سورة مريم
﴿ قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِى غُلَٰمٌ وَكَانَتِ ٱمْرَأَتِى عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ ٱلْكِبَرِ عِتِيًّا ﴾ [سورة مريم آية:﴿٨﴾] تعجب واستبعاد أن يكون له ولد مع شيخوخته وعقم امرأته؛ فسأل ذلك أولاً لعلمه بقدرة الله عليه، وتعجب منه لأنه نادر في العادة. وقيل: سأله وهو في سِنّ من يرجوه، وأجيب بعد ذلك بسنين وهو قد شاخ. ابن جزي:2/4.
﴿ يَٰزَكَرِيَّآ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَٰمٍ ٱسْمُهُۥ يَحْيَىٰ لَمْ نَجْعَل لَّهُۥ مِن قَبْلُ سَمِيًّا ﴾ [سورة مريم آية:﴿٧﴾] فتضمنت هذه البشرى ثلاثة أشياء: أحدها: إجابة دعائه، وهي كرامة. الثاني: إعطاؤه الولد؛ وهو قوة، الثالث: أن يفرد بتسميته. القرطبي:13/417.
﴿ وَإِنِّى خِفْتُ ٱلْمَوَٰلِىَ مِن وَرَآءِى وَكَانَتِ ٱمْرَأَتِى عَاقِرًا فَهَبْ لِى مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا ﴿٥﴾ يَرِثُنِى وَيَرِثُ مِنْ ءَالِ يَعْقُوبَ ﴾ [سورة مريم آية:﴿١﴾] وجه خوفه: أنه خشي أن يتصرفوا من بعده في الناس تصرفاً سيئاً، فسأل الله ولداً يكون نبياً من بعده؛ ليسوسهم بنبوته ما يوحى إليه، فأجيب في ذلك، لا أنه خشي من وراثتهم له ماله؛ فإن النبي أعظم منزلة، وأجل قدراً من أن يشفق على ماله إلى ما هذا حَدُّهُ. ابن كثير:3/109.
﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّى وَهَنَ ٱلْعَظْمُ مِنِّى وَٱشْتَعَلَ ٱلرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنۢ بِدُعَآئِكَ رَبِّ شَقِيًّا ﴾ [سورة مريم آية:﴿٤﴾] قال العلماء: يستحب للمرء أن يذكر في دعائه نعم الله تعالى عليه، وما يليق بالخضوع؛ لأن قوله تعالى: (وهن العظم مني) إظهار للخضوع، وقوله: (ولم أكن بدعائك رب شقياً) إظهار لعادات تفضله في إجابته أدعيته؛ أي: لم أكن بدعائي إياك شقيا؛ أي: لم تكن تخيب دعائي إذا دعوتك؛ أي: إنك عودتني الإجابة فيما مضى. القرطبي:13/409.
﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّى وَهَنَ ٱلْعَظْمُ مِنِّى وَٱشْتَعَلَ ٱلرَّأْسُ شَيْبًا ﴾ [سورة مريم آية:﴿٤﴾] توسل إلى الله تعالى بضعفه وعجزه، وهذا من أحب الوسائل إلى الله؛ لأنه يدل على التبري من الحول والقوة، وتعلق القلب بحول الله وقوته. السعدي:489.
﴿ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُۥ نِدَآءً خَفِيًّا ﴾ [سورة مريم آية:﴿٣﴾] (إذ نادى ربه) يعني: دعاه. (نداءً خفياً): أخفاه لأنه يسمع الخفي كما يسمع الجهر، ولأن الإخفاء أقرب إلى الإخلاص، وأبعد من الرياء، ولئلا يلومه الناس على طلب الولد. ابن جزي:2/3.
﴿ ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُۥ زَكَرِيَّآ ﴾ [سورة مريم آية:﴿٢﴾] وصفه بالعبودية تشريفاً له، وإعلاماً له بتخصيصه وتقريبه. ابن جزي:2/3.
﴿ وَهُزِّىٓ إِلَيْكِ بِجِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ تُسَٰقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا ﴿٢٥﴾ فَكُلِى وَٱشْرَبِى وَقَرِّى عَيْنًا ﴾ [سورة مريم آية:﴿٢٥﴾] وقد أخذ بعض العلماء من هذه الآية أن خير ما تطعمه النفساء الرطب؛ قالوا: لو كان شيء أحسن للنفساء من الرطب لأطعمه الله مريم وقت نفاسها بعيسى، قاله الربيع بن خثيم وغيره. الشنقيطي:3/399.
﴿ وَهُزِّىٓ إِلَيْكِ بِجِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ تُسَٰقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا ﴾ [سورة مريم آية:﴿٢٥﴾] استدل بعض الناس بهذه الآية على أن الإنسان ينبغي له أن يتسبب في طلب الرزق؛ لأن الله أمر مريم بهز النخلة. ابن كثير:3/164.
﴿ وَلِنَجْعَلَهُۥٓ ءَايَةً لِّلنَّاسِ ﴾ [سورة مريم آية:﴿٢١﴾] تدل على كمال قدرة الله تعالى، وعلى أن الأسباب جميعها لا تستقل بالتأثير، وإنما تأثيرها بتقدير الله؛ فيري عباده خرق العوائد في بعض الأسباب العادية لئلا يقفوا مع الأسباب، ويقطعوا النظر عن مُقَدِّرها ومسببها. السعدي:491.
﴿ قَالَتْ إِنِّىٓ أَعُوذُ بِٱلرَّحْمَٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا ﴾ [سورة مريم آية:﴿١٨﴾] وذكرها صفة (الرحمن) دون غيرها من صفات الله لأنها أرادت أن يرحمها الله بدفع من حسبته داعراً عليها. ابن عاشور:16/81.
﴿ قَالَتْ إِنِّىٓ أَعُوذُ بِٱلرَّحْمَٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا ﴾ [سورة مريم آية:﴿١٨﴾] تذكير له بالله؛ وهذا هو المشروع في الدفع: أن يكون بالأسهل فالأسهل؛ فخوفته أولاً بالله عز جل. ابن كثير:3/113.
﴿ وَسَلَٰمٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا ﴾ [سورة مريم آية:﴿١٥﴾] قال سفيان بن عيينة: أوحش ما يكون المرء في ثلاثة مواطن: يوم يولد؛ فيرى نفسه خارجاً مما كان فيه، ويوم يموت؛ فيرى قوماً لم يكن عاينهم، ويوم يبعث؛ فيرى نفسه في محشر عظيم. قال: فأكرم الله فيها يحيى بن زكريا، فخصه بالسلام عليه. ابن كثير:3/111.
﴿ وَبَرًّۢا بِوَٰلِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا ﴾ [سورة مريم آية:﴿١٤﴾] يقول تعالى ذكره: وكان برا بوالديه، مسارعا في طاعتهما ومحبتهما، غير عاق بهما، (ولم يكن جباراً عصياً): يقول جل ثناؤه: ولم يكن مستكبرا عن طاعة ربه وطاعة والديه، ولكنه كان لله ولوالديه متواضعا، متذللا؛ يأتمر لما أمر به، وينتهي عما نهي عنه، لا يعصي ربه، ولا والديه. الطبري:18/160.
﴿ وَٱلسَّلَٰمُ عَلَىَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ﴾ [سورة مريم آية:﴿٣٣﴾] وذكر المواطن التي خصها؛ لأنها أوقات حاجة الإنسان إلى رحمة الله. ابن عطية:4/15.
﴿ وَبَرًّۢا بِوَٰلِدَتِى وَلَمْ يَجْعَلْنِى جَبَّارًا شَقِيًّا ﴾ [سورة مريم آية:﴿٣٢﴾] وقد خصه الله تعالى بذلك بين قومه لأن برّ الوالدين كان ضعيفاً في بني إسرائيل يومئذ، وبخاصة الوالدة؛ لأنها تستضعف؛ لأن فرط حنانها ومشقتها قد يجرئان الولد على التساهل في البرّ بها. ابن عاشور:16/100.
﴿ وَجَعَلَنِى مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ ﴾ [سورة مريم آية:﴿٣١﴾] أي: نفّاعا حيث ما توجهت، وقال مجاهد: معلما للخير، وقال عطاء: أدعو إلى اللّه، وإلى توحيده وعبادته. البغوي:3/85.
﴿ قَالَ إِنِّى عَبْدُ ٱللَّهِ ﴾ [سورة مريم آية:﴿٣٠﴾] فخاطبهم بوصفه بالعبودية، وأنه ليس فيه صفة يستحق بها أن يكون إلهاً، أو ابناً للإله، تعالى الله عن قول النصارى المخالفين لعيسى في قوله. السعدي:492.
﴿ قَالَ إِنِّى عَبْدُ ٱللَّهِ ءَاتَىٰنِىَ ٱلْكِتَٰبَ وَجَعَلَنِى نَبِيًّا ﴾ [سورة مريم آية:﴿٣٠﴾] ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن أول كلمة نطق لهم بها عيسى وهو صبي في مهده: أنه عبد الله؛ وفي ذلك أعظم زجر للنصارى عن دعواهم أنه الله، أو ابنه، أو إله معه. الشنقيطي:3/416.
﴿ فَأَتَتْ بِهِۦ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُۥ ﴾ [سورة مريم آية:﴿٢٧﴾] أتت بعيسى قومها تحمله؛ وذلك لعلمها ببراءة نفسها وطهارتها. السعدي:492.
﴿ إِنِّى نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ ٱلْيَوْمَ إِنسِيًّا ﴾ [سورة مريم آية:﴿٢٦﴾] وإنما لم تؤمر بمخاطبتهم في نفي ذلك عن نفسها لأن الناس لا يصدقونها، ولا فيه فائدة، وليكون تبرئتها بكلام عيسى في المهد أعظم شاهد على براءتها؛ فإن إتيان المرأة بولد من دون زوج، ودعواها أنه من غير أحد من أكبر الدعاوى التي لو أقيم عدة من الشهود لم تصدق بذلك، فجعلت بينة هذا الخارق للعادة أمراً من جنسه؛ وهو كلام عيسى في حال صغره جداً. السعدي:492.
﴿ وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَأَدْعُوا۟ رَبِّى عَسَىٰٓ أَلَّآ أَكُونَ بِدُعَآءِ رَبِّى شَقِيًّا ﴾ [سورة مريم آية:﴿٤٨﴾] وهذه وظيفة من أَيِسَ مِمَّن دعاهم... أن يشتغل بإصلاح نفسه، ويرجو القبول من ربه، ويعتزل الشر وأهله. السعدي:495.
﴿ قَالَ سَلَٰمٌ عَلَيْكَ ۖ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّىٓ ۖ ﴾ [سورة مريم آية:﴿٤٧﴾] أجابه الخليل جواب عباد الرحمن عند خطاب الجاهلين، ولم يشتمه، بل صبر، ولم يقابل أباه بما يكره، وقال: (سلام عليك). السعدي:495.
﴿ يَٰٓأَبَتِ لَا تَعْبُدِ ٱلشَّيْطَٰنَ ۖ إِنَّ ٱلشَّيْطَٰنَ كَانَ لِلرَّحْمَٰنِ عَصِيًّا ﴾ [سورة مريم آية:﴿٤٤﴾] وذكر وصف: (عصيًّا) الذي هو من صيغ المبالغة في العصيان، مع زيادة فعل (كان) للدلالة على أنه لا يفارق عصيان ربه، وأنه متمكن منه. ابن عاشور:16/117.
﴿ يَٰٓأَبَتِ إِنِّى قَدْ جَآءَنِى مِنَ ٱلْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ ﴾ [سورة مريم آية:﴿٤٣﴾] وفي هذا من لطف الخطاب ولينه ما لا يخفى؛ فإنه لم يقل: «يا أبت أنا عالم وأنت جاهل»، أو «ليس عندك من العلم شيء»، وإنما أتى بصيغة تقتضي أن عندي وعندك علماً، وأن الذي وصل إليَّ لم يصل إليك ولم يأتك. السعدي:494.
﴿ يَٰٓأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِى عَنكَ شَيْـًٔا ﴿٤٢﴾ يَٰٓأَبَتِ إِنِّى قَدْ جَآءَنِى مِنَ ٱلْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَٱتَّبِعْنِىٓ أَهْدِكَ صِرَٰطًا سَوِيًّا ﴿٤٣﴾ يَٰٓأَبَتِ لَا تَعْبُدِ ٱلشَّيْطَٰنَ ۖ إِنَّ ٱلشَّيْطَٰنَ كَانَ لِلرَّحْمَٰنِ عَصِيًّا ﴿٤٤﴾ يَٰٓأَبَتِ إِنِّىٓ أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ ٱلرَّحْمَٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَٰنِ وَلِيًّا ﴾ [سورة مريم آية:﴿٤٢﴾] فتدرج الخليل- عليه السلام- بدعوة أبيه بالأسهل فالأسهل؛ فأخبره بعلمه وأن ذلك موجب لاتباعك إياي، وأنك إن أطعتني اهتديت إلى صراط مستقيم، ثم نهاه عن عبادة الشيطان، وأخبره بما فيها من المضار، ثم حذره عقاب الله ونقمته إن أقام على حاله، وأنه يكون ولياً للشيطان. السعدي:495.
﴿ إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ ٱلْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ ﴾ [سورة مريم آية:﴿٤٠﴾] الصديق: الكثير الصدق القائم عليه، وقيل: من صدق الله في وحدانيته، وصدق أنبياءه ورسله، وصدق بالبعث، وقام بالأوامر فعمل بها؛ فهو الصديق. البغوي:3/88.
﴿ وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلْحَسْرَةِ إِذْ قُضِىَ ٱلْأَمْرُ وَهُمْ فِى غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [سورة مريم آية:﴿٣٩﴾] الحسرة: أشد الندم والتلف على الشيء الذي فات ولا يمكن تداركه، والإنذار: الإعلام المقترن بتهديد؛ أي: أنذر الناس يوم القيامة، وقيل له يوم الحسرة لشدة ندم الكفار فيه على التفريط، وقد يندم فيه المؤمنون على ما كان منهم من التقصير. الشنقيطي:3/422.
﴿ وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا ﴾ [سورة مريم آية:﴿٦٢﴾] (بكرة وعشيا) أي: في قدر هذين الوقتين، إذ لا بكرة ثَمَّ ولا عشيا... وقال العلماء: ليس في الجنة ليل ولا نهار، وإنما هم في نور أبدا. القرطبي:13/479.
﴿ جَنَّٰتِ عَدْنٍ ٱلَّتِى وَعَدَ ٱلرَّحْمَٰنُ عِبَادَهُۥ بِٱلْغَيْبِ ۚ ﴾ [سورة مريم آية:﴿٦١﴾] أضافها إلى اسمه (الرحمن) لأنها فيها من الرحمة والإحسان ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. وأيضاً ففي إضافتها إلى رحمته ما يدل على استمرار سرورها، وأنها باقية بقاء رحمته التي هي أثرها وموجبها. السعدي:497.
﴿ فَخَلَفَ مِنۢ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ ﴾ [سورة مريم آية:﴿٥٩﴾] وإذا أضاعوها فهم لما سواها من الواجبات أضيع؛ لأنها عماد الدين، وقوامه، وخير أعمال العباد. ابن كثير:3/125.
﴿ فَخَلَفَ مِنۢ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَٱتَّبَعُوا۟ ٱلشَّهَوَٰتِ ۖ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ﴾ [سورة مريم آية:﴿٥٩﴾] سألوا ابن مسعود عن إضاعتها فقال: هو تأخيرها حتى يخرج وقتها، فقالوا: ما كنا نرى ذلك إلا تركها، فقال: لو تركوها لكانوا كفارا. ابن تيمية:4/285.
﴿ إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتُ ٱلرَّحْمَٰنِ خَرُّوا۟ سُجَّدًا وَبُكِيًّا ﴾ [سورة مريم آية:﴿٥٨﴾] وفي إضافة الآيات إلى اسمه (الرحمن) دلالة على أن آياته من رحمته بعباده، وإحسانه إليهم؛ حيث هداهم بها إلى الحق، وبصرهم من العمى، وأنقذهم من الضلالة، وعلمهم من الجهالة. السعدي:496.
﴿ وَٱذْكُرْ فِى ٱلْكِتَٰبِ إِسْمَٰعِيلَ ۚ إِنَّهُۥ كَانَ صَادِقَ ٱلْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا ﴿٥٤﴾ وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُۥ بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱلزَّكَوٰةِ ﴾ [سورة مريم آية:﴿٥٤﴾] فكمَّل نفسه، وكمَّل غيره، وخصوصاً أخص الناس عنده، وهم أهله؛ لأنهم أحق بدعوته من غيرهم. السعدي:496.
﴿ وَٱذْكُرْ فِى ٱلْكِتَٰبِ إِسْمَٰعِيلَ ۚ إِنَّهُۥ كَانَ صَادِقَ ٱلْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا ﴾ [سورة مريم آية:﴿٥٤﴾] قال مجاهد: لم يعد شيئاً إلا وفَّّى به، وقال مقاتل: وعد رجلا أن يقيم مكانه حتى يرجع إليه الرجل، فأقام إسماعيل مكانه ثلاثة أيام للميعاد؛ حتى رجع إليه الرجل. البغوي:3/91.
﴿ وَٱلْبَٰقِيَٰتُ ٱلصَّٰلِحَٰتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَّرَدًّا ﴾ [سورة مريم آية:﴿٧٦﴾] (والباقيات الصالحات): الأذكار والأعمال الصالحة التي تبقى لصاحبها. البغوي:3/105.
﴿ قُلْ مَن كَانَ فِى ٱلضَّلَٰلَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ ٱلرَّحْمَٰنُ مَدًّا ۚ حَتَّىٰٓ إِذَا رَأَوْا۟ مَا يُوعَدُونَ إِمَّا ٱلْعَذَابَ وَإِمَّا ٱلسَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا ﴾ [سورة مريم آية:﴿٧٥﴾] فمعيار التفرقة بين النّعمة الناشئة عن رضى الله تعالى على عبده وبين النعمة التي هي استدراج لمن كفر به هو النظر إلى حال من هو في نعمة بين حال هدى وحال ضلال. [ابن عاشور:16/155].
﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَٰثًا وَرِءْيًا ﴾ [سورة مريم آية:﴿٧٤﴾] الأثاث: المال من اللباس ونحوه، والرئي: المنظر، فأخبر أن الذين أهلكهم قبلهم كانوا أحسن صورا، وأحسن أثاثا وأموالا؛ ليبين أن ذلك لا ينفع عنده، ولا يعبأ به. ابن تيمية:4/292.
﴿ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتُنَا بَيِّنَٰتٍ قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ أَىُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا ﴾ [سورة مريم آية:﴿٧٣﴾] (خير مقاماً) أي: في الدنيا من: كثرة الأموال، والأولاد، وتوفر الشهوات... وعلم من هذا أن الاستدلال على خير الآخرة بخير الدنيا من أفسد الأدلة، وأنه من طرق الكفار. السعدي:499.
﴿ وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ۚ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا ﴾ [سورة مريم آية:﴿٧١﴾] كان عبد الله بن رواحة واضعاً رأسه في حجر امرأته فبكى، فبكت امرأته، فقال: ما يبكيك؟ قالت: رأيتك تبكي فبكيت، قال: إني ذكرت قول الله عز وجل: (وإن منكم إلا واردها) فلا أدري أنجو منها، أم لا. وكان أبو ميسرة إذا أوى إلى فراشه قال: يا ليت أمي لم تلدني، ثم يبكي، فقيل له: ما يبكيك يا أبا ميسرة؟ فقال: أُخبِرنا أَنَّا واردوها، ولم نُخْبَر أَنَّا صادرون عنها. ابن كثير:3/129.
﴿ ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى ٱلرَّحْمَٰنِ عِتِيًّا ﴾ [سورة مريم آية:﴿٦٩﴾] (أيهم أشد على الرحمن عتيا): عتواً؛ قال ابن عباس رضي الله عنهما: يعني جرأة. وقال مجاهد: فجورا؛ يريد: الأعتى فالأعتى. وقال الكلبي: قائدهم ورأسهم في الشر؛ يريد أنه يقدم في إدخال النار من هو أكبر جرما وأشد كفرا. وفي بعض الآثار: أنهم يحشرون جميعا حول جهنم مسلسلين مغلولين، ثم يقدم الأكفر فالأكفر. البغوي:3/99
﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَٱلشَّيَٰطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا ﴾ [سورة مريم آية:﴿٦٨﴾] وعطف (الشياطين) على ضمير المشركين لقصد تحقيرهم بأنهم يحشرون مع أحقر جنس وأفسده، وللإشارة إلى أن الشياطين هم سبب ضلالهم الموجب لهم هذه الحالة. ابن عاشور:16/147.
﴿ تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ ٱلْأَرْضُ وَتَخِرُّ ٱلْجِبَالُ هَدًّا ﴿٩٠﴾ أَن دَعَوْا۟ لِلرَّحْمَٰنِ وَلَدًا ﴾ [سورة مريم آية:﴿٩٠﴾] قال ابن عباس: إن الشرك فزعت منه السماوات والأرض والجبال وجميع الخلائق، إلا الثقلين. ابن كثير:3/135.
﴿ لَّا يَمْلِكُونَ ٱلشَّفَٰعَةَ إِلَّا مَنِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحْمَٰنِ عَهْدً ﴾ [سورة مريم آية:﴿٨٧﴾] وسمى الله الإيمان به واتباع رسله عهداً لأنه عهد في كتبه وعلى ألسنة رسله بالجزاء الجميل لمن اتبعهم. السعدي:501.
﴿ وَنَسُوقُ ٱلْمُجْرِمِينَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وِرْدًا ﴾ [سورة مريم آية:﴿٨٦﴾] يساقون إلى جهنم ورداً؛ أي: عطاشاً، وهذا أبشع ما يكون من الحالات؛ سوقهم على وجه الذل والصغار إلى أعظم سجن وأفظع عقوبة -وهو جهنم- في حال ظمَئِهم ونصبهم. السعدي:500.
﴿ يَوْمَ نَحْشُرُ ٱلْمُتَّقِينَ إِلَى ٱلرَّحْمَٰنِ وَفْدًا ﴾ [سورة مريم آية:﴿٨٥﴾] الوافد لا بد أن يكون في قلبه من الرجاء وحسن الظن بالوافد إليه ما هو معلوم؛ فالمتقون يفدون إلى الرحمن راجين منه رحمته وعميم إحسانه، والفوز بعطاياه في دار رضوانه. السعدي:500.
﴿ وَٱتَّخَذُوا۟ مِن دُونِ ٱللَّهِ ءَالِهَةً لِّيَكُونُوا۟ لَهُمْ عِزًّا ﴿٨١﴾ كَلَّا ۚ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا ﴾ [سورة مريم آية:﴿٨١﴾] ما علق العبد رجاءه وتوكله بغير الله إلا خاب من تلك الجهة، ولا استنصر بغير الله إلا خذل. ابن تيمية:4/292.
﴿ وَنَرِثُهُۥ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا ﴾ [سورة مريم آية:﴿٨٠﴾] ومعنى إرث أولاده: أنهم يصيرون مسلمين، فيدخلون في حزب الله؛ فإن العاص وَلدَ عمَرْاً الصحابي الجليل، وهشاماً الصحابي الشهيد يوم أجنادين، فهنا بشارة للنبي ﷺ، ونكاية وكمد للعاص بن وائل. ابن عاشور:16/163.
﴿ وَنَرِثُهُۥ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا ﴾ [سورة مريم آية:﴿٨٠﴾] أي: نسلبه ما أعطيناه في الدنيا من مال وولد، وقال ابن عباس-رضي الله عنهما- وغيره: «أي: نرثه المال والولد بعد إهلاكنا إياه». وقيل: نحرمه ما تمناه في الآخرة من مال وولد، ونجعله لغيره من المسلمين. (ويأتينا فرداً) أي: منفردا لا مال له، ولا ولد، ولا عشيرة تنصره. القرطبي:13/509.
الكلم الطيب