أو

الدخول بواسطة حسابك بمواقع التواصل

#1

افتراضي (وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً )

تفسير الشيخ الشعراوي

(وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ )٣٦-الزخرف



{ يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ } [الزخرف: 36] يعني: يُعرض عنه أو يتعامى ويغفل عنه، ولأنه غفل عن شيء هام لا ينبغي أن يغفل عنه أو يعرض يعاقبه الله { نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً } [الزخرف: 36] نعد له شيطاناً ونهيء له شيطاناً { فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } [الزخرف: 36] يعني: ملازم له يضله ويوسوس له.

قلنا: لأن الحق سبحانه الغني عن خَلْقه، وهو ربّ المؤمن وربّ الكافر، لذلك يُعين كلاً على ما يريد، فمَنْ أراد الهداية أعانه عليها وزاده منها، ومَنْ أراد الكفر ختم على قلبه بحيث لا يدخله إيمان ولا يخرج منه الكفر، لذلك أتَى هنا بصفة (الرحمن).

لذلك أكثر ما يجيء الشيطان للإنسان وقت الصلاة ليفسد عليه علاقته بربه، قلنا: إنه يأتي المسجد ولا يأتي الخمارة، لذلك قال كما حكى عنه القرآن: { { لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } [الأعراف: 16].
ذكرنا قصة الرجل الذي وضع مالاً في مكان ما، ثم نسيه، فقال له صديقه: اذهب إلى أبي حنيفة فعنده مَخْرج لكل المسائل، لأنني ذهبتُ إليه استفتيتُه في طلاق زوجتي لأنني قلت لها وهي على السُّلم: أنت طالق إنْ نزلتِ، وطالق إنْ صعدت، فقال له أبو حنيفة: قُلْ لها تُلقي بنفسها من على السُّلم.





المهم ذهب صاحبنا إلى أبي حنيفة وقال له: لقد وضعتُ مالاً في مكان كذا، ونسيتُ موضعه، فماذا أفعل؟ قال أبو حنيفة: ليس في هذا علم، لكنّي سأحتال لك: إذا جاء الليل اذهب وصَلِّ لله ركعتين لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه أمر يُهرع إلى الصلاة.
وفعلاً ذهب الرجل، وهو في صلاته جاءه الشيطان يُوسوس إليه بمكان المال حتى ذكَّره به، وفي الصباح قابل الرجلُ أبا حنيفة وقصَّ عليه ما حدث، فضحك أبو حنيفة وقال: والله لقد علمتُ أنه لنْ يدعم تُتم ليلتك مع ربك، فهلا أتممتها شُكراً لله؟ قال: سأفعل إن شاء الله.


(وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ )٣٧-الزخرف

هؤلاء القرناء قرناء السوء { لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ } [الزخرف: 37] يعني: يصرفونهم ويمنعونهم عن الحق وعن الطريق المستقيم { وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ } [الزخرف: 37].
لذلك قال في موضع آخر: { { وَيَوْمَ يَعَضُّ ٱلظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يٰلَيْتَنِي ٱتَّخَذْتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ سَبِيلاً * يَٰوَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً * لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ ٱلذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَآءَنِي وَكَانَ ٱلشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولاً } [الفرقان: 27-29].

وقرناء السوء قرناء في الدنيا فحسب، أما في الآخرة فسيكونون أعداء، يلوم كُلٌّ منهم صاحبه { { ٱلأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ ٱلْمُتَّقِينَ } [الزخرف: 67].
كذلك الشيطان سيتبرأ من أتباعه ويخذلهم في الآخرة: { { وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُوۤاْ أَنفُسَكُمْ } [إبراهيم: 22].

وقد علَّمنا ربنا سبحانه وتعالى كيف نتحصَّن من الشيطان، فقال: { { وَإِماَّ يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَٰنِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ } [الأعراف: 200].
والاستعاذة تعني طلب العون والملجأ والحفظ وأنت لا تطلب العون ولا تلجأ ولا تستجير إلا بمن هو أقوى ممن يريد أن ينالك بشر. ومعلوم أن الشيطان له من خفة الحركة، وقدرة التغلغل، ووسائل التسلل الكثير؛ لذلك فينبغي ألا تستعيذ بمثله أو بمن هو دونه، ولكنك تستعيذ بخالق الإنس والجن وجميع المخلوقات، وهو القادر على أن يعطل فاعلية الشيطان. وسبحانه سميع عليم، والسمع له متعلق، والعلم له متعلق، فحين تستحضر معنى الاستعاذة وأنت مشحون بالإيمان وتلجأ إلى من خلقك. وخلق ذلك الشيطان؛ عندئذ لا بد أن يهرب الشيطان من طريقك لأنه يعلم أنك تلجأ إلى الخالق القوي القادر وهو ليست له قوة على خالقه، وسبحانه سميع لقولك: "أعوذ بالله"، عليم بما في نفسك من معنى هذه الكلمة.
وإذا كان الحق تبارك وتعالى هنا قد تكلم عن حضرة النبي عليه الصلاة والسلام، وقال: { وَإِماَّ يَنَزَغَنَّكَ }.
أي أن الشيطان بعيد، وهو يحاول مجرد النزغ، فماذا عن أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم إزاء هذا؟

التفاسير العظيمة

(وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً )(وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً )(وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً )(وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً )

قد ورد في الاستعاذة من الشيطان عدة صيغ، وكلها مشروعة، لا فرق بينها في أصل المشروعية، وأشهر الألفاظ: قول: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم".
ويدل عليه حديث سُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ، قَالَ: اسْتَبَّ رَجُلاَنِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَحْنُ عِنْدَهُ جُلُوسٌ، وَأَحَدُهُمَا يَسُبُّ صَاحِبَهُ مُغْضَبًا، قَدِ احْمَرَّ وَجْهُهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً، لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ، لَوْ قَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ".متفق عليه.
قال القرطبي في تفسيره: "أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ"، وَهَذَا اللَّفْظُ هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنَ العلماء في التعوذ؛ لأنه لَفْظُ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى .. اهــ. ومثله قول ابن عطية في المحرر الوجيز: وأما لفظ الاستعاذة، فالذي عليه جمهور الناس هو لفظ كتاب الله تعالى: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم».

ومن الألفاظ الواردة في الاستعاذة: ما جاء في حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ، كَبَّرَ، ثُمَّ يَقُولُ: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ، وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرَكَ»، ثُمَّ يَقُولُ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» ثَلَاثًا، ثُمَّ يَقُولُ: «اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا» ثَلَاثًا، «أَعُوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ مِنْ هَمْزِهِ، وَنَفْخِهِ، وَنَفْثِهِ». رواه أبو داود، والترمذي، وغيرهما.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في شرح العمدة: وكيف ما استعاذ بما روي، فقد أحسن, مثل أن يقول: «أَعُوذُ بِاللهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ, مِنْ هَمْزِهِ، وَنَفْخِهِ، وَنَفْثِهِ» وهمزه: الموتة, وهي الصرع. ونفخه: الكبر، والخيلاء. ونفثه: الشعر، والأغاني الكاذبة. اهــ. وقال النووي في المجموع: قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ، وَأَصْحَابُنَا: يَحْصُلُ التَّعَوُّذُ بِكُلِّ مَا اشْتَمَلَ عَلَى الِاسْتِعَاذَةِ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ، لَكِنَّ أَفْضَلَهُ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ. اهــ. وقال ابن قدامة في المغني: وَصِفَةُ الِاسْتِعَاذَةِ: أَنْ يَقُولَ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل:98]، وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَقُولُ؛ أَعُوذُ بِاَللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ؛ لِخَبَرِ أَبِي سَعِيدٍ، وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [فصلت:36]، وَهَذَا مُتَضَمِّنٌ لَزِيَادَةٍ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ عَنْهُ: أَنَّهُ يَزِيدُ بَعْدَ ذَلِكَ: إنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. وَهَذَا كُلُّهُ وَاسِعٌ، وَكَيْفَمَا اسْتَعَاذَ، فَهُوَ حَسَنٌ. اهــ.

اسلام ويب




أدوات الموضوع


قد تكوني مهتمة بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى
(مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ) امانى يسرى المنتدي الاسلامي العام
(إِنَّ هَذَآ أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِي نَعْجَةٌ وَاحِدَة امانى يسرى القرآن الكريم
التسبيح ، تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنّ أم أمة الله العقيدة الإسلامية
فوائد هامة للشيخ ابن تيمية ،فوائد من المجلد العاشر من فتاوى شيخ الإسلام ابن أم أمة الله المنتدي الاسلامي العام
أمنيات الأحياء وأمنيات الموتي بحلم بالفرحة المنتدي الاسلامي العام


الساعة الآن 07:36 AM


جميع المشاركات تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع


التسجيل بواسطة حسابك بمواقع التواصل