﴿ وَمِن ثَمَرَٰتِ ٱلنَّخِيلِ وَٱلْأَعْنَٰبِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا ۗ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٦٧﴾] (إن في ذلك لآية لقوم يعقلون) عن الله كمال اقتداره؛ حيث أخرجها من أشجار شبيهة بالحطب، فصارت ثمرة لذيذة، وفاكهة طيبة، وعلى شمول رحمته، حيث عَمَّ بها عباده، ويسَّرها لهم. السعدي:444.
﴿ وَإِنَّ لَكُمْ فِى ٱلْأَنْعَٰمِ لَعِبْرَةً ۖ نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِى بُطُونِهِۦ مِنۢ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَآئِغًا لِّلشَّٰرِبِينَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٦٦﴾] فهل هذه إلا قدرة إلهية لا أمور طبيعية؛ فأي شيءٍ في الطبيعة يقلب العلف الذي تأكله البهيمة، والشراب الذي تشربه من الماء العذب والملح لبناً خالصاً سائغاً للشاربين. السعدي:444.
﴿ وَإِنَّ لَكُمْ فِى ٱلْأَنْعَٰمِ لَعِبْرَةً ﴾ [سورة النحل آية:﴿٦٦﴾] قال أبو بكر الوراق: العبرة في الأنعام تسخيرها لأربابها، وطاعتها لهم، وتمردك على ربك، وخلافك له في كل شيء، ومن أعظم العبر بريء يحمل مذنباً. القرطبي:12/350.
﴿ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَٰتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٧٩﴾] لأنهم المنتفعون بآيات الله، المتفكرون فيما جعلت آيةً عليه، وأما غيرهم فإن نظرهم نظر لهو وغفلة. السعدي:445.
﴿ أَلَمْ يَرَوْا۟ إِلَى ٱلطَّيْرِ مُسَخَّرَٰتٍ فِى جَوِّ ٱلسَّمَآءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا ٱللَّهُ ۗ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَٰتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٧٩﴾] وجمع الآيات لأن في الطير دلائل مختلفة من: خلقة الهواء، وخلقة أجساد الطير مناسبة للطيران في الهواء، وخلق الإلهام للطير بأن يسبح في الجو، وبأن لا يسقط إلى الأرض إلا بإرادته. ابن عاشور:14/236.
﴿ وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمْعَ وَٱلْأَبْصَٰرَ وَٱلْأَفْـِٔدَةَ ۙ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٧٨﴾] خص هذه الأعضاء الثلاثة لشرفها وفضلها، ولأنها مفتاح لكل علم؛ فلا يصل للعبد علم إلا من أحد هذه الأبواب الثلاثة. السعدي:445.
﴿ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَّمْلُوكًا لَّا يَقْدِرُ عَلَىٰ شَىْءٍ وَمَن رَّزَقْنَٰهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا ۖ هَلْ يَسْتَوُۥنَ ۚ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٧٥﴾] مثلٌ لله تعالى وللأصنام؛ فالأصنام كالعبد المملوك الذي لا يقدر على شيء، والله تعالى له الملك، وبيده الرزق ويتصرف فيه كيف يشاء، فكيف يسوي بينه وبين الأصنام؟! ابن جزي:1/432.
﴿ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَّمْلُوكًا لَّا يَقْدِرُ عَلَىٰ شَىْءٍ وَمَن رَّزَقْنَٰهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا ۖ هَلْ يَسْتَوُۥنَ ۚ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٧٥﴾] فشبّه حال أصنامهم في العجز عن رزقهم بحال مملوك لا يقدر على تصرّف في نفسه، ولا يملك مالاً. ابن عاشور:14/223.
﴿ فَلَا تَضْرِبُوا۟ لِلَّهِ ٱلْأَمْثَالَ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٧٤﴾] ووجه كون الإشراك ضرب مثل لله أنهم أثبتوا للأصنام صفات الإلهية، وشبّهوها بالخالق. ابن عاشور:14/ 223.
﴿ فَلَا تَضْرِبُوا۟ لِلَّهِ ٱلْأَمْثَالَ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٧٤﴾] أي: يعلم قبح ما تشركون وأنتم لا تعلمونه، ولو علمتموه لما جرأتم عليه؛ فهو تعليل للنهي. أو يعلم كنه الأشياء وأنتم لا تعلمونه، فدعوا رأيكم وقياسكم دون نصه. القاسمي:4/534.
﴿ وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَٰبِيلَ تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٨١﴾] لم يذكر الله البرد لأنه قد تقدم أن هذه السورة أولها في أصول النِّعَمْ، وآخرها في مكملاتها ومتمماتها، ووقاية البرد من أصول النعم -فإنه من الضرورة- وقد ذكره في أولها في قوله: (لكم فيها دفء ومنافع) [النحل: 5]. السعدي:446.
﴿ وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنۢ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ ٱلْأَنْعَٰمِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ ۙ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَآ أَثَٰثًا وَمَتَٰعًا إِلَىٰ حِينٍ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٨٠﴾] هذا من تعداد النعم التي ألهم الله إليها الإنسان؛ وهي نعمة الفكر بصنع المنازل الواقية والمرفهة، وما يشبهها من الثياب والأثاث عطفا على جملة (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا) [النحل: 78]. وكلها من الألطاف التي أعد الله لها عقل الإنسان وهيأ له وسائلها. ابن عاشور:14/236.
﴿ وَإِذَا رَءَا ٱلَّذِينَ أَشْرَكُوا۟ شُرَكَآءَهُمْ قَالُوا۟ رَبَّنَا هَٰٓؤُلَآءِ شُرَكَآؤُنَا ٱلَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا۟ مِن دُونِكَ ۖ فَأَلْقَوْا۟ إِلَيْهِمُ ٱلْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَٰذِبُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٨٦﴾] أي: نطقت بتكذيب من عبدها بأنها لم تكن آلهة، ولا أمرتهم بعبادتها، فينطق الله الأصنام حتى تظهر عند ذلك فضيحة الكفار. القرطبي:12/409.
﴿ ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا۟ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٨٤﴾] فلا يؤذن للذين كفروا في الاعتذار؛ لأن اعتذارهم بعد ما علم يقيناً بطلان ما هم عليه اعتذارٌ كاذب لا يفيدهم شيئاً. السعدي:446.
﴿ يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْكَٰفِرُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٨٣﴾] (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ): إشارة إلى ما ذكر من النعم من أول السورة إلى هنا، والضمير في (يعرفون) للكفار، وإنكارهم لنعم الله: إشراكهم به وعبادة غيره. ابن جزي:1/471.
﴿ كَذَٰلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُۥ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٨١﴾] (لَعلَّكُم) إذا ذكرتم نعمة الله ورأيتموها غامرة لكم من كل وجه (تُسْلِمُونَ) لعظمته وتنقادون لأمره، وتصرفونها في طاعة موليها ومسديها؛ فكثرة النعم من الأسباب الجالبة من العباد مزيد الشكر، والثناء بها على الله تعالى، ولكن أبى الظالمون إلا تمردا وعنادا. السعدي:446.
﴿ كَذَٰلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُۥ عَلَيْكُمْ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٨١﴾] قال قتادة في قوله تعالى: (كذلك يتم نعمته عليكم): هذه السورة تسمى سورة النِّعَم. ابن كثير:2/561.
﴿ إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلْإِحْسَٰنِ وَإِيتَآئِ ذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنكَرِ وَٱلْبَغْىِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٩٠﴾] يعني بالعدل: فعل الواجبات، وبالإحسان: المندوبات؛ وذلك في حقوق الله تعالى وفي حقوق المخلوقين. قال ابن مسعود: «هذه أجمع آية في كتاب الله تعالى». ابن جزي:1/472.
﴿ إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلْإِحْسَٰنِ وَإِيتَآئِ ذِى ٱلْقُرْبَىٰ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٩٠﴾] وخَصّ الله بالذّكر من جنس أنواع العدل والإحسان نوعاً مُهمّاً يكثر أن يغفل الناس عنه، ويتهاونوا بحقّه، أو بفضله؛ وهو: إيتاء ذي القربى؛ فقد تقرّر في نفوس الناس الاعتناء باجتلاب الأبعدِ، واتّقاء شرّه، كما تقرّر في نفوسهم الغفلة عن القريب، والاطمئنان من جانبه، وتعوّد التساهل في حقوقه. ابن عاشور:14/256.
﴿ إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلْإِحْسَٰنِ وَإِيتَآئِ ذِى ٱلْقُرْبَىٰ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٩٠﴾] يدخل في ذلك جميع الأقارب: قريبهم، وبعيدهم، لكن كل ما كان أقرب كان أحق بالبر. السعدي:447.
﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَٰبَ تِبْيَٰنًا لِّكُلِّ شَىْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٨٩﴾] (لكل شيء) يفيد العموم؛ إلا أنه عموم عرفي في دائرة ما لمثله تجيء الأديان والشّرائع من: إصلاح النفوس، وإكمال الأخلاق، وتقويم المجتمع المدنيّ، وتبيّن الحقوق، وما تتوقّف عليه الدعوة من الاستدلال على الوحدانية، وصدق الرسول ﷺ. ابن عاشور:14/253.
﴿ وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِى كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ ۖ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَىٰ هَٰٓؤُلَآءِ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٨٩﴾] وزيد في هذه الجملة أن الشهيد يكون من أنفسهم زيادة في التذكير بأن شهادة الرسل على الأمم شهادة لا مطعن لهم فيها؛ لأنها شهود من قومهم؛ لا يجد المشهود عليهم فيها مساغاً للطعن. ابن عاشور:14/250.
﴿ وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِى كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ ۖ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَىٰ هَٰٓؤُلَآءِ ۚ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٨٩﴾] هذا من كمال عدل الله تعالى؛ أن كل رسول يشهد على أمته؛ لأنه أعظم اطلاعاً من غيره على أعمال أمته، وأعدل وأشفق من أن يشهد عليهم إلا بما يستحقون. السعدي:447.
﴿ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ وَصَدُّوا۟ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ زِدْنَٰهُمْ عَذَابًا فَوْقَ ٱلْعَذَابِ بِمَا كَانُوا۟ يُفْسِدُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٨٨﴾] أي: عذاباً على كفرهم، وعذاباً على صدهم الناس عن اتباع الحق... وهذا دليل على تفاوت الكفار في عذابهم كما يتفاوت المؤمنون في منازلهم في الجنة ودرجاتهم. ابن كثير:2/562.
﴿ إِنَّهُۥ لَيْسَ لَهُۥ سُلْطَٰنٌ عَلَى ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٩٩﴾] فنَفي سلطان الشيطان مشروط بالأمرين: الإيمان، والتوكّل. ابن عاشور:14/278.
﴿ إِنَّهُۥ لَيْسَ لَهُۥ سُلْطَٰنٌ عَلَى ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٩٩﴾] قال الثوري: ليس له عليهم سلطان أن يوقعهم في ذنب لا يتوبون منه. ابن كثير:2/566.
﴿ إِنَّهُۥ لَيْسَ لَهُۥ سُلْطَٰنٌ عَلَى ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٩٩﴾] أي: ليس له عليهم سبيل، ولا يقدر على إضلالهم. ابن جزي:1/473.
﴿ فَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرْءَانَ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ مِنَ ٱلشَّيْطَٰنِ ٱلرَّجِيمِ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٩٨﴾] المعنى في الاستعاذة عند ابتداء القراءة: لئلا يلبس على القارئ قراءته، ويخلط عليه، ويمنعه من التدبر والتفكر. ابن كثير:2/566.
﴿ مَنْ عَمِلَ صَٰلِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا۟ يَعْمَلُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٩٧﴾] ربط السعادة مع إصلاح العمل. ابن تيمية:4/176.
﴿ مَنْ عَمِلَ صَٰلِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةً طَيِّبَةً ۖ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٩٧﴾] فإن الإيمان شرط في صحة الأعمال الصالحة وقبولها، بل لا تسمى أعمالاً صالحة إلا بالإيمان، والإيمان مقتضٍ لها؛ فإنه التصديق الجازم المثمر لأعمال الجوارح من الواجبات والمستحبات. السعدي:449.
﴿ مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ ۖ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ بَاقٍ ۗ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٩٦﴾] فآثروا ما يبقى على ما يفنى؛ فإن الذي عندكم -ولو كثر جداً- لا بد أن ينفد ويفنى، وما عند الله باق ببقائه، لا يفنى ولا يزول، فليس بعاقل من آثر الفاني الخسيس على الباقي النفيس... وفي هذا الحث والترغيب على الزهد في الدنيا، خصوصاً الزهد المتعين، وهو الزهد فيما يكون ضرراً على العبد. [السعدي:448-449].
﴿ أُو۟لَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ ۖ وَأُو۟لَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْغَٰفِلُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿١٠٨﴾] ثم وصفهم فقال: (أولئك الذين طبع الله على قلوبهم) أَي: عَن فَهمِ الْمَوَاعِظِ، (وسمعهم) عَن كَلامِ اللَّهِ تَعَالَى، (وأبصارهم) عَنِ النَّظَرِ فِي الآيَاتِ، (وأولئك هم الغافلون) عَمَّا يُرَادُ بِهِم. القرطبي:12/449.
﴿ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمُ ٱسْتَحَبُّوا۟ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا عَلَى ٱلْءَاخِرَةِ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلْكَٰفِرِينَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿١٠٧﴾] الله سبحانه وتعالى جعل استحباب الدنيا على الآخرة هو الأصل الموجب للخسران. ابن تيمية:4/185.
﴿ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمُ ٱسْتَحَبُّوا۟ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا عَلَى ٱلْءَاخِرَةِ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلْكَٰفِرِينَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿١٠٧﴾] فأقدموا على ما أقدموا عليه من الردة لأجل الدنيا. ابن كثير:2/568.
﴿ كَفَرَ بِٱللَّهِ مِنۢ بَعْدِ إِيمَٰنِهِۦٓ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُۥ مُطْمَئِنٌّۢ بِٱلْإِيمَٰنِ وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِٱلْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [سورة النحل آية:﴿١٠٦﴾] أجمع العلماء على أن من أكره على الكفر فاختار القتل؛ أنه أعظم أجراً عند الله ممن اختار الرخصة. القرطبي:12/444.
﴿ وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِٱلْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [سورة النحل آية:﴿١٠٦﴾] أخبر تعالى عمن كفر به بعد الإيمان والتبصر، وشرح صدره بالكفر واطمأن به؛ أنه قد غضب عليه؛ لعلمهم بالإيمان، ثم عدولهم عنه. ابن كثير:2/568.
﴿ مَن كَفَرَ بِٱللَّهِ مِنۢ بَعْدِ إِيمَٰنِهِۦٓ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُۥ مُطْمَئِنٌّۢ بِٱلْإِيمَٰنِ ﴾ [سورة النحل آية:﴿١٠٦﴾] من أكره على الكفر، وأجبر عليه وقلبه مطمئن بالإيمان راغب فيه؛ فإنه لا حرج عليه، ولا إثم. السعدي:450.
﴿ إِنَّمَا يَفْتَرِى ٱلْكَذِبَ ٱلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ ۖ وَأُو۟لَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْكَٰذِبُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿١٠٥﴾] ردّ على قولهم: (إنما أنت مفتر) [النحل: 101]؛ يعني: إنما يليق الكذب بمن لا يؤمن؛ لأنه لا يخاف الله، وأما من يؤمن بالله فلا يكذب عليه. ابن جزي:1/474.
﴿ وَلَا تَقُولُوا۟ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ ٱلْكَذِبَ هَٰذَا حَلَٰلٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا۟ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ ۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿١١٦﴾] هذه الآية مخاطبة للعرب الذين أحلوا أشياء، وحرموا أشياء؛ كالبحيرة وغيرها مما ذكر في سورة المائدة والأنعام، ثم يدخل فيها كل من قال: هذا حلال، وهذا حرام بغير علم. ابن جزي:1/476.
﴿ وَلَا تَقُولُوا۟ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ ٱلْكَذِبَ هَٰذَا حَلَٰلٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا۟ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ ۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿١١٦﴾] ويدخل في هذا كل من ابتدع بدعة ليس له فيها مستند شرعي. ابن كثير:2/570.
﴿ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةَ وَٱلدَّمَ وَلَحْمَ ٱلْخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِۦ ۖ ﴾ [سورة النحل آية:﴿١١٥﴾] فالله تعالى ما حرَّم علينا إلا الخبيثات، تفضلاً منه، وصيانة عن كل مستقذر. السعدي:451.
﴿ وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ ءَامِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَٰقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ بِمَا كَانُوا۟ يَصْنَعُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿١١٢﴾] جعلهم مثَلاً وعظة لمن يأتي بمثل ما أتوا به من إنكار نعمة الله. ابن عاشور:14/303.
﴿ وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ ءَامِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَٰقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ بِمَا كَانُوا۟ يَصْنَعُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿١١٢﴾] سماه لباساً لأنه يظهر عليهم من الهزال، وشحوبة اللون، وسوء الحال ما هو كاللباس. القرطبي:12/452.
﴿ وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ ءَامِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَٰقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ بِمَا كَانُوا۟ يَصْنَعُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿١١٢﴾] وقدم الأمن على الطمأنينة؛ إذ لا تحصل الطمأنينة بدونه، كما أن الخوف يسبّب الانزعاج، والقلق. ابن عاشور:14/305.
﴿ يَوْمَ تَأْتِى كُلُّ نَفْسٍ تُجَٰدِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿١١١﴾] (يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها): تخاصم، وتحتج عَن نَفْسِها بما أسلفت من خير وشر، مشتغلاً بها، لا تتفرغ إلى غيرها. البغوي:2/641.
﴿ وَٱصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِٱللَّهِ ۚ ﴾ [سورة النحل آية:﴿١٢٧﴾] أي: بمعونة الله وتوفيقه. البغوي:2/647.
﴿ وَجَٰدِلْهُم بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ ۚ ﴾ [سورة النحل آية:﴿١٢٥﴾] فيجادل بالتي هي أحسن، وهي الطرق التي تكون أدعى لاستجابته عقلاً ونقلاً، ومن ذلك: الاحتجاج عليه بالأدلة التي كان يعتقدها؛ فإنه أقرب إلى حصول المقصود، وأن لا تؤدي المجادلة إلى خصام أو مشاتمة تذهب بمقصودها، ولا تحصل الفائدة منها، بل يكون القصد منها هداية الخلق إلى الحق، لا المغالبة ونحوها. السعدي:452.
﴿ ٱدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ ۖ وَجَٰدِلْهُم بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِۦ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿١٢٥﴾] المراد بالسبيل هنا: الإسلام، و(الحكمة) هي الكلام الذي يظهر صوابه، و(الموعظة) هي الترغيب والترهيب، والجدال هو الردّ على المخالف. وهذه الأشياء الثلاثة يسميها أهل العلوم العقلية بالبرهان، والخطابة، والجدال. ابن جزي:1/478.
﴿ وَلَمْ يَكُ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿١٢٠﴾] نفى عنه الشرك لقصد الرد على المشركين من العرب الذين كانوا ينتمون إليه. ابن جزي:1/477.
﴿ إِنَّ إِبْرَٰهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿١٢٠﴾] (إن إبراهيم كان أمة): فيه وجهان: أحدهما: أنه كان وحده أمة من الأمم بكماله، وجمعه لصفات الخير...والآخر: أن يكون أمة بمعنى إماماً؛ كقوله: (إني جاعلك للناس إماماً) [البقرة: 124]، قال ابن مسعود: والأمة: معلم الناس الخير. ابن جزي:1/477.
﴿ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا۟ ٱلسُّوٓءَ بِجَهَٰلَةٍ ثُمَّ تَابُوا۟ مِنۢ بَعْدِ ذَٰلِكَ وَأَصْلَحُوٓا۟ إِنَّ رَبَّكَ مِنۢ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [سورة النحل آية:﴿١١٩﴾] معنى الإصلاح: الاستقامة على التوبة. البغوي:2/643.
﴿ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا۟ ٱلسُّوٓءَ بِجَهَٰلَةٍ ثُمَّ تَابُوا۟ مِنۢ بَعْدِ ذَٰلِكَ وَأَصْلَحُوٓا۟ إِنَّ رَبَّكَ مِنۢ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [سورة النحل آية:﴿١١٩﴾] أخبر تعالى تكرما وامتنانا في حق العصاة المؤمنين أن من تاب منهم إليه تاب عليه، فقال: (ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة) قال بعض السلف: كل من عصى الله فهو جاهل. ابن كثير:2/571.