﴿ قَالَ يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِى وَلَا بِرَأْسِىٓ ﴾ [سورة طه آية:﴿٩٤﴾] هذه الآية الكريمة بضميمة آية «الأنعام» إليها تدل على لزوم إعفاء اللحية؛ فهي دليل قرآني على إعفاء اللحية وعدم حلقها. وآية الأنعام المذكورة هي قوله تعالى: (ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون) الآية [الأنعام: 90]. ثم إنه تعالى قال بعد أن عد الأنبياء الكرام المذكورين (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده)، فدل ذلك على أن هارون من الأنبياء الذين أُمِر نبيُّنا ﷺ بالاقتداء بهم، وأمره ﷺ بذلك أمر لنا؛ لأن أمر القدوة أمر لأتباعه. الشنقيطي:4/92.
﴿ قَالَ يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِى وَلَا بِرَأْسِىٓ ﴾ [سورة طه آية:﴿٩٤﴾] ترقق له بذكر الأم، مع أنه شقيقه لأبويه؛ لأن ذكر الأم ههنا أرق وأبلغ في الحنو والعطف. ابن كثير:3/159.
﴿ قَالَ يَٰهَٰرُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوٓا۟ ﴿٩٢﴾ أَلَّا تَتَّبِعَنِ ۖ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِى ﴾ [سورة طه آية:﴿٩٢﴾] هذا كله أصل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتغييره ومفارقة أهله، وأن المقيم بينهم- لاسيما إذا كان راضيا- حكمه كحكمهم. القرطبي:14/124.
﴿ أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا ﴾ [سورة طه آية:﴿٨٩﴾] لأن ذلك محل العبرة من فقدانه صفات العاقل؛ لأنهم يَدْعُونه، ويُثنون عليه، ويمجدونه، وهو ساكت، لا يشكر لهم، ولا يَعِدهم باستجابة، وشأن الكامل إذا سمع ثناء أو تلقّى طِلبة أن يجيب. ابن عاشور:16/288.
﴿ أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا ﴾ [سورة طه آية:﴿٨٩﴾] وقدم الضرّ على النفع قطعاً لعُذرهم في اعتقاد إلهيته؛ لأن عذر الخائف من الضرّ أقوى من عذر الراغب في النفع. ابن عاشور:16/289.
﴿ وَكَذَٰلِكَ أَنزَلْنَٰهُ قُرْءَانًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ ٱلْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا ﴾ [سورة طه آية:﴿١١٣﴾] وهذا وصف يفيد المدح؛ لأنّ اللغة العربية أبلغ اللّغات، وأحسنها فصاحة وانسجاماً. ابن عاشور:16/314.
﴿ وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا ﴾ [سورة طه آية:﴿١١٢﴾] لأن العمل لا يقبل من غير إيمان. القرطبي:14/143.
﴿ وَعَنَتِ ٱلْوُجُوهُ لِلْحَىِّ ٱلْقَيُّومِ ۖ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا ﴾ [سورة طه آية:﴿١١١﴾] وكنى عن الناس بالوجوه؛ لأن آثار الذل إنما تتبين في الوجه. القرطبي:14/142.
﴿ يَتَخَٰفَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا ﴿١٠٣﴾ نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا ﴾ [سورة طه آية:﴿١٠٣﴾] والمقصود من هذا: الندم العظيم؛ كيف ضيعوا الأوقات القصيرة، وقطعوها ساهين لاهين، معرضين عما ينفعهم، مقبلين على ما يضرهم، فها قد حضر الجزاء، وحق الوعيد، فلم يبق إلا الندم، والدعاء بالويل والثبور. السعدي:513.
﴿ يَتَخَٰفَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا ﴿١٠٣﴾ نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا ﴾ [سورة طه آية:﴿١٠٣﴾] أي: يقول بعضهم لبعض في السرّ: إن لبثتم في الدنيا إلا عشر ليال؛ وذلك لاستقلالهم مدّة الدنيا. وقيل: يعنون لبثهم في القبور. (يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما) أي: يقول أعلمهم بالأمور؛ فالإضافة إليهم. (إن لبثتم إلا يوماً): واحداً؛ فاستقل المدّة أشد مما استقلها غيره. ابن جزي:2/24.
﴿ وَقَدْ ءَاتَيْنَٰكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْرًا ﴾ [سورة طه آية:﴿٩٩﴾] وهو هذا القرآن الكريم؛ ذكر للأخبار السابقة واللاحقة، وذكر يتذكر به ما لله تعالى من الأسماء والصفات الكاملة، ويتذكر به أحكام الأمر والنهي، وأحكام الجزاء. السعدي:512.
﴿ كَذَٰلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنۢبَآءِ مَا قَدْ سَبَقَ ۚ وَقَدْ ءَاتَيْنَٰكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْرًا ﴾ [سورة طه آية:﴿٩٩﴾] ما يقص من أخبار الأمم ليس المقصود به قطْع حصة الزمان، ولا إيناس السامعين بالحديث، إنما المقصود منه العبرة، والتذكرة، وإيقاظ لبصائر المشركين من العرب إلى موضع الاعتبار من هذه القصة. ابن عاشور:16/302.
﴿ فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَاىَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ ﴾ [سورة طه آية:﴿١٢٣﴾] قال ابن عباس رضي الله عنهما: «ضمن الله تعالى لمن قرأ القرآن وعمل به ألا يضل في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة»، وتلا الآية. القرطبي 14/156.
﴿ إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَىٰ ﴿١١٨﴾ وَأَنَّكَ لَا تَظْمَؤُا۟ فِيهَا وَلَا تَضْحَىٰ ﴾ [سورة طه آية:﴿١١٨﴾] في قوله: (إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى)، وقرن بين انتفاء الظمأ وألم الجسم في قوله:وقد قُرن بين انتفاء الجوع واللباس (وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى) لمناسبة بين الجوع والعَرى في أن الجوع خلوّ باطن الجسم عما يقيه تألمه؛ وذلك هو الطعام، وأن العري خلوّ ظاهر الجسم عما يقيه تألمه، وهو لفح الحر، وقرص البرد. ولمناسبة بين الظمأ وبين حرارة الشمس في أن الأول ألم حرارة الباطن، والثاني ألم حرارة الظاهر. ابن عاشور:16/322.
﴿ وَقُل رَّبِّ زِدْنِى عِلْمًا ﴾ [سورة طه آية:﴿١١٤﴾] كان ابن مسعود- رضي الله عنه- إذا قرأ هذه الآية قال: اللهم زدني علماً وإيماناً ويقيناً. البغوي:3/142.
﴿ وَلَا تَعْجَلْ بِٱلْقُرْءَانِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰٓ إِلَيْكَ وَحْيُهُۥ ۖ وَقُل رَّبِّ زِدْنِى عِلْمًا ﴾ [سورة طه آية:﴿١١٤﴾] ويؤخذ من هذه الآية الكريمة: الأدب في تلقي العلم، وأن المستمع للعلم ينبغي له أن يتأنَّى ويصبر حتى يفرغ المعلم من كلامه المتصل بعضه ببعض، فإذا فرغ منه سأل إن كان عنده سؤال، ولا يبادر بالسؤال وقطع كلام مُلْقِي العلم؛ فإنه سبب للحرمان. السعدي:514.
﴿ فَتَعَٰلَى ٱللَّهُ ٱلْمَلِكُ ٱلْحَقُّ ۗ ﴾ [سورة طه آية:﴿١١٤﴾] وفي وصفه بالحق إيماء إلى أن مُلك غيره من الـمُتَسَمِّين بالملوك لا يخلو من نقص. ابن عاشور:16/315.
﴿ وَلَا تَعْجَلْ بِٱلْقُرْءَانِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰٓ إِلَيْكَ وَحْيُهُۥ ۖ وَقُل رَّبِّ زِدْنِى عِلْمًا ﴾ [سورة طه آية:﴿١١٤﴾] لما كانت عجلته- صلى الله عليه وسلم- على تَلَقُّف الوحي ومبادرته إليه تدل على محبته التامة للعلم، وحرصه عليه؛ أمره الله تعالى أن يسأله زيادة العلم. السعدي: 514.
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَةً ضَنكًا ﴾ [سورة طه آية:﴿١٢٤﴾] فلا طمأنينة له، ولا انشراح لصدره، بل صدره ضيق حرج لضلاله، وإن تنعم ظاهره، ولبس ما شاء، وأكل ما شاء، وسكن حيث شاء؛ فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى فهو في قلق، وحيرة، وشك، فلا يزال في ريبة يتردد، فهذا من ضنك المعيشة.
﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱصْطَبِرْ عَلَيْهَا ۖ لَا نَسْـَٔلُكَ رِزْقًا ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكَ ۗ وَٱلْعَٰقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ ﴾ [سورة طه آية:﴿١٣٢﴾] أي: لا نسألك أن ترزق نفسك وإياهم، وتشتغل عن الصلاة بسبب الرزق، بل نحن نتكفل برزقك وإياهم، فكان عليه الصلاة والسلام إذا نزل بأهله ضيق أمرهم بالصلاة. القرطبي:14/165.
﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱصْطَبِرْ عَلَيْهَا ۖ لَا نَسْـَٔلُكَ رِزْقًا ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكَ ۗ وَٱلْعَٰقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ ﴾ [سورة طه آية:﴿١٣٢﴾] (لا نسألك رزقاً) أي: لا نسألك أن ترزق نفسك ولا أهلك؛ فتفرغ أنت وأهلك للصلاة، فنحن نرزقك، وكان بعض السلف إذا أصاب أهله خصاصة قال: قوموا فصلوا؛ بهذا أمركم الله، ويتلو هذه الآية. ابن جزي:2/29.
﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱصْطَبِرْ عَلَيْهَا ﴾ [سورة طه آية:﴿١٣٢﴾] والأمر بالشيء أمرٌ بجميع ما لا يتم إلا به، فيكون أمراً بتعليمهم ما يصلح الصلاة، ويفسدها، ويكملها... فإن العبد إذا أقام صلاته على الوجه المأمور به؛ كان لما سواها من دينه أحفظ وأقوم، وإذا ضيعها كان لما سواها أضيع. السعدي:517.
﴿ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِۦٓ أَزْوَٰجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ۚ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ ﴾ [سورة طه آية:﴿١٣١﴾] وفي هذه الآية إشارة إلى أن العبد إذا رأى من نفسه طموحاً إلى زينة الدنيا، وإقبالاً عليها، أن يذكرها ما أمامها من رزق ربه، وأن يوازن بين هذا وهذا. السعدي:517.
﴿ فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا ۖ وَمِنْ ءَانَآئِ ٱلَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ ٱلنَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَىٰ ﴾ [سورة طه آية:﴿١٢٦﴾] وأمره بأن يقبل على مزاولة تزكية نفسه وتزكية أهله بالصلاة، والإعراض عما متع الله الكفّار برفاهية العيش، ووعده بأن العاقبة للمتقين. ابن عاشور:16/337.
﴿ وَلَعَذَابُ ٱلْءَاخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَىٰٓ ﴾ [سورة طه آية:﴿١٢٧﴾] لكونه لا ينقطع، بخلاف عذاب الدنيا فإنه منقطع، فالواجب الخوف والحذر من عذاب الآخرة. السعدي:516.
﴿ قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ ءَايَٰتُنَا فَنَسِيتَهَا ۖ وَكَذَٰلِكَ ٱلْيَوْمَ تُنسَىٰ ﴾ [سورة طه آية:﴿١٢٦﴾] النسيان في هذه الآية بمعنى: الترك. ولا مدخل للذهول في هذا الموضع، و(تُنسى) بمعنى: تترك في العذاب. ابن عطية:4/69.
الكلم الطيب