وهذا كقوله تعالى: { ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير} الآية،
وقال مجاهد في تفسير هذه الآية: هو قول الإنسان لولده أو ماله إذا غضب عليه:
اللهم لا تبارك فيه والعنه، فلو يعجل لهم الاستجابة في ذلك كما يستجاب لهم في الخير لأهلكهم
تفسير بن كثير
وهذا من لطفه وإحسانه بعباده, أنه لو عجل لهم الشر, إذا أتوا بأسبابه,
وبادرهم بالعقوبة على ذلك,
كما يعجل لهم الخير إذا أتوا بأسبابه "
لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ " أي لمحقتهم العقوبة.
ولكنه تعالى, يمهلهم, ولا يهملهم, ويعفو عن كثير من حقوقه.
فلو يؤاخذ الله الناس بظلمهم, ما ترك على ظهرها من دابة.
ويدخل في هذا, أن العبد إذا غضب على أولاده, أو أهله, أو ماله,
ربما دعا عليهم دعوة, لو قبلت منه, لهلكوا, ولأضره ذلك غاية الضرر,
ولكنه تعالى, حليم حكيم.
وقوله: " فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا "
أي: لا يؤمنون بالآخرة, فلذلك لا يستعدون لها, ولا يعلمون ما ينجيهم من عذاب الله.
" فِي طُغْيَانِهِمْ " أي: باطلهم, الذي جاوزوا به الحق والحد.
" يَعْمَهُونَ " يترددون حائرين, لا يهتدون السبيل, ولا يوفقون لأقوم دليل.
وذلك عقوبة لهم على ظلمهم, وكفرهم بآيات الله.
تفسير السعدي
لماذا تتأخر إجابة الدعاء..
وهل هذا التأخير لحكمة يعلمها الله ليختبر بها ايماننا؟
الحق تبارك وتعالى يقول:
ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم
فنذر الذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون" 11 سورة يونس.
يقول الشيخ الشعراوي وهذه الآية تتناول قضية عقدية
قد تكون شُغُل الناس الشاغل في الدعاء لله تعالى،
وقد لا يُجاب دعاؤهم مع كثرة الدعاء، ويُحزنهم على أنفسهم
ويقول الواحد منهم: لماذا لا يقبل الله دعائي؟
أو يقع بعضهم في اليأس.
الدعاء قد لا يجاب.. ويكرره الانسان اكثر من مرة.. ولا يجاب.. حينئذ يحزن الداعي..
ويعتقد ان الله لا يقبل منه..
نقول له لا، أنت تدعو، مرة تدعو بالشر ومرة تدعو بالخير،
فلو أن الله سبحانه وتعالى قد أجابك في جميع الدعاء،
فسوف يجيب دعاءك في الشر ودعاءك في الخير،
ولو أن الله سبحانه وتعالى عجَّل لك دعاء الشر،
كما تحب أن يُعجَّل لك دعاء الخير، لَقُضِي إليك أجلك وانتهت المسألة، وهناك من قالوا:
(اللهم إن كان هذا هوالحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء
او ائتنا بعذاب أليم") 32 سور الأنفال.
_ولكن الله سبحانه وتعالى..
الذي يعلم أن من هؤلاء الذين دعوا هذا الدعاء ومن
أصلابهم.. سيكون هناك المؤمنون الأقوياء صادقو الإيمان الذين سينشرون رسالة هذا
الدين في الدنيا كلها.. لذلك
لم يجبهم الي دعائهم
لأنه عليم بما سيحمله من يؤمن من
هؤلاء برسالة الإسلام إلى أقصى الأرض..
إذن: فمن مصلحتك حين تدعو على نفسك أو تدعو بأي وبال ألا يجيبك الله تعالى،
وافهم أن لله تعالى حكمة في الإجابة؛ لأنه سبحانه وتعالى مُنزَّه عن أن يكون موظفاً عند الخلق،
ومَن يدعُهُ بشيء يجبه عليه،
بل لا بد من مشيئته سبحانه في تقرير لون الإجابة؛
لأنه لو كان الأمر عكس ذلك لانتقلت الألوهية للعبد.
لقد صان الحق سبحانه عباده بوضع رقابة على الدعاء؛ وأنت تعتقد أن دعاءك بالخير،
ولكن رقابة الحق سبحانه التي تعلم كل شيء أزلاً تكاد أن تقول لك: لا، ليس خيراً.
وانتظر الخير بعدم استجابة دعائك؛
ألم يقل الحق سبحانه وتعالى:
"وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم
وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون"
126 سورة البقرة.

ولذلك فالحق سبحانه وتعالي يقول( ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير)11 سورة الإسراء.
_أي أنه يدعو ويلح في الدعاء.. فيما هو شر له.. وأحيانا يستجيب الله.. فيعرف الداعي
أنه طلب شرا .. وأحيانا لا يستجيب الله للدعاء بالهلاك..
لأنه خير لمن يدعونه.. فعندما
قال الكفار لرسول الله صلي عليه وسلم أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا 92 سورة
الإسراء .
أما كان الله يريح الدنيا من هؤلاء الكفار. الذين طلبوا أن يسقط عليهم السماء
فيهلكهم.. ولكنه لم يفعلها حتي يزدادوا طغيانا.. ويضاعف لهم العذاب يوم القيامة..
ويعالج الله قضية الدعاء بالخير أو الدعاء بالشرّ،
لأن الإنسان قد يضيق ذَرْعاً بأمور تحيط بذاته
أو بال
محيط به؛ فإذا ضاق ذرعاً بأمور تحيط به في ذاته من ألم كمرض - مثلاً،
أو عاهة لا يقوى على الصبر عليها،
أو لا يقوى على تحمّلها؛ فيقول: " يا رب، أرحني يا رب " ،
وهو هنا يدعو على نفسه بالموت.
فلو أن الله سبحانه وتعالى استجاب دعاءه لَقُضيت المسألة.
ولكن الله هو الحكيم العزيز، لا يأتمر بأمر أحد من خلقه،
ولا يعجل بعَجَلة العباد، وكما يؤجل لك استجابته لدعوة الخير منك،
فهو يؤجل أيضاً إجابتك لدعوة الشرّ منك على نفسك؛ وفي ذلك رحمة منه سبحانه.
وإذا كنت تقول: أنا أدعو بالخير، والله سبحانه وتعالى لا يعطيني،
فخذ مقابلها: أنك تدعو بالشرّ على نفسك،
ولا يجيبك الله.ثم ألا يضيق الأب أحياناً ذَرْعاً بمن حوله،
فيقول: فليأخذني الله؛ لأستريح من وجوهكم؟
هَبْ أن الله سبحانه أجابه إلى هذه الدعوة، فماذا يكون الموقف؟
وقد تجد من يقول: يا رب أصبني بالعمى فلا أراهم، أو تدعو المرأة على نفسها أو على أولادها.
وأنتم تحبون أن يجيب الله تعالى دعاءكم،
فلو كان يجيبكم على دعاء الشرّ لانتهت حياتكم إلى الفزع،
مثل هذه الأم التي تدعو بالمتناقضات
فتقول لولدها - مثلاً: " ربنا يسقيني نارك " فتطلب السُّقيا بالنار،
رغم أن السُّقيا للرِّي، والنار للحرارة.
إذن: قد يضيق الإنسان ذرعاً بنفسه، أو يضيق ذرعاً بمن حوله؛ فيدعو على نفسه بالشرّ،
وحين يدعو الإنسان فيجب عليه أن ينزّه الحق سبحانه تعالى عن أن ينفذ ما يدعو العبد به
دون أن يمر الدعاء على حكمته سبحانه وتعالى