﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَٰكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَٰكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَٰٓئِكَةِ ٱسْجُدُوا۟ لِءَادَمَ فَسَجَدُوٓا۟ إِلَّآ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ ٱلسَّٰجِدِينَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿١١﴾] ينبه تعالى بني آدم في هذا المقام على شرف أبيهم آدم، ويبين لهم عداوة عدوهم إبليس، وما هو منطوٍ عليه من الحسد لهم ولأبيهم؛ ليحذروه، ولا يتبعوا طرائقه. ابن كثير:2/193.
﴿ وَٱلْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ ٱلْحَقُّ ۚ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَٰزِينُهُۥ فَأُو۟لَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٨﴾] فإن قلت: أليس الله -عز وجل- يعلم مقادير أعمال العباد؟ فما الحكمة في وزنها؟ قلت: فيه حكم، منها: إظهار العدل، وأن الله -عز وجل- لا يظلم عباده... ومنها: تعريف العباد ما لهم من خير وشر، وحسنة وسيئة. القاسمي:1/297.
﴿ فَلَنَسْـَٔلَنَّ ٱلَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْـَٔلَنَّ ٱلْمُرْسَلِينَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٦﴾] اتفق أهل العلم -أهل الكتاب والسنة- على أن كل شخص سوى الرسول فإنه يؤخذ من قوله ويترك، إلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإنه يجب تصديقه في كل ما أخبر، وطاعته في كل ما أمر؛ فإنه المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، وهو الذي يسأل الناس عنه يوم القيامة؛ كما قال تعالى: (فلنسألن الذين أُرسِل إليهم ولنسألن المرسلين). ابن تيمية:3/137.
﴿ فَمَا كَانَ دَعْوَىٰهُمْ إِذْ جَآءَهُم بَأْسُنَآ إِلَّآ أَن قَالُوٓا۟ إِنَّا كُنَّا ظَٰلِمِينَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٥﴾] وإنما جعل تكذيبهم ظلما لأنه تكذيب ما قامت الأدلة على صدقه، فتكذيبه ظلم للأدلة. ابن عاشور:8/32.
﴿ وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَٰهَا فَجَآءَهَا بَأْسُنَا بَيَٰتًا أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٤﴾] أي: فكان منهم من جاءه أمر الله وبأسه ونقمته (بياتاً) أي: ليلاً، (أو هم قائلون): من القيلولة؛ وهي الاستراحة وسط النهار. وكلا الوقتين وقت غفلة ولهو. ابن كثير:2/192.
﴿ ٱتَّبِعُوا۟ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا۟ مِن دُونِهِۦٓ أَوْلِيَآءَ ۗ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿١﴾] ودلت الآية على ترك اتباع الآراء مع وجود النص. القرطبي:9/151.
﴿ الٓمٓصٓ ﴿١﴾ كِتَٰبٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُن فِى صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِۦ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِي ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿١﴾] الحروف المقطعة في أوائل السور أعقبت بذكر القرآن، أو الوحي، أو ما في معنى ذلك؛ وذلك يرجح أن المقصود من هذه الحروف التهجي، إبلاغا في التحدي للعرب بالعجز عن الإتيان بمثل القرآن. ابن عاشور:8/10.
﴿ فَوَسْوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيْطَٰنُ لِيُبْدِىَ لَهُمَا مَا وُۥرِىَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَٰتِهِمَا ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٢٠﴾] (من سوءاتهما): من عوراتهما، وسمي الفرج عورة لأن إظهاره يسوء صاحبه، ودل هذا على قبح كشفها. القرطبي:9/175.
﴿ ثُمَّ لَءَاتِيَنَّهُم مِّنۢ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَٰنِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ ۖ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَٰكِرِينَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿١٧﴾] قال ابن عباس وعكرمة في قوله تعالى عن إبليس: (ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين) قال: ولم يقل من فوقهم لأنه علم أن الله من فوقهم. ابن تيمية:3/140.
﴿ فَٱخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ ٱلصَّٰغِرِينَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿١٣﴾] (فاخرج إنك من الصاغرين) أي: الذليلين الحقيرين؛ معاملة له بنقيض قصده، مكافأة لمراده بضده. ابن كثير:2/195.
﴿ قَالَ فَٱهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَٱخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ ٱلصَّٰغِرِينَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿١٣﴾] (فما يكون لك أن تتكبر فيها): لأن أهلها الملائكة المتواضعون، (فاخرج إنك من الصاغرين) أي: الأذلين، ودل هذا على أن من عصى مولاه فهو ذليل. القرطبي:9/169.
﴿ خَلَقْتَنِى مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُۥ مِن طِينٍ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿١٢﴾] كَذب في تفضيل مادة النار على مادة الطين والتراب؛ فإن مادة الطين فيها الخشوع والسكون والرزانة، ومنها تظهر بركات الأرض من الأشجار وأنواع النبات على اختلاف أجناسه وأنواعه، وأما النار ففيها الخفة والطيش والإحراق. السعدي:284.
﴿ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا۠ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِى مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُۥ مِن طِينٍ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿١٢﴾] حجة إبليس في قوله: (أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين) هي باطلة؛ لأنه عارض النص بالقياس. ابن تيمية:3/183.
﴿ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا۠ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِى مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُۥ مِن طِينٍ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿١٢﴾] (قال أنا خير منه): تعليلٌ علَّلَ به إبليس امتناعه من السجود، وهو يقتضي الاعتراض على الله تعالى في أمره بسجود الفاضل للمفضول على زعمه، وبهذا الاعتراض كفر إبليس؛ إذ ليس كفره كفر جحود. ابن جزي:1/297.
﴿ ُ ۗ إِنَّهُمُ ٱتَّخَذُوا۟ ٱلشَّيَٰطِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٣٠﴾] وفيه دليل على أن الهـدايـة بفضـل الله ومنِّه، وأن الضـلالة بخـذلانه للعبـد إذا تــولى-بجهله وظلمه- الشيطان، وتسبب لنفسه بالضلال، وأن من حسب أنه مهتد وهو ضال أنه لا عذر له. السعدي:287.
﴿ إِنَّا جَعَلْنَا ٱلشَّيَٰطِينَ أَوْلِيَآءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٢٧﴾] أي: زيادة في عقوبتهم، وسوينا بينهم في الذهاب عن الحق. القرطبي:9/393.
﴿ إِنَّهُۥ يَرَىٰكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُۥ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ۗ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٢٧﴾] قال مالك بن دينار: إن عدواً يراك ولا تراه لشديد الخصومة والمؤنة، إلا من عصم الله. البغوي:2/97.
﴿ وَلِبَاسُ ٱلتَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ۚ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٢٦﴾] خير من اللباس الحسي؛ فإن لباس التقوى يستمر مع العبد، ولا يبلى، ولا يبيد، وهو جمال القلب والروح، وأما اللباس الظاهري فغايته أن يستر العورة الظاهرة في وقت من الأوقات، أو يكون جمالاً للإنسان، وليس وراء ذلك منه نفع. السعدي:286.
﴿ قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَٰسِرِينَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٢٣﴾] من أشبه آدم بالاعتراف، وسؤال المغفرة، والندم، والإقلاع إذا صدرت منه الذنوب: اجتباه الله وهداه. ومن أشبه إبليس إذا صدر منه الذنب، ولا يزال يزداد من المعاصي، فإنه لا يزداد من الله إلا بعداً. السعدي:285.
﴿ قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَٰسِرِينَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٢٣﴾] فالمغفرة إزالة السيئات والرحمة إنزال الخيرات. ابن تيمية:3/142.
﴿ قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَٰسِرِينَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٢٣﴾] قال بعض الشيوخ: اثنان أذنبا ذنبا: آدم وإبليس؛ فآدم تاب فتاب الله عليه، واجتباه وهداه، وإبليس أصر واحتج بالقدر، فمن تاب من ذنبه أشبه أباه آدم، ومن أصر واحتج بالقدر أشبه إبليس. ابن تيمية:3/142.
﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّىَ ٱلْفَوَٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٣٣﴾] القبح والحسن في المعاني إنما يتلقى من جهة الشرع، والفاحش كذلك؛ فقوله هنا: (الْفَواحِشَ) إنما هي إشارة إلى ما نص الشرع على تحريمه في مواضع أخر؛ فكل ما حرمه الشرع فهو فاحش وإن كان العقل لا ينكره؛ كلباس الحرير والذهب للرجال ونحوه. ابن عطية:2/395.
﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّىَ ٱلْفَوَٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَٱلْإِثْمَ وَٱلْبَغْىَ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا۟ بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِۦ سُلْطَٰنًا وَأَن تَقُولُوا۟ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٣٣﴾] أصول المحرمات التي قال الله فيها: (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) مما اتفقت عليه شرائع الأنبياء. ابن تيمية:3/157.
﴿ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلْءَايَٰتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ إلى قوله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّىَ ٱلْفَوَٰحِشَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٣٢﴾] (كذلك نفصل الآيات) أي: نوضحها ونبينها، (لقوم يعلمون): لأنهم الذين ينتفعون بما فصله الله من الآيات، ويعلمون أنها من عند الله، فيعقلونها ويفهمونها. ثم ذكر المحرمات التي حرمها الله في كل شريعة من الشرائع، فقال: (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن) أي: الذنوب الكبار التي تستفحش وتستقبح لشناعتها وقبحها؛ وذلك كالزنا، واللواط، ونحوهما. السعدي:287.
﴿ قُلْ هِىَ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ ۗ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٣٢﴾] هي خالصة يوم القيامة من التنغيص والغم للمؤمنين؛ فإنها لهم في الدنيا مع التنغيص والغم. البغوي:2/100.
﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِىٓ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِۦ وَٱلطَّيِّبَٰتِ مِنَ ٱلرِّزْقِ ۚ قُلْ هِىَ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ ۗ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلْءَايَٰتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٣٢﴾] دلت الآية على لباس الرفيع من الثياب، والتجمل بها في الجمع والأعياد، وعند لقاء الناس، ومزاورة الإخوان. القرطبي:9/203.
﴿ ﴾ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِىٓ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِۦ وَٱلطَّيِّبَٰتِ مِنَ ٱلرِّزْقِ ۚ قُلْ هِىَ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ ۗ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلْءَايَٰتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٣٢﴾] هذا التوسيع من الله لعباده بالطيبات جعله لهم ليستعينوا به على عبادته، فلم يبحه إلا لعباده المؤمنين، ولهذا قال: (قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة) أي: لا تبعة عليهم فيها، ومفهوم الآية أن من لم يؤمن بالله، بل استعان بها على معاصيه، فإنها غير خالصة له، ولا مباحة، بل يعاقب عليها وعلى التنعم بها، ويسأل عن النعيم يوم القيامة. السعدي:287.
﴿ يَٰبَنِىٓ ءَادَمَ خُذُوا۟ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا۟ وَٱشْرَبُوا۟ وَلَا تُسْرِفُوٓا۟ ۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٣١﴾] قيل: المراد به الزينة زيادة على الستر؛ كالتجمل للجمعة بأحسن الثياب، وبالسواك والطيب، (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) أي: لا تكثروا من الأكل فوق الحاجة، وقال الأطباء: إن الطب كله مجموع في هذه الآية. ابن جزي:1/300.
﴿ وَقَالُوا۟ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى هَدَىٰنَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِىَ لَوْلَآ أَنْ هَدَىٰنَا ٱللَّهُ ۖ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٤٣﴾] الذي يعمل الحسنات، إذا عملها فنفس عمله الحسنات هو من إحسان الله، وبفضله عليه بالهداية والإيمان؛ كما قال أهل الجنة: (الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله). ابن تيمية:3/162.
﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ ٱلْأَنْهَٰرُ ۖ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٤٣﴾] يقول تعالى ذكره: وأذهبنا من صدور هؤلاء الذين وصف صفتهم، وأخبر أنهم أصحاب الجنة، ما فيها من حقد وغمر وعداوة كان من بعضهم في الدنيا على بعض، فجعلهم في الجنة إذا أدخلوها على سرر متقابلين، لا يحسد بعضهم بعضاً على شيء خص الله به بعضهم، وفضله من كرامته عليه، تجري من تحتهم أنهار الجنة. الطبري:12/437.
﴿ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَآ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٤٢﴾] (والذين آمنوا وعملوا الصالحات) أي: آمنت قلوبهم، وعملوا الصالحات بجوارحهم؛ ضد أولئك الذين كفروا بآيات الله، واستكبروا عنها. وينبه تعالى على أن الإيمان والعمل به سهل؛ لأنه تعالى قال لا نكلف نفسا إلا وسعها. ابن كثير:2/205.
﴿ لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِى ٱلظَّٰلِمِينَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٤١﴾] (لهم من جهنم مهاد) أي: فراش، (ومن فوقهم غواش) أي: لحف، وهي جمع غاشية؛ يعني: ما غشاهم وغطاهم؛ يريد إحاطة النار بهم من كل جانب. البغوي:2/103.
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَذَّبُوا۟ بِـَٔايَٰتِنَا وَٱسْتَكْبَرُوا۟ عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَٰبُ ٱلسَّمَآءِ وَلَا يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ ٱلْجَمَلُ فِى سَمِّ ٱلْخِيَاطِ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِى ٱلْمُجْرِمِينَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٤٠﴾] ومفهوم الآية أن أرواح المؤمنين المنقادين لأمر الله المصدقين بآياته تفتح لها أبواب السماء حتى تعرج إلى الله، وتصل إلى حيث أراد الله من العالم العلوي، وتبتهج بالقرب من ربها والحظوة برضوانه. السعدي:288.﴿ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَٰكِن لَّا تَعْلَمُونَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٣٨﴾] أي: لا يعلم كل فريق ما بالفريق الآخر؛ إذ لو علم بعض من في النار أن عذاب أحد فوق عذابه، لكان نوع سلوة له. القرطبي:9/222.
﴿ قَالَ ٱدْخُلُوا۟ فِىٓ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلْإِنسِ فِى ٱلنَّارِ ۖ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا ۖ حَتَّىٰٓ إِذَا ٱدَّارَكُوا۟ فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَىٰهُمْ لِأُولَىٰهُمْ رَبَّنَا هَٰٓؤُلَآءِ أَضَلُّونَا فَـَٔاتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ ٱلنَّارِ ۖ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَٰكِن لَّا تَعْلَمُونَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٣٨﴾] فيما قص الله من محاورة قادة الأمم وأتباعهم ما فيه موعظة وتحذير لقادة المسلمين من الإيقاع بأتباعهم فيما يزج بهم في الضلالة، ويحسن لهم هواهم، وموعظة لعامتهم من الاسترسال في تأييد من يشايع هواهم، ولا يبلغهم النصيحة. ابن عاشور:8/125.
﴿ وَنَادَىٰٓ أَصْحَٰبُ ٱلنَّارِ أَصْحَٰبَ ٱلْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا۟ عَلَيْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ ۚ قَالُوٓا۟ إِنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى ٱلْكَٰفِرِينَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٥٠﴾] والأشنع على الكافرين في هذه المقالة أن يكون بعضهم يرى بعضا؛ فإنه أخزى وأنكى للنفس. ابن عطية:2/406.
﴿ وَنَادَىٰٓ أَصْحَٰبُ ٱلنَّارِ أَصْحَٰبَ ٱلْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا۟ عَلَيْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ ۚ قَالُوٓا۟ إِنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى ٱلْكَٰفِرِينَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٥٠﴾] في هذه الآية دليل على أن سقي الماء من أفضل الأعمال، وقد سئل ابن عباس: أي الصدقة أفضل؟ فقــال: المـــاء؛ ألـم تـروا إلـى أهـل النـار حين استغاثوا بأهل الجنة: (أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله)... وقد قال بعض التابعين: من كثرت ذنوبه؛ فعليه بسقي الماء، وقد غفر الله ذنوب الذي سقى الكلب، فكيف بمن سقى رجلاً مؤمناً موحداً، وأحياه؟! القرطبي:9/233.
﴿ أَهَٰٓؤُلَآءِ ٱلَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ ٱللَّهُ بِرَحْمَةٍ ۚ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٤٩﴾] من كلام أصحاب الأعراف خطاباً لأهل النار، والإشارة بهؤلاء إلى أهل الجنة؛ وذلك أن الكفار كانوا في الدنيا يقسمون أن الله لا يرحم المؤمنين، ولا يعبأ بهم؛ فظهر خلاف ما قالوا. ابن جزي:1/360.
﴿ وَنَادَىٰٓ أَصْحَٰبُ ٱلْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُم بِسِيمَىٰهُمْ قَالُوا۟ مَآ أَغْنَىٰ عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٤٨﴾] (ونادى أصحاب الأعراف رجالا) كانوا عظماء في الدنيا من أهل النار، (يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم) في الدنيا من المال والولد، (وما كنتم تستكبرون) عن الإيمان. قال الكلبي: نادوهم وهم على السور: يا وليد بن المغيرة، يا أبا جهل بن هشام، يا فلان، [وهم ينظرونهم في النار]، ثم ينظرون إلى الجنة فيرون فيها الفقراء والضعفاء ممن كانوا يستهزئون بهم؛ مثل سلمان، وصهيب، وخباب، وبلال. البغوي:2/106.
﴿ وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ ۚ وَعَلَى ٱلْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّۢا بِسِيمَىٰهُمْ ۚ وَنَادَوْا۟ أَصْحَٰبَ ٱلْجَنَّةِ أَن سَلَٰمٌ عَلَيْكُمْ ۚ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُو ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٤٦﴾] بين أصحاب الجنة وأصحاب النار حجاب يقال له: (الأعراف) لا من الجنة ولا من النار، يشرف على الدارين، وينظر من عليه حال الفريقين، وعلى هذا الحجاب رجال يعرفون كلا من أهل الجنة والنار (بسيماهم) أي: علاماتهم التي بها يعرفون ويميزون، فإذا نظروا إلى أهل الجنة نادوهم: (أن سلام عليكم) أي: يحيونهم ويسلمون عليهم، وهم إلى الآن لم يدخلوا الجنة، ولكنهم يطمعون في دخولها، ولم يجعل الله الطمع في قلوبهم إلا لما يريد بهم من كرامته. السعدي:290.
﴿ وَهُم بِٱلْءَاخِرَةِ كَٰفِرُونَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٤٥﴾] وهذا الذي أوجب لهم الانحراف عن الصراط، والإقبال على شهوات النفوس المحرمة، عدم إيمانهم بالبعث، وعدم خوفهم من العقاب ورجائهم للثواب. السعدي:290.
﴿ وَنَادَىٰٓ أَصْحَٰبُ ٱلْجَنَّةِ أَصْحَٰبَ ٱلنَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا ۖ قَالُوا۟ نَعَمْ ۚ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌۢ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّٰلِمِينَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٤٤﴾] وهذا النداء من أهل الجنة لأهل النار تقريع، وتوبيخ، وزيادة في الكرب. ابن عطية:2/402.
﴿ إِنَّ رَحْمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ ٱلْمُحْسِنِينَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٥٦﴾] اختص أهل الإحسان بقرب الرحمة لأنها إحسان من الله -عز وجل- أرحم الراحمين، وإحسانه - تبارك وتعالى- إنما يكون لأهل الإحسان؛ لأن الجزاء من جنس العمل، وكلما أحسنوا بأعمالهم أحسن إليهم برحمته. ابن تيمية:15/27.
﴿ وَٱدْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ۚ إِنَّ رَحْمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ ٱلْمُحْسِنِينَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٥٦﴾] والرجاء على ثلاث درجات: الأولى: رجاء رحمة الله مع التسبب فيها بفعل طاعة وترك معصية؛ فهذا هو الرجاء المحمود، والثانية: الرجاء مع التفريط والعصيان؛ فهذا غرور، والثالثة: أن يَقوَى الرجاء حتى يبلغ الأمن؛ فهذا حرام. والناس في الرجاء على ثلاث مقامات: فمقام العامة رجاء ثواب الله، ومقام الخاصة رضوان الله، ومقام خاصة الخاصة رجاء لقاء الله حبا فيه وشوقا إليه. ابن جزي:1/360.
﴿ وَٱدْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ۚ إِنَّ رَحْمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ ٱلْمُحْسِنِينَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٥٦﴾] اعلم أن الخوف على ثلاث درجات: الأولى: أن يكون ضعيفا يخطر على القلب ولا يؤثر في الباطن ولا في الظاهر؛ فوجود هذا كالعدم، والثانية: أن يكون قويا فيوقظ العبد من الغفلة ويحمله على الاستقامة، والثالثة: أن يشتد حتى يبلغ إلى القنوط واليأس؛ وهذا لا يجوز، وخير الأمور أوسطها. والناس في الخوف على ثلاث مقامات: فخوف العامة من الذنوب، وخوف الخاصة من الخاتمة، وخوف خاصة الخاصة من السابقة، فإن الخاتمة مبنية عليها. ابن جزي:1/360.
﴿ وَلَا تُفْسِدُوا۟ فِى ٱلْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَٰحِهَا ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٥٦﴾] ومن تدبر أحوال العالم وجد كل صلاح في الأرض فسببه توحيد الله، وعبادته، وطاعة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وكل شر في العالم وفتنة وبلاء وقحط وتسليط عدو وغير ذلك فسببه مخالفة الرسول -صلى الله عليه وسلم- والدعوة إلى غير الله. ابن تيمية:3/170.
﴿ ٱدْعُوا۟ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ ﴾ [سورة الأعراف آية:﴿٥٥﴾] يقول تعالى ذكره: ادعوا أيها الناس ربكم وحده، فأخلصوا له الدعاء، دون ما تدعون من دونه من الآلهة والأصنام، (تضرعا) يقول: تذللا واستكانة لطاعته (وخفية)... لا جهارا ومراءاة، وقلوبكم غير موقنة بوحدانيته وربوبيته؛ فعل أهل النفاق والخداع لله ولرسوله. الطبري:12/485.