اتَّقُوا اللَّهَ -تَعَالَى- وَأَطِيعُوهُ، وَخُذُوا مِنْ حَرِّ الدُّنْيَا عِبْرَةً لِحَرِّ الْآخِرَةِ فِي الْمَوْقِفِ الْعَظِيمِ، وَأَعْظَمُ مِنْهُ حَرُّ نَارِ السَّعِيرِ، وَارْجُوا مِنَ اللَّهِ -تَعَالَى- أَنْ تَكُونُوا مِنَ الْقَائِلِينَ فِي الْآخِرَةِ: (إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ) [الطُّورِ: 26 - 28].
أَيُّهَا النَّاسُ: فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ ذِكْرٌ لِعَذَابِ أَهْلِ النَّارِ مُجْمَلًا وَمُفَصَّلًا؛ لِتُحَاصِرَ الْمُؤْمِنَ الْمَوَاعِظُ فَيَتَذَكَّرَ فِي كُلِّ حِينٍ، وَإِذَا غَفَلَ قَرَأَ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ فَنَبَّهَهُ إِلَى مَا يَسْتَقْبِلُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَعَمِلَ لَهُ، حَتَّى يُوَافِيَ رَبَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ.
وَفِي هَذِهِ الْأَيَّامِ حَرٌّ شَدِيدٌ، وَعَطَشٌ شَدِيدٌ، وَشَمْسٌ حَارِقَةٌ، يَتَأَذَّى مِنْ حَرَارَتِهَا وَشِدَّتِهَا مَنْ يَتَعَرَّضُ لَهَا. وَلَا يَضِيعُ لِلْمُؤْمِنِ أَجْرُ هَذَا الْأَذَى، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ خُرُوجُهُ وَتَعَرُّضُهُ لِلشَّمْسِ فِي طَاعَةٍ؛ كَالْمَشْيِ لِلْجُمَعِ وَالْجَمَاعَاتِ، وَأَدَاءِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ حُقُوقِ وَالِدَيْهِ وَأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ، وَعَمَلِهِ الَّذِي يُعِفُّهُ وَيُغْنِيهِ عَنْ غَيْرِهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ. قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ، وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ" (رَوَاهُ الشَّيْخَانِ).
وَيَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ -وَهُوَ يُعَالِجُ شِدَّةَ الْحَرِّ- أَنْ يَتَذَكَّرَ نِعَمَ اللَّهِ -تَعَالَى- عَلَيْهِ بِالثِّمَارِ الْيَانِعَةِ الَّتِي يُنْضِجُهَا الْحَرُّ فَيَتَنَعَّمُ بِهَا فِي صَيْفِهِ، وَتُخَفِّفُ عَنْهُ لَهِيبَ حَرِّهِ. وَأَهْلُ النَّارِ لَا يَجِدُونَ إِلَّا طَعَامًا مِنْ نَارٍ، وَشَرَابًا مِنْ نَارٍ، وَلِبَاسًا مِنْ نَارٍ.
وَفِي طَعَامِ أَهْلِ النَّارِ آيَاتٌ مِنَ الْقُرْآنِ يَجِبُ أَنْ يَرْهَبَ مِنْهَا قَارِئُ الْقُرْآنِ، وَيَسْتَجِيرَ بِاللَّهِ -تَعَالَى- مِنَ النَّارِ.
وَمِنْ أَشْهَرِ أَطْعِمَةِ أَهْلِ النَّارِ -أَجَارَنَا اللَّهُ -تَعَالَى- مِنْهَا وَوَالِدِينَا وَالْمُسْلِمِينَ- الزَّقُّومُ، وَهُوَ طَعَامٌ خَبِيثٌ مُنْتِنٌ كَرِيهٌ يَغْلِي نَارًا فَيَحْرِقُ جَوْفَ آكِلِهِ وَأَمْعَاءَهُ، وَهُوَ ثَمَرَةُ شَجَرَةٍ نَبَتَتْ فِي النَّارِ فَتَصْلَى بِهَا لِتَكُونَ طَعَامًا لِأَهْلِهَا (إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ) [الدُّخَانِ: 43 - 46]. وَلَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ -تَعَالَى- مَا أَعَدَّ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ مِنْ لَذِيذِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ قَالَ –سُبْحَانَهُ-: (أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ * إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ * إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ * طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ * فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ * ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ) [الصَّافَّاتِ: 62 - 68]. وَفِي مَقَامٍ ثَالِثٍ قَالَ سُبْحَانَهُ: (ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ * لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ * فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ * فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ * هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ) [الْوَاقِعَةِ: 51 - 56]. قَالَ قَتَادَةُ: "ذُكِرَتْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ، فَافْتَتَنَ بِهَا أَهْلُ الضَّلَالَةِ، وَقَالُوا: صَاحِبُكُمْ يُنْبِئُكُمْ أَنَّ فِي النَّارِ شَجَرَةً، وَالنَّارُ تَأْكُلُ الشَّجَرَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: (إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ) غُذِّيَتْ مِنَ النَّارِ، وَمِنْهَا خُلِقَتْ".
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: "قَالَ أَبُو جَهْلٍ لَمَّا ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَجَرَةَ الزَّقُّومِ تَخْوِيفًا لَهُمْ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، هَلْ تَدْرُونَ مَا شَجَرَةُ الزَّقُّومِ الَّتِي يُخَوِّفُكُمْ بِهَا مُحَمَّدٌ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: عَجْوَةُ يَثْرِبَ بِالزُّبْدِ، وَاللَّهِ لَئِنِ اسْتَمْكَنَّا مِنْهَا لَنَتَزَقَّمَنَّهَا تَزَقُّمًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ -تَعَالَى-: (إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ)، وَأَنْزَلَ اللَّهُ -تَعَالَى-: (وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ) الْآيَةَ.
وَمَعْنَى الْآيَةِ: إِنَّمَا أَخْبَرْنَاكَ يَا مُحَمَّدُ بِشَجَرَةِ الزَّقُّومِ اخْتِبَارًا تَخْتَبِرُ بِهِ النَّاسَ، مَنْ يُصَدِّقُ مِنْهُمْ مِمَّنْ يُكَذِّبُ؛ كَقَوْلِهِ -تَعَالَى-: (وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا) [الْإِسْرَاءِ:60].
وَيَكْشِفُ بَشَاعَةَ الزَّقُّومِ وَخُبْثَهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَوْ أَنَّ قَطْرَةً مِنَ الزَّقُّومِ قُطِرَتْ فِي الْأَرْضِ، لَأَمَرَّتْ عَلَى أَهْلِ الدُّنْيَا مَعِيشَتَهُمْ، فَكَيْفَ بِمَنْ هُوَ طَعَامُهُ، وَلَيْسَ لَهُ طَعَامٌ غَيْرُهُ؟!" (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ).
وَمِنْ طَعَامِ أَهْلِ النَّارِ: الْغِسْلِينُ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِ اللَّهِ -تَعَالَى-: (فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ * وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ * لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ) [الْحَاقَّةِ: 35 - 37]. وَهُوَ صَدِيدُ أَهْلِ النَّارِ، الَّذِي هُوَ فِي غَايَةِ الْحَرَارَةِ، وَنَتَنِ الرِّيحِ، وَقُبْحِ الطَّعْمِ وَمَرَارَتِهِ، لَا يَأْكُلُ هَذَا الطَّعَامَ الذَّمِيمَ إِلَّا الْخَاطِئُونَ الَّذِينَ أَخْطَأُوا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، وَسَلَكُوا سُبُلَ الْجَحِيمِ؛ فَلِذَلِكَ اسْتَحَقُّوا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ.
وَمِنْ طَعَامِ أَهْلِ النَّارِ: مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ -تَعَالَى- بِقَوْلِهِ: (وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا * إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا * وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا) [الْمُزَّمِّلِ: 11-13]، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: "يَنْشَبُ فِي الْحَلْقِ فَلَا يَدْخُلُ وَلَا يَخْرُجُ".
وَمِنْ طَعَامِ أَهْلِ النَّارِ: الضَّرِيعِ (لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ * لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ) [الْغَاشِيَةِ: 6- 7]، أَيْ: يُطْعَمُونَ طَعَامَ إِيلَامٍ وَتَعْذِيبٍ لَا نَفْعَ فِيهِ لَهُمْ وَلَا يَدْفَعُ عَنْهُمْ أَلَمًا، وَالْمَقْصُودُ مِنَ الطَّعَامِ أَحَدُ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَسُدَّ جُوعَ صَاحِبِهِ وَيُزِيلَ عَنْهُ أَلَمَهُ، وَإِمَّا أَنْ يَسْمَنَ بَدَنُهُ مِنَ الْهُزَالِ، وَهَذَا الطَّعَامُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ، بَلْ هُوَ طَعَامٌ فِي غَايَةِ الْمَرَارَةِ وَالنَّتَنِ وَالْخِسَّةِ. نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ.
وَالْمُعَذَّبُونَ طَبَقَاتٌ: فَمِنْهُمْ أَكَلَةُ الزَّقُّومِ، وَمِنْهُمْ أَكَلَةُ الْغِلْسِينِ، وَمِنْهُمْ أَكَلَةُ الضَّرِيعِ.
نَعُوذُ بِاللَّهِ -تَعَالَى- مِنَ النَّارِ وَمِمَّا فِيهَا مِنَ الْعَذَابِ، وَنَسْأَلُهُ سُبْحَانَهُ النَّجَاةَ مِنْهَا، اللَّهُمَّ أَجِرْنَا مِنَ النَّارِ (رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا) [الْفُرْقَانِ: 65- 66].
وَأَهْلُ النَّارِ يَطْلُبُونَ الطَّعَامَ وَلَا يَجِدُونَهُ (وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ * الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ) [الْأَعْرَافِ: 50- 51]، فَحِينَ يَبْلُغُ مِنْهُمُ الْعَذَابُ كُلَّ مَبْلَغٍ، وَحِينَ يَمَسُّهُمُ الْجُوعُ الْمُفْرِطُ وَالظَّمَأُ الْمُوجِعُ يَسْتَغِيثُونَ بِهِمْ، وَيَطْلُبُونَ إِفَاضَةَ الْمَاءِ وَالطَّعَامِ عَلَيْهِمْ. فَلَا يُجَابُ طَلَبُهُمْ، وَلَا يُخَفَّفُ عَذَابُهُمْ.
هَذَا؛ وَقَدْ كَانَ سَلَفُنَا الصَّالِحُ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ، وَيَعْتَبِرُونَ بِآيَاتِهِ، وَيَتَأَثَّرُونَ بِمَوَاعِظِهِ، فَيَظْهَرُ أَثَرُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ. وَلَرُبَّمَا مَنَعَهُمْ مِنَ الطَّعَامِ وَلَذَتِهِ تَذَكُّرُ أَطْعِمَةِ أَهْلِ النَّارِ. عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: "أُتِيَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ بِعَشَائِهِ، وَهُوَ صَائِمٌ، فَقَرَأَ: (إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا * وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا) فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي، حَتَّى رُفِعَ طَعَامُهُ وَمَا تَعَشَّى وَإِنَّهُ لَصَائِمٌ".
وَقَرَأَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ لَيْلَةً عِنْدَ إِفْطَارِهِ: (إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا * وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ) فَبَقِيَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَا يَطْعَمُ. وَقَالَ عَطَاءٌ السُّلَمِيُّ: "إِنَّنِي إِذَا ذَكَرْتُ جَهَنَّمَ مَا يُسِيغُنِي طَعَامٌ وَلَا شَرَابٌ". وَكَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ يَقُولُ: "الْخَوْفُ يَمْنَعُنِي مِنْ أَكْلِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فَلَا أَشْتَهِيهِ".
فَلْنَعْتَبِرْ -عِبَادَ اللَّهِ- بِمَا يَمُرُّ بِنَا مِنْ مَوْجَةِ حَرٍّ، وَلْنَحْتَسِبِ الْأَجْرَ فِيهَا، وَنَجْتَهِدْ فِي الطَّاعَاتِ الَّتِي تُنْجِي مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ، وَنُحَاذِرِ الْمَعَاصِي الَّتِي هِيَ سَبَبُهَا. وَإِنَّنَا إِذَا كُنَّا نُخَفِّفُ شِدَّةَ الصَّيْفِ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ، وَبِأَجْهِزَةِ التَّبْرِيدِ فِي بُيُوتِنَا، وَبِالتَّلَذُّذِ بِثِمَارِ النَّخِيلِ وَالْفَوَاكِهِ بِأَنْوَاعِهَا فَإِنَّ أَهْلَ النَّارِ يُمْنَعُونَ ذَلِكَ (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ) [سَبَأٍ: 54]، (لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا * إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا * جَزَاءً وِفَاقًا) [النَّبَأِ: 24 - 26].
وَأَهْلُ النَّارِ مُتَفَاوِتُونَ فِي الْعَذَابِ تَفَاوُتًا كَبِيرًا؛ فَيُعَذَّبُونَ بِحَسَبِ تَفَاوُتِ أَعْمَالِهِمُ الَّتِي دَخَلُوا بِهَا النَّارَ مِنَ الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ، وَالصَّدِّ عَنْ دِينِ اللَّهِ -تَعَالَى-، وَمُحَارَبَةِ أَهْلِ الْإِيمَانِ، وَكُلَّمَا كَثُرَتْ أَعْمَالُهُمُ السَّيِّئَةُ وَتَعَدَّدَتِ اشْتَدَّ عَذَابُهُمْ، وَكَانَ غَيْرُهُمْ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ أَخَفَّ عَذَابًا مِنْهُمْ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ * *وَلِكُلٍّ *دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)[الْأَحْقَافِ: 18-19]؛ "أَيْ: وَلِكُلٍّ دَرَجَةٌ فِي النَّارِ بِحَسَبِهِ"، وَقَالَ تَعَالَى بَعْدَ أَنْ عَدَّدَ جُمْلَةً مِنْ أَنْوَاعِ عَذَابِهِمْ: (جَزَاءً *وِفَاقًا)[النَّبَأِ: 26]؛ "أَيْ: جَزَيْنَاهُمْ جَزَاءً *وَافَقَ *أَعْمَالَهُمْ"، "فَلَيْسَ عِقَابُ مَنْ تَغَلَّظَ كُفْرُهُ، وَأَفْسَدَ فِي الْأَرْضِ، وَدَعَا إِلَى الْكُفْرِ، كَمَنْ لَيْسَ كَذَلِكَ"؛ كَمَا قَالَ اللَّهُ -تَعَالَى-: (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ *زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ)[النَّحْلِ: 88]، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فِي تَفْسِيرِهَا: "زِيدُوا عَقَارِبَ لَهَا أَنْيَابٌ كَالنَّخْلِ الطِّوَالِ"(صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ).
وَيَدْعُو الْأَتْبَاعُ عَلَى مَنْ أَضَلُّوهُمْ، وَهُمْ جَمِيعًا فِي النَّارِ؛ (كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ *لِكُلٍّ *ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ)[الْأَعْرَافِ: 38]؛ "أَيْ: قَدْ فَعَلْنَا ذَلِكَ وَجَازَيْنَا كُلًّا بِحَسْبِهِ".
وَدَلَّ عَلَى تَفَاوُتِهِمْ فِي الْعَذَابِ حَدِيثُ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: أَنَّهُ سَمِعَ نَبِيَّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "إِنَّ مِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلَى كَعْبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ إِلَى حُجْزَتِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ إِلَى عُنُقِهِ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ)، وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا رَجُلٌ مُنْتَعِلٌ بِنَعْلَيْنِ مِنْ نَارٍ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ مَعَ إِجْرَاءِ الْعَذَابِ، وَمِنْهُمْ مَنْ فِي النَّارِ إِلَى كَعْبَيْهِ مَعَ إِجْرَاءِ الْعَذَابِ، وَمِنْهُمْ مَنْ فِي النَّارِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ مَعَ إِجْرَاءِ الْعَذَابِ، وَمِنْهُمْ مَنْ فِي النَّارِ إِلَى أَرْنَبَتِهِ مَعَ إِجْرَاءِ الْعَذَابِ، وَمِنْهُمْ مَنْ فِي النَّارِ إِلَى صَدْرِهِ مَعَ إِجْرَاءِ الْعَذَابِ *قَدِ *اغْتُمِرَ"(رَوَاهُ أَحْمَدُ).
وَإِذَا عَمِلَ الْكَافِرُ حَسَنَاتٍ فِي الدُّنْيَا كَصِلَةِ الْأَرْحَامِ، وَبِرِّ الْوَالِدَيْنِ، وَكَفَالَةِ الْأَيْتَامِ، وَالسَّعْيِ عَلَى الْأَرَامِلِ وَالْمَسَاكِينِ، وَمُعَالَجَةِ الْمَرْضَى، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ فِي الدُّنْيَا؛ فَلَا تُقْبَلُ مِنْهُ فِي الْآخِرَةِ، وَلَنْ تَكُونَ سَبَبًا فِي تَخْفِيفِ الْعَذَابِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ أَعْمَالَهُ الطَّيِّبَةَ تَفْتَقِدُ شَرْطَ الْقَبُولِ وَهُوَ الْإِيمَانُ؛ كَمَا قَالَ اللَّهُ -تَعَالَى-: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ *افْتَدَى *بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ)[آلِ عِمْرَانَ: 91]، وَقَالَ تَعَالَى: (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ *فَقَدْ *حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[الْمَائِدَةِ: 5]، وَقَالَ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ *أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[الْأَعْرَافِ: 147]، وَقَالَ تَعَالَى: (مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ *أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ)[التَّوْبَةِ: 17]، وَقَالَ تَعَالَى: (مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ *أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ)[إِبْرَاهِيمَ: 18]، وَقَالَ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا *أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ)[النُّورِ: 39]، وَقَالَ تَعَالَى: (*وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا)[الْفُرْقَانِ: 23].
وَيُجْزَى الْكَافِرُ بِأَعْمَالِهِ الْحَسَنَةِ جَزَاءً دُنْيَوِيًّا مِنْ سَعَةِ الرِّزْقِ، وَبِرِّ الْوَلَدِ، وَحُنُوِّ الزَّوْجَةِ، وَالْعَافِيَةِ فِي الْبَدَنِ، وَالْمَدْحِ وَالثَّنَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَدَلِيلُ ذَلِكَ حَدِيثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مُؤْمِنًا حَسَنَةً يُعْطَى بِهَا فِي الدُّنْيَا، وَيُجْزَى بِهَا فِي الْآخِرَةِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتٍ مَا عَمِلَ بِهَا لِلَّهِ فِي الدُّنْيَا، حَتَّى إِذَا أَفْضَى إِلَى الْآخِرَةِ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجْزَى بِهَا"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ)، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: "قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ابْنُ جُدْعَانَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ، وَيُطْعِمُ الْمِسْكِينَ، فَهَلْ ذَاكَ نَافِعُهُ؟ قَالَ: لَا يَنْفَعُهُ، إِنَّهُ *لَمْ *يَقُلْ *يَوْمًا: رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
وَأَمَّا مَا جَاءَ مِنْ تَخْفِيفِ الْعَذَابِ عَنْ أَبِي طَالِبٍ بِشَفَاعَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَهُ؛ فَهُوَ خَاصٌّ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَبِأَبِي طَالِبٍ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنَّهُ قَالَ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ نَفَعْتَ أَبَا طَالِبٍ بِشَيْءٍ، فَإِنَّهُ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَغْضَبُ لَكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ، *وَلَوْلَا *أَنَا *لَكَانَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ"(رَوَاهُ الشَّيْخَانِ)، وَيَبْقَى عُمُومُ الْكُفَّارِ لَا شَفَاعَةَ لَهُمْ فِي تَخْفِيفِ الْعَذَابِ؛ لِبُطْلَانِ أَعْمَالِهِمْ؛ وَلِعُمُومِ قَوْلِ اللَّهِ -تَعَالَى-: (فَمَا *تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ)[الْمُدَّثِّرِ: 48]، قَالَ النَّوَوِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: "أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ الَّذِي مَاتَ عَلَى كُفْرِهِ لَا ثَوَابَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَلَا يُجَازَى فِيهَا بِشَيْءٍ مِنْ عَمَلِهِ فِي الدُّنْيَا مُتَقَرِّبًا إِلَى اللَّهِ -تَعَالَى-".
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: كَمَا يَتَفَاوَتُ عَذَابُ الْكُفَّارِ فِي النَّارِ؛ فَإِنَّ عُصَاةَ الْمُوَحِّدِينَ -وَهُمْ أَهْلُ الْكَبَائِرِ- إِذَا دَخَلُوا النَّارَ يَتَفَاوَتُونَ فِيهَا؛ فَأَمَّا أَهْلُ الصَّغَائِرِ فَتُغْفَرُ لَهُمْ صَغَائِرُهُمْ بِاجْتِنَابِهِمُ الْكَبَائِرَ، وَبِأَعْمَالِهِمُ الصَّالِحَةِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ -تَعَالَى-: (إِنْ *تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا)[النِّسَاءِ: 31].
وَعُصَاةُ الْمُوَحِّدِينَ عَلَى أَقْسَامٍ ثَلَاثَةٍ: فَقِسْمٌ مِنْهُمْ رَجَحَتْ حَسَنَاتُهُمْ عَلَى سَيِّئَاتِهِمْ؛ فَلَا يَدْخُلُونَ النَّارَ، بَلْ يَصِيرُونَ إِلَى الْجَنَّةِ بِرَحْمَةِ اللَّهِ -تَعَالَى-، وَقِسْمٌ تَسَاوَتْ حَسَنَاتُهُمْ مَعَ سَيِّئَاتِهِمْ، وَهُمْ أَهْلُ الْأَعْرَافِ، فَيُحْبَسُونَ فِي قَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، ثُمَّ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِرَحْمَةِ اللَّهِ -تَعَالَى-، وَقِسْمٌ رَجَحَتْ سَيِّئَاتُهُمْ عَلَى حَسَنَاتِهِمْ، فَهُمْ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْجُو مِنَ النَّارِ بِشَفَاعَةِ الشُّفَعَاءِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَدْخُلُهَا لِيُطَهَّرَ مِنْ ذُنُوبِهِ،
وَالْمُعَذَّبُونَ فِي النَّارِ مِنْ عُصَاةِ الْمُوَحِّدِينَ عَلَى أَقْسَامٍ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ يُخْرَجُ مِنْهَا قَبْلَ اسْتِكْمَالِ عَذَابِهِ، إِمَّا بِرَحْمَةِ اللَّهِ -تَعَالَى- وَعَفْوِهِ -سُبْحَانَهُ-، وَإِمَّا بِشَفَاعَةِ الشُّفَعَاءِ، وَقَبُولِ اللَّهِ -تَعَالَى- شَفَاعَتَهُمْ فِيهِمْ رَحْمَةً مِنْهُ -سُبْحَانَهُ-، وَكَرَامَةً لِلشُّفَعَاءِ مِنَ الرُّسُلِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالصَّالِحِينَ، وَمِنْهُمْ أُنَاسٌ يَبْقَوْنَ فِي النَّارِ إِلَى اسْتِكْمَالِ عُقُوبَتِهِمْ، ثُمَّ يُخْرَجُونَ مِنْهَا بِرَحْمَةِ اللَّهِ -تَعَالَى-، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُوتُونَ فِي النَّارِ، فَيُخْرَجُونَ مِنْهَا وَيُحْيِيهِمُ اللَّهُ -تَعَالَى- لِدُخُولِ الْجَنَّةِ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَمَّا أَهْلُ النَّارِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُهَا فَإِنَّهُمْ لَا يَمُوتُونَ فِيهَا وَلَا يَحْيَوْنَ، وَلَكِنْ نَاسٌ أَصَابَتْهُمُ النَّارُ بِذُنُوبِهِمْ، فَأَمَاتَهُمْ إِمَاتَةً، حَتَّى إِذَا كَانُوا فَحْمًا أُذِنَ بِالشَّفَاعَةِ، فَجِيءَ بِهِمْ *ضَبَائِرَ *ضَبَائِرَ، فَبُثُّوا عَلَى أَنْهَارِ الْجَنَّةِ، ثُمَّ قِيلَ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، أَفِيضُوا عَلَيْهِمْ، فَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الْحِبَّةِ تَكُونُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
وَالْمُؤْمِنُ إِذَا ذُكِّرَ تَذَكَّرَ، وَإِذَا وُعِظَ اتَّعَظَ، وَتَرْدَعُهُ آيَاتُ الْوَعِيدِ وَالتَّرْهِيبِ عَنْ غَيِّهِ، وَتَرُدُّهُ عَنْ عِصْيَانِهِ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ مِنَ الْمُتَفَكِّرِينَ الْمُتَدَبِّرِينَ، فَيَتَفَكَّرُ فِي حَرِّ الصَّيْفِ وَشَمْسِهِ اللَّاهِبَةِ لِحَرِّ نَارِ جَهَنَّمَ، وَيَتَدَبَّرُ آيَاتِ وَصْفِ النَّارِ فِي الْقُرْآنِ؛ لِيَفِرَّ مِنَ النَّارِ، فَمَنْ لَهُ طَاقَةٌ عَلَى عَذَابِ النَّارِ؟! نَعُوذُ بِاللَّهِ -تَعَالَى- مِنْهَا.
الشيخ د إبراهيم بن محمد الحقيل
ملتقى الخطباء