورًا، ثم يُفتَح له بابٌ من أبواب النار، فيُقال له: هذا مقعدك وما أعدَّ الله لك فيها لو عصيته، فيزداد غبطة وسرورًا، ثم يُفسَح له في قبره سبعون ذراعًا، وينوَّر له فيه، ويُعاد الجسد كما بدأ منه، فتُجعل نسمتُه في النسيم الطيب وهي طير تَعْلق في شجر الجَنَّة، فذلك قوله: ﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ... ﴾ [إبراهيم: 27] الآية، وإن الكافر إذا أُتِي من قِبَل رأسه لم يوجد شيء، ثم أُتِي عن يمينه فلا يوجد شيء، ثم أُتِي عن شماله فلا يوجد شيء، ثم أُتِي من قِبَل رجليه فلا يوجد شيء، فيُقال له: اجلس، فيجلس مرعوبًا خائفًا، فيُقال: أرأيتك هذا الرجل الذي كان فيكم؛ ماذا تقول فيه؟ وماذا تشهد عليه؟ فيقول: أيُّ رجل؟ ولا يهتدي لاسمه، فيُقال له: محمد، فيقول: لا أدري، سمعت الناس قالوا قولًا فقلتُ كما قال الناس، فيُقال له: على ذلك حييتَ وعليه متَّ، وعليه تُبعَث إن شاء الله، ثم يُفتَح له بابٌ من أبواب النار، فيُقال له: هذا مقعدك من النار وما أعدَّ الله لك فيها، فيزداد حسرة وثبورًا، ثم يُفتَح له باب من أبواب الجَنَّة ويُقال له: هذا مقعدك منها وما أعدَّ الله لك فيها لو أطعْتَه، فيزداد حسرة وثبورًا، ثم يضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه، فتلك المعيشة الضنكة التي قال الله: ﴿ فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ [طه: 124]))؛ رواه الطبراني في "الأوسط"، وابن حبان في "صحيحه" واللفظ له، وزاد الطبراني: قال أبو عمر؛ يعني: الضرير، قلت لحماد بن سلمة: كان هذا من أهل القبلة، قال: نعم، قال أبو عمر: كان شهد بهذه الشهادة على غير يقين يرجع إلى قلبه، كان يَسمع الناس يقولون شيئًا فيقوله، والحديث حسَن، انظر: "صحيح الترغيب والترهيب"؛ للألباني.
--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
[1] أخرجه الترمذي برقم (1071)، وابن حبان برقم (780). قال الترمذي: حديث حسن غريب، وصححه ابن حبان،
ويشهد له حديث البراء بن عازب رضِي الله عنه الآتي.

[2] أخرجه أحمد في المسند (4/ 287-295، 296)، وأبو داود برقم (4753)، والنسائي برقم (2058) مختصرًا، وابن ماجه برقم (4269) مختصرًا، وصحَّحه الحاكم (1/ 37، 40)، وحسَّنه الأرناؤوط في تحقيق شرح السنة (5/ 417).
[3] أخرجه البخاري برقم (1379)، ومسلم برقم (2866)، عن ابن عمر رضي الله عنهما.
[4] أخرجه مسلم برقم (2868)، عن أنس رضي الله عنه.
[5] أخرجه البخاري برقم (216)، ومسلم برقم (262)، عن ابن عباس رضي الله عنهما.
[6] فمن هذه الأحاديث:
(أ) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال - صلى الله عليه وسلم -: "أكثر عذاب القبر في البول"، أخرجه أحمد في المسند (2/ 326، 388)، وابن ماجه برقم (348)، والحاكم في المستدرك (1/ 183)، والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 412)، والدارقطني في سننه (1/ 128)، وأورده المنذري في الترغيب والترهيب (1/ 115، 116)، وابن حجر الهيتمي في الزواجر (1/ 207). قال المنذري: رواه أحمد وابن ماجه واللفظ له، والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين ولا أعلم له علَّة، قال الحافظ: وهو كما قال، وصححه ابن حجر الهيتمي في الزواجر (1/ 207)، وقال البوصيري الزوائد: إسناده صحيح، وله شواهد، وقال أحمد شاكر في تحقيق المسند (8313): إسناده صحيح، وصححه الألباني في صحيح الترغيب (1/ 66) رقم (155).
(ب) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "عامَّةُ عذاب القبر في البول، فاستَنزِهوا من البول"، أخرجه الحاكم (1/ 184)، وأورده المنذري في الترغيب والترهيب (1/ 115)، وابن حجر الهيتمي في الزواجر (1/ 207). قال المنذري في الترغيب والترهيب: رواه البزار والطبراني في الكبير، والحاكم، والدارقطني، كلُّهم من رواية أبي يحيى القتات عن مجاهد عنه، وقال الدارقطني: إسناده لا بأس به، والقتات مُختَلَفٌ في توثيقه، وحسَّنه الألباني في صحيح الترغيب (1/ 66) رقم (152)، وعلَّق على قول الدارقطني: (والقتات مختلف في توثيقه) قائلًا: لكن له إسناد آخر من حديث أبي هريرة عند الدارقطني وصوَّب إرساله، وله عنه طريقٌ أخرى عند ابن ماجه وغيره، وهو الحديث السابق.
[7] أخرجه البخاري برقم (6366)، ومسلم برقم (586) (126)، عن عائشة رضي الله عنها.
الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر
الأسباب المنجية من عذاب القبر
د. خالد راتب
بحث من عملي

نعيم القبر وعذابه والأسباب المنجية منه ،حقيقة الموت ،الفتنة في القبر،نعيم ا


نعيم القبر وعذابه والأسباب المنجية منه ،حقيقة الموت ،الفتنة في القبر،نعيم ا





إظهار التوقيع
توقيع : أم أمة الله
#2

افتراضي رد: نعيم القبر وعذابه والأسباب المنجية منه ،حقيقة الموت ،الفتنة في القبر،نع

اللهم انا نعوز بك من عذاب القبر
جزاكِ الله خير

إظهار التوقيع
توقيع : العدولة هدير


قد تكوني مهتمة بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى
عذاب القبر جنان الخلد المنتدي الاسلامي العام
من اروع ما قيل عن الموت.... فلسطين المنتدي الاسلامي العام
الموت الضيف الاخير طماطم المنتدي الاسلامي العام
أهمية ذكر الموت في حياة المسلم اماني 2011 المنتدي الاسلامي العام
الموت من ورائك درة مكنونة المنتدي الاسلامي العام


الساعة الآن 01:46 PM


جميع المشاركات تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع


التسجيل بواسطة حسابك بمواقع التواصل