{إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمُسْتَقَرُّ} (القيامة:12)
أي: المرجع والمصير إلى الله لا إلى غيره
روى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَاشِرَ عَشَرَةٍ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، مَنْ أَكْيَسُ النَّاسِ، وَأَحْزَمُ النَّاسِ؟
قَالَ: «أَكْثَرُهُمْ ذِكْرَاً لِلْمَوْتِ، وَأَشَدُّهُمُ اسْتِعْدَادَاً لِلْمَوْتِ قَبْلَ نُزُولِ المَوْتِ، أُولَئِكَ هُمُ الْأَكْيَاسُ، ذَهَبُوا بِشَرَفِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ».
العَبْدُ المُؤْمِنُ يَعْلَمُ عِلْمَ اليَقِينِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ اللِّقَاءِ مَعَ اللهِ تعالى رَبِّ العَالَمِينَ، قَالَ تعالى: ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى * إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحَاً فَمُلَاقِيهِ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ المَسَاقُ﴾.
المَرْجِعُ وَالمَآلُ إلى اللهِ تعالى، وَالوُقُوفُ بَيْنَ يَدَيْهِ حَتْمٌ لَازِمٌ، وَسَوْفَ نُسْأَلُ عَمَّا قَدَّمْنَا وَعَمَّا أَخَّرْنَا، وَعَمَّا أَسْرَرْنَا وَعَمَّا أَعْلَنَّا.
عَلَيْنَا أَنْ نَسْتَحْضِرَ عِنْدَ جَمِيعِ أَقْوَالِنَا وَأَفْعَالِنَا وَنَوَايَانَا قَوْلَهُ تعالى: ﴿إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى﴾. حَقيقَةٌ لَا مَجَالَ لِإِنْكَارِهَا، في كُلِّ يَوْمٍ نُوَدِّعُ مِنْ أُصُولِنَا وَفُرُوعِنَا وَأَحْبَابِنَا وَأَزْوَاجِنَا إلى دَارٍ لَا عَوْدَةَ مِنْهَا إلى هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَدَّعْنَا الكَثِيرَ إلى عَالَمِ البَرْزَخِ، وَسَوْفَ نُوَدَّعُ في لَحْظَةٍ مِنَ اللَّحَظَاتِ إلى ذَلِكَ العَالَمِ، مَهْمَا طَالَ العُمُرُ فَلَا بُدَّ مِنَ الرَّجْعَةِ إلى اللهِ تعالى.
{إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمُسْتَقَرُّ} (القيامة:12)
ماأبرد هذه الآية على قلوب المبتلين ، فليس هنا تحصيل الحقوق والراحة ، وليس هنا مايستحق إفناء النفس وإرهاقها
كلنا نكره الموت لأننا لم نستشعر أن الحياة الحقيقية هي بعده لاقبلهّ .. فلابد لهذا التعب والصخب من نهاية ونهايتها ليست هنا إنما عند ربك حيث السكينة الأبدية ، لذلك كان المصلحون يعيشون بنفسية المسافر ذي الوضع المؤقت فإذا مات وصل إلى بيته واستقر .. ذلك هو بيتك الحقيقي الدائم بعد ماعانيت تعب الدنيا ووعثاء السفر
قال الإمام أحمد(يجد المؤمن راحته عند أول قدم له في الجنة) فالدنيا دار ابتلاء وشقاء ... كان بلال رضي الله عنه سعيدا بترك الدنيا ومستبشرا بالآخرة وهو يقول عند وفاته: (غدا ألقى الأحبة محمد وصحبه) نتألم لفراق الأحباب وتنفطر قلوبنا ، هذه حال الدنيا ، أما في الآخره فما أحلى اللقاء والاستقرار فيها!!.. ويالبهجة الحياة الخالدة ، والسعادة الأبدية ، والنعيم المقيم {إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمُسْتَقَرُّ}