{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون}[الذاريات :٥٦]
هذه الآية عمل بها الصالحون فطبقوها على كل لحظة من حياتهم ولم يقصروها على بعض العبادات، بل استشعروا عبوديتهم لله فراقبوه في سائر تصرفاتهم، وأخلصوا لله في سائر أعمالهم، فوضعوا أنفسهم تحت مجهر الشريعة، مستشعرين معية الله، ومشفقين من نظر الله الذي قال -سبحانه-: (مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [المجادلة:7].
كثير من الناس يظن أن العبادة مقصورة على أمهات العبادات كالصلاة والزكاة والصيام والحج، وهذا فهم عقيم لهذه الآية التي أخبر الله فيها أنه ما خلقنا إلا لعبادته، فإذا أردنا تطبيق هذه الآية تطبيقا نحوذ به على مرضاة الله وننجو به من سخط الله فعلينا أن نراقب الله في كل صغيرة وكبيرة، ونتذكر دائما قول الله -تعالى-: (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) [الانفطار:10-12].
ونتذكر قول الله -تعالى-: (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق:18]، ونتذكر قوله -تعالى-: (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ) [الطارق:4]، ونتذكر قول الله -تعالى-: (وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ) [البقرة:281].
بمقتضى هذه الآية: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) فإننا متعبدون لله في وظائفنا، ومتعبدون لله في تجارتنا، ومتعبدون لله في أسواقنا، ومتعبدون لله في حفلاتنا، ومتعبدون لله في مستشفياتنا، ومتعبدون لله في طرقنا، ومتعبدون لله في صحتنا وسقمنا، ومتعبدون لله في نومنا ويقظتنا، ومتعبدون لله في سفرنا وإقامتنا، ومتعبدون لله في سرنا وجهرنا، ومتعبدون لله في شؤوننا وخلواتنا، متعبدون لله في أسماعنا وأبصارنا وألسنتنا وقواتنا، بل -والله- متعبدون لله في حياتنا وموتنا، (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [الأنعام:162-163]
لو استشعر المسلم معنى هذه الآية: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) ما أخل بوظيفته، ولا غش في تجارته، ولا تهاون في أمانته. والله! لو استشعرنا معنى هذه الآية ما سمعنا عن الرشوة وأهلها، ولا سمعنا عن الربا وأهله، ولا سمعنا عن الغش وأهله، ولا هربنا المخدرات، وما وقعنا في المنكرات.
{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون}[الذاريات :٥٦]
خلقنا الله للعبادة ، وخُلِقت الدنيا لنا ، فلا تنشغل عما خُلقتَ له بما خُلقَ لك.
هذه الآية الكريمه هي سر وجودنا ومغزى حياتنا ، هي جواب أسئلتنا ومعنى رحلتنا في الحياة ، هنا فقط تجتمع نفوسنا المبعثرة ، وتلتئم أرواحنا الممزقة ...
هذه الآية تجعل قلوبنا تنبض ورئتانا تتنفس وخلايانا تتجدد ، ليس من أجل أن نعيش بل لنعبد الله ، لنحبه ونتذلل له.
التوحيد علم و عمل {الله الذي خلق سبع .......(لتعلموا) } {وما خلقت الجن والإنس إلا (ليعبدون)} في الأولى خلَقنا لنعلم ، وفي الثانية خلَقنا لنعبده ..
لننفض غبار الغفلة عن قلوبنا ، ونجليها برياح العلم والإيمان ونجعلها تبصر حقيقة العبادة التي تجمع أصلين :
(غاية الحب والإخلاص) مع (غاية الذل والخضوع) لله سبحانه وتعالى