﴿ وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَمَا كَانُوٓا۟ أَوْلِيَآءَهُۥٓ ۚ إِنْ أَوْلِيَآؤُهُۥٓ إِلَّا ٱلْمُتَّقُونَ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٣٤﴾] قال الحسن: كان المشركون يقولون: نحن أولياء المسجد الحرام، فرد الله عليهم بقوله: (وما كانوا أولياءه) أي: أولياء البيت، (إن أولياؤه) أي: ليس أولياء البيت (إلا المتقون) يعني: المؤمنين الذين يتقون الشرك. البغوي:2/219.
﴿ أَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَٱثْبُتُوا۟ وَٱذْكُرُوا۟ ٱللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٤٥﴾] عن قتادة في هذه الآية: افترض الله ذكره عند أشغل ما يكون؛ عند الضرب بالسيوف. ابن كثير:2/302.
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَٱثْبُتُوا۟ وَٱذْكُرُوا۟ ٱللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٤٥﴾] فالصبر والثبات والإكثار من ذكر الله من أكبر الأسباب للنصر. السعدي:322.
﴿ إِذْ يُرِيكَهُمُ ٱللَّهُ فِى مَنَامِكَ قَلِيلًا ۖ وَلَوْ أَرَىٰكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَٰزَعْتُمْ فِى ٱلْأَمْرِ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٤٣﴾] وكان الله قد أرى رسوله المشركين في الرؤيا عدداً قليلاً، فبشر بذلك أصحابه؛ فاطمأنت قلوبهم، وتثبتت أفئدتهم، ولو أراكهم الله إياهم كثيراً فأخبرت بذلك أصحابك لفشلتم، ولتنازعتم في الأمر: فمنكم من يرى الإقدام على قتالهم، ومنكم من لا يرى ذلك، فوقع من الاختلاف والتنازع ما يوجب الفشل. السعدي:322.
﴿ ۚ وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لَٱخْتَلَفْتُمْ فِى ٱلْمِيعَٰدِ ۙ وَلَٰكِن لِّيَقْضِىَ ٱللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنۢ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَىَّ عَنۢ بَيِّنَةٍ ۗ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٤٢﴾] (ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد) أي: لو تواعدتم مع قريش، ثم علمتم كثرتهم وقلتكم لاختلفتم ولم تجتمعوا معهم، أو: لو تواعدتم لم يتفق اجتماعكم مثل ما اتفق بتيسير الله ولطفه. (ليهلك من هلك عن بينة) أي: يموت من مات ببدر عن إعذار وإقامة الحجة عليه، ويعيش من عاش بعد البيان له. ابن جزي:1/345.
﴿ إِذْ أَنتُم بِٱلْعُدْوَةِ ٱلدُّنْيَا وَهُم بِٱلْعُدْوَةِ ٱلْقُصْوَىٰ وَٱلرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٤٢﴾] وقد أريد من هذا الظرف وما أضيف إليه تذكيرهم بحالة حرجة كان المسلمون فيها، وتنبيههم للطف عظيم حفهم من الله تعالى؛ وهي حالة موقع جيش المسلمين من جيش المشركين، وكيف التقى الجيشان في مكان واحد عن غير ميعاد، ووجد المسلمون أنفسهم أمام عدو قوي العدد والعدة والمكانة من حسن الموقع. ولولا هذا المقصد من وصف هذه الهيئة؛ لما كان من داع لهذا الإطناب؛ إذ ليس من أغراض القرآن وصف المنازل إذا لم تكن فيه عبرة. ابن عاشور:10/15-16.
﴿ وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ ٱلْفُرْقَانِ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ ۗ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٤١﴾] أي: اليوم الذي فرقت فيه بين الحق والباطل؛ وهو يوم بدر. القرطبي:10/35.
﴿ وَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَىْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُۥ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَٰمَىٰ وَٱلْمَسَٰكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٤١﴾] فالإضافة للرسول لأنه هو الذي يقسم هذه الأموال بأمر الله، ليست ملكا لأحد، وقوله صلى الله عليه وسلم: (إني والله لا أعطي أحدا، ولا أمنع أحدا، وإنما أنا قاسم؛ أضع حيث أمرت) يدل على أنه ليس بمالك للأموال، وإنما هو منفذ لأمر الله- عز و جل- فيها. ابن تيمية:3/278.
﴿ وَلَوْ تَرَىٰٓ إِذْ يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ ۙ ٱلْمَلَٰٓئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَٰرَهُمْ وَذُوقُوا۟ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٥٠﴾] هذا عند الموت: تضرب الملائكة وجوه الكفار وأدبارهم بسياط النار. البغوي:2/231.
﴿ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٤٩﴾] (ومن يتوكل على الله) أي: ومن يسلم أمره إلى الله ويثق به، (فإن الله عزيز حكيم): قوي، يفعل بأعدائه ما يشاء. البغوي:2/231.
﴿ إِنِّىٓ أَخَافُ ٱللَّهَ ۚ وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٤٧﴾] فأخبر عن الشيطان أنه يخاف الله، والعقوبة إنما تكون على ترك مأمور، أو فعل محظور. ابن تيمية:3/218.
﴿ وَلَا تَكُونُوا۟ كَٱلَّذِينَ خَرَجُوا۟ مِن دِيَٰرِهِم بَطَرًا وَرِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ۚ وَٱللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٤٧﴾] والبطر في اللغة: التقوية بنعم الله عز وجل وما ألبسه من العافية على المعاصي. القرطبي:10/42.
﴿ وَلَا تَكُونُوا۟ كَٱلَّذِينَ خَرَجُوا۟ مِن دِيَٰرِهِم بَطَرًا وَرِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٤٧﴾] فليكن قصدكم في خروجكم: وجه الله تعالى، وإعلاء دين الله، والصد عن الطرق الموصلة إلى سخط الله وعقابه، وجذب الناس إلى سبيل الله القويم الموصل لجنات النعيم. السعدي:323.
﴿ وَأَطِيعُوا۟ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَا تَنَٰزَعُوا۟ فَتَفْشَلُوا۟ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَٱصْبِرُوٓا۟ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٤٦﴾] وإنما كان التنازع مفضيا إلى الفشل لأنه يثير التغاضب، ويزيل التعاون بين القوم، ويحدث فيهم أن يتربص بعضهم ببعض الدوائر؛ فيحدث في نفوسهم الاشتغال باتقاء بعضهم بعضا، وتوقع عدم إلفاء النصير عند مآزق القتال، فيصرف الأمة عن التوجه إلى شغل واحد فيما فيه نفع جميعهم، ويصرف الجيش عن الإقدام على أعدائهم؛ فيتمكن منهم العدو. ابن عاشور:10/31.
﴿ وَأَطِيعُوا۟ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَا تَنَٰزَعُوا۟ فَتَفْشَلُوا۟ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَٱصْبِرُوٓا۟ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٤٦﴾] النهي عن التنازع... يقتضي الأمر بتحصيل أسباب ذلك: بالتفاهم والتشاور، ومراجعة بعضهم بعضا؛ حتى يصدروا عن رأي واحد، فإن تنازعوا في شيء رجعوا إلى أمرائهم؛ لقوله تعالى: (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم) [النساء:83]، وقوله: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول) [النساء: 59]. والنهي عن التنازع أعم من الأمر بالطاعة لولاة الأمور؛ لأنهم إذا نهوا عن التنازع بينهم فالتنازع مع ولي الأمر أولى بالنهي. ابن عاشور:10/30.
﴿ وَإِن جَنَحُوا۟ لِلسَّلْمِ فَٱجْنَحْ لَهَا ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٦١﴾] فإن في ذلك فوائد كثيرة، منها: أن طلب العافية مطلوب كل وقت، فإذا كانوا هم المبتدئين في ذلك كان أولى لإجابتهم، ومنها: أن في ذلك إجماماً لقواكم، واستعداداً منكم لقتالهم في وقت آخر إن احتيج لذلك، ومنها: أنكم إذا اصطلحتم وأَمِنَ بعضُكم بعضاً، وتمكن كلٌ من معرفة ما عليه الآخر، فإن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه، فكل من له عقل وبصيرة إذا كان معه إنصاف فلا بد أن يؤثره على غيره من الأديان. السعدي:325.﴿ وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَٱنۢبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَآءٍ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلْخَآئِنِينَ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٥٨﴾] وإنما رتب نبذ العهد على خوف الخيانة، دون وقوعها؛ لأن شؤون المعاملات السياسية والحربية تجري على حسب الظنون ومخائل الأحوال، ولا ينتظر تحقق وقوع الأمر المظنون؛ لأنه إذا تريث ولاة الأمور في ذلك يكونون قد عرضوا الأمة للخطر، أو للتورط في غفلة وضياع مصلحة. ابن عاشور:10/52.
﴿ فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِى ٱلْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٥٧﴾] وهذه من فوائد العقوبات والحدود المرتبة على المعاصي: أنها سبب لازدجار من لم يعمل المعاصي، بل وزجراً لمن عملها أن لا يعاودها. السعدي:324.
﴿ ٱلَّذِينَ عَٰهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِى كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُو ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٥٦﴾] والتعبير -في جانب نقضهم العهد- بصيغة المضارع للدلالة على أن ذلك يتجدد منهم ويتكرر بعد نزول هذه الآية، وأنهم لا ينتهون عنه؛ فهو تعريض بالتأييس من وفائهم بعهدهم. ابن عاشور:10/ 48.
﴿ ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا۟ مَا بِأَنفُسِهِمْ ۙ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٥٣﴾] وهذا التغيير نوعان: أحدهما: أن يُبدوا ذلك فيبقى قولا وعملا يترتب عليه الذم والعقاب. والثاني: أن يغيروا الإيمان الذي في قلوبهم بضده من الريب والشك والبغض، ويعزموا على ترك فعل ما أمر الله به ورسوله. ابن تيمية:3/282.
﴿ ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا۟ مَا بِأَنفُسِهِمْ ۙ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٥٣﴾] (ذلك) العذاب الذي أوقعه الله بالأمم المكذبين، وأزال عنهم ما هم فيه من النعم والنعيم بسبب ذنوبهم وتغييرهم ما بأنفسهم؛ فإن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم من نعم الدين والدنيا، بل يبقيها، ويزيدهم منها إن ازدادوا له شكرا، (حتى يغيروا ما بأنفسهم) من الطاعة إلى المعصية؛ فيكفروا نعمة الله، ويبدلوها كفرا؛ فيسلبهم إياها، ويغيرها عليهم كما غيروا ما بأنفسهم، ولله الحكمة في ذلك، والعدل والإحسان إلى عباده؛ حيث لم يعاقبهم إلا بظلمهم. السعدي:324.
﴿ ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا۟ مَا بِأَنفُسِهِمْ ۙ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٥٣﴾] أراد أن الله تعالى لا يغير ما أنعم على قوم حتى يغيروا هم ما بهم بالكفران وترك الشكر، فإذا فعلوا ذلك غير الله ما بهم، فسلبهم النعمة. البغوي:2/232.
﴿ تُرِيدُونَ عَرَضَ ٱلدُّنْيَا وَٱللَّهُ يُرِيدُ ٱلْءَاخِرَةَ ۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٦٧﴾] (عرض الدنيا): هو المال؛ وإنما سمي عرضا لأن الانتفاع به قليل اللبث، فأشبه الشيء العارض؛ إذ العروض مرور الشيء وعدم مكثه؛ لأنه يعرض للماشين بدون تهيؤ. ابن عاشور:10/76.
﴿ تُرِيدُونَ عَرَضَ ٱلدُّنْيَا وَٱللَّهُ يُرِيدُ ٱلْءَاخِرَةَ ۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٦٧﴾] (تريدون) أيها المؤمنون (عرض الدنيا) بأخذكم الفداء، (والله يريد الآخرة): يريد لكم ثواب الآخرة بقهركم المشركين، ونصركم دين الله عز وجل، والله عزيز حكيم. البغوي:2/239.
﴿ ۚ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَٰبِرُونَ يَغْلِبُوا۟ مِا۟ئَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّا۟ئَةٌ يَغْلِبُوٓا۟ أَلْفًا مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٦٥﴾] (قوم لا يفقهون) أي: لا عِلْمَ عندهم بما أعد الله للمجاهدين في سبيله، فهم يُقَاتِلُون لأجل العلو في الأرض والفساد فيها، وأنتم تفقهون المقصود من القتال: أنه لإعلاء كلمة الله، وإظهار دينه، والذب عن كتاب الله، وحصول الفوز الأكبر عند الله، وهذه كلها دواعٍ للشجاعة والصبر والإقدام على القتال. السعدي:326.
﴿ ۚ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَٰبِرُونَ يَغْلِبُوا۟ مِا۟ئَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّا۟ئَةٌ يَغْلِبُوٓا۟ أَلْفًا مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٦٦﴾] (بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ) أي: يقاتلون على غير دين ولا بصيرة فلا يثبتون. ابن جزي:1/ 348.
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ حَسْبُكَ ٱللَّهُ وَمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٦٤﴾] وهذا وعد من الله لعباده المؤمنين المتبعين لرسوله بالكفاية والنصرة على الأعداء، فإذا أتوا بالسبب الذي هو الإيمان والاتباع فلا بُدَّ أن يكفيَهم ما أهمهم من أمور الدين والدنيا، وإنما تتخلف الكفاية بتخلف شرطها. السعدي:325.
﴿ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ۚ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِى ٱلْأَرْضِ جَمِيعًا مَّآ أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّهُۥ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٦٣﴾] أي: جمع بين قلوب الأوس والخزرج، وكان تألف القلوب مع العصبية الشديدة في العرب من آيات النبي -صلى الله عليه وسلم- ومعجزاته؛ لأن أحدهم كان يلطم اللطمة، فيقاتل عنها حتى يستقيدها، وكانوا أشد خلق الله حمية، فألف الله بالإيمان بينهم؛ حتى قاتل الرجل أباه وأخاه بسبب الدين. القرطبي:10/67.
﴿ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ۚ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِى ٱلْأَرْضِ جَمِيعًا مَّآ أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ۚ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٦٣﴾] قال ابن عباس:...إن الله إذا قارب بين القلوب لم يزحزحها شيء، ثم قرأ هذه الآية. ابن كثير:2/309.
﴿ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ مِنۢ بَعْدُ وَهَاجَرُوا۟ وَجَٰهَدُوا۟ مَعَكُمْ فَأُو۟لَٰٓئِكَ مِنكُمْ ۚ وَأُو۟لُوا۟ ٱلْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِى كِتَٰبِ ٱللَّهِ ۗ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٧٥﴾] فهذه الموالاة الإيمانية لها وقع كبير، وشأن عظيم، حتى إن النبي -صلى الله عليه وسلم- آخى بين المهاجرين والأنصار أخوة خاصة غير الأخوة الإيمانية العامة، وحتى كانوا يتوارثون بها، فأنزل الله: (وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله): فلا يرثه إلا أقاربه. السعدي:328.
﴿ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَهَاجَرُوا۟ وَجَٰهَدُوا۟ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَوا۟ وَّنَصَرُوٓا۟ أُو۟لَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٧٤﴾] هم المؤمنون حقاً؛ لأنهم صدقوا إيمانهم بما قاموا به من الهجرة، والنصرة، والموالاة بعضهم لبعض، وجهادهم لأعدائهم من الكفار والمنافقين. السعدي:328.﴿ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ ۚ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِى ٱلْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٧٣﴾] (إِلا تَفْعَلُوهُ) أي: موالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين...
(تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ): فإنه يحصل بذلك من الشر ما لا ينحصر من اختلاط الحق بالباطل، والمؤمن بالكافر، وعدم كثير من العبادات الكبار؛ كالجهاد والهجرة، وغير ذلك من مقاصد الشرع والدين التي تفوت إذا لم يتخذ المؤمنون وحدهم أولياء بعضهم لبعض. السعدي:328.
﴿ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ ۚ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِى ٱلْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٧٣﴾] يعني أن في كل من الكفار قوة الموالاة للآخر عليكم والميل العظيم الحاث لهم على المسارعة في ذلك وإن اشتدت عداوة بعضهم لبعض لأنكم حزب وهم حزب، يجمعهم داعي الشيطان بوصف الكفران كما يجمعكم داعي الرحمن بوصف الإيمان. البقاعي:3/252.
﴿ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ ۚ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِى ٱلْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٧٣﴾] قطع الله الولاية بين الكفار والمؤمنين، فجعل المؤمنين بعضهم أولياء بعض، والكفار بعضهم أولياء بعض. القرطبي:10/87.
﴿ وَإِنِ ٱسْتَنصَرُوكُمْ فِى ٱلدِّينِ فَعَلَيْكُمُ ٱلنَّصْرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوْمٍۭ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَٰقٌ ۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٧١﴾] وقوله: (والله بما تعملون بصير) تحذير للمسلمين؛ لئلا يحملهم العطف على المسلمين على أن يقاتلوا قوما بينهم وبينهم ميثاق. وفي هذا التحذير تنويه بشأن الوفاء بالعهد، وأنه لا ينقضه إلا أمر صريح في مخالفته. ابن عاشور:10/87.
﴿ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَلَمْ يُهَاجِرُوا۟ مَا لَكُم مِّن وَلَٰيَتِهِم مِّن شَىْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُوا۟ ۚ وَإِنِ ٱسْتَنصَرُوكُمْ فِى ٱلدِّينِ فَعَلَيْكُمُ ٱلنَّصْرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوْمٍۭ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَٰقٌ ۗ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٧١﴾] ابن العربي: إلا أن يكونوا أسراء مستضعفين؛ فإن الولاية معهم قائمة، والنصرة لهم واجبة حتى لا تبقى منا عين تطرف، حتى نخرج إلى استنقاذهم إن كان عددنا يحتمل ذلك، أو نبذل جميع أموالنا في استخراجهم حتى لا يبقى لأحد درهم؛ كذلك قال مالك وجميع العلماء، فإنا لله وإنا إليه راجعون على ما حل بالخلق في ترك إخوانهم في أسر العدو، وبأيديهم خزائن الأموال، وفضول الأحوال، والقدرة، والعدد، والقوة، والجلد. القرطبي:10/347.