أو

الدخول بواسطة حسابك بمواقع التواصل

#1

افتراضي تفسير الربع الثاني عشر والثالث عشر من سورة البقرة بأسلوب بسيط

تفسير الربع الثاني عشر والثالث عشر من سورة البقرة بأسلوب بسيط


تفسير الربع الثاني عشر من سورة البقرة بأسلوب بسيط



الآية 189:﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ﴾ وتغيُّر أحوالِها على مَدَى الشهر، وعن الحِكمة من ذلك، والأهِلّة: جمع هِلال، ﴿ قل هي مواقيتُ للناس والحَجّ ﴾: يعني: علامات يَعرفُ بها الناس أوقات عباداتِهم المُحددة بوقتٍ؛ مثل: الصيام، والحج،وأيضًا يعرفون بها أوقات معاملاتِهم؛ مثل: وقت سداد الدَّيْن، وغير ذلك، وقد خَصَّ اللهُ تعالى الحَجَّ بالذِّكر؛ لأنه يقع في أشهُر معلوماتٍ - وهي: شوّال، وذو القعدة، وعشر مِن ذي الحِجّة -، ويستغرقُ أوقاتًا كثيرة، ﴿ وليس البرُّ ﴾ ما تعوَّدتُم عليه - في الجاهلية وأوّل الإسلام - حِينَ كنتم تُحْرِمُون بالحَجّ أو العُمرة ﴿ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا ﴾، فقد كنتم تتسلقون سُور جِدَار البيتِ الحرام، وتدخلونَ مِن ظَهْر البيت، ظانِّينَ أنّ ذلك يُقَرِّبُكُم إلىالله تعالى، فهذا ليسَ من البِرِّ؛ لأنّ الله تعالى لم يشرع لكم ذلك، وَكُلّ مَن تعبّدَ للهِ بعبادةٍ لم يَشرَعْها اللهُ ولا رسولُهُ، فهو مُتعَبِّدٌ ببِدْعَة، ﴿ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى ﴾: أي: ولكنّ الخيرَ هُو فِعْلُ مَنِ اتقى اللهَ، واجتنبَ مَعَاصِيَه، ﴿ وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ﴾ المعتادة؛ لِما في ذلك مِن السهولةِ، التي هي أصْلٌ من أصول الشرع، ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾: أي:لِتفوزوا بكل ما تحبون مِن خَيرَي الدنيا والآخرة).

الآية 190: ﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّه ﴾:ِ أي: لأجل نُصرَةِ دين اللهِ تعالى عليكم أن تقاتلوا﴿ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ ﴾ من المشركين، ﴿ وَلا تَعْتَدُوا ﴾: أي: ولا ترتكبواالمَنَاهي مِن: التمثيل بِجُثَثِهم - يعني: تشويهها بعد موتها -، وقَتْلِ مَن لا يَحِلُّ قتلُهُ مِن النساءِ والصِّبيانوالشيوخ، ومَن في حُكمِهِم،والغُلول - وهو سرقة شيء مِن الغنِيمة قبلَ توزيعِها - ﴿ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ الذين يُجَاوزُونَ حُدُودَهُ، فيَستَحِلّونَ ماحَرَّم اللهُ ورسولُهُ).

الآية 191: ﴿ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ ﴾: أي: حيثُ وجدتمُوهُم، ﴿ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ ﴾: يعني مِن مَكّة، ﴿ والفتنة ﴾ وهي الشركُ بالله، وَصَدّ الناس عن الدخول في الإسلام ﴿ أشَدّ مِن الْقَتْلِ ﴾: أي:أشَدّ مِن قتلِكُم إياهم، ﴿ وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾ تعظيمًا لِحُرُماتِهِ ﴿ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ ﴾: أي:حتىيَبدؤوكُم بالقتال فيه، ﴿ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ ﴾ في المسجد الحرام﴿ فَاقْتُلُوهُمْ ﴾ فيه ﴿ كَذَلِكَ جَزَاءُ ﴾: أي:مِثل ذلكالجزاء الرادع يكون جزاء ﴿ الْكَافِرِينَ ﴾.

الآية 192: ﴿ فَإِنِ انْتَهَوْا ﴾ عَمّا هُم فيه مِن الكُفر وعن قتالِكُم عند المسجد الحرام، ودخلوا في الإيمان: ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾.

الآية 193: ﴿ وَقَاتِلُوهُمْ ﴾: أي:واستمِروا في قتال المشركين المُعتدين؛ ﴿ حَتَّى لا تَكُونَ ﴾ هناك ﴿ فِتْنَةٌ ﴾ للمسلمين عن دينهم، وحتى لا يكونَ هناك شركٌ باللهِ تعالى، ﴿ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ﴾: يعني: ويَبقى الدينُ للهِ وحده - خالصًا - لا يُعْبَدُمعه غيرُه، ﴿ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ ﴾: يعني: فالعقوبة لا تكون إلاعلى الظَّالِمِينَالمستمرين على كُفرهِم وعُدوانِهم).

الآية 194: ﴿ الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَام ﴾:ِ أي: قتالكُم للمشركين في الشهر الذي حَرَّم اللهُ القتالَ فيه، هوجزاءٌ لقتالِهم لكم في الشهر الحرام، واعلم أنّ الأشهر الحُرُم هي: رجب، وذو القَعدة، وذو الحِجَّة، والمُحَرَّم، وقد كانَ العَربُ يُحَرِّمُونَ القتالَ في هذه الأشهُر - وذلك في الجاهليةِ قبلَ الإسلام - فلما جاءَ الإسلامُ أقرَّ ذلك، بل وَعَظَّمَ المَعصِية في هذه الأشهُر، كما قال تعالى: ﴿ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ﴾ [التوبة: 36]،﴿ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ ﴾: يعني: والذي يعتدي على ما حَرَّم اللهُ من المكان والزمان، يُعاقَبُ بمثل فِعلِهِ، ومِن جِنسِ عَمَلِه، ﴿ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عليكم ﴾ ولا حرجَ عليكم في ذلك؛ لأنهم هم البادئون بالعُدوان، ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهََ ﴾ بعدم تجاوُز المُماثلة في العقوبة، ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾.

الآية 195: ﴿ وَأَنْفِقُوا ﴾ مِن أموالِكم ﴿ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾: أي: في الطرق المُوصلة إلى اللهِ تعالى، وهي كُلّ طرق الخير، مِن صدقةٍ على مسكين، أو قريب، وأعظمُ ذلك - وأوّل ما دَخَلَ في ذلك - هو الإنفاق في الجهاد في سبيل الله؛ لتقويَة المسلمين، وإضعافِ المشركين، فإنّ النفقة فيهِ جهادٌ بالمال، وهو فرضٌ كالجهادِ بالبَدَن، ﴿ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾ بترك الجهاد في سبيل الله، وعدم الإنفاقفيه، ولَمّا كانت النفقة في سبيل الله نوعًا من أنواع الإحسان، أمَرَ اللهُ تعالى بالإحسان عمومًا، فقال: ﴿ وأحسِنوا ﴾: أي:في كل أمُوركُم، ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾، والإحسانُ - كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مُسلِم -: ((أن تعبُدَ اللهَ كأنك تراه، فإنْ لم تكنْ تراهُ، فإنه يَراك))).

الآية 196: ﴿ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ﴾: يعني: وأدُّوا الحَجّ والعُمرة تامَّيْنِ، خالِصَيْن لوجهِ اللهِ تعالى،﴿ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ ﴾: يعني: فإنْ مَنَعَكُم مانعٌ عنالذهاب لإتمامِهمَا (كالعَدُوّ والمرض)، وذلكَ بعد أن نويتم الدخولَ في النُّسُك، ﴿ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ﴾: يعني: فالواجب عليكم ذَبْحُما تيَسَّرَ لكم من الإبل، أو البقر، أو الغنم، وأقل ما يُجزئ في الهَدْي شاة (يعني: ضأن أو ماعز، ذكر أو أنثى)، أو سُبع بقرة (يعني: يُشاركُ سِتَّة غيره في ثمنِها)، أو سُبع جَمَل؛ وذلك لكي تَخْرُجوا وتتحَلّلوا مِن إحرامِكُم بحَلق شعر الرأس أو تقصيره، ﴿ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ ﴾ إذا كنتم مُحصَرين - أي:مَمنُوعين -﴿ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ﴾: يعني: حتى يَذبح المُحصَرُ هَدْيَهُ في المَوضِع الذي مُنِعَ فيه مِن إتمام النُّسُك، كما نَحَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم في "الحُدَيْبيَة"، ثم حلق رأسه، وأما غير المُحصَر فلايَنحَر الهَدْي إلا في الحَرَم، وذلك في يوم العِيد، والثلاثة الأيام التي تلِي يوم العِيد، ﴿ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا ﴾: يعني: فإذا حصل الضرر، بأنْ كانَ هذا المُحصَرُ مَريضًا، ويُرجَى شفاؤهُ إذا حلقَ رأسَهُ، ﴿ أو ﴾ كانَ ﴿ به أذًى مِن رأسِهِ ﴾ مِثل الجُرُوح، والحَشَرة المعروفة بـ (القمل)، ونحو ذلك مِمَّا يجعله يحتاجُ إلىالحَلق وهو مُحْرِم، قبل أن يَنحر الهَدْي، فإنه يحلِقُ وعليه الفِديَة، وهذه الفِديَة هي: ﴿ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ ﴾: يعني: يصوم ثلاثة أيام، ﴿ أَوْ صَدَقَةٍ ﴾: يعني: أو يتصدق علىسِتة مساكين، يُعطي لِكل مسكين منهم نصفَ صاعٍ من طعام، والصَّاع: هو ما يُقَدّر بـ 2.5 كيلو جرام تقريبًا، ﴿ أَوْ نُسُكٍ ﴾: يعني: أو يذبح شَاة، ويُوَزِّعها على فقراء الحَرَم (هكذا على سبيل التخيير، وحَسَب الأيْسَر له؛ إما الصيام، أو الصدقة، أو الذبْح)، ﴿ فَإِذَا أَمِنْتُم ﴾ْ: يعني: فإذا كنتمفي أمْنٍ وصِحَّة، ولم تُمنَعُوا عن إتمام النُّسُك: ﴿ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ ﴾: يعني: فمَن استمتعَ منكم بالعمرة إلى الحج، وذلك بأن أحرَمَ بعُمرةٍ في أشهُر الحج، ثم تحَلّلَ بعد انتهاء عُمرَتِه - وذلك باستباحَة ما كانَ مُحَرَّمًا عليهبسبب الإحرام - ثم بقِيَ في مكة ينتظرُ الحَجّ، وَحَجَّ فِعلاً: ﴿ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ﴾: يعني: فعليه ذبْحُ ما تيَسَّرَ مِن الهَدْي (سواء مِن الإبل، أو البقر، أو الغنم)، ﴿ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ ﴾ هَدْيًا يذبحه:﴿ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي ﴾ أشهر﴿ الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ ﴾ إلى أهلِيكُم، ﴿ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ﴾ لا بُدَّ مِن صيامِها، ﴿ ذَلِكَ ﴾: يعني: ذلك الهَدْيُ وماترَتّبَ عليه من الصيام يكونُ﴿ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾: أي: ليسَ أهلُهُ مِن سُكَّان مَكّة، (واعلم أنّ المُقِيمِين في مَكّة لِعَمَلٍ أو تجارةٍ أو نحو ذلك، فأولئك أيضًا ليسُوا مِن حَاضِرِي المَسْجِدِ الحَرَامِ)، ﴿ وَاتَّقُوااللَّهَ ﴾ في جميع أموركم، بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، ومِن ذلكَ امتثالكم لهذه المأمورات، واجتناب هذه المَحظورات المذكورة في هذه الآية، ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ لِمَنخالفَ أمْرَه وَعَصَاه).

الآية 197: ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ ﴾: أي:وقتُ الحَج أشهرٌ معلومات، ﴿ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ ﴾: أي: فمَن أوْجَبَ على نفسِهِ الحَجّ في هذه الأشهر، وذلك بالإحرام (وهو نِيَّة الدخول في النُّسُك)، ﴿ فَلا رَفَثَ ﴾: أي: فيَحرُمُ عليه الجِمَاعُ، ومُقدِّماتهُ القولية والفِعليَّة،﴿ وَلا فُسُوقَ ﴾: يعني: ويَحرُمُ عليه الخروج عن طاعة الله تعالى بفعل المعاصي،﴿ وَلا جِدَالَ ﴾: يعني: ويَحرُمُ عليه الجدالُ الذييؤدي إلى الغضب والكراهية، كلُّ ذلك مُحَرَّمٌ ﴿ فِي الْحَجِّ ﴾؛ إذ إنّ المقصود مِن الحَجّ: الذل والانكسار لله، والتقرب إليه بما أمكنَ مِن القرُبَات، والتنزّه عن فِعل السيئات، فإنه بذلك يكونُ حَجًّا مَبرورًا، والحَجّ المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة، واعلم أنّ هذه الأشياء - وإن كانت ممنوعة في كل مكان وزمان - فإنها تكونُ أعظمَ إثمًا في الحج، ﴿ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ﴾، وهذا يتضمن غاية الحَثّ على أفعال الخير، وخصوصًا في تلك البِقاع الشريفة، فإنه ينبغي تدارُك ما أمكَنَ تداركُهُ فيها مِن صلاةٍ، وصدقةٍ، وطوافٍ، وإحسان قولِيّ وفِعلِيّ، وغير ذلك، وقد صَحّ عن النبيّ صلى اللهُ عليه وسلم أنّ الصلاة في المسجد الحرام تُعادِلُ مائة ألفِ صلاةٍ في غيره، ﴿ وَتَزَوَّدُوا ﴾: يعني: وخذوا لأنفسِكم زادًا مِن الطعام والشراب والمال لسَفر الحَج؛ فإنّ التزوّدَ فيه الاستغناءُ عن المخلوقين، والكَفّ عن سؤالِهم أموالَهُم، ﴿ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ﴾: أي: وخذوا أيضًا زادًا مِن صالِح الأعمال للدار الآخرة، فإنّ خيرَ الزادِ تقوى الله، فهذا هو الزاد الحقيقي، المستمرُّ نفعُهُ لِصَاحِبهِ في دُنياهُ وآخِرَتِه، وهو المُوصلُ لأكْمَلِ لذةٍ، وأسْعَدِ حياةٍ، وأجَلّ نعيمٍ دائِم، ﴿ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلْبَابِ ﴾.

الآية 198: ﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ ﴾: أي: أن تطلبوا رزقًا من ربكم بالربح مِن التجارةِ وغيرها في أيام الحج، ﴿ فَإِذَا أَفَضْتُمْ ﴾: أي: دفعتُم- مع الزحام - راجعينَ﴿ مِنْ عَرَفَاتٍ ﴾ وهي المكان الذي يقف فيهالحُجّاج يومَ التاسع مِن ذي الحِجَّة، ﴿ فَاذْكُرُوا اللَّهَ ﴾ بالتسبيح والتلبية والدعاء ﴿ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ﴾ وهو المُزدَلفة، ﴿ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ ﴾: أي:كما مَنَّ عليكم بالهدايةِ بعدَ الضلال، ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ ﴾: أي:مِن قبل هذا الهُدى ﴿ لَمِنَ الضَّالِّينَ ﴾: أي:كنتم في ضلالٍ لا تعرفونَ معهُ الحق).

الآية 199: ﴿ ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ ﴾: يعني: وَليَكُن اندفاعُكُم مِن مُزدَلفة، التي أفاضَ منها إبراهيمُ عليه السلام، مُخالِفينَ بذلكَمَن لا يقفُ بها مِن أهل الجاهلية،﴿ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ ﴾ مِن الخَلَل والتقصير الذي وَقَعَ منكم في عبادة الحَجّ ﴿ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ ﴾ لعبادِهِ المُستغفِرين التائبين، ﴿ رَحِيمٌ ﴾ بهم).

الآية 201: ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ﴾: أي: عافية، ورزقًا، وعِلمًا نافعًا، وعملاً صالحًا، وغير ذلك من أمور الدِّين والدنيا، ﴿ وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً ﴾: أي:الجنة، ﴿ وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾.

الآية 202: ﴿ أُوْلَئِكَ ﴾ الداعُون بهذا الدعاء ﴿ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا ﴾: أي: لهم ثوابٌ عظيم، بسبب ما كَسَبُوهُ من الأعمال الصالحة؛ ولذلك ينبغي للعبد أن يُكثِرَ مِن قول هذا الدعاء، كما كانَ يفعل النبي صلى الله عليه وسلم، ﴿ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ لا يُعجزُهُ إحصاءُ أعمالِهم، ومُحاسبتهم عليها).


تفسير الربع الثالث عشر من سورة البقرة بأسلوب بسيط


الآية 203:﴿ وَاذْكُرُوا اللَّهَ ﴾ تسبيحًا وتحمِيدًا وتهلِيلاً وتكبيرًا ﴿ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ ﴾:أي: في أيامٍ قلائِل، وهي أيام التشريق: (الحادي عشر،والثاني عشر، والثالث عشر) مِن شهر ذي الحِجَّة، التي هي: (ثانِي وثالث ورابع) أيام عِيد الأضحى)، ﴿ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ: يعني: فمَن أرادَ التعَجُّل، والخروج مِن "مِنى " - وهو المكان الذي يرمي فيه الحُجَّاج الجَمَرَات - فإذا خرج الحاجُّ منها قبل غروب شمس اليوم الثاني عشر بعد رَمْي الجِمَار ﴿ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ ﴾ بأنْباتَ بـ "مِنى" حتى يَرمي الجمار في اليوم الثالث عشر ﴿ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى ﴾ اللهَ في حجِّه، ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ بعدَ موتِكم للحِساب والجزاء).

الآية 204: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ ﴾: أي: ومِن المنافقينَ ﴿ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ ﴾ الفصيح ﴿ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾: أي: إذا تحدث في أمْرٍ من أمور الدنيا، بخِلافِ أمُور الآخرة، فإنه يَجْهَلُهَا، ﴿ وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ ﴾: يعني: يُخبرُكَ أنَّ اللهَ يعلمُ ما في قلبهِ مِن مَحَبَّة الإسلام، فيقولُ للرسول صلى الله عليه وسلم: يَعلمُ اللهُ أني مُؤمن، ويَشهَدُ اللهُ أني أحِبُّك، وهو كاذب؛ لأنَّ فِعلهُ يُخالِفُ قوْله، وفي هذا غاية الجُرأة على الله، ﴿ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ﴾: أي: وهو شديدُ العَدَاوةِ للإسلام والمسلمين).

الآية 205: (﴿ وَإِذَا تَوَلَّى ﴾: أي: وإذا خرجَ مِن عندِكَ أيها الرسول ﴿ سَعَى ﴾: أي: جَدَّ ونَشِطَ ﴿ فِي الأَرْضِ ليُفسِدَ فيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ﴾:يعني: ويُتلِف زروعَالناس، ويَقتل ماشِيَتهُم، ﴿ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ ﴾).

الآية 206:﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ واحْذرْ عقابَهُ، وكُفَّ عن الفسادِ في الأرض، ﴿ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ ﴾: يعني: لم يَقبل النصيحة، بل يَحمِلُهُ الكِبْرُ على مَزيدٍ من الآثام، ﴿ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ ﴾: أي: يَكفيهِ عذابُ جَهَنَّم، التي هي دار العاصين والمتكبرين، ﴿ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾: أي: وهي بِئسَ الفِراش والمُستقَر).

الآية 207: (﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي ﴾: أي: يبيعُ ﴿ نَفْسَهُ ﴾ بالجهادِ في سبيل الله، والتزامِ طاعتِهِ ﴿ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّه ﴾: أي: طلبًا لرضا اللهِ عنه،﴿ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾ يَرحمُ عبادَهُ المؤمنين رحمة واسعة،فيُجازيهم أحسنَ الجزاء).

الآية 208: (﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ ﴾ - وهو الإسلامِ - ﴿ كَافَّةً ﴾: أي: ادخلوافي جميع شرائع الإسلام، عاملينَ بجميع أحكامِه، ولا تتركوا منها شيئًا، ﴿ وَلاتَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ﴾: أي: ولاتتبعوا طرُقَ الشيطان فيما يَدعوكُم إليهِ من المعاصي، ﴿ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ فاحذرُوه، وأغلِقوا عليهِ أيَّ بابٍ يأتِيكُم مِنه).

الآية 209: (﴿ فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمْ الْبَيِّنَاتُ ﴾: يعني: فإن انحرفتم عن طريق الحق، مِن بعد ما جاءتكم الحُجَج الواضحة مِن القرآن والسنة، ﴿ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيز ﴾: أي: قاهِرٌ لِكُل شيءٍ، فهو سبحانهُ صاحبُ العِزَّةِ القاهرة، والسلطان العظيم، الذي دانتْ له جميعُ الأشياء، ولكنهُ معَ عِزَّتِهِ سُبحانهُ ﴿ حَكِيمٌ ﴾ في تصرفِهِ وَشَرعِهِ وتدبيره، يضعُ كُلَّ شيءٍفي مَوضِعِه المُناسِبِ له)، وفي هذا مِن الوَعيد الشديد والتخويفِ ما يُوجِبُ ترْكَ الزلل، فإنَّ العزيزَ الحكيمَ إذا عَصَاهُ العاصِي - ولم يَتُب - قهَرَهُ بقوِّتِهِ، وَعَذبَهُ بعَدلِهِ وحِكْمَتِهِ، فإنَّ مِن حِكمتِهِ سُبحانه: تعذيب العُصاةِ والكافرين.

الآية 210: (﴿ هَلْ يَنظُرُونَ ﴾: أي: ما ينتظرُ هؤلاء المعانِدونَ الكافرونَ ﴿ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ ﴾ عَزَّ وَجَلَّ يومَ القيامةِ لِيَفصِلَ بينهم بالقضاءِ العادل - إتيَانًا حقيقيًّا بذاتِهِ على الوَجْهِ اللائق بهِ سُبحانه - وليسَ كما يقولُ بعضهم بأنه يأتِي أمرُهُ فقط، ففي صحيح مُسلم أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال - وهو يتحدث عن يوم القيامة -: ((حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلاَّ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ تَعَالَى مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ، أَتَاهُمْ رَبُّ الْعَالَمِينَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في أدنَى صورةٍ مِن التي رأوهُ فيها،.... الحديث)، ﴿ في ظُلَل مِنَ الْغَمَامِ ﴾: أي: معَ ظُللٍ - وهي جَمْع ظُلَّة - مِن السَّحاب الأبيض الرقيق، ﴿ وَالْمَلائِكَةُ ﴾: أي: وستأتي الملائكةُ الكِرَام، فتحِيطُ بالخَلائق، ﴿ وَقُضِيَ الأَمْرُ ﴾: أي: وحينئذ يَقضي اللهُ تعالى فيهم أمرَهُ وقضاءَهُ، ﴿ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ ﴾: أي: ومَصِير جميعالخلائق إليهِ وَحدَهُ، فيُجازي كُلاًّ على قدْر استحقاقِه، إنْ خَيرًا فخَيرٌ، وإنْ شَرًّا فشَرٌّ).

الآية 211: (﴿ سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ المُعاندينَ لك: ﴿ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ ﴾: يعني: علاماتٍ واضحاتٍ كثيرة فيكُتُبِهِم تهدِيهِم إلى الحق، فكفروا بها كلها، وأعرضوا عنها، وحَرَّفوها عن مَوَاضِعِهَا، ﴿ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ ﴾ - وهي دِينهُ - ويَكفر بها ﴿ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ ﴾:أي: مِن بعدِ مَعرفتِها، وقيام الحُجَّةِ عليهِ بها، ﴿ فإنَّ الله شديدُ العقابِ ﴾ له).

الآية 212: (﴿ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ﴾ وما فيها من الشهوات والمَلذات الفانِيَة، ﴿ وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أي: وهؤلاء الذين اتقوْا رَبَّهُم - مِن المؤمنين - فوقَ جميع الكفاريوم القيامة، حيثُ يُدخلهم الله أعلى درجات الجنة، ويُنزلُ الكافرين أسفل دَرَكَاتالنار، ﴿ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾: أي: بغير عدد ولا حَدٍّ، وذلك لِوَاسِعِ فضلِهِ سُبحانهُ وتعالى).

الآية 213: (﴿ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾: أي: جماعة واحدة متفقين على الإيمان بالله، ثم اختلفوا في دِينِهم، ﴿ فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ ﴾: أي: الكُتب السماوية ﴿ بِالْحَقِّ ﴾ الذي اشتملت عليه ﴿ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ﴾: أي: لِيَحكُمَ النَّبِيِّونَ - بما في هذه الكتب - بين الناس فيما اختلفوا فيه، ﴿ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ ﴾: أي: في أمر محمد صلى اللهعليه وسلم وكتابه ﴿ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ ﴾: أي: إلا الذين أعطاهُمُ اللهُ الكتاب (التوراة)، وهُم اليهود، ﴿ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ﴾: أي: ظلمًا وحسدًا؛ لأنهم كانوا يَرجُون أن يكون هذا النبي مِن بني إسرائيل، وليس مِن العرب، ﴿ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ ﴾: أي:فوَفَّقَ اللهُ المؤمنين بفضلِهِ إلى تمييز الحق مِنالباطل، ومَعرفة ما اختلفوا فيه، ﴿ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾).





الآية 214: (﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ ﴾ دونَ أن تُبْتَلُوا؟ ﴿ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾: أي: ولا بُدَّ أن يُصِيبَكُم - مِن الابتلاء - مثلُ ماأصابَ المؤمنين الذين مَضوا مِن قبلِكم، فقد ﴿ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ ﴾: أي: أصابهم الفقر والأمراض، ﴿ وَزُلْزِلُوا ﴾ بأنواع المَخَاوف والابتلاءات، ﴿ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ- على سبيل الاستعجال للنصر مِن اللهِ تعالى -:﴿ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ﴾ من المؤمنين).

الآية 215: ﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَمِن أصناف أموالِهم تقرُّبًا إلى الله تعالى، وعلى مَن يُنفقون؟ ﴿ قُلْ مَا أَنفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ: أي: أنفِقوا أيَّ خيرٍ يَتيسر لكم مِن أصناف المالالحلال الطيب، ﴿ فَلِلْوَ الِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ ﴾: أي: واجعلوا نفقتكم للوالدين والأقربين مِن أهلِكم وذوي أرحامِكم،﴿ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ.

الآية 216:﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ ﴾لِمَشَقتِهِ وكثرةِ مَخَاطره - وهوَ مَكروهٌ مِن جهةالطبْع البشري الذي يُحِب الحياة ويَكرهُ الموتَ- ﴿ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ ﴾في حقيقتِه ﴿ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ إذ إنَّ الشهادة في سبيل اللهِ تتسَبَّبُ في غفران جميع الذنوب - إلا الدَّيْن وحقوق العِباد - وكذلك تتسَبَّبُ في النجاة من عذاب النار وعذاب القبر، والفوز بالجنة، ﴿ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا لِمَا فيهِ مِن الراحة أو اللذة العاجلة﴿ وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ﴾ ما هو خيرٌ لكم ﴿ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ذلك، فبادِروا إلى الجهاد في سبيلِه - وذلكَ بعد إذنٍ من وليّ الأمر (وهو حاكم البلد) - فَبِمَا أنها مَوتةٌ واحدة، فلتكُنْ للهِ جَلَّ وَعَلا؛ حتى تكونَ كلمتُهُ هي العُليا، وذلكَ بأن يُعبَدَ ولا يُعبَد غيرُه، وفي هذه الآية: تَسْلِيَة وتصبيرٌ لِكُلِّ مَن كانَ يَظنُّ أنَّ الخيرَ في أمرٍ ما، ثم لم يتحقق له ذلك الأمر، فإنه لا بد أن يَعلمَ أنَّ الإنسانَ جاهِلٌ بما فيه الخير والمَصلحة؛ لأنه لا يَعلمُ الغيبَ، فعليه أن يُفوِّضَ أمرَهُ كُلهُ للهِ تعالى، الذي يعلمُ الغيبَ وحدهُ، والذي يعلمُ أينَ الخير؛ ولذلك قال تعالى بعدها: (﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ﴾).

الآية 217: (﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنْ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ﴾: يعني: هل يَحِلُّ القتال فيه؟ ﴿ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ﴾: أي: عظيمٌ - في حُرمَتِهِ - عند اللهِ تعالى، ﴿ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾: أي: واعلموا أنَّمَنْعَكُمُالناسَ - بالتعذيب والتخويف - مِن دخول الإسلام، الذي هو سبيلُ اللهِ تعالى، ﴿ وَكُفْرٌبِهِ ﴾: أي: وأنَّ جُحُودَكُم باللهِ وبرسولِه وبدينِه، ﴿ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾: أي: وَأنَّ صَدَّكُمُ الناسَ عن دخول المسجد الحرام، ﴿ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ: ﴾ أي: وأنَّ إخراجَ النبي صلى الله عليه وسلم والمهاجرين منه - وهُم أهله وأولياؤه -، كُلُّ ذلك ﴿ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ ﴾ ذنبًا، وأعظمُ جُرمًا مِن القتال في الشهرالحرام، ﴿ وَالْفِتْنَةُ ﴾ وهي الشِرك الذي أنتم فيه ﴿ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ﴾ في الشهر الحرام، ﴿ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ﴾ تحقيقَ ذلك،﴿ وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِوَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾).

الآية 218: (﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ باللهِ ورسولِهِ وعَمِلوا بشرْعِهِ، ﴿ وَالَّذِينَ هَاجَرُوا ﴾ وتركوا ديارَهُم ﴿ وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ ﴾، ولا يَرجُونَ أعمالهم؛ لأنهم يعلمونَ أنه مهما عَظُمَت أعمالُهُم، فإنها لا تعْظُمُ على العظيمِ جَلَّ جلالُه، وأنهم لن يدخلوا الجنة بأعمالهم، إنما يدخلونها - فقط - برحمةِ اللهِ تعالى لهم، وفي هذا إرشادٌ إلى عدم رؤية العمل، وعدم الإعجاب والاغترار به، فهوَ لا يدري: هل قُبِلَ العملُ منه أو لا؟ ولذلك ينبغي لِلعبدِ أن يَعملَ العمل، ثم يرجو رحمة ربه، فيقولُ مَثلاً: (يا ربِّ، أنا أعلمُ أنَّ هذا العمل لا يَستحِقُّ أن يُعرَضَ عليكَ، فضلاً عن أن يُقبَل، ولكني أعلمُ أنك كريم، فاقبلهُ يا ربِّ رَحمَةً مِنكَ وَفَضْلاً)، ﴿ وَاللَّهُ غَفُورٌ ﴾ لِذنوب عِبادهِ المؤمنينَ التائبين،﴿ رَحِيمٌ ﴾ بمَن اتَّقاهُ، كما قال تعالى: ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ﴾ [الأعراف: 156]، وقال - أيضا -: ﴿ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الأعراف: 56]، فعَلى العَبدِ أن يأخُذَ بأسباب هذه الرحمة، وذلك بأنْ يَتقي اللهَ قدرَ المُستَطاع، وألاَّ يُصِرَّ على مَعصيَتِه، وإذا وقعَ في ذنبٍ ما، فعليهِ أن يُبادِرَ بالتوبةِ، بندمٍ صادقٍ على ما فات، وبِعَزمٍ وتصميمٍ صادقٍ على عدم العودة إلى الذنوب مرة أخرى، فقد قال تعالى في وَصْفِ عبادِهِ المتقين: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [آل عمران: 135].




..........

من سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف أ.د. التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف) واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.

رامى حنفى محمود
شبكة الألوكه الشرعية



تفسير الربع الثاني عشر والثالث عشر من سورة البقرة بأسلوب بسيط




#2

افتراضي رد: تفسير الربع الثاني عشر والثالث عشر من سورة البقرة بأسلوب بسيط


رد: تفسير الربع الثاني عشر والثالث عشر من سورة البقرة بأسلوب بسيط

إظهار التوقيع
توقيع : حياه الروح 5
#3

افتراضي رد: تفسير الربع الثاني عشر والثالث عشر من سورة البقرة بأسلوب بسيط

بارك الله فيك

#4

افتراضي رد: تفسير الربع الثاني عشر والثالث عشر من سورة البقرة بأسلوب بسيط

جزاكِ الله خيرا

إظهار التوقيع
توقيع : أم أمة الله
#5

افتراضي رد: تفسير الربع الثاني عشر والثالث عشر من سورة البقرة بأسلوب بسيط

حفظك الله من كل شر ، وابعد عنك كل هم ، ورضى عنك وارضاك ، واسعدك ، وازال عنك كل هم



قد تكوني مهتمة بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى
تفسير الربع الرابع والخامس من سورة البقرة بأسلوب بسيط امانى يسرى القرآن الكريم
القران الكريم كاملاً بصوت السديس .mp3 - استماع وتحميل Admin القرآن الكريم
القران الكريم كاملاً بصوت الحصري 2024 .mp3 - استماع وتحميل Admin القرآن الكريم
معجزات وفواءد سورة البقره قوت القلوب 2 المنتدي الاسلامي العام
مصحف الشيخ ماهر المعيقلي كاملاً بجودة عالية mp3 عاشقة الفردوس القرآن الكريم


الساعة الآن 02:59 PM


جميع المشاركات تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع


التسجيل بواسطة حسابك بمواقع التواصل